الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية

الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية42%

الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 135

الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية
  • البداية
  • السابق
  • 135 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65047 / تحميل: 8943
الحجم الحجم الحجم
الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية

الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعيّة

السيد محمد باقر الصدر

١

الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعيّة

* كلمة المؤلّف .

* الإنسان المعاصر وقدرته على حلّ المشكلة الاجتماعيّة .

* الديمقراطيّة الرأسماليّة

* الاشتراكيّة والشيوعيّة .

* الإسلام والمشكلة الاجتماعيّة .

* موقف الإسلام مِن الحرّية والضمان

٢

كلمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل ثلاث سنوات قُمنا بمحاولة متواضعة : لدراسة أعمَق الأُسُس ، التي تقوم عليها الماركسية والإسلام ، وكان كتاب فلسفتنا تعبيراً عن هذه المحاولة ، ونقطة انطلاق لتفكيرٍ متسلسِل يحاول أنْ يدرس الإسلام مِن القاعدة إلى القِمّة.

وهكذا صدر ( فلسفتنا ) ، وتلاه بعد سنتين تقريباً ( اقتصادنا ) ، ولا يزال الشقيقان الفِكريّان بانتظار أشقّاء آخَرين ؛ لتكتمل المجموعة الفِكرية ، التي نأمل تقديمها إلى المسلمين.

وقد لاحظنا منذ البَدء - بالرغم مِن الإقبال المنقطِع النظير الذي قوبلَت به هذه المجموعة ، حتّى نفَدَ كتاب فلسفتنا خلال عِدّة أسابيع تقريباً - أقول لاحظنا مدى التفاوت بين الفِكر الإسلامي في مستواه العالي ، وواقِع الفِكر الذي نعيشه في بلادنا بوَجهٍ عامّ ، حتّى صَعُب على كثير مواكبة ذلك المستوى العالي ، إلاّ بشيءٍ كثير مِن الجُهد ، فكان لا بدّ مِن حلَقات متوسّطة يتدرّج خلالها القارئ إلى المستوى الأعلى ، ويستعين بها على تَفهّم ذلك المستوى .

وهنا نشأت فِكرة : ( المدرسة الإسلامية ) ، أي محاولة إعطاء الفِكر الإسلاميّ في مستوىً مدرسيّ ، ضمن حلَقات متسلْسِلة تسير في اتّجاهٍ موازي للسلسلة الرئيسية : ( فلسفتنا ، واقتصادنا ) ، وتشترك معها في حَمْل الرسالة الفِكرية للإسلام ، وتتّفق وإيّاها في الطريقة والأهداف الرئيسية ، وإنْ اختلفت في الدرجة والمستوى .

وحدّدنا خلال التفكير في إصدار (المدرسة الإسلامية )خصائص الفِكر المدرسيّ ، التي يتكوّن منها الطابع العامّ ، والمِزاج الفِكري للمدرسة الإسلامية ، التي نحاول إصدارها .

٣

وتتلخّص هذه الخصائص فيما يلي :

١ _ إنّ الغرَض المباشر مِن ( المدرسة الإسلامية ) : الإقناع أكثر مِن الإبداع ؛ ولهذا فهي قد تستمدّ موادّها الفِكرية مِن ( فلسفتنا ) و( اقتصادنا ) وأشقّائهما الفِكرِيَّين ، وتُعرِضُها في مستواها المدرسيّ الخاصّ ، ولا تلتزم في أفكارها أنْ تكون معروضة لأوّل مرّة .

٢ _ لا تتقيّد ( المدرسة الإسلامية ) بالصيغة البُرهانية للفِكرة دائماً ، فالطابع البرهانيّ فيها أقلّ بروزاً منه في أفكار ( فلسفتنا ) وأشقّائها ، وِفقاً لدرجة السهولة والتبسيط ، المتوَخّاة في الحلَقات المدرسية .

٣ _ تُعالج ( المدرسة الإسلامية ) نطاقاً فِكريّاً أوسع مِن المجال الفِكري ، الذي تباشره ( فلسفتنا ) وأشقاؤها ؛ لأنّها لا تقتصر على الجوانب الرئيسية في الهيكل الإسلامي العامّ ، وإنّما تتناول أيضاً النواحي الجانبية مِن التفكير الإسلامي .

وتُعالج شتّى الموضوعات الفلسفية أو الاجتماعية أو التاريخية أو القرآنية ، التي تؤثّر في تنمية الوَعي الإسلامي ، وبناء وتكميل الشخصية الإسلامية ، مِن الناحية الفِكرية والروحية .

وقد قدّر الله تعالى أنْ تلتقي فِكرة ( المدرسة الإسلامية ) بفِكرةٍ أخرى عن تمهيد فلسفتنا ، فتمتزج الفِكرتان ، وتخرجان إلى النور في هذا الكتاب .

وكانت الفِكرة الأخرى مِن وحي الإلحاح المتزايد ، مِن قُرّائنا الأعزّاء على إعادة طبْع كتاب فلسفتنا ، وكنت استميحهم فرصةً لإنجاز الحلَقة الثالثة : (اقتصادنا )، والقيام بمحاولة توسعة وتبسيط البحوث ، التي عالجناها في (فلسفتنا )قبل أنْ نستأنف طبْعَه للمرّة الثانية ، الأمر الذي يتطلّب فراغاً لا أمْلِكُه الآن .

٤

وعلى هذا الأساس أخذَتْ رغبة القُرّاء الأعزّاء تتّجه نحو تمهيد كتاب ( فلسفتنا ) بالذات ؛ لأنّ إعادة طَبعِه لا تكلّف الجُهد الذي يتطلّبه استئناف طَبْع الكتاب كلّه وكانت الطلَبات التي ترِد ، لا تدَع مجالاً للشكّ في ضرورة استجابة الطلَب .

وهنا التقَتْ الفِكرتان ، فلماذا لا يكون تمهيد كتاب فلسفتنا ، هو الحلَقة الأُولى مِن سِلسلة المدرسة الإسلامية ؟.

وهكذا كان .

ولكنّا لم نكتفِ بطبع التمهيد فحَسْب ، بل أدخلنا عليه بعض التعديلات الضرورية ، وأعطينا بعض مفاهيمه شرحاً أوسع ، كمفهومه عن غريزة حبّ الذات ، وأضَفنا إليه فَصْلَين مهمَّين :

أحدهما : ( الإنسان المعاصر ، وقُدرته على حلِّ المشكلة الاجتماعية ) ، وهو الفصل الأوّل في الكتاب ، يتناول مدى إمكانات الإنسانية لوَضع النظام الاجتماعي الكفيل بسعادتها وكمالها .

والآخر : مَوقف الإسلام مِن الحرّية والضمان ، وهو الفصل الأخير مِن الكتاب ، قُمنا فيه بدراسةٍ مقارنة لموقف الإسلام والرأسمالية مِن الحرّية ، ومَوقف الإسلام والماركسية مِن الضمان .

وبهذا تضاعف التمهيد ، واكتسب اسمه الجديد ، ( الإنسان المعاصر ، والمشكلة الاجتماعية ) ، بوَصفه ( الحلَقة الأُولى ) مِن ( المدرسة الإسلامية ) والله وليّ التوفيق.

محمّد باقر الصدر

٥

الإنسان المعاصِر وَقُدرته عَلى حَلّ المشكلة الاجتماعيّة

* مشكلة الإنسانيّة اليوم .

* الإنسانيّة ومعالجتها للمشكلة .

* أهمّ المذاهب الاجتماعيّة .

٦

بسِم اللهِ الرحمَن الرحّيم

مشكلة الإنسانيّة اليوم :

إنّ مشكلة العالَم التي تملأ فِكر الإنسانيّة اليوم ، وتمسّ واقعها بالصميم ، هي مشكلة النظام الاجتماعي ، التي تتلخّص في إعطاء أصدَق إجابة عن السؤال الآتي :

ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية ، وتسعَد به في حياتها الاجتماعية ؟ .

ومِن الطبيعي أنْ تحتلّ هذه المشكلة مقامها الخطير ، وأنْ تكون في تعقيدها ، وتنوّع ألوان الاجتهاد في حلّها مصدراً للخطر على الإنسانية ذاتها ؛ لأنّ النظام داخل في حساب الحياة الإنسانية ، ومؤثّر في كيانها الاجتماعي بالصميم .

وهذه المشكلة عميقة الجذور في الأغوار البعيدة مِن تاريخ البشرية ، وقد واجهها الإنسان منذ نشأتْ في واقعة الحياة الاجتماعية ، وانبثقت الإنسانية الجماعية تتمثّل في عدّة أفراد تجمَعُهم علاقات وروابط مشتركة .

فانّ هذه العلاقات في حاجة - بطبيعة الحال - إلى توجيه وتنظيم شامل ، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه ، يتوقّف استقرار المجتمع وسعادته .

وقد دفعت هذه المشكلة بالإنسانية في ميادينها الفِكرية والسياسية.. إلى خوض جهادٍ طويل ، وكفاحٍ حافل بمختلف ألوان الصراع ، وبشتّى مذاهب العقل البشري ، التي ترمي إلى إقامة الصرح الاجتماعي وهندسته ، ورسم خُطَطه ووَضع ركائزه .

وكان جهاداً مرهقاً يضجّ بالمآسي والمظالم ، ويزخر بالضِحكات والدموع ، وتقترن فيه السعادة بالشقاء كلّ ذلك لِما كان يتمثّل في تلك الألوان الاجتماعية ، مِن مظاهر الشذوذ والانحراف عن الوضع الاجتماعي الصحيح ولولا ومضات شعَّت في لحظات مِن تاريخ هذا الكوكب ، لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساة مستمرّة ، وسَبْحٍ دائمٍ في الأمواج الزاخرة .

٧

ولا نريد أنْ نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي ؛ لأنّنا لا نقصد بهذه الدراسة أنْ نؤرِّخ للإنسانية المعذّبة ، وأجوائها التي تقلَّبتْ فيها منذ الآماد البعيدة ، وإنّما نريد أنْ نواكِب الإنسانية في واقعها الحاضر ، وفي أشواطها التي انتهت إليها ، لنعرف الغاية التي يجب أنْ ينتهي إليها الشوط والساحل الطبيعي ، الذي لا بدّ للسفينة أنْ تشقّ طريقها إليه وتَرسو عنده ؛ لتصل إلى السلام والخير وتؤوب إلى حياة مستقرّة ، يعمرها العَدْل والسعادة.. بعد جُهدٍ وعناءٍ طويلَين ، وبعد تطوافٍ عريض في شتّى النواحي ، ومختلَف الاتّجاهات .

والواقع أنّ إحساس الإنسان المعاصر بالمشكلة الاجتماعية ، أشدّ مِن إحساسه بها في أيّ وقتٍ مضى ، مِن أدوار التاريخ القديم فهو الآن أكثر وعياً لِمَوقفه مِن المشكلة ، وأقوى تحسّساً بتعقيداتها ؛ لأنّ الإنسان الحديث أصبح يَعِي أنّ المشلكة مِن صُنعِه ، وأنّ النظام الاجتماعي لا يُفرَض عليه مِن أعلى ، بالشِكل الذي تُفرَض عليه القوانين الطبيعية ، التي تتحكّم في علاقات الإنسان بالطبيعة .

على العكس مِن الإنسان القديم ، الذي كان ينظر في كثير مِن الأحايين إلى النظام الاجتماعي وكأنّه قانون طبيعيّ ، لا يملك في مقابله اختياراً ولا قُدرة فكما لا يستطيع أنْ يُطوِّر مِن قانون جاذبيّة الأرض ، كذلك لا يستطيع أنْ يُغيِّر العلاقات الاجتماعية القائمة .

ومِن الطبيعي أنّ الإنسان حين بدأ يؤمِن بأنّ هذه العلاقات مظهَر مِن مظاهر السلوك ، التي يختارها الإنسان نفْسه، ولا يفْقِد إرادته في مجالها.. أصبحتْ المشكلة الاجتماعية ، تعكس فيه - في الإنسان الذي يعيشها فِكرياً - مرارةً ثوريّةً ، بدَلاً مِن مرارة الاستسلام .

٨

والإنسان الحديث مِن ناحيةٍ أخرى أخَذ يعاصر تطوّراً هائلاً ، في سيطرة الإنسانية على الطبيعة لمْ يسبِقْ له نظير وهذه السيطرة المُتنامية بشكلٍ مرعِب وبقفزات العمالقة ، تُزيد في المشكلة الاجتماعية تعقيداً ، وتضاعف مِن أخطارها ؛ لأنّها تفتح بين يدي الإنسان مجالات جديدة وهائلة للاستغلال ، وتُضاعِف مِن أهمّية النظام الاجتماعي ، الذي يتوقّف عليه تحديد نصيب كلّ فَرد مِن تلك المكاسب الهائلة ، التي تُقدِّمها الطبيعة اليوم بسَخاءٍ للإنسان .

وهو بعد هذا يمْلِك مِن تجارب سلَفِه - على مَرّ الزمن - خِبرةً أوسع وأكثر شمولاً وعُمقاً ، مِن الخِبرات الاجتماعيّة ، التي كان الإنسان القديم يمتلِكُها ، ويدرس المشكلة الاجتماعيّة في ضَوئها ومِن الطبيعي أنْ يكون لهذه الخِبرة الجديدة أثَرُها الكبير في تعقيد المشكلة ، وتنوّع الآراء في حلِّها والجواب عليها .

الإنسانيّة ومعالجتها للمشكلة

نريد الآن - وقد عرفنا المشكلة ، أو السؤال الأساسي الذي واجَهته الإنسانيّة ، منذ مارسَتْ وجودها الاجتماعي الواعـي ، وتفنّنت في المحاولات التي قدّمتها للجواب عليه ، عِبر تاريخها المديد - نريد وقد عرفنا ذلك.. أنْ نُلقي نظرة على ما تملِكه الإنسانيّة اليوم ، وفي كلّ زمان ، مِن الإمكانات والشروط الضرورية ؛ لإعطاء الجواب الصحيح على ذلك السؤال الأساسيّ السالِف الذِكر : ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية ، وتسعَد به في حياتها الاجتماعيّة ؟ .

فهل في مقدور الإنسانية أنْ تقدّم هذا الجواب ؟ .

وما هو القَدَر الذي يتوفّر - في تركيبها الفِكريّ والروحيّ - مِن الشروط اللازمة ، للنجاح في ذلك ؟ .

٩

وما هي نوعية الضمانات التي تَكفُل للإنسانيّة نجاحها في الامتحان ، وتوفيقها في الجواب ، الذي تُعطيه على السؤال ، وفي الطريقة التي تختارها لحلّ المشكلة الاجتماعيّة ، والتوصّل إلى النظام الأصلح ، الكفيل بسعادة الإنسانيّة وتصعيدها إلى أرفع المستويات ؟ .

وبتعبيرٍ أكثر وضوحاً : كيف تستطيع الإنسانيّة المعاصرة أنْ تُدرك مثلاً : أنّ النظام الديمقراطي الرأسمالي ، أو دكتاتوريّة البروليتاريا الاشتراكيّة ، أو غيرهما.. هو النظام الأصلـح ، وإذا أدركَتْ هذا أو ذاك ، فما هي الضمانات التي تضمن لها أنّها على حقّ وصواب في إدراكها ؟

ولو ضمنتْ هذا أيضاً ، فهل يكفي إدراك النظام الأصلَح ، ومعرفة الإنسان به ؛ لتطبيقه وحلّ المشكلة الاجتماعيّة على أساسه ، أو يتوقّف تطبيق النظام على عوامل أخرى ، قد لا تتوفّر بالرغم مِن معرفة صلاحه وجَدارته ؟.

وترتبط هذه النقاط التي أثَرناها الآن إلى حدٍّ كبير بالمفهوم العامّ عن المجتمع والكَون ؛ ولذلك تختلف طريقة معالجتها مِن قِبَل الباحثين ، تَبَعاً لاختلاف مفاهيمهم العامّة عن ذلك ، ولنبدأ بالماركسيّة .

رأي الماركسيّة

ترى الماركسية : أنّ الإنسان يتكيّف روحيّاً وفِكريّاً وِفقاً لطريقة الإنتاج ، ونوعية القوى المُنتِجة فهو بصورة مستقلّة عنها لا يُمكِنه أنْ يُفكّر تفكيراً اجتماعيّاً ، أو أنْ يعرف ما هو النظام الأصلح ؟ وإنّما القوى المُنتجة هي التي تُملي عليه هذه المعرفة ، وتُتيح له الجواب على السؤال الأساسي ، الذي طرحناه في فاتحة الحديث ، وهو بدَوره يُردِّد صَداها بدقّةٍ وأمانة .

١٠

فالطاحونة الهوائية مثلاً ، تبعَث في الإنسانيّة الشعور بأنّ النظام الإقطاعيّ هو النظام الأصلح ، والطاحونة البخارية التي خَلَفَتْها تُلقِّن الإنسان : أنّ النظام الرأسماليّ هو الأجْدَر بالتطبيق ، ووسائل الإنتاج الكهربائية والذرّية اليوم ، تُعطي المجتمع مضموناً فِكرياً جديداً ، يؤمِن بأنّ الأصلح هو النظام الاشتراكي .

فقُدرة الإنسانيّة على إدراك النظام الأصلح ، هي تماماً قُدرتها على ترجمة المدلول الاجتماعي للقوى المنتِجة ، وترديد صداها .

وأمّا الضمانات التي تكفُل للإنسانيّة صوابها ، وصحّة إدراكها ، ونجاحها في تصوّرها للنظام الأصلح.. فهي تتمثّل في حركة التاريخ السائرة إلى الأمام دَوماً فما دام التاريخ في رأي الماركسيّة يتسلّق الهرَم ، ويزحف بصورة تصاعديّة دائـماً ، فلابدّ أنْ يكون الإدراك الاجتماعي الجديد للنظام الأصلح ، هو الإدراك الصحيح .

وأمّا الإدراك التقليدي القديم فهو خاطئ ، ما دام قد تكوّن إدراكٌ اجتماعيّ أحدَث منه فالذي يضمَن للإنسان السوفياتي اليوم صحّة رأيه الاجتماعي ، هو أنّ هذا الرأي يُمثِّل الجانب الجديد مِن الوعي الاجتماعيّ ، ويُعبِّر عن مرحلة جديدة مِن التاريخ ، فيجب أنْ يكون صحيحاً ، دون غيره مِن الآراء القديمة .

صحيحٌ أنّ بعض الأفكار الاجتماعيّة قد تبدو جديدة - بالرغم مِن زَيفها - كالفِكر النازيّ في النِصف الأوّل مِن هذا القَرْن ، حيث بَدا وكأنّه تعبيرٌ عن تطوّر تاريخيّ جديد ولكن سُرعان ما تنكشِف أمثال هذه الأفكار المقنَّعة .

ويظهر خلال التجربة أنّها ليست إلاّ رجْعاً للأفكار القديمة ، وتعبيراً عن مراحل تاريخيّة بالِية ، وليست أفكاراً جديدة بمعنى الكلمة .

وهكذا تؤكّد الماركسية : على أنّ جِدَة الفِكر الاجتماعيّ ( بمعنى انبثاقه عن ظروف تاريخيّة جديدةِ التكوّن ) ، هي الكفيلة بصحّته ، ما دام التاريخ في تجدّدٍ ارتقائيّ.

١١

وهناك شيءٌ آخَر وهو : إدراك الإنسانيّة اليوم ، مثلاً للنظام الاشتراكي - بوَصفه النظام الأصلح - لا يكفي في رأي الماركسيّة ، لإمكان تطبيقه ، مالَمْ تخُضْ الطبَقة التي تنتفع بهذا النظام أكثر مِن سواها - وهي الطَبقة العامِلة في مثالنا - صراعاً طبَقيّاً عنيفاً ، ضدّ الطبَقة التي مِن مصلَحتِها الاحتفاظ بالنظام السابق .

وهذا الصراع الطبَقي المسعور يتفاعل مع إدراك النظام الأصلح ، فيشتدّ الصراع كلّما نَما هذا الإدراك وازداد وضوحاً ، وهو بدوره يُعمِّق الإدراك ويُنمِّيه كلّما اشتدّ واستفحل .

ووُجهة النظر الماركسيّة هذه تقوم على أساس مفاهيم المادّية التاريخية ، التي نقدْناها في دراستنا الموَسّعة للماركسية الاقتصادية(١) .

وما نضيفه الآن تعلِيَةً على ذلك هو : أنّ التاريخ نفسه يُبرهن على أنّ الأفكار الاجتماعيّة ، بشأن تحديد نوعية النظام الأصلح.. ليست مِن خَلْق القوى المُنتِجة ، بل للإنسان أصالته وإبداعه في هذا المجال ، بصورة مستقلّة عن وسـائل الإنتاج ، وإلاّ فكيف تفسِّر لنا الماركسيّة ظهور فِكرة التأميم ، والاشتراكيّة ومِلكيّة الدولة في فترات زمنيّة متباعِدة مِن التاريخ ؟!.

فلو كان الإيمان بفِكرة التأميم - بوَصفِه النظام الأصلح ، كما يؤمِن الإنسان السوفياتي اليوم - نتيجةً لنوعيّة القوى المنتِجة السائدة اليوم ، فما معنى ظهور الفِكرة نفْسها في أزمنةٍ سحيقة ، لم تكن تملك مِن هذه القوى المنتِجة شيئاً .

أفلَمْ يكن أفلاطون يؤمِن بالشيوعيّة ، ويتصوّر مدينته الفاضلة على أساسٍ شيوعيّ ؟! فهل كان إدراكه هذا مِن معطيات الوسائل الحديثة في الإنتاج ، التي لم يكن الإغريق يملك منها شيئاً ؟! .

ماذا أقول؟! بل إنّ الأفكار الاشتراكية بلغَت قبل ألفَين مِن السنين ، مِن النُضج والعُمق في ذِهنيّة بعض كُبّار المفكِّرين السياسيّين درجةً أتاحتْ لها مجالاً للتطبيق ، كما يطبّقها الإنسان السوفياتي اليوم ، مع بعض الفروق .

_________________

(١) راجع اقتصادنا ص ٣ - ١٩٦.

١٢

فهذا ( وو - دي ) أعظم الأباطرة ، الذين حكَموا الصين مِن أُسرة ( هان ) ، كان يؤمِن في ضوء خِبرته وتجارِبِه بالاشتراكيّة ، باعتبارها النظام الأصلح فقام بتطبيقها عام (١٤٠ - ١٨٧ ق.م ) : فجعل موارد الثروة الطبيعية مِلكاً للأُمّـة ، وأَمَّمَ صناعات استخراج المِلح والحديد وعَصْر الخَمْر.

وأراد أنْ يقضي على سُلطان الوُسَطاء ، والمُضاربين في جهاز التجارة : فأنشأ نظاماً خاصّاً للنَقْل والتبادل ، تُشرِف عليه الدولة ، وسَعى بذلك للسيطرة على التجارة ، حتّى يستطيع مَنْع تقلّب الأسعار الفُجائي ، فكان عمّال الدولة هُم الذين يتولّون شؤون نَقْل البضائع ، وتوصيلها إلى أصحابها في جميع أنحاء البلاد .

وكانت الدولة نفسها تخزن ما زاد مِن السلَع على حاجة الأهلين ، وتبيعها إذا أخذَت أثمانها في الارتفاع فوق ما يجـب ، كما تشتريها إذا انخفضت الأسعار وشَرع يُقيم المنشآت العامّة العظيمة ؛ لِيوجِد بذلك عمَلاً لملايين الناس ، الذين عجزت الصناعات الخاصّة عن استيعابهم .

وكذلك اعتلى العَرش في بداية التاريخ المسيحي ( وانج مانج ) ، فتحمّس بإيمان لفِكرة إلغاء الرقّ ، والقضاء على العبودية ، ونظام الإقطاع ، كما آمَن الأوروبيّون في بداية العصْر الرأسمالي ..

وألغى الرقّ ، وانتزع الأراضي مِن الطبَقة الإقطاعيّة ، وأمَّمَ الأرض الزراعية ، وقسَّمها قسماً متساوية ، ووزّعها على الزُرّاع ، وحرّم بَيع الأراضي وشراءها ؛ ليمنع بذلك مِن عَودة الأملاك الواسعة إلى ما كانت عليه مِن قَبْل ، وأمَّمَ المناجم وبعض الصناعات الكبرى .

فهل يمكن أنْ يكون ( وو - دي ) ، أو ( وانج مانج ).. قد استَوحَيا إدراكهما الاجتماعيّ ، ونهجهما السياسيّ هذا مِن قِوى البخار ، أو قوى الكهرباء أو الذرّة ، التي تعتبرها الماركسيّة أساساً للتفكير الاشتراكي .

١٣

وهكذا نستنتج : أنّ إدراك هذا النظام ، أو ذاك - بوصفه النظام الأصلح - ليس صنيعة لهذه الوسيلة ، من وسائل الإنتاج أو تلك .

كما أنّ الحركة التقدّمية للتاريخ ، التي تُبرهن الماركسيّة عن طريقها على : أنّ جِدَة الفِكر تضمن صحّته.. ليست إلاّ أسطورة أخرى مِن أساطير التاريخ ، فإنّ حركات الانتكاس ، وذَوَبان الحضارة كثيرة جدّاً .

رأي المفكّرين غير الماركسيّين :

وأمّا المفكّرون غير الماركسيّين ، فهُم يقرّرون عادةً : أنّ قُدرة الإنسان على إدراك النظام الأصلح.. تنمو عنده مِن خلال التجارب الاجتماعيّة التي يعيشها فحينما يُطبِّق الإنسان الاجتماعي نظاماً معيّناً ، ويجسّده في حياته.. يستطيع أنْ يُلاحظ - مِن خلال تجربته لذلك النظام - الأخطاء ونقاط الضَعف المُستترة فيها ، والتي تتكشَّف له على مَرّ الزمن ، فتمكّنه مِن تفكيرٍ اجتماعيٍّ ، أكثر بصيرة وخِبرة..

وهكذا يكون بإمكان الإنسان أنْ يُفكِّر في النظام الأصلح ، ويضع جوابه على السؤال الأساسي ، في ضَوء تجاربه وخِبرته وكلّما تكاملت وكَثُرت تجاربه ، أو الأنظمة التي جرّبها ، ازداد معرفةً وبصيرةً ، وصار أكثر قُدرة على تحديد النظام الأصلح ، وتصوّر معالِمه .

فسؤالنا الأساسي : ما هو النظام الأصلح ؟.. ليس إلاّ كسؤال : ما هي أصلح طريقة لتدفئة السكَن ؟.. هذا السؤال الذي واجَهَه الإنسان منذ أحسّ بالبَرْد ، وهو في كَهفِه أو مغارته ، فأخَذ يفكِّر في الجواب عليه ، حتّى اهتدى في ضَوء ملاحظاته ، أو تجاربه العديدة إلى طريقةٍ إيجاد النار وظلّ يُثابر ويجاهد في سبيل الحصول على جوابٍ أفضل ، عِبْر تجاربه المديدة ، حتّى انتهى أخيراً إلى اكتشاف الكهرباء ، واستخدامها في التدفئة .

١٤

وكذلك آلاف المشاكل التي كانت تعترض حياته ، فأدرَك طريقة حلِّها خلال التجربة ، وازداد إدراكه دقّةً كلّما كَثُرت التجربة : كمشكلة الحصول على أصلح دواء للسِلّ ، أو أسهل وسيلة لاستخراج النفط ، أو أسرع واسطة للنَقْل والسفر ، أو أفضل طريقة لحياكة الصوف... وما إلى ذلك مِن مشاكل وحلول .

فكما استطاع الإنسان أنْ يحلّ هذه المشاكل ، ويضع الجواب عن تلك الأسئلة ، مِن خلال تجاربه.. كذلك يستطيع أنْ يُجيب على سؤال : ما هو النظام الأصلح ؟! مِن خلال تجاربه الاجتماعيّة ، التي تكشِف له عن سيّئات ومحاسن النظام المجرَّب ، وتبرز ردود الفِعل له على الصعيد الاجتماعي .

الفَرق بين التجربة الطبيعيّة والاجتماعيّة :

وهذا صحيح إلى درجةٍ ما : فإنّ التجربة الاجتماعيّة تُتيح للإنسان ، أنْ يُقدِّم جوابه على سؤال : ما هو النظام الأصلـح ؟ كما أتاحتْ له تجارب الطبيعة ، أنْ يجيب على الأسئلة الأخرى العديدة ، التي اكتنفت حياته منذ البداية .

ولكنّنا يجب أنْ نفرِّق - إذا أردنا أنْ ندرس المسألة على مستوىً أعمَق - بين التجارب الاجتماعيّة ، التي يكون الإنسان خلالها إدراكه للنظام الأصلح ، وبين التجارب الطبيعيّة ، التي يكتسب الإنسان خلالها معرفته بأسرار الطبيعة وقوانينها ، وطريقة الاستفادة منها : كأنجح دواء ، أو أسرع واسطة للسَفر ، أو أفضل طريقه للحياكة ، أو أسهل وسيلة لاستخراج النفط ، أو أنجع طريقة لفَلْق الذرّة مثلاً .

فإنّ التجارب الاجتماعية ( أي تجارب الإنسان الاجتماعي ، للأنظمة الاجتماعية المختلفة ) لا تصِل في عطائها الفكريّ إلى درجة التجارب الطبيعية ( وهي تجارب الإنسان لظواهر الطبيعة ) ؛ لأنّها تختلف عنها في عدّة نقاط .

١٥

وهذا الاختلاف يؤدّي إلى تفاوت قُدرة الإنسان ، على الاستفادة مِن التجارب الطبيعيّة والاجتماعيّة فبينما يستطيع الإنسان أنْ يدرك أسرار الظواهر الطبيعيّة ، ويرتقي في إدراكه هذا إلى ذَروَة الكمال على مَرّ الزمن ، بفضْل التجارب الطبيعيّة والعِلميّة.. لا يسير في مجال إدراكه الاجتماعي للنظام الأصلح ، إلاّ سَيراً بطيئاً ، ولا يتَأتّى له بشكْلٍ قاطع أنْ يبلغ الكمال في إدراكه الاجتماعي هذا ، مهما توافرَت تجاربه الاجتماعية وتكاثَرت.

ويجب علينا - لمعرفة هذا - أنْ ندرس تلك الفروق المهمّة ، بين طبيعة التجربة الاجتماعيّة ، والتجربة الطبيعيّة ؛ لنصل إلى الحقيقة التي قرّرناها ، وهي :

أنّ التجربة الطبيعية : قد تكون قادرة على مَنْح الإنسان ، عِبر الزمن فِكرة كاملة عن الطبيعة ، يستخدمها في سبيل الاستفادة مِن ظواهر الطبيعة وقوانينها .

وأمّا التجربة الاجتماعيّة : فهي لا تستطيع أنْ تضمن للإنسان إيجاد هذه الفِكرة الكاملة ، عن المسألة الاجتماعية .

وتتلخّص أهمّ تلك الفروق فيما يلي :

أوّلاً : إنّ التجربة الطبيعيّة يمكن أنْ يباشرها ويمارسها فرد واحد ، فيستوعبها بالملاحظة والنظرة ، ويدرس بصورة مباشرة كلّ ما ينكشِف خلالها مِن حقائق وأخطاء ، فينتهي مِن ذلك إلى فِكرة معيّنة ترتكز على تلك التجربة .

وأمّا التجربة الاجتماعيّة : فهي عبارة عن تجسيد النظام المجرّب في مجتمع وتطبيقه عليه ، فتجربة النظام الإقطاعيّ أو الرأسماليّ مثلاً تعني : ممارسة المجتمع لهذا النظام فترة مِن تاريخه ، وهي لأجْل ذلك لا يمكن أنْ يقوم بها فردٌ واحد ويستوعبهـا ، وإنّما يقوم بالتجربة الاجتماعية المجتمع كلّه ، وتستوعب مرحلة تاريخية مِن حياة المجتمع أوسع كثيراً مِن هذا الفرد أو ذاك فالإنسان حين يريد أنْ يستفيد مِن تجربةٍ اجتماعيّة ، لا يستطيع أنْ يُعاصرها بكلّ أحداثها ، كما كان يعاصر التجربة الطبيعيّة حين يقوم بها ، إنّما يعاصر جانباً مِن أحداثها ، ويتحتّم عليه أنْ يعتمد في الاطّلاع على سائر ظواهر التجربة ومضاعفاتها.. على الحدَس والاستنتاج والتاريخ .

١٦

ثانياً : إنّ التفكير الذي تُبلْوِره التجربة الطبيعيّة ، أكثر موضوعيّة ونزاهة ، مِن التفكير الذي يستمدّه الإنسان مِن التجربة الاجتماعيّة .

وهذه النقطة مِن أهمّ النقاط الجوهريّة ، التي تمنع التجربة الاجتماعيّة مِن الارتفاع إلى مستوى التجربة الطبيعيّة والعلميّة ، فلا بدّ مِن جلائها بشِكلٍ كامل .

ففي التجربة الطبيعيّة ، ترتبط مصلحة الإنسان - الذي يصنع تلك التجربة - باكتشاف الحقيقة ، الحقيقة كاملة صريحة دون مُوارَبة ، وليس له - في الغالب - أدنى مصلحة بتزوير الحقيقة ، أو طَمْس معالِمها ، التي تتكشّف خلال التجربة .

فإذا أراد - مثلاً - أنْ يُجرِّب درجة تأثّر جراثيم السلّ بمادّة كيماويّة معيّنة ، حين إلقائها في محيط تلك الجراثيم ، فسوف لا يهمّه إلاّ معرفة درجة تأثّرها ، مهما كانت عالِية أو منخفضة ، ولن ينفعَه في علاج السلّ ومكافحته أنْ يزوِّر الحقيقة ، فيبالِغ في درجة تأثّرها ، أو يهوّن منها وعلى هذا الأساس يتّجه تفكير المجرِّب - في العادة - اتّجاهاً موضوعيّاً نزيهاً .

وأمّا في التجربة الاجتماعيّة ، فلا تتوقّف مصلحة المجرِّب دائماً على تجلِيَة الحقيقة ، واكتشاف النظام الاجتماعي الأصلح لمجموع الإنسانيّة ، بل قد يكون مِن مصلحته الخاصّة أنْ يستُر الحقيقة عن الأنظار :

فالشخص الذي ترتكز مصالحُه على نظام الرأسماليّة والاحتكار ، أو على النظام الربَويّ للمصارف مثلاً ، سوف يكون مِن مصلحته جدّاً أنْ تجيء الحقيقة ، مؤكّدة لنظام الرأسماليّة والاحتكار والربا المصرفيّ ، بوَصفه النظام الأصلح حتّى تستمرّ منافعه التي يدرّها عليه ذلك النظام .

فهو إذن ليس موضوعيّاً بطبيعته ، ما دام الدافع الذاتيّ يحثُّه على اكتشاف الحقيقة ، باللون الذي يتّفق مع مصالحه الخاصّة .

١٧

وكذلك الشخص الآخَر ، الذي تتعارض مصلحته الخاصّة مع الرِبا أو الاحتكار ، لا يهمّه شيءٌ ، كما يهمّه أنْ تثبُت الحقيقة بشِكلٍ يُدين الأنظمة الربَوِيّة والاحتكاريّة فهو حينما يريد أنْ يستنتج الجواب على المسألة الاجتماعيّة : ( ما هو النظام الأصلح ؟ ) مِن خلال دراسته الاجتماعيّة ، يقترن دائماً بقوّة داخلية تُحبِّذ له وجهة نظر معيّنة ، وليس شخصاً محايِداً بمعنى الكلمة .

وهكذا نعرف : أنّ تفكير الإنسان في المسألة الاجتماعيّة لا يمكن - عادةً - أنْ تضمن له الموضوعيّة ، والتجرّد عن الذاتيّة بالدرجة ، التي يمكن ضمانها في تفكير الإنسان حين يعالج تجربةً طبيعيّة ، ومسألة مِن مسائل الكَون .

ثالثاً : وهَب أنّ الإنسان استطاع أنْ يتحرّر فِكريّاً مِن دَوافعه الذاتيّة ، ويفكّر تفكيراً موضوعيّاً ، ويكشِف الحقيقـة وهي :

إنّ هذا النظام أو ذاك هو النظام الأصلح لمجموع الإنسانيّة ، ولكن مَن الذي يضمن اهتمامه بمصلحة مجموع الإنسانية ، إذا لم تلتقِ بمصلحته الخاصّة ؟! ومَن الذي يكفُل سعْيَه في سبيل تطبيق ذلك النظام الأصلح للإنسانيّة ، إذا تعارض مع مصالحه الخاصّة ؟! فهل يكفي - مثلاً - إيمان الرأسماليّين ، بأنّ النظام الاشتراكي أصلح سبباً لتطبيقهم للاشتراكيّة ورضاهم عنها ، بالرغم مِن تناقضها مع مصالحهم ؟! أو هل يكفي إيمان الإنسان المعاصر ( إنسان الحضارة الغربيّة ) - في ضَوء تجاربه التي عاشها - بالخطر الكامِن في نظام العلاقات بين الرجُل والمرأة ، القائم على أساس الخلاعة والإباحية.

هل يكفي إيمانه بما تشتمل عليه هذه العلاقات ، مِن خطر الميوعة والذَوَبان على مستقبل الإنسان وغَدِه ؛ لاندفاعه إلى تطوير تلك العلاقات بالشكل الذي يضمن للإنسانيّة مستقبلها ، ويحميها مِن الذَوَبان الجِنسيّ والشهَويّ ، ما دام لا يشعر بخطرٍ معاصر على واقِعه الذي يعيشه ، وما دامت تلك العلاقات توَفِّر له كثيراً مِن ألوان المُتعة واللذّة ؟؟!!

١٨

نحن إذن وفي هذا الضَوء ، نشعر بحاجة لا إلى اكتشاف النظام الأصلح لمجموع الإنسانيّة فحَسب ، بل إلى دافع يجعلنا نعنى بمصالح الإنسانية ككلّ ، ونسعى إلى تحقيقها ، وإنْ اختلفت مع مصالح الجزء الذي نمثّله مِن ذلك الكلّ .

رابعاً : إنّ النظام الذي يُنشِئُه الإنسان الاجتماعيّ ، ويؤمِن بصلاحه وكفاءته ، لا يمكن أنْ يكون جديراً بتربية هذا الإنسان ، وتصعيده في المجال الإنسانيّ إلى آفاقٍ أرحَب ؛ لأنّ النظام الذي يصنعه الإنسان الاجتماعيّ ، يعكس دائماً واقع الإنسان الذي صنعه ، ودرجته الروحيّة والنفسيّة .

فإذا كان المجتمع يتمتّع بدرجة منخفضة مِن قوّة الإرادة وصلابتها مثلاً ، لم يكن ميسوراً له أنْ يُربّي إرادته ويُنمّيها ، بإيجاد نظامٍ اجتماعيٍّ صارم ، يغذّي الإرادة ويزيد مِن صلابتها ؛ لأنّه ما دام لا يملِك إرادةً صلبة ، فهو لا يملك القدرة على إيجاد هذا النظام ، ووَضْعه موضع التنفيذ ، وإنّما يضع النظام الذي يعكس ميوعة إرادته وذَوَبانها .

وإلاّ فهل ننتظر مِن مجتمعٍ لا يملك إرادته إزاء إغواء الخمورة - مثلاً - وإغراءها ، ولا يتمتّع بقدرة الترفّع عن شهوةٍ رخيصةٍِ كهذه ، هل ننتظر مِن هذا المجتمع : أنْ يضع مَوضع التنفيذ نظاماً صارماً ، يحرِّم أمثال تلك الشهوات الرخيصة ، ويُربّي في الإنسان إرادته ، ويردّ إليه حرّيته ويُحرّره مِن عبودية الشهوة وإغرائها ؟!! كلاّ طبعاً فنحن لا نترقّب الصلابة مِن المجتمع الذائب ، وإنْ أدرك أضرار هذا الذَوبان ومضاعفاته ، ولا نأمل مِن المجتمع الذي تستعبده شهوة الخَمرة أنْ يحرّر نفسه بإرادته ، مهما أحسّ بشرور الخَمرة وآثارها ؛ لأنّ الإحساس إنّما يتعمّق ويتركّز لدى المجتمع ، إذا استرسل في ذَوبانه وعبوديّته للشهوة وإشباعها ، وهو كلّما استرسل في ذلك أصبح أشدّ عجْزاً عن معالجة المَوقف ، والقفز بإنسانيّته إلى درجاتٍ أعلى .

١٩

وهذا هو السبب الذي جعل الحضارات البشَريّة التي صنعها الإنسان ، تعجَز عادةً عن وَضع نظام يقاوِم في الإنسان عبوديّته لشهوته ، ويرتفع به إلى مستوىً إنسانيٍّ أعلى ، حتّى لقد أخفقت الولايات المتّحدة - وهي أعظم تعبير عن أضخم الحضارات التي صنعها الإنسان - في وَضع قانون تحريم الخَمرة موضع التنفيذ ؛ لأنّ مِن التناقض أنْ نترقّب مِن المجتمع الذي استسلم لشهوة الخمرة وعبوديّتها ، أنْ يسنّ القوانين التي ترتفع به مِن الحضيض الذي اختاره لنفسه .

بينما نجد أنّ النظام الاجتماعيّ الإسلاميّ الذي جاء به الوحي ، قد استطاع - بطريقته الخاصّة في تربية الإنسانيّة ، ورَفْعها إلى أعلى - أنْ يُحرِّم الخَمرة ، وغيرها مِن الشهَوات الشرّيرة ، ويخلق في الإنسان الإرادة الواعية الصلبة .

ولم يبقَ علينا - بعد أنْ أَوضحنا جانباً مِن الفروق الجَوهريّة بين التجربة الاجتماعيّة ، التي يمارسها المجتمع بأسْره ، والتجربة الطبيعيّة التي يمارسها المجرِّب نفسه - إلاّ أنْ نُثير السؤال الأخير ، في مجال المسألة التي ندرسها : ( مسألة مدى قدرة الإنسان في حقل التنظيم الاجتماعيّ ، واختيار النظام الأصلح ) .

وهذا هو السؤال : ما هي قيمة المعرفة العِلميّة في تنظيم حياة الجماعة ، وإرساء الحياة الاجتماعيّة ، والنظام الاجتماعيّ على أساسٍ عِلميٍّ مِن التجارب الطبيعيّة ، التي تملِك مِن الدقّة ما تتّسم به التجارب في مجال الفيزياء والكيمياء ، ونتخلّص بذلك مِن نقاط الضَعف ، التي درسناها في طبيعة التجربة الاجتماعيّة ؟؟ .

وبكلمةٍ أخرى : هل في الإمكان الاستغناء - لدى تنظيم الحياة الاجتماعيّة ، والتعرّف على النظام الأصلح - عن دراسة تاريخ البشَريّة ، والتجارب التي مارسَتْها المجتمعات الإنسانيّة عِبْر الزمن ، والتي لا نملِك تجاهها سوى الملاحظة عن بُعد ، ومِن وراء ستائر الزمن التي تفصلنا عنها..

هل في الإمكان الاستغناء عن ذلك كلِّه ، بإقامة حياتنا الاجتماعيّة في ضوء تجاربٍ عِلميّةٍ نعيشها، ونمارسها بأنفسنا على هذا أو ذاك مِن الأفراد ، حتّى نصل إلى معرفة النظام الأصلح ؟؟ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

أحد من المسلمين ما له من المقام الأرفع في التقوى والزهد والورع. اذن فكيف يتصور في حقه انه يعلم بأن رسول الله أخبر بأن أمواله لا تكون ارثا بل تكون للمسلمين وهو يريد ان يستلبها منهم غصبا بدعوى الإرث ومخالفة لحكم الله وبيان الرسول ويستمر مع ذلك على المطالبة سنين عديدة. ولو تنزلنا عن هذا لقلنا لا يخفى ان عليا والعباس لهما شرف ومروءة وسداد في الرأي والقول فكيف يطالبان بالإرث من رسول الله مدة سنين ويعتر فان مع ذلك بالعلم بقول الرسول لا نورث ما تركناه صدقة. وكيف يسجلان على أنفسهما بهذا الاعتراف انهما يستمران على الدعوى الباطلة ومحاولة غصب المسلمين حقهم وأكل مالهم بالباطل. وأي صاحب شعور حتى من السفلة يقدم على ذلك فيشوه سمعته ويدنس مستقبله وإن لم يكن له رادع من تقوى الله. دع هذا ولكن كيف يجعله عمر مع ذلك من رجال الشورى المرشحين للخلافة والائتمان على امور المسلمين. فما رواية الاعتراف من علي (ع) مع إصراره على المطالبة بالإرث إلّا فلتة ممن لا يعرف كيف يتكلم فيما يرويه «ولا يقال» ان عمر ناشد عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعدا بمثل ما ناشد عليا والعباس فقالوا اللهم نعم «لأنا نقول» ان الراوي لهذه المناشدة وجوابها هو الراوي لمناشدته عليا والعباس وجوابهما وقد عرفت قيمة الرواية. وثانيا ان الرواية تذكر ان عمر سألهم عن علمهم بذلك لا عن سماعهم له من رسول الله فأجابوا بالعلم اعتمادا على رواية أبي بكر وعمله «ولا يقال» ان عائشة قد روت حديث لا نورث لنساء النبي (ص) «لأنا نقول» انها استندت على علمهن من رواية أبيها كما يدل عليه ما تقدم في انفراد أبي بكر في روايتها فلم يسعهن إلّا السكوت في الموقف الحرج «ولا يقال» ان أبا هريرة روى عن رسول الله كما في جوامع مسلم والترمذي وأبي داود لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة. وفي حديث آخر لا نورث ما تركناه صدقة «لأنا نقول» لا يخفى ان الرواية الأولى واردة في النقود وانه (ص) لا يدخر مما يملكه منها ما يبقى بعده بل ينفقها بسماحة النبوة ورأفتها وأبوته للأمة في سبيل الله والمحاويج. ولا يزاحم ذلك إلّا بالواجب الوقتي من نفقة نسائه ومؤنة عامله فهو (ص) على هذا المنوال وقتا بعد وقت فلا يبقى في خزائنه ما يكون معرضا لأن يتركه بعده إلّا ما كان من بيت المال والصدقات ان وسع المال ان يتربص به حاجة المسلمين في المستقبل. فالحديث اجنبي عن مثل الأراضي والعقار. واما الرواية الثانية فتكون بقرينة اتحاد الراوي جارية هذا المجرى ولا دلالة لها على اكثر من ذلك

٤١

- الأمر الثالث - ان رواية عائشة في تفرد أبي بكر بالرواية. وتداول نقلها بين العلماء والمصنفين وذكرها في الكتب كلها تشهد بأن الأصل في الرواية «انا معاشر الأنبياء لا نورث» وعلى ذلك جرى سطرها في الكتب. وعليه قال الرازي في تفسيره مذهب اكثر المجتهدين ان الأنبياء لا يورثون ثم ذكر انهم احتجوا بقول النبي (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ويشهد لذلك ما في شمائل الترمذي من رواية أبي البختري ان عمر قال لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد نشدتكم الله أسمعتم رسول الله يقول كل مال نبي صدقة إلّا ما أطعمه اهله إلّا لا نورث ونحوه في كتاب الخراج من سنن أبي داود. وما رواه أحمد في مسند أبي بكر من قوله لفاطمة سمعت رسول الله يقول ان النبي لا يورث. إذن فالرواية مخالفة لكتاب الله في قوله تعالى في سورة النمل ١٦( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) وليس ارث العلم والنبوة لأن القرآن يدل على ان سليمان اوتي العلم والحكمة كداود في زمان داود كما في سورة الأنبياء ٧٧ و ٧٨ وفي قوله تعالى في سورة مريم في قول زكريا ودعائه ٤( إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ ) أي الأقارب الوارثين( مِنْ وَرائِي ) أي بعد موتي أي خاف من أن يكونوا هم الوارثين لماله. ومقتضى مقام النبوة انه خاف ذلك لأمر شرعي( وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً ) لم تلد لي ولدا يكون هو الوارث من بعدي دونهم( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ) من رحمتك وقدرتك ولدا( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) ويكون له ما ابقيه من المال الذي خفت ان يرثه الموالي من ورائي. ولا يخفى ان مقام زكريا في النبوة يمنع من ان يقال انه خاف ان يرثه مواليه وأقاربه العلم والنبوة. وذلك لأن النبوة وعلمها أمر بيد الله في مقامها الخاص يجعلها لمن هو أهل لها ويمنعها عمن ليس بأهل ولا يخفى ذلك عمن هو دون زكريا إذن فلا يصح في المعقول ان يقال ان زكريا النبي خاف من ان يجعل الله النبوة وعلمها فيمن ليس بأهل لذلك. ولا انه خاف من ان يجعل الله النبوة وعلمها بحسب حكمته فيمن هو أهل لها. فلا بد من ان يكون الذي خافه هو إرث المال الذي يرثه البر والفاجر بحسب الشريعة. ومثل ذلك قوله تعالى عن زكريا في سورة الأنبياء ٨٨( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً ) بلا ولد وارث كما يدل عليه قوله( وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ٨٩ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ) وان استجابة دعائه بالوارث تبطل ان يكون يحيى قتلوه في حياة أبيه زكريا حتى لو قلنا ان مراد زكريا ارث العلم والنبوة فان معنى ارث يحيى لهما من زكريا لا يستقيم في الكلام إلّا إذا وصلا ليحيى بعد موت زكريا. ودعوى الإجماع على قتل يحيى في حياة

٤٢

أبيه مجازفة تشهد دلالة القرآن ببطلانها - الأمر الرابع - في تدافع الحجّة المروية في أحاديث المسألة فإن الحديث الأول يذكر الاحتجاج أولا برواية انا لا نورث ما تركناه صدقة. وهذا كالصريح في دعوى ان أموال النبي (ص) التي هي ملكه في حياته يتصرف بها كيف يشاء تكون بعد وفاته صدقة مضافا إلى ان الاعتبار لا يساعد على ان يكون النبي محجورا عليه في أمواله وما أفاء الله عليه واضافه إليه وجعله له في نص القرآن فلا يكون كسائر المالكين يهب ويبيع ويعطي من اعيان أمواله على ما تقتضيه الحالة والمصلحة بل تكون صدقة لا يقدر ان يتصرف فيها إلّا على شيء من نمائها لنسائه فلا يساوي في أمواله التي جعلها الله له واحدا من المسلمين - لكن قول الحديث «إنما يأكل آل محمد من هذا المال يتضمن ان رسول الله (ص) كان محجورا عليه في املاكه بالنحو الذي ذكرناه وبمجرد ان يعطيه الله شيئا تكون أعيانه صدقة محجورا عليها. فالعبارتان في الحديث متدافعتان متنافيتان. ودع ما في العبارة الثانية ومؤدى حجرها على الرسول (ص). وعلى ذلك جرى قول الحديث «لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها» إذ لو كان المدعى ان رسول الله (ص) جعلها صدقة بجعله لكان أمرا ثالثا تجب اقامة البينة الكافية عليه ولا يكفي في ذلك كون الرسول يتناول من نماء أمواله نفقة نسائه ويصرف الباقي في سبيل الله فإنه رسول الله وابو الأمة والإسلام معدن الرحمة والجود. «لا يقال» ان معنى المروي هو ان رسول الله (ص) جعل هذه الأموال صدقة في حياته وجرى في سيرته - لأنه يقال - لو كانت صدقة بجعل الرسول قبل وفاته بمدة سنين كما يروى من سيرته لكان ذلك من الأمور المشهورة ولما خفي على خواص أصحابه وعلى نسائه واهل بيته. ولما احتاج أبو بكر في رد فاطمة إلى رواية لا نورث ولا احتاجت عائشة في رد نساء النبي (ص) إلى هذه الرواية ولا احتاج لمناشدة عثمان والزبير وطلحة وسعد عن علمهم بها. مع ان الرواية اجنبية عن موضوع النزاع على هذا التقدير بل الذي يلزم هو اقامة الحجّة على وقوع التصدق منذ سنين والاستشهاد عليه. وفي رواية مسلم والبخاري في باب فرض الخمس «واما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقتا رسول الله كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر» والكلام في هذه الفقرة كالكلام في سابقتها. وان كل مالك تكون أمواله لحقوقه التي تعروه ونوائبه. وتزيد هذه الفقرة بدعوى ان أمر فدك وخيبر إلى من ولي الأمر. فإن المقام مقام مطالبة بالحقوق على الموازين الشرعية والحجج لا مقام استفتاء يكتفي فيه بالفتيا المجردة والدعوى

٤٣

المحضة - ومما ذكرناه - يعرف التدافع في حديث مالك بن أوس في الجمع فيها بين الاحتجاج برواية لا نورث ما تركناه صدقة وبين الاحتجاج بأن رسول الله (ص) كان ينفق من مال بني النظير على اهله نفقة سنتهم ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله كما في روايات البخاري وفي رواية مسلم ثم يجعل ما بقي أسوة المال. ولا يخفى ان للناس في أموالهم شؤونا وهل يجب شرعا أو عقلا أو عادة ان تجرى أموال الشخص بعد موته على ما كانت تجرى عليه في حياته وان رسول الله (ص) في تفانيه في ذات الله والإسلام ورحمته بالمسلمين لو ملك اضعاف ما ملك لاقتصر على واجب النفقة وأنفق الباقي في سبيل الله وأما بعد وفاته فيرجع الأمر إلى شأن وارثه وليس لأحد ان يتحكم بفعل الموروث في النماء ما لم يثبت انه تصدق بالعين في حياته. ومما يزيد في الاضطراب والتدافع في ما يروى من الحجّة ما ذكرناه مما رواه أحمد في مسند أبي بكر عن عمر عن أبي بكر انه سمع رسول الله يقول النبي لا يورث وانّما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين. ويزيد ذلك بما ذكرناه في الحديث الثالث من قول أبي بكر سمعت رسول الله (ص) ان الله إذا اطعم نبيه طعمة فهي للذي يقوم من بعده. ويزيد في الاضطراب ما ذكرناه من شمائل الترمذي - الوجه الثالث - قد سمعت مما تقدم من جامعي البخاري ومسلم وتاريخ الطبري ان فاطمة طالبت أبا بكر بإرثها مما أفاء الله على رسوله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فردها أبو بكر برواية لا نورث ما تركناه صدقة وفي رواية مالك بن أوس ان عمر قال في فدك وخمس خيبر انهما صدقة رسول الله وأمسكهما. إذن فكيف بلغ الحال إلى ما رواه أبو داود في كتاب الخراج من سننه في فدك انه لما مضى أبو بكر وعمر اقطعها «بالبناء للمجهول» مروان بن الحكم وبقيت في ولده حتى ردها عمر بن عبد العزيز. وقد صرح جماعة كثيرون بما يفهم من الحديث من ان الذي أقطعها مروان هو عثمان في أيامه كما في السيرة الحلبية والمرقاة وغيرها. وما اكثر وجوه الاشكال في هذه المسألة ورواياتها وذلك في ذمة تاريخها - هذا ومن المعلوم عند أهل البيت والإمامية وعليه حديثهم ان فدكا كانت نحلة من رسول الله لفاطمة وكانت تحت يدها وعمل عاملها في حياة رسول الله (ص) ولما طرد عاملها ادعت النحلة وقدمت لأبي بكر شهودها فلم ينفعها ذلك أصلا. ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج عن قاضي القضاة قوله انا لسنا ننكر صحة ما روي من ادعائها فدكا وأما انها كانت في يدها فغير مسلم ونقل أيضا عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري أحاديث جمة في ادعائها

٤٤

(ع) نحلة فدك وذكر في المواقف وشرحها في المقصد الرابع من مقاصد الإمامة انها ادعت النحلة وشهد لها علي والحسنان وأضاف في المواقف ام كلثوم وقال في شرحها الصحيح انها ام ايمن : وقال ابن حجر في الشبهة السابعة من الباب الخامس من الفصل الأول في صواعقه ودعواها ان رسول الله (ص) نحلها فدكا لم تأت عليها بشاهد إلّا بعلي وام أيمن ونحوه في معجم البلدان وفتوح البلدان للبلاذري. وقال الشهرستاني في الملل والنحل الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبي (ص) ودعوى فاطمة تملكا تارة ووراثة اخرى حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. وفي كتاب امير المؤمنين علي إلى عامله عثمان بن حنيف «بلى كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم وسخت بها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله» وفي الدّر المنثور في تفسير قوله تعالى( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) من سورة بني إسرائيل أخرج البزاز وابو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) دعا رسول الله فاطمة فأعطاها فدكا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) اقطع رسول الله فاطمة فدكا. ونقل السيوطي أيضا هذين الحديثين في لباب النقول وذكر ان الطبراني أخرج الحديث الأول عن أبي سعيد وفي كنز العمال ومختصره في صلة الرحم من كتاب الأخلاق عن تاريخ الحاكم عن أبي سعيد قال لما نزلت( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) قال النبي (ص) يا فاطمة لك فدك - هذا ولكن لما وردت دعوى الزهراء في نحلة فدك ولم تنفعها فيها شهادة علي والحسنين وأم أيمن ويا للعجب عدلت إلى المطالبة بها بوجه الإرث اقلا كسائر المتروكات هذا وان صاحب المنار ذكر عن الالوسي في تفسيره روح المعاني احتجاجه على الشيعة في ان الأنبياء لا يورثون بأمرين - أحدهما - ما

رواه في اصول الكافي بسنده عن أبي البختري وهب عن الصادق (ع) قوله : ان العلماء ورثة الأنبياء وذلك ان الأنبياء لا يورثوا دينارا ولا درهما وانّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم. الحديث. فاحتج بان «إنّما» تفيد الحصر «ويدفعه» أنَّ الحصر لم يكن إضافيا بالنسبة إلى الدينار والدرهم فهو حصر بالنسبة لحملة الحديث من سائر الناس وعامتهم لا وارث المال من الأقرباء ومن المعلوم أنَّ سائر الناس لا يرثون من الأنبياء إلّا الحديث في العلم ولا إرث للعلماء من الأنبياء إلّا ذلك - وثانيهما - بأن تركة النبي (ص) وقعت في أيدي جماعة من المعصومين عند الشيعة والمحفوظين عند أهل

٤٥

السنّة كعلي والحسنين وعلي بن الحسين فلم يعطوا منها العباس ولا بنيه ولا أزواج النبي (ص) ولو كان الميراث جاريا في تلك التركة لشاركوهم قطعا «ويدفعه» أنَّ ما يشير إليه من نحو العمامة المقدّسة والسّلاح والرواية قد كان رسول الله (ص) أعطاه في مرضه لعليٍّ على أنّها من مختصات الإمامة ولذا صارت تنتقل من إمام إلى إمام وعلى ذلك يجري ما رواه أحمد في مسند أبي بكر عن ابن عباس بسند لو لم يكن صحيحا عندهم لكان حسنا مقبولا قال: لما قبض رسول الله (ص) واستخلف أبو بكر خاصم العباس عليا في أشياء تركها رسول الله (ص) فقال أبو بكر شيء تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه. فلما استخلف عمر اختصما إليه فقال شيء لم يحركه أبو بكر فلا أحركه. فلما استخلف عثمان اختصما إليه فسكت ونكس رأسه فخشيت ان يأخذه فضربت بين كتفي العباس فقلت: يا أبت أقسمت عليك إلّا سلمته لعلي فسلمه اليه. ورواه في كنز العمال ومنتخبه في أول كتاب الخلافة عن البزاز أيضا. ولو تنزلنا عن ذلك وفرضنا كونها تركة موروثة لقلنا ان عدم اعطائهم للعباس لأنه لا يرث مع فاطمة عند أهل البيت لآيات الأقربين واولي الأرحام كما مر في مسألة التعصيب. وأما أزواج النبي (ص) فيجوز ان يكون قد طبن نفسا بذلك لفاطمة (ع) لسماحتها لهن ببقائهن في بيوتهن وتصرفهن بما فيها من ادارة البيت احتراما لمقامهن من رسول الله أو لغير ذلك من الوجوه. ويجوز أيضا أنْ تكون تلك الأشياء تستخلص في سائر الطبقات من بقية الوراث بطيب النفس أو بالمعاوضة فلا تشبث بذلك للالوسي وصاحب المنار.

- الأمر الثامن في العول: ومحل النزاع فيه بين النافين له والمثبتين هو ان يجتمع من الفرائض المذكورة في القرآن الكريم بحسب صورة إطلاقها ما يتزاحم ولا يمكن اجتماعه مع الإطلاق وبقائه على معناه. فالقائل بالعول يخرج اسماء الفرائض في مسائل عوله عن معانيها الحقيقية لكي يقسم المال على نسبة تلك المعاني بعضها من بعض. والنافون للعول يستدلون على تقييد بعض المطلقات في تلك المسائل فيرتفع التزاحم. وتحرير الكلام هو أنَّ الصور التي يفرض تزاحم الفرائض فيها في الظاهر هي على ما يخطر في ذهني في الحال اثنتان وعشرون صورة ثلاثة عشر منها متفق على إمكان تصويرها ووقوعها بين المسلمين وتسعة منها يختص تصويرها بأهل السنة لأنهم يورثون الاخوة والأخوات مع الأمّ فلنذكر هذه الصور وما تصير إليه فرائضها على تقدير العول ليتضح وجه الحجّة والكلام في المسألة ان شاء الله وان استلزم التطويل -

٤٦

فالصور المتفّق عليها الأولى منها - زوج وبنت وأم وأب. يصير فيها على العول ربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر ونصف البنت ستة من ثلاثة عشر وكل من سدسي الأب والأم اثنين من ثلاثة عشر - الثانية - زوج وبنتان فما فوق وأم وأب. يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وثلثا البنات ثمانية من خمسة عشر وكل من سدسي الأب والأم اثنين من خمسة عشر - الثالثة - زوج وبنتان فما فوق وواحد من الأبوين. يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر. وثلثا البنات ثمانية من ثلاثة عشر. وسدس أحد الأبوين اثنين من ثلاثة عشر - الرابعة - زوج وأخت من الأبوين أو الأب واثنان من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من ثمانية وكذا نصف الأخت. وكل واحد من سدسي الكلالة واحد من ثمانية وهو الثمن - الخامسة - الصورة السابقة مع كون الكلالة من الأم فيها اكثر من اثنين يصير النصفان فيها كما في التي قبلها وثلث الكلالة ربعا - السادسة - الصورة السابقة وكلالة الأم واحد. يصير فيها كل من النصفين ثلاثة من سبعة وسدس الكلالة واحد من سبعة - السابعة - زوج واختان فما فوق من الأب أو الأبوين. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من سبعة وثلثا الأخوات اربعة من سبعة - الثامنة - الصورة السابقة وواحد من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من ثمانية وثلثا الأخوات أربعة من ثمانية وهو النصف وسدس الكلالة ثمنا - التاسعة - الصورة السابقة وكلالة الأم فيها اثنان. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من تسعة وهو الثلث وثلثا الأخوات اربعة من تسعة وكل من سدسي الكلالة واحدا من تسعة - العاشرة - الصورة السابقة وكلالة الأم أكثر من اثنين وقسمتها كسابقتها ويكون ثلث الكلالة اثنين من تسعة - الحادية عشر - زوجة وبنتان فما فوق وأم وأب. يصير فيها ثلثا البنات ستة عشر من سبعة وعشرين(١) وثمن الزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع - الثانية عشر - زوجة واختان فما فوق من الأب أو الأبوين مع اثنين من كلالة الأم. تصير فيها القسمة كسابقها - الثالثة عشر - هذه الصورة وكلالة الأم فيها اكثر من إثنين وتصير كسابقتها وثلث الكلالة ثمانية من سبعة وعشرين «وأما المختصّة» بمواريث أهل السنة فهي - الرابعة عشر - زوج وام وأخت من الأب والأبوين يصير فيها كل من نصفي الزوج والأخت ثلاثة من ثمانية وثلث الأم اثنين من ثمانية وهو الربع - الخامسة عشر - زوج وأم واختان فما فوق من الأب أو الأبوين يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من تسعة وهو الثلث وثلثا الأخوات

٤٧

أربعة من تسعة وثلث الأم اثنين من تسعة - السادسة عشر - الصورة السابقة مع واحد من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من عشرة وثلث الأمّ اثنين من عشرة وهو الخمس وثلثا الأخوات اربعة من عشرة وسدس الكلالة واحد من عشرة - السابعة عشر - الصورة السابقة مع ثان من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من أحد عشر وثلث الأمّ اثنين من أحد عشر وثلثا الأختين اربعة من أحد عشر وكل من سدسي الكلالة واحد من أحد عشر - الثامنة عشر - الصورة السابقة ويكون فيها كلالة الأمّ اكثر من اثنين. يصير فيها ثلث الكلالة اثنين من أحد عشر - التاسعة عشر - زوجة وام وأختان فما فوق من الأب أو الأبوين. يصير فيها ربع الزوجة ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وثلث الأم اربعة من خمسة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من خمسة عشر - العشرون - الصورة السابقة مع واحد من كلالة الأمّ. يصير ربع الزوج فيها ثلاثة من سبعة عشر وثلث الأمّ أربعة من سبعة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من سبعة عشر وسدس الكلالة اثنين من سبعة عشر - الحادية والعشرون - الصورة السابقة مع ثان من كلالة الأمّ يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من تسعة عشر وثلث الأم اربعة من تسعة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من تسعة عشر وكل من سدسي الكلالة اثنين من تسعة عشر - الثانية والعشرون - الصورة السابقة ويكون فيها كلالة الأم أكثر من اثنين. يصير ثلثهم فيها أربعة من تسعة عشر.

إذن فعلى القول بالعول وما تقدم من الحساب في الصور المذكورة يصير معنى الثمن المذكور في القرآن للزوجة أو الزوجات واحدا من ثمانية كما في غير مسائل العول وواحدا من تسعة أي تسعا في الصور الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر : ويكون ربع الزوجة واحدا من أربعة في غير العول وواحد من خمسة كما في الصورة التاسعة عشر وثلاثة من سبعة عشر كما في الصورة العشرين وثلاثة من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين والثانية والعشرين. وربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى والثالثة وثلاثة من خمسة عشر كما في الثانية ويكون نصف الزوج واحدا من اثنين في غير العول وثلاثة من سبعة كما في الصورة السادسة والسابعة. وثلاثة من ثمانية كما في الرابعة والخامسة والثامنة والرابعة عشر. وثلاثة من تسعة أي ثلثا كما في التاسعة والعاشرة والخامسة عشر. وثلاثة من عشرة كما في السادسة عشر. وثلاثة من أحد عشر كما في السابعة عشر والثامنة عشر. وتزيد معاني النصف بالنظر إلى نصفي البنت والأخ

٤٨

فيكون أيضا ستة من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى. وثلاثة من ثمانية كما في الرابعة والخامسة والرابعة عشر. وثلاثة من سبعة كما في السادسة فيكون للنصف سبعة معان : ويكون سدس الأب أو الأم أو الواحد من كلالة في غير العول واحدا من ستة. واثنين من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى والثالثة. واثنين من خمسة عشر كما في الثانية. وأربعة من سبعة وعشرين كما في الحادية عشر. وواحدا من سبعة كما في السادسة. وواحدا من ثمانية كما في الرابعة والثامنة. وواحدا من تسعة كما في التاسعة. واربعة من سبعة وعشرين كما في الثانية عشر. وواحدا من عشرة كما في السادسة عشر. وواحدا من أحد عشر كما في السابعة عشر. واثنين من سبعة عشر كما في الصورة العشرين. واثنين من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين. فيكون للسدس اثنا عشر معنى : ويكون الثلث لكلالة الأم واحدا من ثلاثة في غير العول. واثنين من ثمانية كما في الخامسة. واثنين من تسعة كما في العاشرة. وثمانية من سبعة وعشرين كما في الثالثة عشر. واثنين من أحد عشر كما في الثامنة عشر. واربعة من تسعة عشر كما في الثانية والعشرين : ويكون الثلث للأم اثنين من ثمانية كما في الرابعة. واثنين من تسعة كما في الخامسة عشر. واثنين من عشرة كما في السادسة عشر. واثنين من أحد عشر كما في السابعة عشر والثامنة عشر. واربعة من خمسة عشر كما في التاسعة عشر. واربعة من سبعة عشر كما في الصورة العشرين : واربعة من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين والثانية والعشرين. ويكون أيضا باعتبار ثلثي البنات والأخوات له معان أخر فإن الثلثين يكونان ثمانية من خمسة عشر في الصورة الثانية وثمانية من ثلاثة عشر في الثالثة. واربعة من سبعة في السابعة. واربعة من ثمانية في الثامنة. واربعة من تسعة في التاسعة والعاشرة والخامسة عشر. وستة عشر من سبعة وعشرين في الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر. واربعة من عشرة في السادسة عشر والثامنة عشر. وثمانية من خمسة عشر في التاسعة عشر. وثمانية من سبعة عشر في الصورة العشرين. وثمانية من تسعة عشر في الحادية والعشرين والثانية والعشرين. فيكون للثلث باعتبار ثلث الأم وثلث كلالتها وثلثي البنات والأخوات أحد وعشرون معنى.

إذا تحرر هذا فنقول ان الله العليم الخبير والذي أحصى كل شيء علما وعددا لا شك في انه يمتنع على جلاله ان يكون قد جعل الفرائض وهو لا يعلم بما يؤدي إليه تزاحمها كما في فروض مسائل العول. إذن فلم يبق في المسألة إلّا وجهان - أحدهما - ان يكون استعمل

٤٩

ألفاظ الفرائض في معانيها الحقيقة في غير مسائل العول وفي المعاني الكثيرة المتنافرة التي يؤول إليها تقسيم العول كما شرحناه - وثانيهما - ان يكون الشارع في الموارد يتراءى فيها تزاحم الفرائض بحسب الظاهر البدوي من إطلاقها قد قيد بعض مطلقاتها وأخرج بعض مصاديقها منها بحيث لا يحصل التزاحم وأوكل أمر هذه المصاديق إلى عمومات الإرث بالقرابة وآيات الأقربين واولي الأرحام - لكن - الوجه الاول باطل ممتنع في اللغة لأنه يستلزم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معناه الحقيقي ومعان أخر متنافية متشتتة لا جامع بينها كما شرحناه وليس فيما بين كل واحد منها وبين المعنى الحقيقي علاقة تصحح التجوز فانها كلها في مقام التقسيم واناطة الحكم بخصوصيات الكسور فتكون بذلك معاندة ومنافرة للمعنى الحقيقي ومتعاندة ومتنافرة فيما بينها. على انه لا يجوز الجمع في الاستعمال بين الحقيقة والمجاز حتى مع وجود العلاقة ووضوحها كما تحرر في الأصول. ومما يشهد لذلك ان الأوائل القائلين بالعول من الصحابة لم يدعوا أن تزاحم الفرائض صار قرينة على ان الله أراد من ألفاظها ما ذكرناه من تلك المعاني الكثيرة بل جعلوا العول من قبيل الصلح القهري عند اشتباه الحكم الشرعي لأنه لم يتضح لهم من قدم الله ومن أخره كما يعرف من رواية عبيد الله عن ابن عباس. كما يشهد لذلك ان ابن عباس اكتفى في ابطال العول بعلم الله وإحصائه لرمل عالج عددا ولم يخطر في خياله ان الله أراد من اسماء الفرائض تلك المعاني الكثيرة وعلى ذلك يجري تصويب الزهري لقوله واحتجاجه وما ذاك إلّا لأن ما ذكرناه من الامتناع خصوصا في هذا المقام مرتكز في الغريزة مستحكم في الفطرة. هذا ولو تنزلنا وجوزنا الجمع بين كل من المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في استعمال واحد لما كان هذا المقام من واديه ولا يدانيه لما ذكرناه من المعاندة في مقام التقسيم - فان قيل - يمكن ان يكون ألفاظ الفرائض مستعملة في الجامع بين تلك المعاني المتشتتة وهو عنوان الجزء المطلق من التركة وما يشبهه - قلنا - إذا كان المسمى والمعنى هو الجزء المطلق وكانت اسماء الفرائض كالمترادفة فما هي الفائدة فيها والمحصل منها. ولماذا يعطى في كل مورد من موارد العول وغيره جزء مخصوص ومقدار معين - فان قيل - انا نعطي تلك المقادير المخصوصة من باب تزاحم الحقوق المجعولة - قلنا - أولا لماذا تعطون في غير العول مقادير مخصوصة على مقتضى المعاني الحقيقية لألفاظ الفرائض كالنصف والثلث مثلا. وثانيا. إذا كانت اسماء الفرائض اسماء للجزء المطلق لم يكن هناك تزاحم حقوق بل يعطون

٥٠

على التساوي. فلا مناص إذن عما ذكرناه قبلا من ثاني الوجهين وهو التقييد لإطلاق بعض الفرائض التي لا تخرج أسماؤها عن معانيها الحقيقية والرجوع في موردها إلى الإرث بالقرابة. فعلينا البحث في تعيين ما هو خارج عن الإطلاق ويرجع أمر مورده إلى آيات الأقربين واولي الأرحام. فإن أصبناه انحل اشكال التزاحم وإلا وجب التوقف والرجوع إلى الصلح ما بين الورثة في هذه الموارد المشكلة بظاهر التزاحم. بل لو تمحلنا وجوزنا استعمال القرآن الكريم لألفاظ الفرائض على الوجه الأول المخالف للمعنى الحقيقي والراجع إلى الألغاز والمعميات بل الطلاسم لكان الحمل على التقييد هنا هو المتعين لأنه لا تجوز فيه وهو شايع جدا في المحاورات والقرآن الكريم. ومعرفة الخارج عن الإطلاق قريبة من التناول ووجه التقييد واضح كما قاله ابن عباس كما ذكره في كنز العمال ومختصره عن أبي الشيخ في فرائضه والبيهقي في سننه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواه ابن حزم الاندلسي في كتابه المحلى عن إسماعيل القاضي كما رواه المشايخ في الكافي والفقيه والعلل والتهذيب بأسانيدهم عن الفضل بن شاذان عن محمد بن يحيى جميعا عن علي بن عبد الله المدائني(١) ورواه أيضا في التهذيب سماعا واجازة عن ابن عبدون عن أبي طالب الانباري عن أبي بكر الحافظ أحمد بن هوده عن علي بن محمد الحصيني جميعا عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال خرجت انا وزفر بن أوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا. النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث. فقال له زفر يا أبا العباس من أول من أعال الفرائض فقال عمر بن الخطاب لما التقت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا قال ما ادري كيف اصنع. ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص. ثم قال ابن عباس وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة. فقال له زفر وأيهم قدم الله وأيهم أخر. فقال كل فريضة لم يهبطها الله إلّا إلى فريضة فهذا ما قدم وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلّا ما بقي فذلك الذي أخر. فأما التي قدم الله فالزوج له النصف فإذا دخل

__________________

(١) في التقريب ثقة ثبت امام اعلم أهل عصره بالحديث وعلله. إلى غير ذلك من تفخيم ابن عيينة والبخاري والنسائي له

٥١

عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء. والزوجة لها الربع فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء. والأم لها الثلث فإن زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شيء. والذي أخر فريضة الأخوات والبنات النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلّا ما بقي. فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدء بمن قدم فأعطي حقه كاملا فإن بقي شيء كان لمن أخر. فقال زفر فما منعك يا ابن عباس من ان تشير عليه بهذا الرأي قال ابن عباس هبته. قال ابن شهاب والله لو لا انه تقدمه امام عدل أمره إلى الورع لما اختلف على ابن عباس اثنان من أهل العلم إنتهى ورواه الحاكم في الصحيح على شرط البخاري ومسلم بسنده عن علي بن عبد الله المدائني إلى آخر السند المتقدم من قول ابن عباس أول من أعال الفرائض عمر إلى قوله فإن بقي شيء كان له. وفي ذلك محل الغرض من احتجاج ابن عباس فيمن قدم الله ومن أخر وبيان الوجه الذي يعرف منه التقييد لبعض المطلقات. فانه لو دخل ولد ذكر مع البنت أو البنات أو أخ مع الأخت أو الأخوات زلن عن فرضهن ولم يكن لهن مع أخيهن إلّا ما بقي. بل لو كان في مقامهن ولد أو أولاد أو أخ أو اخوة لم يكن لهم إلّا ما بقي. فيكشف ذلك عن ان هذا هو الشأن المشروع في مقام هذه الوراثة. وعلى ذلك جرى ما رواه المشايخ الثلاثة في الكافي والفقيه والتهذيب في الصحيح عن الباقر (ع) قال كان علي (ع) يقول ان الذي احصى رمل عالج يعلم ان السهام لا تعول على ستة. لو يبصرون وجهها لم تجز ستة إنتهى يعني (ع) ان كل فريضة تعطى مثل مخرجها وهو ما بنسبتها من الستة فصاحبة الثمن تعطى ثلاثة أرباع الواحد من الستة. وصاحب الربع يعطى واحدا ونصفا من الستة(١) ومراده (ع) من وجهها هو ما ذكرناه من التقييد للإطلاق في فرائض البنت والبنات والاخت والأخوات في صور التزاحم : وروى الشيخ في التهذيب عن ابن عبدون عن أبي طالب الانباري عن الحسن بن محمد بن أيوب عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكر عن شعبة عن سماك عن ابى عبيدة السلماني قال كان علي (ع) على المنبر فقام إليه رجل فقال يا امير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبوين وزوجة فقال (ع) صار ثمنها تسعا قال سماك فقلت لعبيدة وكيف ذلك

__________________

(١) لكنا في صور التقسيم السابق حذرا من الكسور جعلنا المخرج لما فيه الثمن اربعة وعشرين ليكون الثمن ثلاثة بلا كسر. ولما فيه الربع اثني عشرة ليكون الربع ثلاثة بلا كسر

٥٢

قال ان عمر بن الخطاب وقعت في إمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع فقال له اصحاب محمد (ص) أعط هؤلاء فريضتهم للأبوين السدسان وللزوجة الثمن وللبنتين ما يبقى فقال واين فريضتهما الثلثان فقال علي (ع) لهما ما يبقى فأبي ذلك عليه عمر وابن مسعود قال أبو عبيدة واخبرني جماعة من اصحاب علي (ع) بعد ذلك في مثلها انه اعطى الزوج الربع مع البنتين وللأبوين السدس والباقي رد على البنتين وذلك هو الحق وان أباه قومنا إنتهى ومن الواضح ان قوله (ع) صار ثمنها تسعا خارج مخرج الإنكار والتألم من قسمة العول وهو ان الذي سماه الله ثمنا كيف يكون تسعا وكيف يطلق لفظ الثمن في استعمال واحد على جزء من ثمانية وعلى جزء من تسعة : هذا واما الأحاديث الواردة في بطلان العول ودخول النقص على البنات والأخوات عن الأئمة من أهل البيت علي والباقر والصادق والرضاعليهم‌السلام فهي كثيرة تناهز التواتر أكثرها من الصحيح وعلى مقتضاها اجماع الإمامية ومذهب ابن عباس ومحمد بن الحنفية وحكاه المرتضى في الإنتصار عن عطا بن رياح وداود بن علي الاصفهاني. وفي المحلى لابن حزم قال به أبو سليمان وجميع أصحابه يعني داود إنتهى وذهب إليه الناصر جد المرتضى في الناصريات واختاره ابن حزم في المحلى.

احتجوا للقول بالعول بوجوه - الأول - انه لا بد من النقص عند تزاحم الفرائض. ودخوله على بعض دون بعض ترجيح من دون مرجح ومقتضى العدل هو إدخاله على الجميع - ويدفعه - ان المقام مقام جعل وتشريع واتباع الشرع في القسمة وقد أوضحنا انه يمتنع ان يكون في أدلة التشريع ولفظه ما يراد منه دخول النقص على الجميع. اذن فإدخال النقص على الجميع تحكم باطل على الشرع لأعدل. خصوصا إذا علمنا انه لا بد فيه من التقييد لبعض المطلقات. واما إدخال النقص على البعض فانما هو لترجيح الدليل وتعيينه كما قدمناه عن ابن عباس وما جاء عن أهل البيت (ع) وإجماع الإمامية - الثاني - القياس على الحكم بالتقسيط فيما اوصى الإنسان بوصية نافذة بنصف الألف لزيد ونصفها لعمرو وثلثها لبكر مثلا - ويدفعه - أولا بطلان القياس من أصله. وثانيا. انه قياس مع الفارق فانا إذا لم نجد في هذه الوصية قرينة على العدول أو التقييد كان قرينة ارادة الموصي بلفظي النصف والثلث مجازا بنحو اللغز هو الجزء الناتج من التقسيط على نسبة المعاني الحقيقية. وليس في هذا ما يستلزم الممتنع من الجمع

٥٣

في الاستعمال الواحد بين المعنى الحقيقي والمعاني المتعددة المتنافية المتباينة وهذا إذا جاز من الناس لا نجوز مثله من القرآن الكريم فضلا عن ان محل الكلام في العول يستلزم امرا ممتنعا في اللغة وهو الجمع بين المعنى الحقيقي والمعاني المتباينة المتنافرة كما شرحناه ولو تمحلنا وجوزناه على الناس في هذل الاحاجي والالغاز لما جاز على مجد القرآن الكريم في البيان لتمييز السهام - من وجوه القياس - ان المال إذا قصر عن ديون الغرماء يوزع عليهم على نسبة ديونهم - ويدفعه - مع انه قياس ان الفارق جلي. فإن قصور المال لا ينافي ثبوت الدين في الذمة بمقاديره الحقيقية ولم يكن ثبوته مبتنيا على استعمال ممتنع في اللفظ الواحد. وان توزيع المال على الدين لم يكن في حال يئول إلى العلم الإجمالي فضلا عن التفصيلي بالتقييد وخروج البعض من افراد الدين عن الإطلاق الذي في دليل ثبوته واستحقاقه. فما هذا القياس إلّا من نحو قياس الضد على ضده في جهة المضادة - الثالث - رواية القول بالعول عن علي (ع) في رواية عبيدة السلماني بقوله (ع) صار ثمنها تسعا - ويدفعه - ما ذكرناه من ظهوره في نفسه في خروجه مخرج الإنكار فضلا عما ذكرناه من تتمة الرواية عن عبيدة وفضلا عن المعلوم المنقول عن أئمة أهل البيت وغيرهم من انه (ع) كان ينكر على القول بالعول - الرابع - النقض على الحل لمسئلة التزاحم بتقييد بعض المطلقات وتقديم من قدمه الله وتأخير من اخره وإدخال النقص على البنات أو الأخوات من الأب أو الأبوين وذلك بما إذا كان التزاحم في فرائض من قدمه الله كما إذا كان الوراث زوجا واما واثنين من كلالة الأم أو اكثر فإن المال لا ينقسم على نصف وثلث وسدسين. وكذا إذا كان مع هؤلاء اخت أو اختان من كلالة الأب أو الأبوين فإن المال يضيق وان أخرجنا هذه الكلالة من الميراث بالمرة - ويدفعه - ان هاتين الصورتين ممتنعتين في المواريث بحسب ما تقيمه الشيعة من الأدلة على ان الكلالة بقسميها لا ترث مع الأم كما مر بعضه. فلا نقض بما ذكروه ولا تشبث

(الأمر التاسع) ارث الزوج والزوجة في عقد المتعة فإنه خارج عن اطلاق ارث الزوجين على المشهور عند الإمامية وعليه حديثهم الدال على تقييد الإطلاق

(الأمر العاشر) خروج الرباع مطلقا والشجر والبناء عينا لا قيمة عن ارث الزوجة غير ذات الولد بإجماع الإمامية وحديثهم وفي ذات الولد خلاف

(الأمر الحادي عشر) - الحبوة - وهي لباس الميت وخاتمه ومصحفه وسيفه فان

٥٤

(١٣)تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٤)وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٥)وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ

____________________________________

المشهور عند الامامية انها حبوة يختص بها الأكبر من أولاده الذكور الصلبيين أو المنفرد وعلى ذلك حديثهم. وقيل انها على الاستحباب لتشكيك القائلين به في استفادة الوجوب والاستحقاق من الأحاديث -

هذا وأما الكلام في مواريث الأجداد والجدات وأبناء الاخوان والأخوات. والأعمام والأخوال وأبنائهم من اولي الأرحام والأقربين وكذا ميراث الولاء فهو موكول إلى علم الفقه وكتبه ١٣( تِلْكَ ) أي ما ذكر من احكام المواريث( حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) في العمل بهذه الأحكام على حدودها وما جاء في السنة في بيانها تفسيرا أو تخصيصا أو تقييدا( يُدْخِلْهُ ) الله( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) حال كون المطيعين( خالِدِينَ ) وجرى الجمع على معنى «من» الموصولة( فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١٤وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ) المذكورة( يُدْخِلْهُ ) الله( ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ ) فوق ذلك( عَذابٌ مُهِينٌ ) وجرى افراد الضمائر على لفظ الموصول ١٥( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ) أي يفعلنها فجاءت الكناية عن الفعل بالإتيان كما جاءت الكناية عن الفعل بالقرب في قوله تعالى الانعام ١٥١( وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ) وفي سورة الاسراء ٣٢( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) والإتيان والقرب على معانيها الحقيقية والغرض منها الفعل ونحوه بالمعنى الكنائي فهي مثل قوله تعالى في سورتي الأعراف ٧٩ والنمل ٤٥( أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ) وفي سورة العنكبوت ٢٨( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ) ٢٩( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) وقد التفت الرازي في تفسيره إلى دلالة هذه الكنايات على ان فاعل الفاحشة هو الذي فعلها بإرادته وذهب إليها من عند نفسه وأتاها بقصده. واختارها بمجرد طبعه. أي غير مجبور على ذلك بوجه من الوجوه التي يلتجأ فيها إلى فرض الكسب. ولكنه قال لا يتم ذلك إلّا على قول المعتزلة. ويا ليته أصاب المرمى فقال وهذا مما يدل على قول المعتزلة في عدم الجبر. والفاحشة اسم للفعل القبيح والمراد منه في الآية بحسب المعهود ومناسبة المقام هو الزنا. وحكي

٥٥

مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا

____________________________________

عن أبي مسلم الاصفهاني من الجمهور وحكاه الرازي أيضا عن مجاهد ان الفاحشة هنا هي مساحقة النساء وفي قوله تعالى( وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ) هو اللواط. وذكر الرازي وجوه رده والدفع عنه بلا تصريح منه بترجيحه ورجحه صاحب المنار وحكى الترجيح عن استاذه بما لا يخرج عما ذكره الرازي وأيده الاردبيلي في زبدة البيان بنحو ذلك. والكل تخرص سقيم لا يجدي. فقد روي من عدا البخاري من اصحاب الجوامع الست وذكر في الدّر المنثور من غيرهم اثنى عشر ممن أخرجه من كبار المحدّثين عن عبادة ابن الصامت في حديث ان رسول الله (ص) اوحي إليه ولما سوى عنه الوحي قال (ص) خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة. واخرج أحمد عن سلمة ابن المحيق عن رسول الله نحو ذلك. وروى في الكافي بسنده عن الباقر (ع) ما ملخصه ان كل سورة النور نزلت بعد سورة النساء قال الله تعالى :( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ) إلى قوله تعالى( سَبِيلاً ) فالسبيل الذي قال الله( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) . وفي تفسير البرهان عن العياشي عن جابر عن الباقر جعل السبيل الرجم أو الجلد. ورواه الجزائري في القلائد عن العياشي عن أبي بصير عن الصادق (ع) وفي مجمع البيان ان النسخ أي بآية النور وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله. وفي الوسائل في رسالة المحكم والمتشابه للمرتضى نقلا من تفسير النعماني باسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق (ع) عن آبائه عن امير المؤمنينعليه‌السلام في حديث ذكر فيه احكام هذه الآية إلى ان قال فلما قوي الإسلام انزل الله( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) فنسخت هذه الآية الحبس والأذى الحديث. وأما القول بأن السبيل هو التزويج والاستغناء بالحلال فقد قال في التبيان انه باطل بالإجماع( مِنْ نِسائِكُمْ ) أي من نساء المؤمنين وإن كان الحكم عاما وذلك لأن المؤمنين حينئذ هم الذين يتلقون احكام الشريعة بالإجراء فحسن لذلك خطابهم بالحكم العام. ودعوى ان المراد نساء الأزواج يبطلها ما ذكرنا روايته من الفريقين من حكم غير المحصنة في الجلد( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً ) من الرجال( مِنْكُمْ ) أي من المسلمين وذلك لأجل اجراء الحكم عليهن أي اطلبوا شهادتهم والظاهر انها على نمط الدعاوي في إقامتها عند الحاكم( فَإِنْ شَهِدُوا ) وثبت الأمر

٥٦

فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٦)وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٧)إنّما التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ

____________________________________

( فَأَمْسِكُوهُنَ ) حبسا( فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ ) أي يأخذهن ويستوفيهن( الْمَوْتُ ) وقد تكلف في الكشّاف وتبعه الرازي إذ قدرا حتى يميتهن ملائكة الموت. وقد قدمنا الكلام في معنى التوفي في الجزء الأول ص ٣٣ - ٣٧( أَوْ يَجْعَلَ اللهُ ) ويشرع( لَهُنَّ سَبِيلاً ) من غير شريعة الحبس مما هو مؤدب ومقاوم لمادة فساد الزنا. وقد جرى الأمر في كلتا الشريعتين على حكمة التشريع من حيث المسايرة في أول الأمر مع الناس فيما يألفونه في مقام المحافظة على ناموس العفة وان كان غير واف بالمصلحة المطلوبة في هذا المقام حتى إذا استحكم أمر الدين وساد الخضوع للشريعة شرع الحكم الموافق للمصلحة العامة ونظام الاجتماع كما نطقت به رواية النعماني واشارت إليه الغاية في الآية الكريمة. هذا في مقام صون المرأة عن معاودة الزنا وأما ما يعود إلى مقام الردع والتأديب في أول التشريع فهو ما قاله جل شأنه ١٦( وَالَّذانِ ) أي الزاني والزانية( يَأْتِيانِها ) أي فاحشة الزنا( مِنْكُمْ ) باعتبار تلقي المسلمين لأحكام الشريعة حينئذ وان كان عاما أو لعلم الله بأن هذه الشريعة قبل نسخها لا يتيسر للمسلمين إجراؤها على غيرهم( فَآذُوهُما ) بما يعتاد بينكم نوعا من الإيذاء في مقام الردع عن الزنا من التوبيخ والضرب ونحو ذلك( فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا ) أعمالهما ليكون ذلك إمارة على التوبة الحقيقية( فَأَعْرِضُوا عَنْهُما ) من حيث الإيذاء. ولا يتقيد الاعراض بتوبتهما معا. بل يعرض عن الإيذاء لمن عرفت توبته منهما بإصلاح عمله. كما تقتضيه حكمة التوبة( إِنَّ اللهَ كانَ ) من الأزل وإلى الأبد( تَوَّاباً ) على التائبين( رَحِيماً ) بعباده لا يريد إلّا صلاحهم. ولكن لا يغتر المغترون باسم التوبة الجارية على حكمة الرحمة والإصلاح والاستصلاح بل التوبة حقيقة هي التي تجري عليها رحمة الله وحكمته. فما كل من قال تبت تاب الله عليه كما كتب بلطفه وغناه على نفسه الرحمة بل ١٧( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ ) بمقتضى رحمته ولطفه وحكمته( لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) منهم. وذكرت الجهالة للتوضيح والتوبيخ فان كل عمل للسوء إنّما يكون بجهالة وعمى ولو أبصر الإنسان وجه رشده وعرف ببصيرته ما فيه صلاحه لما عمل السوء ولما استولت عليه النفس الأمارة وغواية

٥٧

ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٨)وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٩)يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً

____________________________________

إبليس بفلتات الشهوة والغضب والتعصيب الذميم وسوء الأخلاق وحب العاجل والتغاضي عن وباله أعاذنا الله من ذلك وأعاننا على أنفسنا بلطفه وتوفيقه( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ ) عهد( قَرِيبٍ ) بالنسبة إلى ما كانوا يرونه بعيدا من حضور آجالهم وانقطاع آمالهم من زهرة الحياة الدنيا وحينما تموت شهواتهم وتسقط دواعي المعصية كما قال بعضهم لما سئل عن الزنا عند ضعفه بالهرم «تركني وما تركته» بل التوبة إنّما هي في الحال التي يراغمون بها نزعات النفس الأمارة وغواية إبليس وينيبون إلى الله إقلاعا عن المعصية وندما على ما فرطوا فيه ورغبة في الأعمال الصالحة في حالهم ومستقبلهم وطلبا لكمالهم واندماجهم في زمرة عباد الله الصالحين بنزوعهم إلى حقيقة التوبة وشوقهم إلى رضاء الله عنهم ، وعفوه عما سلف منهم مما عرفوا قبحه وندموا على ارتكابه. فما كل مظهر للتوبة تائب ولا كل تارك للقبيح نادم. بل كما قيل: -

إذا انبجست دموع من عيون

تبين من بكى ممن تباكى

أو ليس من حقيقة التوبة ان يخرج التائب جهد مقدوره مما لزمه في معاصيه السابقة من حقوق الناس وحقوق الله ويستشعر قلبه التوبة والندم( فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ ) لأنهم تابوا على حقيقة التوبة( وَكانَ اللهُ ) منذ الأزل ، ولا يزال( عَلِيماً ) بمن تاب حق التوبة ومن تظاهر بصورتها المموّهة( حَكِيماً ) في دعوته إلى التوبة ووعده بأن يتوب على من أناب إليه وهو ارحم الراحمين ١٨( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ ) التي قد أعدتها الحكمة في الإصلاح والرحمة( لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ) مصرين عليها بجرأتهم على الله ومتمادين في غيهم( حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) وانقطعت عنه دواعي الهوى والضلال( قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ ) بما عصوا( عَذاباً أَلِيماً ١٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله ورسوله ودانوا باتباع شريعة الله( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ ) وتعدوهن ارثا لكم كما ترثون الأموال وتتسلطون عليهن بدعوى انتقال حق الزوجية إليكم بالوراثة( كَرْهاً ) بفتح الكاف اكراها لهن بدون

٥٨

وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ

____________________________________

تزوج جديد برضاهن. «وكرها» نائب عن المفعول المطلق المستفاد من «ترثوا» بمعنى التسلط عليهم بزعم الإرث كرها. في تفسير القمّي من رواية أبي الجارود عن الباقر (ع) كان في قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة القى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها يرث نكاحها كما يرث ماله وأن الآية نزلت في هذا الشأن. وفي الدّر المنثور مما أخرجه البخاري وغيره من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه وزاد ان شاء بعضهم تزوجها وان شاؤوا زوجوها وان شاؤا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها إنتهى وهذه الزيادة لا تنطبق على الآية فان هذا المعنى لم يكن للزوج ولا يورث منه وان كان ذلك للأهل في بدع الجاهلية ومما أخرجه أبو داود من طريق عكرمة أيضا عن ابن عباس كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو تؤدي إليه صداقها إنتهى وفي اقتصار الرواية على العضل مخالفة لجميع الروايات وخروج مغزى الآية. ومما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس أيضا كان الرجل إذا مات وترك جارية القى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فان كانت جميلة تزوجها وان كانت ذميمة حبسها حتى تموت فيرثها وهي قوله ولا تعضلوهن الآية وقال يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدي إنتهى وفي هذه الرواية من التدافع ما لا يخفى. فالروايات عن ابن عباس مع كونها متعارضة بعيدة المجرى على سياق الآية الكريمة خصوصا إذا ضممناها إلى سائر ما رواه في الدّر المنثور هنا( وَلا تَعْضُلُوهُنَ ) أي لا تعضلوا نسائكم لا الموروثات كرها وذلك لعدم المناسبة فيما يأتي من احكام الآية للموروثات وكذا قوله تعالى( لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ ) من الصداق فإن وارث النكاح بتشريع الجاهلية لم يؤتها شيئا. والقرآن الكريم في مقام نهيه وكرامة حكمته لا يسمي إيتاء اقربائهم للصداق إيتاء منهم فيثير منهم غبار المغالطات في بدعتهم. ولو تنزلنا فما ذا يقال في قوله تعالى( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) فهل يأمر الله بمعاشرة موروثة النكاح ببدعة الجاهلية. وعضل المرأة هنا حبس الزوج لها على نكاحه ، والتضييق عليها عند كراهته لها لتفتدي منه ببعض ما أتاها من الصداق ، ليطلقها. وقد بقي عند الأوباش بقية من هذه العادة الوخيمة فنهى الله تعالى عن هذا الظلم. نعم إذا كانت الكراهة منها لا من الزوج جاز

٥٩

إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (٢٠)وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً

____________________________________

ان يقبل الزوج منها الفداء من دون عضل كما مر في الخلع في الجزء الاول ص ٢٠٦ ، واما هنا فقد استثنى من حرمة العضل وأخذ شيء منهن بقوله تعالى( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) بكسر الياء المثناة أي موضحة لفحشائها وفي تفسير البرهان عن الشيباني ان الفاحشة هي الزنا وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وفي مختصر التبيان والاولى حملها على كل معصية وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر (ع) أقول ولم اعثر على شيء من الروايتين لكن صدق الفاحشة على الزنا هو المتيقن في المقام ومن المعاصي ما لا يسمى فاحشة والإطلاق إنّما يجري مع صدق اسمها وشمولها لمحض النشوز بعيد أو للمساحقة والتهتك في التبرج وقول الفحش قريب في المقام. والمرجع في موارد الشك هو عموم هذا النهي عن العضل وهذا الأخذ لان الشبهة في الخاص مفهومية( وَعاشِرُوهُنَ ) أي غير من استثني عضلها من الزوجات( بِالْمَعْرُوفِ ) وهو معروف( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ ) لبعض الأمور من خلقتهن وغير ذلك فحاسبوا أنفسكم في هذه الكراهة فربما تزول إذا جوزتم ان يكون في هذه المرأة خير يهون عنده ما كرهتموها لأجله بأن يجعل الله فيها الخير ويبارك في نسلها ويبارك لكم بسببها( فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) يرغب فيه ويرغب في ذلك الشيء لأجل رجائه فيه. فأمسكوا من جماح نفوسكم في الكراهة وروضوها على الأخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة مع المؤمنات وتفكروا في عواقب الأمور فكم شوهد من مبغوضات النساء من صار منهن النسل الطيب النافع ومن كانت هي المواسية والنافعة عند الشدائد والمرض والشيخوخة نفعا لا يوازيه شيء من احسان الرجل في الرفاهية وكم وكم ينعكس الأمر في المحبوبات - وهناك أيضا مورد يدعو الإنسان لأن يحمل زوجته بأنواع الوسائل على ان ترد عليه شيئا مما أعطاها من المهر. وذلك إذا أراد ان يطلقها ليستبدل بها زوجة أخرى فقال جل شأنه في الزجر عن ذلك والتوبيخ عليه ٢٠( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) مبالغة في كثرة ما يعطى على خلاف العادة لأجل التأكيد في الزجر لئلا يقال بقي عندها الشيء

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135