الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية17%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154314 / تحميل: 10235
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الشيخ عباس القمي

١

( إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكمُ الرجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطهركُم تطهيراً )

قرآن كريم سورة الأحزاب آية ٣٣

( قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إلا المَوَدّةَ في القُربى )

قرآن كريم سورة الشورى آية ٢٣

«إنَّما مَثَلُ أَهلِ بِيتي فيكُم كَمثَلِ سَفينَةِ نُوحٍ مَن دَخَلَهَا نجا وَمَن تَخَلفَ عَنهَا هَلَكَ »

حديث شريف

المستدرك ج ٣ ص ١٥٠ حديث ٥٥

٢

بِسم اللّه الرحمن الرحيم

كلمة لا بدَّ منها

«الأنوار البهيَّة» في تواريخ الحجج الإِلهية، اسم على مسمَّى من حيث إنه يحمل نوراً للقلوب ينبعث من أربع عشرة مشكاةً هي التي أنارت سُبل المعاش والمعاد لسائر العباد، يوم أن اختارها اللّه على العالمين لإِخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان حتى يوم الدِّين.

هو كتاب لم يكن الأول في بابه، ولا الأشمل والأكمل في محتواه، ولا هو ذو موضوع قلَّما تناولته الأقلام وحامت حوله الأفهام، لأن ثقات الشيعة وجهابذة سلفهم الصالح قد أشبعوا موضوعه درساً وبحثاً وتدقيقاً منذ القرن الثالث الهجري حتى أيامنا هذه، لأنه يتناول خلاصة سيرة سيد المرسلين، وسير فاطمة سيدة نساء العالمين والأئمة الاثني عشر الأبرار المطهَّرين صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين، ورضوان اللّه على صحبه المنتجبين وأصحابهم الميامين.

وهذا الموضوع الكريم تحفل به امهات الكتب وأعاظم الأسفار، وقد أشبعه العلماء والادباء والمؤرخون كلاماً وتفصيلاً، ولكن الذي دعانا الى نشره بالذات، هو أنه خلاصة طريفة لطيفة، ورسالة وجيزة فخمة، تحمل خلاصة هذه السِّير الشريفة بأخصر عبارة وأوضح بيان، وبأسلوب سهل قريب التناول. فهو يغني عن الكتب الضخمة لما فيه من روحية مؤلفه الجليل، ومن حسن اختياره الجميل اللذين ان دلاَّ فإنما يدلاَّن على براعة الانتقاء وسلامة النيَّة، وعلى الإِيمان الراسخ الذي تقرأه بين سطور كاتبه رضي اللّه عنه وأرضاه.

٣

ودارنا - إذ تقدِّمه إلى القرَّاء الكرام مدققاً منقحاً في طبعته الأنيقة - يسرُّها أن تُتحف به المكتبة الإِسلامية وروَّاد الحقيقة من قرَّاء العربية، راجيةً بذلك القربى ورضاء اللّه سبحانه، ومستمدَّة منه العون على ما يخدم الاسلام والمسلمين، ويظهر فضل خاتم النبيين صلى اللّه عليه وآله وسلم، وفضل بضعته الطاهرة وأبنائها الأئمة المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرِّجس وطهَّرهم تطهيراً، سلام اللّه عليها وعليهم، وعلى اللّه وحده - التِّكلان أولاً وأخيراً.

الناشر            

بيروت: ذو الحجة سنة ١٤٠٣ هجرية

أيلول سنة ١٩٨٣ ميلادية

٤

(حياة المؤلف)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

هو الحبر النحرير. والعالم البصير. والمحدث الخبير. الشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي. من أفاضل علماء العصر الحاضر، ولد في سنة ١٢٩٤ هجري ببلدة قم ونشأ فيها. واشتغل بالتعليم الى أوان سنة ١٣١٦ هجري. ففيها هاجر الى العراق لتكميل تحصيلاته، فقدم النجف والتزم مصاحبة استاذه في الحديث والرجال العلامة النوري (الحاج ميرزا حسين الطبرسي) وأخذ منه الحديث والرجال، فبرع فيهما، وأجازه أستاذه العلامة، وكان اجتماعه به في سنة ١٣١٤ هجري، وذلك بعد مهاجرة العلامة المذكور، من سامراء الى النجف بسنتين، فاستفاد منه بقية حياته، وعاضده في تآليفه، حتى قبض شيخه في سنة ١٣٢٠ هجري فرجع جنابه الى موطنه الأصلي (بلدة قم) وبقي هناك مستقلاً بالبحث والتنقيب. فأفاد بدرسه وتأليفه. وفي عام ١٣٢٢ هجري هاجر الى خراسان وتشرف بمشهد مولانا الرضا واستوطنه، وبقي الى أواخر عمره في ذلك المشهد الشريف. ولم يزل في أثناء اقامته بهذه البلدة مشتغلاً بالافادة: تدريساً والقاء في منابرها، وكتابةً في مؤلفاته، حتى أن جمعاً من محصلي العلوم الدينية طلبوا منه تدريس الأخلاق، فقبل جنابه، وكان يلقي دروسه الأخلاقية في مدرسة ميرزا جعفر بجوار البقعة الشريفة فاغتنم الطُّلاب محضره، وكان يحضر مجلسه زهاء ألف طالب، فتمتد افاداته الى مقربة من ثلاث ساعات متوالية، والحاضرون يستمعون بياناته الشريفة باقبال تام بلا سأم وكسل. فأنذر جنابه وبشَّر، وتتبَّع في نقل الزاجرات وتبحَّر. وكان من دأْبه نقل الروايات مسندةً، احتياطاً في النقل، وفي خلال إقامته بإيران، تشرف ثلاث مرات بزيارة بيت اللّه الحرام، ولم يترك

٥

الاشتغال بالمطالعة والتأليف في أثناء رحلاته. فكان آيةً في صيانة أوقاته عن التضييع والبطالة. حتى نقل لنا أحد الأعلام: أنه رآه في البرية أثناء سفره (حين مكْثِ سيارته لاصلاح ما ضاع منها) مشغولاً بالكتابة، إغتناماً للفرصة. ومن عاداته الشريفة تنقيح الأخبار المباركة من الغث، وعدم نقله (حتى الامكان) من المصادر الضعاف. وكان مولعاً بجمع الاحاديث وترتيبها ترتيباً يسهل معه التناول. والانصاف ان تآليفه آية في حسن الترتيب والتأليف ولأجل ذلك شاع وذاع جل تأليفاته. وقد طُبع كثير منها غير مرّة وما من مكتبة بل بيت من الشيعة إلا وعنده آثار من هذا الحبر المؤيَّد. وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ولا شك ان لروحياته الشريفة، ومجاهداته النفسية، أثراً في أن يحظى من اللّه تعالى بذاك التوفيق المستوعب. وفي تخليد اسمه بتلك المآثر القيمة. وقد قال اللّه تبارك اسمه، (ومن يُرد حَرثْ الآخرة نَردْ لَه في حَرثِه) صدق اللّه العلي العظيم. فقد زاده اللّه تعالى في حرثه وأيّ حرثٍ أعظم من هذه الصدقات الجارية المبقية لاسمه ما شاء اللّه، والموجبة للترحُّم والدعاء له في كل يوم وليلة، بل وفي كل ساعة، حيث لا يخلو مشهد من مشاهد الأئمة على ساكنيها السلام من كتابه المفاتيح. وقل من صعد منبر الوعظ والارشاد الا واستفاد من تآليفه القيمة. فجزاه اللّه تعالى عن الإِسلام خير الجزاء وزاده شرفاً وحباه. وشرفه بمحضر مواليه الكرماء. آمين رب العالمين.

(مؤلفاته)

مؤلفاته تزهو عن الستين بين مطبوع - وهو الأكثر - ومخطوط نسأل اللّه تعالى توفيق أحفاده بنشره. واستفادة المؤمنين من بركته. وهذه قائمة أسماء كتبه على ما ضبطه جنابه في تأليفه القيم (الفوائد الرضوية) (ص ٢٢١ ج ١) مع تغيير يسير لناشره فضيلة ولد المؤلف حين طبع ذلك الكتاب.

فالمطبوعة منها:

٦

١ - فوائد الرجبية في ما يتعلق بالشهور العربية: هو أول ما ألفه وكانت نسخته المطبوعة أيضاً بخطه الشريف (بالفارسية).

٢ - الدرة اليتيمة في تتمات الدرة الثمنية: كتبه تتميماً لشرح الفاضل اليزدي على النصاب.

٣ - مختصر الأبواب. في السنن والآداب: وهو مختصر حلية المتقين. للعلامة المجلسيرحمه‌الله .

٤ - هدية الزائرين: يشتمل على الزيارات الواردة للأئمة الطاهرين وفوائد متفرقة من تعيين قبور العلماء والصلحاء في مشاهدهم الشريفة. وغير ذلك من أعمال السنة.

٥ - اللآلئ المنثورة: وجيزة كثيرة الفائدة في الأذكار والأحراز.

٦ - الفصول العلية في المناقب المرتضوية: جمع نبذة من مناقب مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام أغلبها من كتب أهل السنة.

٧ - سبيل الرشاد: في أُصول الدين.

٨ - حكمة بالغة ومئة كلمة جامعة: من الكلمات القصار لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٩ - ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس التجار (بالفارسية).

١٠ - الغاية القصوى في ترجمة العروة الوثقى: ترجمة فارسية للرسالة العملية المزبورة. تأليف فقيه عصره السيد محمد كاظم اليزدي.

١١ - رسالة في المعاصي الصغيرة والكبيرة (بالفارسية).

١٢ - ١٣ - مفاتيح الجنان والباقيات الصالحات: في الأدعية والزيارات والأذكار والأحراز(١) .

____________________

(١) قد تهيأ لدار الأضواء للنشر ان توفق في طبعه طباعة حديثة أنيقة.

٧

١٤ - التحفة الطوسية والنفحة القدسية (بالفارسية).

١٥ - رسالة (دستور العمل) بالفارسية.

١٦ - نفس المهموم في مقتل مولانا أبي عبد اللّه الحسين المظلوم (بالعربية).

١٧ - نفثة المصدور: مجالس فيما يتعلق بفاجعة كربلاء ومصائب الآل.

وقد طبع بضميمة هذا الكتاب (اي الأنوار البهية) في الطبعة الأولى (بالعربية).

١٨ - النوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية: هو هذا السفر الجليل.

١٩ - منازل الآخرة (بالفارسية).

٢٠ - ترجمة لمصباح المتهجد: لِمَا كان عناوين الأدعية وفضائلها المذكورة فيه كأصل الادعية بالعربية. ترجمة في الحواشي. نظراً الى استفادة أبناء اللغة الفارسية.

٢١ - نزهة النواظر في ترجمة معدن الجواهر: وأصله العربي للشيخ الأجل الكراجكي.

٢٢ - المقامات العلية: اختصره من معراج السعادة للفاضل النراقي.

٢٣ - ترجمة جمال الأسبوع لابن طاوس بالفارسية (طبعت في حواشي الأصل).

٢٤ - منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل.

٢٥ - ترجمة للمسلك الثاني من كتاب اللهوف لابن طاوس.

٢٦ - تتميم تحية الزائر لأستاذه النوريرحمه‌الله (بالفارسية).

٢٧ - (جهل حديث) الأربعون حديثاً مختلف المضامين (بالفارسية).

٨

٢٨ - الكنى والألقاب في ذكر مشاهير العلماء والشعراء والأصحاب وغيرهم (بالعربية).

٢٩ - هدية الاحباب: في اختصار الكتاب المتقدم.

٣٠ - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: اختصار لبحار الأنوار (لمؤلفه العلامة المجلسي) رتبه على ترتيب الحروف الهجائية. فذكر ما يتعلق بكل حرف مع الاشارة الى مصادره من أبواب الأصل. وهو كتاب شريف كثير الفوائد لا بد منه لِمُراجع البحار وكان مع ذلك كتاباً مستقلاً مفيداً جدّاً.

٣٢ - بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان (بالعربية) وقد طبع بعد وفاته وترجمه الى الفارسية بعض الأفاضل.

٣٣ - تحفة الأحباب في تراجم الأصحاب: مشتملة على تراجم كبار أصحاب النبي والأئمةعليهم‌السلام (بالفارسية) وهذه أيضاً قد طبعت بعد وفاته.

(القسم الثاني: ما لم يطبع بعد)

١ - فيض العلام في وقائع الشهور وعمل الأيام.

٢ - هداية الأنام الى وقائع الأيام: مختصر فيض العلام (المتقدم ذكره).

٣ - كلمات لطيفة.

٤ - كتاب الكشكول.

٥ - الدر النظيم في لغات القرآن العظيم.

٦ - كتاب نقد الوسائل ( يتعلق بوسائل الشيعة للشيخ الأجل الشيخ الحر العامليرحمه‌الله ).

٧ - تتميم بداية الهداية للشيخ الحر العالميرحمه‌الله .

٩

٨ - شرح الوجيزة (كتاب الأصل للشيخ الأجل شيخنا البهائي وهو أخصر كتاب في علم الدراية).

٩ - فيض القدير فيما يتعلق بحديث الغدير: وهو اختصار مطالب (عبقات الأنوار) للسيد حامد حسين الهندي التي ألفها الحبر البارع في ضمن مجلدات، شارحاً لبعض الاحاديث الواردة في موضوع الولاية. منها مجلدان ضخمان فيما يتعلق بحديث الغدير.

١٠ - علم اليقين (في اختصار حق اليقين لمؤلفه العلامة المجلسيرحمه‌الله ).

١١ و ١٢ - مقاليد الفلاح في عمل اليوم والليلة. ومقلاد النجاح (في اختصار الكتاب المتقدم).

١٣ - اختصار المجلد الحادي عشر من مجلدات البحار.

١٤ - شرح حكم مولانا أمير المؤمنين الواردة في القسم الثالث من نهج البلاغة.

١٥ - مختصر الشمائل (اختصره بالفارسية من أصله العربي المرشح من قلم الإِمام الترمذي من كبار علماء العامة).

١٦ - كحل البصر في سيرة سيد البشر (قد طبع بقم).

١٧ - قوة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة (وهذه الرسالة بمنزلة الأصل للكتاب الحاضر).

(القسم الثالث: ما لم يوفق باتمامه في أيام حياته)

١- ضيافة الإِخوان.

٢ - صحائف النور في عمل الأيام والسنة والشهور.

٣ - ذخيرة العقبى في مثالب أعداء الزهراءعليها‌السلام .

١٠

٤ - مسلِّي المصاب بفقد الأعزة والأحباب.

٥ - الآيات البينات في أخبار أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الملاحم والغائبات (ذكر المؤلف أن نسخة هذا الكتاب قد فقدت).

٦ - شرح للصحيفة السجادية.

٧ - غاية المرام (تلخيص لدار السلام فيما يتعلق بالرؤيا والمنام لشيخه العلامة النوري).

٨ - شرح الأربعين حديثاً.

٩ و ١٠ - تعريب زاد المعاد وتحفة الزائر (كلاهما للعلامة المجلسي).

١١ - فوائد الطوسية.

(رحلته وأحفاده)

فاضت نفسه الزكية في ليلة ٢٣ من ذي الحجة الحرام سنة ١٣٥٩ هجري، وقد بلغ عمره خمساً وستين سنة وبقي من جنابه أربعة أولاد:

١ و ٢ - جناب فضيلة الشيخ ميرزا علي آقا وجناب فضيلة الشيخ ميرزا محسن سلمهما اللّه تعالى وكانا من أفاضل العصر وأخياره.

٣ و ٤ - مخدرتان صالحتان، وفقهم اللّه جميعاً لمرضاته وجعل في أعقابهم الصالحين. آمين رب العالمين.

(موضوع هذا الكتاب)

من أهم مواضيع التاريخ ترجمة صلحاء الأمة وعلمائهم المماثلين للأنبياء. لأن أهم منافعه تذكار من مضى لاعتبار من يأتي. وفي ذكر الأخبار من العلماء الأبرار أعلى مراتب الاعتبار. حيث أوقفوا أنفسهم على سبيل الخيرات ولم يأخذهم في اللّه لومة لائم فسلكوا نهج الحق باقدام راسخة، وأيَّدوا الدين تارة بالألسن وأخرى بالأقلام وثالثة بتعريض أنفسهم للشهادة

١١

حفاظاً لحرمة الدين وخدمة للمؤمنين وإرشاداً للسالكين، فحياتهم درس كله لمن ألقى السمع وهو شهيد. فالناظر يستفيد منهم حياً وميتاً.

وفي رأس قائدي الدين وحُفّاضه وعلمائه، من وسمه اللّه بوسمة العصمة وأيده بروح منه، هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، حيث شرَّفهم اللّه تعالى بتشريف الإِمامة وقمصهم قميص الولاية. فحياتهم كلها درس شهامة وحرية وأخلاق وفضيلة.

فمن الشقاء للمرء المسلم عدم عثوره على حالاتهم وأخلاقهم وسيرتهم. ولما لم يتمكن لعامة الناس ذلك شمَّر عن قميص الجد رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وتذكير الناس بأية وسيلة من الوسائل ففحصوا ونقبوا واستعلموا باحثين عن أحوالهم وسيرهم الشريفة. واثبتوا ما عثروا عليه. فجدير بنا أن نذكر جملة منها، تذكرة لمن لم يعلم وشكراً لمؤلفيه ومجمِّعيه.

فأول ما بأيدينا من كتب سير الأئمة ولو في طي حالات نفر آخر: تاريخ اليعقوبي (لابن واضح الاخباري المتوفي ٢٩٢ هجري وهو تاريخ سنوي عام من بدء هبوط آدم الى عام ٢٥٩ هجري وقد أدرج في مطاويه أحوال الأئمة ونقل بعض كلماتهم القصار الحكمية.

ثم الكافي لمؤلفه ثقة المحدثين جناب محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفى سنة ٣٢٩ هجري. وهذا السفر الشريف وان كان موضوعاً لابداع الأخبار المروية عنهم ولكن في مطاويه عقد أبواباً لمواليدهم ووفياتهم.

ثم مروج الذهب. والتنبيه والأشراف. وإثبات الوصية. كلها تأليف المؤرِّخ البارع. علي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة ٣٣٣ هجري.

ثم الارشاد للشيخ الأجل شيخنا المفيد قُدِّس سرَّه المتوفى سنة ش ٤١٣ هجري.

وهذا السفر أقدم كتاب وصل الينا يختص ببيان حياة الأئمة وفضائلهم. والمؤلف وان كان غرضه إثبات الإِمامة لهم من طريق العقل والنقل ولكن لما

١٢

كانت حياتهم من اوّل الدلائل على ذلك أثبت تاريخهم وما صدر منهم من الكرامات، فكتابه هذا حقيق بأن يكون معقد الدراسة والبحث.

ثم إعلام الورى(١) للشيخ الأجل أمين الإِسلام الطبرسي المتوفى سنة ٥٤٨ هجري. وهو أنفع كتاب في ذلك من المتقدمين. ويشتمل على تاريخ النبي وأجداده وأمير المؤمنينعليه‌السلام والزهراء سلام اللّه عليها وذريتها المعصومينعليهم‌السلام .

ثم المناقب لابن شهرآشوب السروري المازندراني المتوفى سنة ٥٨٨ هجري. وكشف الغمة للشيخ المتبحر علي بن عيسى الإِربلي المتوفى سنة ٦٧٨ هجري، وهذان الكتابان، أجل كتابين في بابهما إذ مؤلفاهما المتتبعان أكثرا النقل عن المخالف والمؤالف وجمعا ما شرد في مطاوي كتابيهما. ولما كانا ثقتين ثبتين عند الفريقين، ومع ذلك يسميان من ينقلان عنه، أثبت ذلك كله لهذين السفرين جلالة ووثاقة عند الكل.

كل ذلك من آثار ثقات الشيعة ومحدثيهم ومؤرخيهم. وأما علماء السنة فحيث إنهم مقرون بفضائل الأئمة وشرف انتسابهم بالرسول ذكروا أيضاً تواريخهم منفردة وضمن الوقائع، فقلَّ تاريخ عام إلا وقد ذكرهم في مطاويه وأثنى عليهم. ولذا أغمضنا عن ذكر التواريخ العامة السنوية كتاريخ الطبرسي وابن كثير وابن الأثير وابي الفداء وغيرها. ولكن لم نر بدّاً من ذكر ما أفرده بعض كبارهم في حياة أئمتنا المعصومين، تذكرة لمن أراد الوقوف على أقوال غير الشيعة فيهمعليهم‌السلام .

فمنهما: مطالب السُّؤول في مناقب آل الرسول لكمال الدين بن طلحة الشافعي المتوفي سنة ٦٥٢ هجري.

____________________

(١) ولم نذكر كتاب التهذيب لشيخ الطائفة ورئيسها، شيخنا الطوسي قدس سره وسائر كتب الزيارات كالمصباحين له وللكفعمي وكذا بعض كتب الفقه كالسرائر للشيخ ابن ادريس والدروس لشيخنا الشهيد، للاختصار ولأنهم لا يزيدون عن إثبات المواليد والوفيات.

١٣

ومنها (وفيات الاعيان) الموضوع لتراجم مشاهير الإِسلام لابن خلكان المتوفى سنة ٦٨١ هجري وان كان فيه اشتباهات وزلات في تراجم أئمتنا.

ومنها (حلية الأولياء) الموضوع لترجمة الصلحاء والزهاد للحافظ ابي نعيم (مصغرا) الاصفهاني المتوفى سنة ٤٣٠ هجري.

ومنها الفصول المهمة في معرفة الأئمة لنور الدين بن صباغ المالكي المتوفى سنة ٨٥٥ هجري.

هذا مضافاً الى ما دوَّنه المؤرخون في سِير النبي والخلفاء والأصحاب حيث ذكروا في أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحفاده، مولانا امير المؤمنين وسيدتنا فاطمة الزكية وابنيهما الحسن والحسينعليهم‌السلام جميعاً.

وكذا ما صنفوا في المقاتل حيث إنهم قد أفردوا للحسين مقاتل استوفت وقائع خروجه وشهادته.

فمن سير النبي المشتملة لذكر السيدة فاطمة الشريفة ومولانا ابي الحسن وابنيهما، سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام المتوفى سنة ٢١٨ هجري.

والسيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي المتوفى سنة ١٠٤٤ هجري. وغير ذلك من السير.

ومن سير الاصحاب وتراجمهم الشاملة لذكر مولاتنا وبعلها وبنيها: طبقات الصحابة والتابعين لأبي عبد اللّه بن سعد المتوفى سنة ٢٣٠ هجري. الاستيعاب في اسماء الاصحاب، للحافظ ابي عمرو بن عبد البر القرطبي المالكي المتوفى سنة ٤٦٣ هجري.

وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير عز الدين علي بن أبي الكرم المتوفى سنة ٦٣٠ هجري.

١٤

وميزان الاعتدال للذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ هجري.

والاصابة في تمييز الصحابة لشيخ الإِسلام شهاب الدين بن حجر العسقلاني الشافعي المتوفى سنة ٨٥٢ هجري.

ومن المقاتل الشاملة لمقتل الوصي وشبليه، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى سنة ٣٥٦ هجري.

ومما أفرد في مقتل الحسين، مقتل أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى سنة ١٥٧ هجري. ومقتل الخوارزمي.

هذه جملة من المدارك القديمة الموثوق بها. وللمتأخرين مصنفات قيمة في تواريخهم خصوصاً بعض اعلام التشيع في عاصمة إيران بظهور الدولة الصفوية ورفع التقية من الشيعة: ففي ذلك العصر المشعشع قد وفق علماء الشيعة لتأليف مجلدات ضخمة في حالاتهم ومعجزاتهم وأخلاقهم كبحار الأنوار (ج ٩ - ١٠ - ١١ - ١٢ - ١٣) وعوالم العلوم وغيرهما.

ولكن في عصرنا يحسُّ الاحتياج الى تدوين كتاب صغير الحجم جامع لشتات أحوالهم، مشتمل لنبذُ من مكارم أخلاقهم وكراماتهم وكلماتهم القصار الحكيمة، بعبارات واضحة وطرق صحيحة. فصنِّف جناب المؤلف هذا السفر الجليل ففاز بالمراد بل فاق ما أراد. والمشاهدة تكفي عن المبالغة ونحن نشكره على هذه الخدمة القيمة وان كان (ر حمه الله) لا يريد منا جزاء ولا شكوراً. فنسأل اللّه تعالى أن يحشره معهم في الدرجات الآخرة وأن يوفق العلماء بما وفَّقهرحمه‌الله لخدمة الدين بأفكارهم وأقلامهم إنه قريب مجيب. آمين رب العالمين تحريراً في ١١ من ذي القعدة الحرام وأنا أقل خدمة العلم والدين محمد كاظم الخراساني الشانه جي.

١٥

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي أوضح عن دينه القويم بأئمة الهدى من أهل بيت النبوِّة، وأبلج(١) بأنوار آثارهم عن الصراط المستقيم، واستبان بهم المحجة(٢) والصلاة والسلام على نبيه هادي الأمة، وإمام الأئمة وعلى آله الأنوار المضيئة، وبدور الليالي المدلهمة(٣) .

وبعد: فيقول راجي عفو ربه الغني عباس بن محمد رضا القمي عفى عنهما: انه قد سألني بعض الإِخوان من أهل الإِيمان، أن أكتب له ما هو المختار عندي من تواريخ أيام ولادة الحجج الطاهرة سادات الدنيا والآخرة، وأيام وفاتهم صلوات اللّه عليهم فكتبت له وجيزة سمَّيتها (قرة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة). ثم عنَّ(٤) لي أن اكتب رسالة أخرى اذكر فيها مختصراً من كيفية ولادتهم ووفاتهم، وأشير الى قليل من مناقبهم، فجمعت هذه الرسالة الشريفة وسميتها الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإِلهية، واوردت فيها أربعة عشر نوراً، وأسأل اللّه تعالى ان يوفقني لاتمامها ويفوزني بسعادة اختتامها إنه جواد كريم.

____________________

(١) أي أشرق وأضاء.

(٣) أي شديد السواد.

(٢) أي وسط الطريق.

(٤) أي ظهر واعترض.

١٦

النور الأول.. (سيِّدنا ونبيُّنا وشفيع ذنوبنا رسول اللّه أبو القاسم)

محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب(١) ومن عجمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أما نسبه الشريف فهو:

ابن عبد اللّه(٢) : الذي أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومي، توفي والده بالمدينة وله خمس(٣) أو ثمان وعشرون سنة قبل أن يولد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفن(٤) في دار النابغة الجعدي.

ابن عبد المطلب: اسمه (شيبة الحمد) وسمي بذلك لأنه كان في رأسه لما ولد شيبة(٥) . أمه سلمى بنت عمرو الخزرجية النجارية(٦) وكان وجهه

____________________

(١) بضم العين وهو خلاف العجم.

(٢) وكان عبد اللّه أصغر ولد أبيه. فكان هو وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة وعاتكة واميمة وبرة ولد عبد المطلب أمهم جميعاً فاطمة بنت عمرو بن عائذ.

(٣)و (٤) كامل التواريخ لابن الاثير (ص ٥ - ج ٢).

(٥) شاب شيبة: ابيض شعره. واليبة اسم من شاب.

(٦) إنما قيل له عبد المطلب لأن اباه هاشماً شخص في تجارة الى الشام فلما قدم المدينة نزل على عمرو بن لبيد الخزرجي من بني النجار وتزوج ابنته وشرط عليه أبوها أن لا تلد الا في أهلها فمضى هاشم الى الشام ورجع. فبنى بها في اهلها. ثم حملها الى مكة فلما حملت وأثقلت ردها الى اهلها التزاماً بالشرط ومضى الى الشام فمات بغزة فولدت له سلمى عبد المطلب. فمكث بالمدينة سبع سنين ولم يعلم به أعمامه فلما علم به المطلب. سافر الى المدينة وأخذه وأركبه على عجز ناقته وسار الى مكة. فقدمها صحوةً والناس في مجالسهم. فجعلوا يقولون من وراءك؟ فيقول هذا عبدي حتى أدخله منزله. ثم خرج به العشي الى مجلس بني عبد مناف. فأعلمهم أنه ابن أخيه. فكان بعد ذلك يطوف بمكة ويقال هذا عبد المطلب.

١٧

يضيء في الليلة المظلمة وكان يقال له: مطعم طير السماء، وكانت إليه السقاية والرفادة، وهو الذي حفر زمزم وسن خمس سنن أجراها اللّه تعالى في الإِسلام. ومات(١) بمكة وقبره بالحجون مزار مشهور ومعهُ قبر ابي طالبعليه‌السلام .

ابن هاشم:

عمرو العلى هشم(٢) الثريد(٣) لقومه

ورجال مكة مسنتون(٤) عجاف(٥)

أمه عاتكة بنت مرة السلمية ولدته(٦) وعبد شمس توأمين وكانت إصبع(٧) أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم وكانت اليه السقاية(٨) والرفادة. مات(٩) بغزة(١٠) (بفتح المعجمتين كبرَّة) وهي مدينة في أقصى الشام بينها وبين عسقلان فرسخان، بها ولد الشافعي ودفن بها هاشم ورثاه مطرد الخزاعي بقوله:

مات الندى بالشام لما أن ثوى(١١)

أودى(١٢) بغزة هاشم لا يبعد

فجفانُه(١٣) ورم(١٤) لمن ينتابه(١٥)

والنصر أولى باللسان وباليد

____________________

(١) وله مئة وعشرون سنة وكان قد عمي (ابن الاثير).

(٢) أي كسر الخبز وبلّه بالمرق فهو هاشم.

(٣) أي الخبز المفتوت المبلول بالمرق.

(٤) أي أصابهم القحط.

(٥) أي غير ممطورين. أو تاركي طعام لقلّة أو هزال.

(٦) كان هاشم أكبر ولد عبد مناف والمطلب أصغرهم.

(٧) ابن الأثير (ص ٦ - ج ٢).

(٨) وهذا سبب خصومته مع عبد شمس.

(٩) ابن الأثير.

(١٠) وله عشرون سنة وقيل خمس وعشرون سنة وهو أول من مات من بني عبد مناف.

(١١) ثوى المكان وفيه وبه: أقام. ثوى الرجل: مات.

(١٢) أودى الرجل: هلك.

(١٣) الجفنة: القصعة الكبيرة، جمعها: جفان.

(١٤) الورم - مصدر بمعنى الفاعل. أي مراوم.

(١٥) انتابهم. أي اتاهم مرة بعد أخرى: من النوب.

١٨

ابن عبد مناف: اسمه المغيرة(١) ويقال(٢) له القمر لجماله، أُمه حُبى بنت حُليل (بالمهملة المضمومة وفتح اللام) وقبره بمكة عند عبد المطلب وفيه يقول الشاعر:

كانت قريش بيضة فتَفَلّقَتْ

فالمخُّ خالصُهُ لعبدِ منافِ

ابن قُصَي: مصغراً اسمه(٣) زيد وأمه فاطمة بنت سعد. وقصي هو الذي أجلى خزاعة عن البيت وجمع قومه الى مكة من الشعاب والأودية والجبال فسمي مجمعاً. قال الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مجمِّعاً

به جمع اللّه القبائل من فِهْر(٤)

وكانت اليه(٥) الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف قريش كله، وقسم مكة أرباعاً بين قومه وتيمَّنت قريش بأمره فما تنكح، ولا يُتشاور، ولا يُعقد لواء الا في داره، وكان أمره في قومه كالدين المتَّبع في حياته وبعد موته، فاتَّخذ دار الندوة وبابها في المسجد، وفيها كانت قريش تقضي أمورها. ولما توفي قُصي دفن بالحجون فكانوا يزرون قبره ويعظمونه.

ابن كلاب(٦) : وأمه هند بنت سرير، وهو أخو تيم من أبيه، وتيم هو الذي ينتهي اليه نسب أبي بكر.

____________________

(١) وكنيته أبو عبد شمس. وسبب تسميته بعبد مناف أن أمه لما ولدته، دفعته الى مناف (صنم بمكة) تديناً به.

(٢) ابن الأثير.

(٣) ابو المغيرة.

(٤) هو ابو القبائل.

(٥) أي حجابة البيت وسقاية الحاج ورفادة الضيوف و مركزية دار الشورى وعقد ألوية الحروب العامة.

(٦) ويكنى أبا زهرة.

١٩

ابن مرة(١) : (بضم الميم وشد الراء) وأمه محشية بنت شيبان، وأخوه عدي جد عمر بن الخطاب.

ابن كعب(٢) : وامه مارية بنت كعب القضاعية وكان عظيم القدر عند العرب وأرخوا(٢) لموته الى عام الفيل وكان بينهما خمسمئة وعشرون سنة.

ابن لؤي(٣) : تصغير اللأي وهو النور: وأمه عاتكة(٤) بنت يخلد بن النضر.

ابن غالب(٥) : وأمه ليلى بنت الحرث.

ابن فهر(٦) : (بالكسر) أمه جذلة بنت عامر الجرهمية وكان فهر رئيس الناس بمكة، وكان جمَّاع قريش.

ابن مالك: أمه عاتكة بنت عدوان.

ابن النضر: (بفتح النون وسكون الضاد المعجمة) سُمي بذلك لنضارة وجهه، قيل: كان اسمه(٧) قريش (فكل من ولد من النضر فهو قرشي ومن لم يلده النضر فليس بقرشي) أمه برة بنت مر بن اد بن طابخة.

ابن كنانة: امه عوانة بنت سعد.

ابن خزيمة: (تصغير خزمة) امه سلمى بنت أسلم.

____________________

(١) ويكنى أبا يقظة.

(٢) ابن الأثير (ص٩ - ج ٢).

(٣) ويكنى أبا كعب.

(٤)وهي أول العواتك التي ولدن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش.

(٥) ويكنى أبا تيم.

(٦) ويكني أبا غالب.

(٧) قيل لما جمعهم قصي قيل لهم قريش. والتقرش: التجمع. وقيل لاجتماع خصال الخير فيه.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

النبيعليه‌السلام ، حتى بدت أنيابه ، ثم قال : ( اذهب وأطعم عيالك )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة(٢) .

وقال النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقتادة : لا كفّارة عليه(٣) .

وهو خرق الإِجماع ، فلا يلتفت إليه.

إذا عرفت هذا ، فقد أجمع العلماء على وجوب القضاء مع الكفّارة ، إلّا الأوزاعي ؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإِطعام ، قضى ، وإن كفّر بالصيام ، لم يقض ؛ لأنّه صام شهرين(٤) .

والإِجماع يبطله ، ولا منافاة.

وللشافعي قول : إنّه إذا وجبت الكفّارة ، سقط القضاء ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، لم يأمر الأعرابي بالقضاء(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّهعليه‌السلام ، قال : ( وصُم يوماً مكانه )(٦) .

ولا فرق بين وطء الميتة والحيّة والنائمة والمكرهة والمجنونة والصغيرة والمزني بها.

مسألة ١٥ : ويفسد [ الجماع ] صوم المرأة إجماعاً ، وعليها الكفّارة مع المطاوعة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤١ - ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨.

(٥) المجموع ٦ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

٤١

أحد القولين(١) - لأنّها شاركت الرجل في السبب وحكم الإِفطار ، فتشاركه في الحكم الآخر ، وهو وجوب الكفّارة.

ولعموم الروايات ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٢) .

وفي الآخر للشافعي : لا كفّارة عليها - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ النبيعليه‌السلام أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشي‌ء(٤) .

ولا دلالة فيه ؛ فإنّ التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم ، ولجواز أن تكون مكرهةً.

فروع :

أ - لو أكره زوجته على الجماع ، وجب عليه كفّارتان ، ولا شي‌ء عليها ؛ لأنّه هتك يصدر من اثنين ، وقد استقلّ بإيجاده ، فعليه ما يوجبه من العقوبة ، وهي الكفّارتان.

وخالف الجمهور ، فقالوا : تسقط عنها وعنه ؛ لصحة صومها(٥) .

وهو لا ينافي وجوب الكفّارة ، وللرواية(٦) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

(٣) المغني ٣ : ٦١ - ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٥) اُنظر : المغني ٣ : ٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

٤٢

ولا قضاء عليها عندنا.

وقال أصحاب الرأي : يجب عليها القضاء. وهو قول الثوري والأوزاعي(١) .

وقال مالك : يجب على المكرهة القضاء والكفّارة(٢) .

وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر : إن كان الإِكراه بوعيد حتى فعلت ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن كان إلجاءً ، لم تفطر ، والنائمة كالملجَأة(٣) .

ب - لو وطأ المجنون ، فإن طاوعته ، فعليها كفّارة واحدة عنها ، وإن أكرهها ، فلا كفّارة على أحدهما.

ج - لو زنى بامرأة ، فإن طاوعته ، فكفّارتان عليهما معاً ، وإن أكرهها ، فعليه كفّارة.

قال الشيخ : ولا يجب عنها شي‌ء ؛ لأنّ حمله على الزوجة قياس(٤) .

وهو مشكل ؛ لأنّ الفاحشة هنا أشدّ.

د - لو أكرهته على الجماع ، فعليها كفّارة عن نفسها ، ولا شي‌ء عليه ولا عليها عنه ؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل.

مسألة ١٦ : لو وطأ امرأته أو أجنبيةً في دُبرها فأنزل ، وجب عليه القضاء والكفّارة إجماعاً‌ ، وإن لم ينزل فكذلك - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في رواية(٥) - لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج ، فوجب عليه الكفّارة ، كالقُبُل.

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٣) المجموع ٦ : ٣٣٦ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٥.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨‌

٤٣

ولأنّهعليه‌السلام أمر مَن قال : واقعت أهلي ، بالقضاء والكفّارة(١) ، ولم يستفصله مع الاحتمال ، فيكون عاماً.

وفي رواية عن أبي حنيفة : لا كفّارة ؛ لعدم تعلّق الحدّ به(٢) .

وهو ممنوع ، وأيضاً لا ملازمة ، كالأكل.

فروع :

أ - لو وطأ غلاماً فأنزل ، لزمته الكفّارة ، وكذا إذا لم ينزل - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وطأ عمداً وطءً يصير به جُنباً ، فوجبت الكفّارة.

وقال أبو حنيفة : لا كفّارة(٤) .

ب - لو وطأ في فرج بهيمة فأنزل ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن لم ينزل قال الشيخ : لا نص فيه ، ويجب القول بالقضاء ؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة(٥) .

ومنع ابن إدريس القضاء(٦) أيضاً.

وقال بعض العامة : تجب به الكفّارة ؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل ، مفسد للصوم ، فأشبه وطء الآدمية(٧) .

ج - إن أوجبنا الكفّارة على الواطئ دُبُراً ، وجب على المفعول ؛ لاشتراكهما في السبب ، وهو : الهتك.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٤٠ الهامش (٦).

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٤) المغني : ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٥) الخلاف ٢ : ١٩١ ، المسألة ٤٢.

(٦) السرائر : ٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣.

٤٤

مسألة ١٧ : لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ، لزمه القضاء والكفّارة‌ ، وكذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل - وبه قال مالك وأبو ثور(١) - لأنّه أجنب مختاراً متعمّداً ، فكان كالمجامع.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المفطر بالكفّارة(٢) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع »(٣) .

وعن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق ، قال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً أو يُعتق رقبة »(٤) .

وعن الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في(٥) رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع(٦) »(٧) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : عليه القضاء دون الكفّارة(٨) .

وقال أحمد : تجب الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإِنزال(٩) .

وعنه في القُبلة واللمس روايتان(١٠) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (١) من الصفحة ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١.

(٥) في المصدر زيادة : قضاء شهر.

(٦) في المصدر زيادة : في رمضان.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣.

(٨) المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٥.

(٩) المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(١٠) الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٤٢.

٤٥

فروع :

أ - لو نظر أو تسمّع لكلام أو حادث فأمنى ، لم يفسد صومه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة الاُولى.

أمّا لو كرّر النظر حتى أنزل ، فالوجه : الإِفساد.

وقال الشيخ : إن نظر إلى محلّلة ، لم يلزمه شي‌ء بالإِمناء ، وإن نظر إلى محرَّمة ، لزمه القضاء(٢) .

وقال مالك : إن أنزل من النظرة الاُولى ، أفطر ولا كفّارة ، وإن استدام النظر حتى أنزل ، وجبت عليه الكفّارة(٣) . وهو جيّد.

ب - قال أبو الصلاح : لو أصغى فأمنى ، قضاه(٤) .

ج - لو قبّل أو لمس فأمذى ، لم يفطر - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه خارج لا يوجب الغسل ، فأشبه البول.

وقال أحمد : يفطر ، لأنّه خارج تخلّله الشهوة ، فإذا انضمّ إلى المباشرة أفطر به ، كالمني(٦) .

والفرق : أنّ المني يلتذّ بخروجه ويوجب الغسل ، بخلافه.

د - لو تساحقت امرأتان ، فإن لم تنزلا ، فلا شي‌ء سوى الإِثم ، وإن أنزلتا ، فسد صومهما.

والوجه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ ، فأشبه الزنا.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣.

(٦) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

٤٦

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو ساحق المجبوب فأنزل ، فكالمجامع في غير الفرج.

ه - لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، وجب القضاء والكفّارة‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٢) - لصدق المجامع عليه.

وقال أبو حنيفة : يجب القضاء خاصة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٣) .

ونمنع حكم الأصل.

و - لو نزع في الحال مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم ، لم يتعلّق به حكم ، إلّا أن يُفرّط بترك المراعاة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٤) - لأنّه ترك للجماع ، فلا يتعلّق به حكم الجماع.

وقال بعض الجمهور : تجب الكفّارة ، لأنّ النزع جماع يلتذّ به ، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة(٥) .

وليس بحثنا فيه ، بل مع عدم التلذّذ.

وقال مالك : يبطل صومه ولا كفّارة ؛ لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع ، فأشبه المكره(٦) .

ونمنع وجوب القضاء.

مسألة ١٨ : ويجب بالأكل والشرب عامداً مختاراً في نهار رمضان‌ على‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٢ - ٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢.

(٢) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

٤٧

مَن يجب عليه الصوم : القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة ومالك(١) - لأنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجب عليه الكفّارة ، كالجماع ؛ لما رواه الجمهور : أنّ رجلاً أفطر ، فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق »(٣) .

وقال الشافعي : لا تجب الكفّارة ، بل القضاء خاصة - وبه قال سعيد ابن جبير والنخعي ومحمد بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد وداود - لأصالة البراءة(٤) .

والأصل قد يخالف ؛ للدليل ، وقد بيّناه.

ولا فرق بين الرجل والمرأة والعبد والخنثى في ذلك ، ولا بين أكل المحلَّل والمحرَّم ، ولا المعتاد وغيره ، خلافاً للسيد المرتضى في الأخير(٥) ،

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، اختلاف العلماء : ٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، اختلاف العلماء : ٧٢ - ٧٣ ، المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

٤٨

ولأبي حنيفة والشافعي(١) .

مسألة ١٩ : ويجب بإيصال الغبار الغليظ والرقيق إلى الحلق عمداً : القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ ؛ لأنّه مفسد واصل الى الجوف ، فأشبه الأكل.

وما رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب »(٢) .

مسألة ٢٠ : لو أجنب ليلاً ، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن أصبح جنباً في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً»(٤) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليه القضاء خاصة. وهو ظاهر كلام السيد المرتضى(٥) ، وبه قال أبو هريرة والحسن البصري وسالم بن عبد الله والنخعي وعروة وطاوس(٦) .

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ ، وفيهما : سليمان بن حفص المروزي.

(٣) أورده السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢.

(٥) اُنظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢.

٤٩

وقال الجمهور : لا قضاء ولا كفّارة ، وصومه صحيح(١) ، لقوله تعالى :( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٢) .

وما رووه عن النبيعليه‌السلام ، أنّه كان يُصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه(٣) .

والجواب : لا يجب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الغاية.

والرواية ممنوعة ، على أنّها محمولة على أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر ، لا أنّه يفعله بعده ، وإلّا لكان مداوماً لترك الأفضل وهو الصلاة في أول وقتها ؛ فإنّ قولنا : كان يفعل ، يدلّ على المداومة.

تذنيب : لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لأنّه مع ترك العزم على الغسل يسقط اعتبار النوم ، ويصير كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

ولو نام على عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال ، واستمرّ نومه في الثالث حتى أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة أيضاً ؛ لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه »(٤) وهو يتناول صورة النزاع.

مسألة ٢١ : أوجب الشيخان بالارتماس القضاء والكفّارة(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، وفي الأول : سليمان بن حفص المروزي.

(٥) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

٥٠

واختار السيد المرتضى -رحمه‌الله - الكراهية ، ولا قضاء ولا كفّارة فيه(١) ، وبه قال مالك وأحمد(٢) .

وللشيخ قول في الاستبصار : إنّه محرَّم لا يوجب قضاءً ولا كفّارةً(٣) .

وهو الأقوى ؛ لدلالة الأحاديث(٤) على المنع ، وأصالة البراءة(٥) على سقوط القضاء والكفّارة.

وقال ابن أبي عقيل : إنّه سائغ مطلقاً. وبه قال الجمهور(٦) ، إلّا مَن تقدّم.

مسألة ٢٢ : أوجب الشيخان القضاء والكفّارة بتعمّد الكذب على الله تعالى‌ ، أو على رسوله ، أو على الأئمّةعليهم‌السلام (٧) .

وخالف فيه السيد المرتضى(٨) ، وابن أبي عقيل ، والجمهور(٩) كافّة ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

احتجّ الشيخان : برواية أبي بصير ، قال : سمعت الصادقعليه‌السلام ، يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال : قلت : هلكنا ، قال :

____________________

(١) حكاه عنه ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

(٢) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢.

(٣) الاستبصار ٢ : ٨٥.

(٤) اُنظر : الكافي ٤ : ١٠٦ / ١ - ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٧ و ٥٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٨٤ / ٢٥٨ - ٢٦٠.

(٥) أي : ولدلالة أصالة البراءة

(٦) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٤٨.

(٧) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

(٨) جُمل العلم والعلم ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٢.

(٩) كما في المعتبر : ٣٠٢.

٥١

« ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

والإِفطار يستلزم الكفّارة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما يطيق »(٢) .

وهي محمولة على المفطرات الخاصة ، والحديث الأول اشتمل على ما هو ممنوع عندهم ، وهو : نقض الوضوء ، فيحمل على المبالغة.

مسألة ٢٣ : والقضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء(٣) .

وحكي عن ربيعة أنّه قال : يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوماً(٤) .

وقال سعيد بن المسيب : إنّه يصوم عن كلّ يوم شهراً(٥) .

وقال إبراهيم النخعي ووكيع : يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم(٦) .

والكلّ باطل ؛ لقولهعليه‌السلام للمجامع : ( وصُم يوماً مكانه )(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « ويصوم يوماً بدل يوم »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٥٤ / ٩ ، معاني الأخبار : ١٦٥ ، باب معنى قول الصادقعليه‌السلام : الكذبة تفطر الصائم ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ باب من أفطر متعمّداً من غير عذر الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٤) كما في المغني ٣ : ٥٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٥ و ٦ ) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٢

مسألة ٢٤ : والكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على التخيير عند أكثر علمائنا‌(١) ، وبه قال مالك(٢) ؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً »(٤) و « أو » للتخيير.

وقال ابن أبي عقيل : إنّها على الترتيب - وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي(٥) - لقولهعليه‌السلام للواقع على أهله : ( هل تجد رقبة تعتقها؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ )(٦) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٧) .

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ، والجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٢ ، وسلّار في المراسم : ١٨٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٨٦.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ و ٧٨٣ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤١ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٣

ولا دلالة ؛ لأنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها وبين غيرها ، وإيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره.

وقال الحسن البصري : إنّه مخيّر بين عتق رقبة ونَحر بدنة(١) ؛ لما رواه العامة عن جابر بن عبد الله عن النبيعليه‌السلام ، أنّه قال : « مَن أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليُهد بدنة ، فإن لم يجد فليُطعم ثلاثين صاعاً »(٢) .

ورواية ضعيف فلا يعوّل عليه.

وللسيد المرتضى -رحمه‌الله - قولان : أحدهما : أنّها على الترتيب ، والثاني: أنّها على التخيير(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

والتخيير عندنا أولى ؛ لموافقة براءة الذمّة.

تذنيب :

الأولى الترتيب‌ ؛ لما فيه من الخلاص عن الخلاف ، ولاشتماله على العتق الذي هو أفضل الخصال.

مسألة ٢٥ : صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع‌ - وهو قول عامة أهل العلم(٥) - لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبيعليه‌السلام ، قال لِمَنْ واقَعَ أهلَه : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )(٦) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ١٩١ / ٥٤.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٦ ، وفي الانتصار : ٦٩ القول بالتخيير.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٦) أوعزنا إلى مصادرها في الهامش (١) من صفحة ٤٠.

٥٤

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أو يصوم شهرين متتابعين »(١) .

ولأنّها كفّارة فيها صوم شهرين ، فكان متتابعاً ، كالظهار والقتل(٢) .

وقال ابن أبي ليلى : لا يجب التتابع(٣) ؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً(٤) . ولم يذكر التتابع ، والأصل عدمه.

وحديثنا أولى ؛ لأنّه لفظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديثكم لفظ الراوي ، ولأنّ الأخذ بالزيادة أولى.

مسألة ٢٦ : الواجب في الإِطعام مُدٌّ لكلّ مسكين‌ ، قدره رطلان ورُبع بالعراقي ، والواجب خمسة عشر صاعاً - وبه قال الشافعي وعطاء والأوزاعي(٥) - لما رواه العامة في حديث المـُجامع ، أنّه اُتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بمِكتَل فيه خمسة عشر صاعاً من تَمر ، فقال : ( خُذها وأطعم عيالك )(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الرحمن عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، قال : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مُدٌّ بمُدِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ / ٥٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠ ، والفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٢) أي : كفّارة الظهار والقتل.

(٣) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٢ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ بتفاوت يسير في الأخير.

٥٥

وقال الشيخرحمه‌الله : لكلّ مسكين مُدّان من طعام(١) .

والأصل براءة الذمة.

وقال أبو حنيفة : من البُرّ ، لكلّ مسكين نصفُ صاع ، ومن غيره صاع(٢) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث سلمة بن صخر : ( وأطعم وَسقاً من تَمر )(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه مختلف فيه.

وقال أحمد : مُدٌّ من بُرّ و(٤) نصف صاع من غيره(٥) ؛ لما رواه أبو زيد المدني قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، للمُظاهر : ( أطعم هذا فإنّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدّ بُرٍّ(٦) .

وليس محلّ النزاع.

مسألة ٢٧ : قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة‌ ، وعلى القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه ، جاز له المضيّ فيه ، والانتقال الى الرقبة أفضل ؛ لأنّ فرضه انتقل بعجزه الى الصيام وقد تلبّس به ، فكان الواجب إتمامه ، وسقط وجوب العتق ، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٦٥ / ٢٢١٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧.

(٤) في المصدر : أو. وهو الصحيح.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٦

ولأنّه بعد الرقبة(١) تعيّن عليه الصوم ، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة ، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم.

وقال أبو حنيفة والمزني : لا يجزئه الصوم ، ويكفّر بالعتق - وللشافعي قولان(٢) - لأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل ، فيبطل حكم البدل ، كالمتيمّم يرى الماء(٣) .

وليس حجّةً ؛ فإنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها ، ولا يبطل تيمّمه ، أمّا قبلها(٤) فلا ، والفرق : أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له ، فلم يظهر له حكم.

ولأنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستره ، فإذا وجد الماء ، ظهر حكمه ، بخلاف الصوم ؛ فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية.

مسألة ٢٨ : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً‌ ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما وجد ، أو صام ما استطاع ، فإن لم يتمكّن ، استغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه ، قاله علماؤنا ؛ لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للمجامع : ( اذهب فكُله أنت وعيالك )(٥) ولم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال ، ولو كان الوجوب ثابتاً في ذمته ، لأمَره بالخروج عنه عند قدرته.

ومن طريق الخاصة : قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فخُذه فأطعمه عيالك واستغفر الله عزّ وجل )(٦) .

____________________

(١) أي : بعد فقدان الرقبة.

(٢) المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، الاُم ٥ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٢٠٦ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٥٠٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٩٨ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، مختصر المزني : ٢٠٦.

(٤) في « ف » : قبله.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ - ٧٨٢ / ١١١١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥ ، والكافي ٤ : ١٠٢ / ٢.

٥٧

ولأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله تعالى على وجه البدل ، فلا يجب مع العجز ، كصدقة الفطر.

وقال الزهري والثوري وأبو ثور : إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة ، كانت الكفّارة ثابتةً في ذمّته - وهو قياس قول أبي حنيفة(١) - لأنّ النبيعليه‌السلام ، أمَر الأعرابي أن يأخذ التمر ويكفّر عن نفسه ، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة ، وهو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز.

ولأنّه حقُّ لله تعالى في المال ، فلا يسقط بالعجز ، كسائر الكفّارات(٢) .

وليس حجّةً ؛ لأنّهعليه‌السلام ، دفع ( التمر )(٣) تبرّعاً منه ، لا أنّه واجب على العاجز. وحكم الأصل ممنوع.

وقال الأوزاعي : تسقط الكفّارة عنه(٤) . وللشافعي قولان(٥) . وعن أحمد روايتان(٦) .

فروع :

أ - حدّ العجز عن التكفير : أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم.

ب - لا يسقط القضاء بسقوط الكفّارة مع العجز ، بل يجب القضاء مع القدرة عليه ، فإن عجز أيضاً عنه ، سقط ؛ لعدم الشرط ، وهو : القدرة.

ج - اختلفت عبارة الشيخين هنا ، فقال المفيدرحمه‌الله : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : البُرّ. والصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٦) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٨

أطاق ، أو فليصُم ما استطاع(١) . فجعل الصدقة مرتّبةً على العجز عن صوم ثمانية عشر.

والشيخ -رحمه‌الله - عكس ، فقال : إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه ، فإن لم يتمكّن من الصدقة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه(٢) .

د - أطلق الشيخ -رحمه‌الله - صوم ثمانية عشر يوماً(٣) .

والمفيد والمرتضى - رحمهما الله - قيّداها بالتتابع(٤) .

ورواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسنعليه‌السلام ، من قوله : « إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار وكفّارة اليمين »(٥) يدلّ على قول الشيخرحمه‌الله تعالى.

ه- لو عجز عن صيام شهرين ، وقدر على صوم شهر مثلاً ، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوماً إشكال.

أمّا في الصدقة ، فلو عجز عن إطعام ستين ، وتمكّن من إطعام ثلاثين ، وجب قطعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع )(٦) .

وكذا الإِشكال لو تمكّن من صيام شهر وإطعام ثلاثين هل يجبان أم لا؟

مسألة ٢٩ : وإنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع ، كرمضان ، أو بغيره ، كالنذر المعيّن‌ ، وتجب أيضاً في قضاء رمضان بعد الزوال‌

____________________

(١) المقنعة : ٥٥.

(٢ و ٣ ) النهاية : ١٥٤.

(٤) المقنعة : ٥٥ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ / ٣٨٢.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر الحديثية لأبناء العامّة ، ونحوه من طريق الخاصة عن الإِمام الصادقعليه‌السلام ، في الكافي ٤ : ١٠١ و ١٠٢ / ١ و ٣ والفقيه ٢ : ٧٢ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٥ و ٢٠٦ / ٥٩٤ و ٥٩٦ ، والاستبصار ٢ : ٩٥ و ٩٦ / ٣١٠ و ٣١٣.

٥٩

لا قبله ، وفي الاعتكاف عند علمائنا.

وأطبقت العلماء على سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان(١) ، إلّا قتادة ؛ فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان(٢) .

أمّا قضاء رمضان : فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها ، فتجب في قضائها كالحجّ.

ولما رواه بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شي‌ء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين »(٣) .

وأمّا النذر المعيّن : فلتعيّن زمانه كرمضان.

ولأنّ القاسم الصيقل كتب اليهعليه‌السلام : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟

فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة »(٤) .

وأمّا الاعتكاف الواجب : فلأنّه كرمضان في التعيين.

ولأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن المعتكف يجامع ، فقال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر»(٥) .

مسألة ٣٠ : قد بيّنا أنّه فرقٌ بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده‌ ، فتجب الكفّارة لو أفطر بعده ، ولا تجب لو أفطر قبله.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ - ٢٧٩ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ ( باب المعتكف يجامع أهله ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326