أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين0%

أعلام الدين في صفات المؤمنين مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: كتب متنوعة
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: 531

أعلام الدين في صفات المؤمنين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ الجليل الحسن بن ابي الحسن الديلمي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: 531
المشاهدات: 124896
تحميل: 10085

توضيحات:

أعلام الدين في صفات المؤمنين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124896 / تحميل: 10085
الحجم الحجم الحجم
أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين

مؤلف:
ISBN: 4-5503-75-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا بصيرة لهم ، فيصير رئيساً عليهم ، ويصعب عليه مفارقة عز التقدم عليه(1) .

ومنها : محبة أسهل المذاهب ، ذي الرُخَّص في ارتكاب الفواحش واللذات ، استصعاباً للعلم ، واستنثّقالاً للعمل ، وميلاً إلى الراحة ، ورغبة في الاباحة ، ولهذا يسرع كثير من الناس إلى مذاهب الغلاة والمسقطين للتكليف والأعمال ، وقد جذبهم إلى ذلك انضمامهم في المَوَدّات والمخالطات ، فبادر نحوهم الراغب في هذا الشأن ، وانضم إليهم كل فقيرمحتاج ، قليل الدين.

ومنها : اتباع الأكثر ، والكون ، في جملة السواد الأعظم ، استيحاشاً من القلة ، وهذا مما ضلت به الحشوية.

ومنها : الإشتغال باُمور الدنيا عن الدين ، والإنقطاع إلى مخالطة التجار والمتكسبين ، حتى تلهي الإنسان دنياه عن النظر في الآخرة ، فلا يجعل لنفسه وقتاً من زمانه يهتم فيه لأمر دينه.

ومنها : عدم مجالسة العلماء ، وترك الإطلاع في الدلائل العقليات ، واستماع أقوال الجاهلية الأغنياء ، والإقتصار على الحكايات والخرافات.

ومنها : إن الجاهل يرى التقليد في الدين ، أروح له من طلب العلوم والبحث فيها ، وهذا يورث العمى والصمم.

ومنها : قبول قول احاد أخبار السمع ، التي لاتوجب علماً ولا عملاً ، حتى تألفه النفس ، ويميل إليه الطبع ، فلا يكاد الإنسان يرتاح إلا إليه ، ولا يعتمد إلا عليه.

ومنها : محبة المذهب الغريب.

ومنها : الأخذ بالقول المستطرف العجيب ، لا سيما إذا كان مصوناً بين أهله ، مكتوماً عند العاملين به ، حتى يظن المعتمد عليه أنه قد ظفر بالبغية ، ووجد الدرة المكنونة ، وهذا يحول بين المرء والرشاد ، ويسوقه إلى الضلال والفساد ، فإن اجتمع له مع هذا الجهل سببان أو اسباب ، عظمت به المحنة والرزية ، وتعذر عليه الصواب. ثم إن العادة هي الآفة الكبرى ، والداهية العظمى ، وهي الطبع الثاني ، والخلق الثابت.

فاحترز ـ يا أخي ـ من هذه الأخطار ، وفقك الله وسددك ، وهداك وأرشدك ، ولا تأنس بشيء منها عن ادراك الحقائق ، وكن فطناً متيقظاً حذراً متحفظاً

__________________

1 ـ كذا ولعلها زائدة.

٢٦١

ناظراً متأملاً حاكماً عادلاً ، متفطناً للمحبة والبغضة ، هاجراً للهوى والعصبية ، باحثاً عن الحق ، غير مراع لأحد من الخلق ، ناصحاً لنفسك في الإجتهاد ، سائلاً الله تعالى في التوفيق للسداد ، فإنك متى فعلت ذلك اتضحت لك سبل رشادك ، وسهل عليك صعب مرادك ، وانفتحت لك الأبواب ، وظهر لك الحق والصواب ، ففزت بمنزلة العارفين ، وعملت حينئذ عمل المحقين ، فإن الله تعالى يقول في الذكر المسطور :( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيزغفور ) .(1)

* * *

__________________

1 ـ فاطر35 : 28.

٢٦٢

فصل : في فضل قيام الليل والترغيب فيه

قال الله تعالى لنبيه عليه وآله السلام :( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ً) (1)

وقال :( يا أيها المزمل *قم الليل إلا قليلاً *نصفه أوانقص منه قليلا *أو زد عليه ورتّل القران ترتيلا ) (2) ولم يمن الله تعالى ليدعو نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ إلى أمر جليل وفضل جزيل.

فقد روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « شرف المؤمن قيام الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينيه ، ليرضي ربه جل وعز ، لصلاة ليله ، باهى الله تعالى به ملائكته فقال : أما ترون عبدي هذا ، قد قام من لذيذ مضجعه إلى صلاة لم أفرضها عليه ، اشهدوا أني قد غفرت له »(3) .

وقال عليه وآله السلام : « إن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القران ، لتضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم أهل السماءِ لأهل الأرض ».

وقال في وصيته لأمير المؤمنين صلوات الله عليهما : « وعليك يا عليُّ بصلاة الليل » وكرر ذلك ثلاث دفعات(4) .

وسئل أبوجعفر الباقرعليه‌السلام ، عن وقت صلاة الليل فقال : « الوقت الذيجاء عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : فيه ينادي منادي الله عز وجل : هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ قال السائل : وما هو؟ قال : الوقت الذي وعد يعقوب فيه بنيه بقوله :( أستغفر لكم ربي ) (5) قال : ماهو؟ قال : الوقت الذي قال الله فيه :( والمستغفرين بالأسحار ) (6) إن صلاة الليل في اخره أفضل منها قبل

__________________

1 ـ الاسراء 17 : 79.

2 ـ المزمل 73 : 1 ـ 4.

3 ـ أخرجه المجلسي في البحار 87 : 156 / 40 عن اعلام الدين.

4 ـ أخرجه المجلسي في البحار 87 : 42 / 157 عن اعلام الدين.

5 ـ يوسف 12 : 98.

6 ـ آل عمران 3 : 17.

٢٦٣

ذلك ، وهو وقت الإجابة ، وهي هدية المؤمن إلى ربه ، فأحسنوا هداياكم إلى ربكم ، يحسن الله جوائزكم ، فإنه لا يواظب عليها إلا مؤمن أوصديق ».

واعلم ـ أيدك الله ـ أنه ندب إلى صلاة الليل في آخره إذا لم يؤثر المصلي التطويل ، فإذا اثر الاطالة ففي أوله أفضل ، وأول وقتها زوال النصف ألأول.

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تعطوا العين حظها ، فإنها أقلّ شيءشكراً »(1) .

وروي : إن الرجل يكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل ، فإذا حرم صلاة الليل حرم بذلك الرزق.

وقالعليه‌السلام : « كذب من زعم أنه يصلي الليل ويجوع بالنهار »(2) .

ومن خاف فوات صلاة الليل ، فليقرأ عند نومه آخر سورة الكهف( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي ) إلى قوله تعالى :( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) (3) ، فمن قرأهما أيقظه الله لصلاة ليلته ، وليسأل الله عقيبهما إيقاظه لعبادته.

وجاء في الحديث عن الامام الصادق عن أبيه الإمام الباقرعليهم‌السلام ، أنه قال : « كان فيما أوحى الله إلى موسى بن عمرانعليه‌السلام : يا موسى ، كذب من زعم أنه يحبني ، فإذا جنّه الليل نام عني.

يا ابن عمران ، هذا بهذا.

يا ابن عمران ، لورأيت الذين يصلون لي في الدياجي ، وقد مثلت نفسي بين أعينهم ، يخاطبوني وقد خليت عن المشاهدة ، ويكلّموني وقد عززت عن الحضور.

يا ابن عمران ، هب لي من عينك الدموع ، ومن قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ثم ادعني في ظلم الليل تجدني قريباً مجيباً ».

وروي أن الصادقعليه‌السلام قال يوماً للمفضل بن صالح : « يا مفضل ، إن لله عباداً عاملوه بخالص من سره ، فقابلهم بخالص من بره ، فهم الذين تمر صحفهم يوم القيامة فرغاً ، فاذا اُوقفوا بين يديه ملأها من سر ما أسروا إليه » فقلت : يا مولاي ، ولم

__________________

1 ـ أخرجه المجلسي في البحار 87 : 156 / 39 عن اعلام الدين.

2 ـ أخرجه المجلسي في البحار 87 : 157 عن اعلام الدين ، وفيه : وقال الصادقعليه‌السلام .

3 ـ الكهف 18 : 109 ، 110.

٢٦٤

ذاك؟ فقال : « أجلهم أن تطلع الحفظه على ما بينه وبينهم ».

وذكر أن رجلاً صالحاً قال : لئن أبيت نائماً وأصبح نادماً ، أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً ».

وقرب رجل من بني اسرائيل قرباناً فلم يتقبل منه ، فرجع وهو يقول » يا نفس من قبلك أتيت ، فنودي : إن مقتك نفسك خير من عبادة مائة سنة.

* * *

٢٦٥

من الأخبار في العظات والآداب

جاء في الحديث أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ما من امرئ مسلم ـ غني ولا فقير ـ إلا ودّ يوم إلقيامة أنه كان أوتي من الدنيا قوتاً ».

وقال عليه واله السلام : « من آثر محامد الله على محامد الناس ، كفاه الله مؤونة الناس ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اُلهم الصدقَ في كلامه ، والانصاف من نفسه ، وبر والديه ، ووصل رحمه ، اُنسىء له في أجله ، ووسع عليه في رزقه ، ومتع بعقله ، ولقن حجته وقت مساءلته ».

وعن حفص بن البختري قال : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمدعليه‌السلام يقول : « حدثني أبي عن آبائه أن أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم قال لكميل بن زياد النخعي : تبذل ولا تشهر ، ووار شخصك لا تذكر ، وتعلّم فاعمل ، واسكت تسلم ، تسرّ الأبرار ، وتغيظ الفجار ، ولا عليك. إذا عرّفك الله دينه أن لا تعرف الناس ولايعرفونك ».

وجاء في الحديث عن الإمام الصادق ، عن أبيه الامام الباقرعليهما‌السلام ، أنه قال : « إن الله تعالى أوحى إلى داود : يا داود ، إن العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة فاُحكِّمُهُ بها في الجنة ، فقال داود : يا رب ، وما تلك الحسنة؟ قال : عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المؤمن أحب قضاءها ، قضيت له أم لم تقض ».

* * *

٢٦٦

خبر طريف رواه جابر بن عبدالله

قال : خرجنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة نريد العمرة فلقيتنا امرأة من قريش ، فاستوقفت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قالت له : يا ابن الخضارم الأكارم ، والأوتاد والدعائم ، إني امرأة من قريش قصدتك وَلهى حَرّى مشدوهة عَبرى ، لي بُني ولدته سوياً وسميته علياً ، وأبوه مات وماله فات ، ولي سبع بنات ، لم أغده قطب الأصنام ، ولم أقسم عليه بالأزلام ، وأصابه لمم في عقله ، قد كسر هبل فلا هبل ، وقد قيل لي : إنّك ذو أدوية وأشفية(1) ، فأعطني من أدويتك وأشفيتك ما أشفي به وَلَدِيَهْ وفلذ كَبِديَهْ.

فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيتها المرأة ، إن أدوى الأدوية وأشفى الأشفية ، أن توحّدي الله عز وجل ، وتخلّفي هبل وغيره ، فإنك إذا فعلت ذلك وجدتِ إبنك سوياً يكلّمك ».

فقالت : إني أشهد الله ثم أشهدك اني امنت بك يا رسول الله ، وصدقت ، ثم عادت من وقتها فوجدت ابنها سوياً وكلّمها ، فلما ان كان من الغد صنعت خزيرة(2) ثم غدت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لتهديها إليه ، فوجدته في بيت أم هانئ بنت أبي طالب ، فاستأذنت بالدخول إليه صلى الله عليه وعلى آله فأذن لها ، فجعلت الخزيرة بين يديه ثم قالت : السلام عليك يا رسول الله ، إني وجدتك أرقى الرقاة وأشفى الشفاة ، وأنشأت تقول :

دواؤك يشفي من المرمريس(3)

ومن الشصائب(4) والهركه(5)

__________________

1 ـ أشفية : جمع شفاء ، وهوالدواء الذي يشفى منه المريض انظر « القاموس المحيط ـ شفي ـ 4 : 349 ».

2 ـ الخزيرة : شبه عصيدة بلحم ، وبلا لحم عصيدة او مرقة من بلالة النخالة. « القاموس المحيط ـ خزر ـ 2 : 19 ».

3 ـ المرمريس : الداهية الشديدة « الصحاح ـ مرس ـ 3 : 978 ».

4 ـ الشصائب : الشدائد « الصحاح ـ شصب ـ 1 : 155 ».

5 ـ كذا ، ولعلها الهوكة من التهوك ، وهوالسقوط في حفرة « القاموس المحيط ـ هوك ـ 3 : 325 » ».

٢٦٧

ومن لمم الجن والعنقفير(1)

والصل والحية الأشواكه

وربك أعطاك من نوره

بنور تضيء له الحلكه

فأُمٌ مواليكَ مغبوطة

لأنك تسلكُهُ مسلكه

وأمّ معاديك مهبولة

لانك تورده مهلكه

فكم قد أبرت(2) من المشركين

وغادرت صرعى لدى المعركه

شهدت لربي بتوحيده

له الجود والمجد والمملكه

أقام السماء على خلقه

فقامت بقدرته ممسكه

وإنك قد جئت من عنده بما

انتاش من شركها المشركه

 * * *

__________________

1 ـ العنقفير : الداهية المهلكة « الصحاح ـ عقفر ـ 2 : 755 ».

2 ـ أبرت : أهلكت. انظر « الصحاح ـ بور ـ 2 : 597 ».

٢٦٨

أخبار في الحقوق التي(1) تجب للإخوان فيما بينهم

روي عن بعضهم قال : شكوت إلى الصادقعليه‌السلام ما ألقى من الضيق والهم فقال : « ما ذنبي أنتم أخرتم هذا ، إنه لما عرض الله عليكم ميثاق الدنيا والآخرة اخترتم الآخرة على الدنيا ، واختار الكافر الدنيا على الآخرة ، فأنتم اليوم تأكلون معهم وتشربون وتنكحون معهم ، وهم غداً إذا استسقوكم الماء قلتم لهم :( إن الله حرمهما على الكافرين ) (2) ».

وروي عن الصادقعليه‌السلام : « إن الله تعالى ليعتذر الى المؤمن يوم القيامة ، فيقول له : وعزتي وجلالي ، ما أفقرتك لهوان لك(3) عليّ ، ولكن ارفع هذا الستر فانظر ما قد عوضتك عن الدنيا ، فيرفعه فيرى من الملك مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، فيقول : يا إلهي ما ضرني ما منعتني بما قد عوضتني ».

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال « علّمني عملاً يحبني الله عليه ، ويحبني المخلوقون ، ويثري الله مالي ، ويصح بدني ، ويطيل عمري ، ويحشرني معك ، فقال : هذه ست خصال ، تحتاج إلى ست خصال : إذا أردت أن يحبك الله فخفه واتقه ، وإذا أردت أن يحبك المخلوقون فأحسن إليهم وارفض مافي يديهم ، وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه ، وإذا أردت أن يصح بدنك فاكثر من الصدقة ، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي أرحامك ، وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار ».

وروى ابن عياش قال : قال لي الصادقعليه‌السلام : « يا ابن عياش ، يأتي على الناس زمان ، من سكت مات ومن تكلم عاش ، قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، إن أدركت ذلك الزمان ما أصنع؟ قال : تساعدهم بمالك ، قال : قلت : فإن لم أجد ، قال : فبجاهك ».

__________________

1 ـ في الأصل : الذي ، وما أثبتناه هوالصواب.

2 ـ الأعراف 7 : 50.

3 ـ كذا ، والظاهر أن ، الأنسب : بك.

٢٦٩

روى عيسى بن موسى قال : قال جعفر بن محمدعليه‌السلام : « يا عيسى ، المال مال الله عز وجل ، جعله ودائع عند خلقه ، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً ، ويشربوا منه قصداً ، ويلبسوا منه قصداً ، وينكحوا منه قصداً ، ويركبوا منه قصداً ، ويعودوا(1) بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ، فمن تعدّىَ ذلك كان أكله منه حراماً ، وما شرب منه حراماً ، ومالبسه منه حراماً ، ومانكحه منه حراماً ، وما ركبه منه حراماً »(2) .

وعنهعليه‌السلام قال : « من أتاه المؤمن في حاجة ، وهو يقدر على قضائها فلم يقضها له ، أقامه الله تعالى من قبره مسودّاً وجهه ، مزرقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، ينادى عليه : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ، فيؤمر به إلى النار ».

وعنهعليه‌السلام : قال : « إذا أنعم الله تعالى على عبده بنعمة ، صَيَّرَ حوائج الناس إليه ، فإن قضاها ـ من غير استخفاف بها ـ أسكنه الفردوس الأعلى ، وإن لم يقضها ـ وهو قادرعلى قضائها ـ نزع الله منه صالح ما أعطاه ، وأسكنه نار جهنم وبئس المصير ، ولم ينل شفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه خطب في يوم جمعة خطبة بليغة ، فقال في آخرها :

« أيها الناس ، سبع مصائب عظام ، نعوذ بالله منها : عالم زل ، وعابد مل ، ومؤمن خل ، ومؤتمن غل ، وغنيّ أقل ، وعزيز ذل ، وفقير اعتل » فقام إليه رجل فقال : صدقت يا أمير المؤمنين ، أنت القبلة إذا ما ضللنا ، والنور إذا ما أظلمنا ، ولكن نسألك عن قول الله تعالى :( ادعوني استجب لكم ) (3) فما بالنا ندعو فلا نجاب ، قال : لأن قلوبكم خانت بثمان خصال :

أولها : إنكم عرفتم الله ، فلم تؤدوا حقه كما أوجب عليكم ، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً.

والثانية(4) : إنكم امنتم برسوله ، ثم خالفتم سنّته ، وأمتم شريعته ، فأين ثمرة إيمانكم؟

__________________

1 ـ في الأصل : ويعود ، وما أثبتناه من البحار.

2 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 103 : 16 / 74.

3 ـ غافر 40 : 60.

4 ـ في الأصل : والثاني ، وما أثبتناه من البحار.

٢٧٠

والثالثة : إنكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به ، وقلتم : سمعنا وأطعنا ، ثم خالفتم.

والرابعة : إنكم قلتم انكم تخافون من النار ، وأنتم في كل وقت تقدمون أجسامكم إليها بمعاصيكم ، فأين خوفكم؟

والخامسة : إنكم قلتم انكم ترغبون في الجنة ، وأنتم في كل وقت تفعلون ما يباعدكم منها ، فأين رغبتكم فيها.

والسادسة : إنكم أكلتم نعمة المولى ، ولم تشكروا عليها.

والسابعة : إن الله أمركم بعداوة الشيطان ، وقال :( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ) (1) فعاديتموه بلا قول(2) ، وواليتموه بلا مخالفة.

والثامنة : إنكم جعلتم عيوب الناس نصب أعينكم ، وعيوبكم وراء ظهوركم ، تلومون من أنتم أحق باللوم منه ، فأي دعاء يستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه ، فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم ، وأخلصوا سرائركم ، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فيستجيب الله لكم دعاؤكم ».

روي هذا الحديث في كتاب (التنبيه)(3) .

وما نقلته من كتاب (غرر الدرر في صفات سيد البشر محمد المصطفى خير من مضى ومن غبر)صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأنجم الزاهرة :

ما رواه مرفوعاً بإسناده إلى أبي أيوب الأنصاري قال : سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن الحوض فقال : « أما إذا سألتموني عنه ، سأخبركم : إن الحوض أكرمني الله به وفضّلني على من كان قبلي من الأنبياء ، فهو ما بين أيلة إلى صنعاء ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، يسيل فيه خليجان من الماء ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، حصباؤه الزمرد والياقوت ، وبطحاؤه مسك أذفر ، شرط مشروط من ربي لا يرده أحد من اُمتي إلا النقية قلوبهم ، الصحيحة نيّاتهم ، الخالصة سرائرهم ، المُسلِّمون للوصي من بعدي ، الذين يعطون ما عليهم في يسر ، ولا يأخذون مالهم في عسر ، يذود عنه من

__________________

1 ـ فاطر35 : 6.

2 ـ كذا في الأصل ، ولعل الصواب : فعاديتموه بالقول.

3 ـ أخرجه المجلسي في البحار 93 : 376 / 17 عن دعائم الدين عن كتاب التنبيه ، والظاهر أن « دعائم الدين » تصحيف « أعلام الدين ».

٢٧١

ليس من شيعته ، كما يذود الرجل الجمل الأجرب من إبله ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ».

أيلة بلدة كبيرة في المغرب(1) وصنعاء في اليمن.

وروى محمد بن إسماعيل ، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال : « إن لله بأبواب السلاطين مَن نور الله ـ سبحانه وتعالى ـ وجهه بالبرهان ، ومكّن له في البلاد ، ليدفع به عن أوليائه ، ويصلح به امور المسلمين ، إليه يلجأ المؤمنون من الضرر ، ويفزع ذوالحاجة من شيعتنا ، وبه يؤمن الله تعالى روعتهم في دار الظلمة ، أولئك المؤمنون حقاً ، واُولئك أمناء الله في أرضه ، أولئك نورهم يسعى بين أيديهم ، يزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الدرية لأهل الأرض ، وأولئك من نورهم تضيء القيامة ، خلقوا والله للجنة وخلقت الجنة لهم ، فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم إن شاء تعالى هذا كله؟ ».

قال : قلت : بماذا؟ جعلني الله فداك ، قال : « يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا »(2) .

* * *

__________________

1 ـ أيلة : مدينة على ، ساحل البحر الأحمر ، هي آخر الحجاز وأول الشام ، ولم نجد فيما لدينا من المعاجم ما عرف به المصنف مدينة أيلة ، ولعله أراد « إيلان » وهو موضع قرب مراكش بالمغرب من بلاد البربر ، اُنظر « معجم البلدان 1 : 292 ، القاموس المحيط 3 : 332 ».

2 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 75 : 384 / 4 عن أعلام الدين.

٢٧٢

فصل من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله

روى جابر بن عبد الله ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا تجلسوا إلا عند كل عالم ، يدعوكم من خمس إلى خمس : من الشك إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الرغبة إلى الرهبة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الغش إلى النصيحة ».

وقال الحواريون لعيسىعليه‌السلام : لمن نجالس؟ فقال : من يذكركم الله رؤيته ، ويرغبكم في الآخرة عمله ، ويزيد في منطقكم علمه.

وقال لهم : تقربوا إلى الله بالبعد من أهل المعاصي ، وتحببوا إليه ببغضهم ، والتمسوا رضاه بسخطهم.

وقال لقمان لابنه : يا بني ، صاحب العلماء ، واقرب منهم ، وجالسهم ، وزرهم في بيوتهم ، فلعلك تشبههم فتكون معهم ، واجلس مع صلحائهم ، فربما أصابهم الله برحمة فتدخل فيها وإن كنت طالحاً ، وابعد من الأشرار والسفهاء ، فربما أصابهم الله بعذاب فيصيبك معهم وإن كنت صالحاً ، وقد أفصح الله سبحانه وتعالى بقوله :( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) (1) ، وبقوله تعالى :( إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم إذن مثلهم ) (2) يعني في الإثم ، وقالسبحانه :( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (3) .

وروى معاذ بن جبل ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « إن من فتنة المرء أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع ، ففي الكلام تمويه وزيادة ، ولا يؤمن على صاحبه الخطأ ، وفي الصمت سلامة وأجر.

ومن العلماء من يخزن علمه ولا يحب أن يوجد عند غيره ، فهو في الدرك الأول من النار.

ومنهم من يكون في علمه بمنزلة السلطان ، إن رد عليه في شيء من علمه غضب ، فهو في الدرك الثاني من النار.

__________________

1 ـ الأنعام 6 : 68.

2 ـ النساء 4 : 140.

3 ـ هود 11 : 113.

٢٧٣

ومنهم من يجعل حديثه وغرائب علمه لأجل الشرف والبيان ، ولا يرى أهل الحاجة إليه أهلاً ، فهو في الدرك الثالث من النار.

ومنهم من ينصب نفسه للفتيا ، فيفتي بالخطأ تكلفاً ، والله يبغض المتكلفين ، وهو في الدرك الرابع.

ومنهم من يتكلم بكلام اليهود والنصارى ليغزر علمه ، فهوفي الدرك الخامس من النار.

ومنهم من يتخذ علمه تعمقاً ونبلاً وذكراً في الناس ، فهوفي الدرك السادس من النار.

ومنهم من يستفزه الرياء والعجب ، فإن وَعظ عنف وإن وُعظ أنف ، فهو في الدرك السابع من النار.

فعليك بالصمت فبه تغلب الشيطان ، وتستوجب المغفرة والرضوان ، وإياك أن تضحك من غير عجب ، أو تمشي وتتكلم في غير أدب ».

وقالعليه‌السلام : « إذا اجتمع قوم يذكرون الله تعالى اعتزل الشيطان والدنيا وعنهم ، فيقول الشيطان للدنيا : الا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا : دعهم فلو قد تفرقوا أخذت باعناقهم ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن أفواهكم طرق القران فطيبوها بالسواك ، فإن صلاة على أثر السواك ، خير من خمس وسبعين صلاة بغير سواك »(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أصدق المؤمنين إيماناً أشدهم تفكراً في أمر الدنيا والآخرة ، وأشد الناس فرحاً يوم القيامة ، أشدهم حزناً في الدنيا ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قال الله تعالى : وعزتي وجلالي ، لا أجمع لعبدي المؤمن بين خوفين وأمنين ، إذا خافني في الدنيا آمنته في الآخرة ، وإذا أمني في الدنيا أخفته في الآخرة ».

ومن ألزم نفسه الفكر ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً وحكمة ، وإن الفكر مفاتيح أقفال الحكمة والإعتبار ، وإنهما ليخرجان من قلب المؤمن عجائب المنطق في الحكمة ، فتسمع له أقوال ترضاها الحكماء ، ويخضع لها العلماء ، وتعجب منها الفقهاء.

__________________

1 ـ أخرجه ألمجلسي في بحار الأنوار 80 : 344 / 26 و 84 : 330 / 6 عن أعلام الدين.

٢٧٤

ولو أن محزوناً بكى في أمة ، لرحم الله تلك الاُمة ببكائه. ومع ذلك يجب بسط الرجاء في رحمة الله فإنها واسعة ، وربما غلب الرجاء على الخوف ، وذاك ان مستقى الرجاء من بحر الرحمة ، وقد سبق في قضائه وحكمته : ان رحمته سبقت غضبه.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من عبد مؤمن تخرج من عينيه دموع ، ولو مثل رؤوس الذباب من خشية الله ، إلا حرّمه الله على النار ، وما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله ، وقطرة دم في سبيل الله ».

وقال : « لا يدخل الجنة إلا رحيم » فقيل : كلنا نرحم يا رسول الله ، فقال : « ليس رحمة أحدكم في خويصة أهله حتى يرحم الناس عامة ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اطلبوا الحوائج عند رحماء أمتي تفلحوا ـ أوتنجحوا ـ فإن رحمة الله لهم ، ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم فتذلوا فتندموا ، فإن غضب الله عليهم ».

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لولده الحسنعليه‌السلام : « يا بني ، إذا نزل بك كلب الزمان(1) وقحط الدهر ، فعليك بذوي الأصول الثابتة ، والفروع النابتة ، من أهل الرحمة والإيثار والشفقة ، فإنهم أقضى للحاجات ، وأمضى لدفع الملمات ، وإياك وطلب الفضل واكتساب الطساسيج(2) والقراريط ، من ذوي الأكف اليابسة والوجوه العابسة ، فإنهم إن أعطوا منّوا ، وإن منعوا كدّوا ، ثم أنشأ يقول :

واسأل العرف إن سألت كريماً

لم يزل يعرف الغنى واليارا

فسؤال الكريم يورث عزاً

وسؤال اللئيم يورث عارا

وإذا لم تجد من الذل بداً

فالق بالذلّ إن لقيت الكبارا

ليس إجلالك الكبار بعار

إنما العار أن تُجلّ الصغارا »(3)

 وقالعليه‌السلام : « العلل زكاة البدن ، والمعروف زكاةَ النعم(4) ، وكل نعمة اُنيل منها المعروف فمأمونة السلب ، محصنة من الغِيَر ».

__________________

1 ـ كلب الزمان : شدته « الصحاح ـ كلب ـ 1 : 214 ».

2 ـ الطساسيج : جمع طسوج وهو جزء من أجزاء الدانق العملة المعروفة أيامئذٍ. اُنظر « الصحاح ـ طسج ـ 1 : 327 ».

3 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 96 : 159 / 38 عن أعلام الدين.

4 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 96 : 136 / 69 عن أعلام الدين.

٢٧٥

وقالعليه‌السلام : « البيوت التي يخرج منها المعروف ، تضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض ».

وقالعليه‌السلام : « المعروف أزكى الزروع وأنما الفروع ، ولا يتم إلا بثلاث خصال : بتعجيله ، وتصغيره ، وستره ».

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم من رأف باُمتي ورحمهم ، فاعطف عليه وارحمه ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بذلاء أمتي لا يدخلون الجنة بكثرة صوم ولا صلاة ولكن برحمة الله ، وسلامة الصدور ، وسخاء النفوس ، والرحمة لجميع المسلمين ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ينبغي للمسلمين أن ينصح بعضهم بعضاً ، ويرحم بعضهم بعضاً ، فإنما هم كمثل العضو من الجسد ، إذا اشتكى تداعى الجسد بالسهر ».

ورأىعليه‌السلام أعرابياً يتكلم فطوّل ، فقال له : « كم دون لسانك من حجاب؟ » فقال : شفتاي وأسناني ، فقالعليه‌السلام : « فتثبت واقتصر ، فإنّ الله تعالى يكره الانبعاق(1) في الكلام ، فنظّر الله وجه امرئ أوجز في كلامه ، اقتصر على حاجته ».

وقال بعض العلماء لرجل رآه يكثر الكلام ويقل السكوت : إنما خلق الله تعالى لك اُذنين ولساناً واحداً ، ليكون ما تسمعه ضعفي ما تقوله.

وروي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج على أصحابه فقال : « ارتعوا في رياض الجنة « قالوا : يا رسول الله ، وما رياض الجنة؟ فقال : « مجالس الذكر ، اغدوا وروحوا واذكروا ».

من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله تعالى ، فلينظر كيف منزلة الله عنده ، فإنّ الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزل العبد الله من نفسه.

واعلموا أن خير أعمالكم عند مليككم أزكاها وأرفعها في درجاتكم ، وخيرما طلعت عليه الشمس ذكر الله سبحانه وتعالى ، فإنه أخبر عن نفسه فقال : أنا جليس من ذكرني.

__________________

1 ـ قال ابن منظور في لسان العرب ـ بعق ـ 10 : 22 : وفي الحديث : ان الله يكره الانبعاق في الكلام ، فرحم الله امرأ أوجز في كلامه ، أي التوسع فيه والتكثر منه.

٢٧٦

وقال سبحانه : أذكروني أذكركم بنعمتي ، اذكروني بالطاعة والعبادة ، أذكركم بالنعم والإحسان والرحمة والرضوان.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أحب الله تعالى عبداً نصب في قلبه نائحه من الحزن ، فإن الله تعالى يجب كل قلب حزين ، وإنه لا يدخل النار من بكى من خشية الله ، حتى يعود اللبن إلى الضرع ، وإنه يجتمع غبار في سبيل إلله ودخان جهنم في منخري مؤمن أبداً ، وإذا أبغض عبداً جعل ، في قلبه مزماراً من الضحك ، وإن الضحك يميت القلب ، والله لا يحب الفرحين ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن ملوك الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين(1) ، إذا استأذنوا لم يؤذن لهم ، وإن خطبوا لم ينكحوا ، وإذا قالوا لم ينصت لقولهم ، ولوقسم نور واحد منهم بين أهل الأرض لوسعهم ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اطلبوا المعروف والفضل من رحماء اُمتي تعيشوا في أكنافهم ، فالخلق كلهم عيال الله ، وإن أحبهم إليه أنفعهم لخلقه ، وأحسنهم صنيعاً إلى عياله ، وإن الخير كثير وقليل فاعله »(2) .

وقال ابن عباسرضي‌الله‌عنه : العاقل صديق كل أحد إلا من ضَرّه ، والجاهل عدو كل أحد حتى من نفعه ، فإذا سلم الناس منك فلا عليك ألاّ تسلم منهم ، فإنه قل من اجتمع هاتان النعمتان له.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إياكم والمعاذير ، فإنها مفاخر(3) ، ألا أدلكم على عمل يحبه الله ورسوله؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : التغابن للضعيف ، والرحمة له ، والتلطف به ، ومن همّ بأمر فلينظر في عاقبته فإن كان رشداً فليمضه ، وإن كان غياً فلينته عنه ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي سعيد الخدري : « لا تصحب إلا مؤمناً ، ولا تجالس إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، وإنّ فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام ».

__________________

1 ـ الطمر : الثوب الخلق « النهاية ـ طمر ـ 3 : 138 ».

2 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 96 : 160 عن أعلام الدين.

3 ـ كذا في الأصل.

٢٧٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سمعت رب العزة ـ سبحانه ـ يقول : من أحدث ولم يتوضاً فقد جفاني ، ومن أحدث وتوضاً ولم يصلّ ركعتين فقد جفاني ، ومن أحدث وتوضاً وصلّى ركعتين ودعاني لدينه ودنياه بما شاء ولم أجبه فقد جفوته ، ولست برب جاف ».

قالعليه‌السلام وآله : « إنه إذا كان آخر الليل يقول الله سبحانه وتعالى : هل من داع فأجيبه؟ هل من سائل فاُعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ »

وفي الانجيل : يا ابن آدم ، كما تَرحم فكذلك تُرحم ، فكيف ترجو أن يرحمك الله ، وأنت لا ترحم عباده؟

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن في الجنةِ منازل لاينالها العباد بأعمالهم ، ليس لها علاقة من فوقها ، ولا عماد من تحتها » قيل : يا رسول الله ، من أهلها؟ فقال : « أهل البلايا والهموم ».

وقال صلى الله عليه : « هبط إليّ جبرئيل في أحسن صورة فقال : يا محمد ، الحقّ يقرئك السلام ويقول لك : إنّي أوحيت إلى الدنيا أن تمرّدي وتكدّري وتضيقي وتشدّدي على أوليائي حتي يحبوا لقائي ، وتيسري وتسهّلي وتطييي لأعدائي حتى يبغض والقائي ، فإني جعلت الدنيا سجناً لأوليائي وجنّة لأعدائي ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن عظيم الجزاء يكافىء عظيم البلاء ، فإذا أحب الله عبداً ابتلاه بعظيم البلاء ، فإن رضي فله الرضى ، وإن سخط فعليه السخط ، وإنّ الله إذا أحب عبداً أتحفه بواحدة من ثلاث : امّا حمى أو رمد أوصداع ، وإن الله ليغذي عبده المؤمن بالبلاء ، كما تغذي الوالدة ولدها باللبن ، وإن البلاء إلى المؤمن أسرع من السيل إلى الوهاد(1) ، ومن ركض البراذين(2) ، وإنه إذا نزل بلاء من السماء بدأً بالأنبياء ، ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل ، وإنه سبحانه وتعالى يعطي الدنيا لمن يحب ويبغض ولايعطي الآخرة إلا أهل صفوته ومحبته ، وإنه يقول سبحانه وتعالى : ليحذرعبدي الذي يستبطئ رزقي أن أغضب فافتح عليه باباً من الدنيا ».

__________________

1 ـ الوهاد : جمع وهدة ، بالفتح فالسكون : المنخفض من الأرض « مجمع البحرين ـ وهد ـ 3 : 167 ».

2 ـ البرذون : الدابة ، وجمعه : براذين ، والبراذين من الخيل ما كان من غير نتاج العرب « لسان العرب ـ برذن ـ 51 : 13 ».

٢٧٨

وروي : إنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذا لم يكن له في العبد حاجة ، فتح عليه الدنيا.

وقال النبي صلى الله عليه : « قال الله تعالى : وعزتي وجلالي ، وعظمتي وارتفاعي ، لولا حيائي من عبدي المؤمن ، لما جعلت له خرقة ليواري بها جسده ، وإني إذا أكملت إيمانه ابتليته يفقر في ماله ، ومرض في بدنه ، فإن هو حرج(1) أضعفت عليه ، وإن هو صبر باهيت به ملائكتي ، وإني جعلت علياً علماً للايمان ، فن أحبه واتّبعه كان هادياً مهديّا ، ومن أبغضه وتركه كان ضالاً مضلاً ، وإنه لا يحبه إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضه إلامنافق شقي ».

وقال الصادقعليه‌السلام : « أربعة لم يخلُ منها الأنبياء ولا الأوصياء ولا أتباعهم : الفقر في المال ، والمرض في الجسم ، وكافر يطلب قتلهم ، ومنافق يقفو أثرهم ».

وقالعليه‌السلام لأصحابه : « لا تتمنوا المستحيل ، قالوا : ومن يتمنى المستحيل؟

فقال : أنتم ، ألستم تمنّون الراحة في الدنيا؟ قالوا : بلى فقال : الراحة للمؤمن في الدنيا مستحيلة ».

وقالعليه‌السلام : « إذا أحب الله تعالى عبداً ألهمه الطاعة ، وألزمه القناعة ، وفقَهه في الدين ، وقواه باليقين ، فاكتفى بالكفاف ، واكتسى بالعفاف ، وإذا أبغض الله عبداً حبب إليه المال ، وبسط له الآمال ، وألهمه دنياه ، ووكله إلى هواه ، فركب العناد ، وبسط الفساد ، وظلم العباد »(2) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إفزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه وأدعوه ، فإن الدعاء مخ العبادة ، وما من مؤمن يدعو الله بدعاء إلا استجاب له ، فأما أن يكون يعجّل له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر به عن ذنوبه بقدر ما دعا ، ما لم يدع بمأثم ».

وقالعليه‌السلام : « إن في الجنة باباً يقال له : الرّيان ، لا يدخل به إلا

__________________

1 ـ حرج : ضاق ، ولم يصبر. اُنظر « الصحاح ـ حرج ـ 1 : 305 ».

2 ـ نقله المجلسي في البحار 103 : 26 عن أعلام الدين.

٢٧٩

الصائمون ، فإذا دخل اخرهم اُغلق ذلك الباب »(1) .

وروي عن كعب الأحبار أنه قال : أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء : إن أردت لقائي غداً في حظيرة القدس ، فكن في الدنيا غريباً وحيداً محزوناً مستوحشاً ، كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض المقفرة ، ويأكل من رؤوس الأشجار المثمرة ، فإذا كان الليل أوى إلى وكره ـ ولم يكن مع الطيرـاستئناساً بربه ، واستيحاشاً من الناس.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، فقيل : يا رسول الله ، من الغرباء؟ فقال : النزاع(2) من القبائل ، وأناس صالحون قليل في ناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ».

وروى وهب بن منبه قال : أوحى الله سبحانه إلى داود : يا داود ، من أحبّ حبيباً صدّق قوله ، ومن أنس بحبيب رضي فعله ، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه ، ومن اشتاق إلى حبيب جدّ في السير إليه.

يا داود ، ذكري للذاكرين ، وجنتي للمطيعين ، وزيارتي للمشتاقين وأنا خاصة للمحبين.

وقال سبحانه : أهل طاعتي في ضيافتي ، وأهل شكري في زيارتي ، وأهل ذكري في نعمتي ، وأهل معصيتي لا اُؤيسهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن دعوا فأنا مجيبهم ، وإن مرضوا فأنا طبيبهم ، اُداويهم بالمحن والمصائب ، لاُطهّرهم من الذنوب والمعايب.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « على كل قلب خاتم من الشيطان ، فإذا ذكر اسم الله خنس وذاب ، وإذا ترك الذكر التقمه الشيطان فجذبه وأغواه ، فاستزّله واطغاه ».

وقال عيسىعليه‌السلام : تهاونوا بالدنيا تهن عليكم ، وأهينوها تكرم الآخرة إليكم ، ولا تكرّموا الدنيا فتهون الآخرة عليكم ، فليست الدنيا بأهل كرامة ، في كل يوم تدعو إلى فتنة وخسار ، وما الدنيا إلا كحلم المنام ، والمرء بين أيقاظ ونيام.

وقال الحسن البصري : أهينوا الدنيا ، فإنها أهنأ ما تكون لكم أهون ما تهون

__________________

1 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 96 : 256 / 37 عن أعلام إلدين.

2 ـ النُزاع : جمع نزيع وهو الغريب « الصحاح ـ نزع ـ 3 : 1289 ».

٢٨٠