أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها0%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
تصنيف: الصفحات: 442
المشاهدات: 76296
تحميل: 8319

توضيحات:

أصل الشيعة وأصولها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76296 / تحميل: 8319
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والكتاب الكريم أيضاً صريح في ذلك لِمَن تأمَّلَهُ:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى أن قال جلّ شأنُه:(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)(١) .

وفي هذا كفاية.

هذا مجمل من أسباب الفراق، والتفصيل موكول إلى محلِّه.

وهناك أسباب أُخرى للفرقة، كالعيوب الموجِبَة للفسخ: في الزوج مثل: العنن، والجنون، والجذام، ونحوها.

وفي الزوجة: كالرتق، والقرن، ونحوهما، وكالظهار، والإيلاء. مِمَّا تجده مُسْتَوْفى في كتب الفقه.

كما تجد فيها تفاصيل العِدَدَ وأقسامها، من: عدّة الوفاة، وعدّة الطلاق، ووطء الشبهة، وملك اليمين.

والعدّة تجب على الزوجة في وفاة الزوج مطلقاً، حتّى:

١- اليائسة.

٢- والصغيرة.

٣- وغير المدخول بها.

أمّا في الطلاق:

فتجب على ما عدا هذه الثلاث، فموت الزوج مطلقاً، والوطء الغير المحرّم مطلقاً يوجبان العدّة مطلقاً، إلاّ في اليائسة والصغيرة.

أمّا الوطء المحرّم، كالزنا: فلا عدّة فيه؛ لأنّ الزاني لا حرمة لِمَائِهِ.

وعدّة الوفاة: أربعة أشهر وعشرة أيّام إنْ كانت حائلاً، وفي الحامل أَبْعَد الأجلين.

وعدّة الطلاق: ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر، وفي الحامل وضع الحمل، وللأَمَة نصف الحُرَّة.

والطلاق إذا لم يكن ثلاثاً ولا خلعيّاً فللزوج أنْ يرجع بها مادامت في العدّة، فإذا خرجتْ من العدّة فقد ملكتْ أمرها، ولا سبيل له عليها إلا بعقد

____________________________

(١) البقرة ٢: ٢٢٩ -٢٣٠.

٢٨١

جديد.

ولا يعتبر عندنا في الرجعة حضور الشاهدين كما يعتبران في الطلاق، وأنْ اسْتُحِبَّ ذلك(١) .ولا يعتبر فيها لفظ مخصوص، بل يكفي كل ما دلّ عليها حتّى الإشارة، وتعود زوجته له كما كانت.

____________________________

(١) أهدى إلينا هذا العام العلاّمة المتبحِّر الأُستاذ أحمد محمّد شاكر، القاضي الشرعي بمصر - أيّده الله - مؤلَّفه الجليل: (نظام الطلاق في الإسلام).

فراقني وأعجبني، ووجدتُه من أنفس ما أخرجه هذا العصر من المؤلّفات، فكتبتُ إليه كتاباً نشره هو - حفظه الله - في مجلّة (الرسالة) الغرّاء (عدد ١٥٧) بعد تمهيد مقدّمة قال فيها:

ومِن أشرف ما وصل إلَيَّ وأعلاه، كتاب كريم من صديقي الكبير، وأُستاذي الجليل، شيخ الشريعة، وإمام مجتهدي الشيعة بالنجف الأشرف، العلاّمة الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء، فقد تفضّل - حفظه الله - بمناقشة رأيي في مسألة من مسائل الكتاب، وهي:

(مسألة اشتراط الشهود في صِحَّة مراجعة الرجل مطلّقته).

فإنّني ذهبت إلى:

- اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق.

- وأنّه إذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً، ولم يعتدّ به.

وهذا القول وإنْ كان مخالِفاً للمذاهب الأربعة المعروفة، إلاّ أنّه يؤيِّده الدليل، ويوافِق مذهب الأئمّة من أهل البيت والشيعة الإماميّة.

وذهبت أيضاً إلى:

اشتراط حضور شاهدَين حين المراجعة، وهو يوافق أحد قولين للإمام الشافعي يُخالِف مذهب أهل البيت والشيعة، واستغربتُ مِن قولهم أنْ يُفَرِّقوا بينهما، والدليل واحد فيهما، فرأى الأستاذ - بارك الله فيه - أنْ يشرح لي وجهة نظرهم في التفريق بينهما فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحَمْد والمَجْد

من النجف الأشرف (٨ صفر١٣٥٥) إلى مصر.

لفضيلة الأُستاذ العلاّمة، المتبحِّر النبيل، الشيخ أحمد محمّد شاكر المحترم أيّده الله.

سلامة لك وسلام عليك.

وَصَلَتْنِي هديَّتُك الثمينة:(رسالة نظام الطلاق في الإسلام) .

فأَمْعَنْتُ النظر فيها مَرّة، بل مرّتين، إعجاباً وتقديراً لما حَوَتْهُ مِن غَور النظر، ودِقَّة البحث، وحُرِّيَّة الفِكر، وإصابة هدف الحقّ والصواب، وقد استخرجتَ لباب الأحاديث الشريفة، وأزحْتَ عن مُحَيَّا الشريعة الوضّاء أغشيةَ الأوهام، وحطَّمْتَ قيودَ التقليد الذميمة، وهياكل الجمود بالأدلّة القاطعة،

٢٨٢

____________________________

= والبراهين الدامغة، فحيّاك الله، وحيّا ذهنك الوقّاد، وفضلك الجَم.

وأُمّهات مباحث الرسالة ثلاث:

(١) طلاق الثلاث.

(٢) الحِلْف بالطلاق والعِتَاق.

(٣) الإشهاد على الطلاق.

وكلّ واحدة من هذه المسائل قد وفَّيتها حقّها من البحث، وفتحتَ فيها باب الاجتهاد الصحيح على قواعد الفنّ، ومدارك الاستنباط القويم، من الكتاب والسُنَّة، فانتهى بك السير على تلك المناهج القويمة إلى مصافِّ الصواب، وروح الحقيقة، وجوهر الحكم الإلهي، وفرض الشريعة الإسلاميّة، وقد وافقتْ آراؤُك السديدة في تلك المسائل ما اتفقتْ عليه الإماميّة من صدر الإسلام إلى اليوم، ولم يختلف منهم اثنان، حتّى أصبحتْ عندهم من الضروريّات.

كما اتّفقوا على عدم وجوب الإشهاد على الرجعة، مع اتّفاقهم على لزومه في الطلاق، بل الطلاق باطل عندهم بدونه.

وقد ترجّح عندك قول مَن يقول بوجوب الإشهاد فيهما معاً، فقلتَ (في صفحة ١٢٠):

وذهبتْ الشيعة إلى وجوب الإشهاد في الطلاق، وأنّه ركن من أركانه كما في كتاب (شرائع الإسلام) ولم يوجبوه في الرجعة، والتفريق بينهما غريب ولا دليل عليه، انتهى.

وفي كلامك هذا - أيّدك الله - نظرٌ، أَسْتَمِيحُك السماح في بيانه، وهو:

إنّ من الغريب - حسب قواعد الفنّ - مطالبة النافي بالدليل والأصل معه، وإنّما يحتاج المُثبِت إلى الدليل، ولعلّك - ثبَّتك الله - تقول:

قد قام الدليل عليه، وهو ظاهر الآية على ما ذكرته في صفحة (١١٨) حيث تقول:

والظاهر من سياق الآية أنّ قوله تعالى:(وأَشْهِدُوا) راجِعٌ إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً... إلى آخر ما ذكرتَ.

وكأنّك - أنار الله بُرهانك - لم تُمْعِن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الإمعان في غير هذا المقام، وإلاّ لَمَا كان يخفى عليك أنّ السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه، حتّى أنّها قد سُمِّيتْ بسورة الطلاق، وابْتَدَأَ الكلام في صدرها بقوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ).

ثمّ ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العِدّة، أي لا يكون في طهر المواقعة ولا في الحيض، ولزوم إحصاء العِدّة، وعدم إخراجهنّ من البيوت، ثمّ استطرد إلى ذكر الرجعة من خلال بيان أحكام الطلاق، حيث قال عزّ شأنه:(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) .

أي إذا أشرفْنَ على الخروج من العِدّة فلكم إمساكهنّ بالرجعة =

٢٨٣

____________________________

= أو تركهنّ على المُفارَقة.

ثمّ عاد إلى تتمّة أحكام الطلاق، فقال: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) .

أي في الطلاق الذي سبق الكلام لبيان أحكامه.

ويُسْتَهْجَن عَوْدُهُ إلى الرجعة التي لم تُذكَر إلاّ تبعاً واستطراداً، أَلاَ ترى لو قال القائل:

إذا جاءك العالِم وجب عليك احترامه وإكرامه، وأنْ تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه، ويجب [عليك] المشايعة وحسن الموادعة، فإنّك لا تفهم من هذا الكلام إلاّ وجوب المشايعة والموادعة للعالِم لا له ولخادمه ورفيقه، وإنْ تأخّرا عنه. وهذا لعمري - حسب القواعد العربيّة والذوق السليم - جليّ واضح، لم يكن لِيَخْفَى عليك - وأنت خرِّيت العربيّة - لولا الغفلة، والغفلات تعرض للأَريب.

هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآية الكريمة، وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار، من حيث الحكمة الشرعيّة، والفلسفة الإسلاميّة، وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها، وهو:

أنّ من المعلوم أنّه ما من حلال أبغض إلى الله سبحانه من الطلاق، ودين الإسلام كما تعلمون جمعي اجتماعي، لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة، ولا سِيَّما في العائلة والأُسْرة، وعلى الأخص في الزوجيّة بعد ما أفضى كلّ منهما إلى الآخر بما أفضى.

فالشارع - بحكمته العالية - يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثّر قيوده وشروطه على القاعدة المعروفة من أنّ الشيء إذا كَثُرَتْ قيودُه عزّ، أو قلّ وجودُه، فاعتبر الشاهدين العدلين:

- للضبط أوّلاً.

- وللتأخير والاناءة ثانياً.

وعسى إلى أنْ يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندها يحصل الندم، ويعودان إلى الأُلفة كما أُشير إليه بقوله تعالى: (لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) .

وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين لا شكّ أنّها ملحوظة للشارع الحكيم، مضافاً إلى الفوائد الأُخَر.

وهذا كلّه بعكس قضيّة الرجوع فإنّ الشارع يريد التعجيل به، ولعلّ للتأخير آفات، فلم يُوجِب في الرجعة أيّ شرط من الشروط تصح عندنا معشر الإماميّة بكلّ ما دلّ عليه من:

- قول.

- أو فعل.

- أو إشارة.

ولا يشترط فيها صيغة خاصّة كما يشترط في الطلاق، كلّ ذلك تسهيلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده، والرغبة الأكيدة في أُلْفَتِهِم وعدم تفرّقهم.

وكيف لا يكفي في الرجعة حتّى الإشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع، وهي - أي المطلّقة الرجعيّة - عندنا معشر الإماميّة لا تزال زوجة إلى أنْ تخرج من العِدّة؛ ولذا ترثه ويرثها، وتغسّله ويغسّلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أنْ يتزوّج بأختها وبالخامسة؟

إلى غير ذلك من أحكام الزوجيّة. =

٢٨٤

____________________________

= فهل في هذه كلّها مقنع لك في صِحّة ما ذهبتْ إليه الإماميّة من عدم وجوب الإشهاد في الرجعة بخلاف الطلاق؟ فإنْ استصوبْتَه حمدْنا الله وشكرناك، وإلاّ فأنا مستعدّ للنظر في ملاحظاتك وتلقِّيها بكلّ ارتياح، وما الغرض إلاّ إصابة الحقيقة، واتِّباع الحقّ أينما كان، ونَبْذ التقليد الأجوف والعصبيّة العمياء، أعاذنا الله وإيّاكم منها، وسدّد خطواتنا عن الخطأ والخطيئات إنْ شاء الله، ونسأله تعالى أنْ يوفِّقكم لأمثال هذه الآثار الخالِدة، والأثريّات اللامعة، والمآثر الناصعة،(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) ولكم في الختام أسنى تحيّة وسلام من:

محمّد الحسين آل كاشف الغطاء

ملاحظة:

ومن جملة المسائل التي أجدتَ فيها البحث والنظر:

بطلان طلاق الحائض، وقد غربلت حديث ابن عمر بغربال الدقيق، وهذه الفتوى أيضاً مِمّا اتفقتْ عليه الإماميّة، وهي: بطلان طلاق الحائض إلاّ في موارد استثنائيّة معدودة.

هذا هو نص كتاب الأُستاذ شيخ الشريعة، لم أحذف منه شيئاً إلاّ كلمة خاصّة لا علاقة لها بالموضوع، وإنّما هي عن تفضله بإهداء بعض كتبه إلَيّ، وسأُحاول أنْ أُبَيِّن وِجْهَة نظري، وأُناقش أُستاذي فيما رآه واختاره بما يصل إليه جهدي في عددٍ قادم إنْ شاء الله.

أحمد محمّد شاكر القاضي الشرعي

هذا تمام ما نشره فضيلة القاضي في ذلك العدد، ثمّ تعقّبه في عدد (١٥٩) وعدد (١٦٠) بمقالين أسهب فيهما بعض الإسهاب، مِمّا دلّ على طول باع، وسعة اطلاع، واستفراغ وُسْع، في تأييد نظريّته، وتقوية حُجّته، وكتبنا الجواب عنهما، وأعرضنا عن ذكر تلك المساجلات هنا، خوف الإطالة والخروج عن وضع هذه الرسالة التي أخذنا على أنفسنا فيها بالإيجاز، فَمَنْ أراد الوقوف عليها فلْيراجع أعداد مجلّة (الرسالة) الغَرّاء، يجد في مجموعات تلك المراجعات فوائد جَمّة، وقواعد لعلّها في الفقه مهمّة. وإنّ الحقيقة منتهى القصد. (منه تقدس سره).

٢٨٥

الخلع والمباراة:

لا ينبعث الزوجان إلى قطع علاقة الزوجيّة بينهما إلاّ عن:

- كراهة أحدهما للآخر.

- أو كراهة كلّ منهما للآخر. وهذا هو سبب الفرقة غالباً.

١- فإنْ كانت الكراهة من الزوج فقط فالطلاق بيده، يتخلّص به منها إذا أراد.

٢- وإنْ كانت الكراهة منها خاصّة كان لها أنْ تبذل لزوجها من المال ما تفتدي به نفسها، سواء كان بمقدار ما دفع لها أو أكثر، فيطلّقها على ما بذلتْ، وهذا هو الخُلْع، فيقول: فلانة طالِق على ما بذلتْ، فهي مُخْتَلَعَة.

ويشترط فيه جميع شرائط الطلاق، وإضافة كون الكراهة منها، وكونها كراهة شديدة كما يشير إليه قوله تعالى:(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) (١) .

وتفسيره في أخبار أهل البيت: أنْ تقول لزوجها: لا أبر لك قسماً، ولا أُقيم حدود الله فيك، ولا أغتسل لك من جنابة، ولأُوَطِّئَنَّ فراشك، وأُدْخِلَنَّ بيتك مَنْ تَكْره(٢) .

ومعلوم أنّ المراد بهذا ظهور الكراهة الشديدة، وعدم إمكان الالتئام، لا خصوص تلك الألفاظ.

٣- وإنْ كانت الكراهة منهما معاً فهي المُبَارَاة، ويعتبر فيها أيضاً جميع شرائط الطلاق، ولا يحلّ له أنْ يأخذ أكثر مِمّا أعطاها، فيقول لها: بارَأْتُكِ على كذا فأنْت طالِق.

____________________________

(١) البقرة ٢: ٢٢٩.

(٢)انظر:

تفسير العَيّاشي ج١: ١١٧/٣٦٧. تفسير القمّي ج١ : ٧٥. مجمع البيان في تفسير القران ج١: ٣٢٩.

٢٨٦

والطلاق في الخُلْع والمُبَارَاة بَائن لا رجوع للزوج فيه، نعم لها أنْ تَرْجع في البذل، فيجوز له الرجوع حينئذ ما دامتْ في العِدّة.

الظِهَار والإيلاء واللِعَان:

هي من أسباب تحريم الزوجة أيضاً في الجملة، وبشرائط مخصوصة مذكورة في كتب الفقه، لم نذكرها لندرة وقوعها.

٢٨٧

الفرائض والمواريث:

الإرث: عبارة عن انتقال مال أو حق من مالكه عند موته إلى آخر، لعلاقةٍ بينهما من نَسَب أو سَبَب فالحيُّ القريبُ وارثٌ، والميِّت موروث، والاستحقاق إرث. والنسب: هو تولّد شخص من آخر أو تولّدهما من ثالث.

والوارث: إنْ عيّن الله سبحانه حقّه في كتابه الكريم بأحد الكسور التسعة المعروفة فهو مِمَّن يرث بالفَرض، وإلاّ فيرث بالقرابة.

والفروض المنصوصة بالكتاب الكريم ستّة: نصف، وهو للزوج مع عدم الولد، وللبنت مع عدمه، وللأخت كذلك.

ونصفه: وهو الربع للزوج مع الولد، للزوجة مع عدمه.

ونصفه، وهو الثمن للزوجة مع الولد.

والثلث، وهو للأم مع عدم الولد، وللمتعدّد من كلالتها.

وضعفه، الثلثان للبنتين، فما زاد مع عدم الذكر المساوي وللأُختين كذلك للأب أو الأبوين.

ونصفه، وهو السدس: لكلّ واحد من الأبوين مع الولد، وللأم مع الحاجب وهم الإخوة، وللواحد من كلالتها ذكراً كان أو أُنثى.

وما عدا هؤلاء:فيرثون بالقرابة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (١) ، في جميع طبقات الوَرَثَة وهي ثلاث:

١- الأبوان والأبناء وإنْ نزلوا.

٢- ثُمّ الأجداد وإنْ علوا والإخوة وأنْ نزلوا.

٣- ثمّ الأعمام والأخوال وهم أُولو الأرحام، وليس فيهم ذو فرض أصلاً.

ثمّ إنّ أرباب الفروض:

١- إمّا أنْ تساوي فرائضُهم المالَ كأبوين وبنتين

____________________

(١) النساء ٤: ١١.

٢٨٨

(ثلث وثلثين).

٢- أو تزيد كأبوين وبنتين وزوج، فتعول الفريضة، أي زادتْ على التركة بربع أو نقصتْ عنها بربع.

٣- أو تنقص كأُخت وزوجة، ففضل من التركة بعد الفريضة ربع.

فالأُولى: مسألة العَوْل.

والثانية: مسألة التعصيب.

وليس في جميع مسائل الإرث خلاف يعتدّ به بين الإماميّة وجمهور علماء السُنّة، إلاّ في هاتين المسألتين، فقد تواتر عند الشيعة عن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم أنّه:((لاَ عَوْلَ وَلاَ تَعْصِيْب)) (١) .

وهو أيضاً مذهب جماعة من كبراء الصحابة، وقد اشتهر عن ابن عبّاس رضي الله عنه:

أنّ الذي أحصى رَمْل عَالِج لَيَعْلَم أنّ الفريضة لا تَعُوْل(٢).

وإنّ الزائد يُرَدّ لذوي الفروض على نِسْبَة سهامهم، والعصْبة بفيها التراب، فلو اجتمع بنت وأبوان من الأُولى، وأخ وعم من الثانية والثالثة، فللبنت النصف، ولكلٍّ من الأبوين السُدُس، ويفضل السُدُس من المال، يُرَدّ عندنا على البنت والأبوين بنسبة سهامهم، وغيرنا من فقهاء المسلمين يورّثونه الأخَ والعَمَّ، وهم العصْبة.

نعم، لا رَدّ عندنا على زوج أو زوجة، كما لا نقص عليهما، أمّا إذا عالتْ الفريضة وزادتْ على المال - كالمثال المتقدِّم - فالنقص يدخل على البنت أو البنات، والأُخت والأَخوات، دون الزوج والزوجة وغيرهما.

والضابطة:

أنّ كلّ ما أنزله الله من فرض إلى فرض فلا يَدْخُلُهُ النقص، ومَنْ لَم يَكُن لَه إلاّ فَرْض واحد كان عليه النقص، وله الرد. أمّا الأب ففي دخول النقص عليه وعدمه خلاف، أمّا جمهور فقهاء المسلمين فيُدخلون النقص على الجميع.

____________________________

(١)انظر:

علل الشرائع: ٥٦٨/٢. عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام) ج٢: ١٢٥.

(٢) علل الشرائع: ٥٦٨/٣.

٢٨٩

وللإماميّة على نفي العَول والتعصيبَ أدلّةٌ كثيرة من الكتاب والسُنّة مدوّنة في مواضعها من الكتب المبسوطة.

ومِمَّا انفردوا به من أحكام المواريث:

- الحبوة للولد الأكبر، فإنّهم يخصّونه بثياب أبيه، وملابسه، ومصحفه، وخاتمه، زائداً على حِصَّته من الميراث، على تفاصيل وشروط مذكورة في بابها.

- وانفردوا أيضاً بحرمان الزوجة من العقار، ورقبة الأرض عيناً وقيمةً، ومن الأشجار والأبنية عيناً لا قيمة، فتُعطى الثُمُن أو الربع من قيمة تلك الأعيان. كلّ ذلك لأخبار وردتْ عن أئمّتهم سلام الله عليهم، والأئمّة يَرْوُوْنَهَا عن جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

هذه مهمّات المسائل الخلافيّة في الإرث، وما عدا ذلك فالخلاف على قلّته في بعض المسائل هو كالخلاف بين فقهاء الجمهور أنفسهم، وكاختلاف فقهاء الإماميّة فيما بينهم.

٢٩٠

الوقوف والهِبَات والصَدَقَات:

المال الذي هو ملكٌ لك وتريد أنْ تخرجه عن ملكِيَّتك:

١ - فإمّا أنْ يكون إخراجه ليس عن ملكك فقط بل عن مطلق الملكيّة:

بمعنى أنّك تجعله غير صالح للملكيّة أصلاً، فيكون تحريراً، وذلك كالعبد تعتقه فيكون حُرّاً، وكالدار أو الأرض تفكّها من الملكيّة فتجعلها معبداً أو مشهداً. وهذا القسم لا يصلح أنْ يعود إلى الملكيّة أبداً، مهما عرضتْ العوارض، واختلفتْ الطوارئ.

٢ -وإمّا أنْ يكون إخراجه لا عن مطلق الملكيّة بل عن ملكك إلى ملك غيرك فقط، وحينئذ:

أ - فإمّا أنْ يكون ذلك بعوض مع التراضي في عقد لفظي، أو ما يقوم مقامه:فتلك عقود المعاوضات كالبيع، والبيع الوفائي، والصُلح وأمثالها.

ب - وإمّا أنْ يكون بغير عوض مالي:

-فإنْ كان بقصد الأجر والمثوبة ولوجه الله فهو (الصدقة بالمعنى الأعم).

-فإنْ كان المال مِمّا يبقى مُدّةً معتدّاً بها، وقصد المتصدّق بقاء عينه، فَحَبَسَ العَين وأَطْلَقَ المنفعة، فهذا هو (الوقف).

-وإن كان المال مِمّا لا يبقى، أو لم يشترط المتصدّق بقاءه فهو (الصدقة بالمعنى الأخص).

-وإنْ كان التمليك لا بقصد الأجر والمثوبة، بل تمليك مجّاني محض، فهو (الهِبَة).

-فإنْ اشترط فيها مقابلتها بهبة فهي (الهِبَة المعوّضة)كما لو قال: وهبتُك الثوب بشرط أنْ تهبني الكتاب، فقال: قبلتُ. وهي لازمة، لا يجوز لأحدهما الرجوع بهبته إلاّ إذا تراضيا على التفاسخ والتقايل.

-وإلاّ فهي (الهِبَة الجائزة).

٢٩١

ولا يصح شيء من أنواع الهبات إلاّ بالقبض، ويجوز الرجوع في الهبات الجائزة حتّى بعد القبض، إلاّ إذا كانت لذي رحم، وزوج أو زوجة، أو بعد التلف.

أمّا الصدقات، فلا يجوز الرجوع في شيء منها بعد القبض، ولا تصح أيضاً إلاّ بالقبض.

وإذا أجرى الواقف صيغة الوقف، وهي قوله:

وقفتُ هذه الدار - مثلاً - قربةً إلى الله تعالى، ثمّ أقبضه المتولِّي أو الموقوف عليهم، أو قبضه هو بِنِيَّة الوقف، إذا كان قد جعل التولية لنفسه فحينئذ لا يجوز الرجوع فيه أصلاً، ولا بيعه، ولا قسمته، سواء كان وقف ذرِّيّة وهو(الوقف الخاص) أو وقف جهة وهو(الوقف العام) كالوقف على الفقراء، والغرباء، والمدارس، وأمثالها.

نعم، قد يصح البيع في موارد استثنائيّة تُلْجَئ إليها الضرورة المُحرِجَة، يجمعها:

- خراب الوقف خراباً لا يُنتفع به منفعةً معتدّاً بها.

- أو خوف أنْ يبلغ خرابه إلى تلك المرتبة.

- أو وقوع الخلاف بين أربابه بحيث يخشى أنْ يؤدِّي إلى تلف الأموال أو النفوس أو هتك الأعراض.

ومع ذلك كلّه لا يجوز بيع الوقف بحال من الأحوال، ولا قسمته إلاّ بعد عرض المورد الشخصي على الحاكم الشرعي، وإحاطته بالموضوع من جميع جهاته، وصدور حكمه بالبيع أو القسمة لحصول المسوّغ الشرعي، وبدون ذلك لا يجوز.

وقد تساهل الناس في أمر الوقف، وتوسّعوا في بيعه وإخراجه عن الوقفيّة توسّعاً أخرجهم عن الموازين الشرعيّة، والقوانين المرعيّة، والله من وراء القصد، وهو اللطيف الخبير.

هذا كلّه على طريقة المشهور، ولنا تحقيق ونظر آخر في الوقف لا مجال له هنا.

٢٩٢

القَضَاء والحُكْم:

لولاية القضاء ونفوذ الحكم في فصل الحكومات بين الناس منزلةً رفيعةً، ومقام منيع، وهي عند الإماميّة شجن من دوحة النبوّة والإمامة، ومرتبة من الرئاسة العامّة، وخلافة الله في الأرضين:(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) (١). (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (٢) .

كيف لا، والقُضَاة والحُكّام أُمناء الله على النواميس الثلاثة:

١- النفوس.

٢- والأعراض.

٣- والأموال.

ولذا كان خطره عظيماً، وعثرته لا تُقَال، وفي الأحاديث من تهويل أمره ما تخف عنده الجبال، مثل قوله عليه السلام:((القَاضِي على شَفِيْرِ جَهَنَّم، وَلِسَانُ القَاضِي بَيْنَ جَمْرَتَيْنِ مِنْ نَار)) (٣) . ((يا شريح قَد جَلَسْتَ مَجْلِسَاً لا يَجْلِسُهُ إلاّ نَبِي، أَو وَصِي نَبِي، أَو شَقِي)) (٤) .

وفي الحديث النبوي:((مَنْ جُعِلَ قَاضِيَاً فَقَد ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّيْن)) (٥) .

إلى كثير من نظائرها.

والحكم الذي يستخرجه الفقيه ويستنبطه من الأدلّة:

- إنْ كان على

____________________

(١) سورة ص ٣٨: ٢٦.

(٢) النساء ٤: ٦٥.

(٣) التهذيب ج٦: ٢٩٢/٨٠٨.

(٤) الكافي ج٧: ٤٥٦/٢. الفقيه ج٣: ٣٢٢٣١٥. المقنع: ١٣٢.

(٥) المقنعة: ٧٢١. سنن أبي داود ج٣: ٢٩٨/٣٥٧١. سنن الترمذي ج٣: ٦١٤/١٣٢٥. سنن ابن ماجة ج٢: ٨٤/٢٣٠٨. مسند أحمد ج٢: ٢٣٠.

٢٩٣

موضوع كلّي فهو(الفتوى) مثل: إنّ مال الغير لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بإذن مالكه، وإنّ وطء الزوجة حلال ووطء الأجنبية حرام...

- وإنْ كان على موضوع جزئي فهو(القضاء والحكومة) مثل: إنّ هذه زوجة، وتلك أجنبيّة، وهذا مالُ زيدٍ.

وكلّ منهما من وظائف المجتهد العادل، الحائز [على] منصب النيابة العامّة عن الإمام، سوى أنّ القضاء -الذي هو في الحقيقة عبارة عن تشخيص الموضوعات مع المرافعة والخصومة أو بدونها، كالحكم بالهلال، والوقف، والنَسَب، ونحوها - يحتاج إلى لطف قريحة، وقوّة حَدَس، وعبقريّة ذكاء، وحِدَّة ذهن، أكثر مِمّا تحتاجه الفتوى واستنباط الأحكام الكليّة بكثير، ولو تصدّى له غير الحائز لتلك الصفات كان ضرره أكبر من نفعه، وخطأه أكثر من صوابه.

أمّا تصدّي غير المجتهد العادِل - الذي له أهليّة الفتوى - فهو عندنا معشر الإماميّة من أعظم المحرّمات، وأفظع الكبائر، بل هو على حدّ الكفر بالله العظيم، بل رأينا أعاظم علماء الإماميّة من أساتيذنا الأعلام يتورّعون من الحكم، ويفصلون الحكومات غالباً بالصُلح، ونحن لا نزال غالباً على هذه الوتيرة اقتداءً بسلفنا الصالِح.

ثمّ إنّ أُمّهات أسباب الحكم والخصومات والحقوق ثلاثة:

١- الإقرار.

٢- البَيِّنَة.

٣- اليمين.

والبيِّنة هي الشاهدان العادلان، وإذا تعارضتْ البَيِّنَتَان - أو البيِّنات - فخلاف عظيم في تقديم بيِّنة الداخل والخارج، أو الرجوع إلى المرجِّحات.

وقد أفرد الكثير من فقهائنا للقضاء مؤلّفات مستقلّة في غاية البسط والإحاطة، سوى ما دوّنوه في الكتب المشتمِلة على تمام أبواب الفقه، ولا يسعنا بأنْ نأتي بأقلِّ قليل منه، فضلاً عن الكثير، وقد ذكرنا جملةً صالحة من

٢٩٤

هذه المباحث في الجزء الرابع من (تحرير المجلّة) فليَرجع إليه مَنْ شاء.

وإذا حكم الحاكم الجامع للشرائط المتقدّمة فالراد عليه، والمتخلّف عن اتّباع حكمه رادٌّ على الله تعالى، ولا يجوز لغيره بعد حكمه أنْ ينظر في تلك الدعوى. نعم له أنْ يُعيد النظر فيها بنفسه، فإذا تبيَّن له الخلل نُقِضَ حكمه بالضرورة.

٢٩٥

الصَيْد والْذِبَاحَة:

الأصل في الحيوان مطلقاً عند الإماميّة حرمة أكله ونجاسته بالموت إذا كانت له عروق يَشْخَب دَمُهَا عند القطع، وهو المُعَبَّر عنه عند الفقهاء بذي النفس السائلة.

ثُمّ إنّ الحيوان قسمان:

١- نجس العين ذاتاً: وهو ما لا يمكن أنْ يطهر أبداً، كالكلب والخنزير.

٢- وطاهر العين: وهو ما عدا ذلك.

والأوّل:لا تفارقه النجاسة، وحرمة الأكل حيّاً وميِّتاً، مُذَكَّى أو غير مُذَكَّى.

والثاني:إذا مات بغير الذكاة الشرعيّة فهو: نجس العين، حرام الأكل مطلقاً:

- طيراً كان أو غيره.

- وحشياً أو أهلياً.

- ذا نفس أو غير ذي نفس.

أمّا إذا مات بالتذكية فهو طاهر العين مطلقاً كما كان في حياته.

ثمّ إنْ كان من السِبَاع أو الوحوش فهو حرام الأكل، وإنْ كان طاهراً، وإلاّ فهو حلال الأكل أيضاً.

وتذكية ذي النفس تحصل شرعاً بأمرين:

الأوّل:

الصيد، ولا يحلّ منه إلاّ ما كان بأحد أمرين:

- الكلب المُعَلَّم الذي يَنْزَجِر إذا زُجِر، ويَأْتَمِر إذا أُمِر، ولا يعتاد أكل صَيْدِه، ويكون الرامي مسلِماً ويُسَمِّي عند إرساله، ولا يغيب عن عين مُرْسِلِهِ.

- أو السهم، ويدخل فيه: السيف، والرمح، والمعراض إذا خَرَق، وكلّ نَصْلٍ من حديد، بل حتّى البندقيّة إذا خَرَقَتْ، من حديد كانت أو غيره.

ويلزم أنْ يكون الرامي مسلِماً، وأنْ يُسَمِّي. فلو قتل الكلبُ أو السهمُ صيداً ومات حلَّ أَكْلُهُ، ولو أدركه حَيَّاً ذَكَّاه، ولا يحلّ بباقي آلات الصيد كالفهود والحبالة وغيرهما، نعم لو أدركه حَيَّاً ذَكَّاه.

الثاني من أسباب التذكِيَة:

الذباحة الشرعيّة، ويُشترط عندنا في

٢٩٦

الذابح:

- الإسلام أو ما بحكمه، كولده أو لَقِيْطِهِ.

- وأنْ يكون الذبح بالحديد مع القدرة، ومع الضرورة بكلّ ما يفري الأوداج.

- وأنْ يُسَمِّي ويَسْتَقْبِل.

- وأنْ يفري الأوداج الأربعة: المريء، والودجين، والحلقوم. ويكفي في الإبل نحرها عوض الذبح، ولو تَعذَّر ذبح الحيوان ونحره - كالمتردّي والمستعصي - يجوز أخذه بالسيف ونحوه مِمّا يقتل، فإنْ مات حلّ وإلاّ ذَكَّاه.

أمّا ما لا نفس له فلا يحلّ شيء منه، إذ حيوان البحر لا يحلّ إلاّ ما كان له فَلْس كالسمك.

٢٩٧

ظريفة:

قال محمّد بن النعمان الأَحول مؤمن الطاق: دخلتُ على أبي حنيفة فوجدتُ لديه كُتُبَاً كثيرة حالتْ بيني وبينه، فقال لي: أترى هذه الكتب؟

قلتُ: نعم.

قال: كلّ هذه الكتب في أحكام الطلاق.

فقلتُ له: قد أغنانا الله سبحانه عن جميع كتبك هذه بآية واحدة في كتابه:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)(١) .

فقال لي: هل سألتَ صاحبك جعفر بن محمّد عن بقرةٍ خرجتْ من البحر، هل يحلّ أكلها؟

فقلتُ: نعم.

قال لي: كلّ ما له فَلْس فَكُلْهُ جَمَلاً كان أو بقرة، وكلّ ما لا فَلْسَ له لا يحلّ أَكْلُه، وذَكَاةُ السمك عندنا مَوْتُهُ خارج الماء (٢)

____________________

(١) الطلاق ٦٥: ١.

(٢) الاختصاص: ٢٠٦. رجال الكشّي ج٢: ٦٨١/٧٨١. وفيهما عن حريز بدلاً من مؤمن الطاق.

٢٩٨

الأطعمة والأشربة والمُحَلَّل والمُحَرَّم منهما:

أنواع الحيوان ثلاثة:

١- حيوان الأرض.

٢- حيوان الماء.

٣- حيوان الهواء.

وقد عرفتَ أنّه لا يحلّ من حيوان البَحر إلاّ:

السمك، وبَيْضُهُ تابع له.

ولا يحلّ من حيوان الأرض إلاّ:

الغنم الأهليّة، وبقر الوحش، وكبش الجبل، والحمير، والغزلان، واليحامير.

ويحلّ الخيل، والبغال، والحمير على كراهة.

ويحرم:

-الجلاّل منها: وهو ما يتغذّى بالعذرة، ويطهر بالاستبراء.

-ويحرم كلُّ ذي ناب، كالسباع، والذئاب.

-وتحرم الأرانب، والثعالب، والضَب، واليَرْبُوع، وأمثالها من الوحوش.

-وتحرم الحشرات مطلقاً، كالخنافس، والديدان، والحيّات، ونحوها.

-أمّا حيوان الهواء - وهي الطيور - فيحرم منها سباع الطير، كالصقر والبازي ونحوهما مطلقاً.

أمّا ما عداها فقد جعل الشارع لِمَا يحلّ أكله منها ثلاث علامات في ثلاث حالات:

١- فإنْ كان طائراً في الجوّ: فما كان رفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال، وإلاّ فلا.

٢- وإنْ كان على الأرض: فإنْ كان له صِيْصِيَة - وهي ما يكون كالإصبع الزائد - فهو حلال، وإلاّ فلا.

٣- وإنْ كان مذبوحاً: فإنْ كانت له حوصلة أو قانصة فهو حلال، وإلاّ فلا.

فالخفاش والطاووس والزنابير والنحل ونحوها كلّها محرّمة.

أمّا الغُرَاب فما يأكلُ الجِيَف محرّم، وما يأكل النبات حلال.

أمّا المحرّم من المشروب والمأكول غير الحيوان فيمكن ضبطه ضمن قواعد كلِّيَّة:

٢٩٩

١ - كلّ مغصوبٍ حرامٌ.

٢ - كلّ نجسٍ حرامٌ.

٣ - كلّ مضرٍّ حرامٌ.

٤ - كلّ خبيثٍ حرامٌ.

وأعظم المحرّمات من المائعات:

- البول.

- وأعظم منه الخمر وأخواتها من النبيذ، والفقاع، والعصير إذا غلا، ولم يذهب ثلثاه.

ولحرمة الخمر ونجاستها عند الإماميّة من الغلظه والشِدّة ما ليس عند فرقة من المسلمين، فقد ورد في التحذير منها عن أئمّتهم سلام الله عليهم أحاديث هائلة، وزواجر دامغة، تشيب لها النواصي، ويرتجف منها أجرأ الناس على المعاصي، وتكرّرتْ منهم لعنة الله على عاصرها، وجابيها، وبائعها، وشاربها، وتُعْرَف في شرعنا بأمّ الخبائث(١).

وفي بعض أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ما يظهر منه حرمة الجلوس على مائدة وضع فيها قدح خمر(٢) ؛ ولعلّ السر شِدَّة الحذر والتحرّز منْ أنْ يتطاير بخار منها يمس الطعام فيفسده، أو يدخل في جوف الآكل ذرّة من جراثيمها الخبيثة وموادّها الهالكة ولو بعد حين.

وقد اهتدى العلم الحديث بعد الجد والجهد في تحليلها الكيماوي، وتمحيصها الطبّي، إلى مضارّها التي أنبأ عنها الإسلام قبل ثلاثة عشر قرناً بدون كلفة ولا عناء، فحرّموا على أنفسهم ما يُحرّمه دينُهم، وتمنعه شريعتُهم، فللّه شريعة الإسلام ما أشرفها، وأنبلها، وأدقّها، وأجلّها، وأفضلها، وأكملها، وخسرتْ صفقةُ المسلمين الذين أضاعوها فضاعوا، واستهانوا بها فهانوا، وعسى أنْ يُحْدِثُ

____________________________

(١)راجع:

كتاب الوسائل ج٢٥: ٢٩٦ (باب تحريم شرب الخمر والأبواب التي بعده) فقد أورد الحرّ العاملي رحمه الله تعالى فيها جملةً واسعة من الروايات الخاصّة بهذا الباب.

(٢)انظر:

الكافي ج٦: ٢٢٩/٢. الفقيه ج٤: ٤١/١٣٢. التهذيب ج٩: ١١٦/٥٠١.

٣٠٠