الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة16%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34521 / تحميل: 6678
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الرحمن الرحيم ثم افتتح حم السجدة فلما بلغ إلى قوله تعالى( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) فلما سمعه اقشعر جلده وقامت كل شعرة في بدنه ثم قام ومشى إلى بيته ولم يرجع إلى قريش فقالوا صبا ابوعبد شمس إلى دين محمد صلى الله عليه وآله فاغتمت قريش وغدا عليه ابوجهل فقال فضحتنا يا عم قال يا ابن اخ ما ذاك واني على دين قومي ولكنى سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود، قال أشعر هو؟ قال ما هو بشعر قال فخطب؟ قال لا ان الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا له طلاوة قال فكهانة هو؟ قال لا قال فما هو؟ قال دعني افكر فيه فلما كان من الغد قالوا يا ابا عبد شمس ما تقول؟ قال قولوا هو سحر فانه اخذ بقلوب الناس فانزل الله تعالى فيه (ذرني ومن خلقت وحيدا) إلى قوله (عليها تسعة عشر).

(وابنه خالد بن الوليد بن المغيرة) هو الفتاك البطل الذي له وقائع عظيمة وكان يقول على ما حكي عنه: لقد شاهدت كذا وكذا وقعة ولم يكن في جسدي موضع شبر إلا وفيه (اثر طعنة او ضربة وها انا ذا اموت على فراشي لا نامت عين الجبان. مات سنة ٢١ (كا) ودفن بحمص.

ولا يحتمل المقام الاشارة إلى وقائعه ولكنى اشير إلى وقعتين منه:

(الاولى) ما روي انه لما بعثه النبي صلى الله عليه وآله على صدقات بني جذيمة من بني المصطلق فاوقع بهم خالد لترة كانت بينه وبينهم فقتل منهم واستاق اموالهم فلما انتهى الخبر إلى النبي رفع يده إلى السماء وقال اللهم اني أبرأ اليك مما فعل خالد وبكى ثم دعا عليا فبعثه اليهم بمال وامره ان يؤدي اليهم ديات رجالهم وما ذهب لهم من اموالهم فاعطاهم امير المؤمنينعليه‌السلام جميع ذلك، فاعطاهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم وبقيت معه فاعطاهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم ولما يعلمون ولما لا يعلمون وليرضوا عن رسول الله.

٤١

(الثانية) قال ابن شحنة الحنفي في روضة الناظر: في ايام ابي بكر منعت يربوع الزكاة وكان كبيرهم مالك بن نويرة وكان فارسا منطقيا شاعرا قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله فولاه صدقة قومه فارسل اليه ابوبكر خالد بن الوليد فقال مالك إنا نأتي الصلاة دون الزكاة فقال خالد اما علمت ان الصلاة والزكاة معا لا يقبل احدهما بدون الآخر فقال مالك اما لو كان صاحبكم يقول ذلك ثم اعاد هذه الكلمة مرة اخرى فقال خالد أو ما تراه لك صاحبا والتفت إلى ضرار بن الازور وامره بضرب عنقه فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال فقال بل قتلك رجوعك عن الاسلام فقال مالك انا مسلم فقال خالد يا ضرار اضرب عنقه فضرب عنقه، وذكر ابن خلكان ما يقرب من ذلك ثم قال وجعل رأسه اثفية القدر وكان من اكثر الناس شعرا فكانت القدر على رأسه حتى نضج الطعام وما خلصت لنار إلى شواه من كثرة شعره وقبض خالد امرأته فقيل انه اشتراها من الفئ وتزوج بها قال في ذلك ابوزهير السعدي.

ألا قل لحي اوطأوا بالسنابك

تطاول هذا الليل من بعد مالك

قضى خالد بغيا عليه لعرسه

وكان له فيها هوى قبل ذلك

فامضى هواه خالد غير عاطف

عنان الهوى عنها ولا متمالك

واصبح ذا اهل واصبح مالك

إلى غير شئ هالكا في الهوالك

فمن لليتامى والارامل بعده

ومن للرجال المعدمين الصعالك

اصيبت تميم غثها وسمينها

بفارسها المرجو سحب الحوالك.

ولما بلغ الخبر ابا بكر وعمر، قال عمر لابي بكر ان خالدا قد زنى فارجمه قال ما كنت لارجمه فانه تأول فاخطأ قال انه قتل مسلما فاقتله به قال ماكنت لاقتله به فانه تأول فاخطأ قال فاعزله قال ما كنت لاشيم سيفا سله الله عليهم ابدا انتهى.

وفي بعض الروايات، انه لما قتل خالد مالكا ونكح امرأته كان في عسكره ابوقتادة الانصاري فركب فرسه ولحق بأبى بكر وحلف ان لا يسير في جيش

٤٢

تحت لواء خالد ابدا، فقص على ابي بكر القصة، فقال ابوبكر: لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالد ما امرته.

وان عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند ابي بكر فاكثر وقال ان القصاص قد وجب عليه، فلما اقبل خالد بن الوليد غافلا دخل المسجد وعليه قباء له عليه صداء الحديد معتجر بعمامة له قد غرز في عمامته اسهما فلما ان دخل المسجد قام اليه عمر فنزع الاسهم عن رأسه فحطمها ثم قال عدي نفسه عدوت على امرئ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته، والله لنرجمنك باحجارك، وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا ان رأي ابي بكر مثل رأي عمر فيه حتى دخل على ابي بكر واعتذر اليه فعذره وتجاوز عنه، فخرج خالد وعمر جالس في المسجد فقال هلم الي يا بن ام شملة فعرف عمران ابا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته.

(أبوجهم الكوفى)

ثوير مصغرا ابن ابى فاختة مولى ام هاني تابعي، ذكره الذهبي ونقل القول بكونه رافضيا، ومع ذلك فقد اخذ عنه علماء السنة واخرج له الترمذي في صحيحه عن ابن عمر وزيد بن ارقم، عده الشيخ في اصحاب السجادعليه‌السلام وفي (قر) وفي (ق) روى (كش) فيه حديثا يظهر منه كونه من مشاهير الشيعة ويؤيده ما عن تقريب ابن حجر: ثوير مصغرا ابن ابي فاختة معجمة مكسورة ومثناة مفتوحة سعيد بن علاقة بكسر المهملة الكوفي ابوالجهم ضعيف رمي بالرفض من الرابعة انتهى.

(أبوالجيش)

المظفر بن محمد الخراساني البلخي متكلم، كان عارفا بالاخبار من غلمان ابى سهل النوبختي، له كتب كثيرة منها: فعلت فلا تلم في المثالب ينقل منه صاحب الكامل البهائى وله نقض كتاب العثمانية للجاحظ وله كتاب في الامامة قرأ عليه ابوعبدالله المفيد (ره) واخذ عنه ويروى عنه في الارشاد وعن ابن النديم انه كان شاعرا مجودا في اهل البيت عليهم السلام متكلما بارعا انتهى.

توفي سنة ٣٦٧ (شزس).

٤٣

وقد يطلق على خمارويه بضم الخاء ابن احمد بن طولون صاحب الديار المصرية والشامية الذي يأتى ذكره في ابن طولون قتله غلمانه بدمشق على فراشه سنة ٢٨٢ وكان عمره اثنين وثلاثين سنة وحمل في تابوت إلى مصر فاخرج من التابوت وجعل على السرير وذلك على باب مصر وخرج ولده الامير جيش وسائر الامراء والاولياء فصلى عليه ودفن عند ابيه بسفح المقطم وكانت بنته قطر الندى زوجة المعتضد بالله الخليفة العباسي.

قال ابن خلكان: كان صداقها الف الف درهم، وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل، حكي ان المعتضد خلا بها يوما للانس في مجلس افرده لها ما احضر سواها فاخذت منه الكأس فنام على فخذها فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة وخرجت فجلست في ساحة القصر فاستيقظ فلم يجدها فاستشاط غضبا ونادى بها فاجابته عن قرب فقال ألم اخلو بك إكراما لك ألم ادفع اليك مهجتي دون سائر حظاياي فتضعين رأسي على وسادة فقالت يا امير المؤمنين ما جهلت قدر ما انعمت علي ولكن فيما ادبني به ابى قال لا تنامي مع الجلوس ولا تجلسي مع النيام.

(أبوحاتم الرازى)

محمد بن ادريس الحنظلي الذي قال في حقه علماء اهل السنة: كان اماما حافظا من مشاهير العلماء، ويقال له حافظ المشرق وكان بارع الحفظ واسع الرحلة من اوعية العلم. وكان جاريا في مضمار البخاري وابى زرعة الرازي. توفى في شعبان سنه ٢٧٧ (زرع).

وابنه ابو محمد عبدالرحمن بن محمد بن ادريس حافظ الرى وابن حافظها، اخذ عن ابيه وعن ابي زرعة كان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعد من الابدال، توفي سنة ٣٢٧ (شكز).

(أبوحاتم السجستانى)

سهل بن محمد بن عثمان النحوي اللغوي المقرى نزيل البصرة وعالمها، اخذ عنه ابن دريد والمبرد وغيرهما.

٤٤

حكي انه كان صالحا عفيفا يتصدق كل يوم بدينار، ويختم القرآن في كل اسبوع، له من المصنفات كتاب اعراب القرآن. وكتاب اختلاف المصاحف وغير ذلك قيل توفى في رجب بالبصرة سنة ٢٤٨ (رمح).

وهو غير ابي حاتم البستي محمد بن حيان صاحب التآليف المتوفى سنة ٣٥٤ (شند) والسجستاني نسبة إلى سجستان معرب سيستان ناحية كبيرة واسعة واقعة على جنوب هراة ارضها كلها سبخة رملة ينسب اليها رستم الشديد.

وفي (ضا) نقلا عن الذهبي: ان في زمن بني امية لما اعلن اهل الشرق والغرب ومكة والمدينة بسب علي بن ابي طالبعليه‌السلام امتنع اهل سجستان من ذلك حتى انهم شرطوا في معاهدتهم مع بني امية ان لا يأتوا إلى ذلك ان شاء الله.

(أبوحامد الاسفرائنى)

انظر الاسفرائنى.

(أبوحامد الغزالى)

انظر الغزالى.

(أبوالحتوف)

ابن الحارث بن سلمة الانصاري العجلاني نسبة إلى بني عجلان بطن من الخزرج.

عن الحدائق الوردية في أئمة الزيدية: انه كان مع اخيه سعد في الكوفة، ورأيهما رأي الخوارج، فخرجا مع عمر بن سعد لحرب الحسينعليه‌السلام فلما كان اليوم العاشر وقتل اصحاب الحسين وجعل الحسين ينادي: ألا ناصر فينصرنا، فسمعته النساء والاطفال فتصارخن، وسمع سعد واخوه ابوالحتوف النداء من الحسين والصراخ من عياله، قالا: إنا نقول لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصاه، وهذا الحسين بن بنت نبينا محمد ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة فكيف نقاتله وهو بهذا الحال لا ناصر له ولا معين، فمالا بسيفيهما مع الحسين على اعدائه وجعلا يقاتلان قريبا منه حتى قتلا جمعا وجرحا آخر ثم قتلا معا في مكان واحد، وختم لهما بالسعادة الابدية بعد ما كانا من المحكمة، وانما الامور بخواتيمها.

٤٥

(أبوالحجاج)

الاقصري هو الشيخ العارف الزاهد، له كلمات في ارشاد المريدين وكان يقول لا يقدح عدم الاجتماع بالشيخ في محبته فانا نحب اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله والتابعين، وما رأيناهم، وذلك لان صورة المعتقدات اذا ظهرت لا تحتاج إلى صورة الاشخاص، فانها اذا ظهرت تحتاج إلى صورة المعتقدات فاذا حصل الجمع بينهما فذلك كمال حقيقي.

وقيل له يوما من شيخك؟ قال شيخى ابوجعران اي الجعل فظنوا انه يمزح، فقال لست امزح، فقيل له كيف؟ فقال كنت ليلة من ليالي الشتاء سهران، واذا بأبي جعران يصعد منارة السراج فيزلق لكونها ملساء ثم يرجع فعددت عليه تلك الليلة سبعمائة زلقة ثم يرجع بعدها ولا يكل فتعجبت في نفسي فخرجت إلى صلاة الصبح ثم رجعت، فاذا هو جالس فوق المنارة بجنب الفتيلة، فاخذت من ذلك ما اخذت أي انه تعلم منه الثبات مع الجد.

(أبوالحجاج المزى)

انظر المزى.

(أبوحزرة)

جرير بن عطية التميمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء الاسلام، وكانت بينه وين الفرزدق مهاجاة ومعاداة، واجمعت العلماء على انه ليس في شعراء الاسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والاخطل.

وقد اختلف اهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير والمفاضلة بينهما، والاكثرون على ان جرير افضل منه ويأتي في الفرزدق ان جرير توفي في السنة التي مات فيها الفرزدق وهي سنة ١١٠، والحزرة بفتح الحاء وسكون الزاي وفتح الراء المهملة شجرة حامضة، ومن المال خياره كذا في (ق).

(أبوالحسن الاشعرى)

علي بن اسماعيل بن ابي بشر اسحاق بن سالم بن اسماعيل بن عبدالله بن

٤٦

موسى بن بلال بن ابي بردة بن ابي موسى الاشعري، تقدم ذكر جده ابي بردة ويأتى ذكر ابي موسى بعد ذلك.

كان مولده بالبصرة ومنشؤه ببغداد، وهو امام الاشاعرة واليه تنسب الطائفة الاشعرية، توفي سنة ٣٣٤ ودفن بين الكرخ وباب البصرة، قال ابن شحنة في روضة الناظر: في سنة ٣٢٩ توفي ابوالحسن علي بن اسماعيل بن ابي بشر الاشعري ودفن ببغداد بشرعة الزوايا ثم طمس قبره خوفا ان تنبشه الحنابلة فانهم كانوا يعتقدون كفره ويبيحون دمه، وذكر: ان ابا علي الجبائى كان زوج امه انتهى.

ونسب اليه واصحابه ابن حزم فيما حكي عن كتابه فصل القول: بأن الايمان عقد بالقلب وان اعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الاوثان، أو لزم اليهودية او النصرانية في دار الاسلام، وعبد الصليب واعلن التثليث في دار الاسلام، ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الايمان عند الله، ولي لله، من اهل الجنة.

وقال ايضا في كتابه من الجزء ٤ صفحه ٢٠٦: واما الاشعرية فقالوا إن شتم من اظهر الاسلام لله ولرسوله بافحش ما يكون من الشتم واعلان التكذيب بهما باللسان بلا تقية ولا حكاية، والاقرار بانه يدين بذلك ليس شئ من ذلك كفرا ونقل عن الاشاعرة القول: بأن من عرف الحق من اليهود والنصارى المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وآله فاعتقد بأنه رسول الله حقا ثم كتم ذلك، وتمادى في الجحود واعلان الكفر، فحارب النبي في خيبر وغيرها، فهو مؤمن عند الله، ولي لله تعالى، من اهل الجنة انتهى.

والاشعري نسبة إلى اشعر، ويأتي في الاشعري.

(أبوالحسن البكرى)

احمد بن عبدالله بن محمد البكري صاحب كتاب الانوار في مولد النبي المختار، ينقل منه العلامة المجلسي في المجلد السادس من البحار، وقال في الفصل الثاني من اول كتاب البحار: وكتاب الانوار قد اثنى بعض اصحاب الشهيد

٤٧

الثاني على مؤلفه وعده من مشايخه، ومضامين اخباره موافقة للاخبار المعتبرة بالاسانيد الصحيحة، وكان مشهورا بين علمائنا يتلونه في شهر ربيع الاول في المجالس والمجامع في يوم المولد الشريف انتهى.

وفيه كلام ليس موضع نقله فليطلب من اعيان الشيعه وغيره.

(أبوالحسن التهامى)

علي بن محمد بن الحسن العاملي الشامي من شعراء الشيعة، ذكره شيخنا الحر في الامل، وكان فاضلا اديبا شاعرا منشيا بليغا له ديوان شعر حسن، ومن شعره:

تنافس في الدنيا غرورا وانما

قصارى غناها ان يعود إلى الفقر

وإنا لفي الدنيا كركب سفينة

نظل وقوفا والزمان بنا يجري

وله ايضا:

وإذا جفاك الدهر وهو ابوالورى

طرا فلا تعتب على اولاده

وله الرائية المشهورة في رثاء ولده، وقد مات صغيرا وهي غاية في الحسن والجزالة وفخامة المعنى وجودة السرد ولا بأس بذكر بعض اشعارها قال رحمه الله:

حكم المنية في البرية جار

ما هذه الدنيا بدار قرار

بينا يرى الانسان فيها مخبرا

حتى يرى خبرا من الاخبار

طبعت على كدر وانت تريدها

صفوا من الاقذاء والاكدار

ومكلف الايام ضد طباعها

متطلب في الماء جذوة نار

فالعيش نوم المنية يقظة

والمرء بينهما خيال سار

فاقضوا مآربكم عجالا إنما

اعماركم سفر من الاسفار

إني وترت بصارم ذي رونق

اعددته لطلابة الاوتار

٤٨

والنفس إن رضيت بذلك او أبت

منقادة بازمة المقدار

يا كوكبا ما كان اقصر عمره

وكذاك عمر كواكب الاسحار

إن يحتقر صغرا فرب مفخم

يبدو ضئيل الشخص للنظار

إن الكواكب في علو محلها

لترى صغارا وهي غير صغار

ولد المعزى بعضه فاذا انقضى

بعض الفتى فالكل في الآثار

ابكيه ثم اقول معتذرا له

وفقت حين تركت ألام دار

جاورت اعدائي وجاور ربه

شتان بين جواره وجواري

اشكو بعادك لي وانت بموضع

لولا الردى لسمعت فيه مزاري

والشرق نحو الغرب اقرب شقة

من بعد تلك الخمسة الاشبار

فاذا نطقت فانت اول منطقي

واذا سكت فانت في اضماري

إني لارحم حاسدي لحر ما

ضمنت صدورهم من الاوغار

نظروا صنيع الله بى فعيونهم

في جنة وقلوبهم في نار

لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي

فكأنما برقعت وجه نهار

سجن بالقاهرة في ع ١ سنه ٤١٦ (تيو) ثم قتل سرا في سجنه في ٩ ج ١ من السنة المذكورة، وبعد موته رآه بعض اصحابه في النوم فقال له ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، فقال بأي الاعمال؟ قال بقولي في مرثية ولدي الصغير جاورت اعدائي وجاور ربه.. الخ.

التهامي بكسر التاء نسبة إلى تهامة وهي تطلق على مكة زادها الله شرفا والنسبة اليها تهامي بالكسر وتهام بالفتح.

(أبوالحسن جلوة)

الحكيم المتألة ابن محمد الطباطبائي المنتهي نسبه إلى سيد الحكماء والمتألهين الميرزا رفيع الدين النائيني رحمه الله، تولد في احمد اباد كجرات في سنة ١٢٣٨ واشتغل في اصبهان بتحصيل العلم وكان اكثر تحصيله في علم المعقول حتى صار من

٤٩

اساتذة هذا الفن ثم انتقل إلى طهران وتوقف في مدرسة دار الشفاء وكان يدرس في المعقول واورد ترجمته في نامة دانشوران قال: بقيت مدة في اصبهان مشتغلا بهذا الشغل اي المطالعة والتدريس ثم اتيت إلى طهران وبحسب العادة والانس وعدم القدرة على المنزل المنفرد نزلت في مدرسة دار الشفاء ولي إلى هذا الوقت وهو سنة ١٢٩٠ (غرص) احدى وعشرون سنة لم اشتغل فيها بغير المطالعة والمباحثة ولم يخطر ببالي شغل غيرهما ولما علمت ان التصنيف الجديد صعب بل غير ممكن لم اكتب شيئا مستقلا ولكن كتبت حواشي كثيرة على الحكمة المتعالية المعروفة بالاسفار وغيرها والآن هي في يد بعض الطلاب ومحل الانتفاع انتهي.

وكان انتقاله إلى طهران سنة ١٢٧٣ بعد ما اكمل المعقول وبقي في مدرسة دار الشفاء مجردا بلا زوجة مشتغلا بالتدريس احدى واربعين سنة حتى انتقل إلى الدار الآخرة في سنة ١٣١٤ (غشيد) ودفن بقرب ابن بابويه القمي رضوان الله عليه.

(أبوالحسن الخرقانى)

على بن جعفر المشهور بالزهد والعرفان، وللصوفية والعرفاء فيه اعتقاد عظيم ويعددون له كرامات وفضائل كثيرة ونحن نذكر واحدا منها ها هنا ليكون انموذجا لما سواها.

قال في (ضا) وذكر الفاضل الطيبي في باب فضل الصدقة من شرحه على مصابيح البغوي، قال روي الشيخ نجم الدين الكبري في فواتح الجمال

٥٠

عن الشيخ ابى الحسن الخرقانى انه قال: صعدت إلى العرش وطفته الف طوفة ورأيت الملائكة يطوفون مطمئنين تعجبوا من سرعة طوافي فقلت ما هذه البرودة في الطواف؟ فقالوا نحن الملائكة انوار لا نقدر ان نجاوزه، فقالوا وما هذه السرعة؟ فقلت انا آدمي وفي نور ونار وهذه السرعة من نتائج نار الشوق انتهى.

توفي سنة ٤٢٥ (تكه) ودفن خارج الخرقان من قرى بسطام.

قال الفيروز ابادي الخرقان كسحبان قرية ببسطام وتحريكه لحن.

(أبوالحسن الشاذلى)

انظر الشاذلى.

(أبوالحسن الشريف)

ابن الشيخ محمد طاهر بن عبدالحميد بن موسى بن علي بن معتوق بن عبدالحميد الفتونى النباطي العاملي الاصبهاني الغروي المتوفي سنة ١١٣٨ افضل اهل عصره واطولهم باعا، صاحب تفسير مرآة الانوار إلى اواسط سورة البقرة يقرب مقدماته من عشرين الف بيت لم يعمل مثله، وكتاب ضياء العالمين في الامامة في ستين الف بيت ورسالة تنزيه القميين في تراجم كثير من القميين واثبات براء‌تهم عن عقائد المجبرة والمشبهة وغير ذلك، وكانت امه بنت السيد الجليل الامير محمد صالح الخاتون ابادي الذي هو صهر العلامة المجلسي (ره) على بنته وهو اي ابوالحسن الشريف جد شيخ الفقهاء صاحب جواهر الكلام من طرف ام والده المرحوم الشيخ باقر وهي آمنة بنت المرحومة فاطمة بنت المولى ابى الحسن.

يروي هو عن العلامة المجلسي وعن الشيخ الحر العاملي وعن خاله الخاتون ابادي وعن السيد الجزائري وغير هؤلاء رضوان الله عليهم اجمعين.

ويروي عنه السيد الاجل الشهيد السيد نصر الله الموسوي الحائري المدرس في الروضة الحسينية صاحب الروضات الزهرات في المعجزات بعد الوفاة وسلاسل الذهب وغير ذلك، وله ديوان شعر رائق، وله تخميس قصيدة الفرزدق في مدح

٥١

الامام علي بن الحسينعليه‌السلام قوله:

هذا الذي ضمن الفرقان مدحته

هذا الذي ترهب الآساد صولته

هذا الذي تحسد الامطار منحته

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن من زينوا الدنيا بفخرهم

واوضحوا ديننا في صبح علمهم

واخصبوا عيشنا في قطر جودهم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

يروى عن السيد المذكور الاجل السيد حسين القزوينى احد مشايخ العلامة بحر العلوم.

والسيد محمد بن امير الحاج، شارح قصيدة ابى فراس والشيخ احمد بن الشيخ حسن النحوي، المتوفي سنة ١١٧٣ وغيرهم - رضوان الله عليهم اجمعين -.

(أبوالحسن الفارسى الوراق)

احمد بن الفرج بن منصور البغدادي، ولد سنة ٣١٢ وتوفي بها سنة ٣٩٢، فعن الخطيب في تأريخ بغداد قال في حقه: إن اول سماعه للحديث كان سنة ٣٢٤ وكان ثقة، حدثني ابوبكر البرقانى قال: ذكر لي انه كان يديم قراء‌ة القرآن وكان له في كل يوم ختمة، قال: وكان يذكر عنه التشيع سألت ابا الحسين العتبقي هل سمع شيئا بغير بغداد؟ فقال لا، وكان ثقة كتب الكثير انتهى.

وعن رياض العلماء: انه يروى عن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه.

وقال ايضا: ويروي صاحب مسند فاطمة عليها السلام ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى عنه.

(أبوالحسن الوراق)

انظر الرمانى.

(أبوالحسين البصرى)

محمد بن علي الطيب البصري المتكلم على مذهب المعتزلة، وهو احد أئمتهم الاعلام المشار اليه في هذا الفن، له تصانيف منها: المعتمد في الفقه وهو كتاب

٥٢

كبير اخذ منه فخر الدين الرازي، كتاب المحصول، توفي ببغداد سنة ٤٤٦ (تلو).

قال ابن خلكان: ولفظة المتكلم تطلق على من يعرف علم الكلام وهو اصول الدين، وإنما قيل له علم الكلام لان اول خلاف وقع في الدين كان في كلام الله عزوجل، أمخلوق هو ام غير مخلوق؟ فتكلم الناس فيه فسمي هذا النوع من العلم كلاما إنتهى.

(أبوالحكم المغربى)

عبيد الله بن مظفر بن عبدالله بن محمد الباهلي الاندلسي الاديب الحكيم، كان فاضلا في العلوم الحكمية متفننا في الصناعة الطبية، هو الفيلسوف الفرد العلم والفاضل الذي اقرت له بالحكمة العرب والعجم، توفي ٤ (قع) سنة ٥٤٩ (ثمط) وابنه ابوالمجد بن ابي الحكم طبيب حاذق ماهر له قصص وحكايات في معالجته المرضى توفي بدمشق سنة ٥٧٠.

(أبوحمزة الثمالى)

انظر الثمالى.

(أبوحنيفة)

النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي، احد الائمة الاربعة السنية صاحب الرأي(١) والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه.

قال ابن خلكان: كان جده زوطي من اهل كابل.

وذكر الخطيب في تأريخه: ان ابا حنيفة رأى في المنام كأنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فبعث من سأل ابن سيرين صاحب هذه الرؤيا يثور علما لم يسبقه اليه احد قبله.

قال ابن خلكان: كان اماما في القياس، وروى انه صلى ابوحنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء العشاء اربعين سنة وكان عامة ليلة يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة وكان يسمع بكاؤه

____________________

(١) وممن اخذ عنه ولكنه تقدمه في الحياة ربيعة بن عبدالرحمن المدنى الفقيه المعروف بربيعة الرأي توفي سنة ١٣٦ بالانبار في الهاشمية التي بناها السفاح.

٥٣

في الليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه انه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف ختمة، وقال ايضا: ومناقبه وفضائله كثيرة.

وقد ذكر الخطيب في تأريخه فيها شيئا كثيرا ثم اعقب ذلك بذكر ما كان الاليق تركه والاضراب عنه.

(اقول) ولعله اراد مثل ما يحكى عنه انه روى في الجزء الثالث عشر من تاريخه عن الثوري عن حماد بن ابي سليمان انه كان يظهر البراء‌ة من ابي حنيفة ويقول لاصحابه: إن سلم فلا تردوا عليه وان جلس فلا توسعوا له.

وروى انه اجتمع الثوري وشريك والحسن بن صالح وابن ابى ليلى فبعثوا إلى ابى حنيفة فاتاهم فقالوا ما تقول في رجل قتل اباه ونكح امه وشرب الخمر في رأس ابيه؟ فقال هو مؤمن، فقال ابن ابى ليلى لا قبلت لك شهادة ابدا، وقال الثوري لا كلمتك ابدا، وقال شريك لو كان لي من الامر شئ لضربت عنقك، وقال له الحسن وجهي من وجهك حرام ان انظر إلى وجهك ابدا.

وروى عن الامام مالك قال ما ولد في الاسلام مولود اضر على اهل الاسلام من ابي حنيفة وقال كانت فتنة ابى حنيفة اضر على هذه الامة من فتنة ابليس.

واخرج عن عبدالرحمن بن مهدي قال ما علم في الاسلام فتنة بعد فتنة الدجال اعظم من رأي ابي حنيفة.

وعن الاوزاعي قال عمد ابوحنيفة إلى عرى الاسلام فنقضه عروة عروة واخرج عن ابى صالح الفراء قال سمعت يوسف بن اسباط يقول رد ابوحنيفة على رسول الله اربعمائة حديث او اكثر، وقال: لو ادركنى النبي وادركته لاخذ بكثير من قولي وهل الدين إلا الرأي الحسن.

واخرج عن علي بن صالح البغوي قال انشدنى ابوعبدالله محمد بن زيد الواسطي لاحمد ابن المعدل:

إن كنت كاذبة بما حدثتني

فعليك إثم ابى حنيفة او زفر

الماثلين إلى القياس تعمدا

والراغبين عن التمسك بالخبر

وروى انه كان رأس المرجئة وانه سئل من مسألة فاجاب فيها ثم قيل له انه يروى

٥٤

عن النبى صلى الله عليه وآله فيها كذا وكذا قال دعنا من هذا.

وفي رواية اخرى قال حك هذا بذنب خنزيرة إلى غير ذلك مما ليس مقام نقله وكان الاليق تركه والاضراب عنه.

قال ابن خلكان: فمثل هذا الامام لا يشك في دينه ولا في ورعه وتحفظه ولم يكن يعاب بشئ سوى قلة العربية، وقال في ترجمة عطاء بن ابي رياح وحكي وكيع قال: قال لي ابوحنيفة النعمان بن ثابت اخطأت في خمسة ابواب من المناسك بمكة؟ فعلمنيها حجام وذلك انى اردت ان احلق رأسي فقال لي اعرابى انت قلت نعم وكنت قد قلت له بكم تحلق رأسي فقال النسك لا يشارط فيه اجلس، فجلست منحرفا عن القبلة فاومأ الي باستقبال القبلة، واردت ان احلق رأسي من الجانب الايسر فقال ادر شقك الايمن من رأسك فادرته وجعل يحلق رأسي وانا ساكت، فقال لي كبر فجعلت اكبر حتى قمت لاذهب، فقال اين تريد؟ قلت رحلي فقال صل ركعتين ثم امض فقلت ما ينبغي ان يكون هذا من مثل هذا الحجام إلا ومعه علم، فقلت من اين لك ما رأيتك امرتني به فقال رأيت عطاء بن ابى رياح يفعل هذا انتهى.

وعطاء بن ابى رياح بفتح الراء والياء الموحدة كان من فقهاء مكة، سمع جابر بن عبدالله وابن عباس وروى عنه عمرو بن دينار والزهري وقتادة ومالك بن دينار والاعمش والاوزاعي واليه والى مجاهد انتهت فتوى مكة في زمانهما، حكي ان في زمان بني امية يأمرون في الحاج صائحا يصيح لا يفتي الناس إلا عطاء بن ابي رياح، وكان اسود اعور افطس اشل اعرج ثم عمي مفلل الشعر، توفي سنة ١١٥، وتوفي ابوحنيفة سنة ١٥٠ وقبره ببغداد في مقبرة خيزران، وما ذكره علماء الفريقين في ترجمته اكثر من ان يذكر، وقد اشرنا إلى مختصر منه في سفينة البحار ولابي جعفر مؤمن الطاق مقامات معه يأتي بعضها في الطاقى ويأتى في القفال ذكر بعض فتاواه.

وقال ابن النديم: انه كان خزازا في الكوفة.

(قلت) ويظهر مما نقله كمال الدين الدميري في حياة الحيوان انه كان جزارا.

٥٥

قال في الجزور ذكر التوحيدي في كتاب بصائر القدماء وسرائر الحكماء صناعة كل من علمت صناعة من قريش فقال كان ابوبكر بزازا وكذلك عثمان وطلحة وعبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهم وكان عمر رضي الله عنه دلالا يسعى بين البائع والمشتري، وكان سعد بن ابى وقاص يبري النبل، وكان الوليد ابن المغيرة حدادا وكذلك ابوالعاص اخو ابي جهل، وكان عتبة بن ابي معيط خمارا، وكان ابوسفيان بن حرب يبيع الزيت والادم، وكان عبدالله بن جذعان نخاسا يبيع الجواري وكان النضر بن الحرث عوادا يضرب بالعود، وكان الحكم بن العاص خصاء‌ا يخصي الغنم وكذلك حريث بن عمرو والضحاك بن قيس الفهري وابن سيرين، وكان العاص بن وائل السهمي بيطارا يعالج الخيل، وكان ابنه عمرو بن العاص جزارا وكذلك ابوحنيفة صاحب الرأي والقياس، وكان الزبير بن العوام خياطا.. الخ.

قال ابن الاثير في النهاية فيه: كان عمر في الجاهلية مبرطشا هو الساعي بين البائع والمشتري شبه الدلال ويروى بالسين المهملة انتهى.

قال الفيروز آبادي مثله في القاموس وقال او هو بالسين المهملة وقال المبرطس الذى يكتري للناس الابل والحمير ويأخذ عليه جعلا.

(أبوحنيفة الدينورى)

احمد بن داود النحوي اللغوي الاديب الفاضل العالم بالهندسة والحساب والفلسفة، وكان من نوادر الرجال ممن جمع بين بيان العرب وحكم الفلاسفة اكثر عن ابن السكيت.

وذكره ابن النديم وقال: اخذ عن البصريين والكوفيين، وكان متفننا في علوم كثيرة وثقة فيما يرويه معروف بالصدق انتهى.

له كتب كثيرة منها الاخبار الطوال واصلاح المنطق وكتاب البلدان وغير ذلك توفي في حدود سنة ٢٩٠ (رص) والدينوري يأتي في حرف الدال.

٥٦

(أبوحنيفة سايق الحاج)

اسمه سعيد بن بيان الهمداني، وسايق الحاج بالمثناة التحتانية قيل القاف اي امير الحاج في كل سنة من الكوفة إلى مكة وقيل بالموحدة مكان المثناة أي يسبقهم بوصول مكة او الكوفة، وثقه (جش) وقال: روى عن ابى عبداللهعليه‌السلام له كتاب يرويه عدة من اصحابنا (كش) عن ابى عبداللهعليه‌السلام قال اتى قنبر امير المؤمنينعليه‌السلام فقال هذا سابق الحاج قد اتى وهو في الرحبة فقال لا قرب الله داره هذا خاسر الحاج يتعب البهيمة وينقر الصلاة اخرج اليه فاطرده: (كش) عن عبدالله بن عثمان قال ذكر عند ابي عبداللهعليه‌السلام ابوحنيفة السابق وانه يسير في اربع عشرة فقال لا صلاة له.

(اقول) الخبر الاول خال عن ذكر ابي حنيفة ويبعد ان يكون سابق الحاج في زمان امير المؤمنينعليه‌السلام هو سعيد بن بيان ابوحنيفة المذكور وقوله انه يسير في اربع عشرة الظاهر انه يسير من العراق إلى مكة او بالعكس. عن المحاسن عن الوليد بن صبيح يقول لابي عبداللهعليه‌السلام ان ابا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة فقال ما لهذا صلاة.

(أبوحنيفة الشيعة)

ويقال له ابوحنيفة المغربي هو القاضي النعمان بن ابى عبدالله محمد بن منصور القاضى بمصر كان مالكيا اولا ثم اهتدى وصار اماميا وصنف على طريق الشيعة اكتبها منها كتاب دعائم الاسلام وكان كما قال ابن خلكان نقلا من ابن زولاق في غاية الفضل من اهل القرآن والعلم بمعانيه عالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر الفحل والمعرفة بأيام الناس مع عقل وانصاف، والف لاهل البيت عليهم السلام من الكتب آلاف اوراق بأحسن تأليف، وله ردود على المخالفين، وله رد على

٥٧

ابى حينفة وعلى مالك والشافعي وعلى ابن سريج، وكتاب اختلاف الفقهاء وينتصر فيه لاهل البيتعليه‌السلام وله القصيدة الفقهية لقبها بالمنتخبة، وكان ملازما صحبة المعز ابي تميم معد بن منصور، ولما وصل من افريقية إلى الديار المصرية كان معه ولم تطل مدته ومات في مستهل رجب بمصر سنة ٣٦٣ (شجس) انتهى.

وحكي عن دعائمه: انه رووا ان رجلا من اهل خراسان حج فلقى ابا حنيفة وكتب عنه ثم عاد في العام الثاني فلقيه فعرضها عليه ثانية فرجع عنها كلها فحثا الخراساني التراب على رأسه فصاح فاجتمع الناس عليه فقال يا معشر الناس هذا رجل افتاني في العام الماضي بما في هذا الكتاب فانصرفت إلى بلدي في العام الماضى فحللت به الفروج وارقت به الدماء واخذت به واعطيت به المال ثم رجع لي عنه العام كله، قال ابوحنيفة انما هو رأي رأيته ورأيت الآن خلافه قال الخراساني ويحك ولعلي لو اخذت عنك العام ما رجعت اليه لرجعت لي عنه من قابل، قال ابوحنيفة لا ادري قال الخراساني لكني ادري ان عليك لعنة الله والملائكة والناس اجمعين انتهى.

يحكي ان والد القاضي النعمان ابا عبدالله محمد قد عمر مائة واربعين سنة ويحكي اخبارا كثيرة نفيسة حفظها، وكان للقاضي النعمان اولاد نجباء سراة فمنهم ابوالحسن علي بن النعمان بن محمد اشرك المعز الفاطمي بينه وبين ابي طاهر محمد بن احمد قاضى مصر في الحكم ولم يزالا مشتركين فيه إلى ان لحقت القاضى ابا طاهر رطوبة عطلت شقه ومنعته الحركة فقلده العزيز بن المعز القضاء مستقلا، وكان القاضي ابوالحسن المذكور متفننا في عدة فنون منها: علم القضاء والقيام به بوقار وسكينة، وعلم الفقه والعربية والادب والشعر وكان شاعرا مجيدا في الطبقة العليا ومن شعره:

رب خود عرفت في عرفات

سلبتني بحسنها حسناتي

حرمت حين احرمت نوم عيني

واستباحت حماي باللحظات

٥٨

وافاضت مع الحجيج ففاضت

من جفوني سوابق العبرات

ولقد اضرمت على القلب جمرا

محرقا إذ مشت إلى الجمرات

لم انل من منى منى النفس حتى

خفت بالخيف ان تكون وفاتي

توفي سنة ٣٧٤ (شعد) وقام بأمر القضاء بعده اخوه ابوعبدالله محمد بن النعمان، وكان مثل اخيه في الفضل بل قال ابن زولاق: ولم نشاهد بمصر لقاض من القضاة من الرئاسة ما شاهدناه لمحمد بن النعمان ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق، ووافق ذلك استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة والتحفظ واقامة الحق والهيبة انتهى.

وقد استخلف ولده ابا القاسم عبدالعزيز على القضاء بالاسكندرية، وعقد له على ابنة القائد ابى الحسن جوهر في سنة ٣٨٣ استخلفه في الاحكام بالقاهرة ومصر إلى ان توفي سنة ٣٨٩، فقلد الحاكم الفاطمي القضاء ابا عبدالله الحسين بن علي بن النعمان، ثم صرفه وقتله وقلد ابا القسم عبدالعزيز بن محمد، ولم يزل قاضيا إلى ان فوض القضاء إلى ابى الحسن مالك بن سعيد الفارقي، واخرجه عن اهل بيت النعمان، ثم قتله في سنة ٤٠١ (تا) قال الفيروز ابادي: ابوحنيفة كنية عشرين من الفقهاء اشهرهم امام الفقهاء النعمان.

(أبوحيان الاندلسى)

كشداد اثير الدين محمد بن يوسف بن علي الحياني الاندلسي النحوي كان من اقطاب سلسلة العلم والادب، واعيان المبصرين بدقائق ما يكون من لغة العرب حكي انه سمع الحديث بالاندلس وافريقية والاسكندرية ومصر والحجاز من نحو اربعمائة وخمسين شيخا، له شرح التسهيل ومختصر المنهاج للنووي والارتشاف وغير ذلك، وكان شيخ النحاة بالديار المصرية واخذ عنه اكابر اهل عصره.

فعن الصفدي انه قال: لم اره قط إلا يسمع أو يشتغل او يكتب او ينظر في كتاب،

٥٩

وكان ثبتا صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسم ومال إلى مذهب اهل الظاهر والى محبة اميرالمؤمنين علي بن ابى طالبعليه‌السلام كثير الخشوع والبكاء عند قرائة القرآن انتهى ملخصا.

توفي بالقاهرة سنة ٧٤٥ (ذمة) ورثاه الصفدي.

ومن كلماته وكان يوصى بها: ينبغي للعاقل ان يعامل كل احد في الظاهر معاملة الصديق، وفي الباطن معاملة العدو في التحفظ منه والتحرز، وليكن في التحرز عن صديقه اشد مما يكون في التحرز عن عدوه وان يعذر الناس في مباحثهم وادراكاتهم فان ذلك على حسب عقولهم وان يضبط نفسه عن المراء والاستخفاف بابناء زمانه وان لا يبحث إلا مع من اجتمعت فيه شرائط الديانة والفهم والمزاولة لما يبحث وان لا يغضب على من لا يفهم مراده ومن لا يدرك ما يدركه وان لا يقدم على تخطئة احد ببادئ الرأي ولا يعرض بذكر اهله ولا يجري ذكر حرمه بحضرة جليسه وان لا يركن على احد إلا على الله تعالى وان يكثر من مطالعة التواريخ فانها تلقح عقلا جديدا.

ومن شعره:

أرحت روحي من الايناس بالناس

لما غنيت عن الاكياس بالياس

وصرت في البيت وحدي لا ارى احدا

بنات فكري وكتبي كان جلاسي

وقال ايضا:

وزهدني في جمعي المال انه

إذ ما انتهى عند الفتى فارق العمرا

فلا روحه يوما اراح من العنا

ولم يكتسب حمدا ولم يدخر اجرا

ومن شعره ايضا:

عداي لهم فضل علي ومنة

فلا اذهب الرحمن عني الاعاديا

هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

يروي عنه شيخنا الشهيد بواسطه تلميذه جمال الدين عبدالصمد بن ابراهيم ابن الخليل البغدادي

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال مهلاً يا أبا حجيفة ألا أخبرك بخير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر وعمر ويحك يا أبا حجيفة لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن » وأخباره بكونهما خيرالأمة ثبتت عنه من رواية إبنه محمد بن الحنفية وجاء عنه من طرق كثيرة بحيث يجزم من تتبعها بصدور هذا القول من علي والرافضة ونحوهم لما لم يمكنهم إنكار صدور هذا القول منه لظهوره عنه بحيث لاينكره إلا جاهل بالآثار أو مباهت قالوا إنما قال علي ذلك تقية ومر أن ذلك كذب وإفتراء وسيأتي أيضاً وأحسن مايقال في هذا المحل « ألا لعنة الله على الكاذبين ».

أقول : لا يلزم من كون أبي حجيفة صحابياً صاحباً لعليعليه‌السلام كما ذكره علماء الرجال من الطرفين أن يكون كل مانقل عنه صحيحاً لجواز أن يكون الخلل فيمن نقل عنه من أهل السنة الذين جرت عادتهم على وضع الخبر على سادات أهل البيتعليهم‌السلام وعلماء شيعتهم نصرة لضعف مذاهبهم وآراءهم الجاهلية ولو سلم يجوز أن يكون المراد من لفظ الخير في الخبر الخير المخفف من المشدد ومع ذلك يكون واقعاً تقية

وأمام مانسب اليهعليه‌السلام من قوله « لايجتمع بغضي وحب أبو بكر وعمر في قلب مؤمن » فصريح في أعمال التقية لأن نفي هذا الإجتماع يمكن أن يكون بحب المجموع وببغض المجموع وبعدم شيء من بغض علي وحب أبي بكر وعمر ويتحقق هذا بحب عليعليه‌السلام وبغضهما كما هو وظيفة المؤمن.

وأما ماذكره « من إنه لم يمكن للشيعة إنكار صدور هذا القول عن عليعليه‌السلام » فمكابرة على الواقع لأنهم كما أشرنا اليه منعوا أولاً صحة الخبر ثم تنزلوا الى إحتمال صدوره على وجه ولقد تكلمنا فيما مر على مامر وسيأتي إنشاء الله على ماسيأتي فتذكر وانتظر ولقد صدق في أحسنية أن يقال في هذا المحل « ألا لعنة الله على الكاذبين » بل هو أحسن

٢٨١

مايقال في عقيب كل حديث ذكره في هذا الباب ، بل هو أحسن ماذكره في هذا الكتاب ، كما لايخفى على أولي الألباب.

٩٤ ـ قال : وأخرج الدارقطني أن أبا جحيفة كان يرى إن علياً أفضل الإمة فسمع اقواماً يخالفونه فحزن حزناً شديداً فقال له علي بعد أن أخذ بيده وأدخله بيته ما أحزنك يا ابا حجيفة ؟ فذكر له الخبر فقال ألا أخبرك بخير الأمة خيرها أبو بكر ثم عمر قال أبو حجيفة فأعطيت الله عهداً أن لا أكتم هذا الحديث بعد أن شافهني به علي مابقيت وقول الشيعة والرافضة ونحوهما إنما ذكر على ذلك تقية كذب وإفتراء على الله إذ كيف يتوهم ذلك من له أدنى عقل أو فهم مع ذكره له في الخلاء في مدة خلافته لأنه قاله على منبر الكوفه وهو لم يدخلها إلا بعد فراغه من حرب أهل البصرة وذلك أقوى ما كان أمراً وأنفذ حكماً وذلك بعد مدة مديدة من موت أبي بكر وعمر قال بعض ائمة أهل البيت النبوي بعد أن ذكر ذلك فكيف يتعقل وقوع مثل هذه التقية المشومة التي أفسدوا بها عقائد أكثر أهل البيت النبوي لإظهارهم كمال المحبة والتعظيم فمالوا الى تقليدهم حتى قال بعضهم أغر الأشياء في الدنيا شريف سني فلقد عظمت مصيبة أهل البيت بهؤلاء وعظم عليهم أولاً وآخراً إنتهى وما أحسن ماأبطل به الباقر هذه التقية المشومة لما سئل عن الشيخين فقال إني اتولاهما فقيل له إنهم يزعمون إن ذلك تقية فقال إنما يخاف الأحياء ولا يخاف الأموات فعل الله بهشام بن عبدالملك كذا وكذا أخرجه الدارقطني وغيره فانظر ما أبين هذا الإحتجاج وأوضحة من مثل هذا الإمام العظيم المجمع على جلالته وفضله بل أولئك الأشقياء يدعون فيه العصمة فيكون ماقاله واجب الصدق ومع ذلك فقد صرح لهم ببطلان تلك التقية المشومة عليهم واستدل لهم على ذلك بأن إتقاء الشيخين بعد موتهما لا وجه له إذ لا سطوة

٢٨٢

لهما حينئذ ثم بين لهم بدعائه على هشام الذي هو والي زمنه وشوكته قائمة إنه إذا لم يتقه مع إنه يخاف ويخشى لسطوته وملكه وقوته وقهره فكيف مع ذلك يتقي الأموات الذين لا شوكة لهم ولا سطوة

وأما إذا كان هذا حال الباقر فما ظنك بعلي الذي لا نسبه بينه وبين الباقر في إقدامه وقوته وشجاعته وشدة بأسه وكثرة عدته وعدده وإنه لا يخاف بالله لومة لائم ومع ذلك فقد صح عنه بل تواتر مدح الشيخين والثناء عليهما وإنهما خير الأمة ومر أيضاً الأثر الصحيح عن مالك عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر إن علياً وقف على عمر وهو مسجى بثوبه وقال ماسبق فما أحوج علياً أن يقول ذلك تقية وما أحوج الباقر أن يرويه لإنه الصادق تقية وما أحوج الصادق أن يروه لمالك تقية فتأمل كيف يسع العاقل أن يترك مثل هذا الإسناد الصحيح ويحمله على التقية لشيء لم يصح وهو من جهالتهم وغباوتهم وكذبهم وحمقهم وما أحسن ما سلكه بعض الشيعة المنصفين كعبد الرزاق فإنه قال « أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه وإلا لما فضلتهما كفى بي وزراً أن أحبه ثم أخالفه » ومما يكذبهم في دعوى تلك التقية المشومة عليهم ما أخرجه الدارقطني « إن أبا سفيان بن حربرضي‌الله‌عنه قال لعلي باعلى صوته لما بايع الناس أبا بكر ياعلي غلبكم على هذا الأمر أذل بيت في قريش أما والله لأملأنها عليه خيلاً ورجلاً إن شئت فقال عليرضي‌الله‌عنه ياعدو الإسلام وأهله فما أضر ذلك للإسلام وأهله » فعلم بطلان مازعموه وافتروه من إن علياً إنما بايع تقية وقهراً ولو كان لما زعموه أدنى صحة لنقل واشتهر عن علي إذ لا داعي لكتمه بل أخرج الدارقطني وروي معناه من طرق كثيرة عن علي إنه قال « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو عهد الي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهداً لجاهدت عليه ولو لم أجد إلا ردائي ولم أترك إبن أبي قحافة يصعد درجة واحدة من منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأي موضعي وموضعه

٢٨٣

فقال له قم وصل بالناس وتركني ورضينا به لدنيانا كما رضى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لديننا » ومر لذلك مزيد بيان في خامس الأجوبة عن خبر « من كنت مولاه فعلي مولاه » وفي الباب الثاني وفي غيرهما فراجع ذلك كله فإنه مهم.

ومما يلزم من المفاسد والمساوىء والقبائح العظيمة على مازعموه من نسبة علي الى التقية إنه كان جباناً ذليلاً مقهوراً أعاذه الله من ذلك وحروبه للبغاة لما صارت الخلافة له ومباشرته ذلك بنفسه ومبارزته للألوف من الإمور المستفيضة التي تقطع بكذب مانسبه اليه أولئك الحمقى والغلاة إذ كانت الشوكة من البغاة قوية جداً ولا شك إن بني أمية كانوا أعظم قبائل قريش شوكة وكثرة جاهلية وإسلاماً وقد كان أبو سفيان بن حرب هو قائد المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب وغيرهما وقد قال لعلي لما بويع أبو بكر ما مر آنفاً فرد عليه ذلك الرد الفاحش وأيضاً فبنو تيم ثم بنو عدي قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش فكسوة علي لهما مع إنه كما ذكر وقيامه بالسيف على المخالفين لما إنعقدت البيعة له مع قوة شكيمتهم أوضح دليل على إنه كان دائراً مع الحق حيث دار وإنه من الشجاعة بالمحل الأسنى وإنه لو كان معه وصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر القيام على الناس لأنفذ وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان السيف على رأسه مصلتاً ، لايرتاب في ذلك إلا من إعتقد فيهرضي‌الله‌عنه ماهو منه بريء.

ومما يلزمهم أيضاً على التقية المشومة عليهم إنهرضي‌الله‌عنه لايعتمد على قوله قط لأنه حيث لم يزل في إضطراب من أمره فكل ماقاله يحتمل إنه خالف فيه الحق خوفاً وتقية ذكره حجة الإسلام ابو حامد الغزالي وقال غيره بل يلزمهم ما هو أشنع من ذلك وأقبح كقولهم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعين الإمامة إلا لعلي فمنع من ذلك فقال مروا أبا بكر تقية فيتطرق إحتمال ذلك الى كل ماجاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يفيد حينئذ إثبات العصمة شيئاً

وأيضاً فقد إستفاض عن عليرضي‌الله‌عنه إنه كان

٢٨٤

لايبالي بأحد حتى إنه قيل للشافعيرضي‌الله‌عنه مانفر الناس عن علي إلا إنه كان لا يبالي بأحد فقال الشافعي إنه كان زاهداً والزاهد لايبالي بالدنيا وأهلها ، وكان عالماً والعالم لايبالي بأحد ، وكان شجاعاً والشجاع لا يبالي بأحد وكمان شريفاً والشريف لا يبالي بأحد أخرجه البيهقي وعلى تقدير إنه قال ذلك تقية فقد إنتفى مقتضيها بولايته وقد مر عنه من مدح الشيخين فيها وفي الخلوة وعلى منبر الخلافة مع غاية القوة والمنعة ما تلى عليك قريباً فلا تغفل عنه انتهى.

أقول : يتوجه على مارتبه تجحيراً على مذهبه من سقاطات المدر والحصى مدافع لا يحصى منها إن أبا جحيفة الذي إعتمد على روايته لم يكن من رجال الشيعة قطعاً كما مرت الإشارة اليه سابقاً وتوهم تشيعه من قوله « كان يرى إن علياً أفضل الإمة وإنه حزن من أستماع خلافه حزناً شديداً » لايجدي نفعاً لأن إظهار ذلك أولاً يجوز أن يكون إحتيالاً منه تحصيلاً لإلتفات بعض عوام الشيعة الى تصديق مايذكره بعد ذلك من أفضلية أبي بكر رواية عن عليهعليه‌السلام وحيث لم يكن أبو حجيفة من زمرة شيعة عليعليه‌السلام فالتقية منه متجه سواء كان في الخلاء أو في الملاء وحينئذ كيف يستبعد من له أدنى عقل وفهم إنه لامجال لتوهم التقية في هذا المقام ، لولا عروض الخلافة والجمود التام ، ثم الظاهر إن قوله « وفي خلافته » عطف على قوله « في الخلاء » وحينئذ لايرتبط به قوله لأنه « قال في منبر الكوفة الى آخره » لركاكة الإستدلال به على ماذكر ولمنافاته ماذكره أولاً من إنهعليه‌السلام أدخله بيته وقال له ذلك الخبر إلا أن يكون قبل قوله « لأنه » واو عطف قد سقط من قلم الناسخ وحينئذ لا يوجد في الكلام مايصلح لعطفه عليه إلا على تأويل بعيد ومع ذلك يصير حينئذ مآل هذا الدليل العليل متحداً مع ذكره قبله من إن علياًعليه‌السلام قال ذلك لأبي حجيفة في خلافته وعلى أي تقدير فإظهار عليعليه‌السلام ذلك في أيام

٢٨٥

خلافته على منبر الكوفة لو صح لاينافي التقية لما مر من إن أكثر العساكر الذين كانوا معهعليه‌السلام كانوا معتقدون لحسن سيرة الشيخين وحقية خلافتهم ، محافظين على شأنهما ، ذابين عن حريم …. كما يدل عليه ماسيذكره هذا الجامد المعاند من رواية أبي ذر الهروي والدارقطني المشتملة على إعتراض من سمع سب الشيخين عن جماعة عليعليه‌السلام بأنهم لولا يرون إنك تضمر ما أعلنوه ما إجترأوا ؛ الى آخره » ولئن كانعليه‌السلام في أيام إظهاره لذلك فارغاً من بقية السيف كعبد الله بن الزبير ومروان وغيرهم من القاصدين لثوران الفتنة وتحريض معاوية على الخروج عليهعليه‌السلام حتى خرج في قريب من تلك الأيام ومنها إنما نقله من بعض أئمة أهل البيت من إنكار أعمالهم للتقية يتوجه عليه إنه على تقدير وجود ذلك البعض الذي لم يسمه وتسليم صحة النقل عنه يمكن أن يكون ذلك منه تقية في تقية ووصفه للتقية بالمشمومة لو صح أيضاً فلعله أراد به كونه شوماً على الأعداء كما قيل في الفارسيه.

شعر بردوست مباركست وبر دشمن شوم

وكيف لايكون كذالك مع إنه وسيلة لخلاص الأحباء عن تهلكة الأعداء وضحكهم على لحية هؤلاء.

وأما مانقله عنه ثانياً من قوله « حتى قال بعضهم غر الأشياء في الدنيا شريف سني » فوهنه ظاهر لظهور إن الشيعة كما يشعر به لقبهم هذا تابعون لأهل البيتعليهم‌السلام مقتبسون من مشكاة ولايتهم لا صنع لهم في تقرير عقائد سادتهم كما يرشد اليه حال سادات المدينة المشرفة وشرفاء مكة المعظمة وأخذ العقائد عن

٢٨٦

أب عن جد الى الأئمة المعصومينعليه‌السلام من غير إلتفات الى غيرهم كما علم بتتبع أحوالهم فما نقله عن لسان بعض الأئمة موضوع عليه قطعاً.

ومنه إن قوله « وما أحسن ما أبطل به الباقر هذه التقية المشمومة ؛ الى آخره » يتوجه عليه بعد تسليم صحة النقل إنه لا حسن فيه للناقل لظهور إنه كلام مجمل مبهم يليق صدوره بشأن الواقع في مقام التقية وقد أشرنا أيضاً الى أن سطوة أولياء الشيخين ، والمعتقدين لبراءة سيرتهم عن الشين ، كانت تقوم مقام سطوتهما وأكثر.

وأما مانقل عن دعاءهعليه‌السلام على هشام ، فلا يجزي فيما له من المرام ، لأن كثيراً من ملوك بني أمية لم يكونوا قادرين على مؤاخذة الأشراف بمجرد صدور إنكار منهم بالنسبة اليهم وإنما كانوا يجعلون القدح في الشيخين أو تهمة القدح فيهما وسيلة الى المؤاخذه بالقتل والحبس ونحوهما ويؤيد هذا ماجري في بعض أيام الحج من تنحي المسلمين عن طريق مولانا زين العابدين هييبة منه ليسهل له إستلام الحجر مع عدم تيسر ذلك لهشام ، وإنتظاره التام لدفع الإزدحام وجرأة فرزدق الشاعر في إنشاده حينئذ على هشام ماتضمن مدح زين العابدينعليه‌السلام وذم هشام وهذه القصة مع القصيدة مشهورة مذكورة على السنة الأنام على وجه سيذكرها هذا الشيخ في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

ومنها إن ما ذكره بقوله « فما أحوج علياً أن يقول ذلك تقية ؛ الى آخره » مردود بما سبق مراراً من وجوه متعددة ذكرنا فيها ما أحوجهعليه‌السلام الى ذلك وحاصله ماروى أصحابنا إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أوصى علياًعليه‌السلام لما إحتاج اليه في وقت وفاته عرفه جميع مايجري عليه من بعد من أمر واحد بعد واحد من المستولين فقال له عليعليه‌السلام على ما تأمروني أن أصنع فقال تصبر وتحتسب الى أن يعود الناس اليك طوعاً فحينئذ تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ولا تنابذن أحداً من الثلاثة فتلقي بيدك الى التهلكة ويرتد الناس من النفاق الى الشقاق فكان عليهعليه‌السلام

٢٨٧

حافظاً لوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إتقاء في ذلك على المسلمين المستضعفين لئلا يرجع الناس الى الجاهلية الأولى وتثور القبائل مرتدين بالفتنة في طلب ثارات الجاهلية الى غير ذلك من المصالح الخفية والجلية.

ومنا إن قوله « وما أحسن ماسلكه بعض الشيعة المنصفين كعبد الرزاق فإنه قال أفضل الشيخين ؛ الى أخره » مدخول بمنع كون عبدالرزاق من علماء الشيعة بل يظهر من كلام ياقوت الحموي في معجمه إنه من محدثي أهل السنة والجماعة وشيخ مشايخ حديثهم وغاية الأمر إنه كان يقدح في عثمان لكن كان يعتقد صحة خلافة الشيخين وبفضلهما لزعمه الباطل إن علياًعليه‌السلام فضلهم على نفسه وإنه في ذلك قد أطاع علياًعليه‌السلام وحينئذ فقوله وبوله سواء.

ومنها قوله « ومما يكذبهم في دعوى تلك التقية المشومة ما أخرجه الدار قطني من أن أبا سفيان ؛ الى آخره » مدفوع بأن ما أخرجه الدارقطني مما يصدق دعوانها ؛ كيف وهو متضمن ماذكرنا سابقاً من إن علياًعليه‌السلام إنما كان يحترز في عدم النزاع مع الثلاثة عن مخالفة وصية سيد الأنام صلوات الله عليه وآله وإثارة فتنة تؤدي الى إفناء دين الإسلام ولهذا أغلظ على أبي سفيان في الكلام ونسبه الى العداوة مع الإشارة الى أن خلافة أبي بكر لاتضر بالإسلام وإن إثارة ماقصده من الفتنة تضر فيه وتؤدي الى إفناء الإسلام وأهله بالتمام(١) فظهر حقية ماقاله من إن علياًعليه‌السلام إنما بايع أبا بكر قهراً وتقية والله

____________________

(١) والمروي من طريق الشيعة وبعض طرق أهل السنة إن أبا سفيان جاء الى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

شعر بني هاشم لا يطمع الناس فيكم

ولاسيما تيم بن مرة أو عدي

وما الأمر إلا فيكم أو عليكم

وليس لها إلا أبو حسن علي

أبا حسن فاشدد بها كف حازم

فإنك بالأمر الذي ترتجى علي

ثم نادى بأعلى صوته : يابني هاشم ، يابني عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل بن الرذل أما والله لو شئتم لأملأن عليهم خيلاً ورجلاً فناداه أمير المؤمنينعليه‌السلام : أرجع أبا سفيان فولله ما تريد الله بما تقول ، وما زلت تكيد الإسلام وأهله ونحن مشاغيل برسول الله وعلى كل إمرء ما إكتسب ، وهو ولي ما أحتقب ذكره إبن طاووسرضي‌الله‌عنه في ربيع الشيعة منه نور الله مرقده « كذا في حاشية هذا الموضع من إحدى النسختين اللتين عندي ».

٢٨٨

يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المنافقون.

ومنهما إن قوله « بل أخرج الدارقطني وروى معناه عن طرق كثيره عن علي إنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهداً لجاهدت عليه ؛ الى آخره » مقدوح بعدم تسليم صحته مع إن أكثر ما ذكر فيه موافق لما أسبقناه من إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد الى أمير المؤمنينعليه‌السلام أن لاينازع مع الثلاثة ولا يسل السيف عند غصبهم الخلافة وحاصل الكلام المذكور إنه لو عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اليّ عهداً بأن أجاهدهم لأجل الخلافة لجاهدتهم ولكنه عهد اليّ بالصبر والسكوت فامتثلت وصيته وحفظت عهده الى أن مضوا لسبيلهم كما صرح بهعليه‌السلام في الخطبة المشهورة الموسومة بالشقشقية أيضاً.

وأما قولهعليه‌السلام « لكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى موضعي وموضعه » فيحتمل أن يكون من قبيل رؤية علي عليه لسلام موضع إراقة دم الحسين في أرض كربلاء قبل وقوع الواقعة وبالجملة يمكن أن يكون إخباراً عن رؤية ماجرى به حكم المشية التكليفية التابعة في الكون لإختيار المكلفين ولو بالإختيار السوء لا بحكم المشيئة الإرادية المساوقة للحكم الشرعي كما صرح به صاحب الأحباب من الصوفيه الشافعية التفضيلية حيث قال : فإن قلت فعلى هذا قد بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للخلافة ترتيباً فكيف خصصتها بعليعليه‌السلام ؟

٢٨٩

قلت : إنما جاء الترتيب في اخباره عما يقع من حكم إلهي لا في إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إياه حكماً شرعياً فربما كان الحكم ثابتاً لك يتأخر وقوعه الى أجل أو لا يقع البتة فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ترتيب وقوعها حكماً إلهياً عن ثبوت ترتيبها حكماً شرعياً إنتهى

وأما تتمة الخبر من قصة أبي بكر بالصلاة مع الناس من انكر الموضوعات عند الشيعة كما مر بيانه وتأييده بآحدى الروايتين في ذلك للبخاري ويدل على كونه كذباً موضوعاً لإشتماله على ما لايتكلم به عاقل فضلاً عن إمام معصوم مؤيد مطالع للوح المحفوظ كعليعليه‌السلام وهو القياس الفاسد الذي نبهنا على فساده فيما مر وقد تقدم لذلك في رد خامس أجوبة هذا الجامد عن خبر « من كنت مولاه فعلي مولاه » ما لا مزيد عليه فتنه وتذكر.

ومنها إن ماذكره من نسبه إستلزام نسبة علي عليه لسلام الى التقية دليلاً على الجبن يستلزم أن يكون سيد الأنبياء جباناً ذليلاً مقهوراً ايضاً بل يستلزم أن يكون أجبن وأذل وأشد مقهورية أعاذه الله من ذلك وذلك للإجماع على إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن أقل شجاعة وقوة من عليعليه‌السلام (١) وهو مع كون

____________________

(١) بل هوصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أشجع وأقوى منهعليه‌السلام فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله صالح معهم في رد من جاء منهم الينا دون من ذهب منا اليهم ولما كتب عليعليه‌السلام كتاب العهد وصدره بقوله بسم الله الرحمن الرحيم قال سهل بن عمر عليه ماعليه أما بسم الله وما ندري بسم الله الرحمن الرحيم ولكن إكتب مانعرف بإسمك اللهم فوافقهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ترك كتابة البسملة وكتب بسمك اللهم ولما كتب قوله « هذا ماكاتب محمد رسول الله » قالوا نحن لا نعتقد رسالتك فاكتب محمد بن عبدالله فوافقهم فيه وترك كتابة رسول الله قال النووي في شرح صحيح مسلم « وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح » وقال قبل ذلك بورقات ، عند أوائل باب صلح الحديبية : للإمام أن يعقد الصلح على مارآه مصلحة اللمسلمين وإن كان ذلك لا يظهر لبعض الناس في بادي الرأي الى آخر ماقال منهرحمه‌الله « كذا في حاشية هذا الموضع من إحدى النسختين اللتين عندي »

٢٩٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأبي بكر الأشجع منه ، وعمر المقدام ، بزعم هذا الجامد وغيره من بني هاشم في ملازمته لم يقاتل مع كفار قريش واختار المهاجرة من مكة الى المدينة الطيبة وبعد إمتداد المدة وتهيأ القوة والشوكة لما توجه الى مكة للحج وصدق عليه كفار قريش في الحديبية صالح معهم صلحاً سماه عمر إعطاء الدنية ورجع من الحديبية الى المدينة كما مر ولا ريب إن كل مايوجه به كف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام وسائر الصحابة والمهاجرين والأنصار عن قتال هؤلاء الكفار فهو يصلح وجهاً لكف أمير المؤمنينعليه‌السلام عن منازعة الغاصبين للخلافة بطريق أولى ضرورة إن حقية كفار قريش غير متصورة أصلاً بخلاف الغاصبين المتظاهرين بالإسلام فتدبر.

وأما حربهعليه‌السلام للبغاة فقد بينا الفرق الظاهر بينهم وبين الثلاثة الغاصبين للخلافة مرارا ًفتذكر.

ومنها إن قوله « وأيضاً فبنو تيم ثم بنو عدي قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش فسكوت علي لهما ؛ الى آخره » مدفوع بأنا لو سلمنا إن قومهما كان اضعف قبائل قريش فكفى في تقويتهم وجود مثل عمر الذي روى الجمهور إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعوه في بدء الإسلام ويقول اللهم قوني بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ولو سلم ضعفهما في نفسهما أيضاً لكن أكثر ماعداهما من قبائل قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني المغيرة كانوا يبغضون علياًعليه‌السلام لأجل هلاك آباءهم ، وأخوانهم ، واولادهم ، بيدهعليه‌السلام في غزوات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى روي إنه لم يكن بيت من قريش إلا ولهم عليه دعوة دم أراقه في سبيل الله كما ذكره الأصفهاني الشافعي في جرحه على كتاب كشف الحق وقد ذكر الشيخ الجامد في مواضع من كتابه هذا مايدل على بغض القوم وحسدهم له فيما آتاه الله من فضله خصوصاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم والذين كانوا من أعاظم قبائل قريش فقد روى هذا الشيخ الجامد فيما ذكره

٢٩١

فى أول الخاتمة التي عقدها البيان ما أخبر به النبي (ص) ما حصل على آله من البلاء والقتل من قوله « إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً وإن أشد أقوام لنا بغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم » إنتهى

ولهذا إبتدأوا بعقد الرايات لعكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيرهم من بني مخزوم على بلاد اليمن وسموا خالد بن الوليد المخزومي الفاسق الذي قال في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « اللهم إني أبرأ اليك مما فعل خالد » سيف الله وسلطوه على مشتهياته من فروج المسلمين ودمائهم وأموالهم وسموا عبيدة بن الجراح المجروح أمين الأمة وجعلوه مشيراً لهم وأرضوا أبا سفيان بتفويض إمارة الشام ولده يزيد ووجهوا إسامة مع من كان في جيشه من الذين خافوا فتنتهم مظهرين له إبطائه على إمارته ليسكت عن مخالفتهم حتى إذا إنتهى الى نواحي الشام عزلوه واستعلموا مكانه يزيد بن أبي سفيان فما كان بين خروج أسامة ورجوعه الى المدينة إلا نحو من أربعين يوماً لما قدم المدينة قام على باب المسجد ثم صاح يامعشر المسلمين عجباً لرجل إستعملني عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتأمر عليّ وعزلني هذا والسر في إن بني مخزوم وبنو أمية وغيرهم من صناديد قريش لم يتصدوا لغصب الخلافة بأنفسهم وإنما حملوا أبا بكر على ذلك لعدم سابقتهم في الإسلام وسرعة توجه التهمة اليهم بمعاداة عليعليه‌السلام وأهل بيته بل معاداة الأنصار ايضاً فحملوا على أبا بكر على أكتاف الناس رغماً لعليعليه‌السلام ولهم فافهم وبالجملة إن غصب الخلافة لم يكن بمجرد إتفاق بني تيم وبني عدي كما زعمه بل بإتفاق جميع طوائف قريش على ذلك كما مر مراراً وبه تحقق الفرق بين خلافة الثلاثة وزمان الناكثين والقاسطين والمارقين كما أوضحنا تارة بعد أخرى.

وأما ماذكره من « إن سكوت علي لتيم وعدي أولاً وقيامه بالسيف على آخرين آخراً دليل على إنه كان مع الحق حيث دار » فالجواب عنه إن ذاك كذلك لكن لا لأجل ماتوهمه من إعتقاد عليعليه‌السلام

٢٩٢

على حقية خلافة الأولين بل لأجل مامر من أن السكوت في الأول لم يكن إختيارياً له والقيام بالسيف ثانياً كان بإختيار منه.

وأما قوله « وإنه لو كان معه وصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر القيام على الناس لأنفذ ؛ الى آخره » فمدخول بما قد مر أيضاً من إنه كان عندهعليه‌السلام عهدان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدهما إن ولاية عهد الخلافة حق له بعده والثاني أن لاينازع فيها أحداً من الثلاثة المستولين بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمصالح التي فصلنا فيها الكلام آنفاً فتأمل.

ومنه إن قوله « ومما يلزمهم أيضاً على هذه التقية المشومة إنهرضي‌الله‌عنه لايعتمد على قوله قط ؛ الى آخره » إن أراد به لزوم عدم إعتماد المخالفين الذين كان يتقي هوعليه‌السلام منهم فهو غير مجد له وغير مضر لنا وإن أراد عدم إعتماد أولاده الطاهرين وشيعته واصحابه المخلصين الذين عرفوا اصوله المرضية وضبطوا القرائن القائمة في مواضع أعماله للتقية فهو ممنوع إذ عندهم قواعد وعلامات وقرائن وإمارات قد اشرنا الى بعضها سابقاً بها يميزون بين مواضع أعمالهعليه‌السلام للتقية وبين غيرها على وجه لايبقى شائبة الريب لهم وبهذا التقرير أيضاً يندفع ما إدعى لزومه بعيد ذلك كما لايخفى.

ومنها إن قوله وعلى تقدير إنه قال ذلك تقية فقد إنتفى مقتضيها بولايته ؛ الى آخره » ممنوع بما مر مراراً من إنه لما كان إعتقاد جمهور من في زمان ولايته حسن سيرة الشيخين وإنهما كانا على الحق فلم يتمكنعليه‌السلام من الإقدام على مايدل على فساد إمامتهما وإنهما كانا غير مستحقين لمقامها وكيف يتمكن من ذلك وإظهار خلافهم على الجماعة التي يظنون إنهم كانوا خلفاء رسول الله حقاً وإن خلافتهعليه‌السلام مبنية على خلافتهم فإن فسدت فسدت خلافته وكيف يأمن في خلافته الخلاف عليهم وكل من بايعه وجمهورهم عبدة هؤلاء وكانوا يرون إنهم مضوا على أعدل الأمور وافضلها وإن غاية أمر من بعدهم

٢٩٣

كعليعليه‌السلام أن يتبع آثارهم ويقتفي طرائقهم فتأمل وانصف.

٩٥ ـ قال : واخرج أبو ذر الهروي والدارقطني من طرق إن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فاخبر علياً وقال لولا إنهم يرون إنك تضمر ماأعلنوا ما إجترأوا على ذلك فقال علي أعوذ بالله رحمهم(١) الله ثم نهض واخذ بيد ذلك المخبر وادخله المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر على لحيته وجعل ينظر البقاع حتى إجتمع الناس ثم خطب خطبة بليغة من جملتها « مابال أقوام يذكرون أخوي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وانا بريء مما يذكرون ، وعليه معاقب ، صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجد والوفاء والجد في أمر الله تعالى يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لايرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كرأيهما رأياً ولا يحب كحبهما حباً لما يرى من عزمهما في أمر الله فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزوا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلكرحمهم‌الله تعالى فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل ، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق ، وحبهما قربة وبغضهما مروق ثم ذكر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر للصلاة وهو يرى مكان علي ثم ذكر إنه بايع أبو بكر ثم ذكر إستخلاف أبي بكر لعمر ثم قال إلا ولا يبلغني عن أحد إنه يبغضهما إلا جلدته حد المفتري ، وفي رواية ما إجترأوا على ذلك أي سب الشيخين إلا وهم يرون إنك موافق لهم منهم عبدالله بن سبأ وكان أول من أظهر ذلك لهما فقال علي معاذ الله أن أضمر لهما ذلك لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل وسترى ذلك إنشاء الله ثم ارسل الى إبن سبأ فسيره الى المدائن وقال لا تساكني في بلدة أبداً قال الأئمة وكان ابن سبأ هذا يهودياً فأظهر الإسلام وكان

____________________

(١) هذه الكلمة في النسخة المطبوعة من الصواعق بصيغة التثنية بخلاف نسخة المصنف كما يعلم من هنا ومن الجواب أيضاً كما سيجيء

٢٩٤

كبير طائفة من الروافض وهم الذين أخرجهم عليرضي‌الله‌عنه لما إدعو فيه الإلهية.

أقول : يعلم من هذا الخبر وكثير من أمثاله المذكورة في هذا الكتاب بعد تسليم صحتها إنهعليه‌السلام كان في زمانه متهماً بأعمال التقية في شأن الشيخين ويظهر منه إن تجويز التقية والحكم بشرعيتها ليس من مخترعات الشيعة كما قد يتوهم وأي تقية أظهر من إنهعليه‌السلام قال في ضمن جوابه لسؤال ذلك البعض قوله «رحمهم‌الله » بضمير الجمع الظاهر في كونه راجعاً الى تلك النفر السابين المذكورين في الخبر غاية الأمر إنهعليه‌السلام سيستعيذ من سب الشيخين فيذهل بعد ذلك عن ظهور إرجاع الضمير الآتي في قوله «رحمهم‌الله » الى تلك النفر السابين ويزعم بقرنية الإستعاذة المطلقة المبهة إن ضمير الجمع راجع الى الشيخين من أجل توهمه إن تلك الإستعاذة المطلقة منصرفة الى الإستعاذة من سبهما وإن الإتيان بضمير الجمع دون التثنية للتعظيم وأما باقي الأوصاف المذكور لهما من الوزارة والسيادة وأبوة المسلمين مع إن الأخير منها غصب لما خص به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كونه أباً للمسلمين كأزواجه بكونهن إمهاتهم مسوقة تهكماً على طبق مايصفهما به أوليائهما كقوله تعالى ذق إنك أنت العزيز الكريم وقول إبن منير الطرابلسي الشيعي الإماميرحمه‌الله مهدداً لشريف زمانه الذي أوقف مملوكه المسمى بتتر عنده في جملة أبيات مضحكه منها قوله :

ليس الشريف الموسوي أبا الرضا إبن أبي مضر أبدى الحجود ولم يرد

على مملوكي تتر واليت آل أمية الطهر الميامين الغرر واقول أم المؤمنين

عقوقها إحدى الكبر الى آخره فليضحك قليلا وليبكي كثيراً.

وأما الرواية الأخرى التي ذكرها آخراً فبعد تسليم صحتها يتوجه عليه إن غاية مايدل عليه هو إستعاذة علي

٢٩٥

عليه‌السلام عن سب الشيخين والسب مما يستعيذ منه الشيعة أيضاً ولا يجوزونه بالنسبة الى الكافر فضلاً عن المسلم والمنافق وإنما الذي جوزه هو اللعن على من يستحقه كما مر وفرق مابينهما بين.

وأما قولهعليه‌السلام « لعن الله من أظهر لهما إلا الحسن الجميل » فلا دليل فيه على عدم إستحقاق الشيخين عنده للعن المتنازع فيه لأن مراده بالحسن الجميل ما هو اللائق بهما عند الله وإن كان طعناً أو لعناً ضرورة إن الحسن الجميل بحال الجبت والطاغوت وفرعون ونمرود ليس إلا مثل ذلك ؛ ثم لايخفى إن قوله « ثم أرسل الى إبن سبأ فسيره الى المدائن ؛ الى إخره » يدل على إنه إنما سيره لأجل سبه أبا بكر وعمر وقوله بعيد ذلك « إنه أخرجه مع طائفة لما إدعوا فيه الإلهية » يدل على إن التسيير والإخراج لأجل إدعائهم الإلهية فيهعليه‌السلام فهما متناقضان وهذا من أجل آيات الوضع في الخبر فتدبر.

٩٦ ـ قال : وأخرج الدارقطني من طرق إن علياً بلغه إن رجلاً يعيب أبا بكر وعمر فاحضره وعرض له بعيبهما لعله يعترف ففطن فقال له أما والذي بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق إن لو سمعت منك الذي بلغني أو الذي نبئت عنك أو الذي ثبت عليك ببينة لأفعلن بك كذا وكذا إذا تقرر ذلك فاللائق بأهل البيت النبوي إتباع سلفهم في ذلك والإعراض عما يوشيه اليه الرافضة وغلاة الشيعة من قبيح الجهل والغباوة والعناد فالحذر الحذر عما يلقونه اليهم من إن كل من إعتقد تفضيل أبي بكر على علي كان كافراً لأن مرادهم بذلك أن قرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم وانه لا مؤمن غيرهم وهذا مؤد الى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن صحابته واهل بيته إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم

٢٩٦

وللأحاديث بأسرها بل والناقل للقرآن في كل عصر من عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى هلم الصحابة والتابعون وعلماء الدين إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشيعة وإنما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي أو نحوه والكلام في قبوله معروف عند أئمة الأثر ونقاد السنة فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأساً وصار الأمر كما في زمن الجاهلية الجهلاء وكيف يسع العاقل أن يعتقد كفر السواد الأعظم من أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع إقرارهم بالشهادتين وقبولهم لشيعة نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير موجب للتكفير وهب إن علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر اليس القائلون بأفضلية أبي بكر معذورين لأنهم إنما قالوا ذلك لأدلة صرحت به لهم وهم مجتهدون والمجتهد إذا أخطأ له أجر فكيف يقال حينئذ بالتكفير وهو لا يكون إلا بإنكار مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة عناداً كالصلاة والصوم.

وأماما يفتقر الى نظر وإستدلال فلا كفر بإنكاره وإن أجمع عليه على مافيه من الخلاف وانظر الى انصافنا معشر أهل السنة والجماعة الذين طهرهم الله من الرذائل والجهالات والعناد والعصب والحمق والغباوة فإننا لم نكفر القائلين بأفضلية علي على أبي بكر وإن كان ذلك عندنا خلاف ما أجمعنا عليه في كل عصر منا الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما مر في أول هذا الباب بل اقمنا لهم العذر المانع من التكفير ومن كفر الرافضة من الأئمة فلأمور أخرى من قبائحهم إنضمت الى ذلك فالحذر الحذر من إعتقاد كفر من قلبه مملو بالإيمان بغير مقتض تقليداً للجهال الضلال الغلاة وتأمل ماصح وثبت عن علي وأهل بيته من تصريحهم بتفضيل الشيخين على علي فإن هؤلاء الحمقى وإن حملوه على التقية المشومة عليهم فلا أقل من أن يكون عذراً لأهل السنة في إتباعهم لعلي وأهل بيته فيجتنب أعتقاد الكفر فيهم فإنهم لم يشقوا

٢٩٧

عن قلب علي حتى يعلموا إن ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم الشجاعة والإقدام وإنه لايهاب أحداً ولا يخشى بالله لومة لائم قاطعة بعدم التقية فلا أقل أن يجعلوا ذلك منهم شبهة لأهل السنة مانعة عن أعتقادهم كفرهم سبحانك هذا بهتان عظيم انتهى.

اقول فيه نظر من وجوه

أما أولاً فلأنه على تقدير تسليم صحة الخبر إنما عرض عليعليه‌السلام عيب الشيخين على ذلك الرجل لإستحبابه تكراره وليتنبه ذلك الرجل من عرض ذلك عليه على وجه غير معتاد وفي مقام محفوف بالمخالفين بأن المقام مقام التقية والتوقف عن الإعتراف بما يورث توجه البلية فقد إتقى علي نفسه وعلى مولاه في ذلك وما قوله « إذا تقرر ذلك ؛ الى آخره » ففي إنه لم يتقرر له شيء هاهنا إلا الرواية ولا دلالة لها على مافهمه منها من كف سلف أهل البيتعليهم‌السلام عن الطعن في الشيخين كما عرفت فحق أن يقال له « ثبت العرش ثم إنقش ».

وأما ثانياً فلأن تكفير من إعتقد تفضيل أبي بكر على عليعليه‌السلام مما لم يذهب اليه جمهور الشيعة وإنما الذي ذهبوا اليه الحكم بفسقهم بل لم يذهبوا الى تكفير الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الأصحاب الذين خالفوا علياً ولم يحاربوا وإنما كفروا منهم من حاربه كالناكثين والقاسطين.

وأما ماذكره من تقرير الشيعة إنه لامؤمن غيرهم فلا يقتضي تكفير غيرهم من المسلمين لأن ذلك مبني على ماحققوه من الفرق بين المؤمن والمسلم وإن غيرهم كأهل السنة مسلمون وإنما المؤمنون من إعتقد خلافة عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل وهذا الشيخ الجامد

٢٩٨

الجاهل لما جهل ما حققه الشيعة الإمامية ونظر الى ما قرره أهل السنة من إتحاد المؤمنين والمسلمين توهم إن حسب الشيعة الإيمان في أنفسهم يستلزم نفي الإسلام عن غيرهم وليس فليس.

وأما ثالثاِ فلأن ما ذكره من تأدية تكفير اهل السنة الى هدم قواعد الشيعة من أهلها غير لازم اصلاً وإنما يلزم ذلك إن لو لم يوجد في الأمة من قام مقامهم وإذ قد ذكر إن الشيعة قد حصروا المؤمنين من الأمة المحمدية في أنفسهم فقد إنهم إعتقدوا كونهم الحافظين لأصول الإيمان وقواعد الشريعة وإنه لايضر الحاق أهل السنة بمن عداهم من الكفار وأيضاً قد إتفق المحققون من الإمامية على إن الخبر الذي يرويه السني الذي تحقق عدالته ، وإنها لايبيح وضع الحديث لنصرة المذهب وغيرها من المصالح الفاسدة يعتبر روايته فلا يلزم إلغاء العمل بجميع الأحاديث الموجودة في أهل السنة.

وأما رابعاً فلأن الصحابة كما صرحوا كانوا متجاوزين عن مائة الف وكان أكثرهم ممن لم يرو حديثاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأما الأقلون فمنهم من روي حديثاً كثيراً كعليعليه‌السلام من الصادقين وأبي هريرة من الكاذبين ومنهم من توسط في كثرة الرواية وقلتها ومنهم من قل روايته كأبي بكر وعمر على ماذكره أهل السنة ايضاً والشيعة الإمامية إنما يقدحون في بعض رواة الصحابة في الجميع ولا في الأكثر كيف وهم قد ذكروا في كتب الرجال من الصحابة الموثقين الذين ثبتوا على ولاية عليعليه‌السلام أولاً وآخراً والذين رجعوا اليه آخراً مايزيد على ثلاثمائة صحابي معروف وعلى هذا فاللازم طرح رواية قليل من الصحابة ولا يلزم من طرح رواية أقل قليل خصوصاً قليلي الرواية هدم الشريعة وإلغاء السنة نعم يطرحون روايتهم إذا كان في سلسلة الرواية عنهم من لا يوثق به من أهل السنة كما

٢٩٩

أشرنا اليه سابقاً وليس هذا طرحاً لرواية الصحابي من حيث إنه صحابي بل حيث إنه وضع عليه تلك الرواية.

وأما خامساً فلأنه أراد بلزوم الغاء كتب أهل السنة لزوم الغاء الكتب التي الفها أهل السنة في الحديث فبطلان اللازم غير مسلم لقيام ماهو أضعفه من كتب الشيعة الإمامية مقامه وإن اراد الغاء جميع الكتب المؤلفة في ذلك الباب لزعمه إنحصار الكتب المؤلفة في مؤلفاتهم فبطلانه ظاهر جداً ومثله في هذا الزعم الباطل مثل ماوقع في عصرنا من إن بعض المبتدئين من فقراء الطلبة واعيانهم كان يقرأ رسالة مؤلفة في واجبات الطهارة والصلاة ولم يكن يرى كتاباً آخر في الدنيا ولا سمع به فاتفق له في بعض الأيام بعد فراغه عن درسه في خدمة شيخه المرور على حلقة درس شيخ آخر يباحث كتاب المطول في المعني والبيان والمزاعم إن الكتاب منحصر في أفراد نسخ تلك الرسالة وإن كل أحد في كل حلقة درس كل يوم يقرأ ماقرأ هو في ذلك اليوم عند شيخه فجلس في تلك الحلقة وفتح كتابه قصداً لتكرار سماع درسه من تلك الرسالة وإذا سمع مراراً ماقرأه قاريء المطول وما أفاده المدرس من المعاني ولم يجد ذلك مطابقاً لما في درسه من تلك الرسالة ذلك اليوم قام عن المجلس مغتاضاً معترضاً على أولئك الجماعة بأن كل كتبهم غلط فليضحك قليلاً وليبك كثيراً على إن أصح ما إعتمدوا عليه في الرواية كتاب البخاري ثم كتاب مسلم وقد بينا فيما يتعلق بالباب الأول الذي عقده لبيان كيفية خلافة أبي بكر القدح في البخاري ومسلم وكتابيهما وأوضحنا إن روايتهما فيهما عن الوضاعين المعتمدين واحتجاجهما بحديث الناصبي والغالي والمتهم في الدين ، فمن كان إعتماده في الرواية والإحتجاج على مثل هذين الأصلين الضعيفين في المزاج ، المتكسرين بإشارة كالزجاح ، كيف يرجو الرواج بقدحه عن اصل عترتهم السالمون عن

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344