أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين7%

أعلام الدين في صفات المؤمنين مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: كتب متنوعة
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: 531

أعلام الدين في صفات المؤمنين
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135079 / تحميل: 11229
الحجم الحجم الحجم
أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين

مؤلف:
ISBN: ٤-٥٥٠٣-٧٥-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الدين في صفات المؤمنين

١

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف: الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥
٦

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، محمدوآله الطيبين الطاهرين.

وبعد :

فإن الاسلام دين اللّه الخاتم ، وشريعته الأخيرة للبشرية جمعاء في كافة أقطارها ، على مدى عصورها وأزمانها ، وقد جاء هذا الدين لينقذ البشرية من الجهل ، ويُخرجها من ظلماته إلى نور العلم والهدى ، فكان الحثُ على العلم وبيان قيمة العلماء من المعالم البارزة في القرآن الكريم وكلام أئمة الدين.

وقد ورد في القرآن الكريم ما يزيد على ٧٥٠ اية في العلم ومشتقّاته ، من مدح العلماء ، وحثٌ على طلب العلم ، وبيانٍ لأهمية العلم في حياة الانسان ، ويكفيك منها قوله تعالى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ » (١) وقوله تعالى : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ »(٢) أما ما أثِر عن النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ في هذا الباب فهو أكثرمن أن يُحصر ، وما على طالبه إلاّ أن يمدّ يده إلى أقرب كتاب حديثي إليه فسيجد

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ٩.

(٢) فاطر ٣٥ : ٢٨.

٧

فيه فصلاً بل فصولاً في الاشادة بالعلم والعلماء ، وسيمرّ عليك في أثناء هذا الكتاب من ذلك الشيء الكثير.

هذا في اهتمام قادة الاسلام بالعلم بجميع شعبه وفنونه.

أمَا علم الحديث الشريف فهو علم إسلامي بحت نشأ ونما وآتى اُكله ليحفظ لنا أقوال المعصومينعليهم‌السلام التي هي بيان وتفسير للقران الكريم ، وهدى إلى سعادة الدنيا والاخرة ، فيها جميع ما يحتاجه الانسان لتكميل نفسه وعمارة دنياه وسعادة أخراه.

ولهذا العلم الشريف. في المكتبة الآسلامية سهم كبير ومكان عال ، فالعلوم الاُخرى من تفسير وفقه وعقائد و تعتمد عليه وتستمدّ منه ، فهو الصدر الأول للمفسر والفقيه والمتكلّم والعارف ...

وهوعلم تتميز به الاُمة الاسلامية عن بقيَة الأمم ، حيث حفظ هذا العلم الشريف جميع كلام النبي الأكرم وآل بيته الطاهرين وإخبارهم عن الله تعالى وما يتعلق بسيرهم وحياتهم ، وحفظ لنا ـ إضافة إلى هذا ـ الصحيح من كلام الأنبياء السابقينعليهم‌السلام مما لا نجده عند أتباع الديانات الاخرى.

وقد أتعب علماء المسلمين أنفسهم في نقل الحديث الشريف وحفظ أسانيده ، ووضعوا له علماً مستقلاً يضبط أصوله وفروعه أسموه علم دراية الحديث.

وكان أن نبغ عباقرة ثقات حفظوا هذا العلم للأمة ، وكان منهم من يحفظ مئات الألوف من الأحاديث بأسانيدها ، ودونوا الكتب المهمَة الضخمة فيه ، فوصلت إلينا مكتبة فاخرة من كتب الحديث الشريف.

من هذه الكتب التي وصلت إلى أيدينا كتاب « أعلام الدين » وهوكتاب جامع في طائفة مفيدة قيمة من الحديث الشريف ، وقد بناه مؤ لفه على أبواب وفصول ، ذكر في كل باب وفصل منها مجموعة من الأحاديث الشريفة.

وأليك عرضاً موجزاً للكتاب ، وهو عرض مختصر لا يغني عن مطالعة الكتاب والاستفادة من غرر أحاديثه الكريمة.

بدأ المؤلف كتابه بفصل في المؤمن وما خصه الله وحباه من كريم لطفه

٨

وجزيل مننه وإحسانه ، وأن التارك للدنيا الزاهد فيها مثله كمثل الشمعة التي تحرق نفسها لتضيء الدرب للآخرين.

وأتبعه بفصل عن الدليل على حدوث الانسان وإثبات محدثه ، استدل فيه بدليل الخلقة وغيره من الأدلة على إثبات الخالق تعالى ، وفَرع عليه وجوب الشكرعلى النعمة ، وفسر الشكر بانه الاعتراف بالنعمة مع تعظيم منعمها ، ومن أولى من الله تعالى بالشكرعلى نعمه الوافرة؟!

ثم ساق لنا كتاب (البراهان على ثبوت الايمان) لأبي الصلاح التقي بن نجم بن عبيدالله الحلي ، وهذا من مميزات الكتاب حيث حفظ لنا نسخة من هذا الكتاب الذي تخلو فهارس المكتبات المخطوطة ـ في حدود اطلاعنا ـ عن نسخة منه.

وأتبعه بالخطبة الخالية من الألف المنقولة عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام .

وعقبها بفصل في فضل العلم والعلماء ، يذكر فيه نصيحة الامام أميرالمؤمنينعليه‌السلام الطويلة لكميل التي يقول في فقرة منها :

« يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الانفاق ، وصنيع المال يزول بزواله ».

ثم يتحدث عن أهمية القرآن في حياة المسلمين فيذكر : قولهعليه‌السلام : « قراءة القران أفضل من الذكر ، والذكر أفضل من الصدقة ، والصدقة أفضل من الصيام ، والصوم جُنة من النار ».

ثم يتطرق إلى صفات المؤمن وخلاله الحسنة فيذكرأحاديث منها :

قال أبوعبداللّهعليه‌السلام : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته فهو مؤمن ».

وفي الكتاب من المواعظ والحكم الشيء الكثير ، والتذكير بما حرم الله ، والأمر بغض الأبصار ، والخضوع في العبادة والتواضع.

وفيه ذكر صفات المؤمنين وكيف أنّ قلوبهم خاشعة وأبدانهم طيّعة في عبادة رب العالمين.

وذكر أوصاف شيعة علي المرتضى ، وكيف أن شفاههم ذابلة ، ووجوهم

٩

مصفرة من خشية الله ، وألوانهم متغيرة ، وبطونهم خميصة « اتخذوا الأرض فراشاً ، والتراب بساطاً ، والماء طيباً ، والقرآن شعاراً ، والدعاء دثاراُ ».

وأتبعه بفصل من الأدب والخلق الرفيع ومكارم الأخلاق ، ولم ينس الغنى والفقر والأرزاق ، فعقد لها فصولاً.

أعقبها بفصل في ذكر الموت والقتل ، والفرق بينهما.

وجاء بعده بفصل في كلام أميرالمؤمنينعليه‌السلام في الاخوان وآداب الاخوة في الايمان.

وفصل مما ورد في ذكر الظلم.

وذكر وصية النبي لأبي ذر ، وهي وصية مفصلة مطوَلة ، وفيما أنزل الله على عيسى بن مريمعليه‌السلام من الوعظ. وهما من نوادر النصوص التى تستحق التدبر والاعتبار بها.

ورجع فذكر فصلاً مفصّلاً في ذكر حقوق الاخوان من أحاديثه.

ولم يهمل العبادة التي فيها تهذيب النفس وتكميلها وتحليتها بالفضائل ، فعقد فصلاً في قيام الليل والترغيب فيه.

ولم يهمل المؤلف أقوال الحكماء والمؤمنين الصادقين ، ومواقفهم البطولية في مجابهة طواغيت زمانهم ، فقد روى لنا من حكمة لقمان وصيته لولده تلك الوصيّة الخالدة المعروفة.

وروى لنا موقف خالد بن معمر لما سأله معاوية : على ما أحببت علياً؟قال : على ثلاث خصال : على حلمه إذا غضب ، وعلى صدقه إذا قال ، وعلى عدله إذا ولي.

وكانت للشعر الحكمي والعرفاني عند الديلمي منزلة سامية ، فقد ذكر المؤلف من هذه الأشعار مجموعة طريفة.

وذكر مواعظ بعض العلماء للحكام ، كما روى لنا كتاب الحسن البصرى إلى عمر بن عبدالعزيز.

ويذكر مآل المؤمنين الصالحين إلى الجنة والسعادة الأخروية حيث الحور

١٠

والولدان المخلدون ، والأنهار الجارية ، ومنابر الياقوت الأحمر في خيام اللؤلؤ الرطب ...

ويعقبه بقول أميرالمؤمنينعليه‌السلام : « فيا عجباً لمن يطلب الدنيا بذل النفوس والتعب ، ولا يطلب الآخرة بعز النفوس والراحة؟! »

ويعقد بابأ مهشاً في حسن الظن باللّه تعالى جاء فيه الحديث القدسي الشريف : « أنا عند ظن عبدي بي ، فلا يظن بي إلآ خيراً ».

ويعرج على قول النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من حفظ عنّي أربعين حديثاً حشره الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ».

ويستطرد بذكر الأربعين حديثاً المعروفة بالأربعين الودعانية لابن ودعان الموصلي.

وللأسماء الالهية الحسنى مكانها الشامخ في الكتاب ، استهلّها المؤلف بالحديث النبويَ الشريف : « إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها ودعا بها دخل الجنة ».

ثمَ يذكر فضائل قراءة القرآن الكريم وثواب تلاَوته ، ويستطرد في فضائل السور الكريمة سورة سورة.

ولآل البيتعليهم‌السلام النصيب الأوفر ، حيث روى المؤلف عدة أحاديث في فضلهم ومكانتهم العليا عند الله تعالى.

وذكر المؤلف الخواتيم والفصوص فعقد لها فصلا ذكرفيه فضل التختّم بالفيروزج والياقوت والعقيق وأشباه ذلك.

وعقد فصلا لذكر الموت وما بعد الموت ، ساق فيه الأحاديث المبشرة للمؤمن والرادعة عن المعاصي ، والتي فيها أوصاف أهوال الموت والقبروالحساب ...

وذكر الدعاء وأهميته في الدين الاسلامي وكونه من العبادة ، فذكرأحاديث كثيرة منها ، قولهعليه‌السلام : « ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة ، وإعلموا

١١

أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل ».

وختم كتابه بنصائح قيمة للقارئ اللبيب ، وهي خلاصة معاناة المؤَلف في حياة زاهدة تقية مؤمنة.

ومن ميزات الكتاب انفراده بأحاديث لم يعثر عليها في الكتب الروائية الموجودة ، نقلها صاحب البحار عن كتابنا هذا.

ترجمة المؤلف

إسمه واسم أبيه :

إتَفقت المصادر المترجمة له على أنَ اسمِه (الحسن) ولكنّها اختلفت اختلافاً شديداً في اسم أبيه ، قال صاحب أعيان الشيعة في ترجمته : اقتصر بعضهم في اسم أبيه على أبي الحسن ، وبعضهم سماه محمداً ولم يذكر أبا الحسن ، وبعض قال : الحسن بن أبي الحسن محمّد ، فجعل كنية أبيه أبا الحسن واسمه محمداً ، وبعضهم قال : الحسن بن أبي الحسن بن محمد.

وعنونه في الرياض مرّة الحسن بن أبي الحسن محمد ، واُخرى الحسن بن أبي الحسن بن محمد.

وعنونه صاحب أمل الامل : الحسن بن محمد الديلمي.

قال صاحب الرياض : لعله كان في نسخة صاحب الأمل لفظة (ابن) بعد أبي الحسن ساقطة فظن أن أبا الحسن كنية والده محمد ، فأسقط الكنية رأساً ، ولعله سهو.

وأقول : هذا تخرص على الغيب.

وقال السيد الأمين أيضاً : وفي صدر نسخ إرشاده ، وكذا في بعض المواضع منه : الحسن بن محمد الديلمي.

أقول : الصواب أنه الحسن بن أبي الحسن محمد ، وأبوالحسن كنية أبيه واسم أبيه محمد. أما محمد بن أبي الحسن بن محمد فزيادة (ابن) قبل محمد من سهو النساخ ، ومثله يقع كثيراً ، فحين يرى الناظر الحسن بن أبي الحسن محمد ،

١٢

يسبق إلى ذهنه زيادة ابن قبل محمد.

انتهى ما ذكره السيد الامين في ج ٥ : ٢٥٠ من أعيان الشيعة.

وعاد في ج ٤ : ٦٢٩ قائلاً : الحسن بن أبي الحسن الديلمي يأتي بعنوان الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي.

وكرره في ٤ : ٦٢٩ أيضاً قائلاً : الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي يأتي في ترجمة الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي ، احتمال أن يكون أبوالحسن كنية والده واسمه ، وأن يكون محمد اسم جده ، فراجع.

هذا مجمل القول في اختلافهم في اسم أبيه.

والذي نطمئنَ إليه ما جاء في أعلام الدين نفسه ص ٩٧ حيث يقول ما نصٌه : « يقول العبد الفقير إلى رحمه اللّه وعفوه ، الحسن بن علي بن محمد بن الديلمي تغمَده اللّه برحمته ومسامحته وغفرانه ، جامع هذا المجموع »

وهذا ما يحل المشكلة في اسم أبيه ، حيث صرَح بأن اسم والده « علي » وعلي يكنى أبا الحسن كما هو معروف ، فيكون محمد جداً له.

فالمحصل أن مؤلفنا هو الحسن بن أبي الحسن علي بن محمد بن الديلمي.

القول في طبقته وعصره

ينقسم العلماء في تحديد طبقة المترجم له إلى قسمين :

الأول : يرى أنه من المتقدّمين على الشيخ المفيد أو من معاصريه ، وهو ما ذهب إليه صاحب الرياض(١) ، ونقله عنه السيد الأمين في الأعيان(٢) ، ويستند هذا الرأي إلى ما يلي :

١ ـ إن الكراجكي في كنز الفوائد ، وشرف الدين النجفي في تأويل الايات الباهرة ، نسبا كتاب التفسير إلى الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، ونقلا عنه بعض الأخبار(٣) ، وبما أن الكراجكي قد تُوفي سنة ٤٤٩ هـ ، فمن الطبيعي أن يكون من

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ٣٣٨.

(٢) أعيان الشيعة : ٢٥٠.

(٣) رياض العلماء ١ : ٣٣٩.

١٣

نقل عنه الكراجكي متقدما طبقة عليه.

٢ ـ قول صاحب الرياض بأنَه رأى « في كتب من تقدم على العلاّمة بكثير روايته عن كتاب حسن بن أبي الحسن الديلمي ، ومنهم ابن شهرآشوب في المناقب ، وابن جني في البحث »(١) .

ومع هذا فإنَ صاحب الرياض لا يخفي تردده حول هذا الرأي ، لقوّة أدلة الرأي الاخر(٢) الذيَ سنذكره بعد قليل ، مع العلم أن ما ذكر صاحب الرياض أوجدَ حيرة بدتْ واضحة في كلام من بحث حول طبقة المترجم له ، حتَى ان السيد الأمين صرَح في الأعيان قائلاً : « ومع ذلك فالظاهر انه لا يرتفع الاشكال ، فإن تأريخ (٦٧٣) لا يكاد يجتمع مع تاريخ (٨٤١) وكذلك تأريخ (٤١٣) لا يكاد يجتمع مع تأريخ (٥٨٨) إلا أن يُلتزم بأن معاصرته لبعض من ذكر غير صواب ، والله أعلم »(٣)

وقبل أن نتطرق إلى أدلة القائلين بالرأي الآخر ـ الذين لم يتطرقوا للجواب على ما ذكره صاحب الرياض ـ نرى لزاما علينا أن نبيَن بعض الحقائق حول كلام صاحب الرياض ، لعلها تكون بمثابة الخطوة الاُولى في الطريق الموصل إلى ما نركن إليه من َرأي ، مستهدفين بذلك الحقيقة في طرح الإشكال والجواب عليه ، فنقول :

١ ـ لم نعثر في كتاب « كنز الفوائد » للكراجكي ـ وعندنا منه نسخة مطبوعة على الحجر مقابلة مع نسخة مخطوطة ثمينة ، كتبت سنة ٦٧٧ هـ ، موجودة في مكتبة الإمام الرضاعليه‌السلام في مشهد المقدسة ـ على أيّ أثر للحسن بن أبي الحسن الديلمي أو أحد كتبه!

٢ ـ إذن ، كيف ذكر صاحب الرياض ذلك؟! وهل يوجد تبرير مقنع يمكننها من خلال تبنيه حلّ الاشكال؟ وللجواب على هذه الأسئلة وغيرها نطرح ما يلي :

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ٣٤٠.

(٢) رياض العلماء ١ : ٣٤٠.

(٣) أعيان الشيعة ٥ : ٢٥٠.

١٤

ليس من شك أن كتاب « بحارألأنوار » لشيخ الإسلام العلامة المجلسي (ت ١١١٠ هـ) يعتبر من أهم الموسوعات ألحديثية التي جمعت التراث الروائي ، فصانته بذلك من الضياع ، وحفظته من التلف ، فكان أن اعتمد العلامة المجلسي ـ رضوان الله عليه ـ على مجموعة كبيرة من كتب الرواية والحديث ذكرها في مقدمة كتابه الكبير ، وقد استخدم طريقة الرموز في الاشارة للكتب التي نقل عنها ، فرمز لكتاب الخصال بـ « ل » وللكافي بـ « كا » ولأمالي إلمفيد بـ « جا » وهكذا ، ولم يذكر لطائفة صغيرهّ من الكتب رمزاً ما ، بل صرح بأسمائها حين نقل عنها.

ومن الكتب التي اعتمدها المجلسي ونقل عنها ، كتاباً « كنز جامع الفوائد » و « تأويل الآيات الظاهرة » ، ورمز لهما معا بـ « كنز » لكون أحدهما مأخوذاً عن الآخر(١) .

وكتاب « تأويل الآيات الظاهر في فضائل العترة الطاهرة » للسيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي الغروي تلميذ المحقق الكركي الذيَ توفي سنة ٩٤٠ هـ ، جمع فيه تأويل الآيات التي تتضمن مدح أهل البيتعليهم‌السلام ومدح أوليائهم وذم أعدائهم من طرقنا وطرق أهل السنة(٢) وينقل فيه عن عدة مصادر ، منها مارواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي(٣) .

وكتاب « كنز جامع الفوائد ودافع المعاند » ، هو للشيخ علم بن سيف بن منصور النجفي الحلّي ، انتخبه واختصر في سنة ٩٣٧ هـ من كتاب « تأويل الايات ألظاهرة » الانف ألذكر. ولذا فقد أشار العلآمة المجلسي لهما برمز « كنز » ، باعتبار أن أحدهما منقول عن الآخر.

ولعل هناك من يتوهم أن رمز « كنز » هو لكتاب « كنز الفوائد » للكراجكي ، فينقل النصوص عن كتاب بحار الأنوار وينسبها لكتاب « كنزألفوائد » كما حصل لبعض علمائنا رضوان اللّه عليهم ، فلعل ما ذكره صاحب

__________________

(١) بحارالأنوار ١ : ٤٧.

(٢) الذ ريعة ٣ : ٣٠٤ / ١١٣٠.

(٣) اُنظر تأويل الآيات : ٩٢ ب ، ١٠١ أ ، ١١٥ ب ، ١١٨ ب.

١٥

الرياض من قوله : « نسب الكراجكي في كنز الفوائد وصاحب كتاب تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة كتاب التفسير إلى الحسن بن أبي الحسن الديلمي ويروي عنه بعض الأخبار في أواخر كتابه »(١) هو من هذا القبيل ، أي أنه رأى ما نقله العلآمة المجلسي عن هذين الكتابين برمز « كنز » فتبادر إلى ذهنه أن هذه النصوص منقولة عن كتاب « كنز الفوائد » للكراجكي.

ويدعم هذا الاحتمال ذكر صاحب الرياض لكتاب « تأويل الايات » بضميمة كتاب « كنزالفوائد » ، ممَا يؤكد أنه ـ رضوان الله عليه ـ استند في كلامه هذا على ما راه في كتاب « بحارالأنوار ». والله العالم.

وعلى هذا نكون قد دفعنا إشكال صاحب الرياض ، وأزلنا بذلك عقبة كأداء أمام تعيين طبقة المترجم له ، إذ لا ضيرأن يكون قد نقل عنه أمثال الشيخ شرف الدين النجفي ، وهو تلميذ المحقق الكركي المتوفى سنة ٩٤٠ هـ.

٣ ـ وأما تعقيبنا على كلام صاحب الرياض بأنه رأى « في كتب من تقدم على العلآمة بكثير روايته عن كتاب حسن بن أبي الحسن الديلمي ، ومنهم ابن شهرآشرب في المناقب ، وابن جني في البحث » هو أننا لم نجد في كتاب « مناقب آل أبي طالب » لابن شهرآشوب المازندراني أي إشارة لكتاب الحسن بن أبي الحسن الديلمي هذا! هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى فمن البعيد أن ينقل ابن جني ـ وهو العالم اللغوي النحوي ـ عن الحسن بن أبي الحسن الديلمي ـ على فرض كونه متقدماً عليه ـ وهو رجل الحكمة والموعظة والحديث(٢) .

وبعد هذا العرض الموجز لأدلة القائلين بالرأي الاول والتعقيب عليها نتطرق الآن للرأي الثاني.

الرأي الثاني : يرى القائلون به أنَ المترجم له كان معاصراً للعلآمة الحلي

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ٣٣٩.

(٢) اُنظر ترجمة ابن جني وذكر تصانيفه في إنباه الرواة على أنباه النحاة ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٤٠.

١٦

( ٧٢٦ هـ ) ، أو الشهيد الأول (٧٨٦ هـ) أو متأخراً عنهما بقليل ، وأنه معاصر لفخر المحققين ابن العلاٌمة الحلي المتوفى سنة (٧٧١ هـ) أي إنّه من أعلام المائة الثامنة ، وهو ما ذهب اليه السيد الخوانساري(١) والشيخ آقا بزرك الطهراني(٢) ، وحاجي خليفة(٣) .

ويستند أصحاب هذا الرأي إلى ما يلي :

١ ـ إن الديلمي نقل في الجزء الأول من إرشاد القلوب عن كتاب ورّام(٤) ، فهو متأخر عن الشيخ ورام المتوفى سنة ٦٠٥ هـ قطعاً.

٢ ـ أنّه نقل في الجزء الثاني من إرشاد القلوب عن كتاب « الألفين » للعلامة(٥) المتوفّى سنة ٧٢٦ هـ ، فيكون متأخراً عنه أيضاً ، أو معاصراً له.

٣ ـ إن المترجم له قال في كتابه « غرر الأخبار » ما لفظه : « وفي كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد وقال بعد ذكرما جرى من بني اُمية ثمّ من بني العباس على المسلمين ، بتأثير اختلاف ملوك المسلمين شرقاً وغرباً في ضعف الاسلام وتقوية الكفّار ـ إلى قوله ـ فالكفار اليوم دون المائة سنة قد أباحوا المسلمين قتلا ونهبا »(٦) .

فيظهر من هذا النص أنه ألف كتابه المذكور بعد أَنقراض دولة بني العباس في سنة ٦٥٦ هـ بما يقرب من مائة سنة ، أي في أواسط المائة الثامنة.

٤ ـ إنّ الشيخ ابن فهد الحلّي المتوفّى سنة ٨٤١ نقل في كتابه عدة الداعي عن المترجم له بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، فهو متقدم عليه قطعا.

وعلى هذا يمكن حصر طبقة المترجم له ، والفترة التي عاش فيها من ما بعد سنة ٧٢٦ هـ إلى ما قبل سنة ٨٤١ هـ تقريبا ، وهذا الاحتمال أقرب للواقع ـ كما

__________________

(١) روضات الجنات ٢٩١ : ٢.

(٢) الذريعة ١٦ : ٥٦ / ٢٥٦.

(٣) هدية العارفين ٥ : ٣٨٧ ، وهو الوحيد الذي صرح بأن الديلمي « كان حياً في حدود سنة ٧٦٠ هـ ».

(٤) إرشاد القلوب ١ : ١٧٣.

(٥) إرشاد القلوب ٢ : ٢٥١.

(٦) الذريعة ١١ : ٩ / ٢٥٦.

١٧

نرى ـ من خلال ما تقدّم.

أقوال العلماء فيه :

١ ـ الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل ٢ : ٧٧ / ٢١١ : « كان فاضلاً محدثا صالحاً ».

٢ ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ١ : ١٦ بعد ذكر مؤّلفاته : « كلّها للشيخ العارف أبي محمد الحسن بن محمد الديلمي ».

وفي ج ١ : ٣٣ ، بعد ذكر كتابي أعلام الدين ، وغرر الأخبار : « وإن كان يظهر من الجميع ونقل الأكابر عنهما جلالة مؤلفهما ».

٣ ـ الميرزا عبداللّه أفندي في رياض العلماء ١ : ٣٣٨ : « الشيخ العارف أبومحمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي قدس اللّه سره : العالم المحدّث الجليل المعروف بالديلمي ».

٤ ـ السيد الخوانساري في روضات الجنات ٢ : ٢٩١ : « العالم العارف الوجيه أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي ، الواعظ المعروف الذي هو بكلّ جميل موصوف وبالجملة فهذا الشيخ من كبراء أصحابنا المحدّثين ».

٥ ـ السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ٥ : ٢٥٠ : « هو عالم عارف عامل محدّث كامل وجيه ، من كبار أصحابنا الفضلاء في الفقه والحديث والعرفان ، والمغازي والسير ».

٦ ـ الشيخ عباس القمّي في الكنى وألألقاب ٢ : ٢١٢ : « أبومحمد الحسن ابن أبي الحسن محمد الديلمي الشيخ المحدّث الوجيه النبيه ».

وقال في هدية الأحباب ص ١٣٧ : « الديلمي شيخ محدّث وجيه نبيه ».

٧ ـ حاجي خليفة في هدية العارفين ٢٨٧ : ٥ : « الديلمي ـ حسن بن أبي الحسن محمد الديلمي الشيعي ، أبومحمد الواعظ ، كان حياً في حدود سنة ٧٦٠ هـ ».

٨ ـ إسماعيل باشا في إيضاح المكنون ٣ : ٦٢ ، بعد ذكر كتاب الارشاد :

١٨

 « للشيخ أبي محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي الواعظ الشيعي ».

الديلمي والغربة :

سيرى القارئ في (منهجيّة المؤلف) أنّ الديلميرحمه‌الله مضطرب النفس في كتابه أعلام الدين ، يعتمد على ذإكرته في نقل الأحاديث ، قليل الكتب حيث ينقل النصوص المضبوطة عن كتابين أو ثلاثة منها مجموعة ورام.

هذه الظاهرة سببها ـ فيما يظهر أبتلاؤه بالغربة والوحدة وضيق ذات اليد ، وهي حالة يبتلى بها العارفون المخلصون الزاهدون في الدنيا ، العاملون في سبيل عمارة اُخراهم ولو أضرّ ذلك بدنياهم.

وقد تنبأ له والده بهذا المستقبل.

قال المؤلفرحمه‌الله في أعلام الدين ص ٣٢٦ بعد ذكر عدّة آيات قرآنية في الموالاة في اللّه والمعاداة فيه عزّوجل :

« يقسم باللّه ـ جلّ جلاله ـ مملي هذا الكتاب : إنّ أوثق وأنجح ما توخيته فيما بيني وبين الله عزّ وجل ، بعد المعرفة والولاية هذا المعنى ، ولقد فعل الله تعالى معي به كلّ خير ، وإن كان أكسبني العداوة من الناس ، فقد ألبسني ثوب الولاية للّه تعالى ، لأنّ اللّه تعالى علِمَ منّي مراعاة هذا الأمر صغيراً وكبيراً ، وما عرفني به معرفة صحيحة غير والديرحمه‌الله فإنّه قال لي يوماً من الأيّام : يا ولدي ، أنت تريد الأشياء بيضاء نقية خالية من الغش من كلّ الناس ، وهذا أمر ما صحّ منهم للّه ولا لرسوله ، ولا لأمير المؤمنين ، ولا لأولاده الأئمةعليهم‌السلام ، فإذاً تعيش فريداً وحيداً غريباً فقيراً ، وكان الأمر كما قال ، ولست بحمداللّه بندمان على مافات ، حيث كان في ذلك حفاظ جنب اللّه تعالى ، وكفى به حسيبا ونصيراً ».

وقد صدقت نبوءة والده فيه ، فإنّه لما خبر الناس والمجتمعات التي يحكمها الطواغيت وعرفها عن كثب ، وجدها تجمّعات لذئاب في أبدان بشريّة لا يرعون لعهد ـ إلهي ولا إنساني ـ إلاّ « ولا ذمّة ؛ فآثر وحشة الانزواء وغربة الانطواء على الذات على مخالطة تلك الذئاب الكاسرة خوفاً على ما حصّله من تزكية نفسه

١٩

وتكميلها.

فعاش فريدا وحيدا غريباً فقيرا كما تنبأ له والده ، وكما أخبرنا هو في أول صفحة من كتابه حيث قال :

« إنّني حيث بليت بدار الغربة ، وفقد الأنيس الصالح في الوحشة ، وحملتني معرفة الناس على الوحدة ، خفت على ما عساه حفظته من الاداب الدينيّة والعلوم العلوية ـ وهو قليل من كثير ويسير من كبير أن يشذ عن خاطري ، ويزول عن ناظري ـ لعدم المذاكر ـ أثبت ماسنح لي إيراده ».

ساعد اللّه العارفين على ما يلقونه من أقوامهم ، وآنس وحشة غربتهم في ديارهم ، وكان اللّه لهم ...

شعره :

لمؤلفنا شعر يتسم بالنصيحة والوعظ والارشاد على طريقة شعر الزهاد والعارفين ، من هذا الشعر ما عثرنا عليه في مؤلفاته التي اطّلعنا عليها.

قال في أعلام الدين ص ٣٣٢ بعد أن روى حديثاً عن خليفة بن حصين ، شعراً في معناه :

تخيٌر قرينآ من فعالِكَ صالحاً

يُنعِتكَ على هول القيامةِ والقّبرِ

ويسعى به نوراً لديك ورحمة

تعمٌكَ يومَ الروعِ في عرصةِ الحشرِِ

وتأتي به يوم التغابُن آمنآَ

أمانك في يمناكَ من روعةِ النشرِِ

فمَا يصحب الانسانَ من جل ماله

سوى صالح الأعمال أو خالص البرّ

بهذا أتى ألتنزيلُ في كلِّ سورة

يفصّلُها ربُّ الخلائق في الذكرِِ

وفي سُنَّة المبعوث للناسِ رحمة

سلامٌ عليه بالعشيِ وفي الفجرِ

حديثٌ رواه ابنُ الحصينِ خليفةٌ

يحدثه قيس بنُ عاصم ذو الوفرِ

* * *

وفي إرشاد القلوب ص ١١٣ ، قال المصنف :

لا تنسوا الموتَ في غمٍّ ولا فرح

والأرضُ ذئبٌ وعزرائيلُ قصّاب

 * * *

٢٠

وفيه ص 127 ، قال المصنف :

صبرتُ ولم اطلِعْ هواي على صبري

وأخفيتُ ما بي منك عن موضعِ الصبر

مخافة أن يشكوا ضميري صبابتي

إلى دمعتي سرّاً فيجري ولا أدريَ

 مؤلفاته :

1 ـ إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي من عمل به من أليم العقاب :

وهو من أشهر مؤلفاته ، ويعرف بإرشاد الديلمي ، نقل عنه العلاّمة المجلسي في كتابه الكبير بحارالأنوار ، وقال عنه : « وكتاب إرشاد القلوب كتاب لطيف مشتمل على أخبار متينة غريبة »(1) .

واعتمده الشيخ الحرّ في موسوعته وسائل الشيعة ، وعنونه في الفائدة الرابعة من خاتمة الكتاب بعد أن قال : « الفائدة الرابعة : في ذكر الكتب التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب ، وشهد بصحتها مؤلّفوها وغيرهم ، وقامت القرائن على ثبوتها ، وتواترت عن مؤلفيها أو علمت صحة نسبتها إليهم وقامت بحيثٌ لم يبق فيها شكّ ولا ريب ، كوجودها بخطوط أكابر العلماء ، وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم ، وشهادتهم بنسبتها ، وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة ، أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة ، وغير ذلك وهي(2) : كتاب الارشاد للديلمي الحسن بن محمد »(3) .

وقال عنه الشيخ آقا بزرك الطهراني : « وهو كتاب جليل قرظه السيدعلي صدر الدين المدني المتوفى سنة 1120 برباعيتين ، إحداهما :

إذا ضلّت قلوب عن هداها

فلم تدرِالعقابَ من الثوابِ

فأرشِدْها جزاك اللّهُ خيرأ

بإرشاد القلوبِ إلى الصوابِ

__________________

(1) بحار الأنوار 1 : 33.

(2) وسائل الشيعة 20 : 43.

(3) وسائل الشيعة 20 : 36.

٢١

وثانيتهما :

هذا كتابٌ في معانيه حسَنْ

للديلمي أبي محمدٍ الحَسَنْ

أشهى إن المضنى العليلِ من الشفا

وألذّ للعينين من غمضِ الوسن(1)

وذكره إسماعيل باشا في إيضاح المكنون قائلاً : « إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي مَن عمل به من أليم العقاب ، للشيخ أبي محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي ، الواعظ الشيعي »(2) .

وقال السيد الخوانساري في الروضات : « وله كتب ومصنّفات منها كتاب إرشاد ألقلوب ، في مجلّدين ، رأيت منه نسخاً كثيرة ، وينقل عنه صاحب الوسائل والبحار كثيراً ، معتمدين عليه »(3) .

يقع الكتاب في مجلدين ، المجلد الأول في المواعظ والنصائح ونحوها ، والمجلّد الثاني في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال الشيخ الحر بعد الثناء على المؤلف : « له كتاب إرشاد القلوب مجلدان »(4) .

وقد شكّك صاحب الرياض في نسبة المجلّد الثاني من الكتاب للديلمي وقال : « وبالجملة المجلّد الثاني من كتاب إرشاده كثيراً ما يشتبه الحال فيه ، بل لا يعلم الأكثر أنه المجلد الثاني من ذلك الكتاب »(5) .

وقال السيد الخوانساري : « إلاّ أنّ في كون المجلد الثاني منه المخصوص بأخبار المناقب تصنيفا له أو جزءاً من الكتاب نظراً بيّناً ، حيث ان وضعه كما أستفيد لنا من خطبته على خمس وخمسين باباً كما في الحكم والمواعظ ، فبتمام المجلّد الأول تتصرّم عدّة الأبواب ، مضافاً إلى أنّ في الثاني توجد نقل أبيات في المناقب

__________________

(1) الذريعة 1 : 517 / 2527.

(2) إيضاح المكنون 3 : 62.

(3) روضات الجنات 2 : 291.

(4) أمل الامل 2 : 77 / 211.

(5) رياض العلماء 1 : 340.

٢٢

عن الحافظ رجب البرسي مع أنّه من علماء المائة التاسعة »(1) .

وقال السيد الأمين بعد ذكره قول الميرزا الأفنديَ والسيد الخوانساري : « يرشد إليه ما ستعرف من أسمه الدالّ على أنه في المواعظ خاصة »(2) .

نقول : أمّا ما ذهب إليه السيد الخوانساريقدس‌سره من أنّه استفاد من خطبة الكتاب أنّه صنف على خمس وخمسين باباً كلّها في الحكم والمواعظ ، وأنّ عدة الأبواب تتصرٌم بتمام المجلد الأول ـ يندفع إذا عرفنا أنّ عدة إلأبواب قبل الجزء الثاني أربعة وخمسين باباً ـ على ما في النسخة المطبوعة من الكتاب ـ وأنّ الجزء الثاني بمثابة الباب الخامس والخمسين من الكتاب ، وفي نهاية الجزء الأول من الكتاب ما لفظه : « تمّ الجزء الأول من كتاب إرشاد القلوب ...

ويليله الجزء الثاني الباب الخامس والخمسون والأخير ، وفيه فضائل الإمام عليعليه‌السلام ومناقبه وغزواته »(3) .

وأما قولهقدس‌سره « كلّها في الحكم والمواعظ » فلم نجد في خطبة الكتاب ما يدل على هذه « الكلية ».

وأمّاما في الأعيان من الاسترشاد باسم الكتاب على أنّه في المواعظ خاصة ، مندفع أيضاً ، اذ أنّ اسم الكتاب هو « إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي مَن عمل به من أليم العقاب » لا يوحي كونه من المواعظ خاصة ، وأنّ ما في الجزءالثاني من الكتاب يندرج تحت هذا العنوان ، لأن التذكير بفضائل أميرالمؤمنينعليه‌السلام من فواضل الأمور ، أليس هو المحجة البيضاء والصراط المستقيم؟!أليس حبّه جُنّه من النار وأمانآَ من العذاب؟! وهل نجاة ترجى بدون التمسك بولايتهعليه‌السلام ؟!

نعم ، هناك بعض الإشكالات التي يمكن الاعتماد عليها في التشكيك في نسبة الكتاب للديلمي منها :

__________________

(1) روضات الجنات 2 : 291.

(2) أعيان الشيعة 5 : 250.

(3) إرشاد القلوب : 260.

٢٣

1 ـ ذكر في ص 298 من الجزء الثاني حديثاً مرفوعاً إلى الشيخ المفيد إلى سليم بن قيس الهلالي ، وقال بعده :

« وذكره المجلسيرحمه‌الله في المجلّد التاسع من كتاب بحار الأنوار والسيد البحراني في كتاب مدينة المعاجز بتغيير ما ، فمن أراده فليراجعهما ».

وهذا النص صريح في أنّ مصنّف الكتاب هو من علماء القرن الحادي عشر الهجري ـ على أقل تقدير ـ إذا لم يكن من علماء القرن الثاني عشر ، باعتبار وفاة العلامة المجلسي سنة. 1110هـ.

نعم ، قد يقال : إنّ هذه العبارة مقحمة سهواً من قبل ناشر النسخة المطبوعة للكتاب من هوامش النسخة الخطوطة ، أَو ما شابه ذلك ، باعتبار إقرار الشيخ الحر المتوفى سنة 1104 هـ في أمل الامل بكون الكتاب مجلّدين.

2 ـ لا يوجد في الجزء الثاني من الكتاب ما يدلّ على كونه للديلمي ، مع العلم أنّ الجزء الأول من الكتاب يحتوي على عدّة عبارات تؤكّد نسبة الكتاب للمصنّف ، مثل عبارة « يقول العبد الفقير إلى رحمة اللّه ورضوانه الحسن بن محمد الديلمي تغمده الله برحمته » وغيرها ، وخلوّ الجزء الثاني منها ، يعتبر تبايناً واضحاً في الشكل العام للكتاب.

ومن مظاهر الاهتمام بالكتاب ، تلخيصه من قبل الشيخ شرف الدين البحراني. قال الشيخ الطهراني : « تلخيص إرشاد القلوب تأليف الديلمي ، للشيخ شرف الدين يحيى بن عزالدين حسين بن عشيرة بن ناصر البحراني نزيل يزد ، ونائب أستاذه المحقق الكركي كما حُكي عن الرياض »(1) .

أنظر « أمل الآمل 1 : 338 ، بحار الأنوار1 : 16 ، 33 ، رياض العلماء 1 : 339 ، روضات الجنات 2 : 291 ، هدية العارفين 5 : 287 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1 : 517 / 2527 ، الحقائق الراهنة : 38 إيضاح المكنون 3 : 62 ، الكنى والألقاب 2 : 213 ، هدية الأحباب : 137 ، أعيان الشيعة 5 : 251 ».

__________________

(1) الذريعة 4 : 419 / 1849.

٢٤

2 ـ الأربعون حديثاً : ذكره الشيخ أقا بزرك الطهراني في الذريعة ، قال : « قال الفاضل المعاصر الشيخ علي أكبر البجنوردي : إنّه كانت عندي نسخة منه وتلفت ، وكان أوّل أحاديثه حديث جنود العقل والجهل ، وثالثها حديث الغدير »(1) .

3 ـ غرر الأخبار ودرر الآثار في مناقب الأطهار : ذكره الشيخ اقا بزرك الطهراني في الذريعة وقال : « ينقل عنه المجلسي في أول البحار ، وأيضاً ينقل عن الغرر المولى محمد حسين الكوهرودي المعاصر المتوفّى بالكاظمية في 1314 هـ في تأليفاته كثيراً ، منها حديث الكساء بالترتيب الموجود في منتخب الطريحي باختلاف يسير جدّاً ، بأسانيد عديدة.

أقول : رأيت عند السيد اقا بزرك التستري نسخة من الغرر مخرومة ، وفي عدة مواضع من أواسطه : يقول العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى ورضوانه الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي ـ إلى قوله ـ وفي كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد ....

وقال بعد ذكر ما جرى من بني أميّة ثمّ بني العباس على المسلمين ، بتأثير اختلاف ملوك المسلمين شرقا وغربا في ضعف الاسلام وتقوية الكفار ـ إلى قوله ـ فالكفار اليوم دون المائة سنة قد أباحوا المسلمين قتلاً ونهباً فيظهرمنه أنّه (ألّفه) بعد مائة سنة من انقراض بني العباس في 656 هـ »(2) .

وعقب السيد محسن الأمين بعد ذكره كلام الشيخ الطهراني قائلاً : « واستفاد من ذلك أنّ تأليف غرر الأخبار كان بعد انقراض دولة بني العباس بما يقرب من مائة سنة ، فيكون في أواسط المائة الثامنة ، وسواء أدلّ كلامه على ذلك أو لم يدلّ ، فهو يدل على أنّ تأليفه كان بعد انقراض دولة بني العباس ، ويكون بعد أواسط المائة السابعة »(3) .

وقال الشيخ الطهراني : « وينقل في الغررأيضاً عن كتاب « نزهة

__________________

(1) الذريعة 1 : 414 / 3144 ، أعيان الشيعة 5 : 251.

(2) الذريعة 16 : 36 / 156.

(3) روضات الجنات 5 : 250.

٢٥

السامع » الملقب بـ (المحبوبي) جملة من مطاعن معاوية وفضائحه ، وينقل فيه أيضاً عن كتاب « السقيفة » رواية أبي صالح السليل أحمد بن عيسى ، وفي بعض مواضعه عن صاحب كتاب « السقيفه » أبو صالح السليل.

وذكره الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب قائلاً : « وله كتاب غرر الأخبار ودرر الآثار قيل : إنّ حديث الكساء المشهور الذي يعد من متفردات منتخب الطريحي موجود في غرر هذا الشيخ »(1) .

وعنونه السيد محسن الأمين في جملة مؤلفات الديلمي قائلاً : « غرر الأخبار ودرر الآثار في مناقب الأطهار ، وحديث الكساء المشهور المذكور في منتخب الطريحي مذكور فيه ، وقيل : إنّه يظهر منه أنّه ألّفه في أواسط المائة الثامنة »(2) .

والكتاب لا يزال مخطوطاً ، توجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران.

اُنظر « رياض العلماء 1 : 339 ، بحارالأنوار 1 : 16 ، 33 ، الذريعة 16 : 36 / 156 ، الحقائق الراهنة : 38 ، روضات الجنات 2 : 292 ، أعيان الشيعة 5 : 251 ، الكنى والألقاب 2 : 213 ، هدية الأحباب : 137 ، هدية العارفين5 : 287 ».

4 ـ أعلام الدين في صفات المؤمنين : وهو الكتاب الذي بين يديك ويعتبر من الكتب المهمة للديلمي ، نقل فيه تمام كتاب « البرهان على ثبوت الايمان » لأبي الصلاح الحلبي ، ويحتوي الكتاب على مواعظ أخلاقيّة ونوادر أدبيّة ، اعتمده جمعمن أصحاب الموسوعات الروائية كالعلاّمة المجلسي في كتابه الجليل « بحارالأنوار » ، وخاتمة المحدّثين الشيخ النوري في « مستدرك الوسائل » حيث نقل عنه بتوسط كتاب « بحارالأنوار » لعدم توفر نسخة الكتاب لديه.

قال الشيخ النوري : « وأمّا ما نقلنا عنه بتوسّط كتاب « بحارالأنوار » فهو كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين للشيخ العارف أبي محمد الحسن

__________________

(1) الكنى والألقاب 2 : 213.

(2) أعيان الشيعة 5 : 252.

٢٦

ابن محمد الديلمي »(1) .

وعنونه الشيخ اقا بزرك الطهراني في الذريعة ، وقال : « والأعلام هذا من مآخذ بحارالأنوار ، كما ذكره العلاّمة المجلسي ، وينقل عنه فيه ، وكذا ينقل عنه الأمير محمد أشرف في فضائل السادات المطبوع »(2) .

وذكره إسماعيل باشا في إيضاح المكنون قائلاَ : « أعلام الدين في صفات المؤمنين للحسن بن محمد الواعظ الشيعي »(3) .

اُنظر » رياض العلماء 1 : 339 ، بحار الأنوار 1 : 16 ، 33 ، أعيان الشيعة 5 : 251 ، روضات ، الجنات 2 : 292 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 238 / 949 ، الحقائق الراهنة : 38 ، هدية العارفين 5 : 287 ، إيضاح المكنون3 : 102 ، الكنى والألقاب 2 : 213 ، مستدرك الوسائل 3 : 291 ».

منهج التأليف :

تُشكّل صفة الوعظ والإرشاد وألنصيحة ميزة أساسية لمنهجية الديلمي في صياغة مصنّفاته ، وتتجلّى بوضوح من خلال نظرة سريعة في كتابيه : « إرشادألقلوب » و « أعلام الدين » ، حتى أنّها تُمثّل في قاموس ما يعتقده سببآَ لتأليف كتبه ، وعلّة لتحرير مصنّفاته ، كما صرّح ـ رضوان اللّه عليه ـ في مقدمة كتابه « أعلام الدين » قائلاً في سبب تأليفه : « ليكون لي تذكرة وعدة ، ولمن يقف عليه بعدي تبصرة وعبرة ».

ولتسليط الضوء على هذا الجانب المهم من ثقافة المؤلف ـ رضوان الله عليه ـ نرى لزاماً علينا أن نتحدث عن كتابه « أعلام الدين في صفات ألمؤمنين » وما استنتجناه في مسيرة تحقيقه من ملاحظات وحقائق ، قد تمثل بمجموعها خطوطآَ عريضة وثابتة لمنهج المؤلف ، لا في كتابه المذكورفحسب ، بل يتعداه إلى

__________________

(1) مستدرك الوسائل 3 : 291.

(2) الذريعة 2 : 239.

(3) 1ايضاح المكنون 3 : 152.

٢٧

بقية مصنفاته.

يقولَ الديلمي في مقدمة كتابه « أعلام الدين » : « فأوّل ما أبدأ به ذكرالمعارف بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحججه من بعده ، وما يجوزعليه وعليهم وما لا يجوز ، ثمّ أثنّي بذكر فضل العالم والعلوم ، وما يتبع ذلك من العلوم الدينيّة والآداب الدنيائية ، ولمْ ألتزم ذكرسندها لشهرتها عند العلماء في كتبها ألمصنفةّ المرويّة عن مشايخنا ـ رحمهم الله تعالى ـ وأحلت في ذلك على كتبهم وأسانيدهم ، إلاٌ ما شذٌ عنٌي من ذلك فلمْ أذكر إلا فصّ القول.

وسمّيت هذا الكتاب كتاب (أعلام الدين في صفات المؤمنين وكنز علوم العارفين) فحقّ على من وقف عليه ، واستفاد به ، أن يدعو لمصنّفه ، ويترحّم عليه ، ويدع الهوى والميل في إعابة شيء منه ، فإنّه يشتمل على ترك الدنيا والرغبة في الآخرة ، حسب ما يأتي ذكره وتفصيله ».

ومن هذا ألنصّ نستنتج اُموراً عِدّة ، من أهمّها أنّ المؤلّف لم يلتزم بذكر أسانيد الروايات والأحاديث التي نقلها في كتابه مكتفياً بالإحالة إلى مصادرالروايات ، ومن هذا المنطلق نستعرض عدّة نقاط ترتبط ارتباطاً وثيقآَ بما ذكره المؤلّف ، من خلال دراسة استقرائية لفصول الكتاب ، وهي :

1 ـ إنّ المؤلّف دمج بين بعض خطب الامام علي بن أبي طالبعليها‌السلام ، حتّى ظهر النصّ وكأنّه خطبة واحدة ، وبعد الرجوع إلى « نهج البلاغة » تمكنّا من تقطيع النص مع الإشارة إلى ذلك في هامش الكتاب ، راجع ص 63 و 65.

2 ـ نقل المؤلّف بعض الأحاديث تتصدّرها عبارة « وبهذا الإسناد » وهي عين العبارة الموجودة في مصدر الرواية ، كـ « ثواب الأعمال » مثلاً إلاّ أنّ نقل الحديث من مصدره بضميمة هذه العبارة من دون ألإشارة يورث وهماً سندياً ، وهوأن مرجع العبارة هو الحديث السابق في نفس كتاب أعلام الدين كما لا يخفى ، فضطررنا للإشارة للسند ألمقصود في هامش الكتاب ، راجع ص 110 و 114.

3 ـ نقل المؤلف مقاطع مطوّلة من الأحاديث والأقوال والنوادر والأشعار

٢٨

من كتب معيّنة بصورة متسلسلة ، كماحصل في ص 189 لي ـ مايليها حيث نقل عن مجموعة ورأم وأمالي الطوسي والكافي ، حتى أنّه نقل فصولاً كاملة عن كتاب كنز الفوائد للكراجكي كما في ص 157 إلى ص 186.

4 ـ أورد المصنف كتاب « البرهان على ثبوت الإيمان » لأبي الصلاح الحلبي بتمامه ، ولم نعثر على أيّ نسخة للكتاب إلاّ ما نقله الديلمي في أعلام الدين ، ممّا يعطي كتابنا هذا أهمّية خاصة لا تخفى على ذي بصيرة.

كما أورد المصنّف أيضاً « الأربعون الودعانية » بكاملها ، وهي أربعون حديثاً رواها ابن ودعان الموصلي ، راجع ص 331.

5 ـ ذكر المصنف كلاماً بمقدارعِدة صفحات ، بعد قوله : « يقول العبد الفقير جامع هذا الكتاب » وبعد التتبّع وجدنا مجمل هذه النصوص بعينها تارة ، وباختلاف يسير تارة أخرى ، في كتاب « تنبيه الخواطر » للشيخ ورّام المتوفى سنة 605 هـ ، راجع ص 240 ـ 344 ، وص 253 وقد أشرنا في هامش الصفحات المذكورة إلى هذا الأمر فتأمل!

6 ـ نقل المؤلّف نصوصاً روائية كثيرة عن كتاب « ثواب الاعمال » وكتاب « المؤمن » ، إلاّ أن الغريب في المقام أنّ المؤلف لفّق بين حديثين أو ثلاثة أو أكثر ، حتى ظهرت بصورة حديث واحد براوِ واحد ، ممّا أدى إلى أختلاط الأسانيد والروايات ، وقد أشرنا للاختلاف ، ولَتخريج كلّ حديث في هامش الكتاب ، راجع ص 356 وما بعدها وص 432 وما بعدها.

منهجية التحقيق :

اعتمدنا في تحقيق الكتاب على النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضاعليه‌السلام في مشهد المقدسة برقم 381 ، وهي النسخة الوحيدة التي استطعنا العثور عليها ، مع العلم أنّ هناك نسخة اُخرى منه في مكتبة آية اللّه ألحكيم العامة في النجف الأشرف ، كما في فهرسها المطبوع ج 1 ص 64 ، لم يتيسر لنا الحصول عليها لأنّها سجينة الإرهاب الطائفي والكبت الفكري في أرض المقدسات.

٢٩

وصف النسخة :

تقع النسخة في 146 ورقة ، بطول 24 وعرض 17 سم ، مختلفة عدد الأسطر ، تبدو عليها آثار القدم ، ويغلب على الظنّ أنها كتبت في حياة المؤلّف ، كما يظهر من الورقة الأولى حيث ورد ما لفظه : « كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين وكنز علوم ألعارفين تصنيف الشيخ الأوحد العالم العامل العارف الزاهد العابد الورع الفقيه أمين الدين تاج الاسلام أبي محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي رفع اللّه في الدارين قدره وأطال في التأييد عمره ، وختم بالصالحات أمره ، وحشره مع مواليه المصطفين الأخيار محمد وآله الأخيار الأبرار » ولا يخفى أنّعبارة « وأطال في التأييد عمره تدلّ على أنّ النسخة كتبت في حياة المؤلّف ».

وجاء فيها ـ أيضاً ـ أنّها وقف الشيخ بهاء الدين عليه الرحمة.

وفي نفس الورقة وردت عدة تملّكات بالعربية والفارسية عَدتْ عليها يد المجلّد : منها تملّك ( هلال الكركي عامله الخفيّ بمحمد وعلي وا الأطَهار في شهر القعدة الحرام من سنة وستين وتسعمائة) وتحتها ختم المالك.

ووردت عِدّة أختام لمْ تتّضح لنا قراءتها في النسخة المصورة التي بأيدينا.

وفي الورقة الأخيرة من الكتاب ورد تأريخ الفراغ منه ولم يتّضح لنا الخط كاملاً في المصورة ، لكنْ ذكرمفهرس المكتبة :

« نصره (كذا) من أوله إلى اخره أضعف عباد اللّه وأحوجهم محمد بن عبد الحسين (أو عبدالحبيب) ابن موحد (أو أبومنصور) المؤذن بالحرم الشريف الغروي (تلفت عند التجليد) وذلك من سنة 3 كـ وسبعمائه ».

قال مفهرس النسخة : والظاهر أنّ قصده من هذا التاريخ 723 ويحتمل763(1) .

__________________

(1) فهرس مكتبة الامام الرضاعليه‌السلام : الجزء الخامس ص 381 / 26.

٣٠

وقد ورد في الورقة ألأخيرة أيضاً أبيات كل من الشعر ، هي :

يقولون لي أصدقاءُ الصفا

لم لا تشفى من الحاسدين

فقلت ذروني على غصّتي

وأملي لهم إن كيدي متين

 وفيها أيضاً : « لمحرره :

إليكم معشر الأصحاب نُصحي

ألا لا تنظروا نظر التلهى

إلى الخود الحسان الناعمات

فقد أنذرتكم ناراً تلظّى

 حرّره ناظمه أقل الخليقة ـ بل لا شيء في الحقيقة ـ أبوالحسن بن محمد الرضوي في يوم الفطر من شهور سنة 1028 هـ في المشهد المقدّس الرضوي ».

واشتركت عدّة لجان في تحقيق الكتاب موزّعة حسب الاختصاصات وهي :

1 ـ لجنة المقابلة : ومهمّتها مقابلة النسخة الخطيّة بعد الاستنساخ ، وكذلك مقابلة الكتاب بعد طبعه ، وتألفت من : الاخوة الاماجد الحاج عزالدين عبدالملك وعبدالرضا كاظم كريدي.

2 ـ لجنة تخريج الأحاديث : وقد عنيت بتخريج الأحاديث والروايات ، والمتون المنقوله من المصادر الأصلية.

3 ـ لجنة تقويم النص ، وضبط عباراته ، وتعيين المصحف من الصحيح حيث لم تسلم النسخة المذكورة من التصحيف والتحريف ، فاعتمدنا تصحيح عبارة المتن بالاستفادة من مصادر الرواية والحديث ، وفي حالة نقل المؤلف. بحوث كلامية وعقائدية لا مصدر لها كـ « كتاب البرهان على ثبوت الايمان » لأبي الصلاح الحلبي ، فضّلنا إبقاء المتن كما ورد في مصورة المخطوطة ، مع الاشارة لما نستظهره من صواب العبارة في الهامش ، وقد قام بهذه المهمة الاُستاذ المحقّق الفاضل أسد مولوي.

4 ـ لجنة ضبط الاختلافات الرجاليّة : ومهمّتها تصحيح وضبط ما ورد من أعلام في الكتاب بقرينة ما ورد في المعاجم الرجاليّة ، والاشارة إلى ذلك في الهامش ، وقد قام بهذه المهمّة حجّة الإسلام الشيخ أحمد الأهري والأخ الفاضل

٣١

كاظم الجواهري.

5 ـ الملاحظة النهائية : ومهمّتها ملاحظة الكتاب ملاحظة نهائية لجوانبه كافّة ـ متناً وهامشاً ـ لعلّ فيه ما زاغ عن البصر ، لاصلاحه. وكانت على كاهل الأخ المحقّق الفاضل حامد الخفاف مسؤول لجنة تحقيق مصادر « بحارالأنوار ».

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث

صفر الخير 1408 هـ

٣٢

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله ذي القدرة والجلال ، والرفعة والكمال ، الذي عٌم عباده بالفضل والاحسان ، وميّزهم بالعقول والأذهان ، وشرّفهم بالعلوم ومكّن لهم الدليل والبرهان ، وهداهم إلى معرفة الحق والصواب ، بما نزّل من الوحي والكتاب ، الذي جاء به أفضل أولي العزم الكرام ، مولانا وسيدنا محمد بن عبداللّه خاتم النبيين وأشرف العالمين صلّى اللهّ عليه وعلى الأطايب من عترته ، ذوي الفضائل والمناقب ، حجج اللّه على كافة المسلمين ، الهادين المهديين ، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون.

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه (الحسن بن أبي الحسن الديلمي) أعانه الله على طاعته ، وتغمّده برأفته ورحمته : انني حيث بليت بدار الغربة ، وفقدت الأنيس الصالح في الوحشة ، وحملتني معرفة الناس على الوحدة ، خفت على ما عساه حفظته من الاداب الدينية والعلوم العلوية ـ وهو قليل من كثير ، ويسير من كبير ـ أن يشذ عن خاطري ، ويزول عن ناظري ـ لعدم المذاكر ـ اثبت ما سنح لي إيراده ، وسهل علي اسناده ، ليكون لي تذكرة وعدة ، ولمن يقف عليه بعدي تبصرة وعبرة وفق اللّه المراعاة له والعمل به ، وجعله خالصآَ لوجهه الكريم ، وموجباً لثوابه الجزيل العظيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فأول ما أبدأ به ذكر المعارف باللّه تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحججه من بعده ، وما يجوز عليه وعليهم وما لا يجوز.

٣٣

ثم اثني بذكرفضل العالم والعلوم ، وما يتبع ذلك من العلوم الدينية والآداب الدنيائية ، ولم ألتزم ذكر سندها ، لشهرتها عند العلماء في كتبها ألمصنفة المروية عن مشايخنا ـ رحمهم الله تعالى ـ وأحلْتُ في ذلك على كتبهم وأسانيدهم ، إلاّ ما شذ عني من ذلك فلم أذكر إلآ فص(1) القول.

وسميت هذا الكتاب كتاب (أعلام الدين في صفات المؤمنين وكنز علوم العارفين) فحق على ، من وقف عليه ، واستفاد به ، أن يدعو لمصنفه ، ويترحّم عليه ، ويدع الهوى والميل في إعابة شيء منه ، فإنه يشتمل على ترك الدنيا والرغبة في الآخرة ، حسب ما يأتي ذكره وتفصيله.

__________________

1 ـ فص الأمر : حقيقته ، يقال : أنا آتيك بالأمر من فصه ، يعني من مخرجه الذي قد خرج منه (لسان العرب ـ فصص ـ 7 : 66).

٣٤

فصل

« في الدليل على حدث الإنسان وإثبات محدثه »

أقرب ما يستدل به الإنسان على حدثه وإثبات محدثه ، ما يراه من حاله وتغيره الواقع بغير اختياره وقصده ، كالزيادة والنقص المعترضين في جسمه وحسه ، و [ ما ](1) يتعاقب عليه من صحته وسقمه ، وينتقل إليه من شيبته وهرمه ، وأنه لايدفع فيه من ذلك طارئاً موجودا ولايعيد ماضيها مفقوداً ، لو نقصت منه جارحة لم يقدرعلى التعويض منها ، ولا يستطيع الاستغناء في الادراك بغيرها عنها ، لا يعلم غيب أمره ، ولايتحقق مبلغ عمره ، وقُدَر(2) متناهية ، وبنية ضعيفة واهية.

فيعلم بذلك أن له مصوراً صوّره ، ومدبرا دبّره لأن التصوير والتدبيرفعلان لم يحدثهما الانسان لنفسه ، ولا كانا بقدرته ، والفعل فلابد له من فاعل ، كما أن الكتابة لاغنى بها عن كاتب.

ثم يعلم ان مصوّره صانعه ومحدثه ، وأن مدبره خالقه وموجده ، لأنه لايصح وجوده إلاّ مصوراً مدبراً.

ثم يعلم أيضاً ان محدثه قادر ، إذ كان لايصح الفعل من عاجز.

ويعلم أنه حكيم عالم ، لأن الأفعال المحكمة لاتقع إلاّ من عالم.

ثم يعلم أنه واحد ، إذ لوكان اثنين لجاز اختلاف مراديهما فيه ، بأن يريد أحدهما أن يميته ، ويريد الاخر أن يحييه ، فيؤدي ذلك إلى وجود المحال ، وكونه ميتاً حيا في حال ، أو إلى انتفاء الحالين وتمانع المرادين ، فيبطل ذلك أيضاً ويستحيل ، وهذا يبيّن أن صانعه واحد ليس باثنين.

ويعلم أنه لايجوز على محدثه النقص والتغيير ، وما هو جائز على المحدثين ، لإنفي جوازذلك عليه مشابهة للمصنوعين ، وهو يقتضي وجود صانع له أحدثه وصوّره ودبّره ، إمّا محدث مثله أو قديم ، وفي استحالة تَنقّل ذلك إلى ما لا يتناهى ، دلالة على أن صانعه قديم.

__________________

1 ـ أثبتناه لضرورة السياق.

2 ـ قدٌر : جمع قدرة.

٣٥

ويعلم بمشابهة حال غيره لحاله ، أن حكمه كحكمة ، وأنه لابد من الإقرار بوجود صانع للجميع ، لبطلان التثنية حسب ما شهد به الدليل.

فصل : وقد ورد في الحديث(1) : ان أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس الإمام الصادق ـ أبي عبداللّه جعفر بن محمد صلى الله عليه ـ فقال له : أبا عبداللّه ، انك لأحد النجوم الزواهر ، وكان آباؤك بدورا بواهر ، وامهاتك عقيلات طواهر(2) ، وعنصرك من أكرم العناصر ، وإذا ذكر العلماء فبك(3) تثنى الخناصر ، خبٌرنا أيها البحر الزاخر ، ما الدليل على حدث(4) العالم؟

فقال أبوعبد اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ من أقرب الدليل على ذلك ما أذكرهلك ، ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته وقال : هذا حصن ملموم ، داخله غرقىء(5) رقيق ، يطيف به كالفضة السائلة ، والذهبة المائعة ، أشك في ذلك »؟

قال أبو شاكر : لاشك فيه.

قال الإمامعليه‌السلام : « ثم إنّه ينفلق عن صورة كالطأووس ، أدخله شيء غيرما عرفت؟

قال : لا.

قال : « فهذا الدليل على حدث العالم ».

قال أبوشاكر : دللت ـ أبا عبد اللّه ـ فأوضحت ، وقلت فأحسنت ، وذكرت فأوجزت ، وقد علمت أنا لانقبل إلاّ ما أدركت أبصارنا ، أو سمعناه بآذاننا ، أو ذقناه بأفواهنا ، أو شممناه باُنوفنا ، أو لمسناه ببشرنا.

فقال الصادقعليه‌السلام : ذكرت الحواس(6) وهي لاتنفع في الاستنباط إلاّ بدليل ، كما لاتقطع الظلمة بغيرمصباح ».

قال شيخنا المفيد أبوعبداللّه محمد بن محمد بن النعمان الحارثيرضي‌الله‌عنه :

__________________

1 ـ رواه الصدوق في الأمالي 288 / 5 والتوحيد 292 ، والمفيد في الإرشاد : 281.

2 ـ في الإرشاد : عباهر ، والعباهر : جمع عبهرة ، وهي الجامعة للحسن (القاموس المحيط ـ عبهر ـ 2 : 84).

3 ـ في الارشاد : فعليك.

4 ـ في الارشاد : حدوث.

5 ـ الغرقىء : قشر البيض الذي تحت القشر الصلب (الصحاح ـ غرقاً ـ 1 : 62).

6 ـ في الإرشاد زيادة : الخمس.

٣٦

إن الصادقعليه‌السلام أراد الحواس الخمس بغيرعقل لا توصل إلى معرفة الغائبات ، وان الذي أراه من حدوث الصورة معقول ، بني ألعلم به على محسوس(1) ،

واعلم ـ أيدك اللّه ـ أن الاجسام إذا لم تخل من ألصورة ـ التي قد ثبت حدثها ـ فهي محدثة مثلها.

دليل آخرعلى حدث العالم : الذي يدلنا على ذلك ، أنّا نرى أجسامنا لاتخلو من الحوادث المتعاقبة عليها ، ولا يتصورفي العقل أنها كانت خالية منها ، وهذا يوضح أنها ، محدثه مثلها ، لشهادة العقل بأن مالم يوجد عارياً من المحدث فإنه يجب أن يكون مثله محدثاً.

وهذه الحوادث هي : الاجتماع والافتراق ، والحركة والسكون ، والألوان والروائح والطعوم ، ونحو ذلك من صفات الأجسام.

والذي يدل على أنها أشياء غير الجسم ، مانراه من تعاقبها عليه ، وهو موجود معكل واحد منها.

وهذا يبين أيضاً حدثها ، لأن الضدين المتعاقبين لايجوزأن يكونا مجتمعين في ألجسم ، ولا يتصور اجتماعهما في العقل ، وإنما وجد أحدهما وعدم الآخر ، فالذي طرأ ووجد هو المحدث ، لأنه كائن بعد أن لم يكن ، والذي انعدم أيضاً محدث ، لأنه لو كان غير محدث لم يجز أن ينعدم ، ولأن مثله أيضاً نراه قد تجدد وحدث.

والذي يشهد بأن الأجسام لم تخل من هذه الحوادث بَدائه العقول وأوائل العلوم ، إذ كان لايتصور فيها وجود الجسم مع عدم هذه الاُمور ، ولوجاز أن يخلو الجسم منها فيما مضى ، لجازأن يخلو منها الآن فيما يستقبل من الزمان.

فالذيَ يدل على أن حكم الجسم كحكمها في الحدوث ، أن المحدث هو الذي لوجوده أول ، والقديم هو المتقدم على كل محدث وليس لوجوده أول ، فلو كان الجسم قديما لكان موجوداً قبل الحوادث كلها خالياً منها ، وفيما قدّمناه من استحالة خلوّه منها دلالة على أنه محدث مثلها ، فالحمد للّه.

* * *

__________________

1 ـ ارشاد المفيد : 381.

٣٧

فصل من السؤال والبيان(1)

إن سألك سائل عن أول ما فرض عليك؟

فقل : النظر المؤدي إلى معرفة الله.

فإن قال : لم زعمت ذلك؟

فقل : لأنه ـ سبحانه ـ أوجب معرفته ، ولا سبيل إلى معرفته إلاّ بالنظر في الأدلة المؤدية إليها.

فإن قال : فإذا كانت المعرفة باللّه ـ جل وعز ـ لا تدرك إلا بالنظر ، فقدحصل(2) المقلد غير عارف باللّه.

فقل : هو كذاك.

فإن قال : فيجب أن يكون جميع المقلدين في النار.

فقل : إن العاقل المستطيع إذا أهمل النظر والإعتبار ، واقتصر على تقليد الناس ، فقد خالف اللّه تعالى وانصرف عن(3) أمره ومراده ، ولم يكفه تقليده في أداء فرضه ، واستحق العقاب على مخالفته وتفريطه.

غير انّا نرجو العفو عمّن قلد المحق والتفضل عليه ، ولا نرجوه لمن قلد المبطل ولانعتقده فيه.

وكلّ مكلف يلزمه من النظر بحسب طاقته ونهاية إدراكه وفطنته ، وأما المقصّر الضعيف الذي ليس له استنباط صحيح ، فإنه يجزيه التمسك ـ في الجملة ـ بظاهر ما عليه المسلمون.

فإن قال : كيف يكون التقليد قبيحاً من العقلاء المميزين ، وقد قلد الناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أخبر به عن رب العالمين ، ورضي بذلك عنهم ، ولم يكلفهم ما تدعون؟

__________________

1 ـ أورد الكراجكي في كنزالفوائد : 98 ـ 101 ، هذا الفصل إلى بداية كتاب « البرهان على ثبوت الإيمان » الآتي.

2 ـ حصل : صار.

3 ـ في الأصل : على ، ما أثبتناه من الكنز.

٣٨

فقل : معاذ اللّه أن نقول ذلك أو نذهب إليه ، ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرض من الناس التقليد دون الاعتبار ، وما دعاهم إلا إلى اللّه بالاستدلال ، ونبههم عليه بآيات ألقرآن من قوله سبحانه :( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ) (1) .

وقوله :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) (2) .

وقوله :( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) (3) .

وقوله :( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) (4) .

ونحن نعلم أنه مما أراد بذلك إلا نظر الاعتبار.

فلو كانعليه‌السلام إنما دعا الناس إلى التقليد ، ولم يرد ( منهم الاستدلال )(5) ، لم يكن معنى لنزول هذه الآيات.

ولو كان أراد أن يصدقوه ويقبلوا قوله تقليداً بغيرتأمل واعتبار ، لم يحتج إلى أن يكون على يده ما ظهر من الايات والمعجزات.

فأما قبول قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قيام الدلالة على صدقه ، فهو تسليم وليس بتقليد.

وكذلك قبولنا لما أتت به أئمتناعليهم‌السلام ، ورجوعنا إلى فتأويهم في [ شريعة ](6) الاسلام.

فإن قال قائل : فأبن لنا ما التقليد في الحقيقة ، وما التسليم؟ ليقع الفرق.

فقل : التقليد : قبول [ قول ](7) من لم يثبت صدقه ، ومأخوذ من القلادة.

والتسليم : هو قبول من ثبت صدقه ، وهذا لايكون إلا ببينة وحجة ، والحمد للّه.

__________________

1 ـ الاعراف 7 : 185

2 ـ آل عمران 3 : 190

3 ـ الذاريات 51 : 20 ، 21

4 ـ الغاشية 88 : 17.

5 ـ في الأصل : الإستدلال عنهم ، وما أثبتناه من كنز الفوائد.

6 ـ أثبتناه من الكنز.

٣٩

فصل

« من كلام جعفربن محمد عليه السلام »

قال : « وجدت علم الناس في أربع : أحدها : أن تعرف ربك ، والثاني : أنتعرف ما صنع بك ، والثالث : أن تعرف ما يخرجك عن دينك ، والرابع : أن تعرف ما أراد منك ».

قال شيخنا المفيدرحمه‌الله : هذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف ، لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله ، فإذا علم أن له إلهاً وجب أن يعرف صنعه اليه ، فإذا عرف صنعه عرف نعمته ، فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره ، فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله ، وإذا وجبت عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليجتنبه ، فتصح(1) به طاعة ربه وشكر إنعامه(2) .

ولقد أحسن بعض أهل الفضل والعلم ، في قوله في المعرفة باللّه تعالى ، وذمالتقليد وبالغ :

إن كان جسما فما ينفك عن عرض

أو جوهراً فبذي الأقطار موجود

أو كان متصلاً بالشيء فهو به

أو كان منفصلاً فالكل محدود

لاتطلبنّ إلى التكييف من سبب

إن السبيل إلى التكييف مسدود

واستعمل الحبل حبل العقل تحظ به

فالعقل حبل إلى باريك ممدود

والزم من الدين ما قام الدليل به

فإنّ أكثردين الناس تقليد

وكلما وافق التقليد مختلق

زور وإن كثرت فيه الأسانيد

وكلما نقل الاحاد من خبر

مخالف لكتاب اللّه مردود

 * * *

__________________

1 ـ في الكنز : فتخلص

2 ـ إرشاد المفيد : 282

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531