الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة11%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34414 / تحميل: 6636
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

الصوارم المهرقة في جواب

الصواعق المحرقة

السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري

الشهيد في سنة ١٠١٩ هجرية قمرية.

وطاب ثراهقدس‌سره

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

الصوارم المهرقة في جواب

الصواعق المحرقة

تأليف

السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري

الشهيد في سنة ١٠١٩ هجرية قمرية.

قدس‌سره وطاب ثراه

عنيّ بتصحيحه

السيد جلال الدين المحدث

طهران چابخانة نهضت

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما حجر عنا حجارة إبن حجر وصير نار صواعقه رمادا بلا أثر فبهت الذي كفر وكأنه التقم الحجر والشكر على ما أيدنا بصوارم حجج قاطعة حاكمة فيما شجر وأعلمنا إنا على الحق الذي لا يزدجر ولو ساقونا إلى سعفات هجر ثم الصلاة على سيد الوبر والمدر الذي سبح في كفه الحصى وإستلمه الحجر وعلى إثنتي عشرة عينا بإشارتهم الى الحجر قد نبع الماء منه وإنفجر وشهد بإمامتهم البيت والركن والحجر وبعد فإن الشيخ الجاهل الجامد الحامل للزجاج الكامل في نقص الفطرة وسوء المزاج أبو المدر إبن حجر رخام الإنحراف وبرام الأعوجاج وراج بمشاركة إسم الحافظ العسقلاني بعض الرواج قد أظهر في مقام إيراد الشبهة والإحتجاج غاية الحماقة واللجاج فلم يميز العذب الفرات من الملح الأجاج ولا ضوء الصبح على المظلم الداج ورام رمي الناس بالحجر مع كون بيته من الزجاج بل حاول بيد قاصرة عن إقتباس قبس الإحتحاج وقدم داحضة في ميادين الحجاج

٤

معارضة المقتبسين عن مشكاة القرآن والولاية بالطبع الوهاج ومبارزة رجال المنايا وأسود الهياج المتدرعين بسوابغ ولاء أدلاء المنهاج المؤيدين بصوارم كأنها لذي الفقار نتاج مطفئة بحدة ماءها الأجاج حر صواعق كل متمجس أجاج فبادر الي تسويد كتاب يستهزء به الألباب لبيان حقية خلافة أبي فصيل وإبن الخطاب ومع إحتوائه على المصادرة وسوء المكابرة وإنطوائه على الأحاديث الموضوعة والآثار المصنوعة والإيرادات الباردة والإعتراضات الجامدة سماه بالصواعق المحرقة لمحا الى إنه يحرق قلوب الشيعة ويخرق صدور تلك الفرقة الناجية الرفيعة وسيكشف لك ضوء ما قابلناه به من الصوارم المهرقة إنه لا يحرق إلا لحيته ولا يخرق إلا أليته والله يحق الحق ويهدي السبيل.

١ ـ قال: أحرقه الله بنار صواعقه في خطبة كتابه المذموم : الحمد لله الذي خص نبيه محمداً بأصحاب كالنجوم وأوجب على الكافة تعظيمهم وإعتقاد حقية ماكانوا عليه من حقائق المعارف والعلوم.

أقول : أشار بقوله أصحاب كالنجوم الى مارووا من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابي كالنجوم فبأيهم أقتديتم إهتديتم وفيه بحث سنداً ومتناً.

أما أولاً فلما قال بعض الفضلاء من أولاد الشافعي في شرح كتاب الشفاء للقاضي عياض المالكي إن حديث أصحابي كالنجوم أخرجه الدار قطني في الفضائل وإبن عبد في العلم من طريقه من حديث جابر وقال هذا إسناد لا يقوم به حجة لأن في طريقه الحارث بن غضين وهو مجهول ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبدالرحيم بن زيد عن أبيه عن المسيب عن عمر قال البزار منكر ولا يصح ورواه إبن عدي في الكامل

٥

من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن عمر بلفظ بأيهم أخذتم بدل قوله إقتديتم واسناده ضعيف لأجل حمزة لأنه متهم بالكذب ورواه البيهقي في المدخل من حديث إبن عباس وقال متنه مشهور واسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا الباب اسناد وقال ابن حزم إنه مكذوب موضوع باطل وقال الحافظ زين الدين العراقي وكان ينبغي للمصنف أن لا يذكر هذا الحديث بصيغة الجزم لما عرفت حاله عند علماء الفن إنتهى كلام شارح الشفاء وهو كاف شاف في الرد على أهل الشفاء

وأما ثانيا فلأن المخاطبين في متن الحديث بلفظ إقتديتم وإهتديتم إن كانوا هم الصحابة أو الصحابة مع غيرهم فلا يستقيم إذ لا مساغ للفصيح أن يقول لأصحابه أولهم مع غير هم أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم وهو ظاهر وإن كانوا غير الصحابة فهو خلاف الظاهر إذ الظاهر {ن كل من خاطبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الخطاب المتبادر من الخطاب الشفاهي كان بمرأى منهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان صحابيا ولو سلم ذلك لكان الظاهر اخبار رواية بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لجميع من اسلم غير الصحابة اصحابي كالنجوم الخ ولما لم يكن في روايتكم شيء من هذا التخصيص بطل إدعاؤكم في ذلك

وأيضا يلزم على هذا التقدير {ن كل من إقتدى بقول بعض الجهال بل الفساق من الصحابة او المنافقين منهم وترك العمل بقول بعض العلماء الصالحين منهم يكون مهتدياً وان يكون المقتدي بقتلة عثمان والذي تقاعد عن نصرته تابعاً للحق مهتديا وان يكون المقتدي بعائشة وطلحة والزبير الذين بغوا وخرجوا على عليعليه‌السلام وقتلوه مهتديا وان يكون المقتول من

٦

الطرفين في الجنة ولو إن رجلا إقتدى بمعاوية في صفين فحارب معه الى نصف النهار ثم عاد في نصفه فحارب مع عليعليه‌السلام الى آخر النهار لكان في الحالين جميعا مهتديا تابعا للحق والتوالي بأسرها باطلة ضرورة وإتفاقا والذي يسد باب كون عموم الصحابة كالنجوم ماقال الفاضل التفتازاني في شرح المقاصد من أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على السنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طرق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسات والميل الى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقى النبي بالخير موسوماً إلا إن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآلله وآله ذكر والها محامل وتأويلات بها يليق وذهبوا إلى إنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار المبشرين بالثواب في دار القرار إنتهى.

ويتوجه على ماذكره آخراً من تعليل ذكر العلماء المحامل والتأويلات لما وقع بين الصحابة بحسن ظنهم فيه إن بعد العلم بوقوع ماوقع بينهم لا وجه لحسن الظن بالكل الى التعصب فيهم وأما من زعموه كبار الصحابة وعنوا به الثلاثة فهم أول من أسس أساس الظلم والعدوان بغصب الخلافة عن أهل البيت والإقدام بكيت وكيت وإنما صاروا كباراً بغصبهم الخلافة وحكومتهم على الناس بالجلافة ولهذا قال بعض علماء الامة كل زينته الخلافة إلا علي بن أبي طالبعليه‌السلام وروى هذا الشيخ الجامد في الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف على عليعليه‌السلام

٧

انه لما دخل عليعليه‌السلام الكوفة دخل عليه حكيم من العرب فقال والله ياأمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج اليك منك اليها إنتهي

وأما ماذكره من البشارة لهم بالثواب في دار القرار فإن أشار به الى حديث بشارة العشرة فهو موضوع لا يصح إلا في واحد منهعليه‌السلام كما سيأتي بيانه وإن أشار به الى غيره من الأحاديث فلعل بعد ظهور صحته يكون بشارة الثواب فيه مشروطا بشروطه كما روي عن مولانا الرضاعليه‌السلام إنه لما سئل عن صحة رواية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة» فقال نعم بشروطها وأنا من شروطها أي من ملة شروطها الإعتقاد بإمامتي ووجوب طاعتي والحاصل إنه لا يتحتم بمجرد الصحابية الحكم بإن الإيمان والعدالة وحسن الظن فيهم واستيهالهم للإقتداء بهم والإستهداء منهم وذلك لأنه لاريب في أن الصحابي من لقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمنا به وموته على الإسلام وإن الإيمان والعدالة مكسبان ليسا طبيعين جبليين فالصحابي كغيره في إنه لايثبت إيمانه إلا بحجة لكن قد جازف اهل السنة كل المجازفة فحكموا بعدالة كل الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام والداخلون على غير بصيرة والشكاك كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيرا وكان فيهم شاربوا الخمر وقاتلوا النفس وسارقوا الرداء وغيرها من المناكير بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به الباري جل ثناؤه ورواه البخاري في صحيحه وغيره في غيره وكانوا في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساكنين في مدينته يصحبونه ويجلسون في مجلسه ويخاطبهم ويخاطبونه ويدعون بالصحابة ولم يكونوا بالنفاق معروفين ولا متميزين ظاهراً قال الله سبحانه

٨

ولو نشاء لأربكناهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول بل كان فيهم من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويمكر ويسعى في هدم أمره كما ذكره أبو بكر أحمد البيهقي في كتاب دلائل النبوة حيث قال أخبرنا أبو عبدالله الحافظ وذكر الإسناد مرفوعا الى ابي الأسود عن عروة قال لما رحع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك الى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه فأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق وارادوا ان يسلكوه معه فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خبرهم فقال من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله العقبة وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به فاستعدوا أو تلثموا وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه وامر عمارا ان يأخذ بزمام الناقة وامر حذيفه ان يسوقها فبينما هم يسيرون إذ سمعوا ذكرة القوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله وامر حذيفة ان يردهم فرجعوا متلثمين فرعبهم الله حين ابصروا حذيفة وظن ان مكرهم قد ظهر واسرعوا حتى خالطوا الناس واقبل حذيفة حتى اقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ادركه قال له اضرب الراحلة ياحذيفة وامش انت ياعمار فاسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ياحذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط والركب احداً ؟ فقال حذيفة عرفت راحلة فلان وفلان وكانت ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثمون فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله هل علمتما ما شأن الركب وما أرادوا ؟ قالا لا يارسول الله (ص) قال فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت لي العقبة طرحوني منها قالا أفلا تأمر بهم يارسول الله إذا جاءك

٩

الناس فنضرب أعناقهم قال أكره أن يتحدث الناس فيقولون أن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهم ثم قال أكتماهم وفي كتاب أبان بن عثمان قال الأعمش وكانوا إثني عشر سبعة من قريش وعلى تقدير ثبوت الإيمان والعدالة يمكن زوالهما كما في بلعم صاحب موسىعليه‌السلام حيث قال سبحانه وتعالى واتلو عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون وكان بلعم أوتي علم بعض كتب الله وقيل يعرف إسم الله الأعظم ثم كفر بآيات الله وكما وقع من الطامة الكبرى في سبعين الفا من بني إسرائيل واولاد الأنبياء الذين كانوا في دين موسىعليه‌السلام فإرتدوا في حياته بمحرد غيبته عنهم مدة قليلة الى الطور وإستضعفوا وصيه هارون النبي (ع) وكادوا يقتلونه ويدفعونه باليد والرجل وإقتدوا بالسامري في عبادة العجل وإذا كان هذا حال هؤلاء النجباء من أولاد الأنبياء الذين لم يدنسهم سبق الشرك والكفر في حياة نبيهم ووجود نبي آخر ووصيه فيهم فما ظنك بحال جماعة مضى أكثر عمرهم في الكفر والجاهليه بعد وفاة نبيهم مع أنه لم يكن يحصل لهؤلاء عن ذلك العجل الحنيد جاه أو مال عتيد وكان لمن وافق أبا بكر في غصب خلافة نبينا الحميد من طمع الجاه والمال ما ليس عليه مزيد فعقدوا لواء السلطنة بسيفهم خالد بن الوليد وسدوا لسان أبي سفيان بتفويض ولاية الشام إلى ولده يزيد ودفعوا فتنة الزبير بما أراد وأريد وفضوا الى غيرهم كالمغيرة وأبا عبيدة حكومة صنعاء وزبيد الى غير ذلك مما يطول به النشيد وإذا كان كذلك

١٠

فلا بد من تتبع أحوالهم واقوالهم في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

وبعد موته ليعلم من مات منهم على الإيمان والعدالة ومن مات ميتة الجاهلية مثل أبي بكر الذي إدعى الإمامة ونص الكتاب والحديث المتواتر ودليل العقل ناطق بأنه حق عليعليه‌السلام ومن فاطمةعليها‌السلام أرثها وكتاب الله ناطق بأن لها الإرث

وقتاله لبني حنيف الملتزمين للدين الحنيف الى غير ذلك مما يخالف الشرع الشريف وعمر الذي إدعى ما إدعاه وقال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته من الهجر والهذيان ما قال وفعل مافعل من منع كتابته (ص) ما يصون الأمة من الضلال وإقدامه بتخريق الكتاب الذي كتبه أبو بكر لفاطمةعليها‌السلام في أخذها لفدك وقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالين وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما وإحداثه بدعة الجماعة في التراويح

وتفضيل العرب على العجم في العطايا ، الى غير ذلك من الطوام التي لا تحملها المطايا ، وعثمان الذي ولى أمور المسلمين وولى عليهم من لا يصلح لها مع ظهور فسقه وفساد حاله ودعائه حكم بن العاص طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإيوائه وإعطائه المال العظيم من بيت مال المسلمين رعاية لقرابته وإعراضا عن الدين وهتكاً لحرمة سيد المرسلين وإيذائه لأبي ذر وعمار بن ياسر وإبن مسعود وغيرهم من أكابر الصحابة الذين كانوا أسود الغابة وغيرها مما هو بهذه المثابة ومعاوية الطليق الباغي الفاسق الذي مال عن علي وسمّ الحسنعليهما‌السلام وغيّر سنّة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كثير من الأحكام حتى إنه كان يلبس الحرير فقال له إبن عباس رض : إن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « إنه محرم على رجال أمتي » فقال هواناً : لا أرى به بأساً فقال إبن عباس : من عذيري من معاوية إبن

١١

أبي سفيان أنا أقول له قال رسول الله وهو يقول أنا لا أرى بأسا الى غير ذلك من المناكير والأباطيل الصادرة عنهم التي لا يحتملها مقام المقال ويضيق عن ذكرها المجال

وروى مسلم في صحيحه عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : ليردنّ على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم رفعوا الي واختلجوا دوني فلا قولن أي أصيحابي أصيحابي فليقالن إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك إنتهى

ومثله مذكور في صحيح البخاري الذي هو أصح كتب الأحاديث عندهم في تفسير قوله تعالى : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم الآية

قال النووي في حديث مسلم « أما إختلجوا فمعناه إقتطعوا وأما اصحابي فقد وقع في الروايات مصغرا مكررا وفي بعض النسخ أصحابي مكبرا مكرراً

وقال القاضي هذا دليل لصحة تأويل من تأول إنهم أهل الردة ولهذا قال فيهم سحقاً سحقاً ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمره قال وقيل هؤلاء صنفان أحدهما عصاة مرتدون عن الإستقامة لا عن الإسلام وهؤلاء مبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة والثاني مرتدون الى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم واسم التبديل يشمل الصنفين إنتهى.

واقول : بل المراد بالمرتدين المحدثون في دين الله الغاصبون للخلافة والآكلون لمال فدك ظلما وجورا على فاطمةعليها‌السلام ولهذا قال فيهم في بعض الروايات سحقا سحقا فافهم واذا كان الحال بهذا المنوال من الإختلاف ووقع الإرتداد من الصحابة فلا يجوز الحكم بالإيمان والعدالة لأحد منهم إلا إذا تحقق إتصافه بهما وموته عليهما ولا يعلم ذلك إلا بتتبع الأحوال وإستقراء الآثار الدالة على بقاء الإيمان والعدالة أو الزوال

قال الفاضل التفتازاني في التلويح « إن الجزم بالعدالة يختص بمن

١٢

إشتهر بطول الصحبة على طريق التتبع والأخذ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والباقون كسائر الناس فيهم عدول وغير عدول »

وقال الفقيه الأسنوي الشافعي « إن المراد من قول العلماء : الصحابة بأسرهم عدول مطلقا إن مجرد الصحبة شاهد التعديل مغن عن البحث عنهم فإن ظهر عن أحد منهم ما يفضي الى التفسير فليس بعدل كسارق رداء صفوان ومن ثبت زنائه ولذا غير بعضهم عبارتهم بأن قال : انهم عدول إلا من تحققنا قيام المانع فيه وليس المراد من كونه عدولا إنه يلزم إتصافهم بذلك ويستحيل خلافه فإن هذا معنى العصمة المختصة بالأنبياءعليهم‌السلام إنتهى كلامه.

ومن العجب إنه زاد بعضهم في المجازفة والمخارفة فحكم بأنهم كلهم كانوا مجتهدين وهذا مما يقطع من له أدنى عقل بفساده لأنه كان فيهم الأعراب ومن أسلم قبل موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيسير والأميون الذين يجهلون أكثر قواعد الإحكام وشرائع الدين فضلاً عن الخوض فيه في الإستدلال كيف والإجتهاد ملكة لا تحصل إلا بعد فحص كثير وممارسة تامة بغير خلاف ، وإمكان حصول التفقه والإجتهاد لهم لا يمنعه إلا إنه لا يقتضي الحكم بذلك لأنه خلاف العلم العادي والذي ألجأهم الى هذا القول البارد السمج الناشيء عن العصبية ما قد تحققوه من وقوع الإختلاف والفتن بينهم وإنه كان يفسق ويكفر بعضهم بعضا ويضرب بعضهم رقاب بعض ، فحاولوا أن يجعلوا له طريقا الى التخلص كما جوّزوا الأتمام بكل بر وفاجر ليروّجوا أمر الفساق الجهال من خلفائهم وأئمتهم.

وأما ثالثا فلما ذكر شارح الشفاء ايضا من أن للقائل بالمذهب المختار من أن

١٣

قول الصحابي ليس بحجة مطلقاً أن يقول : الحديث وإن كان عاما في أشخاص الصحابة فلا دلالة فيه على عموم الإهتداء بهم في كل ما يقتدى فيه وعند ذلك فيمكن حمله على الإقتداء بهم فيما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس الحمل على غيره بأولى من الحمل عليه إنتهى

ويؤيد وجوب إرتكاب التخصيص فيه إن هذا الشيخ الجامد المتولد من الحجر ، إستحسن أن يكون المراد بأهل البيت الذين هم أمان في الحديث الذي أسبقنا(١) نقله من علمائهم معللاً بأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم ولا ريب إن إستحسان التخصيص المذكور في ذلك الحديث يوجب إستحسان مثله في هذا الحديث بطريق أولى وما ذكره من التعليل يقتضي وجوب التأويل بذلك كما لا يخفى ولنعم ماقال بعض الفضلاء رحمة الله تعالى عليهم :

( شعر )

( صحابه كرچه ايشان كالنجومند

ولي بعض كواكب نحس وشومند )

وإذا بطل الحمل على العموم بطل إستدلالهم بذلك على إستيهال الصحابة الثلاثة وأمثالهم بالإقتداء بهم ووضع الخلافة فيهم والإستهداء منهم فوجب تنزيله على اصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل بيتهعليهم‌السلام لدلالة الآية والرواية والإتفاق على عدالتهم وطهارتهم بل على علو عصمتهم فوجب الإعتصام بحبلهم المتين والإقتداء بهديهم المبين

٢ ـ قال : فإني سئلت قديما في تأليف كتاب يبين حقيقة خلافة الصديق وإمارة ابن الخطاب فأجبت الى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب ، ثم سئلت في إقرائه لكثرة الشيعة والرفضة ونحوهما الآن بمكة المشرفة أشرف بلاد الإسلام فأجبت الى

____________________

(١) كذا كان والظاهر إنه سهو لأنه لم يسبق شيئا بالنسبة الى هذا الحديث.

١٤

ذلك رجاء لهداية بعض من زل به قدمه عن واضح المسالك.

أقول : أيها الشيخ الجامد ، لعمرك ما زدت بذلك إلا إبراز زلة قدمك وإظهار جهلك المركب على الشيعة بحيث يضحكون على تأليف هذا لما أشرنا اليه من إبتنائه على مجرد المصادرة وسوء المكابره الذين أخذتهما بإرث التعصب من الأشاعرة …. لكن قد عمى منكم القلب والبصر والمسمار لا يؤثر في الحجر

ثم إن أراد بالرفضه الغلاة من الشيعة الذين قالوا بإلوهية عليعليه‌السلام أو نبوته فهم كانوا جماعة قليلة قد حكم سائر طوائف الشيعة أيضاً بكفرهم بل بنجاستهم العينية وقد إنقرضوا قبل خمسمائة من زماننا هذا

وأن اراد بهم الشيعة الإمامية الذين هم عيون طوائف الشيعة المدار عليهم الطاعنين في خلافة المشايخ الثلاثة فليس في تلقبهم بهذا الأجل ماذكر شناعة كما يشعر به سياق كلام هذا الشيخ الجاهل وأصحابه لأنه مآل هذا الرفض يرجع عند التحقيق الى رفض الباطل وهو إعتقاد صحة خلافة المشايخ الثلاثة وإنما الشناعة في أصل تلقب مخالفيهم بأهل السنة والجماعة فإن هذا اللقب قد وضع في زمان معاوية وأرادوا بالسنة سنة معاوية من سب عليعليه‌السلام على المنابر ونحوه من الكفر والبدعة وبالجماعة جماعته كما يشعر به ما سيذكره هذا الجامد في باب خلافة الحسنعليه‌السلام حيث قال « وكان نزول الحسن عن الخلافة في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين فسمي هذا العام عام الجماعة لإجتماع الأمة على خليفة واحد إنتهى

ثم لما ظهرت دولة بني العباس ومعاداتهم لبني أمية وأتباعهم خافوا عن الحمل على ذلك وقالوا مرادنا بالسنة سنة النبي وبالجماعة جماعة أصحابه فقد ظهر إنهم في الحقيقة أهل السنة والجماعة

١٥

لا أهل سنة النبي وجماعته ولنعم ماقال صاحب الكشاف فيهم :

( لجماعة سموا هواهم سنة

وجماعة حمر لعمري موكفة )

قد شبهوه بخلقه فتخوفوا

شنع الورى فتستروا بالبلكفة(١)

٣ ـ قال : المقدمة الأولى ، اعلم أن الحامل الداعي الى التأليف في ذلك ، وان كنت قاصرا عن حقائق ما هنالك ، ما أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع وغيره إنه صلى الله عليه

____________________

(١) ذكرهما الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ، قال ربي أرني أنظر اليك ، قال لن تراني ولكن إنظر الى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، وخر موسى صعقاً فلما أفاق ، قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين وهي الآية الثانية والأربعون بعد المائة من سورة الأعراف يعير بهما القائلين بالرؤية وعبارته قبل البيتين هكذا ( ٣٥٠ /١ المطبوع بمصر سنة ١٣٠٧ ) « ثم تعجب من المتسمين بالإسلام ، المتسمين بأهل السنة والجماعة ، كيف إتخذوا هذه العظيمة مذهبا ؟ ولا يغرنك تسترهم بالبلفكة فإنه من منصوبات أ شياخهم والقول ماقال بعض العدلية فيهم لجماعة سمو الخ »

وانت خبير بأن صريح عبارته إنهما من إنشائات بعض العدلية ويمكن أن يقال إن هذا التعبير خوفاً من متعصبي العامة وجهالهم ولذا قال محب الدين الأفندي في كتاب تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات المطبوع في ذيل الجزء الثاني من الكشاف (ص ٨٨ ) بعد نقل البيتين « البيتان للزمخشري عند قوله تعالى : لن تراني ولكن إنظر الى الجبل الى آخر الآية

موكفة من الأكاف وهو البردعة

والبلتفة قولك بلا كيف يقرر مذهبه في نفي الرؤية ويقدح في أهل السنة والجماعة الذين يصدقون بأن رؤية الله تعالى حق ويقولون نرى ربنا يوم القيامة بل كيف كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته » وكان الشافعيرضي‌الله‌عنه يتمسك في إثبات الرؤية بقوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال لم حجب الكفار بالسخط دل على أن الأولياء يرونه في الرضا وسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن رؤية العباد ربهم يوم القيامة فقال منهم من ينظر الى ربه في الجمعة مرة ومنهم من ينظر الى ربه بكرة وعشية رزقنا الله تعالى رؤيته في الآخرة كما رزقنا في الدنيا بكرمه معرفته ولقد عورض ما أنشده وأنشأه من الهذيان بأبيات ذكرها السكوني في التمييز وهي

سميت جهلاً صدر أمة أحمد

وذوي البصائر بالحمير الموكفة

ورميتهم عن نبعة سميتها

رمى الوليد غدا يمزق مصحفه

وزعمت إن قد شبهوه بخلقه

وتخوفوا وتستروا بالبلكفة

نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى

فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفة

وجب الخسار عليك فانظر منصفا

في آية الأعراف فهي المنصفة

أترى الكريم أتى بجهل ما أتى؟

وأوتوا شيوخك ما أتوا عن معرفه ؟

=

١٦

وآله قال « إذا ظهرت الفتن ( أو قال البدع ) وسب أصحابي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله له صرفا ولا عدلاً

أقول : إعترافه بالقصور عن حقائق هذه المسألة حق كما سيظهر وليس فيه هضم نفس كما قد يتوهمه بعض أوليائه وما ذكره من الحديث فلا يصلح حاملا باعثاً على تأليفه هذا ، لجواز أن يكون المراد من البدع ما أبدعه خلفائه الثلاثة في دين رب العالمين كما أشرنا اليه سابقا وسيأتي لاحقاً والمراد بمن سب من الأصحاب هو مولانا أمير

____________________

=ويؤيد كونهما للزمخشري ما هو مشهور منه ومذكور في ترجمته حتى ترجمته المطبوعة في آخر الكشاف ايضاً ( ٥٧٣ /٢ ) من قوله :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفياً قلت قالوا بأنني

أبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وإن مالكيا قالوا بأنني

أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

وإن شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن حنبليا قلت قالوا بأنني

ثقيل حلو لي بغير مجسم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يقولون تيس ليس يدري ويفهم

تعجبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلم

وأخرني دهري وقدم معشرا

على إنهم لا يعلمون وأعلم

ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني

أنا الميم والأيام أفلح وأعلم

١٧

المؤمنينعليه‌السلام ومن تابعه من المهاجرين والأنصار فإن معاوية ومن بعده من فراعنة بني أمية سبوهم على منابرهم ثمانين سنة كما هو المشهور المذكور على ألسنة الجمهور.

٤ ـ قال : والطبراني « من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ».

أقول : هذا حجة عليه لا له حيث وقر في كتابه هذا جماعة هم أول من أبدعوا في دين الإسلام بل حجة على الصحابة الذين وقروا الثلاثة ومكنوهم من غصب الخلافة وإحداث فنون البدع والكثافة.

٥ ـ قال : وسيتلى عليك ما تعلم منه علما قطعيا إن الرافضة والشيعة وما نحوهما من أكابر أهل البدعة.

١٨

أقول : لعمرك ، أن هذا العلم إنما حصل لك من فرط تقليدك للآباء والأمهات ، ونموك في عدواة أهل الحق من شيعة الأئمة الهداة ، وإلا فالإستدلال على ذلك بما نسجته من الطامات ، والأحاديت الموضوعات، التي وضعها أمثالك لنصرة المذهب ، لا يصير حجة على الخصم ولا يورث ظناً ضعيفا فضلاً عن العلم القطعي ولو سلم أنها من أكابر أهل البدعة فأكبرهم أكابر خلفائك الثلاث وسينجلي لك إنما ذكرته مكابرة إنشاء الله تعالى.

٦ ـ قال : وأخرج المحاملي والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدانه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « إن الله إختارني وإختار لي أصحاب فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهاراً فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله.

آقول : لو صح هذا الحديث فالمراد بالوزراء فيه عليعليه‌السلام والجميع بالتعظيم كما قاله المفسرون فيما نزل في شأنه (ع) من قوله تعالى والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون إذا لم يتعدد وزيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو الأصل بل كان واحداً وهو عليعليه‌السلام عند الشيعة ولو سلم إن المراد غيره فهو من الأنصار لما سيذكر هذا الرجل في الفصل الأول من الباب الأول رواية عن أحمد مايدل على حصر الوزارة في الأنصار وعلى هذا يكون لفظ الأنصار في هذا الحديث بمنزلة عطف تفسير للوزراء فإفهم وكذا الكلام في الأصهار لظهور أن الأصهار على تقدير سليم كون عثمان صهراً للنبي (ص) أيضاً لا يبلغ مرتبة الجمعية بالأتفاق.

١٩

٧ ـ قال : وأخرج هو يعني أبا ذر الهروي والذهبي عن إبن عباس مرفوعاً « يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام فإقتلوهم فإنهم مشركون.

أقول : بعد منع صحة السند قد مر إن الكلام في هذا المبحث في كل عصر إنما كان مع الشيعة الأمامية دون من لايعبأ بهم من الغلاة ، ومن الظاهر الذي لايخفى على كل أحد إن الإمامية لا يقولون بتعدد الآله ولا بإلوهية أحد من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام حتى يكونوا مشركين فلو صح الحديث كان المراد من الرفضه المذكوره فيه الغلاة من الشيعة الذين يفرطون في حبّ عليعليه‌السلام الى أن يعتقدوا الربوبية فيه كما يدل عليه الحديث الذي سيذكره بعد ذلك بقوله : وأخرج الدارقطني عن علي كرم الله وجهه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « سيأتي من بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضه فإن أدركتهم فإقتلهم فإنهم مشركون، قال قلت يارسول الله ما العلامة فيهم ؟ قال يفرطونك بما ليس فيك ويطعون على السلف » إنتهى

بل المراد بالرافضة كلما وقع في آثار السلف هم الغلاة وجعله شاملا للشيعة الإمامية تعنت من مخالفيهم وأما قوله « ويطعنون على السلف » فمن إضافات الخلف فهو خلف باطل كما لا يخفى.

٨ ـ قال : الطبراني عن إبن عباسرضي‌الله‌عنه « من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ».

أقول : الظاهر إن المراد سب جميع الأصحاب بحيث يدخل فيه المقبول

٢٠

منهم والمردود على أن يكون الإضافة في أصحابي للإستغراق ولا كلام في أن ساب الجميع ملعون بل الظاهر إن المراد كون السب لأجل الصحابية لا لأجل إستحقاق ذلك الصحابي لذلك وهذا يرجع الى عداوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ريب في أن عداوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب اللعن

وأيضاً المراد من السب الشتم والقذف دون اللعن الذي ربما يرتكبه الشيعة بالنسبة الى بعض المردودين من الصحابة والإخفاء في أن الشتم لا يحل بالنسبة الى كافر ذمي فضلا ً عن مسلم أو من ظاهره الإسلام وأما اللعن فهو دعاء من المظلوم أو من وليه على الظالم وليس بممنوع شرعاً بل قد يستحب كما صرح به الفاضل النيشابوري في تفسيره ويدل عليه لعن الجاري الشرع بين المتلاغين المسلمين بل الصحابيين بنص الكتاب وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « لعن الله المحلل والمحلل له » مع جواز التحليل بنص الكتاب أيضاً غاية الأمر إنهما ليسا بحسنين في شرع التكرم كما لا يخفى تدبر.

٩ ـ قال : الطبراني والحاكم عن جعدة بن هبيرة نقلاً ( يعني عن النبي ) « خير الناس قرني الذي أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخرون أراذل » ومسلم عن أبي هريرة « خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم الحديث ».

أقول : بعد إلإغماض عما في السند لا دلالة لهذين الحديثين وأمثالهما مما تركنا ذكره على ما قصده هذا الرجل من خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبي (ص) حتى بعض الصحابة الذين حكم عليهم الشيعة بكونهم أشراراً فإن قولنا أن قريش

٢١

أفصح العرب وأكرمهم مثلا لايقتضي لغة وعرفا أن يكون كل واحد من آحاده كذلك لظهور وجود الآحاد المتصفة بأضداد ذلك من العي واللؤم فيهم بل قد أطبقوا على أن طائفة تيم قوم أبي بكر قاطبة من أرذال قريش وقد نقلوا النص على ذلك عن أبي سفيان وغيره عند البيعة على أبي بكر على أن هذا الحديث معارض بما رواه هذا الجامد في أواخر كتابه عند بيان وقوع الخلاف في التفضيل بين الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي هذه الأمة حيث قال ذهب أبو عمر بن عبدالبر الى إنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة وأحتج على ذلك بخبر عمر قال كنت جالسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أتدرون أي خلق أفضل إيماناً ؟ قلنا الملائكة وحق لهم بل غيرهم قلنا الأنبياء قال وحق لهم بل غيرهم ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيماناً » وبحديث « مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله » وبخبر « ليدركن المسبح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا » الحديث وقال صاحب الإستغاثة(١) في بدع الثلاثة : إن مضمون هذا الحديث مخالف لحقائق النظر ، خارج عن العدل والحكمة ، وذلك لأنه إن كان خيرتهم وفضلهم من جهة تقدم خلقهم في الأزمنة المتقدمة لما بعدها فقد زعموا إن أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من الأمم التي مضت قبلها ، وإن محمدا (ص) أفضل من الأنبياءعليهم‌السلام الذين

____________________

(١) وهو الشريف أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفى في سنة ٣٥٢ المترجم حاله والمبين إعتبار كتابه هذا في كتب التراجم والأخبار.

٢٢

تقدموه قبل عصره وكان الواحب على طرد هذه العلة أن يكون كل أمة أفضل من التي بعدها فلما أوجبوا آخر الأمم أفضل ممن تقدمهم وآخر الأنبياء أفضل من تقدمه كان لا معنى لهذا الخبر ، في تفضيل القرن الأول على القرن الثاني من هذه الأمة ، بل يجب فيه النظر والتميز وما يلزم من أحوال ما نقل الينا من سيرة من تقدم عصرنا هذا أن يكون من تأخر افضل من تقدم منهم وذلك إنا وجدنا القرن الذي كان في عصر الرسول والقرن الذي كان بعده والقرن الثالث ممن كان في عصر الفراعنة والطواغيت من ملوك بني أمية الذين كانوا يقتلون أهل بيت الرسول ، ويسبون أمير المؤمنينعليه‌السلام ويلعنونه على المنابر ، وأهل عصرهم من فقائهم وحكامهم الى غير ذلك منهم فهم على ذلك متبعون وبإفعالهم مقتدون وبإمامتهم قائلون ولهم على ذلك معينون بوجوه المعونة من حامل سلاح الى حاكم الى خطيب الى تاجر الى غير ذلك من صنوف الأمة وسباب المعونة ولسنا نجد في عصرنا هذا من كثر من ذلك شيئاً بل نجد الغالب على أهل عصرنا هذا الرغبة عن ذلك والذم عن فاعله والتنزه عن كثير منه إلا من لا يظهر بمذهبه بينهم فيجب أن يكونوا في حق النظر افضل من أهل ذلك العصر الذي كانت هذه صفتهم

قال : فإن قالوا إن أهل عصر الرسول لأجل مشاهدتهم له ومجاهدتهم معه أفضل وكذلك سبيل من شاهدهم من بعد الرسول من التابعين ونقلوا الينا العلوم وآلأخبار عنهم ومنهم قيل لهم اليس كل من تقدم خلقته في ذلك العصر فهو فعل الله فلا حمد للمتقدم في تقدم خلقه ولا صنع له في ذلك ولا فعل يحمد اليه ولا يذم منه فلا بد من نعم فيقال لهم أفتقولون إن الله تعالى يحمد العباد على افعاله ويذمهم عليها ؟ فإن قالوا ذلك جهلوا

٢٣

عند كل ذي فهم وكفى بالجهل لصاحبه خزيا وإن قالوا لا قيل لهم فإذا كان كذلك وجب في حق النظر أن يكون من شاهد الرسول ورأى دلائل المعجزات والعلامات وظهر له البرهان وأسفر له البيان بقول يشهد فيه القرآن لاعذر له في تقصير عن حق ولا دخول في باطل فإن الحجة بذلك ألزم وعليه أوجب وكان من أشكل عليه منهم شيء في تفسير آية وتحقيق معنى في كتاب الله أو سنته يرجع في ذلك الى الرسول فأثبت له الحق منه واليقين ونفى عنه الشك والزيغ فمن قصد منهم بعد هذا الحال الى خلاف الواجب كان حقيقا على الله أن لا يقبل له عذرا ولا يقبل له عثرة وأما من كان في عصرنا هذا الذي قد إختلفت فيه الأقاويل وتضادت المذاهب وتشتت الآراء وتباينت الأهواء وظلت المعارف ونقصت البصائر وعدمت التحقيقات إذ ليس من يرجع اليه بزعم أهل الغفلة من صفته في تحقيق الأشياء صفة الرسول فيثبت لنا اليقين وينفى عنا الشك فيها فعذرهم مقبول وعثرتهم مغفورة بل أقول : لو أوجبت إن من يرتكب من أهل هذا العصر مائة ذنب أعذر ممن إرتكب في ذلك العصر ذنبا واحدا أو قلت إن من إستبصر في هذا العصر في دينه فشغل نفسه لمعرفة بصيرته حتى عرف من ذلك ما نجا به بتوفيق الله فيما سعى له من الطلب أفضل من عشرة مستبصرين كانوا في ذلك العصر لقلت حقا ولكان صدقا وإذا كان الحل على ماوصفت فيجب أن يكون مستبصرنا أفضل من مستبصرهم إذ كان البرهان قد قطع عذرهم والبيان قد أزاح عللهم بقرعه لأسماعهم صباحا ومساء ومشاهدتهم أياه بأبصارهم من غير تكلف منهم في طلبه وذلك كله معدوم في عصرنا بل نشاهد من الجهل ونباشر من وجوه الباطل مايضل به ذهن الحكيم ويطيش فيه قلب العليم ويذهل معه

٢٤

عقولهم ويزول معه إفهامهم حتى يسعى الساعي منا الدهر الطويل يقطع المسافة ويجوب البلدان الشاسعة يتذلل للرجال ويخضع لكل صاحب نوال أما أن يهلك ولم يدرك البغية وأما أن يمن الله عليه بالبصيرة بعد جهد جهيد وعناء شديد وتعب كديد مع تقية المستبصرين وخوف العارفين من إظهار ذلك للظالمين وكشفه للراغبين فأي ظلم أم أي جور أبين من ظلم تفضيل أولئك فيما إرتكبوه دونه ؟، أو كم بين من إستبصر في دينه تبصرة يزول معه كل شك ويثبت معه كل يقين من بيان النبي المرسل وبرهان الكتاب المنزل وبين من يستبصر في دينه بأخبار متضادة وأقاويل مختلفة وبيان غير شاف وبرهان غير كاف ! حتى يسعى ويطلب ويميز وينظر ويعتبر ويختبر بسهر ليله وظمأ نهاره وتعب بدنه وتصاغر نفسه وتذلل قدره ، هل هذا إلا جور من قائله وظلم ظاهر من موجبه ؟ حقيق على الله أن يوجب لمستبصري أهل هذا العصر بما وصفنا من أحوالهم أضعاف مايوجب لمستبصري أهل ذلك العصر ولا يبعد الله إلا من ظلم وقال بما لايعلم.

وإن قالوا إن الله عز وجل قد قال في كتابه السابقون السابقون ، أولئك المقربون قيل لهم قد قال الله عز وجل وصدق الله والأمر في ذلك بين واضح ، والحكمة فيه مستقيمة وذلك إن السابق لا يجوز في الحكمة أن يقع في الإيمان إلا بين أهل العصر الحاضرين المشاهدين لندب الداعي لهم الى السباق ، ومحال في الحكمة وفي العدل أن يسابق الله بين قوم خلقهم ومكنهم من أحوال الإجابة وبين قوم لم يخلقهم هذا ظاهر الفساد بعيد من الرشاد بين المحال فضيع من المقال لكنه عز وجل سابق بين الحاضرين من أهل عصر الرسول ولعمري إن من سبق منهم الىالإيمان أفضل وأجل

٢٥

وأقرب منزلة وأعلى درجة ممن لحق من تقدمه فلا ينكر هذا ذو فهم ولكن المنكر قول من زعم أن الله سابق بين من خلق وبين من لم يخلق فمن قال أن الصحابة قد سبقونا بالايمان ويريد بذلك تقدمهم في عصرهم وتأخر عصرنا من عصرهم فيما قدم الله من خلقهم واخر خلقنا فذلك كلام صحيح وقول فصيح كما أن من تقدم ايضاً من الأمم في الاعصار التي كانت قبل الصحابة كانوا متقدمين على الصحابة باعصارهم سابقا من آمن منهم على مؤمني الصحابة وتقدم خلقهم عليهم ليس في ذلك فضل لهم على من جاء بعدهم

ومن قال إن الصحابة سبقونا بالإيمان بمعنى التسابق بيننا وبينهم الى الإيمان فكان لهم بسبقهم ذلك الفضل علينا لأجل تأخرنا عنه كان ذلك قولاً محالاً شنيعاً لان تأخرنا عن عصرهم من فعل الله لا من فعلنا والله لا يذمنا على افعاله ولو كان لأهل عصر الصحابة علينا فضل في إيمانهم بتقدمهم علينا في الأعصار والخلق لوجب على هذه القضية أن يكون إيمان من تقدمهم من الأمم السالفة أفضل من إيمانهم بتقدمهم عليهم في الأعصار فلما كانوا يمنعون ذلك ويوجبون الفضل لأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على من تقدمهم من الأمة كانت إيجابهم تفاضل أوائل هذه الأمة على أواخرها فاسداً وهذا ما لانطلقه نحن ايضاً في مذاهبنا لكنا نقول إن أهل كل عصر يتفاضلون بينهم ومن سبق منهم الى الإيمان فهو أفضل ممن تأخر عنه فلحق بالسابق من أهل عصره ولسنا نفضل أهل عصر الرسول على من جاء بعدهم في الأعصار المتأخرة كما لا نفضل أهل الأعصار المتأخرة على من تقدمهم لكنا نفاضل بين أهل كل عصر بعضهم على بعض بما وصفنا من السبق الى الإيمان دون أن يكونوا فاضلين على من تقدمهم ولا على من تأخر عنهم فهذا ماتعلق به أهل الغفلة

٢٦

والضلالة ، وظهر بحمد الله مافيه من الوضع والجهالة.

١٠ ـ قال : وكفى فخراً لهم إن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس حيث قال تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس فإنهم أول داخل في هذا الخطاب وكذلك شهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله في الحديث المتفق على صحته « خير القرون قرني » ولا مقام أعظم من مقام قوم إرتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته قال الله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم الإية وقال تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين إتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه فتأمل ذلك فإنك تنجو من قبيح ماإختلقته الرافضة عليهم مما هم بريئون منه كما سيأتي بسط ذلك وإيضاحه فالحذر الحذر من إعتقاد أدنى شائبة من شوائب البغض فيهم معاذ الله لم يختر الله لأكمل أنبيائه إلا أكمل من عداهم من بقية الأمم كما اعلمنا ذلك بقوله « كنتم خير أمة أخرجت للناس » ومما يرشدك الى ان مانسبوه اليهم كذب مختلق عليهم ، انهم لم ينقلوا شيئاً منه باسناد عرفت رجاله ولا عدلت نقلته وانما هو من افكهم وحمقهم وجهلهم وافترائهم على الله سبحانه فإياك أن تدع الصحيح وتتبع السقيم ميلاً الى الهوى والعصبية ويتلى عليك عن علي وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة سيما الشيخان وعثمان وبقية العشرة المبشرين بالجنة مافيه مقنع لمن ألهم رشده وكيف يسوغ لمن هو من العترة النبوية أو من المتمسكين بحبلهم أن يعدل عما تواتر عن إمامهم علي من قوله « إن خيرهذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر » وزعم الرافضة إن ذلك تقية سيتكرر عليك رده وبيان بطلانه وإن ذلك أدى بعض الرافضة الى إن كفر علياً قال لأنه أعان الكفار

٢٧

على كفرهم فقاتلهم الله ما أحمقهم واجهلهم.

اقول : فيه نظر من وجوه

أما أولاً فلأنه لادلة في الآية على ماقصده من خيرية الصحابة المبحوث فيهم كما عرفته قبل ذلك عندما تكلمنا على دلالة حديث خير القرون قرني الحديث وعلى ذلك فما ذكره من كون المشايخ الثلاثة أول داخل في هذا الخطاب أول البحث كما لا يخفى

وأما قوله « وكذلك شهد رسول الله الخ » فقد عرفت أيضاً هنالك كذب دلالته على الشهادة بما قصده والله يشهد إن المنافقين لكاذبون.

وأما ثانياً فلأن قوله « ولا مقام أعظم من مقام إرتضاهم الله لصحبة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخ » مردود بأن الله تعالى ما إرتضاهم لصحبة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بل إبتلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصحبتهم زيادة في ثوابه وتحصيلاً برفع درجاته ولغيرهما من المصالح والحكم على إن صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما ينفع كريم الأصل شريف الذات وأما الخسيس الدني فإنما يزيده فساد الحال والمآل كما قال شاعر الشيعة.

شعر دون شود از قرب بزرگان خراب

جيفه دهد بوى بد از آفتاب

وقال شاعر اهل السنة : شعر

هر كرا روى ببهبود نبود

ديدن روى نبي سود نبود

وأما الإية المذكورة فصريحة في إرادة غيرهم لمكان وصف الأشداء على الكفار

٢٨

والثلاثة كان مدارهم على الفرار وولى الأدبار كما حق في كتب الأحاديث والأخبار وأما قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين فقد بينا أيضاً في ضمن الحديث المذكور سابقاً عدم دلالته على مدعاه على إنا لانسلم كون المشايخ الثلاثة من السابقين الأولين فإن السابقين الأولين من المهاجرين هم الذين هاجروا الهجرة الأولى وهي الهجرة الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حصاره بمكة حين حاصرت قريش بني هاشم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شعب عبدالمطلب اربع سنين والأمة مجتمعة على إن أبا بكر وعمر لم يكونا معهم في ذلك الموطن بل لانسلم كون أولهم من المهاجرين مطلقاً كما سيأتي بيانه في الموضع اللائق به إنشاء الله تعالى

وأما ثالثا فلأن ما إختلقه من نسبة الإختلاق الى الشيعة فهم براء منه لأن الشيعة عن آخرهم أجل مكاناً وفضلاً عن أعمال المصادرة والإحتجاج على خصامهم بما رووه من طرق أهل البيتعليهم‌السلام كما فعل هذا الرجل في كتابه هذا من الإحتجاج على الشيعة بالأحاديث المروية من طريق أهل نحلته ، المتسمين بأهل السنة بل الشيعة إلتزموا أن يحتجوا بما في كتب أهل السنة عليهم ، لعلمهم بإنه إدعى الى تلقيه بالقبول ، ووافق راى الجميع متى رجعوا الى الأصول وإن ذلك أتم في الورود وقيام الحجة بشهادة الخصم أوكد وإن تعددت الشهود فمن أين جاء الإفتراء والإختلاق لولا إنه ليس للناصب في الآخرة من خلاق.

وأما رابعاً فلأن ماذكره من إن الله تعالى لم يختر لأكمل أنبيائه إالأكمل من عداهم من بقية الأمم نقول في جوابه نعم لم يختر له إلا الأكمل لكن الشأن في إثبات إن الثلاثة معدودة في الأكمل والشيعة من وراء المنع بأسانيد معتبرة متفق عليها

٢٩

مروية من طرق أهل البيتعليهم‌السلام وطريق أهل السنة.

وأما خامساً فلأن قوله « ومما يرشدك الخ » ليس فيه رشاد ولا إرشاد ولا أدري ماأرى من تكرر نسبة إختلاقه الى الشيعة لم يذكره مبهماً بأنهم لم ينقلوا شيئاً منه بإسناد عرف رجاله وعدلة نقلته إذ كان لا بد من ذكر ذلك حتى ننظر في صحة نسبته وفسادها وإلا فالإبهام والإجمال دليل الأفك والإنحلال على إنا نقول إنه إن أراد إن الشيعة نقلوا مانقلوا في قدح المشايخ الثلاثة بإسناد لم يعرف أهل السنة حال الرجال المذكورة فيه ولم يحكموا بعدالة رجاله فهذا غير واقع بل هم لم ينقلوا شيئاً إلزاماً لأهل السنة إلا من كتبهم المعتبرة نعم إذا تنبهوا حينئذ بما في المنقول من كتبهم من الدلالة على الطعن والقدح في أسلافهم إحتالوا في رده تارة بضعف الراوي ، وتارة بالتأويل البعيد الطويل الذي يرفع الأمان عن فهم الكلام وكفى بذلك إلزاماً وخزياً

وإن أراد إن الشيعة لم يبحثوا عن حال رجال إسناد ذلك المنقول وعدالتهم فذلك لايهمهم ولا يقدح في إحتجاجهم على أهل السنة بل يكفي فيه كون ذلك مسطوراً في الكتب المعتبرة لأهل السنة كصحاحهم الست ومسند إبن حنبل ونحوه من كتب المناقب التي ألفها أكابرهم ومشاهيرهم.

وأما سادساً فلأن ماذكره من بطلان زعم الرافضة إن مايتلى عن عليعليه‌السلام وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة المبحوث فيهم واقع تقية مدخول بأن نسبة الشيعة الى القول بكون ذلك على إطلاقه واقعاً على سبيل التقية كاذبة بل ربما يقدحون في بعض الرجال المذكورة في سند ما نقله أهل السنه عنهمعليهم‌السلام في مدح من علم عدم إستحقاقه للمدح بدلائل أخرى وأما حمل البعض على التقية

٣٠

فليس بباطل سيما إذا قامت القرينة الحالية والمقالية على أعمال ذلك وأي قرائن واسباب وإمارات أظهر مما روي عنهعليه‌السلام يوم الإكراه على البيعة مخاطباً للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضريحه « ياإبن أم إن القوم إستضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين » ويردد ذلك ويكرره ومما روى عنه في الشكاية عن غصبهم للخلافة عنه وتقمصهم إياها ما هو مصرح به في الخطبة الشقشقية المشهورة المذكورة في نهج البلاغة وفي قولهعليه‌السلام ايضاً « اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي وكفأوا إنائي ، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري وقالوا إلا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً فنظرت فإذاً ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فظننته بهم عن المنية ، فأغضيت على القذى وجرعت ريقي علىالشذى ، وصبرت من كضم الغيض على أمر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار الى غير ذلك من الكلمات التي تواتر معناها على إن هذا الكلام إنما يحتاج اليه في دفع الشبهة متى لم نبن كلامنا على صحة النص على أمير المؤمنينعليه‌السلام ومتى بينا كلام في أسباب الخوف والتقية وترك النزاع والإنكار على صحة النص ظهر الأمر ظهوراً بدفع الشبة عن أصله لأنه إذا كان هوعليه‌السلام المنصوص عليه بالإمامة والمشار اليه بينهم بالخلافة ثم رآهم بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تنازعوا الأمر بينهم تنازع من لم يسمعوا فيه نصاً ولا أعطوا فيه عهداً ثم صاروا الى إحدى الجهتين بطريق الإختيار وصمموا على إن ذلك هو الواجب الذي لايعدل عنه ولا حق سواه علمعليه‌السلام إن ذلك مويس من نزوعهم ورجوعهم ومخيف من ناحيتهم

٣١

وإنهم إذا إستجازوا إطراح عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فهم بأن يطرحوا إنكار ذاعرة «كذا كان » عليهم ويعرضوا عن وعظه وتذكيره أولى وأحرى بل ذلك يورث الجرم بأن النكير عليهم ودفعهم عما إختاروه قد كان مؤدياً الى غاية المكروه ونهاية المحذور وبعبارة أخرى إنما يسوغ أن يقال ذلك إذا لم يكن هناك إمارة تقتضي الخوف وتدعو الى سوء الظن وإذا فرضنا إن القوم كانوا على أحوال السلام متظاهرين متمسكين بأوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جارين على سنته وطريقته ولا يكون لسوء الظن عليهم مجال ولا للخوف من جهتهم طريق وأما إذا فرضنا إنهم دفعوا النص الظاهر وخالفوه وعملوا بخلاف مقتضاه فالأمر منعكس منقلب وحسن الظن لاوجه له وسوء الظن هو الواجب ولا ينبغي للمخالفين لنا في هذه المسألة أن يجمعوا بين المتضادات ويفرضوا إن القوم دفعوا النص وخالفوا موجبه وهم مع ذلك على أحوال السلامة المعهودة منه التي تقتضي من الظنون بهم أحسنها وأجملها وأما أصل شرعية التقية فلا أعلم من محققي أهل السنة من ينكر ذلك وقد فصلنا الكلام في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب والنقتصر هاهنا بما ذكره فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير عند تفسير قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم الآية حيث قال : « التقية إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز أيضاً فيما يتعلق بإظهار الدين وأما مايرجع ضرره الى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات وإطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة وقال : التقية جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال يحتمل أن يحكم

٣٢

فيها بالجواز لقولهعليه‌السلام « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ولقولهعليه‌السلام « من قتل دون ماله فهو شهيد » ولأن الحالة الى المال شديدة والماء إذا بيع بالعين سقط فرض الوضوء وجاز الإقتصار على التيمم دفعاً لذلك القدر من نقصان المال فكيف لايجوز هاهنا والله أعلم ثم قال : قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتاً قبل دولة الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا ثم قال : وروي عن الحسن إن التقية جائزة للمؤمنين الى يوم القيامة وهذا القول احسن لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان ويزيد ذلك وضوحاً مارواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عايشة من المتفق عليه وذكره شارح الوقاية من الحنفية في كتاب الحج وهو إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة لولا إن لقومك عهداً بالجاهلية وفي رواية عهد حديث بالكفر وأخاف أن ينكر قلوبهم لأمرت بالبيت فهدم فادخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت لها بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم الحديث » وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع علو شأنه وسطوع برهانه كما يتقي القوم الذين هم أعيان الصحابة من سوء تواطئهم في هدم الكعبة وإصلاح بنائها فما ظنك بعده بشأن عليعليه‌السلام ومن عاداه من أهل البيت الذين قتلوا آباء هؤلاء وأعمامهم وأقاربهم كما فصل في الأحاديث الأخر فتدبر

وأما سابعاً فلأن ماذكره من إن بعض الرافضة كفر علياً لأجل أعمال التقية مدفوع بأنا لانعلم هذا البعض ولا عبرة بكلام المجاهيل سيما إذا كان دليلهم المذكور على ذلك من أوهن الأباطيل.

١١ ـ قال : المقدمة الثانية ، إعلم أيضاً إن الصحابة أجمعوا على إن نصب

٣٣

الامام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه اهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واختلافهم في التعيين لا يقدح الاجمـاع المذكور وتلك الاهية لما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام ابوبكر خطيباً كما سايأتي فقال ايها الناس من كان يعبد محّمداً ص فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فأن الله حي لايموت لابد لهذا الامر ممن يقوم بــه فأنظروا وهاتوا آراء كم فقالوا ننظر فيه ثم ذلك الوجوب عندنا معشر اهل السنة والجماعة وعند اكثر المعتزلة بالسمع أي من جهة التواتر والاجماع المذكور وقال كثير بالعقل ووجه ذلك الوجوب انهصلى‌الله‌عليه‌وآله امر باقامة الحدود وسد الغثور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الاسلام وهي لاتتم الا بالإمام وما لايتم الواجب المطلق الا به وكان مقدوراً فهو واجب ولان في نصبه جلب منافع لاتحصى ودفع مضار لاتستقصى وكل ما كان كذلك يكون واجباً أما الصغرى على مافي شرح المقاصد فتكاد تلحق بالضروريات بل بالمشاهدات بشهادة مانراه من الفتن والفساد وانفضام امور العباد بمجرد موت الإمام وان لم يكن على ماينبغي من الصلاح والسداد واما الكبرى فبالإجماع عندنا وبالضرورة عند من قال بالوجوب عقلاً من ..المعتزلة كأبي الحسين والجاحظ والخياط والكعبي انتهى.

أقول : فيه بحث من وجوه

أما أولاً فانه إن اراد انعقاد الإجماع على أن نصب الإمام واجب على الأمة فبطلانه ظاهر لظهور الخلاف من الإمامية والمعتزلة كما لايخفى وايضاً وجوب نصبه على الأمة يقتضي انهم اذا لم يتفقوا لم يحصل إنعقاد الإمامة

٣٤

بل يجب أعاده النظر مرة بعد أخرى وقد لايثمر شيء من ذلك اتفاقهم لإختلاف الآراء غالباً وهو يبطل تعليقها على رأي الأمة والألزم تعذر نصب الإمام أو جواز، عمل كل فريق برأيه فيكون منصوب كل فريق اماماً عليهم خاصة هذا خلف.

واما ثانيا فلأن من اشتغل بذلك عن دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جائراً جاهلاً زنديقاً لاعالماً عادلاً ولا صديقاً فلا يستلزم ذلك مطلوبه والشيعة يستدلون بفعلهم الشنيع هذا على عصيانهم بل على عدم إيمانهم وإختيارهم الدنيا على الآخرة وذلك لأنهم يذكرون حديثاً وهو أن « من صلى على مغفور غفر له ذنوبه » فلو كانوا مصدقين بما جاء به النبي (ص) لما أعرضوا عن هذه السعادة الكبرى والمغفرة العظمى مع إن المصلحة والمشورة في أمور الدين والدنيا ماتفوت بيوم أو يومين فلو كان لهم إيمان ومروة لصبروا لدفنه والصلاة عليه والتعزية لأهل البيتعليهم‌السلام وإدخالهم في المشورة إذ كان النزاع معهم والحاصل إنهم إنما إشتغلوا في أمر الخلافة لأنهم إغتنموا الفرصة بغيبة عليعليه‌السلام وأصحابه وأشتغالهم بتجهيز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتدفينه وعلموا إنه لو حضر عليعليه‌السلام مجلس إشتغالهم بأمر الخلافة لفات الأمر منهم وإلا فلم يكن في تأخير ذلك عن تجهيز النبي مضنة فوته وعدم إستدراكه بل لو صبروا واشتغلوا مع عليعليه‌السلام وسائر بني هاشم بدفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصابهم به والحزن له والصلاة عليه المرغب فيها لكان أولى لإجتماع الناس حينئذ أكثر مما كان قبل دفنه وليت شعري كيف صار ذلك واجباً فورياً ؟ مع إنه حين أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكتب في مرض موته كتاباً في هذا الباب منع منه عمر وقال : حسبنا كتاب الله كما ذكره

٣٥

هذا الجامد فيما سيجيء وأيضاً كيف أوجبوا المسارعة الى إنعقاد الإمامة حفظاً للدين عن الشين ، ولم يسارعوا لأجل الدين ، أيام أحد وبدر وخيبر وحنين، بل هربوا فيها راجعين بخفي حنين(١) ، ذاهلين عن وضع أرجلهم في كل أين، وقد فروا من الزحف يوم الأحزاب، وعمرو بن عبد ود يناديهم ويطلبهم بالأسامي والألقاب، فصمتوا وخمدوا جميعهم عن الجواب، ولم يقم اليه أحد من شهودهم بل ضلوا ماكثين

____________________

(١) تلميح الى المثل المعروف عند العرب من قولهم « رجع بخفي حنين » قال الميداني بعد ذكره ( ص٢٥٥ من مجمع الأمثال المطبوع بإيران وص ١٧١ من المطبوع بمصر » : قال أبو عبيد : أصله إن حنيناً كان إسكافاً من أهل الحيرة فسامه إعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه فاراد غيض الإعرابي فلما إرتحل الإعرابي أخذ حنين أحد خفيه فطرحه في الطريق ثم القى الآخر في موضع آخر فلما مر الإعرابي بأحدهما قال ماأشبه هذا الخف بخف حنين ولو كان معه آخر لأخذته ومضى فلما إنتهى الى الآخر ندم على تركه الأول وقد كمن له حنين فلما مضى الإعرابي في طلب الأول عمد حنين الى راحلته وما عليها فذهب بها وأقبل الإعرابي وليس معه إلا الخفان فقال له قومه ماذا جئت به من سفرك؟ قال جئتكم بخفي حنين فذهبت مثلاً [ يضرب عند اليأس عند الحاجة والرجوع بالخيبة ] وقال إبن السكيت : حنين كان رجلاً شديداً إدعى الى أسد بن هاشم بن عبد مناف فأتى عبدالمطلب وعليه خفان أحمران فقال ياعم أنا إبن أسد بن هاشم فقال عبدالمطلب لا وثياب إبن هاشم ماأعرف شمائل هاشم فيك فارجع فرجع فقالوا رجع حنين بخفيه فصار مثلاً.

٣٦

ناكثين لسابق عهودهم وكذلك ما أظهروا يوم مرحب(١) لا مرحباً لهم ما للرجال من عزيمة، بل إنهزموا أقبح هزيمة، فلما لم يظهر منهم المسابقة والمسارعة في تلك المشاهد لنصرة الدين، علم إن مسابقتهم يوم السقيفة إنما كانت لنيل الرياسة طلباً للجاه

____________________

(١) يريد بيوم مرحب يوم خيبر أسم بطل معروف من يهود خيبر ويومه معروف ومشهور عند أهل الأخبار والسير وقصه فرار أبي بكر وعمر في هذه الغزوة مذكورة في كتب الخاصة والعامة « كمسند أحمد بن حنبل وغيره » واعترف به كل مخالف وموافق، وعدو وصديق ، قال الفاضل المعاصر الدكتور محمد حسنين هيكل في تاريخه المسمى بحياة محمد (ص) عند ذكره وقائع هذه الغزوة « ص ٣٧٥ س ٢٤ من الطبعة الثانية » : « وتتابعت الأيام، فبعث الرسول ابا بكر براية الى حصن ناعم كي يفتحه، فقاتل ورجع ولم يكن الحصن قد فتح وبعث الرسول عمر بن الخطاب في الغداة، فكان حظه حظ أبي بكر فدعى الرسول اليه في الغداة علي بن أبي طالب ثم قال له: خذ هذه الراية فمض بها حتى يفتح الله عليك. ومضى علي بالراية ، فلما دنى من الحصن خرج اليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه؛ فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترس به، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الحصن » وقد أجاد إبن أبي الحديد المعتزلي البغدادي في بائيته المعروفة «وهي إحدى العلويات السبعة ».

وما أنس لا أنس للذين تقدّما

وفرّهما والفرّ قد علما حوب

وللراية العظمى وقد ذهبا بها

ملابس ذل فوقها وجلابيب

يشلهما من آل موسى شمر دل

طويل نجاد السيف أجيد يعبوب

يمج منوناً سيفه وسنانه

ويلهب ناراً غمده والأنانيب

أحضرهما أم حضر أخرج غاضب

وذانهما أم ناعم الخد مخضوب

عذرتكما إن الحمام لمبغض

وإن بقاء النفس للنفس محبوب

ليكره طعم الموت والموت طالب

فكيف يلذ الموت والموت مطلوب

دعا قصب العلياء يملكها إمرء

بغير أفاعيل الدناءة مقضوب

يرى إن طول الحرب والبؤس راحة

وإن دوام السلم والخفض تعذيب

فلله عيناً من رآه مبارزاً

وللحرب كأس بالمنية مقطو

وقد صدر عن خاتم النبين (ص) بعد هذا الفتح المبين، حديث في حق أمير المؤمنين (ع) يشتمل على فضائل جمة ومناقب جليلة منها قوله (ص) « لولا أن تقول فيك طائفة من أمتي ماقالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب رجليك » الخ وهو مشهور بين الخاصة والعامة واليه يشير شاعر الشيعة « وهو السيد علي الواعظ القايني (ره) المترجم حاله في مجالس المؤمنين للمصنف (ره) » بقوله في قصيدة مطولة فارسية مذكورة في المجالس المذكور:

بو العجب قومي گه منكر ميشوند از فضل او

زان خبر كايشان روايت روز خيبر كرده اند

٣٧

( شعر )

وعلى الخلافة سابقوك وما

سبقوك في أحد ولا بدر(١)

وأما ثالثاً فلأن ما نسبه من الخطبة الى أبي بكر مع ركاكته من أوضح الموضوعات أما الأول فلظهور سوء الأدب في خطابه للناس بقوله « من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات » وهل كان هناك من يعبد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يعتقد إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يموت؟ اللهم إلا أن يقال إنه قال ذلك رداً على ماروى من إن عمر قال في ذلك اليوم لمصلحة زورها في نفسه « والله ما مات محمد وسيعود ويقطع أيدي رجال وأرجلهم بما قالوا إنه مات » لكن المشهور عندهم إنه رد عليه أبو بكر هناك من ساعته ورجع هو الى قول أبي بكر فلم يبق حاجة الى تكرار الرد عليه في خطبته البليغة هذه

وأما الثانى فلأنه كيف يصح ما فيها من دعاء الناس الى إحالة آراءهم في ذلك وطلب الناس المهلة عنه للنظر فيه مع ما شحنوا به كتبهم

____________________

(١) يناسب ذلك ماروى من إن الصادقعليه‌السلام مر بدار عرس سمع منها صوت الدف ومغنية تغني وتقول:

أبا حسن سيدي أنت أنت

وصي المهيمن لو أنصفوك

وانت جعلت قريشاً عبيداً

ولولا حسامك كانوا ملوكا

وأنت المقدم في النائبات

فعند الخلافة لم أخروك

فقالعليه‌السلام بشروها بالجنة فلما سمعت الجارية المغنية ذلك القت الدف وتابت الى الله تعالى ولما كان مناسباً لهذا المقام ذكرناه ها هنا.

٣٨

من أن بيعتهم لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة إنما وقعت فلتة وبغتة حتى رووا عن عمر ما سيذكره هذا الشيخ فيما سيأتي من أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها عن المسلمين فمن عاد الى مثلها فاقتلوه.

وأما رابعاً فلأن مبادرة القوم الى تصديق أبي بكر في إيجابه النظر في ذلك يجوز أن يكون لإعقتقادهم إرادة التفحص عن إمام منصوب من الله تعالى لا لإختيار إمام من عند أنفسهم ثم لما ظهر عليهم خلافه واتضح آثار العدوان سكتوا فغاية الأمر إنعقاد الإجماع السكوتي عن جماعة في ذلك ووهنه ظاهر.

وأما خامساً فلأن وجوب المشار اليه بقوله « وذلك الوجوب عندنا » أعم من الوجوب على الله أو على الأمة فلا يصح إطلاق ذلك الوجوب عندنا معشر أهل السنة والجماعة وعند أكثر المعتزلة بالسمع لأن ماذهب اليه أهل السنة هو الوجوب السمعي على الأمة لا الوجوب على الله أيضاً فالصواب أن يقال إن ذلك الوجوب الأعم عندنا وعند أكثر المعتزلة على الأمة بالسمع الخ.

وأما سادساً فلأن ماذكره من أن أكثر المعتزلة على الوجوب سمعاً كذب صريح يشهد به عبارة الشرح الجديد للتجريد حيث قال «إختلفوا في نصب الإمام بعد إنقراض زمان النبوة هل يجب أم لا ؟ وعلى تقدير وجوبه على الله أم علينا ؟ عقلاً أم سمعاً؟ فذهب اهل السنة الى إنه واجب علينا سمعاً وقالت المعتزلة والزيدية بل عقلاً وذهبت الإمامية على إنه واجب الله تعالى عقلاً إنتهى.

وأما سابعاً فلأن قوله وقال كثير بالعقل إن اردا به الوجوب العقلى على الأمة يلزم إهمال ذكر القول بوجوبه على الله تعالى عقلاً وإن اراد به وجوبه على الله تعالى

٣٩

عقلاً يلزم إهمال ذكر القول بوجوبه على الأمة عقلاً فيختل كلامه في تحرير محل النزاع كما لايخفى.

وأما ثامناً فلأن القول بكون الوجوب في ذلك سمعياً غير مسموع لأن الوجوب السمعي منحصر في الكتاب والسنة والإجماع والكل مفقود هاهنا بإعتراف الخصم ومنهم صاحب المواقف حيث قال « وإذا ثبت حصول الإمامة بالإختيار والبيعة فاعلم إن ذلك الحصول لا يفتقر الى الإجماع من جميع أهل الحل والعقد إذ لم يقم عليه أي على هذا الإفتقار دليل من العقل والسمع بل الواحد والإثنان من اهل الحل والعقد كاف في ثبوت الإمامة ووجوب إتباع الإمام على اهل الإسلام وذلك لعلمنا بأن الصحابة مع صلابتهم في الدين إكتفوا في عقد الإمامة المذكور من الواحد والإثنين كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبدالرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها إجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد فضلاً عن إجماع الأمة من علماء الأنصار ومجتهدي جميع أقطارها هذا ولم ينكر عليهم أحد وعليه أي على الإكتفاء بالواحد والإثنين بعقد الإمامة إنطوت الأعصار بعدهم الى وقتنا هذا » إنتهى

وقد علم من كلامه هذا إنهم جعلوا عمل الغاصب للخلافة حجة فيها على الأمة لظهور إن النزاع إنما هو فيهم وفي عدم إستحقاقهم لذلك وإلا فما الدليل العقلي والنقلي من الكتاب والسنة على إن مجرد البيعة بل مجرد بيعة الواحد والإثنين حجة ؟ ومن أين ثبت لعمر إمامة أبي بكر حتى بايعه ؟ وكيف علم أبو بكر إنه إمام حتى إدعى ذلك ؟ ولعل هذا اول ما أباح على اهل السنة كهذا الشيخ الجاهل في كتابه هذا ارتكاب المصادرة وسوء المكابرة فما بقي لهم في المسألة إلا الإعتماد على حسن الظن

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344