مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها

مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها16%

مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 354

  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68185 / تحميل: 6693
الحجم الحجم الحجم
مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها

مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

(بأبي أنت وأمي، قد أكثرتم وأطيبتم، وما أردت بمدحي إياكم إلا الله ورسوله، ولم أك لآخذ لذلك ثمناً من الدنيا فأرده إلى أهله). فجهد به عبد الله أن يقبله بكل حيلة فأبى، فقال له:

(إن أبيت أن تقبل فإني رأيت أن تقول شيئاً تغضب به بين الناس، لعل فتنة تحدث فيخرج من بين أصابعها بعض ما يجب).

فابتدأ الكُميت وقال قصيدته التي يذكر فيها مناقب قومه من مُضَر بن نِزار بن مَعدّ، وربيعة بن نزار، وأياد وأَنْمار ابني نزار، ويكثر فيها من تفضيلهم ويطنب في وصفهم، وأنهم أفضل من قحطان، فغضَّب بها بين اليمانية والنزارية، وهي قصيدته التي أولّها:

ألا حييت عنا يا مدين وهل ناس تقول مسلمينا

إلى أن انتهى إلى قوله تصريحاً وتعريضاً باليمن فيما كان من أمر الحبشة وغيرهم فيها وهو قوله:

لـنا قـمر السماء وكلّ نجم تـشير إلـيه أيدي المهتدينا

وجـدت الله إذ سـمّى نزار وأسـكنهم بـمكة قـاطنينا

لـنا جمل المكارم خالصات ولـلناس الـقفا ولنا الجبينا

وما ضربت هجائن من نزارٍ فـوالح من فحول الأعجمينا

وما حملوا الحمير على عتاق مـطـهرة فـيلفوا مـبلغينا

ومـا وجدت بنات بني نزارٍ حـلائل أسـودين وأحمرينا

وقد نقض دِعْبِل بن علي الخُزاعيّ هذه القصيدة على الكُميت وغيرها، وذكر مناقب اليمن وفضائلها ومدح ملوكها، وعرّض بغيرهم كما فعل الكُمَيت وذلك في قصيدته التي أوّلها:

أفـيقي من ملامك يا ظعين كـفاك الـلوم مرّ الأربعينا

ألـم تـحزنك أحداث الليالي يـشيبن الـذوائب والقرونا

أحيي الغر من سروات قومي لـقد حـييت عـني يا مدينا

فـإن يـك آل إسرائيل منكم وكـنتم بـالأعاجم فـاخرينا

فـلا تنس الخنازير اللواتي مُـسخن مع القرود الخاسئينا

٤١

بإيلة والخليج لهم رسوم وآثارٌ قدمن وما محينا

لقد علمت نزار أن قومي إلى نصر النبوّة فاخرينا

وهي طويلة، ونمي قول الكُمَيت إلى النزارية واليمانية، وافتخرت نِزار على اليمن، واليمن على نِزار، وأدلى كل فريق بما له من المناقب، وتحزّبت الناس وثارت العصبية في البدو والحضر، فنتج بذلك أمر (مروان بن محمد الجَعديّ) وتعصّبه لقومه من نزار على اليمن، وانحراف اليمن عنه إلى الدعوة العباسية، وتغلغل الأمر إلى انتقال الدولة عن بني أمية إلى تعصباً لقومه من ربيعة وغيرها من نزار، وقطعه الحلف الذي كان بين اليمن وربيعة في القدم، وفعل (عُقبَة بن سالِم) بعُمان والبحرين وقتله عبدِ القيس وغيرهم من ربيعة كياداً لمعن وتعصباً من عُقبة بن سالم لقومه من قَحطان. وغير ذلك مما تقدم وتأخر مما كان بين نزار وقحطان)(١) .

مغزى هذه القصة والعبرة منها:

إن الباحث يستنتج من هذه القصة أموراً:

الأول: استعداد النفوس لمثل هذه الثورة الفكرية المؤديّة إلى زوال حكم قائم على الأرستقراطية الممقوتة والاستئثار المذموم والاضطهاد العجيب وذهاب الشيعة منه بأوفر نصيب، وما كان غير الشيعة إلا كالشيعة في النفور منه.

الثاني: استفحال الدعاوة الشيعية وكثرة الملتفّين حولها للعمل على إزالة ظل ذلك الحكم بمختلف الأساليب وشتى الطرق.

الثالث: بعد غور القائمين على نشر هذه الدعاوة في فنون السياسة، فترى كيف حمل عبد الله بن الحسن ذلك الشيعي النزاري على إحداث هذه الثورة الفكرية، وكيف انبرى شيعي آخر لمناقضته مع كثرة الشعراء في ذلك العهد، وترى في ذلك مدى بصر الشيعة وشعرائهم في السياسة. وقد يكون هناك سر في حمل الشاعرين الشيعيين النزاري واليماني على هذه المناقضة

____________________

(١) مروج الذهب للمسعودي مجلد ٢ ص١٩٥، ١٩٦، ١٩٧ المطبعة البهية مصر سنة ١٣٤٦هـ.

٤٢

المؤدية إلى ذلك الانقلاب العظيم الذي ظهر في دعوة عبد الله بن الحسن للشاعر نزار الكُمَيْت، وخفي في دعوة دِعْبل القحطاني لمناقضته، وإن الشاعرين على بيّنة منه، وهما بعد من أخلص المخلصين للعلويين لا يعدوان أمرهم ولا يتجاوزان مرضاتهم.

الرابع: اكتساب الشيعة عنصراً جديداً وقوة لا يستهان بها في تعزيز دعاوتهم، إن لم يكونا منبعثين عن عقيدة التشيع وعن اعتقاد اختصاص أهل البيت النبويّ بالخلافة، فهما منبعثان عن العصبية النزارية واليمانية التي أثارها الشاعران النزاري واليماني.

وكيف كان الحال فإن الدعوة الشيعية قد استمدت قوة إلى قوتها بفضل تضامن القبيل إلى القبيل بعامل العصبية، وهي التي احتمى بها الشاعران الشيعيان من امتداد الأيدي إليهما بسوء من غير الشيعة.

الخامس: تمكين الدعوة الشيعية بفضل هذه القوة الجديدة التي كانت مُعْولاً هدّاماً للسلطان الأموي الجائر، من تنظيمها ونشاط القائمين بها، واتخاذها شكلاً هو للظهور أقرب منه إلى الخفاء.

٤٣

٤٤

الإِرهاص بخلافة بني العباس

وزوالها عن بني أمية

رأينا أن نجمع في هذا الفصل جملة صالحة مما أرهص به المرهصون وجاء به الخبر من خلافة بني العباس وزوالها عن بني أمية؛ لارتباط ذلك بموضوع البحث، ولكي لا يفوتنا كل ما له علاقة بتعليل ذلك الانقلاب الخطير وما كان للسياسة الشيعية فيه من أثر بعيد. ويستخلص من جميع ذلك السبب الحافز لتمرّس العباسيين بأساليب الدعوة لمصير الأمر إليهم وانفرادهم به، بعد أن كانوا متحدين وبني عمهم من أبناء علي وأبناء فاطمة وبني جعفر على العمل لإزالة المُلك الأموي باسم الدعوة للرضا من آل محمد، وباسم التشيّع المشترك في الظاهر، وانفراد بني العباس في الباطن بحصرها فيهم وتستّرهم بالدعوة للرضا من آل محمد، اجتناباً للخلاف مع بني عمهم الذين كان ما مُنوا به من الظلم الأموي الجائر من أكبر دواعي انصراف الوجوه عن الأمويين وتلمّس وجوه الخلاص منهم، وتمهيداً لهم للوصول إلى الهدف بهذا الاتفاق المشترك.

وإننا نلخص تلك الإرهاصات والأخبار بأمور:

الأول:

ما أورده الطبري في تاريخه عند ذكره خلافة أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وسبب خلافته، قال:

(وكان بدء ذلك فيما ذكر عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه أعلم عباس بن عبد المطلب أنه تؤول الخلافة إلى وُلْدِه، فلم يزل وُلْده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم.

٤٥

وذكر علي بن محمد أن إسماعيل بن الحسن حدّثه عن رشيد بن كريب أن أبا هاشم خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال: يا ابن عمّ... إن عندي علماً أنبذه إليك، فلا تطلعنّ عليه أحداً، إن هذا الأمر الذي ترتجيه الناس فيكم.

قال: قد علمت فلا يسمعنه منك أحد.

قال علي: وأخبرنا سليمان بن داود عن خالد بن عجلان قال: لما خالف ابن الأشعث وكتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك، أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد فأخبره فقال: أما إذ كان الفتق من سجستان فليس عليك بأس، إنما كنا نتخوّف لو كان من خراسان)(١) .

الثاني:

ذكر المسعودي في (مروج الذهب) في نهاية أمر الأمويين ومدة استيلائهم على الخلافة وأنها ألف شهر وأنها تأويل قوله عزّ وجل( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) . ذكر رواية عن ابن عباس أنه قال: (والله ليملكن بنو العباس ضعف ما ملكته بنو أمية باليوم يومين وبالشهر شهرين وبالسنة سنتين وبالخليفة خليفتين)(٢) .

الثالث:

في شرح النهج لابن أبي الحديد(٣) قال: (وقد جاءت الرواية أن أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) - لمّا ولد لعبد الله بن العباس مولود - فقده وقت صلاة الظهر، فقال (أي علي):«ما بال ابن العباس لم يحضر؟... » ، فقالوا: ولد له ولد ذكر يا أمير المؤمنين. قال:«فامضوا بنا إليه» ، فأتاه، فقال له علي:«شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ما سمَّيته؟»

____________________

(١) تاريخ الطبري: ج٧ ص٤٢١.

(٢) مروج الذهب: ج٢ ص١٩٩.

(٣) أورد ابن أبي الحديد في شرحه أبياتاً جاء منها ما يؤيد معرفة الشيعة مدة ملك بني أمية وهي ألف شهر، وهو قول بعض شيعة بني العباس:

أليس في ألف شهر قد مضت لهم = سقيتم جرعاً من بعدها جرع

٤٦

فقال: يا أمير المؤمنين أوَ يجوز لي أن أُسَمّيه حتى تسميه. فقال:«أخرجه إليّ...» ، فأخرجه، فحنكه ودعا له ثم رده إليه، وقال:«خذ إليك أبا الأملاك، قد سميته عليّاً وكنّيته أبا الحسن» )(١) .

الرابع:

نقل أبو الفرج الأصفهاني في مقاتله فقال:

(وكان علماء أبي طالب يرون فيه (محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب) أنه النفس الزكية، وأنه المقتول بأحجار الزيت، وكان من أفضل أهل بيته وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه، حتى لم يشكك أحد أنه المهدي، وشاع ذلك له في العامة، وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً من آل أبي طالب وآل العباس وسائر بني هاشم. ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك، وأن الملك يكون في بني العباس، فانتبهوا بذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه.

وخرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، واختلاف كلمة بني مروان، إلى أن قال: فلما ظهرت الدعوة لبني العباس وملكوا حرص السفاح والمنصور على الظفر بمحمد وإبراهيم لما في أعناقهم من البيعة لمحمد وتواريا، فلم يزالا ينتقلان في الاستتار، والطلب يزعجهما من ناحية إلى أُخرى، حتى ظهرا فقُتلا)(٢) .

الخامس:

ذكر أبو الفرج قبل هذا الكلام ما هو أوضح وأبين مما ظهر من جعفر (عليه السلام) في هذا المعنى، قال بحذف الإسناد: (إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأَبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأبو جعفر المنصور وصالح بن علي وعبد الله بن حسن وابناه محمد وإبراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج٢ ص٢١١.

(٢) مقاتل الطالبيين.

٤٧

قال صالح: (قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليكم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين)، فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال: (لقد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلمّ فلنبايعه. وقال أبو جعفر لأي شيء تخدعون أنفسكم، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى، يعني محمد بن عبد الله. قالوا: قد والله صدقت، إن هذا لهو الذي تعلم. فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده، قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن حسن إلى: (آتنا فإنا مجتمعون لأمر، وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، هكذا قال عيسى. وقال غيره: (قال لهم عبد الله بن الحسن: لا تريدوا جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم. قال عيسى فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه، وأرسل جعفر بن محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين، فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلّي على طنفسة رحل مبنية، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله. قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن حسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه، فقال جعفر:«لا تفعلوا، فإن هذا الكلام لم يأت بعد، فلا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك» . فغضب عبد الله وقال: لقد علمت خلاف ما تقول، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني. فقال:«والله ما ذلك يحملني، ولكن هذا وأخوته وأبناؤهم دونكم» ، وضرب بيده على كتف عبد الله بن حسن وقال:«إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك، ولكنها لكم، وإنهما لمقتولان» ، ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال:«أرأيت صاحب الرداء الأصفر» يعني أبا جعفر، قلت: نعم، قال:«فإنا والله نجده يقتله» ، قال: قلت أيقتل محمداً؟ قال:«نعم» ، فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة. قال ثم قال:«والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيت قتلهما» . فلما قال جعفر ذلك نفض القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟... قال:«نعم أقوله والله وأعلمه» )(١) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيين ج.

٤٨

السادس:

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: (قالوا: لما سمّت بنو أمية أبا هاشم مرض، فخرج من الشام وقيذاً يؤم المدينة، فمر بالحُمَيْمة(١) وقد أشفى، فاستدعى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فدفع الوصية إليه، وعرّفه ما يصنع وأخبره بما سيكون من الأمر وقال له: إنّي لم أدفعها إليك من تلقاء نفسي ولكن أبي أخبرني عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) بذلك وأمرني به وأعلمني بلقائي إياك في هذا المكان، ثم مات، فتولّى محمد بن علي تجهيزه، ودفنه وبعث الدعاة حينئذٍ في طلب الأمر)(٢) .

وقد كثرت الروايات عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في هذا المعنى وفي نهي بني عمه عن طلب الأمر الذي سيكون لبني العباس فيما تلقاه من أنباء الغيب عن آبائه كما تقدم ذكر بعضه.

السابع:

قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة: (ذكروا أن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس دخل وهو شيخ كبير قد غشي بصره على هشام بن عبد الملك متوكئاً على ولديه أبي العباس وأبي جعفر فسلّم، ثم قال له هشام: ما حاجتك؟ ولم يأذن له في الجلوس. فذكر قرابته وحاجته ثم استجداه، فقال له هشام: ما هذا الذي بلغني عنكم يا بني العباس؟ ثم يأتي أحدكم وهو يرى أنه أحق بما في أيدينا منا، والله لا أعطيتك شيئاً، فخرج محمد بن علي، فقال هشام كالمستهزئ: إن هذا الشيخ ليرى أن هذا الأمر سيكون لولديه هذين أو لأحدهما، فرجع محمد نحوه فقال: أما والله إني أرى ذلك على رغم من رغم، فضحك هشام وقال: أغضبنا

____________________

(١) الحُمَيْمَة: تبعد عن الشوبك أقل من مسيرة يوم، يقع بينها وبين الشوبك وادي موسى، وهي من الشوبك قبله بغرب. ويقال له:ا الشراة كذا ضبطها أبو الفداء. وفي مراصد الاطلاع لياقوت: تصغير الحمّة بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في الشام كان منزل بني العباس.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد المجلد ٣ الصفحة ٤٨٩.

٤٩

الشيخ. ثم مضى محمد بن علي)(١) .

أما هذه الرواية فقد رواها في (شرح النهج) على غير هذه الصورة، وأن الذي دخل على سليمان لا على هشام هو علي بن عبد الله بن العباس، وأنه أوسع له على سريره وبره وسأله عن حاجته، فقال: ثلاثون ألف درهم، فأمر بقضائها. قال واستوص بابنيَّ هذين خيراً ففعل. وشكره علي بن عبد الله وقال: وصلتك رحم، فلما ولّى قال سليمان لأصحابه: إن هذا الشيخ قد اختل وأسنّ وخلط، وصار يقول: إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمع ذلك علي بن عبد الله، فالتفت إليه وقال: أي والله ليكونن وليملكن هذان.

قال ابن أبي الحديد بعد نقل هذه الرواية: (قال أبو العباس المبرّد: (وفي هذه الرواية غلط؛ لأن الخليفة في ذلك الوقت لم يكن سليمان، وإنما ينبغي أن يكون دخل على هشام). وعلّل ذلك بما لا حاجة بنا إلى نقله(٢) .

الثامن:

قال المسعودي في مروجه(٣) : (ولما حبس إبراهيم الإمام بحرّان، وعلم أن لا نجاة له من مروان، أثبت وصيته وجعلها إلى أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد وأوصاه بالقيام بالدولة والجدّ والحركة، وأن لا يكون له بالحُمَيْمَة لبث ولا عرجة حتى يتوجه إلى الكوفة. فإن هذا الأمر صائر إليه لا محالة وإنه بذلك أتتهم الرواية، وأظهره على أمر الدعاة بخراسان، ورسم له بذلك رسماً أوصاه فيه أن يعمل عليه ولا يتعداه، ودفع الوصية بجميع ذلك إلى (سابق الخوارزمي) مولاه، وأمره إن حدث به حدث من مروان في ليل أو نهار أن يركب أسرع سابق في السير، فلما حدث ركب وسار حتى أتى الحُمَيْمَة فدفع الوصية إلى أبي العباس ونعاه إليه، فأمره أبو العباس بستر الوصية وأن ينعاه، ثم أظهر أبو العباس من أهل بيته على أمره، ودعا إلى مؤازرته ومكاشفته أخاه أبا جعفر عبد الله بن محمد وعيسى

____________________

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد المجلد ٢ الصفحة ٢١١.

(٣) مروج الذهب المجلد ٢ الصفحة ٢١٠ المطبعة البهية المصرية سنة ١٣٤٦هـ.

٥٠

ابن موسى بن محمد ابن أخيه وعبد الله بن علي عمه.

وتوجَّه أبو العباس إلى الكوفة مسرعاً، وهؤلاء معه في غيرهم ممن خفّ من أهل بيته، فلقيتهم أعرابية على بعض مياه العرب في طريقهم إلى الكوفة، وقد تقدم أبو العباس وأخوه أبو جعفر وعمه عبد الله بن علي فيمن كان معهم إلى الماء، فقالت الأعرابية: تالله ما رأيت وجوهاً مثل هذه ما بين خليفة وخليفة وخارجي، فقال لها أبو جعفر المنصور: كيف قلت يا أمة الله؟... قالت: والله لَيَلِهَا هذا، وأشارت إلى السفّاح، ولتخلفنّه أنت وليخرجنّ عليك هذا، وأشارت إلى عبد الله بن علي).

التاسع:

قال المسعودي: (ووجدت في أخبار المدائني عن محمد بن الأسود قال: بينما عبد الله بن علي يساير أخاه داود ومعهما عبد الله بن الحسن بن الحسن، فقال داود لعبد الله: لم لا تأمر ابنيك بالظهور؟...، فقال عبد الله: هيهات... لم يأنِ لهما بعد. فالتفت إليه عبد الله بن علي فقال: كأنك تحسب أن ابنيك هما قاتلا مروان، فقال: إن ذلك كذلك، فقال عبد الله: هيهات... وتمثّل:

سيكفيك المقالة مستميت خفيف اللحم من أولاد حام

أنا والله قاتله)(١) .

وروى ابن أبي الحديد هذا البيت هكذا:

سيكفيك الجعالة مستميت خفيف الحاذ من فتيان جرم

العاشر:

من إرهاصات الأمويين بانتقال الأمر منهم إلى العباس ما ذكره المسعودي في مروجه قال:

(وقيل لعبد الله بن علي: إن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز يذكر أنه

____________________

(١) مروج الذهب المجلد ٢ الصفحة ٢١٠ الطبعة نفسها.

٥١

قرأ في بعض الكتب عين بن عين بن عين، وقد أمل أن يكون هو. فقال عبد الله بن علي: أنا والله ذلك، ولي عليه فضل ثلاثة أعين، أنا عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، وهو عمرو بن عبد مناف. فلما صافَّ مروان عبد الله بن علي، أقبل مروان على رجل إلى جنبه فقال: من الرجل الذي كان يخاصم عندك عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الأقنى الحديد البصر الحسن الوجه؟...، فقلت: يرزق الله البيان من يشاء. قال: إنه لهو، قلت: نعم، قال: من وُلد العباس بن عبد المطلب هو؟... قلت: أجل. فقال مروان: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويحك إني ظننت أن الذي يحاربني من وُلد أبي طالب، وهذا الرجل من وُلد العباس واسمه عبد الله، أتدري لِمَ صيّرت الأمر بعدي لابني عبيد الله بعد عبد الله ومحمد أكبر من عبد الله؟ قلت: لِمَ؟ قال: لأنّا خُبِّرنا أن الأمر صائر بعدي إلى عبد الله أو عبيد الله، فنظرت فإذا عبيد الله أقرب إلى عبد الله من محمد فوليته دونه.

قال وبعث مروان بعد أن حدّث بهذا الحديث إلى عبد الله بن علي في خفية: إن الأمر يا ابن عم صائر إليك، فاتّق الله في الحرم.

قال: فبعث إليه عبد الله أن الحق لنا في دمك والحق علينا في حرمك)(١) . وفي شرح النهج توسع في هذا الحديث فترك نقله خوف التطويل.

الحادي عشر:

وفي الكامل لابن الأثير، قال محمد بن علي بن عبد الله: لنا ثلاثة أوقات: موت الطاغية يزيد بن معاوية، ورأس المائة، وفتن افريقية. فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم تُقبِل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيلهم (المغرب) ويستخرجوا ما كنز الجبّارون. فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بافريقية ونقضت البربر، بعث محمد بن علي إلى خُراسان داعياً وأمره أن يدعو إلى الرضا ولا يُسمي أحداً(٢) .

____________________

(١) مروج الذهب المجلد ٢ الصفحة ٢١٥ نفس الطبعة.

(٢) الكامل لابن الأثير المجلد ٥ الصفحة ٤٠٨ الناشر دار بيروت سنة ١٩٦٥.

٥٢

الثاني عشر:

في شرح النهج: (كان العلاء بن رافع ذي الكلاع الحِميري مؤانساً لسليمان بن هشام بن عبد الملك لا يكاد يفارقه، وكان أمر المسوِّدة بخُراسان قد ظهر ودنوا من العراق واشتد إرجاف الناس ونطق العدو بما أحبَّ في بني أمية وأوليائهم.

قال العلاء: فإني لمع سليمان وهو يشرب تجاه رصافة أبيه، وذلك في آخر أيام يزيد الناقص وعنده الحَكَم الأَوْدي، وهو يُغنّيه بشعر البُرْجميّ:

إن الحبيب تروحت اجماله أُصُلاً فدمعك دائم إسباله

فافْنِ الحياة فقد بكيت بعولة لو كان ينفع باكياً إعواله

يا حبذا تلك الحمول وحبذ شخص هناك وحبذا أحماله

فأجاد ما شاء، وشرب سليمان بن هشام بالرطل وشربنا معه حتى توسدنا أيدينا، فلم أنتبه إلا بتحريك سليمان إياي، فقمت مسرعاً وقلت: ما شأن الأمير؟... فقال: على رسلك، رأيت كأني في مسجد دمشق وكأن رجلاً على يده حجر وعلى رأسه تاج أرى بصيص ما فيه من الجوهر وهو رافع صوته بهذا الشعر:

أبني أمية قدْ دنا تشتيتكم وذهاب ملككم وليس براجع

وينال صفوته عدوّ جادح(١) كأساً لكم بسمام موت ناقع

فقلت: أُعيذ الأمير بالله من وساوس الشيطان الرجيم، هذا من أضغاث الأحلام، ومما يقتضيه ويجلبه الفكر وسماع الأراجيف.

فقال: الأمر كما قلت لك، ثم وجم ساعة وقال: يا حِمْيري بعيد ما يأتي به الزمان قريب. قال العلاء: فو الله ما اجتمعنا على شراب بعد ذلك اليوم)(٢) .

____________________

(١) جادِح: من جَدَحَ الشيء اي خلطه بشيء من الماء أو اللبن أو نحوهما.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المجلد ١٢ الصفحة ٢٠٧.

٥٣

الثالث عشر:

وهو من إخبار الغيب عن زوال ملك بني أُميَّة، جاء ممن لم تكذب له فراسة أو ملحمة أو خبر عن غائب مما صح عنه، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو المَعْزو عِلمُه إلى علم الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وفراسته الصادقة إلى الإلهام قال كما جاء في نهج البلاغة:

«إنَّ لبني أُميّة مِروداً (١) يجرون فيه، ولو قد اختلفوا فيما بينهم، ثم كادتهم الضِّباع لغَلبتهم» .

قال ابن أبي الحديد في شرحه: (هذا إخبار عن غيب صريح؛ لأن بني أمية لم يزل ملكهم منتظماً لما لم يكن بينهم اختلاف، وإنما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية في (صفّين) وحرب يزيد مع أهل المدينة وابن الزبير بمكة وحرب مروان للضحاك وحرب عبد الملك لابن الأشعث وابن الزبير، وحرب يزيد ابنه لبني المهلب، وحرب هشام لزيد بن علي.

فلما ولي الوليد بن يزيد وخرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد وقتله، اختلفت أمية فيما بينها، وجاء الوعد وصدق من وعد به، فإنه منذ قتل الوليد دعت دعاة بني العباس بخراسان، وأقبل مروان بن محمد من الجزيرة يطلب الخلافة، فخلع إبراهيم بن الوليد وقتل قوماً من بني أمية، واضطرب أمر الملك وانتثر، وأقبلت الدولة الهاشمية وتمت، وزال ملك بني أمية، وكان زوال ملكهم على يد أبي مسلم، وكان في بدايته أضعف خلق الله وأعظمهم فقراً ومسكنة، وفي ذلك تصديق قوله (عليه السلام)«ثم كادتهم الضباع لغلبتهم» )(٢) .

وهذا السبب وهو أهم أسباب زوال الملك الأموي، يجب أن يُضاف إلى الأسباب التي مهّدنا بها في المقدمة لتاريخ الشيعة السياسي.

ولم يخف السبب على أعلام الهاشميين الذين كانوا يعملون على إسقاط الدولة الأموية سواء في ذلك علويّهم وعباسيّهم، فقد نقل أبو الفرج الأصبهاني في مقاتله:

____________________

(١) مِرْوَد: على وزن مِفْعَل من الإرواد وهو الإمهال والإنظار.

(٢) شرح نهج البلاغة ج٨ ص٨٥٧ - مكتبة الحياة بيروت.

٥٤

(إن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها، وأكثركم بركة يا ذرّية محمد، وقد ترون كتاب الله معطّلاً وسنّة نَبيّه متروكة والباطل حيّاً والحق ميتاً، قاتلوا لِلّه في الطلب لرضاه بما هو أهله، قبل أن ينزع منكم اسمكم، وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه. وقد علمتم أنّا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم، فقد قتلوا صاحبهم الوليد بن يزيد، فهلمَّ نبايع محمداً)(١) .

وجرى ما قد ذكرناه في القسم الرابع مما رواه أبو الفرج في غير هذا الطريق.

الرابع عشر:

عن مقتل الطالبيين بحذف الإسناد، قال بعد ذكره دعوة محمد بن عبد الله بن الحسن لنفسه، ودعوة أبيه ومن دعاه إليه من أهل بيته عقب قتل الوليد بن يزيد ووقوع الفتنة بعده:

(وكان قد سُعي به إلى مروان بن محمد، فقال: لست أخاف أهل هذا البيت؛ لأنه لا حظّ له في الملك، وإنما الحظ لبني عمهم العباس.

وبعث إلى عبد الله بن الحسن بمال واستكفاه، وأوصى عامله بالحجاز أن يصونهم ولا يعرض لمحمد بطلب، ولا إخافة إلا أن يستظهر حرباً أو شقّاً لعصا)(٢) .

وقال:

(إن مروان لما بعث عبد الملك بن عطية السعدي لقتال الحرورية، لقيه أهل المدينة سوى عبد الله بن الحسن وابنيه محمد وإبراهيم. فكتب بذلك إلى مروان: (إني هممت بضرب أعناقهم). فكتب إليه مروان: أن لا تعرض لعبد الله ولا لابنيه، فليسوا بأصحابنا الذين يقاتلوننا ويظهرون علينا)(٣) .

____________________

(١) أبو فرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيّين.

(٢) مقاتل الطالبيّين.

(٣) مقاتل الطالبيّين.

٥٥

وبعد فإنك لترى أن مروان لم يكن يتخوف العلويين، وإنه على بيّنة من أن بني العباس هم الذين ينازعونه سلطانه، ومنهم يتخوّف انتزاعه لا من العلويّين.

الخامس عشر:

في كامل ابن الأثير: (وكان مروان لمّا أرسل للقبض عليه أي على (إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس)، وصف للرسول صفة أبي العبّاس؛ لأنه كان يجد في الكتب: إنَّ مَنْ هذه صفته يقتلهم ويسلبهم ملكهم! وقال له ليأتيه بإبراهيم بن محمد.

فقدم الرسول: فأخذ أبا العباس بالصفة، فلما ظهر إبراهيم وأمن قيل للرسول، إنما أُمرتَ بإبراهيم، وهذا عبد الله. فترك أبا العباس وأخذ إبراهيم: فانطلق به إلى مروان، فلما رآه قال: ليس هذه الصفة التي وصفت لك... فقالوا: قد رأينا الصفة التي وصفت، وإِنّما سَمَّيْت إبراهيم، فهذا إبراهيم. فأمر به فحُبس وأعاد الرسول في طلب أبي العباس فلم يروه)(١) .

السادس عشر:

وهو يلخّص ما فصّلناه من أمور الإرهاصات بزوال الملك الأموي، وهو ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، قال:

(قلت: سألت النَقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد رحمه الله تعالى فقلت له: من أي طريق عرف بنو أمية أن الأمر سينتقل عنهم، وأنه سيليه بنو هاشم، وأول من يلي منهم سيكون اسمه عبد الله؟ وقد منعوهم عن الزواج من بني الحرث بن كعب لعلمهم أن أول من يلي الأمر من بني هاشم تكون أمه حارثية؟

وبأي طريق عرف بنو هاشم أن الأمر سيصير إليهم ويملكه عبيد أولادهم حتى عرفوا صاحب الأمر منهم بعينه كما قد جاء في هذا الخبر؟ فقال: أصل هذا كله محمد بن الحنفية، ثم ابنه عبد الله المكنّى أبا هاشم.

____________________

(١) الكامل لابن الأثير المجلد ٥ الصفحة ٤٠٩ الناشر دار بيروت سنة ١٩٦٥.

٥٦

قلت له: أفكان محمد بن الحنفية مخصوصاً من أمير المؤمنين (عليه السلام) بعلم يستأثر به على أخويه حسن وحسين (عليهما السلام)؟

قال: لا ولكنهما كتما وأذاع. ثم قال: قد صحّت الرواية عندنا عن أسلافنا وعن غيرهم من أرباب الحديث، أن عليّاً (عليه السلام) لمّا قُبض، أتى محمد ابنه أخويه حسناً وحسيناً (عليهما السلام) فقال لهما: أعطياني ميراثي من أبي. قال أبو جعفر (فروى أبان بن عثمان عمن نروي له ذلك عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال:« فدفعا إليه صحيفة لو أَطلعاه على أكثر منها لهلك، فيها ذكر دولة بني العباس» . قال أبو جعفر: وقد روى أبو الحسن علي بن محمد النوفلي قال: حدثني عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال: لما أردنا الهرب من مروان بن محمد لمّا قُبض على إبراهيم الإمام جعلنا نسخة الصحيفة التي دفعها أبو هاشم ابن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وهي التي كان آباؤنا يسمونها صحيفة الدولة، (جعلناها) في صندوق من نحاس صغير، ثم دفناه تحت زيتونات بالشّراة - لم يكن بالشّراة من الزيتون غيرهن -. فلما أفضى السلطان إلينا وملكنا الأمر، أرسلنا إلى ذلك الموضع رجلاً فبحث وحفر فلم يوجد فيه شيء، فأمرنا بحفر جَرِيب من الأرض(١) في ذلك الموضع حتى بلغ الحفر الماء، ولم نجد شيئاً.

قال أبو جعفر: (وقد كان محمد بن الحنفية صرّح بالأمر لعبد الله بن العباس وعرّفه تفصيله، ولم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد فصّل لعبد الله بن العباس الأمر، وإنما أخبره به مجملاً كقوله في هذا الخبر:«خذ إليك أبا الأملاك» ، ونحو ذلك مما كان يعرض له به. ولكن الذي كشف القناع وأبرز المستور عليه هو محمد بن الحَنفيّة، وكذلك أيضاً ما وصل إلى بني أميّة من علم هذا الأمر فإنه وصل من جهة محمد بن الحنفيّة وأطلعهم على السر الذي علمه، ولكن لم يكشف لهم كشفه لبني العباس، فإن كشفه الأمر لبني العباس كان أكمل).

قال أبو جعفر: (فأمّا أبو هاشم فإنه قد أفضى بالأمر إلى محمد بن

____________________

(١) جريب من الأرض: مقدار معلوم من الأرض.

٥٧

علي بن عبد الله بن العباس، وأطلعه عليه وأوضحه له.

فلما حضرته الوفاة عقيب انصرافه من عند الوليد بن عبد الملك مرّ بالشّراة وهو مريض، ومحمد بن علي بها، فدفع إليه كتبه وجعله وصيّه، وأمر الشيعة بالاختلاف إليه).

قال أبو جعفر: (وحضر وفاة أبي هاشم ثلاثة نفر من بني هاشم: محمد بن علي هذا، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب. فلما مات خرج محمد بن علي ومعاوية بن عبد الله بن جعفر من عنده، وكل واحد منهما يدعي وصايته، فأما عبد الله بن الحرث فلم يقل شيئاً).

قال أبو جعفر: (وصدق محمد بن علي أنه إليه أوصى أبو هاشم وإليه دفع كتاب الدولة. وكذب معاوية بن عبد الله بن جعفر، لكنه قرأ الكتاب فوجد لهم فيه ذكراً يسيراً، فادّعى الوصيّة بذلك، فمات. وخرج ابنه عبد الله بن معاوية يَدّعي وصاية أبيه، ويدعي لأبيه وصاية أبي هاشم، ويظهر الإنكار على بني أمية، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سرّاً حتى قُتل)(١) .

هذا بعض ما أرهص به المرهصون وتنبأ به المتنبئون، وجاءت به الرواية عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبعض أهل بيته بزوال ملك بني أمية، ومصير الخلافة إلى بني العباس.

وقد يكون الكثير منها مبنيّاً على الفراسة والحدس، مما آل إليه أمر الأمويين من الاضطراب والفساد المؤدّيين إلى الانقلاب، مع اختلافهم فيما بينهم، وفي الاختلاف ذهاب الريح. وتطلّع الخاصة من مفكري الأمة إلى من يجب أن يحلّ محلهم إن زال ملكهم، وزواله أصبح متحقق الوقوع لتوفّر أسبابه. وقد نفرت من حكمهم النفوس، وزواله أصبح متحقق الوقوع لتوفّر أسبابه. وقد نفرت من حكمهم النفوس، وهو قائم على افتئاتهم وافتئات عمّالهم وأوليائهم بسلطان الأمة والتحكم في أعشارها وإيشارها، وقيام الخارجين عليهم من الهاشميين وغير الهاشميين علويّهم وجعفريّهم وعباسيّهم، وقد لاقوا من اضطهادهم واضطهاد أحزابهم وأشياعهم ما لا تحتمله النفوس الأبية.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

٥٨

فإن المقتول منهم في عهد بني أمية، دع من قُتل في وقعة كربلاء: زيد بن علي بن الحسين وولده يحيى، وعبد الله بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخو جعفر بن محمد، وعبيد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومن وُلْدِ جعفر عبد الله بن عون بن عون بن جعفر بن أبي طالب، ومن وُلْدِ محمد بن الحنفيّة ولده أبو هاشم ثم عبد الله الذي دَسَّ إليه من سمَّه سليمانُ بن عبد الملك حين وفد عليه واحتمل السمّ إلى الحُمَيْمَة بأرض الشّراة فمات بها، وقد تقدم ذكر ذلك.

ومقتل إبراهيم الإمام في حرّان في سجنه في عهد مروان بن محمد، دَعْ أحداث الفتنة اليمانية النّزارية التي أذكاها الكُمَيْت ودِعْبِل كما عرفت آنفاً، واستفحال أمر الخوارج.

كل ذلك وما إليه، دعا خاصة الأمة إلى التفكير فيمن يلي أمورها إن زال المُلك الأُموي، ومن هو من الهاشميين أقرب إلى انضواء الكافّة تحت لوائه، وانصرافهم إلى الدعوة إليه والعمل لها.

وكانت كلمة الشيعة قد اختلفت فيمن هو أهل للإمامة اختلافاً عظيماً، فبعضهم يرى صرفها إلى آل أبي طالب من وُلْد علي، وفريق منهم يراها في الأئمة من وُلد الحسين، وآخر في ولد الحسن والحسين بدون تعيين في الشخص بل في الوصف كمعتقد الزيدية، وآخر في محمد بن الحنفية ووَلدِه أبي هاشم وهم الكيسانية، وآخر في وُلد العباس وهم الراوَنْديّة ومنهم أبو مسلم الخراساني صاحب دعوتهم الأعظم.

ولئن كانت الدعوة تكاد تكون متمحضة لأهل البيت النّبويّ فقد كانت الأسباب مهيأة لبني العباس، وليس لأوّلهم ما لأوّل بني علي من الحفائظ في الصدور المرضى التي أعادها إليها بعد أن أسكتت نأمتها وأخفت نارها عظمة النبوة وأبّهة الخلافة وظهور أمر المسلمين على الأمم واشتغالهم بالفتوحات العظيمة. أعادها رجوع العصبيات إلى القبائل العربية بكل ما تضمره من ضغائن وأحقاد. وتجدّدت تذكارات أخلاف من أُصيبوا من أسلافهم في حروب علي، سواء كان في صدر الدعوة الإسلامية أم كانفي حروب صِفِّين والجمل والنَّهروان، وذلك إلى أول صدمة اصطدم بها علي في صرف الخِلافة عنه في السَّقيفة والشّورى، وابتلائه بعد أن صارت

٥٩

الخلافة إليه بخروج طَلحة والزُّبَير وعائشة، ثم بمنازعة معاوية له، ثم قتله على يد الخوارج، واستئثار معاوية بالسلطان، وسنّه مسبّة علي على المنابر، وتوليته العهد لولده يزيد الذي لم يكن على شيء من العلم والحلم والدين والسياسة، والذي كان من باكورة أعماله وقعة (الطّفّ) التي أذلّت الهاشميين عامة والعلويّين خاصة.

وإنّ قتيل الطّفّ من آل هاشم أذلّ رقاباً من قريش فذلّت

ثم تُنقل الخلافة التي أصبحت مُلكاً عضوضاً صرفاً إلى مروان وبني مروان الذين جروا على طابع سياسة معاوية من إماتة العصبية الهاشمية وخاصة العلوية، واختصاصهم بالولايات والزُلفى، وضروب المصانعات من هم أكثر كرهاً لعلي وأهل بيته، وأبعد عن الرحمة لهم ولشيعتهم، وتنفر القلوب منهم، وما إلى ذلك من ضروب الأساليب من تبعيد الناس عن أهل البيت من أبناء علي، بل ومن أبنائه من آل فاطمة، وما كان للأمويّين مثل هذه السياسة المرهقة مع بني العباس. هذا وبنو فاطمة لم يكونوا متفقين في الخروج، فإن خاصتهم وهم الأئمة الذين يعتقد بإمامتهم الإمامية لم يكونوا يرون الخروج ولا يرون أن الأمر صائر إليهم، وهم منصرفون إلى الدين وتعليم شرائعه تحت ستار من التقيَّة، مبتعدون كل الابتعاد عن مظاهر الدنيا وأبهة سلطانها.

أما بنو العباس فكانوا على اتفاق في طلب هذا الأمر على عكس الفاطميين، وحسبك أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية قد أوصى بالإمامة لمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فكانت هذه الوصية له تأييداً للعباسيين والدعوة العباسية.

ومن مجموع هذه الأسباب استجمعت دعوة بني العباس شرائطها، وكان من الطبيعي أن يرهص المرهصون، ويتفرّس المتفرّسون، ويتنبّأ المتنبّئون بمصير الأمر إليهم مضافاً إلى ما يعضد هذا الإرهاص وذلك التفرّس والتنبؤ مما ورد به الحديث والرواية، وبلغ مضمونه أشياع بني العباس وخاصةَ بني أمية.

هذا وما كانت دعوة العباسيين في أول الأمر إلاّ دعوة شيعية عامة يراد منها التغلب على الأمويين، وإنقاذ الأمة من مظالمهم - وقد تجاوزت أقصى الحدود - والأخذ بثأر بني علي، فكان ذلك من تضافر الدعوة

٦٠

العباسية، وكانت شيعية، وإن لم يرها الإمامية من الشيعة. ولمْ يَقُمْ بمناصرتها الأئمة وخاصتهم، ولكنهم لم يكونوا كارهين لها، ولا ساخطين عليها، ولا عاملين على مناهضتها، ولا داعين في السر والعلانية على إحباطها، بل هم راضون بها في ذات سرهم لقضائها إذا ظفرت على المظالم الأموية، وظفرها متيقن، ولتوقعهم منها الأخذ بثاراتهم، ولتوقعهم منها أُفُقاً واسعاً لنشر تعاليمهم الدينية.

ولم يكن لهذا الفريق الصالح من آل علي وفاطمة مطمع في الخلافة، وطموح إليها، وإن كانوا أحق الناس بها ويرون كما عرفت أنها غير صائرة إليهم.

إنك لترى كيف رفض أبو عبد الله جعفر بن محمد دعوة أبي سلمة حفص بن سليمان، حين أراد صرف الدعوة عن بني العباس - بعد مقتل إبراهيم الإمام وهو بالكوفة يملك ناصية الجيش - إلى بني علي، وقد كتب إليه بذلك كما كتب إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، بل أحرق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، بحيث يرى ذلك رسول أبي سلمة. ونصح عبد الله بن الحسن، وقد جاءه بكتاب أبي سلمة، يدعوه كما دعا أبا جعفر برفض قبول الدعوة ويحذّره عقباها.

وكذلك منع محمد الباقر أخاه زيداً من الخروج على هشام بن عبد الملك، ولم يكن خروجه للطلب بالإمامة وهو يعلم أنها لأخيه الباقر، بل كان خروجه كما علّله ابن خلدون، وكما هو واقع الحال، داعياً للكتاب والسنة، وإلى جهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، والعدل في قسمة الفيء، وردّ المظالم، وأفعال الخير، ونصر أهل البيت.

وقد رفض علي بن الحسين (زين العابدين) دعوة المختار له، وقد قام يطالب بثأر أبيه، وأخذ يدعو لأهل الثغور، والعهد عهد عبد الملك بن مروان، ودماء أهل بيته بعد لم تجفّ، يدعو لهم بالنصر والتمكين.

وانظر كيف حمل المأمون عليّ بن موسى الرضا على قبول ولاية عهده التي لم يقبلها مختاراً.

يعلم أئمة أهل البيت أن الأمة وقد انغمست في حمأة الدنيا، وألقت

٦١

إليهم الأرض الغضّاء بأفلاذ أكبادها، وتفتحت لهم عن كنوزها، ودانت لسلطانهم الواسع الأمم والشعوب، وخفق لواؤهم على أقاليم الشرق والغرب، هيهات أن يُساسوا بعد ذلك بسياسة الإمامة الدينية، وفي هذه السياسة وقد اشرأبت أعناق المسلمين إلى الدنيا، وما العهد عن سياسة النبوّة الدينية وعن سياسة الخلفاء الراشدين ببعيد، ساور الانتقاض من هنا وهناك خلافة جدهم علي، وما كان يجهل أفانين السياسة وضروبها، وما كان بالجبان ولا بالعاجز الوكل.

كل ذلك كان من آيات فوز الدعوة العباسية على الدعوة العلوية التي لم يقم بها إلاّ فريق منهم، لا يؤيده ذلك الفريق الصالح وإن بدئت الدعوة في أول الأمر بمحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

وكيف بعد توفّر هذه الأسباب لنجاح الدعوة العباسية لا يتفرّس المتفرّسون بمصير الأمر إليهم؟

على أن الدعوة العلوية الضئيلة قد حاربها دعاة بني العباس، وحسبك أن أبا مسلم داعيتهم هو الذي قتل عبد الله بن معاوية بن جعفر الذي دعا إلى نفسه بالكوفة، ثم خرج هارباً منها ومن البلاد التي بايعته بعد غلبته إلى خراسان.

وإنك لترى مثل هذا التفرّس والإرهاص لدولة قامت، فترى مثله لبني أمية، وبني بويه، ولكافور الاخشيدي، ولبني إدريس، وللفاطميين.

وسواء أصح كل ما تفرّس به المتفرّسون أم لم يصحّ، فإن من مجموع ما ذكرناه من حديث وخبر، ومن أسباب قريبة وبعيدة، ومن سياسة رشيدة كان يقوم بها بنو العباس ومن انضمّ إليهم من بني علي وشيعتهم، واتساع خراسان الإقليم الواسع لنشر الدعوة وهو الإقليم الذي لم تغمره العصبيّة للقبيل الأمويّ، جعلت لتلك الإرهاصات وذلك التفرس مكانهما من الإصابة.

والله غالب على أمره وإليه مصير الأمور.

٦٢

تاريخ الفاطميين

دول الشيعة العلويين في المغرب

قال ابن خلدون(١) : (بعد إلمامة قصيرة بما جرى لشيعة علي (عليه السلام) بالكوفة، ومَوجِدتِهم على الحسن، واضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم، ومقتل من كان يتولى كِبَر ذلك كحِجْر بن عَدِيّ وأصحابه، واستدعاء الكوفيين الحسين، بعد وفاة معاوية، ومقتله، وندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته، وخروجهم بعد وفاة يزيد، وبيعة مروان، ثم خروج المختار بن أبي عُبَيْد الثقفي للمطالبة بدم الحسين (عليه السلام)، ودعوته لمحمد بن الحنفيّة، واتّباع جموعة من الشيعة له، وقتل المختار لزياد، ثم نقمة محمد بن الحنفية عليه من أحوالٍ بلغته عنه، وكتابته إليه بالبراءة منه)، إلى أن قال:

(ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن علي بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك، فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه، وخرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خراسان، فقتل وصلب كذلك، وطّلّت دماء أهل البيت في كل ناحية)(١) .

إلى أن قال:

(ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلوية، وذهبوا طرائق قِدَداً، فمنهم الإمامية القائلون بوصية النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعلي بالإمامة، ويسمونه الوصي بذلك، ويتبرؤون من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم،

____________________

(١) ملخص عن المجلد الرابع من تاريخ ابن خلدون.

٦٣

وخاصموا زيداً بذلك حين دعا بالكوفة. ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسمّوا بذلك رافضة.

ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي وبنيه على سائر الصحابة، وعلى شروط يشترطونها، وإمامة الشيخين عندهم صحيحة، وإن كان علي أفضل، وهذا مذهب زيد وأتباعه وهم جمهور الشيعة وأبعدهم عن الانحراف والغلو.

ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان، يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد الحسن والحسين، ومن هؤلاء كانت شيعة بني العباس القائلون بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالإمامة.

وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة، وافترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم. وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان.

ولما صار أمر بني أمية إلى اختلال، أجمع أهل البيت بالمدينة وبايعوا بالخلافة سرّاً لمحمد بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن بن علي وسلم له جميعهم. وحضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وهو المنصور، وبايع فيمن بايع له من أهل البيت، وأجمعوا على ذلك لتقدمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم.

ولهذا كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتجّان إليه حين خرج من الحجاز.

ويريدون أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل، وربما صار إليه الأمر من عند الشيعة بانتقال الوصية من زيد بن علي.

وكان أبو حنيفة يقول بفضله ويحتج إلى حقه، فتأدت إليه المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور حتى ضرب على الفتيا في طلاق المكره، وحُبس أبو حنيفة على القضاء.

ولما انقرضت دولة بني أمية وجاءت دولة بني العباس، وصار الأمر لأبي جعفر المنصور، سعى عنده ببني حسن، وإن محمد بن عبد الله يروم

٦٤

الخروج، وإن دعاته ظهروا بخراسان، فحبس المنصور لذلك بني حسن وأخوته حسن وإبراهيم وجعفر وعلي القائم وابنه موسى بن عبد الله وسليمان وعبد الله ابن أخيه داود، ومحمد وإسماعيل وإسحق بني عمه إبراهيم بن الحسن، في خمسة وأربعين من أكابرهم، وحُبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم، وأرهبوا لطلب محمد بن عبد الله، فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين، وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وفارس، وبعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها، وبعث عاملاً إلى اليمن، ودعا لنفسه وخطب على منبر النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وتسمّى بالمهدي، وكان يُدعى (النفس الزكية)، وحبس عثمان بن رباح المرّي عامل المدينة، فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور)(١) .

ثم ذكر نص الكتاب وجواب محمد بن عبد الله وجواب المنصور إلى أن قال:

ثم عقد أبو جعفر على حربه لعيسى ابن عمه موسى بن علي، فزحف إليه في العساكر وقاتله بالمدينة فهزمه، وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين، ولحق ابنه علي بالسند إلى أن هلك هناك، واختفى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استُوفِّيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور.

ورجع عيسى إلى المنصور، فجهَّزه لحرب إبراهيم أخي محمد بالعيرة(٢) ، فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه وقتله حسبما مر ذكره هنالك، وقتل معه عيسى بن زيد بن علي فيمن قتل من أصحابه.

وزعم ابن قتيبة أن عيسى بن زيد بن علي ثار على المنصور بعد قتل أبي مسلم، ولقيه في مائة وعشرين ألفاً، وقاتله أياماً إلى أن هم المنصور بالفرار. ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة، فكان معه هنالك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر.

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون م٤ ص٤، ٥، ٦ - دار الكتاب اللبناني.

(٢) العيرة: اسم موقع.

٦٥

ثم خرج بالمدينة أيام المهدي سنة تسع وستين من بني حسن، الحسين بن علي بن حسن المثلّث وهو أخو عبد الله بن حسن المثنّى وعم المهدي، وبويع للرضا من آل محمد، وسار إلى مكة، وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي، وقد كان قدم حاجّاً من البصرة، فولاّه حربه يوم الترْوِيَة فقاتله بفجَّة على ثلاثة أميال من مكة وهزمه وقتله، وافترق أصحابه، وكان فيهم عمه إدريس بن عبد الله، فأفلت من الهزيمة مع من أفلت منهم يومئذ، ولحق بمصر نازعاً إلى المغرب، وعلى بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور ويُعرف بالمسكين، وكان يتشيع، فعلم بشأن إدريس وأتاه إلى المكان الذي كان به مستخفياً، وحمله على البريد إلى المغرب، ومعه راشد مولاه، فنزل بوليلى سنة ست وسبعين، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير (أوريه) من قبائل البربر وكبيرهم لعهده، فأجازه وأكرمه، وجمع البربر على القيام بدعوته، وخلع الطاعة العباسية وكشف القناع، واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره، وكان فيهم مجوس فقاتلهم إلى أن أسلموا.

وملك المغرب الأقصى، ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين، ودخلت ملوك (زِناتة) أجمع في طاعته، واستفحل ملكه وخاطب إبراهيم بن الأغلب صاحب القيروان، وخاطب الرشيد بذلك، فشد إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز، ويعرف بالشّماخ، وأنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب، فأجازه ولحق بإدريس مظهراً للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئاً من الدعوة العباسية ومنتحلاً للطالبيين.

واختصه الإمام إدريس وحلى بعينه، وكان قد تأبط سماً في سنون، فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه، فكان فيها فيما زعموا حتفه.

ودفن ببوليلى سنة خمس وسبعين، وفرّ الشّماخ ولحقه راشد بوادي ملوية، فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيهما راشد يده، وأجاز الشّماخ الوادي فأعجزه.

وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه إدريس سنة ثمان وثمانين، واجتمعوا على القيام بأمره، ولحق به كثير من العرب من أفريقية والأندلس.

وعجز بنو الأغلب أمراء أفريقية عنه، فاستفحلت له ولبنيه بالمغرب

٦٦

الأقصى دولة، إلى أن انقرضت على يد أبي العافية وقومه مكناسة أولياء العبيديين أعوام ثلاثة عشر وثلاثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر)(١) .

إلى أن قال:

(ثم خرج يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن إدريس في الديلم سنة ست وسبعين أيام الرشيد، واشتدت شوكتهم، وسرَّح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان، وتلطّف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب، ويكتب له الرشيد بذلك خطه، فتم بينهما. وجاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب، وأجرى له أرزاقاً سنية، ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير. فيقال: أطلقه بعدها ووصله بمال، ويقال: سمَّه لشهر من اعتقاله، ويقال: أطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكان بسببه نكبة البرامكة، وانقرض شأن بني حسن، وخفيت دعوة الزيدية حيناً من الدهر، حتى كان منهم بعد ذلك باليمن والديلم ما نذكره والله غالب على أمره)(٢) .

الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد

(كانت الدولة العباسية قد تمهّدت من لدن أبي جعفر المنصور منهم. وسلك أمر الخوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة، حتى إذا هلك الرشيد ووقع بين بنيه من الفتنة ما وقع، وقتل الأمين بيد طاهر بن الحسين ووقع في حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع.

وبقي المأمون مقيماً بخراسان تسكيناً لأهلها عن ثائرة الفتن، وولّى على العراق الحسن بن سهل.

اتّسع الخرق حينئذ بالعراق، وأشيع عن المأمون أن الفضل بن سهل غلب عليه وحجره، فامتعض الشيعة لذلك وتكلموا، وطمع العلوية في التوثب على الأمر، فكان في العراق أعقاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنى المقتول بالبصرة أيام المنصور، وكان منهم محمد بن إسماعيل بن

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون م٤ ص١٢، ١٣، ١٤.

(٢) تاريخ ابن خلدون م٤ ص١٤، ١٥.

٦٧

إبراهيم، (ولقبه أبوه طباطبا لِلَكْنَةٍ كانت في لسانه أيام مرباه بين داياته)، فلُقب بها.

وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلى إمامته؛ لأنها كانت متوارثة في آبائه من إبراهيم الإمام جده على ما قلناه في خبره، فخرج سنة تسع وتسعين، ودعا لنفسه. ووافاه (أبو السرايا السريّ بن منصور) كبير بني شيبان، فبايعه، وقام بتدبير حربه، وملك الكوفة وكثر تابعوه من الأعراب وغيرهم.

وسرح الحسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله، فهزمه طباطبا، واستباح معسكره، ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة، ويقال: إن أبا السرايا سمّه لما منعه من الغنائم. فبايع أبو السرايا يومه لمحمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين، واستبدّ عليه. وزحفت عليهم جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا، وملك البصرة وواسط والمدائن.

وسرح الحسن بن سهل لحربه (هِرثَمَة بن أَعْيُن) وكان مغضباً، فاسترضاه وجهّز له الجيوش. وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه، فغلبهم على المدائن وهزمهم وقتل منهم خلقاً.

ووجه أبو السرايا إلى مكة (الحسين الأفطس) بن الحسن بن علي زين العابدين، وإلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنَّى بن الحسن، وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق، وكان يُقال له: زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة.

فملكوا مكة والمدينة والبصرة، وكان بمكة مسرور الخادم الأكبر، وسليمان بن داود بن عيسى. فلما أحسوا بقدوم الحسين فرّوا عنها، وبقي الناس في الموقف فوضى. ودخلها الحسين من الغد، فعاث في أهل الموسم ما شاء الله، واستخرج الكنز الذي كان في الكعبة من عهد الجاهلية، وأقرّه النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والخلفاء بعده، وقدرُهُ فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب. فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله.

ثم إن هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه، ثم بحث عن منصور بن المهدي فكان أميراً معه، واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة، وخرج إلى القادسية ثم إلى واسط. ولقيه عاملها وهزمه، ولحق بجلولا مغلولاً جريحاً، فقبض

٦٨

عليه عاملها وقدمه إلى الحسن بن سهل بالنَهروان، فضرب عنقه، وذلك سنة مائتين.

وبلغ الخبر الطالبيين بمكة، فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق.

وسمُّوه أمير المؤمنين، وغلب عليه ابناه علي وحسين، فلم يكن يملك معهما من الأمر شيئاً.

ولحق إبراهيم ابن أخيه موسى الكاظم بن جعفر الصادق باليمن في أهل بيته، فدعا لنفسه هنالك، وتغلّب على الكثير من بلاد اليمن، وسُمّي الجزّار لكثرة ما قتل من الناس.

وخلص عامل اليمن وهو إسحاق بن موسى بن عيسى إلى المأمون، فجهَّزه لحرب هؤلاء الطالبيين، فتوجه إلى مكة وغلبهم عليها.

وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الأعراب بالساحل، فاتبعهم إسحق وهزمهم، ثم طلبهم. وطلب محمد الأمان فأمنه، ودخل مكة وبايع للمأمون، وخطب على المنابر بدعوته.

وسابقته الجيوش إلى اليمن فشرّدوا عنه الطالبيين، وأقاموا فيه الدعوة العباسية.

ثم خرج (الحسين الأفطس) ودعا لنفسه بمكة، وقتله المأمون، وقتل ابنيه عليّاً ومحمداً.

ثم إن المأمون لما رأى كثرة الشيعة واختلاف دعائهم، وكان يرى مثل رأيهم أو قريباً منه في شأن عليٍّ والسبطين، فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة إحدى ومائتين.

وكتب بذلك إلى الآفاق، وتقدم إلى الناس، فنزع السواد ولبس الخضرة. فحقد بنو العباس ذلك من أمره، وبايعوا بالعراق لعمّه إبراهيم بن المهدي سنة اثنتين ومائتين. وخطب له ببغداد، وعظمت الفتنة.

وشخص المأمون من خراسان متلافياً أمر العراق، وهلك علي بن موسى في طريقه فجأةً، ودفن بطوس سنة ثلاث ومائتين. ووصل المأمون إلى

٦٩

بغداد سنة أربع ومائتين، وقبض على عمه إبراهيم وعفا عنه وسكّن الفتنة.

وفي سنة تسع ومائتين خرج باليمن عبد الرحمان بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، يدعو للرضا من آل محمد، وبايعه أهل اليمن، وسرّح إليه المأمون مولاه ديناراً، واستأمن له فأمنه، وراجع الطاعة.

ثم كثر خروج الزيدية من بعد ذلك بالحجاز والعراق والجبال والديلم، وهرب منهم إلى مصر خلق، وأُخذ منهم خلق.

وتتابع دعاتهم، فأول من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن زين العابدين، هرب خوفاً من المعتصم سنة تسع عشرة ومائتين، وكان بمكان من العبادة والزهد، فلحق بخراسان ثم مضى إلى الطلقان، ودعا بها لنفسه، واتبعته أمم الزيدية كلهم.

ثم حاربه عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات. ويقال: إنه مات مسموماً.

ثم خرج عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات. ويقال: إنه مات مسموماً.

ثم خرج من بعده الكوفة أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين الأعرج بن علي بن زين العابدين، واجتمع إليه الناس من بني أسد وغيرهم من جموعه وأشياعه، وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين.

وزحف إليه (ابن بشكال) من أمراء الدولة فهزمه، ولحق بصاحب الزنج، فكان معه.

وكاتبه أهل الكوفة في العود إليه، وظهر عليه صاحب الزنج فقتله.

وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل، واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة وأعمالها، وكان يقول في لفظه من أعلمه: إنه من وُلد عيسى بن زيد الشهيد، وأنه علي بن محمد بن زيد بن عيسى، ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد. والحقّ أنه دعي النسب في أهل البيت كما نذكره في أخباره.

وزحف إليه الموفّق أخو المعتمد، ودارت بينه وبينهم حروب إلى أن قتله ومحا أثر تلك الدعوة كما قدمناه في أخبار الموفّق ونذكره في أخبارهم.

٧٠

ثم خرج في الديلم من وُلده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوي، وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن، خرج لخمس وخمسين ومائتين، فملك طَبَرْستانَ وجَرْجان وسائر أعمالها. وكانت له ولشيعته الزيدية دولة هناك. ثم انقرضت آخر المائة الثالثة، وورثها من وُلد الحسن السبط،ثم من وُلده عمر بن علي بن زين العابدين الناصر الأطروش، وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر، وهو ابن عم صاحب الطالقان.

أسلم الديلم على يد هذا الأطروش، وملك بهم طبرستان وسائر أعمال الداعي، وكانت له ولبنيه هناك دولة، وكانوا سبباً لملك الديلم البلاد وتغلبهم على الخلفاء، كما نذكر ذلك في أخبار دولتهم.

ثم خرج باليمن من الزيدية من وُلد القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا أخي محمد صاحب أبي السرايا عام ثمانية وثمانين ومائتين، يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي، فاستولى على صعدة، وأورث عقبه فيها ملكاً فاقياً لهذا العهد، وهي مركز الزيدية في أخبارهم. وفي خلال ذلك خرج بالمدينة الأخوان محمد وعلي ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم، وعاثا في المدينة عيثاً شديداً، وتعطّلت الصلاة بمسجد النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) نحواً من شهر، وذلك سنة إحدى وسبعين ومائتين.

ثم ظهر في المغرب من دعاة الرافضة (أبو عبد الله الشيعي) في (كتامة) من قبائل البربر عام ستة وثمانين ومائتين، داعياً لعبيد الله المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق، فظهر على الأغالبة بالقيروان، وبايع لعبيد الله المهدي سنة ست وتسعين ومائتين، فتمّ أمره وملك المغربين، واستفحلت له دولة بالمغرب ورثها بنوه.

ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمانٍ وخمسين وثلاثمائة، فملكها منهم (المعزّ لدين الله) معد بن إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله المهدي، وشيّد القاهرة، ثم ملك الشام واستفحل ملكه إلى أن انقرضت دولتهم على (العاضد) منهم على يد صلاح الدين بن أيوب سنة خمس وستين وخمسمائة.

٧١

ثم ظهر في سواد الكوفة(١) سنة ثمانٍ وخمسين ومائتين، من دعاة الرافضة رجل اسمه الفرج بن يحيى ويُدعى (قرمط)، بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفيَّة فيه كثير من كلمات الكفر والتحليل والتحريم، وادّعى أن أحمد بن الحنفيَّة هو المهدي المنتظر. وعاث في بلاد السواد، ثم في بلاد الشام، وتلقب (وَكْرَوَيْه بن مَهْرَوَيْه). واستبدّت طائفة منهم بالبحرين ونواحيها، ورئيسهم أبو سعيد الجناجيّ، وكان له هناك ملك ودولة أورثها بنيه من بعده، إلى أن انقرضت أعوامهم كما يذكر في أخبار دولتهم.

وكان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العُبَيْديّين بالمغرب وطاعتهم.

ثم كان بالعراق من دعاة (الاسماعيلية) وهؤلاء الرافضة طوائف أُخرى، واستبدوا بكثير من النواحي، وتنسب إليها فيها القلاع: قلعة الموت وغيرها.

وينسبون تارة إلى (القرامطة) وتارة إلى (العبيديين). وكان من رجالاتهم الحسن بن الصبّاح في قلعة الموت وغيرها، إلى أن انقرض أمرهم آخر الدولة السلجوقية.

وكان باليمامة ومكة والمدينة من بعد ذلك دول للزيدية والرافضة، فكان باليمامة دولة لبني الأخضر وهو محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنَّى. خرج أخوه إسماعيل بن يوسف في بادية الحجاز سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وملك مكة ثم مات، فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها، وأورثها لبنيه إلى أن غلبهم القرامطة.

وكان بمكة دولة لبني سليمان بن داود بن الحسن المثنّى، خرج محمد بن سليمان أيام المأمون وتسمّى بالناهض، وملك مكة، واستقرت إمارتها في بنيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم، وكبيرهم محمد بن جعفر بن أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن

____________________

(١) سواد الكوفة: ما حولها من القرى. ومنه سواد العراق لما بين البصرة والكوفة ولما حولهما من القرى.

٧٢

موسى الجون، فملكها من إبراهيم سنة أربع وخمسين وأربعمائة. وغلب بني حسن على المدينة، وداول الخطبة بمكة بين العباسيين والعبيديين. واستفحل ملكه في بنيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة.

وغلب على مكة بنو أبي قمي أمراؤها لهذا العهد، ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن إدريس مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون. وورث دولة الهواشم وملكهم وأورثها بنيه إلى هذا العهد كما تذكر في أخبارهم، وهؤلاء كلهم زيدية.

وبالمدينة دولة للرافضة لولد الهناء، قال المسَبِّحي: (اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم. وفي كتاب العُتبي مؤرخ دولة (ابن سَبَكْتكين) أن مسلماً اسمه محمد بن طاهر وكان صديقاً لكافور ويدبّر أمره وهو من ولد الحسن بن عليّ زين العابدين.

واستولى طاهر بن مسلم على المدينة أعوام ستين وثلاثمائة، وأورثها بنيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم)(١) .

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون م٤ ص١٥ إلى ٢٣.

٧٣

الأدارسة في المغرب

مبدأ دولتهم وانقراضها

(لما خرج حسين بن علي بن حسن المثلّث بن حسن المثنّى بن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدي، واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه إدريس ويحيى، وقاتلهم محمد بن سليمان بن عليّ بعجة على ثلاثة أميال من مكة، فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته، وانهزموا وأُسر كثير منهم، ونجا يحيى بن إدريس وسليمان. ظهر يحيى بعد ذلك في الديلم. وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه)(١) .

وأمّا إدريس ففر ولحق بمصر، وتم له ملك المغرب كما سبق بيانه، وقتل مسموماً (وكان قد جمل(٢) من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزة، بايعوه حملاً ثم رضيعاً ثم فصيلاً إلى أن شبّ واستتم فبايعوه بجامع (وليلى) سنة ثمان وثمانين ابن إحدى عشرة سنة. وكان ابن الأغلب دس إليهم الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشداً مولاه سنة ست وثمانين.

وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن الياس العبدي، ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس، فقاموا بأمره، وجردوا لأنفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته، وافتتحوا بلاد المغرب كلها، واستوثق لهم الملك

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص٢٣.

(٢) جمل: ربما كان المقصود بها (صحف) أو (جنب).

٧٤

بها. واستوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المسمّى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم وَسَمَتْه على الخرطوم وكأنها خِطام(١) . ونزع إليه كثير من قبائل العرب والأندلس، حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة، فاختصهم دون البربر، وكانوا له بطانة وحاشية، واستفحل بهم سلطانه.

ثم قتل كبير أوربة إسحاق بن محمود سنة اثنتين وتسعين لما أحسّ منه بموالاة إبراهيم بن الأغلب.

وكثرت غاشية(٢) الدولة وأنصارها وضاقت (وليلى) بهم، فاعتام موضعاً لبناء مدينة لهم، وكانت (فاس) موضعاً لبني بوغش وبني الخير من وزاعة. وكان في بني بوغش مجوس ويهود ونصارى، وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم.

وأسلموا كلهم على يده، وكانت بينهم فتن، فبعث للإصلاح بينهم كاتبه أبا الحسن عبد الملك بن مالك الخزرجيّ ثم جاء إلى فاس، وضرب أبنيته بكزواوه، وشرع في بنائها، فاختطّ عدوة الأندلس سنة اثنتين وتسعين. وفي سنة ثلاث وتسعين اختطّ عدوة القرويين، وبنى مساكنه، وانتقل إليها، وأسّس جامع الشرفاء، وكانت عدوة القرويين من لدن باب السلسلة إلى غدير الجوزاء والجرف.

واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين بدعوته وأمر العز والملك. ثم خرج غازياً للمصامدة سنة سبع وتسعين، فافتتح بلادهم، ودانوا بدعوته، ثم غزا تلمسان وجدّد بناء مسجدها وإصلاح منبرها، وأقام بها ثلاث سنين.

وانتظمت كلمة البرابرة وزناتة، ومحوا دعوة الخوارج منهم واقتطع الغربيين عن دعوة العباسيين من لدن الشموس الأقصى إلى شلف(٣) ).

إلى أن قال:

____________________

(١) خِطام: حبل يجعل في عنق البعير ويُثنى في خَطْمِه، كل ما وُضع في أنف البعير ليُقاربه.

(٢) غاشية الدولة: خدم الدولة. وغاشية فلان: زواره وأصدقاؤه ينتابونه.

(٣) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص٢٥، ٢٦، ٢٧.

٧٥

(وهلك إدريس سنة ثلاث عشرة، وقام بالأمر من بعده ابنه (محمد) بعهده إليه، فأجمع أمره بوفاة جدته (كنزة) أم إدريس، على أن يشرك أخوته في سلطانه، ويقاسم ممالك أبيه، فقسّم المغرب بينهم أعمالاً)(١) .

(وتُوفِّي بعد أمور جرت بين إخوته وبينهم سنة إحدى وعشرين ومائتين، بعد أن استخلف ولده علياً في مرضه، وهو ابن تسع سنين.

فقام بأمره الأولياء والحاشية من العرب وأوربة وسائر البربر وصنائع الدولة. وبايعوه غلاماً مترعرعاً، وقاموا بأمره، وأحسنوا كفالته وطاعته، فكانت أيامه خير أيام.

وهلك سنة أربع وثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته، وعهد لأخيه (يحيى) بن محمد، فقام بالأمر وامتد سلطانه، وعظمت دولته واستجدّت فاس في العمران)(٢) . (وهلك يحيى هذا، ووليَ ابنه (يحيى) بن يحيى، فأساء السيرة وكثر عبثه في الحرم، وثارت به العامة لمركب شنيع أتاه. وتولى كِبَرَ الثورة عبد الرحمان بن أبي سهل الحزامي، وأخرجوه من عُدْوَةِ القَرَوِيّين إلى عُدوة الأندلسيين، فتوارى ليلتين ومات أسفاً لليلته.

وانقطع الملك من عقب محمد بن إدريس. وبلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمه علي بن عمر صاحب الريف، واستدعاه أهل الدولة من العرب والبربر والموالي، فجاء إلى فاس ودخلها وبايعوه.

واستولى على أعمال المغرب إلى أن ثار عليه (عبد الرزّاق) الخارجي، وكان على رأي الصُفْرِيّة، فزحف إلى فاس وغلب عليها، ففرَّ إلى أوربة.

وملك عبد الرزاق عدوة الأندلس، وامتنعت منه عدوة القرويين. وولّوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن إدريس، وكان يُعرف بالصرام، بعثوا إليه فجاءهم جموعه. وكانت بينه وبين الخارجي حروب. ويقال: إنه أخرجه من عدوة الأندلس، واستعمل عليها ثَعْلَبَةَ بن مُحارب بن عبد الله، كان من أهل الربض بقرطبة، من ولد المُهَلَّب بن أبي صُفْرَة.

____________________

(١) نفسه: م٤ ص٢٧.

(٢) نفسه: م٤ ص٢٩.

٧٦

ثم استعمل ابنه عبد الله المعروف بعبود من بعده، ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة، إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقام بالأمر مكانه (يحيى) بن إدريس بن عمر صاحب الريف، وهو ابن أخي عليّ بن عمر، فملك جميع أعمال الأدارسة، وخطب له على سائر أعمال المغرب.

وكان أعلى بني إدريس مُلكاً، وأعظمهم سلطاناً، وكان فقيهاً عارفاً بالحديث، ولم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة.

وفي أثناء ذلك كله خَلَط(١) الملك للشيعة بأفريقية، وتغلَّبوا على الاسكندرية، واختطوا المهدِيَّة كما نذكره في (دولة كتامة). ثم طمحوا إلى مُلْك المغرب، وعقدوا لـ (مضالة بن حبوس) كبير مكناسة وصاحب تاهرت على محاربة ملوكه سنة خمس وثلاثمائة.

فزحف إليه في عساكر مكناسة وكتامة. وبرز لمدافعته يحيى بن إدريس صاحب المغرب بجموعه من المغرب وأولياء الدولة من أوربة وسائر البرابرة والموالي.

والتقوا على مكناسة، وكانت الدبرة على يحيى وقومه، ورجع إلى فاس مغلولاً، وأجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤدّيه إليه وطاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه يؤدّيها فقبل الشرط، وخرج عن الأمر وخلع نفسه، وأنفذ بيعته إلى عبيد الله المَهْدِيّ، وأبقى عليه مصالحه في سكنى فاس، وعقد له على عملها خاصة، وعقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة يومئذ، وصاحب (سنور وتازه)على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة ودولة موسى.

وكان بين موسى بن أبي العافية وبين يحيى بن إدريس شحناء وعداوة، يضغنها كل واحد لصاحبه، حتى إذا عاد (مضالة) إلى المغرب في غزاته الثانية سنة تسع أغراه موسى بن أبي العافية بطلحة بن يحيى بن إدريس صاحب فاس، فقبض عليه مضالة واستصفى أمواله وذخائره وغرّبه إلى أصيلا والريف عمل ذي قرباه ورحمه.

____________________

(١) خلط: كذا ولم نجد لها معنى يناسب السياق ولعلها: خلص، بمعنى تمّ.

٧٧

وولّى على فاس ريحان الكتاميّ، ثم خرج يحيى يريد أفريقية، فاعترضه ابن أبي العافية وسجنه سنين، وأطلقه ولحق بالمهدية سنة إحدى وثلاثين، وهلك في حصار أبي يزيد. واستبد ابن أبي العافية بملك المغرب.

وثار على ريحان الكتاميّ بفاس سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقّب بالحجَّام، ونفى ريحان عنها، وملكها عامين.

وزحف للقاء موسى بن أبي العافية، وكانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى، وانجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل وخلص الحسن إلى فاس منهزماً، وغدر به حامد بن حمدان الأوربي واعتقله. وبعث إلى موسى فوصل إلى فاس وملكها، وطالبه بإحضار الحسن فدافعه عن ذلك، وأطلق الحسن متنكراً، فتدلّى من السور فسقط ومات من ليلته، وفر حامد بن حمدان إلى المهدية.

وقتل موسى بن أبي العافية عبد الله بن محارب وابنيه محمداً ويوسف، وذهب ملك الأدارسة.

واستولى ابن أبي العافية على جميع المغرب، وأجلى بني محمد بن القاسم بن إدريس وأخاه الحسن إلى الريف، فنزلوا البصرة، واجتمعوا إلى كبيرهم إبراهيم بن محمد بن القاسم أخي الحسن، وولّوه عليهم.

واختطّ لهم الحِصْن المعروف بهم هنالك وهو حجر النسر سنة سبع عشرة وثلاثمائة، ونزلوه وبنو عمر بن إدريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة وطنجة، وبقي إبراهيم كذلك.

وشمّر الناصر المرواني لطلب المغرب، وملك سبتة علي بن إدريس سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وكبيرهم يومئذ أبو العيش بن إدريس بن عمر، فانجابوا له عنها، وأنزل بها حاميته. وهلك إبراهيم بن محمد، فتولّى عليهم من بعده أخوه القاسم الملقّب بكانون وهو أخو الحسن الحجَّام واسمه القاسم بن محمد بن القاسم. وقام بدعوة الشيعة انحرافاً عن أبي العافية ومذاهبه، واتصل الأمر في ولده وغمارة أولياؤهم والقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة.

٧٨

ودخلت دعوة المروانيّين خلفاء قرطبة إلى المغرب، وتغلبت زناتة على الضواحي، ثم ملك بنو يعرب فاس وبعدهم مِغْراوة.

وأقام الأدارسة بالريف مع غمارة وتجدّد لهم به ملك في بني محمد وبني عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر ومدينة سبتة وأصيلا. ثم تغلب عليهم المروانيون وأثخنوهم إلى الأندلس، ثم أجازوهم إلى الإسكندرية، وبعث العزيز العُبَيْدي بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبي عامر وقتله، وعليه كان انقراض أمرهم وانقراض سلطان أوربة من المغرب.

وكان من أعقاب الأدارسة الذين أووا إلى غمارة فكانوا الدائلين من ملوك الأموية بالأندلس. وذلك أن الأدارسة لما انقرض سلطانهم، صاروا إلى بلاد غمارة واستجدوا بها رياسة، واستمرت في بني محمد وبني عمر من ولده إدريس بن إدريس، وكانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة وخلطة.

وأمّا سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فرّ إلى المغرب أيام العباسيّين، فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس. وطلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة، وطلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيح نسبه.

ولحق بِتَلْمَسان فملكها، وأذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك. وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه، ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط واقتسموا ممالكه ونواحيه، فكانت َتلْمَسان من بعده لابنه محمد بن أحمد بن القاسم بن محمد بن أحمد، وأظنّ هذا القاسم هو الذي يدعي بنو عبد الواد نسبه؛ فإن هذا أشبه من القاسم بن إدريس بمثل هذه الدعوى.

وكانت (أرشكول) لعيسى بن محمد بن سليمان، وكان منقطعاً إلى الشيعة، وكانت جراوة لإدريس بن محمد بن سليمان ثم لابنه عيسى وكنيته أبو العيش. ولم تزل إمارتها في وُلده، وولِيها بعده ابنه إبراهيم بن عيسى، ثم ابنه يحيى بن إبراهيم، ثم أخوه إدريس بن إبراهيم. وكان إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول منقطعاً إلى عبد الرحمان الناصر، وأخوه يحيى كذلك. وارتاب من قبله ميسور قائد الشيعة فقبض عليه سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.

٧٩

ثم انحرف عنهم، فلما أخذ ابن أبي العافية بدعوة العلوية نابذ أولياء الشيعة، فحاصر صاحب جراوة الحسن بن أبي العيش وغلبه على جراوة فلحق بابن عمه إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول، ثم حاصرها البوري بن موسى ابن أبي العافية وغلب عليهما. وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبة.

وكانت تنس لإبراهيم بن محمد بن سليمان، ثم لابنه محمد من بعده، ثم لابنه يحيى بن محمد ثم ابنه علي بن يحيى. وتغلّب عليه زيري بن مناد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، ففر إلى الجبر بن محمد بن خزر، وجاز ابناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقاهما رحباً وتكرمة. ورجع يحيى منهما إلى طلب تنس فلم يظفر بها.

وكان من ولد إبراهيم هذا أحمد بن عيسى بن إبراهيم صاحب سوق إبراهيم، وسليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط. وكان من بني محمد بن سليمان هؤلاء وبَطْوش بن حناتِش بن الحسن بن محمد بن سليمان.

قال ابن حزم: وهم بالمغرب كثير جداً، وكان لهم بها ممالك، وقد بطل جميعها، ولم يبق منهم بها رئيس بنواحي بجاية، وحمل بني حمزة هؤلاء جوهر إلى القيروان، وبقيت منهم بقايا في الجبال والأطراف معروفون هنالك عند البربر، والله وارث الأرض ومن عليها)(١) .

قال المسعودي في مروجه:

(وفي سنة خمس وأربعين وثلاثمائة كان ظهور محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم بالمدينة، وكان قد بويع له في الأمصار، وكان يدعى بالنفس الزكية لزهده ونسكه، وكان مستخفياً من المنصور ولم يظهر حتى قبض المنصور على أبيه عبد الله بن الحسن وعمومته وكثير من أهله وعدتهم.

ولما ظهر محمد بن عبد الله بالمدينة، دعا المنصور أبا مسلم العقيلي، وكان شيخاً ذا رأي وتجربة، فقال له: أشر علي في خارجيّ خرج علي)(٢) .

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص٣٠ إلى ص٣٦.

(٢) مروج الذهب للمسعودي: م٢ ص٢٣٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

مُستَدرَكاتُ

مَسائِلِ علي بِن جعفر

٢٠١

٢٠٢

منزوحات البئر

[٤٣٠] محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت ووقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دماً، هل يتوضأ من تلك البئر؟

قال: « ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلواً، ثم يتوضأ منها، ولا بأس به »(١) .

[٤٣١] قال: وسألته، عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر، هل يصلح أن يتوضأ منها؟

قال: « ينزح منها دلاء يسيرة، ثم يتوضأ منها »(٢) .

[٤٣٢] وسألته، عن رجل يستقي من بئر فيرعف فيها، هل يتوضأ منها؟

قال: « ينزح منها دلاء يسيرة »(٣) .

__________________

(١) الكافي ٣: ٦ / ٨، وفي التهذيب ١: ٤٠٩ / ١٢٨٨، والاستبصار ١: ٤٤ / ٢٣ باختلاف لا يضر، وفي الجميع صدر حديث يأتي ذيله برقم (٤٣١، ٤٣٢). وقرب الاسناد: ٨٤، باختلاف يسير. والفقيه ١: ١٥ / ١٩ من دون قولهعليه‌السلام : « ولا بأس به ».

(٢) الكافي ٣: ٦ / ٨، التهذيب ١: ٤٠٩ / ١٢٨٨، الاستبصار ١: ٤٤ / ١٢٣، وفي الجميع قطعة منه. وتقدم صدره برقم ( ٤٣٠ ) ويأتي ذيله برقم ( ٤٣٢).

(٣) الكافي ٣: ٦ / ٨، التهذيب ١: ٤٠٩ / ١٢٨٨، الاستبصار ١: ٤٤ / ١٢٣، وفيها ذيل للحديث، وتقدم صدره برقم ( ٤٣٠ )، و ( ٤٣١ )، وقرب الاسناد: ٨٤، وفي التهذيب ١: ٢٤٦ / ذيل الحديث ٧٠٩. يأتي

٢٠٣

الوضوء وأحكامه

[ ٤٣٣ ] ما رواه علي بن جعفر، قال: سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام عن البيت يبال على ظهره، ويغتسل فيه من الجنابة ثم يصيبه (الماء)(١) أيؤخذ من مائه فيتوضأ للصلاة؟

فقال: « إذا جرى فلا بأس به »(٢) .

[٤٣٤] وسألته عن ماء البحر يتوضأ منها؟

قال: « لا بأس »(٣) .

[٤٣٥] محمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته عن المرأة عليها السوار والدملج، في بعض ذراعها، لا تدري يجري الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت، أو اغتسلت؟

قال: « تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه »(٤) .

[٤٣٦] وعن الخاتم الضيق، لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا، كيف يصنع؟

__________________

صدره برقم ( ٤٣٨ ).

(١) في الفقيه وقرب الاسناد: المطر.

(٢) التهذيب ١: ٤١١ / ١٢٩٧، الفقيه ١: ٧ / ٦، قرب الاسناد: ٨٣.

(٣) قرب الاسناد: ٨٤.

(٤) الكافي ٣: ٤٤ / ٦، والشيخ الطوسي في التهذيب ١: ٨٥ / ٢٢٢، رواه بسنده عن الشيخ المفيد عن جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب.... وله ذيل يأتي برقم (٤٣٦)، قرب الاسناد: ٨٣.

٢٠٤

قال: « إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ »(١) .

[٤٣٧] وسألته، عن رجل يتكي في المسجد فلا يدري نام أم لا، هل عليه وضوء؟

قال: « إذا شك فليس عليه وضوء »(٢) .

[٤٣٨] محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة، أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟

قال: « لا بأس »(٣) .

[٤٣٩] محمد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء، يتوضأ منه للصلاة؟

قال: « لا، إلا أن يكون الماء كثيراً قدر كر من ماء »(٤) .

[٤٤٠] وسألته، عن رجل استاك أو تخلل فخرج من فيه دم، أينقض ذلك الوضوء؟

__________________

(١) الكافي ٣: ٤٤ / ذيل الحديث ٦، وفي التهذيب رواه مرتين فتارة ذيل الحديث ( ٢٢٢ ) وهنا ( ٤٣٥ )، واُخرى مستقلاً بسندين هما: عن الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه عن أحمد بن إدريس. والثاني: الشيخ المفيد، عن أحمد بن جعفر، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي.... انظر التهذيب ١: ٨٥ / ٢٢٢ و ٢٢١.

(٢) قرب الاسناد: ٨٣.

(٣) التهذيب ١: ٢٤٦ / صدر الحديث ٧٠٩ وتقدم ذيله برقم ( ٤٣٢ ) الاستبصار ١: ٤٢ / ١١٨، قرب الاسناد: ٨٤.

(٤) الاستبصار ١: ٢١ / ٤٩، وفي ١: ٢٤ / ٦١ روى ذيله مرسلاً، وفي التهذيب ١: ٤١٩ / صدر الحديث ١٣٢٦.

٢٠٥

قال: « لا، ولكن يتمضمض »(١) .

[٤٤١] وسألته، عن رجل بال ثم تمسح، فأجاد التمسح، ثم توضأ وقام فصلى.

قال: « يعيد الوضوء، فيمسك ذكره ويتوضأ(٢) ، ويعيد صلاته، ولا يعتد بشيء مما صلى »(٣) .

[٤٤٢] وسألته، عن المضمضة والإستنشاق.

قال: « ليس بواجب، وإن تركتهما لم تعد بهما صلاة »(٤) .

[٤٤٣] وسألته، عن الرجل أخذ من شعره ولم يمسحه بالماء، ثم يقوم فيصلي.

قال: « ينصرف، فيمسحه بالماء، ولا يعتد بصلاته تلك »(٥) .

[٤٤٤] وسألته، عن رجل يكون على وضوء فشك، على وضوء هو أم لا؟

قال: إذا ذكر وهو في صلاته إنصرف وتوضأ واعادها، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك »(٦) .

[٤٤٥] محمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسىعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يستدخل الدواء ثم يصلي وهو معه أينقض الوضوء؟

قال: « لا ينقض الوضوء ولا يصلي حتى يطرحه »(٧) .

__________________

(١) قرب الاسناد: ٨٣.

(٢) الوضوء هنا هو بمعناه اللغوي، أي الغسل. لا المعنى الشرعي.

(٣) قرب الاسناد: ٩١، وفي نسخة: مما صلى. ولعلها الصحيح.

(٤) قرب ألاسناد: ٨٣.

(٥) قرب الاسناد: ٩١.

(٦) قرب الاسناد ٨٣.

(٧) الكافي ٣: ٣٦ / ٧، التهذيب ١: ٣٤٥ / ١٠٠٩، قرب الاسناد: ٨٨.

٢٠٦

[٤٤٦] وسألته، عن الرجل يتوضأ في الكنيف بالماء يدخل يده فيه، أيتوضأ من فضله للصلاة؟

قال: « إذا أدخل يده وهي نظيفة فلا بأس، ولست أحب أن يتعود ذلك إلا أن يغسل يده قبل ذلك»(١) .

[٤٤٧] ما رواه أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم البجلي وأبي قتادة، عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال: سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع، أيغتسل فيه من الجنابة، أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره، والماء لا يبلغ صاعاً للجنابة، ولامداً للوضوء وهو متفرق، فكيف يصنع وهو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه؟

فقال: « إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفاً من الماء بيد واحدة، ولينضحه خلفه، يهفا أمامه، وكفا عن يمينه، كفاً عن شماله فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده، فأن ذلك يجزيه(٢) .

وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه، وإن كان الماء متفرقاً وقدر أن يجمعه، وإلا إغتسل من هذا وهذا، فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فإن ذلك يجزيه »(٣) .

[٤٤٨] سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم - وأبي قتادة -، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته

__________________

(١) قرب الاسناد: ٨٤.

(٢) إلى هنا رواه الشيخ الطوسي (قدس) في التهذيب ١: ٣٦٧ / ١١١٥ بسنده: عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن أحمد بن إسماعيل الهاشمي، عن عبدالله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر بتقديم وتأخير.

(٣) التهذيب: ١: ٤١٦ / ١٣١٥، الاستبصار ١: ٢٨ / ٧٣، قرب الاسناد: ٨٤، وانظر مستطرفات السرائر: ١٠٣ / ٣٩.

٢٠٧

عن رجل توضأ ونسي غسل يساره.

فقال: « يغسل يساره وحدها، ولا يعيد وضوء شيء غيرها »(١) .

[٤٤٩] وسألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟

قال: « يعيد الوضوء من حيث أخطأ، فيغسل يمينه، ثم يساره، ثم يمسح رأسه ورجليه »(٢) .

[٤٥٠] محمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته، عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟

قال: « يغسل ما بقي من عضده »(٣) .

[٤٥١] وعنه، [عن علي]، عن الحلبي، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء؟

قال: « يسجد إذا كانت من العزائم »(٤) .

__________________

(١) التهذيب ١: ٩٨ / ٢٥٧، الاستبصار ١: ٧٣ / ٢٢٦، قرب الاسناد: ٨٣.

(٢) قرب الاسناد: ٨٣.

(٣) الكافي ٣: ٢٩ / ٩، التهذيب ١: ٣٦٠ / ١٠٨٦.

(٤) مستطرفات السرائر: ٢٨ / ١٢ ويأتي ذيله برقم ٥٧٥ / (٢) و (٣).

٢٠٨

غسل الجنابة

[ ٤٥٢ ] وسألته، عن جنب أصابت يده جنابة من جنابته، فمسحه بخرقة، ثم أدخل يده في غسله(١) ، قبل أن يغسلها، هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟

قال: « إن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغسل به، وإن لم يجد غيره اجزأه »(٢) .

[٤٥٣] وسألته، عن رجل تصيبه الجنابة، ولا يقدر على ماء، فيصيبه المطر هل يجزيه ذلك، أم هل يتيمم؟

قال: « إن غسله أجزأه، وإلا تيمم »(٣) .

__________________

(١) غُسلِه: بالضم فالسكون فالكسر: الماء المستعمل في الغسل.

(٢) قرب الاسناد ٨٤.

(٣) قرب الاسناد٨٥.

٢٠٩

الدماء الثلاثة

[٤٥٤] وسألته، عن المرأة التي ترى الصفرة أيام طمثها، كيف تصنع؟

قال: « تترك لذلك الصلاة بعدد أيامها التي كانت تقعد في طمثها، ثم تغتسل، وتصلي. فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها، يجزيها الوضوء عند كل صلاة تصلي »(١) .

__________________

(١) قرب الاسناد ١٠١.

٢١٠

أحكام الميت

[٤٥٥] وسألته، عن الرجل يصلي أله أن يكبر قبل الإمام؟

قال: « لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبير »(١) .

[٤٥٦] أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته عن الصبي أيصلى(٢) عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟

قال: « إذا عقل الصلاة صلي(٣) عليه »(٤) .

[٤٥٧] محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو ثنتين(٥) ، ووضعت معها اخرى كيف يصنعون بها؟(٦) .

قال: « إن شاءوا تركوا الاولى، حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، وإن

__________________

(١) قرب الاسناد ٩٩.

(٢) في قرب الاسناد: يصلى.

(٣) في قرب الاسناد: فيصلى.

(٤) التهذيب ٣: ١٩٩ / ٤٥٨، قرب الاسناد: ٩٩.

(٥) في التهذيب: اثنتين.

(٦) من دونها في التهذيب.

٢١١

شاءوا رفعوا الاولى وأتموا ما بقي على الأخيرة، كل ذلك لا بأس به »(١) .

[٤٥٨] محمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألته عن الرجل ياكله السبع والطير، فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟

قال: « يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن وإذا كان الميت نصفين صلي على النصف الذي فيه القلب »(٢) .

[٤٥٩] محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟

قال: « لا بأس، وإن ستر بستر فهو أحب الي »(٣) .

[٤٦٠] علي بن الحسين، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي ابن اسباط، عن علي بن جعفر، قال: سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام عن البناء على القبر، والجلوس عليه، هل يصلح؟

قال: « لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه »(٤) .

__________________

(١) الكافي ٣: ١٩٠ / ١، التهذيب ٣: ٣٢٧ / ١٠٢٠.

(٢) الكافي ٣: ٢١٢ / ١.

(٣) الكافي ٣: ١٤٢ / ٦، الفقيه ١: ٨٦ / ٤٠٠، التهذيب ١: ٤٣ / ١٣٧٩، قرب الاسناد: ٨٥.

(٤) التهذيب ١: ٤٦١ / ١٥٠٣، الاستبصار ١: ٢١٧ / ٧٦٧.

٢١٢

النجاسات

[٤٦١] وأخبرني الشيخ أيده الله تعالى، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وسألته، عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟

قال: « يغسل سبع مرات »(١) .

[٤٦٢] محمد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا الخبز، أو شماه، أيوكل؟(٢) .

قال: « يطرح ماشماه(٣) ويوكل ما بقي »(٤) .

[٤٦٣] وسألته، عن الفراش يصيبه الاحتلام كيف يصنع به؟

قال: « إغسله، فإن لم تفعل فلا تنم عليه حتى ييبس. فإن نمت عليه وهو

__________________

(١) التهذيب ١: ٢٦١ / ذيل الحديث ٧٦٠، وتقدم صدره برقم ( ٦١ )، مخرجاً عن الكافي وقرب الاسناد والتهذيب.

(٢) في قرب الاسناد: من الخبز وشبهه أيحل اكله؟

(٣) في قرب الاسناد: يطرح منه ما اكل.

(٤) التهذيب: ١: ٢٢٩ / ٦٦٣، قرب الاسناد: ١١٦.

٢١٣

رطب الجسد فاغسل ما أصاب من جسدك، فان جعلت بينك وبينه ثوباً فلا بأس »(١) .

[٤٦٤] ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته عن فأرة وقعت في حب دهن، فاخرجت قبل أن تموت، أنبيعه من مسلم؟

قال: « نعم، وتدهن منه »(٢) .

[٤٦٥] وسألته، عن حب دهن ماتت فيه فأرة.

قال: « لا تدهن فيه، ولا تبعه من مسلم »(٣) .

[٤٦٦] علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عدة من أصحابنا، عن علي بن أسباط، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألته عن الكحل يعجن بالنبيذ أيصلح ذلك؟

فقال: « لا »(٤) .

__________________

(١) قرب الاسناد: ١١٨.

(٢) الاستبصار ١: ٢٤ / ٦١، التهذيب ١: ٤١٩ / ١٣٢٦، قرب الاسناد: ١١٣.

(٣) قرب الاسناد: ١١٢.

(٤) الكافي: ٦: ٤١٤ / ٩، قرب الاسناد: ١٢٢، باختلاف يسير.

٢١٤

لباس المصلي

[٤٦٧] وسألته، عن رجل هل يصح له أن يمسح بعض أسنانه، أو داخل فيه، بثوبه وهو في الصلاة؟

قال: « إن كان شيء يؤذيه، أو يجد طعمه، فلا بأس »(١) .

[٤٦٨] وسألته، عن الرجل يكون راكعاً، أو ساجداً، فيحكه بعض جسده، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه، وسجوده، فيحكه مما حكه؟

قال: « لا بأس إذا شق عليه أن يحكه، والصبر إلى أن يفرغ أفضل »(٢) .

[٤٦٩] وسألته، عن الرجل يسجد ثم لا يرفع يديه من الأرض حتى يسجد الثانية، هل يصلح له ذلك؟

قال: « ذلك نقص في الصلاة »(٣) .

[٤٧٠] وسألته، عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وفي كفه شيء من الطير؟

قال: « إن خاف عليه ذهاباً فلا بأس »(٤) .

__________________

(١) قرب الاسناد: ٨٨.

(٢) قرب الاسناد: ٨٨.

(٣) قرب الاسناد: ٩٦.

(٤) قرب الاسناد: ٨٧، الكافي ٣: ٤٠٤ / صدر الحديث ٣٣، وتقدم ذيله في الاصل برقم ( ١٤٨ ). والفقيه

٢١٥

[٤٧١] وسألته، عن الرجل يحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة، هل يصلح له أن ينزعها ويطرحها؟

قال: « إن كان لا يجد دماً فلينزعه وليرم به، وإن كان دماً فلينصرف »(١) .

[٤٧٢] سعد بن عبدالله، عن موسى بن الحسن - وأحمد بن هلال - عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل يصلي وهي معه في جيبه أوثيابه؟

فقال: « لا بأس بذلك »(٢) .

[٤٧٣] وسألته عن الرجل يرى في ثوبه خرء الحمام أو غيره هل يصلح له أن يحكه وهو في الصلاة؟

قال: « لا بأس »(٣) .

[٤٧٤] وقال: « لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء وهو يصلي »(٤) .

[٤٧٥] وسألته عن الأمة هل تصلح لها أن تصلي في قميص واحد؟

قال: « لا بأس »(٥) .

[٤٧٦] محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن أحمد، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته عن الرجل

__________________

١: ١٦٤ / ٧٧٥ باختلاف في السؤال، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

(١) قرب الاسناد: ٨٨، الفقيه ١: ١٦٤ / ٧٧٥، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

(٢) التهذيب ٢: ٣٦٢ / ١٤٩٩، الفقيه ١: ١٦٤ / ٧٧٥، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

(٣) قرب الاسناد: ٨٩، الفقيه ١: ١٦٤ / ٧٧٥، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

(٤) الفقيه ١: ١٦٤ / قطعة من الحديث ٧٧٥، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

(٥) قرب الاسناد: ١٠١، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

٢١٦

صلى(١) وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة؟ أو ما حاله؟

قال: « لا إعادة عليه، وقد تمت صلاته »(٢) .

[٤٧٧] محمد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه؟

قال: « لا بأس، ولا يصلى في ثيابهما ».

وقال: « لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة، ولا يقعده على فراشه، ولا مسجده، ولا يصافحه »(٣) .

[٤٧٨] قال: وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس(٤) ، لا يدري لمن كان، هل يصلح الصلاة فيه؟

قال: « إن اشتراه من مسلم فليصل فيه، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلي.(٥) فيه حتى يعسله ».

[٤٧٩] وسألته، عن الرجل يقوم في الصلاة فيطرح على ظهره ثوباً يقع طرفه خلفه وأمامه الأرض ولا يضمه عليه، أيجزيه ذلك؟

قال: « نعم »(٦) .

[٤٨٠] عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن أسباط، عن علي بن جعفر قال: سألت أخي موسىعليه‌السلام عن الخاتم

__________________

(١) في المستطرفات: يصلي.

(٢) التهذيب ٢: ٢١٦ / ٨٥١، مستطرفات السرائر: ٩٧ / ذيل الحديث ١٥.

(٣) التهذيب ١: ٢٦٣ / ٧٦٦.

(٤) في قرب الاسناد: لبيساً.

(٥) التهذيب ١: ٢٦٣ / ذيل الحديث ٧٦٦، قرب الاسناد: ٩٦.

(٦) قرب الاسناد: ٨٩.

٢١٧

يلبس(١) في اليمين؟

فقال: « إن شئت في اليمين وإن شئت في اليسار »(٢) (٣) .

[٤٨١] وسألته، عن خنزير أصاب ثوباً، وهو جاف، أتصلح الصلاة فيه قبل أن يغسل؟

قال: « نعم، ينضحه بالماء، ثم يصلي فيه »(٤) .

[٤٨٢] وسألته، عن الرجل صلى ومعه دبة من جلد حمار، وعليه نعل من جلد حمار، هل تجزيه صلاته، أوعليه إعادة؟(٥) .

قال: « لا يصلح له أن يصلي وهي معه، إلا أن يتخوف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلي وهي معه»(٦) .

[٤٨٣] قال: وسألته، عن الثوب يكون فيه تماثيل، أو في علمه، أيصلي فيه؟

__________________

(١) في قرب الاسناد: سألته عن الرجل يلبس الخاتم في اليمين.....

(٢) في قرب الاسناد: الشمال.

(٣) الكافي ٦: ٤٦٩ / ٩، قرب الاسناد: ١٢١.

(٤) قرب الاسناد: ٨٩.

(٥) اختلفت المصادر في نقل السؤال واتحدت في جواب الامامعليه‌السلام فالشيخ الطوسي روى الحديث بسنده عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم وأبي قتادة جميعاً، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر..... وسألته عن الرجل صلى ومعه دبة من جلد حمار وعليه نعل من جلد حمار هل تجزيه.....

اما الشيخ الصدوق فقد روى الحديث بسنده عن علي بن جعفر هكذا: وعن الرجل يصلي ومعه دبة من جلد حمار أو بغل؟....

وفي قرب الاسناد: وسألته عن الرجل يصلي ومعه دبة من جلد الحمار وعليه نعل من جلد حمار وصلى هل....؟

(٦) التهذيب ٢: ٣٧٣ / ذيل الحديث ١٥٥٣ ويأتي صدره برقم ٥١٤، وتقدمت قطع منه برقم ٣٤٢، ١٥٩، ١٢٢، والفقيه ١: ١٦٤ / قطعة من الحديث ٧٧٥، وتقدمت وتأتي قطع منه برقم ١٤٨، ٣٦٨ ٣٦٩، ٣٧٢، ٤٧٠ و ٤٧١ و ٤٧٢ و ٤٧٣ و ٤٧٤ و ٤٨٤ و ٥٢٧ و ٥٥٨ و ٥٦٤ و ٥٦٥، قرب الاسناد: ٨٨.

٢١٨

قال: « لا يصلي فيه »(١) .

[٤٨٤] وسأله، عن فأرة المسك تكون مع من يصلي، وهي في جيبه أو ثيابه؟

قال: « لا بأس بذلك »(٢) .

[٤٨٥] وسألته عن الرجل يغتسل فوق البيت فيكف فيصيب الثوب بما يقطر هل يصلح الصلاة فيه قبل أن يغسل؟

قال: « لا يصلي فيه حتى يغسله »(٣) .

[٤٨٦] وسألته عن المرأة الحرة هل يصلح لها أن تصلي في درع ومقنعة؟

قال: « لا يصلح إلا في ملحفة إلا أن لا تجد بدا »(٤) .

[٤٨٧] وسألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له؟

قال: « الوجه والكف وموضع السوار »(٥) .

[٤٨٨] وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن رجل عريان وحضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم، أو كله دم، يصلي فيه أو يصلي عرياناً؟

قال: « إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عرياناً »(٦) .

[٤٨٩] وسألته، عن اكسية المرعزي والخفاف ينقع في البول، أيصلى

__________________

(١) المحاسن: ٦١٧ / ٤٩ - باب ٥ -، يأتي صدره برقم ٤٩١، قرب الاسناد: ٨٧.

(٢) الفقيه ١: ١٦٥ / ٧٧٥ وانظر الرقم ( ٤٧١ )، وانظر هامش الحديث ٤٨٢.

(٣) قرب الاسناد: ٨٩.

(٤) قرب الاسناد: ١٠١.

(٥) قرب الاسناد: ١٠٢.

(٦) الفقيه ١: ١٦٠ / ٧٥٦، التهذيب ٢: ٢٢٤ / ٨٨٤، الاستبصار ١: ١٦٩ / ٥٨٥. قرب الاسناد: ٨٩، وفيه باختلاف.

٢١٩

فيها؟

قال: « إذا غسلت(١) بالماء فلا بأس »(٢) .

[٤٩٠] وسأله [ علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ] عن الرجل يمر في ماء المطر، وقد صب فيه خمر، فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟

قال: « لا يغسل ثوبه، ولا رجله، ويصلي فيه، ولا بأس [ به ] »(٣) .

__________________

(١) في المصدر: اغتسلت. والمثبت عن نسخة في هامشه.

(٢) قرب الاسناد: ٨٩.

(٣) الفقيه ١: ٧ / ٧، والتهذيب ١: ٤١٨ / ١٣٢١، قرب الاسناد: ٨٩، من دون مابين القوسين.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354