هوية التشيع

هوية التشيع25%

هوية التشيع مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 237

هوية التشيع
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39468 / تحميل: 7755
الحجم الحجم الحجم
هوية التشيع

هوية التشيع

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هُويَّةُ التَشَيُّع

الدكتور أحمد الوائلي

الطبعة الجديدة مُنَقّحَة ومَزيدة

مؤسَسَة دارِ الكتاب الإسلامي

١

٢

مُقدّمة الطَبعَة الثانية ‌

بِسمِ الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله الأطهار، وصحبه الأبرار، ومَن تبعهم بإحسان وبعد:

لقد كان لهذا الكُتيِّب على وجازته، صدى استحسان في نفوس القُرّاء، وذلك للمنهج الذي اختطّه هذا الكتاب أكثر مِنه للكتاب نفسه، لوضوح أنّ مضمون الكتاب ليس مِن الضخامة بحيث يُشكّل رقماً فريداً، بل هو بضعة وُريقات ربما أُحسن فيها التعبير، وحُسن الاختيار، والالتفات لمواطن ذات وقع خاصٍّ بالنفوس، ذلك مضافاً للمنهج، وكان مِن المؤشّرات على إقبال القرّاء عليه نفاذ نُسَخ الطبعة سريعاً، مع أنّنا لم ننوّه عَنه في صحيفة أو دعاية، بل طُرِحَ في السوق بصورة عاديّة.

إنّ هذه الظاهرة تشجّعنا على الكتابة في أمثال هذا الموضوع، مِمّا هو مَحلّ أخذ وردّ بين فِرَق المُسلِمينَ، لا لزيادة الركام بل لصهره حتّى يذوب، على أن يكون مِن وراء الكتابة في هذه المواضيع روح مؤمن يَنشد وجه الله تعالى، ويتوخّى إزالة الضباب عن طريق المعالِم المُشتركة بين المُسلِمينَ، في مُختلف أبعاد الحضارة الإسلاميّة، مِمّا هو في حُكمٍ شرعيٍّ، أو عقيدة إسلاميّة، أو تاريخ مُسَلَّم، ولعلَّ مِن نافلة القول أن نُنوّه بأنّ ثمرات الأقلام النظيفة، مِن الوسائل الناجعة لخدمة المُسلِمينَ، ومِن الطُرق الصحيحة لتِفاهُم المُسلِمينَ.

هذا بالإضافة إلى أنّ ذلك يقطع الطريق على الأقلام المأجورة، التي ترتزق

٣

بإشعال النار وبثِّ الألغام في المجتمع المُسلِم، مِمّا نراه عند كثير مِن المأجورين بين آونة وأُخرى، حيث يزيد ذلك مِن قناعتنا بأنّ وراء ذلك أصابع تقليديّة ما برحت تُمارس لُعبتها الخبيثة كلّما سنحت لها الفرص.

وأُكرّر ما سبق أن أشرت إليه في الطبعة الأولى، عن وجود شيء مِن التشنُّج في التعبير، مِمّا قد يُعتبر كاشفاً عن ضغنٍ، أو حقدٍ - معاذ الله - في حين لا يعدو أن يكون غًضبة إيمانيّة مِن روح حسّاس، إزاء كلّ ما يمسُّ وحدة المُسلِمينَ، وقد يُبَرِّره تصوّر بفاعليّة هذا الأسلوب مِن غيره.

ولمّا كان الكمال لله وحده، والإِنسان محلُّ النقص، كانت محاولة الازدياد في التكامُل مِن الأُمور المحبوبة. ومِن هذا المنطق قُمتُ بشيء مِن التهذيب والإضافات التي أراها مُتَمِّمة لمواضيع الكتاب. وأمَلي بالقارئ الكريم أن يرى في الكتاب صورة مِن صور النقد الموضوعي البنّاء. وصرخةً في وجه بعض هواة الشتائِم، الّذين ينبزون غيرهم بأمرٍ هو عندهم، قبل كونه عند خصومهم، ولكنّ الهَوى يُعمي ويصمّ.

وما أروع ما قيل مِن أنّ شخصاً قيل له: لماذا تبدّلون حَرفُ الذال بالزاي، والقاف بالغين في نُطقكم؟. فقال: كلاّ (نحن لا نغول زلك).

وفي نهاية هذه السطور أدعو القارئ الكريم أن يوجّهني بالتنبيه على ما في الكتاب مِن عيب، أو شطحات، فالمؤمن مرآة المؤمن.

هدانا الله لِما يحبُّ ويرضى والحمد لله أوّلاً وآخِراً.

المؤلّف

٤

مُقدّمةُ الطَبعَةِ الأُولى ‌

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم

والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، وصحبه المُنتَجَبين وبعد:

هناك أُمورٌ لا غنىً لقارئ هذا الكتاب عن الإلمام بها، قبل الدّخول في صُلب الموضوع؛ لأنّها تتضمّن الإجابة لِما قد يَعنّ للقارئ مِن سؤال خلال قراءته للكتاب، كما أنّها ستجعل القارئ يفهم الكتاب في حدود عناوينه؛ لئلاّ يكبر العنوان على المعنون أو العكس. وتتلخّص هذه الأُمور في الآتي:

١ - قد يتبادر إلى ذهن القارئ مِن عنوان الكتاب - هُويّة التَشَيُّع - أنّ الكتاب سيبحث كلّ ما للتشيُّع مِن سِمات وخَواصٍّ، سواء كانت مِن المقوّمات، أو مِن السِمات التي أُضيفت إليه.

ولكي أُبعِد القارئ عن هذا التصوّر، أُلفِتُ نظره إلى أنّي لم أستوعبْ كلّ ما للتشيُّع مِن نُعوت وصفات، إنّما تعرَّضتُ هُنا لأُمور تكفي لإيضاح هُويّة التَشَيُّع، وفي الوقت ذاته يدور حولها نزاع بين مُختلف الفِرَق الإسلاميّة مِن جانب، وبين الإماميّة مِن فِرق المُسلِمينَ. وما يزال الجَدَل يَحتدم حولها بِرغم ما كُتِبَ حولها، وبرغم إشباعها بالبحث مُنذ أزمنة طويلة، وهي تتناول مِن التَشَيُّع جوانب عِرقيّة وجوانب فكريّة.

٢ - وعلى وجه القطع هُناك كثيرون كتبوا في موضوع الشيعة والتَشَيُّع كُتُباً أكثر عُمقاً، وأوفى استيعاباً، وأطول نفساً مِمّا كُتِب هُنا، ولكنّي أتصوَّر أنّي عالجتها هُنا بنمط وأسلوب يختلف عن الأنماط الأُخرى، ولستُ أُريد أن أُفضّل هذا النَمط

٥

الذي اخترته على الأنماط الأُخرى، ولكنّي أعتقد أنّه أوصل إلى نفس القارئ مِن غيره، فإن كان ذلك هو الواقع فَهو المطلوب، وإلاّ فلَستُ بأوّل مَن اجتهد وأخطأ، وما أكثرهم على امتداد تاريخنا.

٣ - وسَيَجِدُ القارئ في ثنايا هذا الكتاب بعض الالتهابات التي سبّبتها الجروح المُزمنة في تاريخ المُسلِمينَ، وسَيَجد ما يتبع الالتهابات مِن ألَمٍ وتشنُّج، مِمّا هو ظاهرةٌ طبعيّةٌ لا طبيعيّة يسبِّبها إفلات الزمام أحياناً، بالرغم مِن ترويض الأعصاب وقسرها على التَحمّل، وكلّ مَن مارس الكِتابة في أمثال هذه المواضيع يعلم مقدار الحَرَج والمشقَّة في ضبط الأعصاب هُنا، لِما يَرى - ومع الأسف الشديد - مِن مُناولات بين فِرَق المُسلِمينَ، فيها كثير مِن عدم الموضوعيّة، وفُقدان الشُعور بمسؤوليّة الكلمة وأهميّتها، الأمر الذي تكوّنَ معه على مرِّ الأّيام خَزين وركام مِن التَرِكة الخَطِرة، والوباء الأسود، الذي يَعمد بين الآونة والأخرى جَماعة مِمَّن هُم ليسوا ببعيدين عن الشُبهات إلى إثارته، والاصطياد خلال أجوائه المُظلمة، وسوف يَبقى هذا الوضع خَطِراً ما دام هذا الرُكام موجوداً بمُتناول أيدينا، دون أن نعمل على تصفيته، وتسليط الأضواء عليه، وتَعريتهِ تَعريةً كاملةً؛ لنصل إلى رأيٍ في وجوده وآثاره.

وأعود لأقول: إنّ ضبط الأعصاب في مِثل هذا الموقف أمرٌ ليس بالهيِّن؛ بداهة أنّ الإِنسان مُسيّر بأموره النفسيّة، أكثر مِمّا هو مُسيّر بأموره العقليّة، إلاّ مَن عَصِمه الْخُلُق، وهذَّبه الدين، والله المسؤول أن يجعلنا مِنهم.

٤ - وقد يقول قائل: إنّه مع ما ذكرتَ آنفاً، فما هي جدوى الكتابة في أمثال هذه المواضيع؟ ونحن نجد إصراراً عَجيباً على طرحها كلّ مرّة، كما هي كأنّها لم تُعالَج، ولم يَكثُر حولها الأخذ والردُّ، ولم تُحصَل الإجابة على مضامينها في أكثر مِن مورد ومورد.

إنّ هذه الوضعيّة تكادُ تَجعلُ الإِنسان يقتنع بعدم جدوى علاج أمثال هذه الأُمور، ويحرص على الوقت مِن أن يُهدر في أمثال هذه الميادين.

وللإجابة على ذلك أقول: إنّ افتراض أنّ الباب موصدٌ في وجه

٦

الإصلاح، هو انهزاميّة أمام التحدّي، وما كانت الفتوح في أيّ ميدان، إلاّ مُقابلة التحدّي بِمِثله.

إنّ الباحثين عن الواقع لم يَخلُ مِنهم عصر مِن العصور، وإنّ الّذين غلبت عليهم شُبهاتٍ تاهوا فيها ليسوا بالقليلين، وتركُ أمثال هذين بدون التعاون معهما، أمرٌ ليس مِمّا يَستَسيغُهُ مَن يحمل رسالة في دفع الحياة إلى الأفضل، كما أنّه ليس مِن الدين في شيء.

إنّ تمكين الأقلام المشبوهة مِن نُفوس المُسلِمينَ وأفكارهم لِتَتَّخذ مِنها فَرائس، هو إسهام بشكل وآخر مع تلك الأقلام فيما تَجتَرِحَه مِن إثمّ.

إنّنا مدعوّون لكنس هذا الرُكام عن طريق المُسلِمينَ؛ حتّى يكون الدرب سَمِحاً لاحِباً أمام خُطاهُم. وكلّ نتائج تُحرز في هذا الميدان هي فَتح، وانسجام مع دعوة الإِسلام للجهاد بالقَلَم والفِكر، وليس من المنطق في شيء أن نترك المَريض يُصارع الداء، بدون أن نُعطيه جُرعة دواء، ونحن نملك القُدرة فيما نظنُّ على ذلك.

وكم مِن إِنسان عاش دهراً طويلاً فريسةً لِعجزٍ أو عصبيّةٍ، ثمّ رجع إلى الموضوعيّة نتيجة إلحاح الأقلام على تنقية الأجواء، خصوصاً إذا استطاعت الأقلام أن تُسافر بِنا عَبر دُنيانا إلى فَجرنا الأصيل، الذي شعَّ بالتسامح، ورفَّت فيه نَسائم مِن نقاء الروح، وطَهر الضمير، وطُبِعَت الحياة فيه على مِزاج الإِسلام الطَهور.

٥ - وما يُهوّن الخطب أنّ مَوَاطِن الخلاف بين فِرَقِ المُسلِمينَ، مُنذ كانت لم تصل إلى الأُصول، وإنّما هي في نِطاق الفُروع، وإن حاول كثير مِنهم أن يوصلها إلى الأُصول، عن طريق عناوين ثانويّة، ولوازم تُحاول الدُخول مِن أبواب خلفيّة. لكنّها وبشيءٍ مِن التأمُّل والتحليل، تَرتَدُّ عن الأُصول إلى الفُروع، وما دام الإِسلام في روحه الكريمة، يفترض الصحّة في فِعل المُسلِم ابتداءً، فعلينا مُعالجة هذه الأُمور بوحيٍ مِن هذه الروح.

وما دامت العقولُ متفاوتة، والمداركُ مُختلفة، فَمِن المنطق أن نقول: إنّ الاختلاف في مَسائل الفِكر سُنَةُ الكَون، وسجيّة النُفوس، وخاصّة العقول، وإنّما يَحمِل على نسيان هذه الحقائق الأُفُق الضيِّق، والعصبيّة الرَعناء، والتسرّع في الاندفاع، وما أجدرنا بالابتعاد عنها.

٧

٦ - ولمّا كانت مواضيع الكِتاب ومَسائله مُختَلِفَة، فسوف لا يَجد القارئ وَحدة في الموضوع، وتَبعاً لذلك فَسَيَختَلف أُسلوب المُعالجة، ونَمَط التناول، والمزاج الذي يُمليه الموقف. مع إدراكنا أنّ هذه المسائل يَجمعها عُنوان العقائد، ولكنّ أجزاء هذا العنوان متنوِّعة. ونحن نُدرِك أنّ تسمية كثير مِمّا يَحمله الإِنسان المُسلِم ويَنتحِله عقيدة فيه كثير مِن التَجوّز، فقد لا يَعتقد ولا يُدين بما يَحمله مِن أفكار أحياناً، وإنّما هو مُجرّد شِعار تُمليه مَصلحة، أو تُحَتِّمه عصبيّة، أو تَفرضه تَقاليد دُرج عليها الإِنسان.

وهذا هو سرُّ تَمسُّك بعض الناسِ بأفكارٍ يَعلمُ بُطلانها سَلَفَاً، ولكنّه التَمَذهُب الإيديولوجي الناتج مِن مُختلفِ الأسباب، والذي هو مِن مصائبنا التي نرجو أن يُعافينا الله مِنها.

٧ - وكلّ الذي أرجوه مِن القارئ، أن لا يُسَمّي بعضَ معالجاتِ هذا الكتابِ دعوةً للطائفيّةِ، عن طريقِ الدعوةِ إلى تَركِ الطائفيّةِ مِمّا هو مِن قبيل المُصادرة على المطلوب؛ وذلك لأنّ منطقَ المُقارعةِ أحياناً مِن طرقِ تصحيحِ المسارِ، فإنّ مِبضَعَ الجَرّاح لا يُريدُ الانتقامَ وإن سَبَّبَ ألَماً، وإنّ وضعَ السيفِ أمامَ السيفِ، قد لا يكونُ دعوةً إلى القتالِ، بل دعوةً إلى تركِه، وإنّ الحَمل على باب شرب الدواء ليس عن بُغض وإن كان الدواء مُرّاً.

وستبقى الأهداف دائماً وراء الأعمال، تُحَدِّدُ هُويّاتها، وتُشكِّل مُبَرِّراً لِما قد يكون في وسائلها مِن قسوة، شريطةَ أن لا تنزل الوسائل إلى المُستويات المُلوَّثة، وما دام الهدف كبيراً فسوف تُستَساغُ بعضُ الوسائل في حالات كثيرة، كما يُمليها العقلُ ويُقرُّها الواقع.

٨ - وبعدَ ذلكَ كُلّه، فإنّي ومِن منطلق كوني إماميّاً، أدعو كلَّ قارئٍ أن يَتَلبّس الأدوار التي مرَّت بالشيعة، والظُروف والمُلابسات التي اكتنفتهم، وجوداً، واستمراراً، ثمّ يَتَصوّر ما تُفرِزه تلك الحالات مِن مظاهر سلوكيّة؛ حتّى تكونَ مِعياراً بين يديه، يُفسِّر خلال أجوائها المُعاشة كثيراً مِن مظاهر السُلوك الفكري والاجتماعي عند الشيعة، وبذلك يبتعد عن الشَطَط في الحُكم عليهم. فإذا رآهم يُشَدِّدون على فِكرَة التَقيّة، فَليَعلَم أنَّهم لم يَخرجوا بها عن نطاق واقع مُرٍّ

٨

تكيّفوا مَعَه ضِمن مقاييس الشَرع، وإذا رأى أنّ رُدودَ الفعلِ عن بَعضِهم في بعض المواقف عَنيفة، فلا يَنسى عُنف الفِعل ذاته وهكذا.

ليكن الإِنسان نفسه مقياساً للآخرين، وميزاناً يَزِن به سلوك غيره.

٩ - أُضَمِّن هذه الوُريقات دعوة إلى كلّ فِرَقِ المُسلِمينَ، أن يدرسوا بعضهم البعض بِروح عَمليّة، وأن يتبيّنوا هذه الخَلفيّات المشبوهة، التي لَعِبت دوراً كبيراً وما زالت في تمزيق المُسلِمينَ، ثمّ ليُقَيِّموا نتائج هذا الوضع؛ ليروا مَن هو الذي يَقطف الثِمار مِن وراء هذا الوضع، وبعد ذلك كُلّه نحن مَدعوون إلى وضع التاريخ في ساحة الاتِّهام وبالحروف الكبيرة، لنُحاكِمَه ونَنتهي إلى التَخلُّصِ مِن كثير مِن مآسيه التي نعيشها، فالتاريخ فاعل في داخلنا وإن بَعُدَ العهد بيننا وبين موادّهِ ومُكوِّناته.

نسأل الله تعالى العون على مسيرتنا في درب الحياة الوَعِر، وإضاءة طريقنا بنور مِنه، والحمد لله أولاً وآخراً.

٩

١٠

تمهيد

التَشَيُّع لُغة:

هو المُشايَعة، أي: المُتابعة والمُناصرة والموالاة (١) .

فالشيعة بالمعنى اللُغوي: هُم الأتباع والأنصار، وقد غَلب هذا الاسم على أتباع عليٍّ (ع)، حتّى اختصّ بِهم، وأصبح إذا أُطلِق يَنصرف إليهم.

وبهذا المعنى اللُغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة، كما في قوله تعالى: ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) الصافّات: ٨٣.

وكقوله تعالى: ( هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ) القصص: ١٥.

التَشَيُّع اصطلاحاً:

هو: الاعتقاد بآراء وأفكار مُعيّنة، وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرةً وقلّةً، وسَيمرُّ علينا ذلك مُفصّلاً، فالتَشَيُّع بالمعنى الثاني أعمّ منه بالمعنى الأوّل. وبينهما مِن النِسَبِ عُموم وخُصوص مٌطلق، والعُموم في جانب التَشَيُّع بالمعنى الثاني؛ لشموله لكلٍّ مِنهما.

وانطلاقاً مِن كون التَشَيُّع اعتقاداً بآراء مُعيّنة، ذهب العلماء والباحثون تبعاً لذلك إلى تعريفه على اختلاف بَينهم في سِعة مدى هذه التعاريف وضيقها.

وإليك نَماذج مِن تَعريفاتهم:

____________________

(١) صحاح الجوهري: ٣/١٥٦، وتاج العروس، ولسان الميزان مادّة شَيَعَ.

١١

١ - الشهيد الثاني في كتابه شرح اللُمعة قال:

والشيعة مِن شايعَ عليّاً - أي اتّبعه وقدّمه على غيره في الإِمامة، وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمّة، فيدخل فيهم الإماميّة، والجاروديّة مِن الزيديّة، والإِسماعيليّة غير الملاحِدة مِنهم، والواقفيّة، والفطحيّة (١) .

٢ - الشيخ المُفيد في كتاب الموسوعة، كما نقله عنه المؤلّف قال:

الشيعة هُم مَن شايع عليّاً وقَدّمه على أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله، واعتقد أنّه الإِمام بوصيّة مِن رسول الله، أو بإرادة مِن الله تعالى، نصّاً كما يرى الإماميّة، أو وصفاً كما يرى الجاروديّة.

وقد نَقل هذا المضمون نفسه كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصِلة (٢) .

٣ - الشهرستاني في المِلَل والنِحَل قال:

الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصاية، أمّا جليّاً وإمّا خفيّاً، واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج مِن أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون مِن غيره، أو بتقيّة مِن عنده (٣) .

٤ - النوبختي في كتابه الفِرَق قال:

الشيعة هُم فرقةُ عليِّ بن أبي طالب المُسَمون بشيعة عليٍّ في زمن النبيّ، ومَن وافق مودّته مودّة عليٍّ (٤) .

٥ - محمّد فريد وجدي في كتابه دائرة معارف القرن العشرين قال:

الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في إمامته، واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج عن أولاده، ويقولون بعصمة الأئمّة مِن الكبائر والصغائر، والقول بالتَولِّي والتَبرِّي

____________________

(١) شرح اللُمعة: ٢/٢٢٨.

(٢) موسوعة العتبات المُقدّسة، المدخل ص٩١.

(٣) المِلَل والنِحَل ص١٠٧.

(٤) فِرَق الشيعة.

١٢

قولاً وفعلاً إلاّ في حال التَقيّة، إذا خافوا بطش ظالم (١) .

هذه النماذج مِن التعريفات إنّما قدّمتُها لنعرف ما هي مُقوّمات التَشَيُّع في نظر الباحثين. وقد تبيّن مِن بعضها:

الاقتصار على وصف الشيعة بأنّهم يقدّمون عليّاً على غيره؛ لوجود نصوص في ذلك، أو وجود صفات اختصّ بها، ولم تتوفّر لغيره. والواضح مِن ذلك أنّ جوهر التَشَيُّع هو الالتزام بإمامة عليٍّ ووُلدهِ، وتقديمه على غيره؛ لوجود نصوص عندهم في ذلك، وينتج مِن ذلك الالتزام بأمرين:

الأوّل: بما أنّ الإِمامة وليدة النُصوص، فهي امتداد للنبوَّة، يترتّب عليها ما يترتّب على النُبوّة مِن لوازم، عدا الوحي، فإنّ نزوله مُختصٌّ بالأنبياء.

الثاني: أنّ الإِمامة لا تتمُّ بالانتخاب والاختيار، وإنّما بالتعيين مِن الله تعالى، فهو الذي ينصُّ على الإِمام عن طريق النبيّ، وإنّما يختاره لتوفر مؤهّلات عنده، لا توجد عند غيره.

أمّا الزيادة على ما ذكرناه، والتي وردت في التعريفات التي نقلناها، والتي قد توجد في كُتُب الشيعة الأُخرى، فهي مُستفادة مِن أخبارٍ، وهي أعمُّ مِن كونها مِن أصول المذهب، أو مِن أصول الإِسلام، كما سنرى ذلك فيما يأتي أنّ الغرض مِن هذه الإِشارة، هو إلقاء الضوء على نقطةٍ، يؤكّد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الشيعة وعقائدهم: ألا وهي التأكيد على إدخال آراء أريد لها أن تكون خُيوطاً تصل بين التَشَيُّع واليهوديّة، أو النصرانيّة، أو الزندقة. ومحاولة إيصال التَشَيُّع لعرقيّات مُعينّة. وهي محاولة لا تخفى على أعيُن النُقّاد بأنّها غير موضوعيّة. إنّ هذه المحاولة تُريد تصوير التَشَيُّع بأنّه تَطوّر لا كما تتطوّر العقائد والمذاهب الأُخرى. وفي التوسع وقبول الإِضافات السليمة، نتيجة تبرّعم بعض الآراء، وإنّما هو تَطوّر غير سليم، وغير نظيف أفسد مضمون التَشَيُّع.

____________________

(١) دائرة المعارف ٥/٤٢٤.

١٣

وسأستعرض بعض هذه الأقوال؛ لتكون مُجرّد مؤشِّر على هذا الاتّجاه، وسأُعقّب عليها بما أراه:

تَطوّر التَشَيُّع

١ - رَسَم الدكتور عبد العزيز الدوري هذا التطوّر، عن طريق تقسيمه للتشيُّع إلى روحيّ بدأ أيّام النبيّ عليه الصلاة والسلام، وسياسيّ حدث بعد مقتل الإِمام عليٍّ، وقد استدلّ لذلك بأنّ التَشَيُّع بمعناه البسيط، دون باقي خواصّه الاصطلاحية، قد استعمل في صحيفة التحكيم التي نصّت على شيعة لعليٍّ وشيعة لمعاوية، مِمّا يعطي معنى المشايعة والمناصرة فقط، دون باقي الصفات والأبعاد السياسيّة التي حدثت بعد ذلك (١) .

٢ - محمّد فريد وجدي في دائرة المعارف قال:

الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في إمامته، واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج عن أولاده، ويقولون بعصمة الأئمّة مِن الصغائر والكبائر، والقول بالتولِّي والتبرّي قولاً وفعلاً، إلاّ في حال التَقيّة إذا خافوا بطش ظالم، وهُم خمس فِرَق: (كيسانيّة، وزيديّة، وإماميّة، وغُلاة، وإسماعيليّة) وبعضهم يميل في الأُصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السُنّة، وبعضهم إلى التشبيه (٢) .

إنّ هذه المقتطفة مِن فريد وجدي سبق أن ذَكرتُ قِسماً مِنها في التعريف بالتشيّع، وذكرت هُنا المقتطفة بكاملها؛ ليتّضح مِنها أنّ مضمونها يُغطّي التَشَيُّع منذ أيّامه الأولى حتّى الآن؛ لأنّ مِن الواضح أنّ هذه المضامين لم تولد دفعة واحدة، وإنّما دخلت لمضمون التَشَيُّع تدريجاً. وقد خلط فريد وجدي فيها بين السِّمات والمقوِّمات، وجعل مَن ليس مِن الشيعة مِنهم، ونَسَب لهم ما هم منه بُراء، ولا أريد أن أتعجَّل الرد عليه، فستمرُّ علينا أمثال هذه النسب الرد عليها في مكانها مِن الكتاب.

____________________

(١) مُقدّمة في تاريخ صدر الإِسلام: ص٧٢.

(٢) دائرة معارف فريد وجدي: ٥/٤٢٤.

١٤

٣ - الدكتور كامل مصطفى في كتابه الصِّلة قال:

ويتّضح بعد ذلك أنّ التَشَيُّع قد عاصر بِدء الإِسلام باعتباره جوهراً له، وأنّه ظهر كحركة سياسيّة بعد أن نازع معاويةُ عليّاً على الإِمارة وتدبير شؤون المُسلِمينَ، ويتبيّن بعد ذلك أنّ تَبلور الحَركة السياسيّة تحت اسم الشيعة، كان بعد قتل الحسين (ع) مباشرة، وإن كانت الحَركة سَبقت الاصطلاح، وبذلك يُمكننا أن نلُخّص هذا الفصل في كلمة بيانها: أنّ التَشَيُّع كان تكتُّلاً إسلاميّاً ظهرت نَزعته أيّام النبيّ، وتبلور اتّجاهه السياسي بعد قتل عُثمان، واستقلّ الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين (١) .

وواضح مِن هذا النصّ أنّ التَشَيُّع مرّ بأدوارٍ تَطوّر فيها كما يَقول كامل.

٤ - الدكتور أحمد أمين قال:

إنّ التَشَيُّع بدأ بمعنى ساذج، وهو أنّ عليّاً أولى مِن غيره مِن وجهتين: كفايته الشَخصيّة، وقرابته للنبي.

ولكنّ هذا التَشَيُّع أخذ صبغة جديدة بدُخول العناصر الأُخرى في الإِسلام مِن يهوديّة ونصرانيّة ومجوسيّة، وحيث أنّ أكبر عنصر دخل الإِسلام الفُرس فلَهم أكبر الأثر بالتَشيّع (٢) .

وواضح هُنا مِمّا ذكره أحمد أمين أنّ التَشَيُّع تَطوّر لا بشيء مِن داخله، وإنّما بإضافات وإسباغ مِن عناصر أُخرى دخلت الإِسلام واختارت التَشَيُّع، فنَقلت ما عندها مِن أفكار وعقائد إليه، حتّى أصبحت جُزءاً منه، وإنّ الفُرس بالذّات تَركوا بَصَماتهم على المَذهب أكثر مِن غيرهم، كما يُريد أحمد أمين أن يُصوّره، وهو زعمٌ أخَذه أحمد أمين مِن غيره، وغيرُهُ أخذه مِن غيره، وهكذا حتّى أوشك أن يصبح مِن الأُمور المُتسالم عليها عند الباحثين، وقريباً سأُوقفك على زَيف هذه الدعوى، والهدف مِن الإِصرار على ربط التَشَيُّع بالفارسيّة شكلاً ومضموناً.

٥ - الدكتور أحمد محمود صُبحي قال:

____________________

(١) الصِلة بين التصوّف والتَشَيُّع: ص٢٣.

(٢) فجر الإِسلام: ص٢٧٦.

١٥

- بعد ذِكر الروّاد مِن الشيعة - والتَشَيُّع بالنسبة للشيعة المتأخّرين، مِثل الزُهد في عصر الرسول والخُلفاء الراشدين، والفَرْقُ بينه وبين التَصَوُّف الذي شابَتْهُ عناصر غنوصيّة، وتأثَّرَ بتيّاراتٍ فكريّةٍ مُتباينةٍ، كما عُرِفَ لدى محيي الدين بن عَربي والسهروردي مثلاً (١) .

وبعد أن استعرضنا هذه الأمثلة مِن أقوال الكُتّاب، التي فرَّقوا بها بين التَشَيُّع في الصدر الأوّل، وما تلا ذلك مِن عُصور أودُّ أن أُعقِّبَ على ذلك بما يلي:

١ - إنّ كميّة الأفكار والمُعتقدات في المضمون الشيعي، تتّسِع في الأزمنة المُتأخّرة عمّا كانت عليه في الصدر الأوّل دون شكٍّ في ذلك، ولكنّ هذه الزيادة ليست أكثر مِن المضمون الأصلي للتشيُّع، وإنّما هي تفصيل وبيان لمُجمله، إنّها ليست بإضافة أجزاء، وإنّما هي ظُهور جزئيّات انطبق عليها المَفهوم الكُلّي للتشيُّع، وقد ظهرت هذه الجُزيّئات بفعل تَطوّر الزمن.

وكمثال لذلك: موضوع النُصوص التي وردت على لسان النبيّ عليه الصلاة والسلام، هل هي مُجرّد إشارة لفضل الإِمام عليٍّ، أم أنّها على شكلٍ يُلزِم المُسلِمينَ بالقول بإمامته؟ وعلى نحو الوصيّة له بالخلافة.

وتبعاً لذلك، هل إنّ هذه الإِمامة تَقف عند حَدِّ المؤهّلات، أم إنّ الإِمام يَجب أن يكون النموذج المثالي؟ فيكون أشجع الناس، وأعلَم الناس، وأعدَل الناس. وهكذا تبرعم موضوع العصمة وغيره.

وكلّ هذه الأُمور داخلة في صُلب موضوع الإِمامة، وليست هي بأمور زائدة على الموضوع، بل اشتقاقات أولدها التطوّر الفِكري، وزيادة أعداد وأنواع مُعتنقيّ المذهب.

٢ - إنّ مَثَل هذا التطوّر كَمِثلِ كلّ تَطوّر حَدَث، ومِن ذلك تَطوّر الإِسلام بصفته مَقْسَمَاً للمذاه

ب. فالمسلمون منذ وُجِدوا كان مِن عقيدتهم الاعتراف بالله عزّ وجل، ووجوده، ووحدانيّته، واتّصافه بصفات الكمال، وتَنَزّهه عن صفات النقص، وكلّ ذلك على نحو الإِجمال. وعندما اتّسعت مجالات التفكير، وانفتح العالم الإِسلامي على أممٍ وثقافاتٍ مُتنوِّعة تَبَرعمت أسئلة وَجَدَّتْ أفكار، فَرَجِع

____________________

(١) نَظريّة الإِمامة: ص٣٥.

١٦

المسلمون إلى ما آمنوا به إجمالاً يُبيّنون مُجمله، ويُفصِّلون مُختصره، فنشأ مِن إيمانهم بأنّ الله خالق كلّ شيء: النزاع بإعطاء السَبب الطبيعي صِفة الخَلق، وذلك يُؤدّي إلى تَعدُّد الخالق كما تصوّروا، أم أنّ ذلك لا يقدح بانفراد الله تعالى بصفة الخالق، إذ أنّ لله تعالى جهة تأثير ليست مِن مقدورات المخلوقين، وكلّ ما للمخلوقين إنّما هو مِن جهة أُخرى، ولا يقدح ذلك في كون الله تعالى أحسن الخالقين. وتَبرعمت عن هذه المسألة، مسألة خَلق أفعال العباد، وربط ذلك كُلّه بالجبر والاختيار، وهكذا.

ومَثَل آخر: هو إيمان المُسلِمينَ منذ وُجِدوا بحجيّة ظواهر القرآن الكريم، فنشأ مِن ذلك النِزاع حول حُجيّة ظواهر بعض الآيات؛ لأنّ لاّزم ذلك نسبة ما لا يصحُّ إلى الله تعالى، وذلك مثل قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) القيامة: ٢٢.

حيث ذهب أهل السُنّة إلى جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة، استناداً إلى ظاهر الآية، بينما ذهب الإماميّة إلى استحالة رؤيته تعالى؛ لاستلزام الرؤية الجسميّة، وبالتالي التركيب، فالحاجة، فالحُدوث، وانتهاء كلّ ذلك إلى نفي الأُلوهيّة. وقد أوَّلوا النظر هُنا بأنّه انتظار الرحمة، كما يقول شخصٌ لآخر ينتظر منه الرحمة، أنا انظر: إليك وإلى عَطفك، وذلك شائع في لُغة العَرَب وحضارتهم، والقرآن نَزَلَ بِلُغَة العَرَب، وسَلك منهجهم في المحاورات.

هذا، بالإِضافة إلى أنّ الله تعالى نَسَب هُنا النظر إلى الوجوه، وهي ليست مِن أعضاء النظر، مِن قبيل قوله تعالى: ( مَا يَنظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) يس: ٤٩.

مثال آخر أذكره للتدليل على اتّساع المضمون الإِسلامي عمّا كان عليه في الصدر الأوّل، فقد آمن المسلمون مُنذُ وُجِدوا بأنّ الله تعالى لا يفعل العَبَث، وجاءت ظواهر الآيات تؤيِّد ذلك، فقد جاء في قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ) الملك: ٢.

وجاء بقوله: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ) الدخان: ٣٨.

فتنازع المسلمون بعد ذلك في أنّ أفعال الله تعالى هل هي مُعَلَّلَة - ولازم ذلك نِسبَة النقص إلى الله؛ لأنّ كلّ فاعل لِلعلّة إنّما يحتاج لتِلك العلّة - أم أنّ أفعاله تعالى غير مُعَلَّلَة؟ ولازم ذلك أنّ فعله

١٧

عَبث، تعالى الله عن ذلك.

فذهب أهل السُنّة إلى أنّ أفعاله غير مُعَلَّلَة، وذهب الإماميّة إلى أنّها مُعَلَّلَة بدون حاجة منه تعالى لِلعلّة، وإنّما يعود نفع العِلّة للعباد أنفسهم، وبذلك يُجمَع بين الأمرين مِن كونه تعالى لا يفعل العَبَث، ومِن كونه غنيّاً عن الحاجة.

ومع جميع ما ذكرناه لا يُقال: إنّ المُسلِمينَ تَطورّت عقائدهم، وزاد مضمون الإِسلام عَمّا كان عليه في الصدر الأوّل، وإنّما الذي حَدَث أنّ المُسلِمينَ توسَّعوا في شَرح الأُمور المُجمَلَة، عندما اضطرّوا لذلك نتيجة تفاعُلِهم مع ثقافات مُختَلِفة، وأفكار متنوّعة، فالمسلم في صدر الإِسلام والمسلم في أيّامنا، مصدر تشريعه الكتاب والسُنّة، ولكنّه فيما مضى أخذهما مُجمَلَين، والآن احتاج إلى التفصيل؛ لوجود دواعي وُجِدَت ولم تكن موجودة في الصدر الأوّل، فإذا كان التَطوّر المنسوب إلى التَشَيُّع على هذا النحو الذي حَدث في الإِسلام نفسه، فهو واقع بهذا المعنى لا نزاع في ذلك، أمّا إذا كان استحداث آراء جديدة وبعيدة عن روح الإِسلام فلا؛ لأنّ كلّ ما يأباه الإِسلام يأباه التَشَيُّع بالضرورة.

إنّ التطوّر الذي حَدث في الإِسلام على الشِكل الذي ذكرناه، لم يُشكّل قدحاً في عقائد فِرَق المُسلِمينَ، وإذا كان ما حَدث في التَشَيُّع مِن تَطوّر مثل ما حَدث في الإِسلام كَكُل، فما له هُنا يُشكّل قدحاً في العقيدة، ويُثيرُ شُكوكاً لا مُبرِرَ لها؟.

٣ - ومع التَنزّل وافتراض دُخول عُضو إضافيٍّ على جِسم التَشَيُّع - كما يُريد أن يُثبته البَعض اعتباطاً وهو منفيّ - فإنّ مثل هذا الفرض يأباه الفِكر الشيعي، إذا كان مِمّا لا يلتقي مع كتاب الله تعالى، وسُنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله، والخطوط الإسلاميّة العامة.

إنّ مثل هذا الفرض هو رأي يَرِدُّ إلى نَحرِ قائله، فكلُّ ما هو ليس مِن الإِسلام فهو ليس مِن التَشَيُّع في شيءٍ؛ بداهة أنّ التَشَيُّع مِن عَطاء فِكر أهل البيت، وهُم عِدْلُ الكتاب، وهُم مَثلُ سفينة نوح، فعلى هذا يكون ما يُنسَبُ إلى التَشَيُّع مِن هذا القبيل إنّما هو خَلطٌ بين التَشَيُّع والشيعة، وكثير مِمَّن يُنعت بأنّه مِن الشيعة يرفضه الهيكل الشيعي فيما له مِن حدود، وهو ما سَنَمرُّ عليه ونذكر أدلّته، والشأن في ذلك شأن التفكير السُنّي الذي ينفي عنه بعض المنتسبين إليه مِمَّن تثبت انحرافهم عن خطوط الإِسلام، ولا يقدح وجود أمثالهم عند أهل السُنّة، ولا يُنتَزع مِن وجود

١٨

أمثال هؤلاءِ حُكم عامٌّ يُعَمَّمُ على أهل السُنّة.

وعلى أسوأ الفُروض لو وُجِدَت أفكار إضافيّة طارئة على جسم أيِّ مذهب مِن المذاهب، وزائدة على مُحتواه الأصلي كما هو الفرض، ولكنّها لا تُشكّل إنكار ضروريّة مِن ضروريّات الدين، ولا رِدَةً ولا انحرافاً، فإنّ أمثالها لا يُبَرِر رَمي مَن وُجِدت عنده بالمُروق عن الدين، والخروج عن الإِسلام، وربطهم باليهوديّة والنصرانيّة، وأمثال ذلك مِن النِسب التي لا يَتَفَوّه بها مُسلِم على أخيه، وله ضميرٌ وخُلُقُ مُسلِم يصدر في سلوكه عن تعاليم الإِسلام.

فمتى كان القول بالوصاية مثلاً، وأنّ لكلّ نبيّ وصيّاً، وأنّ الأوصياء يجب كونهم معصومين؛ حتّى يتحقق الغرض مِن نصبهم قادة للأمّة، والاعتقاد بأنّ المهديّ حيٌّ، وأمثال ذلك مِن العقائد موجِباً للخروج مِن الدين، ومِدعاة لشنِّ حَملات شعواء كانت وما تزال يَجترُّها الخَلف عن السَلف، دون أن يتبيّن ما هي مصادرها؟ ودون أن يُحَلِّلُها ويُناقشها.

إنّ صَرف هذه الطاقات في ميادين التهريج أقلُّ ما يُوصف به أنّه عملٌ غير مسؤول، بالإِضافة إلى إمكان توجيه هذه الطاقات إلى ميادين إيجابيّة في الخَلْقِ والإِبداع، وفي جَمعِ الشَمل، ولَمِّ الشَعَثِ، وتنظيف الأجواء الإسلاميّة مِن الحِقدِ والكراهية التي لا يستفيد مِنها إلاّ أعداء الإِسلام.

إنّ الّذين يَقفون وراء نَعرات التشويش والفِرقة قوم بعيدون عن روح الإِسلام وجوهره، وليسوا ببعيدين عن الشبهات خُصوصاً وأنّ أمثال هذه المواضيع يجب أن تبقى مَحصورة في نِطاق العُلَماء فقط، وأن لا تنزل إلى مستوى الأوساط مِن الناس، فضلاً عن العامّة؛ وذلك لأنّ للعُلماء مَناعَة تُبعِدُهُم عن النظرة المُرتجَلَة، والنَعرة الجاهليّة كما هو المفروض.

إنّ المفاعلات الطائفيّة في تصوّري أخطر على الإِنسانيّة مِن المفاعلات النَوويّة، وحَسْبَ تاريخ المُسلِمينَ خلافات كانت وما تزال غُصّةً في فَمِ كلّ مؤمن بالله تعالى وبدينه، وكلّ داعٍ لرسالات السماء التي مِن أوّل أهدافها تأصيل الروح الإِنسانيّة في كلّ أنماط السُلُوك عند البشر.

١٩

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ٩٣ : لو مات وله نخل وعليه دَيْن مستوعب تعلّق الدَّين بالنخل‌ ، فإذا أثمر بعد وفاته فالوجه أنّ الثمرة للورثة ؛ لأنّ الدَّين - على ما اخترناه نحن - لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلّق الدَّين بها ، فإذا بدا صلاحها وجب العُشر أو نصفه ، وبه قال الشافعي(١) ، ومن منع الانتقال جعل الدَّين متعلّقاً بالثمرة والأصل معاً.

فإن مات بعد أن أطلع النخل تعلّق الدَّين بالأصل والثمرة معاً ، وانتقل الملك في الاُصول والثمرة إلى الورثة ، فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة على الورثة.

فإن كان لهم مال أخرجوه من مالهم ؛ لأنّ الوجوب حصل في ملكهم ، وتعلّق حق الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون وما حدث من الزيادة في ملك الورثة ؛ فإنّها زيادة غير متميزة فتبعت أصلها كزيادة الرهن.

فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها ، لتعلّق الدّين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة ، ووجوبها ؛ لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين وهي استحقاق جزء من المال فتقدّم على حقوق الغرماء.

مسألة ٩٤ : تضمّ الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم‌ سواء اتّفقت في الإِيناع أو اختلفت ، وسواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت إذا كانت لعام واحد ، فلو كان له نخل بتهامة يسرع إدراكه لحرارتها ، وآخر بنجد يبطئ لبرودتها ، وبلغا معاً خمسة أوسق وجبت الزكاة وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

ولو كان له نخل في بعضها رطب ، وفي بعضها بسر ، وفي بعضها طلع ، فجذّ الرطب ، ثم بلغ البسر فجذّ ، ثم بلغ الطلع فجذّ ، فإنّه يضمّ بعضها إلى بعض ، لتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد ؛ وإن كانت في نخلة واحدة.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٨٨ - ٥٨٩.

١٦١

فلو اعتبر اتّحاد وقت الإِدراك لم تجب الزكاة غالباً ، وقد أجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك إلى ما تأخّر.

ولو كان له نخل بتهامة وأخر بنجد فأثمرت التهامية وجذّت ، ثم بلغت النجدية فإنّها تضمّ إلى التهامية.

ولو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين ، قال الشيخ : لا يضمّ الثاني إلى الأول ، لأنّه في حكم ثمرة سنتين(١) ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقيل : تضمّ ، لأنّها ثمرة عام واحد(٣) ، وهو الأقوى.

ولو كان بعضه يحمل مرة والباقي مرّتين ضمّمنا الجميع.

وعلى قول الشيخ ، يضمّ الأول منهما إلى الحمل الواحد ، ويكون للثاني حكم نفسه.

مسألة ٩٥ : الثمرة إن كانت كلّها جنساً واحداً اُخذ منه‌ سواء كان جيّداً ، كالبُردي ، وهو أجود نخل بالحجاز ، أو رديئاً كالجُعرور ومُصران الفأرة ، وعذق ابن حُبَيْق ، ولا يطالب بغيره.

ولو تعدّدت الأنواع اُخذ من كلّ نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد ، وعن الفقراء بأخذ الردي‌ء ، وهو قول عامة أهل العلم(٤) .

وقال مالك والشافعي : إذا تعدّدت الأنواع اُخذ من الوسط(٥) .

والأولى أخذ عُشر كلّ واحد ، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٥.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٣ ، المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٨.

(٣) القائل هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٣ - ٥٧٤ ، والمجموع ٥ : ٤٨٨.

(٥) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، وانظر : المجموع ٥ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٨١.

١٦٢

ولا يجوز إخراج الردي‌ء ، لقوله تعالى :( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١) .

ونهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤخذ الجُعْرور وعذق ابن حُبَيْق(٢) ، لهذه الآية ، وهما ضربان من التمر ، أحدهما يصير قشراً على نوى ، والآخر إذا أثمر صار حشفاً(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يترك معافارة(٤) واُم جُعرور لا يزكّيان »(٥) .

ولا يجوز أخذ الجيّد عن الردي‌ء ، لقولهعليه‌السلام : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(٦) فإن تطوّع المالك جاز وله ثواب عليه.

والعَذْق بفتح العين ، وقيل : بكسرها(٧) .

تذنيب : لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عن الجفاف.

وهل يجوز على سبيل القيمة؟ الأقرب ذلك ، ويجوز أن يأخذ كلّاً من الرطب والعنب عن مثله.

مسألة ٩٦ : يجوز الخرص على أرباب الغلّات والثمار‌ بأن يبعث الإِمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحَبُّ ليخرصها ويعرف قدر الزكاة ويُعرِّف المالك ذلك ، وبه قال الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأبو‌

____________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ - ١١١ / ١٦٠٧ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٣١ ذيل الحديث ١١.

(٣) الحَشَف من التمر : ما لم يُنْو ، فإذا يَبِس صَلُب وفسد. لسان العرب ٩ : ٤٧ « حشف ».

(٤) معافارة : ضرب ردي‌ء من التمر. مجمع البحرين ٣ : ٤٠٩ « عفر ».

(٥) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٧ ، والتهذيب ٤ : ١٨ / ٤٧.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ، ومسند أحمد ١ : ٢٣٣.

(٧) العذق ، بالفتح : النخلة. وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٩٩.

١٦٣

عُبَيْد وأبو ثور وأكثر العلماء(١) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومَهم وثمارَهم(٢) .

وقال الشعبي : الخرص بدعة(٣) .

وقال أصحاب الرأي : إنّه ظنٌّ وتخمين لا يلزم به حكم ، وإنّما كان الخرص تخويفاً للأَكَرَة(٤) لئلّا يخونوا ، فأمّا أن يلزم به حكم فلا(٥) .

ونمنع عدم تعلّق الحكم به فإنّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات.

فروع :

أ - وقت الخرص حين بدوّ الصلاح ، لأنّهعليه‌السلام كان يبعث حين يطيب قبل أن يؤكل منه(٦) .

ولأنّ فائدته معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها ، والحاجة إنّما تدعو إلى ذلك حين بدوّ الصلاح ، وتجب الزكاة فيه.

ب - محلّ الخرص : النخل والكرم ، أمّا الغلّات فقول الشيخ يعطي جوازه ، فإنّه قال : يجوز الخرص في الغلّات(٧) ، لوجود المقتضي وهو‌

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦ ، المجموع ٥ : ٤٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٨ ، المغني ٢ : ٥٦٤ - ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : سنن الترمذي ٣ : ٣٦ / ٦٤٤ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ / ١٨١٩.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٦٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٤) أَكَرَة : جمع أكّار : الفلّاح. الصحاح ٢ : ٥٨٠ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٥ « أكر ».

(٥) المغني ٢ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) راجع : سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٦.

(٧) الخلاف ٢ : ٦٠ ، المسألة ٧٣.

١٦٤

الاحتياج إلى الأكل منه كالفريك(١) وغيره.

ومنع عطاء والزهري ومالك وأحمد ، لأنّ الشرع لم يرد بالخرص فيه(٢) .

ج - صفة الخرص - إن كان نوعاً واحداً - أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة وينظر كَم في الجميع رطباً أو عنباً ، ثم يقدّر ما يجي‌ء منه تمراً ، وإن كان أنواعاً خرص كلّ نوع على حدته ، لأنّ الأنواع تختلف ، فمنها ما يكثر رطبه ويقلّ تمره ، ومنها بالعكس ، وكذا العنب يختلف ، ولأنّه يحتاج إلى معرفة كلّ نوع حتى يخرج عُشرة.

مسألة ٩٧ : إذا خرص الخارص خيّر المالك‌ بين أن يضمن الحصّة للفقراء ، ويسلّم إليه الثمرة ليتصرّف فيها بأكل وبيع وغير ذلك ، وبين إبقائه أمانة إلّا أنّه لا يجوز له التصرف في شي‌ء منه بأكل أو بيع ، وبين أن يضمن الخارص حصّة المالك ، لأنّ عبد الله بن رواحة خرص على أهل خيبر ، وقال : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ، فكانوا يأخذونه(٣) .

فإن اختار الحفظ ثم أتلفها أو فرّط فتلفت ضمن نصيب الفقراء بالخرص ، وإن أتلفها أجنبي ضمن قيمة ما أتلف ، والفرق : أنّ ربّ المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ، ولهذا لو أتلف اُضحيته المعيّنة ضمن اُضحيةً مكانها ، وإن أتلفها أجنبي ضمن القيمة.

ولو تلفت بجائحة(٤) من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص والضمان عن المتعهد إجماعاً ، لأنّها تلفت قبل استقرار الزكاة ، ويقبل قول المالك لو‌

____________________

(١) أفرك السنبل. أي : صار فريكاً ، وهو حين يصلح أن يفرك فيؤكل. لسان العرب ١٠ : ٤٧٣ « فرك ».

(٢) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٣٣ / ٢٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٤) الجائحة : كلّ ما أذهب الثمر أو بعضها من أمر سماوي. لسان العرب ٢ : ٤٣١ « جوح ».

١٦٥

ادّعى التلف بغير تفريط.

مسألة ٩٨ : لو لم يضمن المالك ولا الخارص بل اختار المالك إبقاءها أمانةً جاز‌ ، فإذا حفظها إلى وقت الإِخراج كان عليه زكاة الموجود خاصة سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر ممّا خرصه الخارص أو أقلّ - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الزكاة أمانة فلا تصير مضمونةً بالشرط كالوديعة.

وقال مالك : يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة ؛ لأنّ الحكم انتقل إلى ما قال الساعي لوجوب ما قال عند تلف المال(٢) .

ويمنع الانتقال ، وإنّما يعمل بقوله إذا تصرّف في الثمرة ولم يعلم قدرها ، لأنّ الظاهر إصابته.

مسألة ٩٩ : يجزئ الخارص الواحد‌ - وبه قال مالك وأحمد(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص وحده(٤) ، ولأنّ الخارص يفعل ما يؤدّي اجتهاده إليه فهو كالحاكم ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

وفي الثاني : لا بدّ من اثنين ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث مع عبد الله بن رواحة غيره(٦) ، ولأنّ الخارص يقدّر الواجب فهو بمنزلة المقوِّمين(٧) .

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٨٨ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٢ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٠ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ ، المغني ٢ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ / ١٨٢٠.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) نقله في الاُم ٢ : ٣٤.

(٧) الاُم ٢ : ٣٤ ، المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

١٦٦

وإنفاذ غيره معه لا يدلّ على أنّه خارص ، ويحتمل أن يكون مُعيناً وكاتباً ، ولأنّه جائز عندنا ، والكلام في الوجوب ، ويخالف الخارصُ المقوّمين ، لأنّهم ينقلون ذلك إلى الحاكم فافتقر إلى العدد كالشهادة بخلاف الخرص فإنّه حكم يجزئ فيه الواحد.

وله قول ثالث : إن كان الخرص على صبي أو مجنون أو غائب فلا بدّ من اثنين(١) .

إذا ثبت هذا ، فيشترط في الخارص الأمانة والمعرفة إجماعاً ، لأنّ الخرص إنّما يتمّ بهما.

مسألة ١٠٠ : وعلى الخارص أن يترك في خرصه ما يحتاج المالك إليه‌ من أكل أضيافه وإطعام جيرانه وأصدقائه وسؤّاله - المستحقّين للزكاة - ويحسبه منها ، وما يتناثر من الثمرة ويتساقط وينتابه الطير ، ويأكل منها المارّة ، فلو استوفى الكلّ أضرّ بالمالك.

وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( خفّفوا على الناس فإنّ في المال العريّة والواطية والآكلة)(٢) .

والعرية : النخلة والنخلات تهب إنساناً ثمرتها(٣) . وقد قالعليه‌السلام : ( ليس في العرايا صدقة )(٤) .

والواطئة : السابلة. سمّوا به ، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين(٥) .

والآكلة : أرباب الثمار وأهلهم(٦) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا خرصتم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٧.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٣) راجع : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٨ ، والصحاح ٦ : ٢٤٢٣ « عرا ».

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٧ / ١٤٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٥) راجع : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٧ ، والنهاية - لابن الأثير - ٥ : ٢٠٠.

(٦) راجع أيضاً : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٨.

١٦٧

فخذوا ودعوا الثُلْث فإن لم تدعوا الثُلْث فدعوا الربع )(١) .

وتأوّل الشافعي ذلك بأمرين :

أحدهما : إذا خرصتم فدعوا لهم الثُلْث أو الرُبع ليفرّقوه بأنفسهم على جيرانهم ومن يسألهم ويتبعهم.

والثاني : إذا لم يرض بما خرصه الساعي منعه من التصرف فيه ، فأمرهم أن يدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرّفوا فيه ، ويضمنوا حقّه بقدر ما يجي‌ء من الباقي(٢) .

مسألة ١٠١ : يخرص الخارص الجميع‌ ؛ لإِطلاق النصوص المقتضية لوجوب العُشر ، وهو الجديد للشافعي ، وفي القديم : يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو وأهله ، ويختلف ذلك بقلّة العيال وكثرتهم(٣) .

والوجه : المنع ، لتعلّق حقّ الفقراء.

وقال أحمد : لا يحتسب على المالك ما يأكله بالمعروف(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الفقراء شركاء ، نعم لو قلّ جدّاً لم يحتسب ، لعسر الاحتراز منه.

مسألة ١٠٢ : لو ادّعى المالك غلط الخارص بالمحتمل قبل من غير يمين‌ ، وبه قال أحمد(٥) .

وقال الشافعي : لا بدّ من اليمين(٦) ، وسيأتي.

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٥ / ٦٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٤٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٢) لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٥) المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٠.

(٦) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١.

١٦٨

وإن ادّعى غير المحتمل لم تسمع دعواه في حطّ ذلك القدر.

وهل يحطّ القدر المحتمل؟ إشكال ينشأ من ظهور كذبه ومن ادّعاء القليل ضمناً ، وللشافعية وجهان(١) .

ولو ادّعى تعمّد الإِجحاف لم يلتفت إلى قوله كما لو ادّعى الكذب على الشاهد ، والجور على الحاكم.

ولو قال : أخذت كذا وبقي كذا ولا أعلم غير ذلك ، قُبل قوله وإن كان ممّا لا يقع غلطاً في الخرص ؛ لأنّه لم يضف ذلك إلى خطأ الخارص.

مسألة ١٠٣ : لو لم يخرج الإِمام خارصاً فاحتاج ربّ المال إلى التصرّف في الثمرة‌ فأخرج خارصاً جاز أن يأخذ بقدر ذلك ، ولو خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز أيضاً ، ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر ممّا [ له ](٢) أخذه ، ولو لم يخرص لم يجز أن يتناول من الثمرة شيئاً وإن قلّ - خلافاً لأحمد(٣) - إن كان بعد بدوّ الصلاح ، ويجوز قبله.

مسألة ١٠٤ : لو ادّعى المالك التلف أو تلف البعض قُبل قوله بغير يمين‌ ، لأنّه حقّ لله تعالى فلا يمين فيه كالصلاة والحدّ - خلافاً للشافعي(٤) - سواء كان بسبب ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد ، أو خفي كالسرقة ، إلّا أن يعلم كذبه ، لأنّ الشارع جعل الأمر إليه ، لقولهعليه‌السلام للساعي : ( قل لهم : هل لله في مالكم حقّ؟ ).

وقال الشافعي : إن ادّعى سبباً ظاهراً افتقر إلى البيّنة ، لأنّه مدّعٍ(٥) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ - ٥٩٢.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٤ و ٥ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩ - ٨٠.

١٦٩

وتجب الزكاة في الباقي إن كان التلف بعد بدوّ الصلاح أو قبله وكان الباقي نصاباً ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح وقصر الباقي عن النصاب وجبت أيضاً لو بلغ مع التالف ، خلافاً لبعض الجمهور حيث قال : إنّ الزكاة إنّما تجب يوم الحصاد(١) .

ولو ادّعى أنّها سرقت بعد نقلها إلى البيدر ضمن إن كان بعد إمكان الأداء وإلّا فلا.

مسألة ١٠٥ : لو تلفت الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، أو الزرع قبل اشتداد الحبّ لم تجب الزكاة‌ إجماعاً ، وكذا إن أتلفه المالك سواء قصد الفرار من الزكاة أو لا عندنا ؛ لعدم المقتضي وأصالة البراءة ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أحمد ومالك : إن فعله فراراً وجبت الزكاة(٣) ، وليس بجيّد.

وكذا الخلاف لو أتلف النصاب أو بعضه قبل الحول فراراً ، أو سبك الذهب أو الفضة أو صاغهما حُليّاً وغيره.

مسألة ١٠٦ : لو احتاج إلى قطع الثمرة أجمع بعد بدوّ الصلاح لئلّا تتضرّر النخلة بمصّ الثمرة جاز القطع‌ إجماعاً ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا يكلّف ما يتضرّر به ويهلك أصل ماله ، ولأنّ في حفظ الاُصول حظّاً للفقراء لتكرّر حقّهم.

ولا يضمن المالك خرصها ، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بُسراً أو رطباً ، وله بيع الجميع ، ويأخذ الساعي حصّة الفقراء من الثمن ، ولو كفى تجفيف الثمرة جفّفها وأخرج الزكاة ممّا قطعه بعد بدوّ الصلاح.

وهل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة؟ الوجه ذلك ، لأنّ الزكاة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

(٢) المجموع ٥ : ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

١٧٠

وجبت مواساةً فلا يجوز تفويت مصلحته(١) بسببها فيقاسم.

وفي قطعها لغير مصلحة إشكال ينشأ من تضرّر الفقراء بقطعها لغير فائدة ، ومن عدم منع المالك من التصرف في ماله كيف شاء.

ومنع الشافعي من قطعها مطلقاً بدون إذن الساعي(٢) .

ولو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز.

وقال بعض الجمهور : إذا قطع البعض لمصلحة كان عليه فيه الزكاة يابساً(٣) ، وهو رواية عن أحمد(٤) ، وليس بمعتمد.

مسألة ١٠٧ : يجوز للساعي أن يقاسم الثمرة مع المالك قبل الجذاذ وبعده‌ ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ لأنّهما شريكان فيما تصحّ قسمته فجازت.

وفي الثاني : لا تجوز على رؤوس النخل بناء على أنّ القسمة بيع(٥) ؛ وهو ممنوع.

فإذا اختار المالك أن يسلّم عُشرها مشاعاً إلى الساعي تعيّن حقّ الفقراء فيه فإنّ الفقراء وإن ملكوا جزءاً من المال فإنّ ملكهم لا يستقرّ لجواز أن يدفع إليهم من غيره فإذا تسلّم ذلك تعيّن حقّهم فيه.

ويجوز للساعي أن يبيع نصيب الفقراء من صاحب الثمرة أو غيره ، أو يبيعا(٦) جميعاً ويقتسما الثمن ، وإذا قسّمها قبل الجذاذ قسّمها بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة ويأخذ ثمرها.

____________________

(١) في نسخة « ط » : مصلحة.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٣) وهو قول أبي بكر من فقهاء الحنابلة. راجع : المغني ٢ : ٥٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٦) أي : يبيع الساعي وصاحب الثمرة.

١٧١

ولو قطعها المالك جاز قسمتها كيلاً أو وزناً ، وللشافعي قولان : أحدهما : المنع ، لاشتماله على الربا ، بل يأخذ الساعي العُشر مشاعاً ويبيعه(١) .

وهو ممنوع ، للتعديل ، ولأنّ للمالك أن يدفع إلى الفقراء أكثر ممّا يستحقّون.

مسألة ١٠٨ : إذا خرص الخارص وضمن المالك الحصة تصرّف في الثمرة كيف شاء‌ من أكل وبيع وغير ذلك ، لأنّه فائدة التضمين.

فإذا قطعها بعد الخرص قبل التضمين للحاجة أخذ الساعي عُشرها بسراً ، وإن كان لا لحاجة فكذلك.

وقال الشافعي : يأخذ عُشرها تمراً ، لأنّ الثمرة تجب تبقيتها إلى إدراكها ، فإذا قطعها ضمن خرصها بخلاف القطع للعطش(٢) . واختاره الشيخ في المبسوط(٣) .

وأمّا طلع الفحال فلا شي‌ء فيه إجماعاً ، لأنّه لا يجي‌ء منه شي‌ء تجب فيه الزكاة فهو بمنزلة ثمرة لا زكاة فيها.

وإذا ضمن المالك الحصّة فأكلها رطباً ضمن الزكاة بحكم الخرص تمراً ، وإن كان قبل التضمين بعد الخرص أو قبله كان القول قوله فيما وصل إليه ، ولا يمين عندنا - خلافاً للشافعي(٤) - ويضمن الحصة رطباً ، لأنّه الواجب عليه والمالك يضمن الزكاة بالمثل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : يضمن قيمة الرطب ، لأنّ الرطب لا مثل له(٥) ، وهو ممنوع.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٥ - ٤٧٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢١٧.

(٤) الاُم ٢ : ٣٢.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧١ - ٤٧٢ و ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

١٧٢

وحكم العنب حكم الرطب في ذلك كلّه.

مسألة ١٠٩ : يصحّ تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده‌ بالبيع والهبة وغيرهما إذا ضمن حصّة الفقراء ، فإذا باع كانت الصدقة عليه ، وكذا لو وهبها - وبه قال الحسن ومالك والثوري والأوزاعي(١) - لأنّها كانت واجبةً عليه ، ولأنّ الزكاة في العين.

ولو شرطها على المشتري جاز - وبه قال الليث(٢) - لأنّه شرط سائغ ، ولأنّ الزكاة تجب في العين التي انتقلت إلى المشتري فتجب على المشتري عملاً بالشرط.

ولو لم يضمن البائع الزكاة ولا شرطها على المشتري احتمل صحّة البيع في الجميع فيضمن البائع الزكاة ، لأنّه تصرف في مال الغير ، وبطلان البيع في قدر نصيب الفقراء ، لتعلّق حقّهم بالعين فهم شركاء فيتخيّر المشتري لو لم يعلم ، لتبعّض الصفقة عليه.

البحث الثاني

فيما ظنّ وجوب الزكاة فيه من الغلّات وليس كذلك‌

مسألة ١١٠ : لا زكاة في شي‌ء من الثمار والغلّات إلّا في التمر والزبيب والحنطة والشعير‌ عند علمائنا أجمع ، وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والحسن بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وابن المبارك وأبو عبيد(٣) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥.

(٣) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٤٧٢ - ٤٧٣ و ٤٧٨.

١٧٣

لقول عبد الله بن عمر : إنّما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحنطة والشعير والتمر والزبيب(١) .

وبعث(٢) أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم ، فأمرهما أن لا يأخذا الصدقة إلّا من هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا أربعة أشياء : البُرّ والشعير والتمر والزبيب »(٤) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والإِبل والبقر والغنم وعفا عمّا سوى ذلك »(٥) .

ولأنّ ما عدا هذه الغلّات لا نصّ فيها ولا إجماع ، ولا هي في معناها في غلبة « الاقتيات »(٦) بها وكثرة نفعها ووجودها ، فلا يصح قياسه عليها ، ولا إلحاقه بها فبقي الأصل ، وخالف جماعة من الجمهور في ذلك(٧) ، ونحن نذكره في مسائل :

مسألة ١١١ : لا زكاة في الحبوب‌ غير ما قلناه عند علمائنا ، وذهب‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ١.

(٢) أي : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٨ / ١٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٩ / ٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٠ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ / ١١ ، الاستبصار ٢ : ٥ / ١١.

(٦) ورد في الطبعة الحجرية والنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : الأصناف. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٧) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٦ ، والمغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٧٤

الشافعي ومالك إلى أنّه ليس فيما عدا النخل والكرم من الشجر زكاة ، وأمّا الحبوب فلا تجب إلّا فيما يصان ويدّخر(١) .

وقال أبو حنيفة : تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض فتجب في جميع ما تنبته الأرض إلّا الحطب والقصب والحشيش(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمد : تجب في الحبوب والثمار الباقية(٣) .

وقال أحمد : تجب في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدّخر سواء أنبته الآدميون أو نبت لنفسه - وأوجب الزكاة من اللوز دون الجوز ، لأنّ اللوز يكال(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٥) .

وهو معارض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة )(٦) ولأنّه أعم ، ولأنّه ورد في معرض بيان قدر الواجب في هذا النوع من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.

مسألة ١١٢ : لا زكاة في الزيتون‌ عند علمائنا أجمع - وهو الجديد‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦‌

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ / ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠١.

(٦) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣ - ٦ و ٩٧ / ١٠ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١١٩ / ٧١٨٥.

١٧٥

للشافعي ، وقول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحمد في رواية(١) - لأنّه لا يدّخر يابساً فأشبه الخضراوات ، ولأنّه ليس بمصان حالة الاختيار فلا تجب فيه الزكاة كغيره من الثمار ، ولأنّه إذا لم تجب في التين مع ما يمكن فيه من القوت فالزيتون أولى.

وقال في القديم : تجب فيه الزكاة ، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري وأبو ثور وأحمد - في رواية - وأصحاب الرأي(٢) ، لقوله تعالى :( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٣) في سياق( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ ) (٤) .

ولا حجّة فيه ، لأنّها لم يرد بها الزكاة ، لنزولها(٥) بمكة ، والزكاة فرضت بالمدينة ، ولهذا ذكر الرمان ولا زكاة فيه.

والموجبون شرطوا بلوغ خمسة أوسق(٦) .

والذي يطلب زيته كالشامي والمدقوقي يخرج عُشره زيتوناً أو زيتاً ، وما لا يطلب زيته ، بل يؤكل أدماً كالبغدادي يخرج عُشرة إذا بدا صلاحه ، لأنّها حالة الادّخار.

مسألة ١١٣ : لا زكاة في الورس‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول الشافعي في الجديد وأحمد - لأنّه ليس بمقتات.

وفي القديم : تجب فيه - وهو رواية عن أحمد - ولا يوسق بل يجب من‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ - ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٣ و ٤ ) الأنعام : ١٤١.

(٥) يقصد بالضمير في ( لأنها ) و ( بها ) و ( لنزولها ) الآية.

(٦) المغني ٢ : ٥٥٢ و ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٣ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

١٧٦

قليله وكثيرة ؛ لأنّ أبا بكر بعث إلى بني خُفّاش أن أدّوا زكاة الذرة والورس(١) ؛ وجاز أن يكون عن اجتهاد.

وكذا لا زكاة في غيره من الورق مثل السدر والخطمي والأشنان والسعتر والآس ، لأنّه ليس بمنصوص ولا في معناه.

مسألة ١١٤ : لا زكاة في الأزهار كالزعفران والعُصْفُر والقُطْن‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول أحمد في رواية(٢) - للأصل ، ولأنّه ليس بحَبّ ولا تمر فأشبه الخضراوات.

ولقول عليعليه‌السلام : « ليس في الفاكهة والبقل والتوابل(٣) والزعفران زكاة »(٤) .

وللشافعي قولان في الزعفران : الوجوب وعدمه(٥) .

وأما القِرْطِمْ - وهو حَبّ العُصْفُر - فلا زكاة فيه عندنا - وهو الجديد للشافعي(٦) - لأنّه ليس بمقتات ، ولأنّ السِّمْسِم لا تجب فيه الزكاة ودهنه أنفع فهذا أولى.

وفي القديم : تجب وتعتبر الأوساق الخمسة بخلاف الزعفران ، لحديث أبي بكر(٧) . ولا حجّة فيه ، وحكي عن أحمد أنّ في القطن زكاةً(٨) .

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٠ - ٥٥١ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ١٢٦.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٣) التوابل : جمع ، واحدها : تابل. وتبل القدر : جعل فيه التابل. والتابل : أبزار الطعام.

القاموس المحيط ٣ : ٣٤٠ « تبل ».

(٤) أورده ابن قدامة في الشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٦ و ٧ ) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٨) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

١٧٧

مسألة ١١٥ : العسل لا زكاة فيه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وابن المنذر(١) - للأصل ، والأحاديث الدالّة على نفي الزكاة عن غير التسعة ، ولأنّه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن.

وقال عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي وأحمد وإسحاق : تجب فيه بكلّ حال(٢) ، لأنّ عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كلّ عشر قرب قربة من أوسطها(٣) .

وقال أبو سيّارة : يا رسول الله إنّ لي نحلاً ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أدِّ العُشر ) قال : فاحم إذن جبلها. فحماه له(٤) .

ولا حجّة فيه ، لجواز أن لا يكون زكاة بل كان يأخذ خُمساً ونصفه لنفسهعليه‌السلام .

وقال أبو حنيفة : إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العُشر ؛ لأنّ العُشر والخراج لا يجتمعان(٥) .

ولا حجّة فيه علينا بل على أحمد.

____________________

(١) المنتقي - للباجي - ٢ : ١٧٢ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ - ٧٤ ، المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩٦ - ١٤٨٩.

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩٦ / ١٤٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٤ / ١٨٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٦ ، وانظر : المغني ٢ : ٥٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ و ٥٨٠ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

١٧٨

واختلف الموجبون ، فقال أبو يوسف ومحمد : نصابه خمسة أوساق(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب في قليله وكثيره ؛ بناءً على أصله في الحبوب والثمار(٣) .

وقال أحمد : نصابه عشرة أفراق ، والفَرْق ستّة عشر رطلاً بالعراقي ، وهو قول الزهري ، لقول عمر : إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشرة أفراق فرقاً حميناها لكم(٤) ، ولا حجّة فيه.

مسألة ١١٦ : قال الشيخ : العَلَس نوع من الحنطة ، لأنّه حنطة حبّتان منه في كمام فتجب فيه الزكاة‌ حينئذٍ ، ويضمّ إلى نصاب الحنطة لو قصر إلّا به(٥) .

وأمّا السُّلْت ، فقال : إنّه شعير ، لمشابهته إيّاه في الصورة فيضمّ إليه حينئذٍ(٦) .

وقال بعض الشافعية : بل يضمّ إلى الحنطة ، لأنّه على طبعها(٧) .

وقال آخرون : إنّه أصل بنفسه(٨) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٤) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢١٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٦٥ ، المسألة ٧٧.

(٧) المجموع ٥ : ٥١٠.

(٨) المجموع ٥ : ٥٠٩.

١٧٩

وللشافعي قولان : الضمّ إلى الشعير ، وعدم ضمّه مطلقاً(١) ، وهو الأقرب عندي.

وجعل الشافعي نصاب العَلَس عشرة أوسق لأجل قشره(٢) .

مسألة ١١٧ : لا شي‌ء في الاُرز عندنا ، ولا في غيره من الحبوب سوى الحنطة والشعير‌ ، سواء كان من القُطنيّات التي تقطن في البيت وهي اللوبيا والعَدس والماش والحِمَّص والباقِلاء والهُرْطُمان ، أو من الأبازير(٣) كالكُسْفُرة والكَمُّون ، أو البُزُور كبَزْر الكتّان والقِثّاء والخيار ، أو حبّ البقول كالرشاد ، وحَبّ الفُجْل والقِرْطِمْ والسِّمْسِم وسائر الحبوب - خلافاً لأحمد(٤) - للأصل.

وقال الشافعي : لا تجب الزكاة في الزرع إلّا أن يكون ممّا ييبس ويدّخر ويقتات وينبته الآدميون وهي القطنيّة إذا بلغ كلٌّ منها نصاباً ، ولا يضمّ بعضها إلى بعض(٥) .

واختلفت الرواية عن أحمد في الضمّ(٦) .

وجعل الشافعي نصاب الاُرز عشرة أوسق لأجل قشره(٧) .

وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلّا الحَطَب والقَصَب والحشيش(٨) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٠.

(٢) المجموع ٥ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩.

(٣) الأبازير جمع الجمع لـ ( أبزار ) واحدها : بزر. بمعنى : التابل. وهو ما يتطيّب به الطعام.

لسان العرب ٤ : ٥٦ « بزر ».

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٣ ، المجموع ٥ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٣.

(٦) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

(٧) المجموع ٥ : ٥٠٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٣.

(٨) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237