أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين7%

أعلام الدين في صفات المؤمنين مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: كتب متنوعة
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: 531

أعلام الدين في صفات المؤمنين
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133210 / تحميل: 11004
الحجم الحجم الحجم
أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين

مؤلف:
ISBN: ٤-٥٥٠٣-٧٥-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فصل آخر في السؤال والبيان

إن سألك سائل فقال : ما أول نعمة الله تعالى عليك؟

فقل : خلقه إياي حيا لينفعني.

فإن قال : ولم زعمت أن خلقه إياكُ حياً أول النعم؟

فقل : لأنه خلقني لينفعني ، ولا طريق إلى نيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الإدراك.

فإن قال : ما النعمة؟

فقل : هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصداً لها.

فإن قال : فما المنفعة؟

قل : هي اللذة الحسنة ، أو ما يؤدي إليها.

فإن قال : لم اشترطت أن تكون اللذة حسنة به(١) ؟

فقل : لأن من اللذات ما يكون قاتلاً ، فلا يكون حسنا.

فإن قال : لم قلت : أو ما يؤدي إليها؟

فقل : لأن كثيراً من المنافع لا يتوصل إليها إلاّ بالمشاق ، كشرب الدواء الكريه ، والفصد ، ونحو ذلك من الاُمور المؤدية إلى السلامة واللذات ، فتكون. هذه المشاق منافع لما تؤدي إليه في عاقبة الحال.

ولذلك قلنا : إن التكليف نعمة حسنة ، لأن به ينال مستحق النعيم الدائم واللذات.

فإن قال : فما كمال نعم اللّه تعالى؟

فقل : إن نعمه تتجدد علينا في كل حال ، ولايستطاع لها الإحصاء.

فإن قال : فما تقولون في شكر المنعم؟

فقل : هو واجب.

فإن قال : فمن أين عرفت وجوبه؟

__________________

١ ـ ليست في المصدر ، والظاهر أنها زائدة.

٤١

فقل : من العقل وشهادته ، وأوضخ(١) حجته ودلالته ، ووجوب شكر المنعم على نعمته ، مما تتفق العقول عليه ولا تختلف فيه.

فإن قال : فما الشكر اللازم على النعمة؟

فقل : هو الاعتراف بها ، مع تعظيم منعمها.

فإن قال : فهل أحد من الخلق يكافىء نعم اللّه تعالى بشكر ، أو يوفي حقها بعمل؟

فقل : لايستطيع ذلك أحد من العباد ، من قبل أن الشيء إنما يكون كفواً لغيره ، إذا سد مسده ، وناب منابه ، وقابله في قدره ، وماثله في وزنه.

وقد علمنا أنه ليس من أفعال الخلق ما يسد مسد نعم اللّه عليهم ، لاستحالة الوصف للّه تعالى بالإنتفاع ، أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة.

وفساد مقال من زعم أن الخلق يحيطون علماً بغاية الانعام من اللّه تعالى عليهم والافضال ، فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب والاتمام.

فنعلم بهذا تقصير العباد عن مكافاة نعم اللّه تعالى عليهم ، ولو بذلوا في الشكر والطاعات غاية المستطاع ، وحصل ثوابهم في الاخرة تفضلاً من اللّه تعالى عليهم وإحساناً إليهم ، وإنما سميناه استحقاقاً في بعض الكلام ، لأنه وعد به على الطاعات ، وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده ، وإن لم يتنأول شرط الاستحقاق على الأعمال ، وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة ، إلاّ أبوالقاسم البلخي فإنه يوافق في هذا المقال ، وقد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار.

روى أبوعبيدة الحذاء عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قال الله تعالى : لايتكل العاملون على أعمالهم التي يعطونها لثوابي ، فإنهم لواجتهدوا واتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي ، كانوا مقصرين غير بالغين [ في عبادتهم كنه عبادتي ، فيما يطلبون ](٢) من كرامتي ، والنعيم في جناتي ، و(٣) رفيع الدرجات العلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا ، وفضلي فليرجوا ، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن

__________________

١ ـ في الكنز : وواضح.

٢ ـ ما بين المعقوفبن أثتناه من الكنز.

٣ ـ في الأصل : من ، وما أثبتناه من الكنز.

٤٢

رحمتي عند ذلك تدركهم ، وبمنّي ابلغهم رضوان [ ومغفرتي وألبسهم عفوي ](١) » وبعفوي اُدخلهم جنتي ، فإني أنا اللّه الرحمن الرحيم ، بذلك تسميت ».

وعن عطا بن يسار ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « يوقف العبد ، بين يدي اللّه ، فيقول لملائكته : قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله. فتستغرق النعم العمل ، فيقول : هبوا له النعم ، وقيسوا بين الخير والشر منه ، فإن استوى العملان أذهب اللّه الشر بالخير وأدخله الجنة ، وإن كان له فضل أعطاه اللّه بفضله ، وإن كان عليه فضل ـ وهو من أهل التقوى ، ولم يشرك باللّه تعالى ـ فهو من أهل المغفرة ، يغفر اللّه له برحمته إن(٢) شاء ويتفضل عليه بعفوه ».

وعن سعد(٣) بن خلف ، عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه قال له : « عليك بالجد والاجتهاد في طاعة اللّه ، ولا تخرج نفسك من حد التقصيرفي عبادة اللّه وطاعته ، فإن الله تعالى لايعبد حق عبادته ».

* * *

__________________

١ ـ أثبثناه من الكنز.

٢ ـ في الاصل : لمن وما اثبتناه من الكنز.

٣ ـ في الاصل : سعيد ، وما أثبتناه من الكنز ومعاجم الرجال هو الصواب ، فقد عده الشيخ فيرجاله من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، وقال : واقفي ، أُنظر « رجال الشيخ : ٣٥٠ رقم ٢ ، تنقيح المقال ٢ : ١٢ ، معجم رجال الحديث ٨ : ٥٠٢٥ / ٥٨ ».

٤٣

كتاب

( البرهان على ثبوت الايمان )

لأبي الصلاح التقي بن نجم بن عبيدالله الحلبي

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين ، وصلواته على خيرة النبيين محمد وآله الطاهرين وسلم وكرم.

أول فعل مقصود يجب على العاقل ، مما لايخلو منه عنك(١) كمال عقله ، من وجوب النظر المؤدي إلى المعرفة ، لأن الحي عند كمال عقله يجد عليه آثارَ نفع ، من كونه حياً سميعاً بصيراً عاقلا مميزاً قادراً متمكناً ، مدركاً للمدركات منتفعاً بها ، ويجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم.

ويعلم أنها إن كانت كذلك ، فهي أعظم نعمة لانغمار كل نعمة في جنبها ، ويجد في عقله وجوب شكر المنعم ، واستحقاق المدح على فعل الواجب والذم على الإخلال به ، ويجوز أن يستحق من موجده والمنعم عليه مع المدح ثواباَ ومع الذم عقاباً ، ويجد في عقله وجوب التحرز من الضرر اليسير وتحصيل النفع العظيم.

فتجب عليه معرفة من خلقه والنفع له ، ليعلم قصده فيشكره ان كان منعماً ، ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في آثارصنعته لوقوعها بحسبها ، ولوكانت لها سبب غيره ، لجاز حصول جميعها لمن لم ينظر وانتفاؤها عن الناظر ، فوجب فعله لوجوب ما لايتم الواجب إلا به.

والواجب من المعرفة شيئان : توحيد وعدل ، وللتوحيد إثبات ونفي.

فالاثبات : اثبات صانع للعالم ـ سبحانه ـ قادر ، عالم ، حي ، قديم ، مدرك ، مريد.

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : عند.

٤٤

والنفي : نفي صفة زائدة على هذه الصفات ، ونفي التشبيه ، ونفي ألادراك عنه ـ تعالى ـ بشيء من الحواس ، ونفي الحاجة ، ونفي قديم ثان شارك في استحقاق هذهالصفات.

والعدل : تنزيه أفعاله عن القبيح ، والحكم لها بالحسن.

* * *

٤٥

فصل

« في الكلام في التوحيد »

طريق العلم باثبات الصانع ـ سبحانه ـ أن يعلم الناظر : أن هاهنا حوادث يستحيل حدوثها عن غير محدث.

وجهة ذلك : أن يعلم نفسه وغيره من الأجسام ، متحركاً ساكناً ، ثم مجتمعاً مفترقآَ ، أوضحه ذلك.

فيعلم بتغاير هذه الصفات على الأجسام ، أنها أعيان لها ، لأنها لو كانت صفات لذواتها ، لم يجز تغيرها.

ويعلم بتجددها عن عدم ، وبطلانها عن وجود ، أنها محدثة ، لاستحالة الإنتقال عليها ، من حيث لم تقم بأنفسها ، والكمون المعقول راجع به إلى الانتقال.

فإذا علم استحالة ذلك على هذه الصفات ، علم أن المتجدد منها إنما يجدد عن عدم ، وهذه حقيقة المحدث والمنتفي ، وأن ما انتفى عن الوجود والعدم يستحيل على القديم لوجوب وجوده ، وما ليس بقديم محدث.

فإذا علم حدوث هذه المعاني المغايرة للجسم ، وعلم أنه لابد في الوجود من مكان يختصه مجأوراً لغيره أو مبايناً ، وقتا واحداً أو وقتين ، لابثا فيه أو منتقلاً عنه ـ وقدتقدم له العلم : انه إنما كان كذلك لمعان غيره محدثة علم أنه محدث ، لأنه لو كان قديماً لوجب أن يكون سابقا للحوادث بما لانهاية له.

فإذا علم أنه لاينفك من الحوادث ، علم كونه محدثا ، لعلمه ضرورة بحدوث مالم يسبق المحدث ، ولأنه إذا فكرفي نفسه ـ وغيرها ـ فوجدها كانت نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظماً ، ثم جنيناً ، ثم حيا ، ثم طفلاً ، ثم يافعا ، ثم صبيا ، ثم غلاما ، ثم بالغاً ، ثمشاباً قوياً ، ثم شيخاً ضعيفاً ، ثم ميتاَ.

وأنه لم يكن كذلك إلا بتجدد معان فيه : حرارات ، وبرودات ، ورطوبات ، ويبوسات ، وطعوم ، وألوان ، وأراييح مخصوصة ، وقدر ، وعلوم ، وحياة.

وعلم بطلان كل صفة من هذه الاغيار بعد وجود ، وتجددها عن عدم ، والجواهر التي تركب منها الجسم باقية ، علم أنها صفات مغايرة لها وأنها محدثه ، لاستحالة الكون

٤٦

والانتقال عليها بما قدمناه.

وإذا علم حدوث جواهره ـ وغيره من الجواهر ـ بالاعتبار الأول ، وصفاته بهذه وصفات غيره بالاعتبار الثاني ، ولأنها لا تنفك من المحل المحدث.

وعلم أن في الشاهد حوادث ـ كالبناء والكتابة ـ وأن لها كاتباً وبانياً ، هو من وقعت منه بحسب غيرها ، وانما ذلك مختص بما يجوز حصوله وانتفاؤه ، فلا يحصل إلا بمقتض.

فأما ما وجب فمستغن بوجوبه عن مؤثر منفصل عن الذات ، كتحيز الجوهر ، وحكم السواد.

ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات ، لوجوب الوجود له تعالى في حق كونه قديماً لنفسه ، يجب له وجوده تعالى في كل حال ، وكونها صفات نفسه يجب ثبوتها للموصوف ويستحيل خروجه عنها كل ما وجد ، لكون المقتضي ثانيا(١) وهو النفس ، واستحالة حصول المقتضي وانتفاء مقتضاه.

وبعلمه سبحانه مدركاً إذا وجدت المدركات ، لكونه تعالى يستحيل فيه الآفات والموانع ، بدليل حصول هذا الحكم لكل حي لا آفة به متى وجد المدرك ، وارتفعت الموانع.

وبعلمه سبحانه مريداً لوقوع أفعاله على وجه دون وجه وفي حال دون اخرى ، وذلك مفتقر إلى أمر زائد على كون الحي قادراً عالما ، لكونه صفة للفعل زائدة على مجرد الحدوث والاحكام ، وارادته فعله إذ كونه مريداً لنفسه ، أو معنى قديم يقتضي قدم المرادات ، أو كونه عازما ، وكلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه.

والمحدَث لا يقدرعلى فعل الإرادة في غيره ، وقديم ثان نرد(٢) برهان نفيه ، فثبت سبحانه مريداً بإرادة يفعلها إلا(٣) في محل لاستحالة حلولها فيه أو في غيره ، ولا صفة له سبحانه زائدة على ما علمناه ، لأنه لاحكم لهما ولا برهان بثبوتهما ، واثبات مالا حكم له ولا برهان عليه مفض إلى الجهالات.

وبعلمه سبحانه لايشبه شيئاَ من الأجسام والاعراض ، لقدمه تعالى وحدوث

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : ثابتاً.

٢ ـ كذا ، ولعل الصواب : مرّ.

٣ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : لا.

٤٧

هذه الأجناس ، لتعذر هذه الأجناس على غيره.

وإذا علمه تعالى فكذلك علم استحالة ادراكه بشيء من الحواس ، لأن الادراك المعقول مختص بالمحدثات.

وعلم كذلك استحالة الاختصاص بالجهات والنقل فيها والمجاوزة والحلول وايجاب الاحكام والاحوال عليه سبحانه ، لكون ذلك من صفات الأجسام والأعراض المباينة له تعالى.

وبعلمه(١) عنها يستحيل عليه الحاجة لاختصاصها باجتلاب النفع ودفع الضرر واختصاص النفع والضر بمن يصح أن يألم ويكد(٢) ، واختصاص اللذة والألم بذي شهوة ونفار ، وكونهما معنيين يفتقران إلى فعل ، وذلك لايجوز عليه لحدوث المحل وقدومه(٣) سبحانه ، ولخلو الفعل من دليل على اثباته مسهيا(٤) أو نافراً.

وإذا علم تخصصه تعالى بهذه الصفات من سائر الموجودات ، علمه(٥) تعالى واحدا ، لانهما لوكانا اثنين لوجب اشتراكهما في جميع الصفات الواجبة والجائزة ، وذلك يوجب كون مقدورهما ومرادهما واحداً ، مع حصول العلم الضروري بصحة إرادة أحد المتحيزين ما يكره الاخر أو لا يريده ولا يكرهه ، وقيام البرهان على استحالة تعلق مقدور واحد بقادرين ، وتقديرقديم ثان يقتضي نقض هذا المعلوم.

فثبت أنه تعالى واحدا لا ثاني له ، ولانه لا دليل من جهة العقل على إثبات ثان ، وقد ورد السمع المقطوع بإضافته إليه سبحانه بنفي قديم ثان ، فوجب له القطع على كونه واحد.

* * *

__________________

١ ـ كذا ، ولعل الصواب : وبغناه.

٢ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : ويلذ.

٣ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : وقدمه.

٤ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : مشتهياً.

٥ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : علم.

٤٨

 « فصل في مسائل العدل »

ثبوت ما بيناه من كونه تعالى عالماً لايصح أن يجهل شيئاً ، غنياً لا يصح أن يحتاج إلى شيء ، يقتضي كونه سبحانه عادلاً لايخل بواجب في حكمته سبحانه ولا يفعل قبيحاً ، لقبح ذلك وتعذر وقوع القبيح من العالم به وبالغني(١) عنه ، وذلك فرع لكونه قادراً على القبيح.

وكونه تعالى قادرا لنفسه ، يقتضي كونه قادرا على الحسن ، يقتضي كونه قادرا على القييح ، اذ كان الحسن من جنس القبيح ، وذلك مانع من كونه مريدا للقبيح ، لأناقد بينا أنه لا يكون مريداً إلا بإرادة يفعلها ، وإرادة القبيح قبيحة ، لأن كل من علم مريداً للقبيح علم قبح إرادته واستحقاقه الذم ، ومقتض لكونه مريدا لما فعله ـ تعالى ـ وكلَّفه ، لاستحالة فعله مالا غرض فيه ، وتكليفه مالا يريده ، وكارهاَ للقبيح لكونه غيرمريد له (وفساد حلوما كلفه)(٢) ، واحسانه من الارادة والكرامة ، لأن ذلك يلحقه بالمباح ، وموجب لكون المكلف قادراً على ما كلفه ـ فعلاً وتركاً ـ من متماثل الأجناس ومختلفها ومضادها قبل وقوع ذلك ، ومزيح لعلته بالتمكين من ذلك والعلم به واللطف فيه ، ومقتض لحسن أفعاله وتكاليفه ، لأن خلاف ذلك ينقض كونه عادلاً وقد أثبتناه.

ولا يعلم كون كل مكلم(٣) قادراً لصحة الفعل منه ، ومتعلقا بالمتماثل والمختلف والمتضاد ، لصحة وقوع ذلك من كل قادر.

وفاعلاً لوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة به من الكتابة والبناء وغيرهما بحسب أحواله ، ولتوجيه المدح إليه على حسنها والذم على قبحها ، وثبوت القادر على الفعل قبل وقوعه ، لثبوت حاجة المقدور في حال عدمه إلى حال القادر ، واستغنائه في حال وجوده عنها كحال بقائه ، ومتمكناً بالايات(٤) من جميع ما يفتقر إليها ، وبكمال العقل من العلم بذوات الأشياء واحكامها ، وبالنظر من العلوم المكتسبة ، بدليل حصول الأول

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : والغني.

٢ ـ كذا في الأصل.

٣ ـ كذا ، ولعل الصواب : مكلف.

٤ ـ كذا ، ولعل الصواب : بالآلات.

٤٩

لكل عاقل ، والثاني لكل ناظر ، ووجوب اصطلاح المريد من غيره ما يعلم أو يظن كونه مؤثراً في اختياره ، ولوجوب تمكينه.

وعلمنا بأنّه تعالى لايخل بواجب في حكمته ، وظهور الغرض الحكمي في أكثرها أوجده سبحانه على جهة التفضل ، وثبوت ذلك على الجملة فيما لايظهر لنا تفصيل المراد به كأفعال سائر الحكماء.

وحسن التكليف لكونه تعريضا لما لايوصل إليه إلا به من الثواب.

وكون التعريض للشيء في حكم ايصاله من حسن وقبح ، لأنه لا حسبة له بحسن التكليف غيره ، وعلمه سبحانه بكفر المكلف أو فسقه لا يقتضي قبح تكليفه ، لكونه تعالى مزيحاً لعلته ومحسنا إليه كإحسانه إلى من علم من حاله انه يؤمن ، اُتي من قبل نفسه فالتبعة عليه دون مكلفه سبحانه.

وحسن جميع ما فعله تعالى من الالام أو فعل بأمره أو إباحته ، لما فيه من الاعتبار المخرج له من العيب ، والعوض الزائد المخرج له عن قبيل الظلم والاساءة ، إلى حيز العدل والاحسان.

ووجوب الانتصاف للمظلوم من الظالم ، لوقوع الظلم عن تمكينه تعالى ، وانكان كارها له تعالى.

ووجوب الرئاسة ، لكون المكلف عندها أقرب من الصلاح ، وأبعد من الفساد.

ووجوب ماله هذه الصفة لكونه لطفاً ، ووقوف هذا اللطف على رئيس لا رئيس له ، لفساد القول بوجود ما لا نهاية له من الرؤساء ، ومنع الواجب في حكمته تعالى.

ولا يكون كذلك إلاّ بكونه معصوما ، كون الرئيس أفضل الرعية وأعلمها لكونه إماما لها في ذلك ، وقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه فيه.

ووجوب نصبه بالمعجزات والنص المشير.(١) إليه ، لوجوب كونه على صفات لا سبيل إليها إلاّ ببيان علام الغيوب سبحانه.

وهذه الرئاسة قد تكون نبوة ، وقد تكون إمامة ليست بنبوة.

فالنبي هو المؤدي عن اللّه سبحانه بغير واسطة من البشر ، والغرض في تعينه بيان

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : المشير.

٥٠

المصالح من المفاسد.

والدلالة على حسن البعثة لذلك قيام البرهان على وجوب بيان المصالح والمفاسد للمكلّف في حق المكلّف ، فلا بد متى علم سبحانه ماله هذه الصفة من بعثه مبيناً له ، ولابد من الموت(١) المبعوث معصوماً فيما يرد به من حيث كان الغرض في تعينه ليعلم المكلف المصالح والمفاسد من جهته ، فلو جاز عليه الخطأ فيما يؤديه لارتفعت الثقة بادائه ، وقبح العمل بأوامره واجتناب نواهيه.

ولابد من كونه معصوماً من القبائح ، لوجوب تعظيمه على الإطلاق وقبح ذمه ، والحكم بكفر المستخف خيط به مع وجوب ذم فاعل القبيح.

ولا يعلم صدقه إلا بالعجز ، ويفتقر إلى شروط ثلا ثة :

أولها : أن يكون خارقاً للعادة ، لأنه إن كان معتاداً ـ وإن تعذر جنسه ـ كخلق الولد عند الوطء ، وطلوع الشمس من المشرق ، والمطر في زمان مخصوص ، لم يقف على مدع من مدع.

وطريق العلم بكونه خارقاً للعادة ، اعتبار حكمها وما يقع فيها ويميزه من ذلك على وجه لا لبس فيه ، أو بحصول تحد وتوفر دواعي المتحدي وخلوصا(٢) وتعذر معارضته.

وثانيها : أن يكون من فعله تعالى ، لأن من عداه سبحانه يصح منه ايثار القبيح فلا يؤمن منه تصديق الكذاب ، وطريق العلم بكونه من فعله تعالى ، أن يكون متعدد الجنس كالجواهر والحياة وغيرهما من الأجناس الخارجة من مقدور المحدثين ، أو يقع بعض الاجناس المختصة بالعباد على وجه لايمكن إضافته إلا إليه سبحانه.

ثالثها : أن يكون مطابقاً للدعوى ، لأنه إن كان منفصلاً عنها لم يكن مدع أولى به من مدع ، وطريق ذلك المشاهدة أو خبرالصادق.

فتمى تكاملت هذه الشروط ثبت كونه معجزا ، إذ (لاصدق من)(٣) اقترن ظهوره بدعواه لأنه جار مجرى قوله تعالى : صدق هذا عليَّ فيما يؤديه عني ، وهو تعالى لايصدق الكذابين.

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : كون.

٢ ـ كذا ، ولعل الصواب : وخلوصه.

٣ ـ كذا ، ولعل الصواب : لا أصدَقَ ممّن.

٥١

فإذا علم صدقه بالمعجز ، وجب اتباعه فيما يدعو إليه ، والقطع على كونه مصلحة ، وينهى(١) عنه والقطع بكونه مفسدة.

ولا طريق إلى نبوة أحد من الانبياءعليهم‌السلام الان ، إلا من جهة نبينا صلوات اللّه عليه وآله ، لانسداد طريق التواتر بشيء من معجزاتهم بنقل من عدا المسلمين لفقد العلم باتصال الأزمنة مشتملة على متواترين فيها بشيءٍ من المعجزات ، وتعذر تعين الناقلين لها.

وطريق العلم بنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القران وما عداه من الايات ، ووجه الاستدلال به ، أنه تحداهم به على وجه لم يبق لهم صارف عن معارضته ، فتعذرت على وجه لايمكن اسناده إلى غير عجزهم ، اما لأنه في نفسه معجز ، أو لأن اللّه سبحانه صرفهم عن معارضته ، اذ كل واحد من الأمرين دال على صدقه.

وقد تضمن القران ذكر أنبياء على جهة التفصيل والجملة ، فيجب لذلك ألتدين بنبوتهم ، وكونهم على الصفات التي يجب كون النبي عليها.

وان رسول اللّه صلوات اللّه عليه أفضلهم وخاتمهم والناسخ لشرائعهم ، بشريعة يجب العلم والعمل بها إلى يوم القيامة.

والامام هو الرئيس المتقدم المقتدى بقوله وفعله والغرض في نصبه فيه من اللطف للرعية في تكاليفهم العقلية ، ويجوز أن يكون نائبا عن نبي أو إمام في تبليغ شريعة.

ومتى كان كذلك فلابد من كونه عالما بجميعها ، لقبح تكليفه الاداء وتكليف الرجوع إليه ، مع فقد العلم بما يؤديه ويرجع إليه فيه.

ويجب أن يكون معصوما في ادائه ، لكونه قدوة ، ولتسكن النفوس إليه ، لتسلم بعظمة الواجب خلوصه من الإستخفاف.

ويجب أن يكون عابدا زاهداً لكونه قدوة فيهما ، وإن كان مكلفاً [ ب ](٢) جهاد أوجب كونه أشجع الرعية لكونه فئة لهم.

ويجوز من طريق العقل أن يبعث اللّه سبحانه إلى كل واحد من المكلفين نبياً وينصب له رئيساً ويكون ذلك في الأزمنة ، وإنما ارتفع هذا ألجائز في شريعتنا ، بحصول

__________________

١ ـ لعل الصواب : وفيما ينهى.

٢ ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

٥٢

العلم من دين نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن لا نيي بعده ، ولا إمام في الزمان الا واحد.

ووضح البرهان على تخصيص الإمامة بعده بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن صلوات اللّه عليهم.

لا إمامة لسواهم ، بدليل وجوب العصمة للأمام فيما يؤديه ومن(١) سائر الصالح(٢) ، وكونه أعلم الخلق وأعظمهم وأعدلهم وأزهدهم وأشجعهم ، وتعدى(٣) من عاداهم من منتحلي الإمامة من تكامل هذه الصفات دعوى ، وتخصصهمعليهم‌السلام وشيعتهم بدعواها لهم ، في ثبوت النص من الكتاب والسنة المعلومة على إمامتهم ، وتعريهما [ عن ](٤) ذلك فيمن عداهم حسب ما ذكرناه في غير موضع ، وذلك مقتض لضلال المتقدم عليهم ، وكفر الشاك في إمامة واحد منهم.

وغيبة الحجةعليه‌السلام ليست بقادحة في إمامته ، لثبوتها بالبراهين التيلا شبهة فيها على متأمل ، وامان المكلف من خطأ به في ظهور فاستتار وغيرهما لعصمته.

ويلزم العلم بجملة الشريعة فعلاً وتركاً لكون ذلك جملة الايمان ، والعلم بتفصيل ما تعين فرضه منها وايقاعه للوجه الذي شرع على جهة القربة ، لكون ذلك شرطاً في صحته ، وبراءة الذمة منه ، واستحقاق الثواب عليه.

وهي على ضروب أربعة : فرائض ، ونوافل ، ومحرمات ، وأحكام.

فجهة وجوب الفرائض كون فعلها لطفاً في فعل الواجب العقلي. وترك القبيح ، وقبح تركها لأنه ترك الواجب.

وجهة الترغيب في السنن ، كونها لطفا في المندوب العقلي ولم يقبح تركها ، وكما لا يقبح ترك ماهي لطف فيه.

وجهه قبح المحرمات ، كونها مفسدة في ترك الواجب وفعل القبيح ، ووجب تركها لأنه ترك القبيح.

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : من.

٢ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : المصالح.

٣ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : وتعرّي.

٤ ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

٥٣

وجهة الأحكام ، ليعلم مكلفها الوجه الذي عليه يصح التصرف مما لايصبح.

فوضح ذلك علمنا ضرورة من حال فاعل العبادات الشرعية ومجتنب المحرمات كونه أقرب لنا ، للأنصاف والصدق وشكر النعمة وردّ الوديعة وسائر الواجبات ، والبعد من الظلم والكذب وسائر القبائح.

ومن حال فاعل المحرمات الشرعيات والمخل بالعبادات ، كونه أقرب [ من ](١) القبيح العقلي وابعد من الواجب.

ولا شبهة أن من بلي بالتجارة فلم يعلم أحكام البيوع ، لم يكن على يقين منصحة التملك.

وكذلك من بلي بالإرث مع جهله بأحكام المواريث ، لايكون على ثقة مما يأخذ ويترك.

وكذلك يجري الحال في سائر الأحكام ، وقد استوفينا الكلام في هذا القدح في مقدمة كتاب(٢) « العمدة » و « التلخيص » في الفروع ، وفي كتابي « الكافي في التكليف » وفيما ذكرناه هاهنا بلغة ..

ولا طريق إلى اثبات الأحكام الشرعية والعمل بها إلا العلم دون الظن ، لكون التعبد بالشرائع مبنياً على المصالح التي لايوصل إليها بالظن ، ولا سبيل إلى العمل بجملتها إلا من جهة الأئمة المنصوبين لحفظها ، المعصومين في القيام بها ، المأمونين في ادائها ، لحصول العلم بذلك من دينهم لكل مخالط ، وارتفاع الخوف من كذبهم لثبوت عصمتهمعليهم‌السلام .

ولابد في هذه التكليف من داع وصارف ، وذلك مختص بالمستحق عليه من المدح والثواب والذم والعقاب والشكر.

فالمدح : هو القول المنبىء عن عظم حال الممدوح ، وهو مستحق بفعل الواجب والمندوب واجتناب القبيح.

والثواب : هوالنفع المستحق الواقع على جهة التعظيم والتبجيل ، وهو مستحق من الوجوه الثلاثة بشرط المشقة.

__________________

١ ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

٢ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : كتابي.

٥٤

والذم : هوالقول المنبئ عن إيضاح حال المذموم ، وهو مستحق بفعل القبيح والإخلال بالواجب.

والعقاب : هوالضرب المستحق من الوجهين بشرط زائد.

والشكر : هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ، وهومستحق بالإحسان خاصة.

والوجه في حسن التكليف ، كونه تعريضاً للثواب الذي من حقه ألا يحسن الابتداء به من دون العلم باستحقاق العقاب ودوامه.

وانما يعلم ان الثواب دائم والعقاب مستحق ودائم بالكفر ، ومنقطع بما دونه ، من جهة السمع.

والمستحق من الثواب ثابت لا يزيله شيء ، لأنه حق واجب في حكمته سبحانه ، لايجوز فيها منعه ، (والا سقوط بندم او زائد)(١) عقائد ، لاستحالة ذلك ، لعدم التنافي بين الثواب وبينهما لعدم الجميع ، وإحالة التنافي بين المعدومات.

وعقاب الفسق يجوز اسقاطه تفضلاً بعفو مبتدأ وعند الشفاعة لجوازه ، وعند التوبة لأنه حق له تعالى إليه قبضه واستيفاؤه ، واسقاطه إحسان إلى المعفو عنه.

وقد ورد الشرع مؤكداً لاحكام العقول ، فمن ذلك تمدحه سبحانه في غير موضع من كتابه بالعفو والغفران ، المختصين باسقاط المستحق في اللغة والشرع.

ولا وجه لهذا التمدح إلا بوجهه(٢) إلى فساق أهل الصلاة ، بخروج(٣) المؤمنين الذين لا ذنب لهم والكفار عنه باتفاق ، اذ لا ذنب لأولئك يغفر ، والعفو عن هؤلاء غير جائز.

ولأن ثواب المطيع دائم ، فمنع من دوام عقاب ما ليس بكفر ، لإجماع الاُمة على أنه لا يجتمع ثواب دائم وعقاب دائم لمكلف ، وفساد التخالط بين المستحقين مما(٤) بيناه.

ولا أحد قال بذلك ، إلا جوز سقوط عقاب العاصي بالعفو ، أو الشفاعة المجمع

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ كذا ، ولعل الصواب : توجهه.

٣ ـ كذا ، ولعل الصواب : لخروج.

٤ ـ كذا ، والظا هر أن الصواب : بما.

٥٥

عليها ، ويخصصها بإسقاط العقاب ، ولا يقدح في ذلك خلاف المعتزلة ، لحدوثه بعد انعقاد الاجماع بخلافه.

وآيات الوعيد كلها وآيات الوعيد(١) مشترطة بالعفو ومخصصة بآيات العفو وعموم آيات الوعد ، ولثبوت ثواب المطيع وفساد التخالط ، وكون ذلك موجب التخصيصها بالكفار ان كان وعيدها دواماً أو كون عقابها منقطعا إن كان عاماً ، من حيث كان القول بعمومها للعصاة ودوام عقابها ينافي ماسلف من الأدلة.

والمؤمن : هو المصدق بجملة المعارف عن برهانها ، حسب ما خاطب به من لسان العرب ، المعلوم كون الايمان ـ فيه ـ تصديقا ، والكفر اسم لمن جحد المعارف أو شكفيها أو اعتقدها عن تقليد أو نظر لغير وجهه.

والفسق إسم لمن فعل قبيحا ، أو أخل بواجب من جهة العقل أو السمع ، لكونه خارجاً بذلك عن طاعة مكلفه سبحانه.

والفاسق في اللغة : هوالخارج ، [ و ](٢) في عرف الشريعة هوالخارج عن طاعته سبحانه.

ومن جمع بين إيمان وفسق ، مؤمن على الاطلاق فاسق بما اتاه من القبيح ، لثبوت كل واحد منهما ، ومن ثبت إيمانه لا يجوزأن يكفر « لدوام ثواب الإيمان وعقاب الكفر وفساد اجتماعهما لمكلف واحد ، وثبوت المستحق منهما وعدم سقوطه بندم أوتحابط.

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) (٣) مختص بمن أظهر الايمان أو اعتقده لغيروجهه ، دون من ثبت إيمانه ، كقوله تعالى :( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) (٤) يعني مظاهرة(٥) للإيمان باتفاق ، ومدح المقطوع على إيمانه مطلق مقطوع بالثواب ، والمظهر مشترط بكون الباطن مطابقاً للظاهر واقعا موقعه.

وذم الكافر ولعنه مطلق ، مقطوع له بالعقاب الدائم.

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : الوعد.

٢ ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

٣ ـ النساء ٤ : ١٣٧.

٤ ـ النساء ٤ : ٩٢.

٥ ـ كذا ، والظاهر انّ الصواب : مظهرة.

٥٦

وذم الفاسق مشترط الا بعفا(١) عن مستحقه ابتداءاً أو عند شفاعة ، وإذا ظهر كفر ممن كان على الإيمان ، وجب الحكم على ما مضى منه على المظاهرة (به النفاق)(٢) ، أو كونه حاصلاً عن تقليد ، أو عن نظر لغير وجهه ، لما بيناه من الأدلة الموجبة لذلك.

ولابد من انقطاع التكليف ، والا انتقض الغرض المجرى به إليه من التعريض للثواب ، ولا يعلم بالعقل كيفية انقطاعه وحال(٣) أيضاً أو جنسه وكيفية فعله ، وإنمايعلم ذلك بالسمع.

وقد حصل العلم من دينه صلى اللّه عليه ضرورةً ، ونطق القران بأن اللّه تعالى آخر بعد فناء كل شيء ، كما كان أولاً قبل وجود شيء ، حسب ما أخبرسبحانه من قوله :( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (٤) ينشؤهم بعد ذلكُ ويحشرهم ليوم لا ريب فيه ، مستحق الثواب خالصاً والعقاب الدائم ، ليوصل كلاً منهما إلى مستحقه على الوجه الذي نص عليه تعالى ، ومن اجتمع له الاستحقاقان فإن(٥) يستوفي منه سبحانه ما يستحقه من العقاب ، أو يعفو عنه ابتداءاً ، أو عند شفاعة ، ثم يوصله إلى ثواب إيمانه وطاعاته الدائم والمولم(٦) به تعالى أو بغيره ، ليوصله إلى ما يستحقه من العوض عليه تعالى أوعلى غيره ، ثم يدخله الجنة إنكان من أهلها أو النار ، أو يبقيه ، أو يحرمه إن كان ممن لا يستحقها من البهائم والأطفال والمجانين ومن لا يستحق العوض ، ليتفضل عليه.

وهذا ـ اجمع ـ جائز من طريق العقل لتعلقه بمبتدئهم تعالى ، والنشأة الثانية أهون من الأولى ، وهي واجبة لما بيناه من وجوب ايصال كل مستحق إلى مستحقه من ثواب أو عقاب أو عوض.

ولا تكليف على أهل الآخرة باجماع ، ولأن العلم بحضور المستحق من الثواب والعقاب وفعله عقيب الطاعة والمعصية ملج ، والالجاء ينافي التكليف ، وأهل الآخرة

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر ان الصواب : باعفاء.

٢ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : بالنفاق.

٣ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : وحاله.

٤ ـ الحد يد ٥٧ : ٣.

٥ ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : فإنه.

٦ ـ كذا.

٥٧

عالمون باللّه تعالى ضرورةً ، ليعلم المثاب والمعاقب والمعوض وصوله إلى ما يستحقه على وجهه ، ويعلم المتفضل عليه كون ذلك النفع نعمة له تعالى.

وقلنا أن هذه المعرفة ضرورية ، لأنا قد بينا سقوط تكليف أهل الآخرة ، فلم يبق مع وجوب كونهم عارفين إلا كون المعرفة ضرورية.

هذه جمل يقتضي كون العارف بها موقناً مستحقا للثواب الدائم وايصاله ، إليه ، ومرجوله العفو عما عداهما من الجوائر(١) . ويوجب كفر من جهلها ، أوشيئاً منها ، أوشك فيها ، أو اعتقدها عن غير علم ، أو شيئاً منها ، أو لغير وجهها ، قد قربناها بغاية وسعنا ، من غير اخلال بشيء يؤثر جهله في ثبوت الايمان لمحصلها ، وإلى اللّه سبحانه الرغبة في توفير حظنا ـ ومن تأملها أو عمل بها ـ من ثوابه وجزيل عفوه ، بجوده وكرمه انه قريب مجيب. تم الكتاب.

* * *

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر ان الصواب : الجرائر.

٥٨

ومن خطبة له في التوحيد(١)

ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقتَهُ أصاب من مثّله ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولاصمده من أشارإليه وتوهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، فاعل لا باضطراب آلةٍ ، مقدر لابجول فكرة ، غنيْ لا باستفادة ، لم لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء ازله ، بتشعيره المشاعر عرف ألاّ مشعرله ، وبمضادته بين الاُمور عرف ألا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف الاّقرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهيمة ، والجمود بالبلل ، والحرور بالصرد ، مؤلفبين متعادياتها ، مقارن(٢) بين متبايناتها ، مقرب بين متباعداتها ، مفرق بين متدانياتها ، لا يُشمل(٣) بحد ، ولايحسب بعد ، وأنما تحد الادوات أنفسها ، وتشير الآلات(٤) إلى نظائرها ، منعتها (منذ) القدمية ، وحمتها (قد) الأزلية ، وجنبتها (لولا) التكملة ، [ بها ](٥) تجلى صانعها للعقول ، و(٦) بها امتنع عن نظر العيون ، لايجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه؟ ويعود فيه ما هو ابداه؟ ويحدث فيه ما هو أحدثه؟ إذاً لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من إلأزل معناه ، لو كان له وراء لوجد له امام ، ولا لتمس التمام اذ لزمه النقصان ، وإذاً لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً [ عليه ](٧) ، وخرج بسلطان إلامتناع من أن يؤثر [ فيه ما يؤثر ](٨) في غيره ، الذي لايحول(٩) ولا يزول ، ولا يجوزعليه الافوال ، لم يلدفيكون مولوداً ، ولم يولد فيكون(١٠) محدوداً ، جل عن اتخاذ الأبناء ، وطهرعن ملامسة النساء.

__________________

١ ـ رواها الشريف الرضي في نهح البلاغة ٢ : ١٤٢ / ١٨١ ، وقال : وتجمع هذه الخطبة من أصولالعلم مالا تجمعه خطبة غيرها.

٢ ـ في الأصل : مقارب ، وما أثبتناه من النهج.

٣ ـ في الأصل : لايشتمل ، وما أثبتناه من النهج.

٤ ـ في النهج : الالة.

٥ ـ أثبتناه من النهج.

٦ ـ في الأصل : في ، وما أثبتناه من النهج.

٧ ـ ٨ ـ أثبتناه من النهج.

٩ ـ في الأصل : لايحرك ، وما أثبتناه من النهج.

١٠ ـ في النهج : فيصير.

٥٩

لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، لايتغير بحال ، ولا يتبدل بالأحوال(١) ، لاتبليه الليالي والأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الاجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والابعاض.

ولا يقال له حد(٢) ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا ان الأشياء تحويه فتقله أوتهويه ، أو ان شيئاً يحمله فيميله أو يعدله ، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج ، يخبر بلا لسان ولهوات ، ويسمع بلا خروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة.

يقول لما(٣) أراد كونه كن فيكون ، لابصوت يقرع ، ولانداء(٤) يسمع ، وإنما كلامه(٥) فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولوكان قديما لكان إلهاً ثانيأ لايقال كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل [ ولا له عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدىء والبديع ](٦) .

خلق الخلائق على غير(٧) مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه.

وأنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غيرقرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلميهن ما بناه ، ولا ضعف ماقواه ، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالي [ على ](٨) كل شيء منها بجلاله وعزته ، لا يعجزه شيء منها يطلبه(٩) ،

__________________

١ ـ في الأصل ، : من الأحوال ، وما أثبتناه من النهج.

٢ ـ في الأصل : عد ، وما أثبتناه من النهج.

٣ ـ في النهج : لمن.

٤ ـ في النهج : ولا بنداء.

٥ ـ في النهج زيادة : سبحانه.

٦ ـ أثبتناه من النهج.

٧ ـ في الأصل : خير ، وما أثبتناه من النهج.

٨ ـ أثبتناه من النهج.

٩ ـ في النهج : طلبه.

٦٠

ولا يمتنع عليه فيغلبه ، ولا يفوته السريع منها فيسبقه ، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه ، خضعت الأشياء له فذلت(1) مستكينة لعظمته ، لاتستطيع الهرب من سلطانه إلى غيرهفتمتنع من نفعه وضره ، ولا كفؤله فيكافئه ، ولانظيرله(2) فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها ، حتى يصيرموجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها ، بأعجب من إنشائها واختراعها ، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها ، وما كان من مراحها(3) وسائمها ، وأصناف أسناخها وأجناسها ، ومتبلدة اممهاو اكياسها ، على احداث بعوضة ماقدرت على احداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت ، وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة ، عارفة بأنها مقهورة ، مقرة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها.

وأنه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لاشيء معه ، كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلاوقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء الا الواحد القهار ، الذي إليه مصير جميع الاُمور.

بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولوقدرت على الامتناع لدام بقاؤها ، لم يتكاءده(4) صنع شيء منها [ إذ ](5) صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه ، ولم يكونها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه(6) فأراد أن يستأنس إليها.

ثم هو يفنيها بعد تكوينها ، لالسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شيء منها عليه ، لايمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة افنائها ، لكنه

__________________

1 ـ في النهج : وذلت.

2 ـ ليس في النهج.

3 ـ في الأصل : مراحمها ، وما أثبتناه من النهج.

4 ـ في وصفه تعالى « لابتكاءده صنع شيء كان » أي لايشق عليه « مجمع البحرين 3 : 135 ».

5 ـ أثبتناه من النهج.

6 ـ في الأصل : منها ، وما أثبتناه من النهج.

٦١

سبحانه دبرها بلطفه ، وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غيرحاجة منه إليها ، ولا أستعانة(1) بشيء منها عليها(2) ، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استئناس ، ولا من حال جهل وعمى إلى [ حال ](3) علم والتماس ، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكَثرة ، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة.

* * *

__________________

1 ـ في الأصل : ثم لا لاستعانة ، وما أثبتناه من النهج.

2 ـ في الأصل : عليه ، وما أثبتناه من النهج.

3 ـ أثبتناه من النهج.

٦٢

ومن خطبة له في المعنى(1) :

الحمد للّه المتجلي لخلقه بخلقه ، والظاهر لقلوبهم بحجته ، خلق الخلق من غير روية ، إذ كانت الرويات لاتليق إلآ بذوي الضمائر ، وليس بذي ضمير في نفسه ، خرق علمه باطن غيب السترات ، وأحاط بغموض عقائد السريرات.

وأشهد أن لا إله اللّه وحده لا شريك له ، الأول فلا شيء قبله ، [ و ](2) الآخر لا نهاية له ، لاتقع القلوب له على ، غاية ، ولا تعقد القلوب منه على كيفية ، لاتناله ألتجزئة والتبعيض ، ولا تحيط به الأبصار والقلوب(3) ، بطن خفيات الامور ، ودلت عليه أعلام الظهور ، وامتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولاقلب من اثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شيء أعلى منه ، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه ، فلا أستعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له اعلام الوجود على اقرارقلب ذي الجحود ، تعالى اللّه عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيراً(4) .

* * *

__________________

1 ـ رواها الشريف الرضي في نهج البلاغة 1 : 206 / 104 ، إلى : عقائد السريرات.

2 ـ أثبتناه من النهج.

3 ـ نهج البلاغة 1 : 81 / 146 ، من : وأشهد أن لا إله إلا اللّه.

4 ـ نهج ألبلاغة 1 : 94 / 48 ، من : بطن خفيات الاُمور.

٦٣

ومن خطبة له في التوحيد عليه السلام :

الحمد للّه الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على ، أزليته ، وباشتباهم على أن لا شبه له ، لا تشتمله(1) ألمشاعر ، ولا تحجبه السواتر ، لافتراق الصانع والمصنوع ، والحاد والمحدود ، والرب والمربوب.

الأحد لا بتأويل عدد ، والخالق لا بمعنى حركة ونصب ، والسميع لا بأداة ، والبصير لابتفريق الة ، والشاهد لابمماسة ، والبائن لابتراخي مسافة ، والظا هر لابرؤية ، والباطن لا بلطافة ، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها ، وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه.

من وصفه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن عده فقد أبطل ازله ، ومن قال : (كيف) فقد استوصفه ، ومن قال : (أين) فقد حَيّزه ، عالم إذ لا معلوم ، ورب إذلا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور.

منها : قد طلع طالع ، ولمع لامع ، ولاح لائح ، واعتدل مائل ، واستبدل اللّه بقوم قوماً ، وبيوم يوماً وانتظرنا الغِيَر انتظار المجدب المطر ، وانما الأئمة قوام اللّه على خلقه ، وعرفاؤه على عباده ، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

إن اللّه خصكم بالاسلام واستخلصكم له ، وذلك لأنه اسم سلامة وجماع كرامة ، اصطفى اللّه تعالى منهجه وبين حججه ، من ظاهر علم وباطن حكم ، لا تفنى غرائبه ، ولا تنقضي عجائبه ، فيه مرابيع النعم ومصابيح الظلم ، لاتفتح الخيرات إلا بفاتحهم(2) ، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابحهم(3) ، قد أحمى حماه وأرعى مرعاه ، فيه شفاء المشتفي وكفاية المكتفي(4) .

__________________

1 ـ في النهج : لاتستلمه.

2 ـ في النهج : بمفاتيحه.

3 ـ في النهج : بمصابيحه.

4 ـ نهج البلاغة 2 : 53 / 148.

٦٤

ومن كلام له في المعنى :

قاله لذعلب اليماني ، وقد سأله : هل رأيت ربك؟ فقال. أفأعبد من(1) لا أرى؟! قال : وكيف تراه ، قال : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين متكلم لا بروية ، مريد لا بهمة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لايوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصيرلا يوصف بالحاسة ، رحيم لايوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتوجل(2) القلوب منمخافته(3) .

الذي(4) لم يسبق له حال حالا ، فيكون أولا قبل أن يكون اخرا ، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطناً كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادرغيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام ، وكل ظاهرغيره غير باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر ، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك مكاثر(5) ، ولا ضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ماذرأ ، ولاوقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر وقضى ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمول مع النقم ، المرهوب مع النعم(6) .

__________________

1 ـ في النهج : ما.

2 ـ في النهج : وتجب.

3 ـ نهج البلاغة 2 : 120 / 174.

4 ـ في النهج : الحمد لله الذي.

5 ـ في النهج : مكابر.

6 ـ نهج البلاغة 1 : 107 / 62. وفيه من : الذي لم يسبق.

٦٥

ومن كلام له عليه السلام في التوحيد :

عن مقدام(1) بن شريح بن هانىء ، عن أبيه قال : إن أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، أتقول ان اللّه واحد؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا أعرابي ، أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب!؟ فقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : « دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هوالذي نريده من القوم ».

[ ثم ](2) قال : « يا أعرابي ، إن القول في أن اللّه واحد ، على أربعة أقسام :

فوجهان منها لايجوزان على اللّه تعالى ، ووجهان يثبتان فيه.

فأما اللذان لايجوزان عليه : فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الاعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن مالا ثاني له لايدخل في باب الم لاعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة! وقول القائل : هو واحد ، يريد به النوع من الجنس ، فهذا مالا يجوز ، لأنه تشبيه ، جل ربنا عن ذلك وتعالى.

وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه : فقول القائل : هو واحد ، يريد به ليس له في الأشياء شبه ولا مثل ، كذلك اللّه ربنا. وقول القائل : انه تعالى واحد ، يريد أنه أحدي المعنى ، يعني أنه لاينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك اللّه ربنا عزوجل »(3) .

وروى أن رجلا قال له : يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قال : « بفسخ العزم ونقض الهم ، لما ان هممت فحال بيني وبين همي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، علمت أن المدبر لي غيري ».

قال : فبماذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرفه عني وابلى به غيري ، وإحسان شملني به ، فعلمت أنه قد أباه علي فشكرته ».

قال : فبماذا أحببت لقاءه؟ قال : « رآيتة قد اختار لي دين ملائكته ورسله ،

__________________

1 ـ في الأصل : مقداد ، وما أثبتناه هو ألصواب ، وهو المقدام بن شريح بن هانىء بن يزيد الحارثيالكوفي ، روى عن أبيه ، وعنه اسرائيل. « تهذيب التهذيب 10 : 287 / 504 ، تقريب التهذيب 2 : 272 / 1349 ».

2 ـ أثبتناه من التوحيد.

3 ـ رواه الصدوق في التوحيد 83 : 3 ، والخصال 2 : 1 ، ومعاني الأخبار5 : 2.

٦٦

فعلمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحبيت لقاءه »(1) .

ومن خطبه له عليه السلام في التوحيد :

الحمد للّه الذي لاتدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولاتحجبه السواتر ، الدال على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجود ، ، وباشباههم على أن لا شبه له ، الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدل عليهم في حكمه ، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه.

واحد لابعدد ، ودائم لا بأمد ، وقائم لابعمد ، تتلقاه الأذهان لابمشاعرة ، وتشهدله المرائي لابمحاضرة ، لم تحط به الاوهام ، بلى تجلى لها ، وبها امتنع منها ، وإليها حاكمها ، ليس بذي كبرامتدت به النهايات فكبرته تجسيماً ، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً ، بل كبرشأناً وعظم سلطاناً.

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ، وأمينه الرضي صلى اللّه عليه [ واله ] وسلم ، أرسله بوجوب الحجج ، وظهور الفلج ، وإيضاح المنهج ، فبلغ الرسالة صادعا بها ، وحمل على المحجة دالاً عليها ، وأقام اعلام الاهتداء ومنار الضياء ، وجعل امراس الاسلام متينة ، وعرى الإيمان وثيقة(2) .

وقالعليه‌السلام :

من عبداللّه تعالى بالوهم ان يكون صورة أوجسماً فقد كفر ، ومن عبد الاسم دون المعنى فقد عبد غير اللّه ، ومن عبد المعنى دون الإسم فقد دل على غائب ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد إثنين ، ومن عبد المعنى بوقوع الإسم عليه ، يعقد به قلبه ، وينطق به لسانه ، فذلك في ديني حقاً ودين آبائي.

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، أبو محمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته ، وحشره مع أئمته : إن ذات اللّه تعالى معروفة بالعلم ، غيرمدركة بالإحاطة ، ولا مرئية بالأبصار ، فهي ثابتة في العقول من غير حد ولا إحاطة ولا حلول ، قد حجب سبحانه الخلق أن يعرفوا له كنه ذات ، ودلهم

__________________

1 ـ رواه الصدوق في التوحيد : 288 / 6.

2 ـ نهج ألبلاغة 2 : 137 / 180.

٦٧

عليه بآياته ودلالاته ، فالعقول تثبته ، وقلوب المؤمنين مطمئنة به غير شاكة فيه ولا منكرة له.

واني لأعجب ممن يستدل بصفات المخلوق على صفة الخالق ، وكيف يصح الاستدلال بصفات من له مثل ، على صفات من لا مثل له ولا نظير!؟

واللهّ تعالى يصدق هذا القول بقوله تعالى :( ليس كمثله شيء ) (1)

واعلم أن حقيقة المعرفة عقد الضميرفي القلب ، بإخراج ذات اللّه عن كل موهوم ومهجوس ومحسوس ، وطرق الحق واضحة ، وعلاماته لائحة ، وعيون القلوب مفتوحة ، ولكن أعماها غشاوة الهوى ، وضعف البصائر ، وجماد القرائح ، وترك الطلب ، ولو استشعروا الخوف قوموا به العوج ، وسلكوا الطريق الابلج.

ودواء القلوب وجلاؤها في خمسة أشياء : قراءة القرآن المجيد بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع في السحر ، ومجالسة الصالحين. وأعظم مقامات العارفين : القيام بالأوامر ، والثقة بالمضمون ، ومراعاة الأسرار بالسلامة ، والتخلي من الدنيا ، فإذا حصلت هذه الصفات ، ضاقت على صاحبها الأرض بما رحبت ، كما قال اللّه :( ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ) (2) ومن ألزم نفسه آداب الكتاب ، وسنة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسنن الأئمة من أهل بيتهعليهم‌السلام ، نور اللّه قلبه بنور الايمان ، ومكن له بالبرهان ، وجعل على وجهه وأفعاله شاهد الحق. ولا مقام أشرف من متابعة اللّه الحبيب واحبائه من أنبيائه ، وائمته من أوليائه ، في أوامرهم ونواهيهم ، ومن ادعى المحبة لهم وهو على خلاف ذلك ، فانما يستهزىء بنفسه ويغمزها.

* * *

__________________

1 ـ الشورى 42 : 11.

2 ـ التوبة 9 : 118.

٦٨

ومن كلام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في التوحيد :

رواه عنه محمد بن زيد الطبري ، قال : كنت قائما عند علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بخراسان ، وحوله جماعة من بني هاشم وغيرهم ، وهو يتكلم في توحيد اللّه تعالى ، فقال :

اول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول بأن كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بمخلوق ، الممتنع من الحدث هو القديم في الأزل ، ليس اللّه عبد من نعت ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حققه من مثَّله ، ولا به صدق من نهّاه ، ولا [ صمد ](1) صمده من أشار إليه بشيء من الحواس ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا له عرف من بَعَّضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ،(2) وكل قائم في سواه معلول.

بصنع اللّه يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته سبحانه ، وبالفطرة تثبت حجته ، خلق الخلق بينه وبينهم حجابُ مباينته اياهم ومفارقتهم له ، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله ، فاسماؤه تعالى تعبير ، وأفعاله سبحانه تفهيم ، قد جهل اللّه سبحانه من حده ، وقد تعداه من اشتمله ، وقدأخطأه من اكتنهه(3) .

من قال : (كيف) فقد شبهه ، ومن قال : (أين) فقد حصره ، ومن قال : (فيم) فقد وعاه ، ومن قال : (علام) فقد شبهه ، ومن قال : (متى) فقد وقته(4) ، ومن قال : (لم) فقد علله(5) ، ومن قال : (فيم ) فقد ضمنه ، ومن قال : (إلام ) فقد نهاه ، ومن قال : (حَتّام ) فقد غياه ، ومن غياه فقد جَزّأه ، ومن جَزَّأه فقد ألحد فيه.

لا يتغير اللّه تعالى بتغاير المخلوق ، ولا يتحدد بتحديد المحدود ، واحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لابتأويل مباشرة ، متجلِ لا باستهلال رؤية ، باطن لابمزايلة ، قريب

__________________

1 ـ أثبتناه من أمالي المفيد.

2 ـ في الأصل : موضوع ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.

3 ـ في الأصل : اكتنفه ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.

4 ـ في الأصل زيادة مكررة : ومن قال فيم فقد وعاه.

5 ـ في الأصل زيادة مكررة : ومن قال متى فقد وقته.

٦٩

لا بمداناة ، لطيف لا بتجسيم ، موجود لا عن عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بفكر ، مدبرلا بعزيمة ، شاءِ لا بهمة ، مدرك لابحاسة ، سميع لابآلة ، بصير لابأداة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمه الأماكن ، ولا تأخذه السِّنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونُه ، والعدَم وجودُه ، والابتداءَ أزله ، وبمشابهته بين الأشياء عالم أن لا شبه له ، وبمضادّته بين الأضداد علم أن لاضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والظل بالحرور ، مؤلف بين متدانياتها(1) ، مفرق بين متبايناتها ، بتفريقها دل على مفرقها ، وبتأليفها دل على مؤلفها.

قال سبحانه :( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (2) .

له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الالهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم إذ لامعلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث احدث استفاد معنى المحدث ، لا تنائيه (منذ) ولاتدنيه (قد) ولا تحجبه (لعل) ولا توقته (متى) ولا تشتمله (حين ) ولا تقاربه (مع ) ، كلما في الخلق من اثرغير(3) موجود به ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لاتجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو اجراه! أويعود فيه ما هو أبداه!؟ إذاً لتفاوتت دلالته ، وامتنع من الأزل معناه ، ولما كان البارىء ، غير المبرأ(4) ولو وجد له وراء لوجد له أمام ، ولو التمس له التمام لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لايمتنع من الحدث!؟ وكيف ينشىء الأشياء من لايمتنع من الإنشاء!؟ لو تعلقت به المعاني لقامت فيه اية المصنوع ، ولتحول من كونه دالاً إلى كونه مدلولاً عليه ، ليس في محال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلاّ هو العلي العظيم(5) .

__________________

1 ـ في الأصل : متعاقباتها ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.

2 ـ الذاريات 51 : 49.

3 ـ في الأصل : عين ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.

4 ـ في الأصل : المبري ، وما أثبتناه من أمالي الطوسي.

5 ـ رواه المفيد في أماليه : 253 / 3 ، 4 والطوسي في أماليه 1 : 22.

٧٠

تفسير سورة الإخلاص

( قل هواللّه أحد ) معناه أنه غيرمبعض ، ولا مُجَزّأ ، ولا موهم ، ولا توجد عليه الزيادة والنقصان.

( اللّه الصمد ) عني بالصمد السيد المطاع الذي ينتهي إليه السؤدد ، وهوالذي تَصَمَّد على الخلائق ، وتَصمد الخلائق إليه.

( لم يلد ) كما قالت اليهود لعنهم اللّه : عزير بن الله.

( ولم يولد ) كما قالت النصارى لعنهم اللّه : المسيح الله.

( ولم يكن له كفواً أحد ) أي ليس له ضد ، ولاند ، ولاشريك ، ولا شبه ، ولامعين ، ولا ظهير ، ولا نصير ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

* * *

٧١

خطبة بليغة عن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ، ليس فيها ألف(1) :

« حمدت من عظمت مِنَّتُه ، وسبغت نعمته ، وتمت كلمته ، وسبقت رحمته ، ونفذت مشيئته ، وفالحت حجته ، حمد مْقِرٍ بربوبية ، متخضع لعبوديته ، مؤمن بتوحيده ، ووحّدته توحيد عبد مذعن بطاعته(2) ، متيقن يقين عبد لمليك ليس له شريك في ملكه ، ولم يكن له ولي في صنعه ، عجز عن وصفه من يصفه ، وضلّ عن نعته من يعرفه ، قرب فبعد ، وبعد فقرب ، مجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه ، ذو لطف خفي ، وبطش قوي ، ورحمة موسعة ، وعقوبة موجعة ، رحمته جنة عريضة مونقة ، وغضبهُ نقمة ممدودة موبقة.

وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله ، بعثه من خير عنصر ، وحين فترة ، رحمةً لعببده ، ومنةً لمزيده ، وختم به نبوته ، ووضح به حجته ، فوعظ ونصح ، وبلَّغ وكدح ، رؤوف بكل عبد مؤمن ، سخي رضي زكي ، عليه رحمة وتسليم وتكريم ، من رب غفور رحيم قريب مجيب.

وَصّيتكم ـ معشرمن حضرني ـ بوصية ربكم ، وذَكَّرتكم سنة نبيكم ، فعليكم برهبة ورغبة تسكن قلوبكم ، وخشية تجري دموعكم ، قبل يوم عظيم مهول يلهيكم ويبكيكم ، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته ، وليكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وخشوع ، ومسكنة وندم ورجوع ، فليغتنم كل منكم صحته قبل سقمه ، وشبيبته قبل هرمه ، وسعته قبل فقره ، وفرغته قبل شغله ، وحضره قبل سفره ، قبل يهرم ويمرض ويمل ويسقم ، ويمله طبيبه ، ويعرض عنه حبيبه ، وينقطع منه عمره ، ويتغير عقله وسمعه وبصره ، ثم يصبح ويمسي وهو موعوك وجسمه منهوك ، وحُدِيَت نفسه ، وبكت عليه عرسه ، ويتم منه ولده ، وتفرق عنه جمعه وعدده ، وقسم جمعه ، وبسط عليه حنوطه ، وشدّ منه ذقنه ، وغسل وقمص وعمم ، وودع وسلم ،

__________________

1 ـ ذكر الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 393 ، بسنده عن أبي صالح ، قال : جلس جماعة من أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتذاكرون فتذاكروا الحروف وأجمعوا ان الألف اكثردخولاً في ألكلام من سائر الحروف ، فقام مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فخطب هذهالخطبة على البديهة فقال : ...

2 ـ كذا في الأصل ، وفي مواضع اُخر وهومخالف لشرط الخطبة ، ولم يرد المقطع الأخير فيشرح النهج لابن أبي الحديد وكفاية الطالب وكتزالعمال ومصباح الكفعمي ، فتأمل.

٧٢

وحمل في سرير ، وصُلي عليه بتكبير ، ونقل من دور مزخرفة ، وقصور مشيدة ، وحجر منضدة ، وفرش ممهدة ، فجعل في ضريح ملحود ، وضيق مسدو فى بلبنٍ جلمود ، وهيل عليه عفره ، وحثي عليه مدره ، ومحي منه اثره ، ونسي خبره ، ورجع عنه وليده وصفيه وحبيبه وقريبه ونسيبه ، فهو حشو قبره ، ورهين سعيه ، يسعى في جسمه دود قبره ، ويسيل صديده من منخره وجسمه ، ويسحن(1) تربه لحمه ، وينشف دمه ، ويرم عظمه ، فيرتهن بيوم حشره ، حتى ينفخ في صوره ، وينشر من قبره ، فلا ينتصر بقبيلة وعشيرة ، وحصلت سريرة صدره ، وجيء بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق ، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير. فحينئذ يلجمه عرقه ، ويحرقه قلقه ، وتغزرعبرته ، وتكثر حسرته ، وتكبر صرعته ، حجته غيرمقبولة ، نشرت صحيفته ، وتبينت جريمته ، ونظر في سوء عمله ، فشهدت عينه بنظره ، ويده بلمسه ، وفرجه بمسه ، ورجله بخطوه ، ويهلكه منكرونكير ، وكشف له حيث يصير ، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد ، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد ، وغم جديد ، في يد ملك عتيد ، فظل يعذب في جحيم ، ويسقى من حميم ، يشوى به وجهه ، وينسلخ منه جلده ، بعد نضجه(2) جديد.

فمن زحزح عن عقوبة ربه ، وسكن حضرة فردوس ، وتقلب في نعيم ، وسقي من تسنيم ، ومزج له بزنجبيل ، وضُمِّخ بمسك وعنبر ، مستديم للملك مقيم في سرور محبور ، وعيش مشكور ، يشرب من خمور ، في روض مغدق ، ليس يصدع عن شربه.

ليس تكون هذه إلاّ منزلة من خشي ربه ، وحزن نفسه ، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه ، وسولت له نفسه معصيته ودينه(3) ، ذلك قول فصل ، وحكم عدل ، خير قصص قص ، [ ووعظ نص ، تنزيل من حكيم حميد ، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد ](4) صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة ، ورب كل مربوب ، وعلى درسه ذوي طهر غيرمسلوب ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة ، والسلام »(5) .

__________________

1 ـ سحنت الحجر : كسرته (الصحاح 5 : 2133).

2 ـ كذا في الأصل : ولعل الصواب ما في الشرح الحديدي : ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد.

3 ـ كذا ، ولعل الصواب : وذنبه.

4 ـ أثبتناه من شرح نهج البلاغة.

5 ـ وردت الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 140 ، وكفاية الطالب : 393 ، ومصباح الكفعمي : 741 ، وكنزالعمال 16 : 208 / 44234.

٧٣

يقول العبد الفقير أبومحمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد ألديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وأمده اللّه برأفته ورحمته ، ممل هذه الخطب المتقدمة : اني وجدت كلما تبليغة في توحيد اللّه وتمجيده ـ جل وعز ـ فأضفت إليها ما سنح من فتوح اللّه تعالى في خاطري ، فأحببت إثبات ذلك ، وهي :

إن نفي العلل عن اللّه تعالى ، يشهد له بحدث خلقه ، وإخراجه له من العدم ، إذ العلل لا تحل إلا معلولاً ، ولايكون المعلول إلا محدثا ، للزوم صفات الحدث فيه ، والقديم سبحانه وتعالى لا تحل فيه الصفات لسبب ، لأن السبب لازم للمتوقع الزيادة ، والخائف النقص من غيره ، الفقير إلى الموجد ذلك فيه ، الذي باتحاده يجد ما يتوقع.

والقديم هو الغني الحميد ، الذي لا وقت له ، ولا حال من احلها كان ، ولا كانت له صفة من احل الحال ، والأحوال لا تجوز عليه ، ولايدخل تحت الصفة والدوائر ، ولا عليه حجب وسواتر ، ولا ساعات وشعاثر ، ولا حاجة به إلى الكون ، إذ وجوده كفقده ، لم يأنس به ، ولم يستوحش لفقده ، ولا فقد عليه ، ومرجع كل شيء إليه ، كما هو المبدىء المعيد ، الفعال لما يريد ، أزلي أبدي ، أزلي القدرة والعلم والحكم والنظر والإحاطة ، أزلي الوجود والبقاء ، مستحق لها بحقائقها ، وله الشأن الأعظم ، والجد المتعالي ، والعلو المنيع ، والإمتناع القاهر ، والسلطان الغالب ، والغلبة النافذة ، والقوة الذي(1) لايعجز ، إذ لافترة ولا مانع ، و (لاثم )(2) ليس لمراده دافع ، ولا يستصعب عليه شيء أراده ، ولا به إلى ما أراد تكوينه وطر ، إذ هو الغني غاية كل غاية ، متفضل بما فطر ، من غير قضاء وطر ، فطر ما فطر ، وعنصر العناصر ، لإظهار قدرته وملكه ، وإظهار جوده وطوله وإحسانه ، وفيض الكرم الباهر ، والجود الفائض ، وهو الجواد الفياض ، وليعرفوه ولا يجهلوه ، ولم يك قط مجهولاً ، ولا علمهم به محيط.

لايقدر أحد قط حقيقة قدره ، إذ قدره لايقدر ، ووصفه لايقرر ، وهوالقديرالأقدر ، المتعزز عن كون مع أزل له مقرر ، المتعالي عن مدبرمعه دَبَّر ، قدر الكون بتقديره ، حتى أخرجه إلى التكوين بتدبيره ، وليس للتقدير والتدبير فكر ولا خاطر ، ولا حدوث عزم ، ولا يضمر في إرادة ، ولايهم في مشيئته ، ولا روية في فعل ، ولا غلبة فوت ، عزَّ أن يستصعب عليه شيء أراده ، أيفوته شيء طلبه!؟ قدّم وأخّر حسب حكمته وهو المقدم

__________________

1 ـ كذا والظاهر أن الصواب : التي.

2 ـ كذا ، والظاهر زيادتها.

٧٤

المؤخر ، وجعل الإوقات والفضاء وألجو والمكَان حاجة الكون ومستقر العالم ، وشاء الكون وشاء وقته كل كائن ، فهو موجوده على ما يشاء ويريده من أفعاله سبحانه ، وحسن افعال خلقه لا قبيح افعالهم ، ولا يكون إلآ كذلك ، ولا خروج للشيء عنه بغلبة ، وذلك كمال الملك ، وتمام الحكم ، وإبرام ألأمر ، وكل غيب عنه شهادة ، وهو المفيد ولا يتوقع إفادة ، ومزيد ولا يتوقع زيادة ، ومحدث ولا عليه حدث ، مخترع ولا كذلك غيره ، ومبدع ولا معه بديع ، بل هو بديع السماوات والأرض وما بينهما وما خرج عنهما ، وصانع لابآلة ، وخالق لا بمباشرة ، وسميع بصير لابأداة ، علا عن الخصماء والأنداد ، وتقدس عن الأمثال والأضداد ، وجلّ عن الصاحبة والأولاد ، حكمته لا كحكمة الحكماء ، سبحانه ما أقدره وأيسر القدرة عليه! وما أعزه وأعز من اعتمد عليه! وذكره واستسلم إليه! إذ العزة له وهو العزيز بعزته تعالى عن المثل والشبه ، إذ الشبه ذل ونقص ، وهو العزيز الأجل ذوالجلال والاكرام ، قمع بعزته وجلاله عزة كل متكبر جبار ، لايتغير أبدا ، ولايفاوت في صفاته الذاتية ، ولا يحيط له بحقيقة ذات ، إذ الحقيقة والمائية(1) لايقع إلا على المحدودات ، وهو سبحانه محدثها ، وهو على كمال تعجز عن وصفه الألباب ، وتندحض الافهام والأوهام عن درك صفاته ، العزيز الأعز ذي المفاخر ، الذي افتخر بفخره كل فاخر ، اتضعت(2) بقدرته وقوته كل ذي قدرة وقوّة ، وتاه كل ذي كمال وجلال في كماله وجلاله ، وخضعت الرقاب لعظمته وسلطانه ، وذل كل متجبر لجبروته وكبريائه ، لم يجبر الخلق على ما كلفهم ، بل جبل القلوب على فطرة معرفته.

سبق المكان فلا مكان ، لأنه سبحانه كان ولا مكان ، ثم خلق المكان ، فهوعلى ما كان قبل خلق المكان ، وهو القريب بلا التصاق ، والبعيد من غير افتراق ، حاضركل خاطر ، ومخطرصحيح كل خاطر ، ومشاهد كل شاهد وغائب ، مدرك كل فوت ، ومؤنس كل أنيس ، وأعلى من كل عال ، وهوعلى كل شيء عال علوه على ما تحت التحت كعلوه على ما فوق الفوق ، صفاته لاتستشعر بالمشاعر ، وأوصافه لا تكيف بتكيف ، وهو الشيء لا كالأشياء ، ثابت لايزول ، وقائم لايحول ، سبق القبل فلاقبل

__________________

1 ـ كذا ، والظاهر أن الصواب : والماهية.

2 ـ كذا ، ولعل الصواب : اتضع.

٧٥

والبَعد فلا بَعد ، تقدم العدَم وجودُه ، والكونَ أزلُه ، قيوم بلا غاية ، دائم بلا نهاية ، ذوالنور الأكبر ، والفخر الأفخر ، والظهور الأظهر ، والطهور الأزهر ، مدهرالدهور ، ومدبر الاُمور ، باعث من في القبور ، وجاعل الظل والحرور ، ذواللطف اللطيف ، والعلم المطيف ، والنور المتلالي ، والكبرياء المتعالي ، الذي لايسأم من طلب إليه ، ولا يتبرم من حاجة الملح عليه ، إذ لايجوز عليه الملال ، إذ لاشغل له بشيء عن شيء ، ولا آلة ولا فكر ولامباشرة ، مدور الأفلاك ، ومملك الأملاك ، لايضع شيئاً على مثال ، صنعه موقوف على مراده ، وأمره نافذ في عباده ، لايسعه علم عالم ، ووسع هو كل شيء علما ، وأحاط بكل شيء خبرا ، كلما ينسب إليه ـ سبحانه ـ فهو المتفرد بمعناه ، إذ يستحيل أن يشاركه أحد في شيء ، لا إله الاّ إياه ، سبحانه ما أعلمه! وفي العلم ما أحلمه! وفي القدرة على الخلق ما ألطفه! له المشية فهم(1) مع سعة العفو والصفح عنهم ، لهم به لطف خفي ونظر حفي ، حليم كريم مهول ، وينتقم ممن يشاء عدلاً منه فلم يظلم أحدا ، ولم يجر في حكمه أبدا.

فله الحمد على ما ألهم ، وله الشكرعلى ما وفق وفَهّم ، وعلى ماجاد وأنعم ، وله المن على ما قض وأبرم ، وعلى ما أخَّر وقدٌم ، وله الثناء والمجد الأعظم ، نحمده سبحانه حمدأ لا يماثل ، ونسأله أن يوفقنا لحمد يرضاه وشكر يهواه ، لايشوبه عارض ، وأن يعيننا على حمده وشكره ، فإننا نعجز عن بلوغ أمده وقدره ، ونكل عن إحصاء عدده ووصفه.

اللهم ألهمنا محامدك ، ووفقنا لصفاء خدمتك ، واكشف لنا عن حقائق معرفتك ، وواصلنا بصاف من تمجيدك ووظائف تحميدك ، وانلنا من خزائن مزيدك ، وصَف لنا الأواني ، وكمل لنا منك الأماني ، وحقق لنا المعاني ، ورضٌنا بما تُقَدِّر مما هو فاَنٍ ، وارزقنا سريرة نقية ، والات طاهرة نقية ، وعافية وفية ، وعاقبة مرضية ، ونعمة كفية ، وعهودا وفية ، وعيشة هنية ، وحيطة من كل البرية ، وأقبِل بنا عليك بالكلية ، واعصمنا من الزيغ والهوية ، ومن كل مارق غوية ، وكل قواطع منسية ، يا بارىء البرية ، وقاضي القضية ، ومجزل العطية ، ورافع السماوات المبنية ،

__________________

1 ـ كذا والظاهر أن الصواب : فيهم.

٧٦

وماهد الأرض المدحية ، صلى الله على محمد سيد البرية ، وعلى اله الأئمهَ الراضين المرضية ، بأفضل صلواتك وأتمّ تحياتك وبركاتك.

* * *

٧٧

دليل آخر على حدوث العالم وقدم محدثه :

ومما يستدل به على محدث العالم ، أنا نجد الأجسام مشتركة في كونها أجساماً ، هي مع ذلك مفترقة في اُمور أُخر : كونها تراباً وماءً وهواءً وناراً ، فلا يخلو هذا في الإفتراق في الصور والصفات اما أن يكون لأمر من ألاُمور اقتضى ذلك أولا لأمر ، فإن كان لالأمر ، لم تكن الأجسام بأن تفترق أولى من أن لا تفترق ، ولم يكن بعضها بكونه أرضاً وِبعضها هواءً أو ماءً بأولى من العكس ، فثبت أنه لابد من أمر أقتضى افتراقها ، ولإيصح أن يكون ذلك ألامر هو كونها أجسامآَ لأنها مشتركة في ذلك ، فكان يجب أن تشترك فيصفة واحدة ، أو يكون كل بعض منها على جميع هذه الصفات المتصلات ، فلابد أن يكون الأمر المقتضي لأمر إنما هوغيرها ، ولا يصح أن يكون مثلها ولا من جنسها ، ثم لايخلو أن يكون موجباً أو مختاراً ، فإن كان موجباً فلم اوجب النار كونها ناراً ، دون أن يوجب للماء أن يكون ناراً ، وللأرض أن تكون هواءً؟ وكيف يصح وجود صورمتضادة ولا موجب لها؟ وفي فساد هذا دلالة على أنه مختاراً ، وإذا ثبت ذلك فهو المحدِث القديم ، الذي ألا يجوز أن يكون محدِثا إلا وهو حي قادر.

دليل آخر :

ومما يستدل به على أنه لابد للعالم من محدث ، ما تجد فيه [ من ](1) إحكام الصنعة وإتقان التدبير ، فلو جازأن يتفق ذلك لابمحدث أحدثه ، لجاز أن يجتمع ألواح وقار ومسامير وتتألف سفينة بغير جامع ولا مؤلف ، ثم تعبر بالناس في البحر بغيرمعبر ولامدبّر ، فلما كان ذلك ممتنعاً في العقل ، كان ذلك في العالم أشد امتناعاً وأبعد وقوعاً.

دليل آخر :

ومما يستدل به على وجود المدبر الصانع ، أمر الفيل وأصحابه ، الذين أخبر الله تعالى عنهم وعما أصابهم ، مما ليس لملحد في تخريج الوجوه له حيلة ، ولايكون ذلك إلاّ من الصانع سبحانه ، وليس إلى إنكاره سبيل لاشتهاره وقرب عهده ، فلأنه يجوز أن يقوم

__________________

1 ـ أثبتناه لضرورة السياق.

٧٨

رجل فيقول للناس في وجوههم ويتلوعليهم :( ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) (1) ويقص عليهم قصتهم ، وهم مع ذلك لم يروا هذا ولم يصح عندهم ، وليس من الطبائع التي يذكرها الملحدة ما يوجب قصة أصحاب الفيل ، ولا علم في العادات مثله ، ولا يقعمن الآثار العلوية والسفلية نظيره ، وهو أن يجيء طير كثير في منقار كل واحد حجر ، فيرسله على كل واحد من الوف كثيرة ، فيهلكهم دون العالمين ، هذا مالا يكون إلا من صانع حكيم قادر عليهم ، ولا يصح أن يكون إلا رب العالمين.

أبيات في التوحيد :

يا من يجل بأن أراه بناظري

ويعز عن أوصاف كنه الخاطر

لوكنت تدركك العلوم تقدراً

وتفكراً وتوهماً للخاطر

ما كنت معبوداً قديماً دائماَ

حيأَ ولا صمداً وملجأحائر(2)

وبما وكيف ترى وتعلم في الورى

عظم العظيم وسرقهرالقاهر

لكن عظمت بأن تحاط جلالة

أبداً فسبحان القديم الآخر

* * *

__________________

1 ـ الفيل 105 : 1.

2 ـ في الأصل : الحائر ، والوزن الشعري يقتضي ما في المتن.

٧٩

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، أبو محمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته :

اني حيث اثبت المعارف صدر الكتاب ، لوجوب تقدمها على جميع العلوم ، اقتضت الحال ارداف ذلك بذكر فضل العلم وأهله ، ولم ألتزم ذكرسند أحاديثها ، لشهرتها في كتبها المصنفة المروية عن مشايخنا ـ رحمهم اللّه تعالى ـ بأسانيدهم لها ، وأشير عند ذكر كل حديث مذكور أو أدب مسطور ، إلى كتابه المحفوظ منه المنقول عنه ، إلاّ ماشذ عني من ذلك ، فلم أذكرإلا فص القول دون ذكركتابه والراوي له.

فمن ذلك ما حفظته من كتاب كنز الفوائد إملاء الشيخ الفقيه أبي الفتح محمدابن علي الكراجكي رحمه اللّه تعالى :

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من خرج يطلب باباً من أبواب العلم ، ليردبه ضالاً إلى هدى ، أو باطلاً إلى حق ، كان عمله كعبادة أربعين يوماً ».

وقال عليه واله السلام : « لساعة من العالم متكئاً على فراشه ينظر في علمه ، خير من عبادة ثلاثين عاماً ».

وقال عليه واله السلام : « إذا استرذل اللّه عبداً ، حظر عليه العلم ».

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أهدى أخ إلى أخيه هدية أفضل من كلمة حكمة ، يزيده الله بها هدى ، أويرده عن ردى ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أخذ اللّه الميثاق على الخلق أن يتعلموا ، حتى أخذ على العلماء أن يعلموا ».

وروى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « من طلب العلم للّه ، لم يصب منه باباً إلا ازداد(1) في نفسه ذلاً ، وفي الله تواضعاً ، وللّه خوفاً ، وفي الدين اجتهاداً ، فذلك الذي ينتفع بالعلم فليتعلمه ، ومن طلب العلم للدنيا ، والمنزلة عند الناس ، والحظة عند السلطان ، لم يصب منه باباً إلآ ازداد في نفسه عظمة ، وعلى الناس استطالة ، وباللهّ اغتراراً ، وفي الدين محقاً ، فذلك الذي لم ينتفع بالعلم فليكف عنه(2) الحجة عليه والندامة والخزي يوم القيامة ».

__________________

1 ـ في الأصل : أزاد وما أثبتناه هو الصواب.

2 ـ في الأصل : عند ، وما أثبتناه هو الصواب.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531