أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها0%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
تصنيف: الصفحات: 442
المشاهدات: 76308
تحميل: 8319

توضيحات:

أصل الشيعة وأصولها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76308 / تحميل: 8319
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣- والركوع.

٤- والسجود.

ب - وغير ركن، وهي:

١- القراءة.

٢- والذكر.

٣- والتشهد.

٤- والتسليم.

والطمأنينة معتبرة في الجميع، والأذان والإقامة مُستحبّان مُؤكّدان، بل الأخير وجوبه قويّ مع السعة.

الثالث: الموانع: وهي أمور بوجودها تبطل الصلاة، وهي أيضا نوعان:

أ -ركن تبطل به مطلقاً، وهو:

١- الحدث.

٢- والاستدبار.

٣- والعمل الكثير الماحي لصورتها.

ب - وغير ركن تبطل بوجوده عمداً فقط، وهو الكلام، والضحك بصوت،  والبكاء كذلك، والالتفات يميناً وشمالاً، والأكل والشرب.

والطهارة:

وضوء وغسل، ولكلٍّ منهما أسباب توجبهما، وإذا لم يتمكّن منهما - إمّا لعدم وجود الماء،، أو لعدم التمكّن من استعماله لمرض أو بَرْد شديد أو ضيق وقت - فبدلهما التيمّم:(فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) (١).

واختلف الفقهاء واللغويّون في معنى الصعيد:

-فقيل: خصوص التراب.

-وقيل: مطلق وجه الأرض، فيشمل الحصى والرمل والصخور والمعادن قبل الإحراق، ويجوز السجود عليها، وهذا هو الأصح.

وهذا موجَز من الكلام في الصلاة، وفيها أبحاث جليلة وطويلة تستوعب الملّجدات الضخمة.

____________________________

(١) النساء ٤: ٤٣، والمائدة ٥: ٦.

٢٤١

الصوم:

هو عند الإماميّة ركن من أركان الشريعة الإسلاميّة، وينقسم من حيث الحكم إلى ثلاثة أقسام:

١- واجب:وهو قسمان:

أ - واجب بأصل الشرع: وهو صوم شهر رمضان.

ب - وواجب بسببٍ: كصوم الكفارة، وبدل الهدي، والنيابة، والنذر، ونحوها.

٢- ومستحب:كصوم رجب وشعبان ونحوهما، وهو كثير.

٣- وحرام:كصوم العيدين وأيّام التشريق.

قيل ومكروه:

كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، وهو نسبي.

وللصوم شروط وموانع وآداب وأذكار مذكورة في محلِّها، وقد أَلَّفَتْ الإماميّة فيه ألوف المؤلَّفات.

والتزام الشيعة بصيام شهر رمضان قد تجاوز الحد، حتّى أنّ الكثير منهم يشرف على الموت من مرض أو عطش وهو لا يترك الصيام، فالصلاة والصوم هما العبادة البدنيّة المحضة.

٢٤٢

الزكاة:

هي عند الشيعة تالية الصلاة، بل في بعض الأخبار عن أئمّة الهُدَى ما مضمونه: إنّ مَنْ لا زكاة له لا صلاةَ له(١) .

وتجب عندهم - كما عند عامّة المسلمين - في تسعة أشياء:

أ - الأنعام الثلاثة:

١- الإبل.

٢- البقر.

٣- الغنم.

ب - وفي الغلاّت الأَرْبَع:

١- الحنطة.

٢- الشعير.

٣- التمر.

٤- الزبيب.

ج - وفي النَقْدَيْن:

١- الذهب.

٢- والفضة.

وتُستحبُّ في: مال التجارة، وفي الخيل، وفي كل ما تُنْبِتُهُ الأرض من الحبوب: كالعدس، والفول، وأمثالها.

ولكلٍ من الوجوب والاستحباب شروط وقيود مُفَصّلة في محالِّها، ولا شيء منها إلاّ وهو موافِق لمذهب من المذاهب المعروفة: الحنفي، الشافعي، المالكي، الحنبلي.

ومصرفها ما ذكره جلّ شَأْنُهُ في آية:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) (٢) إلى آخرها.

____________________

(١) انظر:

الكافي ج٣: ٤٧٩/٢ و ٥. الفقيه ج٢: ٨/٢٦.

(٢) التوبة ٩: ٦٠.

٢٤٣

زكاة الفطرة:

وهي تجب على كلِّ إنسان بالغ عاقل غَنِي، عن نفسه وعَمَّنْ يعول به من صغير أو كبير، حر أو مملوك. وقدرها عن كل إنسان صاع من حنطة أو شعير، أو تمر، أو نحوهما مِمَّا يحصل به القوت.

ومذهب الشيعة هنا لا يُخالف مذاهب السُنَّة في شيء.

٢٤٤

الخمس:

ويجب عندنا في سبعة أشياء:

١- غنائم دار الحرب.

٢- الغوص.

٣- الكنز.

٤- المعدن.

٥- أرباح المكاسب.

٦- الحلال المُخْتَلِط بالحرام.

٧- الأرض المنتقلة من المسلم إلى الذِمِّي.

والأصل فيه: قوله تعالى:(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) (١) ... إلى آخرها.

والخمس عندنا: (حَقٌّ فرضه الله تعالى لآلِ محمّدٍ صلوات الله عليه وعليهم، عِوَض الصدقة التي حَرَّمَهَا عليهم من زكاة الأموال والأبدان).

ويقسم سِتَّة سهام: ثلاثة لله ولرسوله ولذي القُرْبَى: وهذه السهام يجب دفعها إلى الإمام إنْ كان ظاهراً، وإلى نائبه وهو (المجتهد العادل) إنْ كان غائباً، يُدْفَع إلى نائبه في: حفظ الشريعة، وسدانة المِلَّة، ويصرفه على مهمّات الدين، ومساعدة الضعفاء والمساكين.

لا كما قال محمود الآلوسي في تفسيره مستهزئاً:ينبغي أنْ توضع هذه السهام في مثل هذه الأيّام في السرداب (٢) !!

مشيراً إلى ما يرمون به الشيعة من أنّ الإمام غاب فيه!! وقد أوضحنا غير مَرَّة أنّ مِن الأغلاط الشائعة عند القوم - من سَلَفِهِم إلى خَلَفِهِم وإلى اليوم - زَعْمهم أنّ الشيعة يعتقدون غيبة الإمام في السرداب، مع أنّ السرداب لا علاقة له بغيبة الإمام أصلاً، وإنّما تزوره الشيعة وتؤدِّي بعض المراسم العباديّة فيه؛ لأنّه موضع تَهَجُّد الإمام وآبائه العسكريِّين، ومحلّ قيامهم في

____________________

(١) الأنفال ٨: ٤١.

(٢) روح المعاني ج١٠: ٥.

٢٤٥

الأسحار لعبادة الحقّ جل شأنه.

أمّا الثلاثة الأخرى:

فهو حقٌّ المحاويج والفقراء من بني هاشم، عوض ما حَرَّم عليهم من الزكاة.

هذا حكم الخمس عند الإماميّة من زمن النبي إلى اليوم، ولكنّ القوم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منعوا الخمس عن بني هاشم، وأضافوه إلى بيت المال، وبقي بنو هاشم لا خُمْسَ لهم ولا زكاة، ولعلّ إلى هذا أشار الإمام الشافعي (رحمه الله) حيث يقول في كتاب (الأم) صفحة ٦٩:

فأمّا آل محمّدٍ الذين جُعِل لهم الخُمْس عوضاً من الصدقة، فلا يُعْطَوْنَ من الصدقات المفروضات شيئاً - قلّ أو كَثُر - ولا يَحُلّ لهم أنْ يأخذوها، ولا يجزي عَمَّنْ يعطيهموها إذا عرفهم - إلى أنْ قال - وليس مَنْعهم حَقّهم في الخُمْس يَحلّ لهم ما حُرِّمَ عليهم من الصدقة. انتهى.

ومن جهة سقوطه عندهم لا تجد له عنواناً وباباً في كتب فقهائهم، حتّى الشافعي في كتابه، بخلاف الإماميّة، فإنّه ما من كتاب فقه لهم صغير أو كبير إلاّ وللخمس فيه عنوان مستقل كالزكاة وغيرها(١) . فالزكاة والخمس هما العبادة الماليّة المحضة، وأمّا المشتركة بينهما فالحج والجهاد.

____________________________

(١) نعم، ذكر الحافظ الثبت أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفَّى سنة (٢٢٤ هـ) في كتابه (كتاب الأموال) الذي هو مِن أهمّ الكتب ونفائس الآثار، ذكر كتاب الخمس مفصّلاً، والأصناف التي يجب الخمس فيها، ومصرفه، وسائر أحكامه. وأكثر ما ذكره موافق لِمَا هو المشهور عند الإماميّة، فليراجع مَنْ شاء من صفحة ٣٠٣ إلى ٣٤٩. ((منه قدس سره)).

٢٤٦

الحج:

مِن أعاظم دعائم الإسلام عند الشيعة، وأهمّ أركانه، ويُخَيَّرُ تارِكُهُ بين أنْ يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً. وتَرْكه على حدّ الكفر بالله كما يُشير إليه قوله تعالى:(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (١) .

وهو نوع من الجهاد بالمال والبَدَن حقيقة، بل الحج جهاد معنوي، والجهاد حج حقيقي، وبإمعان النظر فيهما يُعْلَم وجه الوحدة بينهما.

١- وبعد توفّر الشرائط العامّة في الإنسان:

- كالبلوغ.

- والعقل.

- والحرية.

٢- وخاصّة كـ:

- الاستطاعة بوجدان الزاد والراحلة.

- وصحة البدن.

- وأمْن الطريق.

يجب الحج في العُمْر مَرَّةً واحدةً فوراً.

وهو ثلاثة أنواع:

١- إفراد:

وهو المشار إليه بقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٢) .

٢- وَقِرَان:

وهو المراد بقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (٣) .

٣- وَتَمَتُّع:

وهو المعنى بقوله جلّ وعلا: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) (٤) .

ولكلّ واحد منها مباحث وفيرة، وأحكام كثيرة، موكولة إلى محالِّها من الكتب المطوَّلة.

وقد سَبَرْتُ عِدَّة مؤلّفات في الحج لعلماء السُنَّة فوجدتُها موافِقَة في

____________________

(١)(٢) آل عمران ٣: ٩٧.

(٣)(٤) البقرة ٢: ١٩٦.

٢٤٧

الغالب لأكثر ما في كتب الإماميّة، لا تختلف عنها إلاّ في الشاذِّ النادِر.

والتزام الشيعة بالحج لا يزال في غاية الشِدَّة، وكان يحجّ منهم كل سنة مئات الأُلوف، مع ما كانوا يلاقونه من المهالِك والأخطار من أُنالس يستحلّون أموالهم ودماءهم وأعراضهم، ولم يكن شيء من ذلك يقعد بهم عن القيام بذلك الواجب، والمبادرة إليه، وبَذْل المال والنفس في سبيله، وهم مع ذلك كله (ويا للأسف) يريدون هَدْم الإسلام؟!

٢٤٨

الجهاد:

وهو حَجَر الزاوية مِن بناء هَيْكل الإسلام، وعموده الذي قامتْ عليه سُرَادِقه، واتَّسعتْ مناطقه، وامتدَّتْ طرائقه، ولولا الجهاد لَمَا كان الإسلام رحمة للعالمين، وبركة على الخلق أجمعين.

والجهاد هو:

(مكافحة العدو، ومقاومة الظلم والفساد في الأرض، بالنفوس والأموال، والتضحية والمفاداة للحق).

والجهاد عندنا على قسمين:

١- الجهاد الأكبر:

بمقاومة العدو الداخلي وهو (النفس) ومكافحة صفاتها الذميمة، وأخلاقها الرذيلة، من الجهل، والجبن، والجور، والظلم، والكبر، والغرور، والحسد، والشُح، إلى آخر ما هناك من نظائرها (أَعْدَى عَدُوَك نَفْسَك التي بَيْنَ جَنْبَيْكَ).

٢- والجهاد الأصغر:

هو مقاومة العدو الخارجي، عدو الحق، عدو العدل، عدو الصلاح، عدو الفضيلة، عدو الدين.

ولصعوبة معالجة النفس، وانتزاع صفاتها الذميمة، وغرائزها المستحكمة فيها، والمطبوعة عليها، سَمَّى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) هذا النوع في بعض كلماته (بالجهاد الأكبر) ولم يزل هو وأصحابه - رضوان الله عليهم - طوال حياته وحياتهم مشغولين بالجهادَيْن، حتّى بلغ الإسلام إلى أسمى مبالغ العِزِّ والمَجْد.

ولو أردنا أنْ نُطلق عَنَانَ البيان للقلم في تصوير ما كان عليه الجهاد بالأمس عند المسلمين، وما صار اليوم، لتفجَّرت العيون دَمَاً، ولَتمزَّقتْ القلوب أسفاً ونَدَمَاً، ولَتَسَابَقَتْ العبرات والعِبَارات، والكلوم والكلمات، ولكنْ! أَتَرَاكَ فَطنْتَ لَمّا حَبِسَ قَلَمِي، وَلَوَى عِنَانِي، وَأَجِّجَ لوعتي، وأَهَاجَ

٢٤٩

أحزاني، وسَلَبَنِي حتّى سِرِّيَّة القَول، ونفثة المصدور، وبثّة المجمور:

فَدَع عَنكَ نَهباً صِيحَ في حَجَراتِهِ

وَلكن حديثاً ما حَدِيثُ الرَّواحِلِ(١)

____________________________

(١) بيت شعري لامرئ القيس ذهب صدره مثلاً، والبيت مِن قصيدةٍ له، قالها في حادثة وقعتْ له حين نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهاني، حيث أغار عليه باعث بن حويص وذهب بِإِبِلِهِ، فقال له خالد:

أعطني صنانعك ورواحلك حتّى أطلب عليها مالك، ففعل، فذهب بها.

وقيل: إنّه لَحِقَ بالقوم فأخذوا منه الرواحل وتركوه، فهجاه امرؤ القيس بهذه القصيدة.

وَصَدْرُ البيت يضرب مثلاً لِمَنْ ذهب مِن ماله شيء، ثُمَّ ذهب بعده ما هو أجل منه.

ومن أبيات القصيدة:

دَع عَنكَ نَهباً صيحَ في حَجَراتِهِ ولَكِن

حَديثاً ماحَديثُ الرواحل

كأنَّ دثاراً حَلَّقَت بِلبونِه

عُقابُ تنُوفي لاعُقابُ القواعل

تَلَعَّبَ باعِثٌ بذِمةِ خالدٍ

وأودى عصامٌ في الخطوبِ الاوائِلِ

انظر:

ديوان الشاعر: ١٤٦. مجمع الأمثال ج١: ٤٧٠ /١٤٠٢.

٢٥٠

حديث الأَمْر بالمَعْرُوف والنهي عن المُنْكَر

- الذي هو مِن أَهَمّ الواجبات شرعاً وعقلاً.

- وهو أساس مِن أسس دين الإسلام.

- وهو من أفضل العبادات، وأنبل الطاعات.

- وهو باب من أبواب الجهاد.

- والدعوة إلى الحق.

- والدعاية إلى الهدى.

- ومقاومة الضلال والباطل.

- والذي ما تركه قوم إلاّ وضربهم اللهُ بالذُل، وأَلْبَسَهُم لباسَ البُؤْس، وجَعَلَهُم فريسةً لكلّ غاشِم، وطُعْمَةَ كلّ ظَالِم.

وقد ورد من صاحب الشريعة الإسلاميّة، وأئمّتنا المعصومين صلوات الله عليهم، في الحَثِّ عليه، والتحذير من تركه، وبيان المفاسد والمضار في إهماله ما يقصم الظهور، ويقطع الأعناق.

والمحاذير التي أَنْذَرُوْنَا بها عند التواكل والتخاذُل في شأن هذا الواجب قد أصبحنا نراها عياناً، ولا نحتاج عليها دليلاً ولا برهاناً.

وياليتَ الأمر وَقَفَ عند تَرْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتجاوزه إلى أنْ يصير المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ويصير الآمر بالمعروف تارِكَاً له، والناهي عن المنكر عامِلاً به، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (١) .

فلا مُنْكَر مُغَيَّر، ولا زَاجِر مُزْدَجَر. لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، الناهين عن المنكر العاملين به (٢) .

____________________

(١) الروم ٣٠: ٤١.

(٢) ولله دين الإسلام ما أوسعه وأجمعه لقوانين السياسة الدينيّة والمدنيّة، وأُمَّهَات أسباب الرُقِيّ والسعادة. فلمّا جعل الشارع الأحكام، ووضع الحدود والقيود للبشر، والأوامر والنواهي بمنزلة القوّة التشريعيّة، احتاج ذلك إلى قوّة تنفيذيّة، فجعل التنفيذ على المسلمين جميعاً، =

٢٥١

هذه أُمّهات العبادات عند الإماميّة طِبْق الشريعة الإسلاميّة:

اكتفيْنا منها بالإشارة والعنوان، وتفاصيلها على عُهْدَة مؤلّفات أصحابنا من الصدر الأوّل إلى اليوم، الموجود منها في هذا العصر فضلاً عن المفقود - يَنُوْف على مئات الألوف.

أما المعاملات:

وهي ما يتوقّف على طرفَين: مُوْجِب وَقَابِل.

فتارة: يكون المقصد المُهِم منها المال، وهي عقود المعاوضات، وهي على قسمين:

١- العقود اللازِمَة:

كالبيع، والإجارة، والصُلح، والرَهن، والهِبَة المُعَوّضة، وما إلى ذلك من نظائرها، وهي عقود المغابنات.

٢- والعقود الجائزة:

كالقَرْض، والهِبَة غير المُعَوَّضة، والجُعَالَة،

____________________________

= حيث أَوْجب على كلّ مسلم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؛ ليكون كلُّ واحدٍ قوَّةً تنفيذيّة لتلك الأحكام، فكلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول [عن رَعِيَّتِهِ]، والجميع مسيطر على الجميع.

فإذا لم تنجح هذه القوّة، ولم يحصل الغرض منها بحمل الناس على الخير، وكَفَّهم عن الشر، فهناك ولاية ولي الأمر، والراعي العام، والمسؤول المطلق، وهو الإمام أو السلطان المنصوب لإقامة الحدود على المجرمين، وحفظ ثغور المسلمين.

وفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل به من الفوائد والثمرات، وعظيم الآثار، ما يضيق عنه نطاق البيان في هذا المقام، ولكن:

هل تجد مثل هذه السياسة في دين من الأديان؟

وهل تجد أعظم وأدق من هذه الفلسفة أنْ يكون كلّ إنسان رقيباً على الآخر، ومهيمناً عليه؟

وعلى كلّ واحد واجبات ثلاثة:

١- أنْ يتعلّم ويعمل.

٢- وأنْ يُعَلِّم.

٣- وأنْ يبعث غيره على العِلْم والعمل.

فتأمّل وأَعْجِب بعظمة هذا الدين، وأَعْظِم مِن ذلك وأَعْجِب من حالةِ أَهْلِيْهِ اليوم، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.(منه قدس سره).

٢٥٢

وأضرابها.

والكلّ مشروح في كتب الفقه، في مُتُونِها وشروحها، وأُصولها وفُروعها، وقواعدها وأدلّتها، مِن مطوّلات ومختصرات.

ولكن أصحابنا - رضوان الله عليهم - لا يَحِيْدُون قَيْد شَعْرَة في شيء من أحكام تلك المعاملات - كما لا يَحيدون في العبادات أيضاً - عن الكتاب والسُنَّة، والقواعد المستفادة منها من استصحاب وغيره.

- ولا يحلّ عندنا اكتساب المال إلاّ مِن طُرُقِهِ المشروعة، بتجارةٍ أو إجارةٍ، أو صناعةٍ أو زراعةٍ، أو نحو ذلك.

- ولا يحل بالغصب، ولا بالربا، ولا بالخيانة، ولا بالغش، ولا التدليس.

- ولا تحل عندنا الخديعة للكافر فضلاً عن المسلم.

- كما يجب أداء الأمانة، ولا تحل خيانة الكافر فيها فضلاً عن المسلم.

وتارة: يكون الغرض المهم ليس هو المال، وإنْ تضمّن المال، وذلك كعقود الزواج الذي يقصد منه النسل، ونظام العائلة، وبقاء النوع، وهو عندنا قسمان:

١- عقد الدوام : وهو الزواج المُطْلَق.

والعقد المرسل(وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) (١) .

٢- وعقد الانقطاع : وهو الزواج المُقَيَّد، والنكاح المُوَقّت.

والأوّل: هو الذي اتَّفقتْ عليه عامّةُ المسلمين.

وأمّا الثاني: ويعرف (بِنِكَاح المُتْعَة) المُصَرَّح به في الكتاب الكريم بقوله تعالى:(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٢) .

فهو الذي انْفَرَدَتْ به

____________________________

(١) النور ٢٤: ٣٢.

(٢) النساء ٤: ٢٤.

٢٥٣

الإماميّة من بين سائر فِرَق المسلمين بالقول بجوازه وبقاء مشروعيَّته إلى الأبد، ولا يزال النزاع مُحْتَدِمَاً فيه بين الفريقَين، من زمن الصحابة وإلى اليوم. وحيث إنّ المسألة لها مقام من الاهتمام، فجدير أنْ نُعطيها ولو بعض ما تستحقّ من البحث، إنارةً للحقيقة، وطلباً للصواب.

فنقول:

إنّ من ضروريّات مذهب الإسلام، التي لا ينكرها مَنْ له أدنى إلْمَام بشرائع هذا الدين الحنيف، أنّ المتعة - بمعنى العَقْد إلى أَجَلٍ مُسَمَّى - قد شَرَّعها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، وأباحها، وعمل بها جماعةٌ من الصحابة في حياته، بل وبعد وفاته، وقد اتّفق المفسِّرون أنّ جماعة من عظماء الصحابة:

- كعبد الله بن عباس.

- وجابر بن عبد الله الأنصاري.

- وعمران بن الحصين.

- وأبن مسعود.

- وأُبي بن كعب.

وغيرهم كانوا يُفْتُوْنَ بإباحتها، ويقرؤون الآية المتقدِّمة هكذا:

(فما استمتعتم به منهنَّ إلى أجل مسمّى)(١) .

ومِمَّا ينبغي القطع به أنّ ليس مرادهم التحريف في كتابه جلّ شأنه، والنقص منه (معاذ الله) بل المراد بيان معنى الآية على نحو التفسير الذي أخذوه من الصادِع بالوحي، ومَنْ أُنْزِلَ عليه ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.

والروايات التي أوردها ابنُ جرير في تفسيره الكبير وإنْ كانت ظاهرةً في أنّها مِن صُلْب القرآن المُنْزَل حيث يقول أبو نصيرة:

قرأتُ هذه الآية على ابن عباس فقال: إلى أجلٍ مُسَمَّى. فقلتُ: ما أقرأها كذلك، قال: والله لأنزلها الله كذلك (ثلاث مرّات)(٢) . ولكن يَجَل مقام حِبْر الأُمَّة عن هذه

____________________________

(١)انظر:

جامع البيان للطبري ج٥: ٩. التفسير العظيم لابن كثير ج١: ٤٧٤. تفسير الكشاف للزمخشري ج١: ٥١٩. الجامع لأحكام القرآن للقُرْطبي ج٢: ١٤٧. السنن الكبرى للبيهقي ج٧: ٢٠٥.

(٢) جامع البيان للطبري ج٥: ٩.

٢٥٤

الوصمة، فلا بُدّ أنْ يكون مراده - إنْ صَحَّتْ الروايةُ - أنّ الله أنزل تفسيرها كذلك.

وعلى أيٍّ، فالإجماع، بل الضرورة في الإسلام قائمةٌ على ثبوت مشروعِيَّتها، وتحقّق العمل بها، غاية ما هناك أنّ المانِعِين يَدَّعُون أنّها نُسِخَتْ وحُرِّمَتْ بعد ما أُبِيْحَتْ، وحصل هنا الاضطراب في النقل والاختلاف الذي لا يفيد ظنّاً فضلاً عن القطع، ومعلوم - حسب قواعد الفن - أنّ الحكم القطعي لا ينسخه إلاّ دليل قطعي.

فتارة:

يزعمون أنّها نُسختْ بالسُنَّة، وأنّ النبيَّ حَرَّمها، بعد ما أَبَاحَهَا(١) .

وأُخرى:

يزعمون أنّها قد نُسخت بالكتاب، وهنا وقع الخلاف والاختلاف أيضا، فَبَيْنَ قائل: أنّها نُسختْ بآية الطلاق:(إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)(٢)(٣) .

وآخر يقول:

نَسَخَتْهَا آيةُ مواريث الأزواج(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ) (٤)(٥) وأَجِدْنِي في غِنَى عن بيان هذه الأوهام وسخافتها، وأنّه لا تنافي ولا تدافع بين هذه الآيات وتلك الآية حتّى يكون بعضها ناسِخَاً

____________________________

(١) أقوال القوم هنا متضارِبة ومتعارِضة أشدّ التعارض:

١- فمنهم من يذهب إلى: أنّها أُبيحتْ ثُمّ نُهِيَ عنها يوم خيبر.

٢- وآخر: أنّها كانت مباحة وحُرِّمَتْ عام الفتح.

٣- وثالث: أنّها أُبِيْحَتْ وحُرِّمَتْ في حجّة الوداع.

٤- ورابع: أنّها أُبيحتْ عام أوطاس ثُمّ حُرِّمَتْ... وهكذا، فراجع.

انظر:

صحيح مسلم باب نكاح المتعة. مجمع الزوائد ج٤: ٢٦٤. سنن أبي داود ج٢: ٢٢٧. طبقات ابن سعد ج٤: ٣٤٨. سنن البيهقي ج٤: ٣٤٨. مصنف ابن أبي شيبة ج٤: ٢٩٢. فتح الباري ج١١: ٧٣. سنن الدارمي ج٢: ١٤٠. سنن ابن ماجة حديث ١٩٦٢.

(٢) الطلاق ٦٥: ١.

(٣)انظر:

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٥: ١٣٠. التفسير الكبير للرازي ج١٠: ٤٩. سنن البيهقي ج٧ : ٢٠٧.

(٤) النساء ١٢:٤.

(٥)انظر:

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٥: ١٣٠. التفسير الكبير للرازي ج١٠: ٥٠.

٢٥٥

لبعض.

وسيأتي له مزيد توضيح في بيان أنّها زوجة حقيقيّة ولها جميع أحكامها.

نعم، يقول الأكثر منهم أنّها منسوخة بآية:(إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) (١) (٢) .

حيث حَصَرَتْ الآيةُ أسبابَ حِلِّيَّة الوَطء بأمرَيْن:

١- الزوجية.

٢- وملك اليمين.

قال الآلوسي في تفسيره:

ليس للشيعة أنْ يقولوا إنّ المتمتِّع بها: مملوكة؛ لبداهة بطلانه، أو زوجة؛ لانتفاء لوازم الزوجية: كالميراث، والعِدَّة، والطلاق، والنفقة(٣)؟! انتهى.

وما أدحضها مِن حجّة:

أمّا أوّلاً:

فإنْ أراد لزومها غالباً فهو مُسَلَّم ولا يُجْدِيْهِ، وإنْ أراد لزومها دائماً، وأنّها لا تنفكّ عن الزوجيّة، فهو ممنوع أشدّ المَنْع، ففي الشرع مواضع كثيرة لا تَرِثُ فيها الزوجةُ كالزوجة الكافرة. والقائلة.

والمعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول.

كما أنّها قد ترث حقّ الزوجة مع خروجها عن الزوجيّة، كما لو طَلَّقَ زوجتَه في المرض، ومات فيه بعد خروجها عن العدّة قبل انقضاء الحول.

إذاً فالإرث لا يلازم الزوجيّة طرداً ولا عكساً.

وأمّا ثانياً:

فلو سلَّمنا الملازمة، ولكن عدم إرث المتمتَّع بها ممنوع. فقيل: بأنّها ترث مطلقاً. وقيل: ترث مع الشرط. وقيل: ترث إلاّ مع شرط

____________________________

(١) المؤمنون ٢٣: ٦، والمعارج ٧٠: ٣٠.

(٢)انظر:

سنن الترمذي ج٥ : ٥٠. سنن البيهقي ج٧: ٢٠٦، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٥: ١٣٠. التفسير الكبير للرازي ج١٠: ٥٠. المبسوط للسرخسي ج٥: ١٥٢.

(٣) روح المعاني ج٥: ٧.

٢٥٦

العدم.

والتحقيق حسب قواعد صناعة الاستنباط، ومقتضى الجمع بين الآيتين أنّ المُتَمَتَّع بها زوجة، تترتّب عليها آثار الزوجيّة إلاّ ما خرج بالدليل القاطع.

أمّا العِدَّة: فهي ثابتة لها بإجماع الإماميّة قولاً واحداً، بل وعند كلّ مَنْ قال بمشروعِيَّتها.

أمّا النفقة: فليست من لوازم الزوجيّة، فإنّ الناشِز زوجة ولا تجب نفقتها إجماعاً.

أمّا الطلاق: فَهِبَةُ المُدَّة تُغني عنه، ولا حاجة إليه.

وأمّا ثالثاً:

فنسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل؛ لأنّ آية المتعة في سورة النساء وهي مدنيّة(١) ، وآية الأزواج في سورة المؤمنين والمعارج، وكلاهما مَكِّيَّتان(٢) ، ويستحيل تقدّم الناسخ على المنسوخ.

وأمّا رابعاً:

فقد روى جماعةٌ من أكابر علماء السُنَّة: أنّ آية المتعة غير منسوخة، منهم الزمخشري في (الكشّاف) حيث نقل عن ابن عباس: أنّ آية المتعة من المُحْكَمَات(٣) .

ونقل غيره: أنّ الحكم بن عيينة سُئِلَ: إنّ آية المتعة هل هي منسوخة؟

فقال: لا(٤) .

____________________________

(١)انظر:

الكشف عن وجوه القراءات السبع ج١: ٣٧٥. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٥: ١. الكشاف للزمخشري ج١: ٤٩٢.

(٢)انظر:

الكشف عن وجوه القراءات السبع ج٢ : ١٢٥ و ٣٣٤. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج١٢: ١٠٢ و ج١٨: ٢٧٨. الكشاف للزمخشري ج٣: ٢٤ و ج٤: ٤٥٦.

(٣) الكشّاف ج١: ٥١٩.

(٤) الدر المنثور للسيوطي ج٢: ١٤٠.

٢٥٧

والخلاصة:

إنّ القوم بعد اعترافهم قاطبةً بالمشروعيّة ادّعوا أنّها منسوخة، فزعموا تارةً نسخ آية بآية، وقد عرفت حاله، وأُخرى نسخ آية بحديث، واستشهدوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم من أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله)، نهى عنها وعن الحُمُر الأهليّة في فتح مَكَّة أو فتح خيبر أو غزوة أوطاس(١) .

وهنا اضطربتْ القضيّة اضطراباً غريباً، وتلوّنتْ ألواناً، وتنوّعتْ أنواعاً، وجاء الخلف والاختلاف، الواسع الأكناف، فقد حُكي عن القاضي عيّاض: أنّ بعضهم قال:

إنّ هذا مِمَّا تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرّتين(٢) !!

ولكن مَنْ توسّع في تصفّح أسفارهم، ومأثور أحاديثهم وأخبارهم، يجد القضيّة أوسع بكثير، ففي بعضها:

- أنّ النسخ كان في حجّة الوداع [السَنَة] العاشرة من الهجرة(٣).

- وأخرى: أنّه في غزوة تبوك [السَنَة] التاسعة من الهجرة(٤) .

- وقيل: في غزوة أوطاس، أو غزوة حنين، وهما في [السنة] الثامنة في [شهر] شوّال(٥) .

- وقيل: يوم فتح مكّة، وهو في شهر رمضان من [السنة] الثامنة أيضاً(٦) .

____________________________

(١) صحيح االبخاري ج٧: ١٢. صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٣/١٨ و١٠٢٧/٢٩، ٣٠. وتقدّمتْ الإشارة إلى ذلك، فراجع.

(٢) شرح صحيح مسلم للنووي ج٩: ١٨١. التفسير العظيم لابن كثير ج١: ٤٧٤.

(٣) سنن أبي داود ج٢: ٢٢٧. سنن البيهقي ج٤: ٣٤٨. طبقات ابن سعد ج٤: ٣٤٨.

(٤) الجامع للأحكام القرآن للقرطبي ج٥: ١٣٠. سنن البيهقي ج٧: ٢٠٧. مجمع الزوائد ج٤: ٢٦٦. فتح الباري ج١١: ٧٣.

(٥) صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٣.

(٦) صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٥. سنن البيهقي ج٧: ٢٠٢. سنن الدارمي ج٢: ١٤٠. مجمع =

٢٥٨

وقالوا: إنّه أباحها في فتح مكّة ثمّ حرّمها هناك بعد أيّام(١) .

والشائع - وعليه الأكثر -:

أنّه نَسَخَهَا في غزوة خيبر [في السَنَة] السابعة من الهجرة، أو في عمرة القضاء، وهي في ذي الحجّة من تلك السَنَة(٢) .

ومِنْ كلّ هذه المزاعم يلزم أنْ تكون قد أُبِيْحَتْ ونُسخت خمس أو ست مرّات لا مرّتين أو ثلاث كما ذكره النووي وغيره في (شرح مسلم)(٣) !!

فما هذا التلاعب بالدين يا علماء المسلمين؟

وبعد هذا كلّه:

فهل يبقى قدر جناح بعوضة مِن الثقة في وقوع النسخ بمثل هذه الأساطير المدحوضة باضطرابها أوّلاً؟

وبأنّ الكتاب لا يُنْسَخ بأخبار الآحاد ثانياً؟

وبأنّها معارَضة بأخبار كثيرة من طرقهم صريحة في عدم نسخها ثالثاً؟

ففي صحيح البخاري:

حدّثنا أبو رجاء، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال:

نزلتْ آيةُ المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (صلّى الله

____________________________

= الزوائد ج٤: ٢٦٤. مصنف ابن أبي شيبة ج٤: ٢ ٢٩.

(١) صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٥. سنن البيهقي ج٧: ٢٠٢.

(٢) سنن ابن ماجة ج١: ٦٣٠/١٩٦١. صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٧.

والغريب أنّ القوم عند محاولتهم لإيراد الأدلّة التي يحتجّون بها لإثبات مُدَّعاهم بتحريم نكاح المتعة لم يلتفتوا إلى كثير من مواضع الخلل البَيِّنَة في استدلالاتهم ومحاجَّاتهم، بل والى مواضع التهافت البَيِّنَة فيها، ومن ذلك قولهم بتحريمها في غزوة خيبر، حيث يظهر بطلان ذلك من عِدّة وجوه، لعلّ أوضحها ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد (ج٢: ١٥٨ و ٢٠٤) في معرض رَدِّهِ لهذا الرأي السقيم، حيث قال -:

وقصّة خيبر لم يكن الصحابة يتمتَّعون باليهوديّات، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا نقله أحدٌ قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتّة، لا فعلاً ولا تحريماً... فإنّ خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنّما كُنَّ يهوديّات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد، إنّما أُبِحْنَ بعد... فتأمّل.

(٣) شرح صحيح مسلم للنووي ج٩: ١٨٠.

٢٥٩

عليه وآله) ولم ينزل قرآن بحرمتها، ولم يَنْهَ عنها رسولُ الله حتّى مات، قال رجل برأيه ما شاء. محمّد: يُقال: أنّه عمر. انتهى نصّ البخاري(١) .

وفي صحيح مسلم:

- بسنده عن عطاء قال:

قدم جابر بن عبد الله الأنصاري مُعتمِراً، فَجِئْناه في منزله، فسأله القومُ عن أشياء، ثمّ ذكروا المتعة فقال:

نعم، استمتعنا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعلى عهد أبي بكر وعمر(٢) .

- وفيه: عن جابر أيضاً حيث يقول:

كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيّام على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث(٣) .

- وفيه: عن أبي نضرة قال:

كنتُ عند جابر بن عبد الله فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المُتْعَتَيْن، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ نهانا عنهما عمر، فلم نَعُد لهما(٤) .

أقول:

وإنّما لم يعودوا لها؛ لأنّ عمر كان يرجم مَنْ يثبت عنده أنّه قد تمتّع.

ومَنْ يُراجع هذا الباب من صحيح مسلم بإمعان يرى العجائب فيما أورده فيه من الأحاديث المُثْبِتَة والنافية، والنسخ وعدم النسخ.

والجهني يقول: أمرنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمتعة عام الفَتْح حين دخلنا

____________________________

(١) صحيح البخاري ج٦: ٣٣.

وانظر كذلك:

صحيح مسلم ج٢: ٩٠٠/١٧٢. التفسير الكبير للرازي ج١٠ : ٤٩. تفسير البحر المحيط لابن حيّان ج٣: ٢١٨. السنن الكبرى للبيهقي ج٥: ٢٠.

(٢) صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٣/١٥.

(٣) صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٣/١٦.

(٤) صحيح مسلم ج٢: ١٠٢٣/١٧.

٢٦٠