آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير15%

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 373

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96744 / تحميل: 6631
الحجم الحجم الحجم
آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

رأي أهل البيت عليهم‌السلام

- قال العياشي في تفسيره: ١ / ٢٨٨

عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه‌السلام قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآخره، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة، فنسخت ما قبلها ولم ينسخها شيء. لقد نزلت عليه وهو على بغلته الشهباء، وثقل عليه الوحي، حتى وقفت وتدلى بطنها، حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض، وأغمي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأ علينا سورة المائدة، فعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعملنا. انتهى.

ويقصد علي عليه‌السلام بذلك: أن المسح على القدمين في الوضوء هو الواجب، وليس غسلهما، لأن المسح نزل في سورة المائدة، وعمل به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون ولم ينسخ. ورواه في تفسير نور الثقلين: ١ / ٥٨٢ و: ٥ / ٤٤٧

- وفي الكافي: ١ / ٢٨٩

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود، جميعاً عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟ فأمر الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتخوف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس ، فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي عليه‌السلام يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب -

٢٤١

قال عمر بن أذنية: قالوا جميعاً غير أبي الجارود - وقال أبو جعفر عليه‌السلام : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي. قال أبو جعفر عليه‌السلام : يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.

- وفي تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٣

وقد قيل إن آخر ما نزل عليه: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، وهي الرواية الصحيحة، الثابتة الصريحة.

مصادر السنيين الموافقة لرأي أهل البيت عليهم‌السلام

- الدر المنثور: ٢ / ٢٥٢

وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن أبي ميسرة قال: آخر سورة أنزلت سورة المائدة، وإن فيها لسبع عشرة فريضة.

- المحلى: ٩ / ٤٠٧

روينا من طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أن سورة المائدة آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حلالاً فحللوه، وما وجدتم فيها حراماً فحرموه. وهذه الآية في المائدة فبطل أنها منسوخة، وصح أنها محكمة.

- المحلى: ٧ / ٣٨٩

فإن هذا قد عارضه ما رويناه عنها من طريق ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن جري بن كليب، عن جبير بن نفير قال: قالت لي عائشة أم المؤمنين: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم؟ قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حراماً فحرموه. انتهى. ورواه أحمد في مسنده: ٦ / ١٨٨، ورواه البيهقي في سننه: ٧ / ١٧٢ عن ابن نفير، ونحوه عن عبد الله بن عمرو. ورواه في طبقات الحنابلة: ١ / ٤٢٧، ورواه الحاكم: ٢ / ٣١١ وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

٢٤٢

ثم روى عن عبد الله بن عمرو أن آخر سورة نزلت سورة المائدة وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى. وستعرف أنهما لم يخرجاه مراعاة لعمر حيث ادعى أن آخر ما نزل من القرآن غير المائدة.

- وفي مجمع الزوائد: ١ / ٢٥٦

وعن ابن عباس أنه قال: ذكر المسح على الخفين، وعند عمر سعدٌ وعبد الله بن عمر، فقال عمر: سعد أفقه منك، فقال عبد الله بن عباس: ياسعد إنا لا ننكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح، ولكن هل مسح منذ نزلت المائدة، فإنها أحكمت كل شيء، وكانت آخر سورة نزلت من القرآن، ألا تراه قال ...

فلم يتكلم أحد.

رواه الطبراني في الأوسط، وروى ابن ماجة طرفاً منه، وفيه عبيد بن عبيدة التمار وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يُغرب. انتهى.

يقصد الهيثمي أن الرواية ضعيفةٌ بهذا الراوي، الذي هو ثقة عند ابن حبان، ولكنه يروي روايات غريبة، أي مخالفة لمقررات المذهب الرسمي الذي يقول إن الواجب هو غسل الرجلين في الوضوء، ويقول إن المائدة ليست آخر سورة نزلت!

- وفي الدر المنثور: ٢ / ٢٥٢

وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المائدة ( من ) آخر القرآن تنزيلاً، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها. انتهى.

ويشك الإنسان في كلمة ( من ) التي تفردت بها هذه الرواية، وكأن راويها أضافها للمصالحة بين الواقع وبين ما تبنته السلطة، وجعلته مشهوراً.

- وفي تفسير التبيان: ٣ / ٤١٣

وقال عبد الله بن عمر: آخر سورة نزلت المائدة.

٢٤٣

- وفي الغدير: ١ / ٢٢٨

ونقل ابن كثير من طريق أحمد والحاكم والنسائي عن عايشة: أن المائدة آخر سورة نزلت. انتهى.

ويتضح من مجموع ذلك أن المتسالم عليه عند عند أهل البيت عليهم‌السلام أن آخر ما نزل من القرآن سورة المائدة وأنه مؤيدٌ برواياتٍ صحيحة وكثيرة، في مصادر إخواننا بل يمكن القول بأن آية ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وحدها تكفي دليلاً على أنها آخر نزلت في آخر ما نزل من كتاب الله تعالى، لأنها تنص على أن نزول الفرائض قد تمت بها، فلا يصح القول بأنه نزل بعدها فريضة، على أنه وردت نصوصٌ بذلك كما تقدم عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، وكما سيأتي من رواية الطبري والبيهقي وقول السدي. وعليه، فكل ما نزل بعدها من القرآن، لا بد أن يكون خالياً من الفرائض والأحكام، لأن التشريع قد تم بنزولها، فلا حكم بعدها!

الآراء المخالفة والمتناقضة

ولكن هذا الأمر المحدد الواضح، صار غير واضحٍ ولا محددٍ عندهم!! وكثرت فيه الروايات وتناقضت! وزاد في الطين بلةً أن المتناقض منها صحيحٌ بمقاييسهم! وأنها آراء صحابةٍ كبارٍ لايجرؤون على ردهم!

ولعل السيوطي استحى من كثرة الأقوال في آخر ما نزل من القرآن، فأجملها إجمالاً، ولم يعددها أولاً وثانياً كما عدد الأقوال الأربعة في أول ما نزل!!

ونحن نعدها باختصار، لنرى أسباب نشأتها!

١ - أن آخر آية هي آية الربا، وهي الآية ٢٧٨ من سورة البقرة.

٢ - أن آخر آية هي آية الكلالة، أي الورثة من الأقرباء غير المباشرين، وهي الآية ١٧٦ من سورة النساء.

٣ - أن آخر آية هي آية ( واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله ) البقرة - ٢٨١.

٢٤٤

٤ - أن آخر آية هي آية ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) التوبة - ١٢٨.

٥ - أن آخر آية هي آية ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ) الأنبياء - ٢٥.

٦ - أن آخر آية هي آية ( فمن كان يرجو لقاء ربه ) الكهف - ١١٠.

٧ - أن آخر آية هي آية ( ومن يقتل مؤمنا متعمداً ) النساء - ٩٣.

٨ - أن آخر سورة نزلت هي سورة التوبة.

٩ - أن آخر سورة نزلت هي سورة النصر.

هذا ما جاء فقط في إتقان السيوطي ١ / ١٠١، وقد تبلغ أقوالهم ورواياتهم ضعف هذا العدد، لمن يتتبع المصادر!!

كيف نشأت هذه الآراء المتناقضة

القصة التالية تعطينا ضوءً على نشأة هذا الإضطراب والضياع:

سئل الخليفة عمر ذات يوم عن تفسير آية الربا وأحكام الربا، فلم يعرفها فقال: أنا متأسف، لأن هذه الآية آخر آية نزلت، وقد توفي النبي ولم يفسرها لي!

ومن يومها دخلت آيات الربا على الخط، وشوشت على سورة المائدة، وصار ختام ما نزل من القرآن مردداً بين المائدة، وبين آيات الربا!

ولكن الربا ذكر في أربع سور من القرآن: في الآيتين ٢٧٥ - ٢٧٦ من سورة البقرة والآية ١٦١ من سورة النساء، والآية ٣٩ من الروم، والآية ١٣٠ من آل عمران وبعض هذه السور مكي وبعضها مدني! فأي آيةٍ منها قصد الخليفة؟!

وتبرع المبررون للخليفة وقالوا إن مقصوده الآية ٢٧٨ من سورة البقرة! فصار مذهبهم أن آخر آية نزلت من القرآن وضعت في سورة البقرة، التي نزلت في أول الهجرة! وصار مذهبهم أن تحريم الربا تشريعٌ إضافي، لأنه نزل بعد آية إكمال الدين! ولعلهم يتصورون أنه لا بأس بهذه المفارقة في نزول القرآن والوحي، مادام هدفهم هدفا شرعياً صحيحاً هو الدفاع عن خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

٢٤٥

- قال الإمام أحمد في مسنده: ١ / ٣٦:

عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر رضي‌الله‌عنه : إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها، فدعوا الربا والريبة!! ورواه في كنز العمال: ٤ / ١٨٦ عن ( ش وابن راهويه حم ه‍ وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ق في الدلائل ) .

- وقال السرخسي في المبسوط: ٢ / ٥١ و ١٢ / ١١٤:

فقد قال عمر رضي‌الله‌عنه : إن آية الربا آخر ما نزل، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين لنا شأنها!

- وقال السيوطي في الإتقان: ١ / ١٠١

وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت آية الربا. وروى البيهقي عن عمر مثله وعند أحمد وابن ماجه عن عمر: من آخر ما نزل آية الربا. انتهى.

ولكن إضافة ( من ) في هذه الرواية لا تحل المشكلة، كما لم تحلها في سورة المائدة، لأن الروايات الأخرى ليس فيها ( من ) وهي نص على أن آية الربا آخر ما نزل!

قصة ثانية!

وذات يومٍ بل ذات أيام لم يعرف الخليفة عمر معنى الكلالة، وتحير فيها، واستعصى عليه فهمها، الى آخر عمره! فقال وقالوا عنه: إنها آخر آية نزلت، وتوفي النبي قبل أن يبينها له، أو بينها له بياناً ناقصاً!

- ففي البخارى: ٥ / ١١٥

عن البراء رضي‌الله‌عنه قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ونحوه في: ٥ / ١٨٥

- وقال السيوطي في الإتقان: ١ / ١٠١

فروى الشيخان عن البراء بن عازب قال آخر آية نزلت: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، وآخر سورة نزلت براءة.

٢٤٦

- وفي مسند أحمد: ٤ / ٢٩٨

عن البراء قال: آخر سورة نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم كاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: يستفتونك الى آخر السورة الى آخره!

ومن يومها دخلت آية الكلالة على الخط، وشاركت في التشويش على سورة المائدة! وصار ختام ما نزل من القرآن مردداً بين آيات الربا والكلالة، وبقية المائدة بما فيها آيتا العصمة من الناس، وإكمال الدين!

وقد راجعت ما تيسر لي من مصادر إخواننا في مسألة الربا والكلالة، فهالتني مشكلة الخليفة معهما، خاصةً مسألة الكلالة، حتى أنه جعلها من القضايا الهامة على مستوى قضايا الأمة الإسلامية الكبرى، وكان يطرحها من على منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستمر يطرحها كمشكلة كبرى، حتى ساعات حياته الأخيرة، وأوصى المسلمين بحلها! الأمر الذي يدل على شعوره العميق بالحرج أمام المسلمين، لعدم تمكنه من استيعابها!! ففي صحيح البخاري: ٦ / ٢٤٢

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل. والخمر ما خامر العقل. وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا. انتهى. ورواه مسلم في: ٢ / ٨١، بتفصيل أكثر، وروى نحوه في: ٥ / ٦١ و٨ / ٢٤٥، ورواه ابن ماجة في: ٢ / ٩١٠، وقال عنه السيوطي في الدر المنثور: ٢ / ٢٤٩: وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر عن عمر ...

ويدل هذا الصحيح المؤكد، على أن عمر لم يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلالة.

وقد صرح بذلك صحيح الحاكم الذي رواه في المستدرك: ٢ / ٣٠٣، فقال:

محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يحدث عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال: أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثٍ أحب إلي من حمر النعم: عن

٢٤٧

الخليفة بعده، وعن قوم قالوا نقرُّ بالزكاة في أموالنا ولا نؤديها إليك، أيحل قتالهم؟ وعن الكلالة. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.

ولكن في صحيح مسلم أن عمر سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها مرراً!!

- قال مسلم في: ٥ / ٦١: عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة! ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة! وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟! وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. انتهى.

يعني أنه سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها مراراً فوضحها له مراراً، ولكنه كرر سؤاله حتى غضب عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعدم فهمه لشرحه إياها!

بل يدل الصحيحان التاليان على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر عمر أنه سوف لن يفهم الكلالة طول عمره، أو دعا عليه بذلك!

- ففي الدر المنثور: ٢ / ٢٥٠

وأخرج العدني والبزار في مسنديهما، وأبو الشيخ في الفرائض، بسند صحيح عن حذيفة قال: نزلت آية الكلالة على النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ له، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بحذيفة فلقاها إياه، فنظر حذيفة فإذا عمر فلقاها إياه. فلما كان في خلافة عمر، نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتك كما لقاني، والله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبداً. انتهى.

- وفي كنز العمال: ١١ / ٨٠ حديث ٣٠٦٨٨ عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يورث الكلالة؟ قال: أو ليس قد بين الله ذلك، ثم قرأ: وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة الى آخر الآية، فكأن عمر لم يفهم!

٢٤٨

فأنزل الله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الى آخر الآية، فكأن عمر لم يفهم! فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس، فاسأليه عنها فقال: أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها أبداً!!

فكان يقول: ما أراني أعلمها أبداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال!! وذكر في مصدره أن ابن راهويه أو ابن مردويه صححه.

- بل روى السيوطي في الدر المنثور: ٢ / ٢٤٩ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كتبها لعمر في كتف! قال: وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن مردويه عن طاوس، أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فسألته فأملاها عليها في كتف، وقال: من أمرك بهذا أعمر؟ ما أراه يقيمها، أو ما تكفيه آية الصيف؟!!

قال سفيان: وآية الصيف التي في النساء: وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت الآية التي في خاتمة النساء. انتهى.

فانظر الى هذه التناقضات في أحاديث عمر والكلالة، وكلها صحيحة!

ولاحظ أن الكلالة هي إحدى المسائل الثلاث التي قال البخاري إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبينها للأمة، ولا سأل عمر النبي عنها مع أن روايتهم الصحيحة تقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كتب الكلالة لعمر في كتف!

وأما المسألة الثانية التي هي الخلافة، فقد روى البخاري نفسه أيضاً أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بدواة وكتف ليكتب للأمة الإسلامية كتاباً لا تضل بعده أبداً، ولكن عمر أبى ذلك ..

وأما المسألة الثالثة، وهي أبواب الربا، فيستحيل أن لا يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بينها وشرحها للمسلمين أيضاً، وقد يكون كتبها لعمر أو غيره في كتف أيضاً!!

دلالة هاتين القصتين

تدل هاتان القصتان على أن صحاح إخواننا فيها متناقضاتٌ لا يمكن لباحثٍ أن يقبلها جميعاً، بل لا بد له أن يرجح بعضها ويرد بعضها.

٢٤٩

وكيف يمكن لعاقلٍ أن يقبل في موضوعنا أن عمر لم يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الآية لأنها آخر آية نزلت وأنه سأله عنها مراراً، حتى دفعه بإصبعه في صدره، وغضب منه، الخ!!

وكيف يقبل أن الكلالة آخر آية، وآيات الربا آخر آيات الى آخر التناقضات التي ذكرناها، وأكثر منها فيما لم نذكره!

وتدل القصتان على أن سلطة الخليفة عمر على السنيين بلغت حداً تستطيع معه أن تجعل ادعاءه غير المعقول معقولاً! وأن المهم عندهم تكييف تفسير القرآن، وأحداث نزول آياته، وأسبابها، وفق ما قاله الخليفة، حتى لو تناقضت أقواله، وحتى لو لزم من ذلك إثارة شبهة التناقض في دين الله تعالى، وفي أفعاله تعالى!

وإذا اعترض أحدٌ على ذلك فهو رافضي، عدوٌّ للإسلام ورسوله وصحابته!.

وتدل القصتان في موضوعنا على أن آيات الربا وإرث الكلالة، وربما غيرهما، حسب رأي الخليفة قد نزلت بعد آية إكمال الدين، ومعنى ذلك أن الله تعالى قال للمسلمين: اليوم أكملت لكم دينكم ، ولكنه لم يكن أكمل أحكام الإرث والربا وأحكام القتل!!

إن من يحترم نفسه لا يمكنه أن يقبل منطقاً يجادل عن إنسان غير معصوم ليبرئه من التناقض، حتى لو استلزم ذلك نسبة التناقض الى الله عز وجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

* *

بقية الأقوال:

لا نطيل في ذكر بقية الأقوال، وأحاديثها الصحيحة عندهم، بل نجملها إجمالاً:

- ففي صحيح البخارى: ٥ / ١٨٢

قال سمعت سعيد بن جبير قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها الى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم ( النساء - ٩٣ ) هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء.

٢٥٠

- وفي البخاري: ٦ / ١٥

عن سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيه الى ابن عباس فقال: نزلت في آخر ما نزل، ولم ينخسها شيء.

- وفي الدر المنثور: ٢ / ١٩٦

وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني من طريق سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيها هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.

وأخرج أحمد، وسعيد بن منصور، والنسائي، وابن ماجة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، والطبراني من طريق سالم بن أبى الجعد، عن ابن عباس قال: لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟

قال: وأنى له بالتوبة؟!.

- وفي مجموع النووي: ١٨ / ٣٤٥

قوله تعالى: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها الآية.

في صحيح البخارى هي آخر ما نزل وما نسخها شيء. وكذا رواه مسلم والنسائي من طرق عن شعبة به. ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في الآية فقال: ما نسخها شيء. انتهى.

فهل يمكن لمسلم أن يقبل هذه الروايات ( الصحيحة ) من البخاري أو غيره، ومن ابن عباس أو غيره، ويلتزم بأن تحريم قتل المؤمن تشريع إضافي في الإسلام، نزل بعد آية إكمال الدين!

* *

٢٥١

- وفي مستدرك الحاكم: ٢ / ٣٣٨

عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن كعب رضي‌الله‌عنه قال: آخر ما نزل من القرآن: لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم. حديث شعبة عن يونس بن عبيد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى. وهذه الرواية ( الصحيحة ) على شرط الشيخين تقصد الآيتين ١٢٨ - ١٢٩، من سورة التوبة.

- وفي الدر المنثور: ٣ / ٢٩٥

وأخرج ابن أبي شيبة، واسحق بن راهويه، وابن منيع في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، من طريق يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ أن آخر ما نزل من القرآن - لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى آخر الآية.

* وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مروديه، عن الحسن أن أبي بن كعب كان يقول: إن أحدث القرآن عهداً بالله - وفي لفظ بالسماء - هاتان الآيتان: لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى آخر السورة.

- الدر المنثور: ٣ / ٢٩٥

واخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وابن الضريس في فضائله، وابن أبي دؤاد في المصاحف: وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والخطيب في تلخيص المتشابه، والضياء في المختارة، من طريق أبي العالية، عن أبي بن كعب، أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويمل عليهم أبي بن كعب، حتى انتهوا الى هذه الآية من سورة براءة: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم قوم لا يفقهون، فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال أبي بن كعب: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين: لقد

٢٥٢

جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم، فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. فهذا آخر ما نزل من القرآن. قال فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحي اليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون .

وأخرج ابن أبي دؤاد في المصاحف عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان، فقتل وهو يجمع ذلك اليه.

فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده شيء من كتاب الله فليأتنا به، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد به شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما!

فقالوا: ما هما؟

قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الى آخر السورة.

فقال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلهما؟

قال: إختم بهما آخر ما نزل من القرآن، فختمت بهما براءة. انتهى.

وشبيه به في سنن أبي داود: ١ / ١٨٢ ، وقد بحثنا هذه الروايات في كتاب تدوين القرآن.

* *

- وفي صحيح مسلم: ٨ / ٢٤٣

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: تعلم - وقال هارون تدري - آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعاً؟

٢٥٣

قلت نعم، إذا جاء نصر الله والفتح . قال: صدقت.

وفي رواية ابن أبي شيبة: تعلم أي سورة، ولم يقل آخر.

- وفي سنن الترمذي: ٤ / ٣٢٦

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: آخر سورة أنزلت: إذ جاء نصر الله والفتح .

- وفي الغدير: ١ / ٢٢٨: وروى ابن كثير في تفسيره: ٢ / ٢

عن عبد الله بن عمر أن آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح ( يعني النصر ).

- وفي الدر المنثور: ٦ / ٤٠٧

وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة في قوله: إذا جاء نصر الله والفتح ، قال: علمٌ وحدٌّ حده الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونعى اليه نفسه، إنك لا تبقى بعد فتح مكة إلا قليلا.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً: إذا جاء نصر الله والفتح .

* *

- وفي المجعم الكبير للطبرانى: ١٢ / ١٩

عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلت: واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله . انتهى. وهي الآية ٢٨١ من سورة البقرة!

* *

ونذكر في آخر ادعاءاتهم في آخر آيةٍ من القرآن: أن معاوية بن أبي سفيان أدلى بدلوه في هذا الموضوع، ونفى على المنبر أن تكون آية ( اليوم أكملت لكم دينكم ) آخر ما نزل، وأفتى للمسلمين بأن آخر آيةٍ نزلت هي الآية ١١٠ من سورة الكهف، وأنها وكانت تأديباً من الله لنبيه!! ففي المعجم الكبير للطبراني: ١٩ / ٣٩٢:

عمرو بن قيس أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر نزع بهذه الآية: اليوم

٢٥٤

أكملت لكم دينكم قال: نزلت يوم عرفة في يوم جمعة، ثم تلا هذه الآية: فمن كان يرجو لقاء ربه وقال: إنها آخر آية نزلت تأديباً لرسول الله انتهى.

وقد التفت السيوطي الى أن كيل التناقض قد طفح لإبعاد آية إكمال الدين عن ختم القرآن، وحجة الوداع، وغدير خم فاستشكل في قبول قول معاوية وعمر! ولكنه مرَّ بذلك مروراً سريعاً، على عادتهم في التغطية والتستر والروغان!

قال في الإتقان: ١ / ١٠٢

من المشكل على ما تقدم قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم ، فإنها نزلت بعرفة في حجة الوداع وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها. وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي، فقال: لم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ، مع أنه ورد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعدها!

وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال: الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم الدين بإفرادهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون، لا يخالطهم المشركون! انتهى.

ومعنى كلام ابن جرير الطبري الذي ارتضاه السيوطي: أن حل التناقض في كلام الصحابة بأن نقبله ونبعد إكمال الدين وإتمام النعمة عن التشريع وتنزيل الأحكام والفرائض، ونحصره بتحرير مكة فقط، حتى تسلم لنا أحاديث عمر عن الكلالة والربا وحديث معاوية في آخر آية في ( تأديب النبي )!!

إنها فتوى تتكرر أمامك من العلماء السنيين بوجوب قبول كلام الصحابة - ما عدا أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى لو استلزم ذلك تفريغ آيات الله تعالى وأحاديث رسوله من معانيها! فهم عملياً يعطون الصحابة درجة العصمة، بل يعطونهم حق النقض على كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم يجعلون كلامهم حاكماً عليه!

ثم يفرضون عليك أن تقبل ذلك وتغمض عينيك، وتصمَّ سمعك عن صراخ ضحاياهم من الآيات الظاهرة والأحاديث الصحيحة!!

٢٥٥

ونتيجة هذا المنطق: أن آية اليوم أكملت لكم دينكم ليست آخر آية، ولا سورتها آخر سورة، ولا معناها أكملت لكم الفرائض والأحكام، بل أكملت لكم فتح مكة!

وأن معنى ( اليوم ) في الآية ليس يوم نزول الآية، بل قبل سنتين من حجة الوداع!

وسوف تعرف أن الخليفة عمر أقر في جواب اليهودي بأن معنى اليوم في الآية: يوم نزولها، وليس يوم فتح مكة! بل قال القرطبي إن اليوم هنا بمعنى الساعة التي نزلت فيها الآية، كما سيأتي.

نص الآية الكريمة

يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً، وإذا حللتم فاصطادوا، ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب .

حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام، ذلكم فسق، اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون - اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا - فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم . المائدة ٢ - ٣

* *

آية إكمال الدين واللحوم المحرمة

أول ما يواجه الباحث في آية إكمال الدين غرابة مكانها في القرآن، فظاهر ما رواه المحدثون والمفسرون عنها، أنها نزلت في حجة الوداع آية مستقلة لا جزء آية ثم يجدها في القرآن جزءً من آية اللحوم المحرمة، وكأنها حشرت حشراً في وسطها، بحيث لو رفعنا آية إكمال الدين منها لما نقص من معناها شيء، بل لاتصل السياق!!

٢٥٦

فما هي الحكمة من هذا السياق؟ وهل كان هذا موضعها الأصلي من القرآن، أم وضعت هنا باجتهاد بعض الصحابة؟!

نحن لا نقبل القول بوقوع تحريف في كتاب الله تعالى، معاذ الله، لكن نتساءل عسى أن يعرف أحد الجواب: ما هو ربط آية إكمال الدين باللحوم المحرمة؟

ألا يحتمل أن تكون بالأساس في خاتمة سورة المائدة مثلاً، ولم يلتفت الى ذلك الذين جمعوا القرآن، فوضعوها هنا.

ثم قد يقبل الإنسان أن تكون الآية نزلت بعد آيات بيان أحكام اللحوم، ولكن كيف يمكن أن ينزلها الله تعالى في وسط أحكام اللحوم! فإذا قال الله تعالى: أكملت لكم دينكم ، فقد تمت الأحكام، فكيف يقول بعدها مباشرة: فمن اضطر في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإن الله غفور رحيم ؟! ثم يقول بعدها مباشرة: يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات وما علمتم الى آخر أحكام الدين الذي قال عنه أحكم الحكماء سبحانه قبل لحظات: إنه قد أكمله وأتمه؟!!

- قال في الدر المنثور: ٢ / ٢٥٩:

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم قال: هذا نزل يوم عرفة، فلم ينزل بعدها حرامٌ ولا حلالٌ. انتهى.

- وقال في: ٢ / ٢٥٧

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس فلما كان واقفاً بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يده والمسلمون يدعون الله: اليوم أكملت لكم دينكم ، يقول حلالكم وحرامكم، فلم ينزل بعد هذا حلالٌ ولا حرامٌ. انتهى.

والأحاديث والأقوال في عدم نزول أحكام بعد الآية كثيرة، وقد مر بعضها، ولا تحتاج الى استقصائها بعد أن كان ذلك يفهم من الآية نفسها ويؤيده ما ذكره اللغويون في معنى الكمال والتمام

٢٥٧

- قال الزبيدي في تاج العروس: ٨ / ١٠٣:

( الكمال: التمام ) وهما مترادفان كما وقع في الصحاح وغيره، وقد فرق بينهما بعض أرباب المعاني، وأوضحوا الكلام في قوله تعالى اليوم: أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، وبسطه في العناية، وأوسع الكلام فيه البهاء السبكي في عروس الأفراح. وقيل: التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه كما سيأتي، وفيه ثلاث لغات ( كمل كنصر وكرم وعلم ) قال الجوهري والكسر أردؤها، وزاد ابن عباد: كمل يكمل مثل ضرب يضرب، نقله الصاغاني ( كمالاً وكمولاً فهو كامل وكميل ) جاؤوا به على كمل.

وقال في ص ٢١٢: ( وتمام الشيء وتمامته وتتمته ما يتم به ) وقال الفارسي: تمام الشيء ماتم به بالفتح لا غير يحكيه عن أبي زيد. وتتمة كل شيء ما يكون تمام غايته، كقولك هذه الدراهم تمام هذه المائة، وتتمة هذه المائة.

قال شيخنا: وقد سبق في كمل أن التمام والكمال مترادفان عند المصنف وغيره، وأن جماعة يفرقون بينهما بما أشرنا اليه. وزعم العيني أن بينهما فرقا ظاهراً ولم يفصح عنه.

وقال جماعة: التمام الإتيان بما نقص من الناقص، والكمال الزيادة على التمام، فلا يفهم السامع عربياً أو غيره من رجل تام الخلق إلا أنه لا نقص في أعضائه، ويفهم من كامل، وخصه بمعنى زائد على التمام كالحسن والفضل الذاتي أو العرضي. فالكمال تمامٌ وزيادة، فهو أخص.

وقد يطلق كل على الآخر تجوزاً، وعليه قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي . كذا في كتاب التوكيد لابن أبي الإصبع.

وقيل التمام يستدعي سبق نقص، بخلاف الكمال. وقيل غير ذلك، مما حرره البهاء السبكي في عروس الأفراح، وابن الزملكاني في شرح التبيان، وغير واحد.

٢٥٨

قلت وقال الحراني: الكمال: الإنتهاء الى غاية ليس وراءها مزيد من كل وجه. وقال ابن الكمال: كمال الشيء: حصول ما فيه الغرض منه، فإذا قيل كمل فمعناه حصل ما هو الغرض منه. انتهى.

وبعد السؤال عن مكان الآية يواجهنا السؤال عن معناها، وسبب نزولها وفي ذلك ثلاثة أقوال:

القول الأول

قول أهل البيت عليهم‌السلام أنها نزلت يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة في الجحفة، في رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، عندما أمره الله تعالى أن يوقف المسلمين في غدير خم، قبل أن تتشعب بهم الطرق، ويبلغهم ولاية علي عليه‌السلام من بعده، فأوقفهم وخطب فيهم وبلغهم ما أمره به ربه. وهذه نماذج من أحاديثهم:

فقد تقدم ما رواه الكليني في الكافي: ١ / ٢٨٩

عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام وفيه ( وقال أبو جعفر عليه‌السلام : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.

- وعن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: كنت عنده جالساً فقال له رجل: حدثني عن ولاية علي، أمن الله أو من رسوله؟

فغضب ثم قال: ويحك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخوف ( لله ) من أن يقول ما لم يأمره به الله!! بل افترضه الله، كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج. انتهى.

- وفي الكافي: ١ / ١٩٨

أبو محمد القاسم بن العلاء رحمه‌الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا عليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر

٢٥٩

الامامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه‌السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه‌السلام ثم قال:

يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عز وجل: ما فرطنا في الكتاب من شيء ، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .

وأمر الامامة من تمام الدين، ولم يمض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً عليه‌السلام علماً وإماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم؟!

إن الامامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.

إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوة والخلة، مرتبةً ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذكره فقال: إني جاعلك للناس إماماً ، فقال الخليل عليه‌السلام سروراً بها: ومن ذريتي ؟ قال الله تبارك وتعالى: لا ينال عهدي الظالمين . فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم الى يوم القيامة، وصارت في الصفوة.

ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاًّ جعلنا صالحين . وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين .

فلم تزل في ذريته، يرثها بعض عن بعض، قرناً فقرناً، حتى ورثها الله تعالى النبي عليه‌السلام فقال جل وتعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

أخفاف ناقتي في الموقف، ولكن هذا كله موقف " وأشار بيده إلى الموقف فتفرق الناس وقال صلى الله عليه وآله " عرفة كلها موقف، ولو لم يكن إلا ماتحت خف ناقتي لم يسع الناس ذلك ".

" وقال ابن أبي عقيل وأبوالصلاح: حد عرفة من المازمين إلى الموقف ".

(وصفحة ٢٩٩) " مسألة: قال في النهاية: ولاتصلى المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة، وإن ذهب من اللير ربعه، أو ثلثه، فإن عاقه عائق عن المجئ إلى المزدلفة إلى أن يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له أن يصلي المغرب في الطريق، ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

وكلام ابن أبي عقيل يوهم الوجوب، فإنه قال: حيث حكى صفة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فأوجب بسنة على أمته أن لايصلي أحد منهم، المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات، حتى يأتوا المشعر الحرام ".

الدروس (صفحة ١٢٠) " والدعاء عند الخروج إلى عرفة، وضرب الخباء بتمرة، وهي بطن عرفة، وقال الحسن يضربه حيث شاء.

(وصفحة ١٢١) " وثانيها: الكون بعرفة وحدها نمرة وثوية بفتح الثاء وكسر الواو وذو المجاز والاراك، فلا يجوز الوقوف بالحدود، والظاهر أن خلف الجميل موقف، لرواية معاوية، وقال الحسن وابن الجنيد والحلبي حدها من المأزمين إلى الموقف.

" ويستحب أن يدعو بالمأثور، ويسأل العتق من النار، ويكثر من الاستغفار للآية والسكينة، والوقار، فإذا بلغ الكثيب الاحمر عن يمين الطريق قال مارواه معاوية عن الصادق عليه السلام " اللهم ارحم موقفي، وزد في عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي "، وتضيف إليه اللهم لاتجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني " والاقتصاد في السير لا وضعا وإيضاعا، لقول رسول الله

٣٦١

صلى الله عليه وآله " عليكم بالدعة " والمضي بطريق المأزمين، والنوز ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر، وتأخير العشائين إلى جمع للجمع بأذان وإقامتين إجماعا، وأوجب الحسن تأخيرها إلى المشعر في ظاهر كلامه ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٠) " مسألة: يجوز الافاضة من المشعر قبل طلوع الشمس، وقال ابن أبي عقيل: فإذا أشرق الفجر وبين ورأت الابل مواضع أخفافها، أفاض بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار ".

الدروس (صفحة ١٢٢) " قال الحسن: وروي أن قدرها مائة ذراع، أو مائة خطوة، وأنه تكره الاقامة بالمشعر بعد الافاضة ".

الحدائق الناضرة (مجلد ١٦ صفحة ٤٢٣) " ونحوه كلام ابن أبي عقيل، حيث قال بعد أن حكى صفة سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله): وأوجب بسنته على أمته أن لايصلي أحد منهم المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام. ونحوه ذلك كلام الشيخ في الخلاف ".

(وصفحة ٤٥٦) " قال ابن أبي عقيل: فإذا أشرق الفجر وتبين ورأت الابل مواضع أخفافها أفاض بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنهما: وهذا الكلام من الشيخين (رحمهما الله) يدل على أولوية الافاضة قبل طلوع الشمس وكذا قال ابن الجنيد وابن حمزة ثم نقل عن علي بن بابويه أنه قال: وإياك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها.

فيلزمك دم شاة ونقل عن الصادق أنه قال: ولايجوز للرجل الافاضة قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها، فيلزمه دم شاة.

قال: وهذا الكلام يشعر بوجوب اللبث إلى طلوع الشمس ثم نقل

٣٦٢

عن المفيد (رحمه الله) أنه قال: فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى، ولا يفض قبل طلوع الشمس إلا مضطرا وكذا قال السيد المرتضى وسلار ".

٣٦٣

الرمي مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٣) " مسألة: المشهور أنه يرمي جمرة العقبة من قبل وجهها لا من أعلاها، وقال ابن أبي عقيل يرميها من قبل وجهها من أعلاها."

وأعلم أن الشيخ سمى الجمرة الاولى بالعظمى، وكذا أبوالصلاح، وسماها ابن أبي عقيل بالصغرى، وهذا نزاع لفظي، مع أن الشيخ سمى في الاقتصاد جمرة العقبة العظمى، فيكون الصغرى هي الاولى، وسمى في موضع آخر من الاقتصاد الاولى بالعظمى.

" مسألة: المشهور أنه يرمي هذه الجمرة من قبل وجهها مستدبرا للقبلة، مستقبلا لها، وإن رماها عن يسارها مستقبلا للقبلة جاز إلا أن الاول أفضل، وهو اختيار الشيخ، وابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٠١) " مسألة: قال الشيخ في النهاية: الرمي عند الزوال أفضل، فإن رماها مابين طلوع الشمس إلى غروبها لم يكن به بأس، وفي المبسوط يكون ذلك بعد الزوال فإنه أفضل، فإن رماها بين طلوع الشمس إلى غروبها لم يكن به بأس وقال في الخلاف: لايجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، وقد روى رخصة قبل الزوال في الايام كلها، وقال ابن أبي عقيل: الرمي للجمار مابين طلوع الشمس إلى غروبها ".

الحدائق الناضرة (مجلد ١٧ صفحة ١٧) " و (منها) رمي جمرة العقبة مقابلا لها مستدبرا للقبلة، وقال ابن أبي عقيل: يرميها من قبل وجهها من أعلاها ".

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه " وتقف في وسط الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة وتقول وأنت مستقبل القبلة ".

هكذا نقل عنه في المختلف بعد أن نقل عن المشهور

٣٦٤

أنه يرمي هذه الجمرة من قبل وجهها مستدبر القبلة مستقبلا لها، فإن رماها عن يسارها مستقبلا للقبلة جاز إلا أن الاول أفضل، وهو اختيار الشيخ وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وغيرهم ".

".. وهكذا عبارة كتاب الفقه المذكورة، وهما ظاهرتان في الرد لما نقل عن ابن أبي عقيل، ولم نقف له فيما نقل عنه على دليل ".

الحدائق الناضرة (مجلد ١٧ صفحة ٣٠٦) " المسألة الثالثة: المشهور بين الاصحاب أن الرمي أيام التشريق مابين طلوع الشمس إلى الغروب، وإن كان كلما قرب الزوال أفضل، ذهب إليه الشيخ في النهاية، والمبسوط والمفيد والسيد المرتضى وأبوالصلاح وابن حمزة وابن الجنيد وابن أبي عقيل وغيرهم.

جواهر الكلام (مجلد ٢٠ صفحة ١٨) ".. أبا عبدالله عليه السلام يقول " رمي الجمار مابين طلوع الشمس إلى غروبها " وهي مع اعتبار أسانيدها وعمل الطائفة بها قديما وحديثا لامحيص عن العمل بها، خصوصا بعد سلامتها عن معارضة ماعدا الاجماع المحكي الموهون بمصير معظم من تقدمه كابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والصدوقين والمرتضى وجميع من تأخر عنه إلى خلافه، بل هو قد رجع عنه في مبسوطه ونهايته ".

٣٦٥

في الهدي

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٦) " مسألة: قال الشيخ في النهاية: لايجوز في الهدي الخصى، فمن ذبح خصيا وكان قادرا على أن يقيم بدله لم يجز له ذلك، ووجب عليه الاعادة، فإن لم يتمكن من ذلك فقد أجزأ عنه، وقال ابن الجنيد ولايجزي في الهدي ناقص بعض الاعضاء، وقال ابن أبي عقيل يكره أن يضحي بالخصي." احتج ابن أبي عقيل بقوله تعالى " فما استيسر من الهدي " ولانه أنفع للفقراء.

" مسألة: إذا اشترى الهدي على أنه مهزول، فخرج سمينا أجزأه، ذكره الشيخ رحمه الله، وهو اختيار ابن حمزة، وابن إدريس، وقال ابن أبي عقيل لا يجزيه ذلك."

احتج ابن أبي عقيل بأنه ذبح ما يعتقد عدم إجزائه فوجب أن لايجزي عنه، لانه لم يتقرب به إلى الله تعالى، إذ لا يتقرب بالمنهي عنه، وإذا انتفت نية التقرب انتفى الاجزاء.

" مسألة: قال الشيخ رحمه الله ومن السنة، أن يأكل من هديه لمتعته، ويطعم القانع والمعتر ثلثه، ويهدي الاصدقاء ثلثه وقال أبو الصلاح: والسنة أن ياكل بعضها، ويطعم الباقي.

وقال ابن البراج: وينبغي أن يقسم ذلك ثلاثة أقسام، فيأكل أحدها إلا أن يكون الهدي لنذر، أو كفارة، ويهدي قسما آخر، ويتصدق بالثالث، وهذه العبارة توهم الاستحباب.

وقال ابن أبي عقيل: ثم اذبح، وانحر وكل، واطعم، وتصدق.

(وصفحة ٣٠٧) " قال ابن أبي عقيل: ولايضحي بالحداء، وهي التي ليس لها إلا ضرعا واحدا، والنزاع معه لفظي ".

٣٦٦

الدروس (صفحة ١٢٧) " وقال الحسن: يكره الخصي، ولو تعذر غيره أجزأ، وكذا لو ظهر خصيا وكان المشتري معسرا."

ولو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت، لصحيح الرواية، ومنعه الحسن، والظاهر أنه أراد به لو خرجت بعد الذبح، ولو ظن التمام فظهر النقص لم يجز، بخلاف العكس، ويجئ على قوله عدم الاجزاء ولو تعذر إلا فاقد الشرايط أجزأ.

" مسايل: الاول: لو فقد الهدي وووجد ثمنه خلفه عند ثقة ليذبح عنه في ذي الحجة فإن تعذر فمن القابل فيه، ولو عجز عن الثمن صام، وأطلق الحسن وجوب الصوم عند الفقد ".

مدارك الاحكام (مجلد: ٨ صفحة ٢٣) " (ولا الخصي من الفحول) المراد بالخصي المسلول الخصية بضم الخاء وكسرها، وقد اختلف الاصحاب في حكمه، فذهب الاكثر إلى عدم إجزائه، بل ظاهر التذكرة أنه قول علمائنا أجمع.

وقال ابن أبي عقيل إنه مكروه، والاصح الاول.

(وصفحة ٣٦) " وقال ابن أبي عقيل " لا يجزيه ذلك لان ذبح ما يعتقده مهزولا غير جائز فلا يمكن التقرب به، وإذا انتفت نية القربة انتفى الاجزاء ".

وأجيب عنه بالمنع من الصغرى، إذ غاية ما يستفاد من الادلة عدم إجزاء المهزول، لاتحريم ذبح ماظن كونه كذلك.

(وصفحة ٤٣) " قال ابن أبي عقيل " ثم انحر واذبح وكل واطعم وتصدق ".

(وصفحة ٥٨ ٥٩) " (ولا تشترط فيها الموالاة على الاصح).

هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل قال العلامة في التذكرة والمنتهى إنه لايعرف فيه خلافا، ويدل عليه إطلاق الامر بالصوم فلا يتقيد إلا بدليل، وخصوص رواية إسحاق بن عمار قال " قلت لابي الحسن عليه

٣٦٧

السلام " إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الايام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد "، قال " صمها ببغداد "، قلت أفرقها؟ قال " نعم ".

وهذا الرواية ضعيفة السند جدا باشتماله على محمد بن أسلم، وقال النجاشي إنه يقال إنه كان غاليا فاسد الحديث.

ونقل عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح أنهما أوجبا الموالاة في السبعة كالثلاثة.

الحدائق الناضرة (مجلد ١٧ صفحة ٣٦٤ ٣٦٥) " المعروف في كلام الاصحاب هو أنه لو نذر أن يهدي إلى بيت الله سبحانه غير النعم..

انه يبطل النذر ونسب إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن البراج معللين ذلك بأنه لم يتعبد بالاهداء إلا في النعم، فيكون نذر غير ما يتعبد به وهو باطل، ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها " فإن قال الرجل: أنا أهدي هذا الطعام فليس بشئ إنما تهدى البدن ".

٣٦٨

الحلق

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٧) " قال ابن أبي عقيل: ومن حلق رأسه قبل أن ينحر، أو يذبح أجزأه، ولم يكن عليه شئ.

" وقال ابن أبي عقيل: ويحلق رأسه بعد الذبح، وإن قصر أجزأه ومن لبد رأسه وأعقصه فعليه الحلق واجب، ولم يذكر حكم الضرورة بالنصوصية ".

الدروس (صفحة ١٠٩) " درس: الخامس عشر إزالة الشعر عن رأسه وبدنه، ويجوز حلق الرأس للاذى، وعليه شاة، أو إطعام عشرة كل واحدة مد، أو صيام ثلاثة أيام.

وقال المفيد: يطعم ستة ستة أمداد، وقال الحسن وابن الجنيد: يطعم ستة، إثنى عشر مدا.

(وصفحة ١٣٢) " درس: يجب الحلق بعد الذبح، واكتفى في المبسوط والنهاية وابن إدريس بحصول الهدي في رحله، وهو مروي، وفي الخلاف ترتيب مناسك منى مستحب، وهو مشهور، وفي التبيان الحلق أو التقصير مستحب، وهو نادر، والترتيب ليس بشرط في الصحة، وإن قلنا بوجوبه، نعم يستحب لمن حلق قبل الذبح أن يعيد الموسى على رأسه بعد الذبح، لرواية عمار، وقال ابن الجنيد كل سايق هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، فلو حق وجب دم آخر ولا يتعين الحلق على الضرورة، والملبد عند الاكثر بل يجزي التقصير، وللشيخ قول بتعيينه عليهما، وهو قول ابن الجنيد وزاد المعقوص شعره، والمظفورة ووافق الحسن على الاخيرين، ولم يذكر الضرورة ".

٣٦٩

مدارك الاحكام (مجلد: ٨ صفحة ٩٠ ٩٨) " قال ابن أبي عقيل " ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب".ولم يذكر حكم الضرورة بالنصوصية.

ونقل عن يونس بن عبدالرحمن أنه قال " إن عقص شعره أي ضفره، أو لبده أي ألزقه بصمغ أو ربط بعضه إلى بعض يسيرا وكان صرورة تعين عليه الحلق في الحج وعمرة الافراد ".

ومادل على تعيين الحلق في هذه الصور خاص، والخاص مقدم.

نعم يمكن أن يقال " إن هذه الروايات لاتدل على وجوب الحلق على الصرورة، لان لفظ " ينبغي " الواقع في الرواية الاولى ظاهر في الاستحباب، ولفظ " الوجوب " الواقع في الرواية الاخيرة محتمل لذلك كما بيناه مرارا، لكنها واضحة الدلالة على وجوب الحلق على الملبد والمعقوص شعره، فلا يبعد القول بالوجوب عليهما خاصة، كما اختاره ابن أبي عقيل ".

(وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر: الرمي ثم الذبح، ثم الحلق).

اختلف الاصحاب في هذه المسألة، فذهب الشيخ في الخلاف، وابن أبي عقيل، وأبو الصلاح، وابن إدريس إلى أن ترتيب هذه المناسك على هذا الوجه مستحب لا واجب ".

(وصفحة ٢٥١) " وقال ابن أبي عقيل " فإذا فرغ من الذبح والحلق زار البيت، فيطوف به سبعة أشواط ويسعى، فإذا فعل ذلك أحل من إحرامه، وقد قيل في رواية شاذة عنهم عليهم السلام أنه إذا طاف طواف الزيارة أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء حتى يرجع إلى البيت، فيطوف به سبعا آخر ويصلي ركعتى الطواف، ثم يحل من كل شئ، وكذلك إذا كانت امرأة لم تحل للرجل حتى تطوف بالبيت سبعا آخر كما وصفت، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها الرجال " انتهى.

ولا يخفى مافي هذا الكلام من الضعف كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله تعالى.

أقول: والمختار هو القول الاول، للاخبار المتكاثرة الدالة عليه، كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه

٣٧٠

السلام قال " إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، فإذا طاف النساء فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ١٧ ٢٢٢) " وقال ابن أبي عقيل " ويحلق رأسه بعد الذبح وإن قصر أجزأه، ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب " ولم يذكر حكم الصرورة بالنصوصية.

وقال المفيد " لا يجزي الصرورة غير الحلق، ومن لم يكن صرورة أجزأه التقصير، والحلق أفضل " ولم ينص على حكم الملبد، وكذا قال أبوالصلاح.

(وصفحة ٢٤١) المسألة الثانية: اختلف الاصحاب رضوان الله تعالى عليهم في ترتيب المناسك الثلاثة يوم النحر هل هو على جهة الوجوب: الرمي ثم الذبح ثم الحلق، أو الاستحباب، قولان: وبالاول قال الشيخ في المبسوط والاستبصار، وإليه ذهب أكثر المتأخرين ومنهم العلامة في أكثر كتبه والمحقق في الشرائع وغيرهما.

وبالثاني قال الشيخ في الخلاف، وابن أبي عقيل وأبوالصلاح وابن إدريس، واختاره في المختلف.

ويدل على الوجوب رواية عمر بن يزيد المتقدمة، لقوله عليه السلام فيها " إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك " لدلالة الفاء على الترتيب.

ورواية جميل بن دراج عن أبي عبدالله عليه السلام قال " تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح ".

وصحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن أبي عبدالله عليه السلام قال " إذا رميت الجمرة فاشتر هديك " الحديث".

جواهر الكلام (مجلد: ١٩ صفحة ٢٣٤) " يتأكد (أي الحلق أو التقصير) في حق من لم يحج المسمى ب‍ (الصرورة) ومن لبد شعره بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يتسخ وقيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وابن حمزة في محكي الوسيلة لا يجزيهما إلا الحلق وكذا عن المقنع والتهذيب والجامع مع زيادة المعقوص، وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره والكافي في

٣٧١

الصرورة، وعن ابن أبي عقيل في الملبد والمعقوص ولم يذكر الصرورة، ومال إليه في المدارك ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣١٠) " مسألة: قال المفيد وسلار: لايبيت ليالي التشريق إلا بمنى، فإن بات بغيرها كان عليه دم شاة.

وقال ابن أبي عقيل: ولا يبيت أيام التشريق إلا بمنى، ولا يبيت بمكة، فإن بات بمكة فعليه دم.

" مسألة: لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ، قاله الشيخ، وابن حمزة، وابن أبي عقيل ".

المهذب البارع (مجلد ٢ صفحة ٢١٧) " وقال المفيد وتلميذه: ولا يبيت ليالي التشريق إلا ب‍ " مني " فإن بات بغيرها فعليه دم شاة وكذا قال ابن أبي عقيل ".

٣٧٢

كفارات

كشف الرموز (مجلد ١ صفحة ٣٩٦) " عن أبي عبدالله عليه السلام وفي الحمار بدنة، وفتوى المفيد في المقنعة، والشيخ في كتبه، وأتباعهما، على الاولى.

قام دام ظله والابدال في الاقسام الثلاثة، على التخيير، وقيل: على الترتيب، وهو الاظهر.

أما الترتيب فمذهب المرتضى، والشيخ في المبسوط والنهاية والمفيد في المقنعة، وابن بابويه في المقنع، وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وبه روايات ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٢٣٨) " مسألة: بدل البدنة في النعامة صوم شهرين متتابعين على ماهو المشهور، وقال ابن أبي عقيل فإن كان صيده نعامة فعليه صيام ثمانية عشر يوما، إذا لم يجد بدنة، ولا إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من طعام، والمشهور لكل مسكين نصف صاع، وأيضا بدل البقرة في حمار الوحش صيام شهر على المشهور، وقال هو: فإن كان صيده حمار وحش فعليه صيام على المشهور، وقال هو: فإن كان صيده حمار وحش فعليه صيام تسعة أيام إذا لم يجد بقرة، ولا إطعام ثلاثين مسكينا، وأيضا المشهور في بدل الشاة في الظبي صيام عشرة أيام، وقال ابن أبي عقيل: وإن كان صيده من الظباء فعليه صيام ثلاثة أيام إذا لم يجد شاة، ولا إطعام عشرة مساكين.

وقال أبوالصلاح كما قلناه في النعامة وحمار الوحش ووافق ابن أبي عقيل في الظبي فقال يجب صيام ثلاثة أيام".

٣٧٣