الكلام وأما عدم الدلالة على الفساد في المعاملات فلان مدلول النهي إنما هو التحريم هو لا ينافي الصحة بمعنى ترتب الاثر كما لا يخفى فيصح أن يقال لا تبع بيع التلقي ولا بيع الملاقيح ونحو ذلك ولكنك لو بعت لعصيت ولكن يصير الثمن ملكا لك والمثمن ملكا للمشتري وما يقال من أن التصريح بذلك قرينة للمجاز وإن الظاهر عن النهي ليس بمراد ففيه أن القرينة دافعة للمعنى الظاهر من اللفظ ومناقضة له كما في يرمي بالنسبة إلى الاسد ولا مناقضة هنا ولا مدافعة كما لا يخفى فلم يدل على الفساد عقلا ولم يثبت دلالته من جانب الشرع أيضا كما سيجئ وأما اللغة والعرف فكذلك أيضا لعدم دلالته على الفساد بأحد من الدلالات أو الاولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وقد يفصل بأن ما كان مقتضى الصحة فيه من المعاملات منحصرا فيما يناقض التحريم فيدل على الفساد فيه دون غيره وتوضيحه أن المعاملة مما لم يخترعه الشارع بل كانت ثابتة قبل الشرع فما جوزه الشارع وقرره و أمضاه فيترتب عليه الاثار الشرعية سواء كان ذلك الاثر أيضا ثابتا قبل الشرع أو وضعه الشارع وما لم يجوزه فلا يترتب عليه الاثار الشرعية فإن كان تجويزه بلفظ يناقض التحريم مثل الحلية و الاباحة والوجوب ونحو ذلك كما في أحل الله البيع وتجارة عن تراض المستثنى عن النهي عن أكل المال بالباطل وأوفوا بالعقود ونحوها فالنهي في أمثال ذلك يدل على الفساد لان النهي يدل على الحرمة فإذا كان بيع مخصوص حراما أو عقد مخصوص كذلك فلا يكون ذلك من جملة ما أحل الله ولا مما يجب الوفاء به لامتناع إجتماع الحرمة والحلية والحرمة والوجوب فيخصص عموم أحل وأوفوا مثلا بذلك فيخرج عما يثبت له مقتضى الصحة فيصير فاسدا من جهة رجوعه إلى الاصل وهو عدم الدليل على الصحة وقد مر في المقدمات ان عدم الدليل على الصحة هو الدليل على الفساد وما كان من جهة أخرى لا تناقض التحريم فلا يدل كما في قولهعليهالسلام إذا إلتقى الختانان وجب المهر فلا ينافي في وجوب المهر للحرمة في حال الحيض ونحو ذلك وهذا إنما يتم بناء على ما سلمناه وحققناه من التنافي عرفا وإنفهام التخصيص وإلا فلا منافاه ولا إستحالة في إعتبار الجهتين في غير ما كان المنهي عنه نفس المعاملة بعين ما مر ويشكل بأن إنحصار المقتضي في البيع في مثل أحل الله ونحوه ممنوع لم لا يكون المقتضي فيه مثل قولهعليهالسلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وكذلك سائر العقود ولا يمكن التمسك بأصالة تأخر ذلك إذ الاصل في كل حادث التأخر فإن قلت لما كان الاصل في المعاملات الفساد كما مر في المقدمات فهو يعاضد كون المقتضي مما يوجب الفساد لان غاية الامر تعارض الاحتمالين وتساقطهما قلت لا تعارض بينهما ولا تناقض حتى يوجب الترجيح والاصل إعمال الدليلين مع الامكان
فيخصص النهي عموم أحل ويبقي مدلول قوله البيعان بالخيار بحاله مستلزما لللزوم بعد الافتراق و إن كان حراما وقلما كان عقد من العقود يخلو عن مثل ذلك ثم ان ذلك المفصل جعل ذلك عذرا للفقهاء حيث يستدلون بالنهي على الفساد في البيوع والانكحة ردا على من إدعى إجماع العلماء على دلالة النهي على الفساد حيث يستدلون في جميع الاعصار والامصار بالنهي على الفساد وقال إن ذلك الاستدلال إنما هو في الموضع المذكور لا في كل موضع وأنت خبير بأن أكثر تلك الاستدلالات في البيع والنكاح ونحوهما وقد عرفت الحال والتحقيق أن النهي لا يدل على الفساد فيها مطلقا ويحتاج ثبوت الفساد إلى دليل من خارج من إجماع أو نص أو غير ذلك من القرائن الخارجية حجة القول بالدلالة مطلقا في العبادات والمعاملات أن العلماء كانوا يستدلون به على الفساد في جميع الاعصار و الامصار من غير نكير ورد بأنه إنما يدل على الفساد شرعا والحق في الجواب أن عمل العلماء ليس بحجة إلا أن يكون إجماعا وهو غير معلوم وان الامر يقتضي الصحة والاجزاء والنهي نقيضه والنقيضان مقتضاهما نقيضان فالنهي يقتضي الفساد الذي هو نقيض الصحة وفيه مع عدم جريانه فيما ليس مقتضيها الامر وإن أصل المقايسة باطلة لان الامر يقتضي الصحة لاجل موافقته والامتثال به والفساد المستفاد من النهي لو سلم فإنما هو لاجل مخالفته وتسليم التناقض أوحمل التناقض في الاستدلال على مطلق التقابل انا نمنع كون مقتضى المتناقضين متناقضين أومتقابلين إذ قد يشتركان في لازم واحد سلمنا لكن نقيض قولنا يقتضي الصحة لا يقتضي الصحة لا أنه يقتضي عدم الصحة والذي يستلزم الفساد هو الثاني ومقتضى الدليل هو الاول حجة القول بالدلالة مطلقا شرعا فقط إستدلال العلماء كما مر ومر جوابه مع أن ذلك لا يستلزم كونه من جهة الشرع فلا وجه للتخصيص وإدعاء الحقيقة الشرعية في الفساد كما يظهر من بعضهم أيضا في معرض المنع احتجوا أيضا بأنه لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهي ومن ثبوته حكمة يدل عليها الصحة واللازم باطل لان الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا وكان الفعل وعدمه متساويين فيمتنع النهي عنه لخلوة عن الحكمة وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو اولى بالامتناع لانه مفوت للزايد من مصلحة الصحة وهو مصلحة خالصة إذ لا معارض لها من جانب الفساد كما هو المفروض وإن كانت راجحة فالصحة ممتنعة لخلوها عن المصلحة بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شئ من مصلحة الصحة وجوابه إن كون مصلحة أصل النهي راجحة لا يقتضي مرجوحية ترتب الاثر بالنسبة إلى عدمه فترك الفعل أولا راجح على فعله أما لو فعل وعصى فترتب الاثر عليه راجح على عدمه ولا منافاة بينهما أصلا (إذ)؟ رجحان النهي إنما هو على الفعل و
رجحان الترتب إنما هو على عدم الترتب وهاتان المصلحتان ثابتتان للنهي وترتب الاثر بالذات لا أنه يعرض مصلحة الترتب بعد إختيار الفعل كما توهم المدقق الشيرازي وقد يستدل بما ورد في بعض الاخبار من صحة عقد المملوك إذا كان بغير إذن مولاه ثم رضي به معللا بأنه لم يعص الله تعالى بل عصى سيده فإنه يدل على أنه إذا كان فيه معصية بالنسبة إله تعالى وكان منهيا عنه فيكون فاسدا وفيه أنه على خلاف المطلوب أدل فإن المراد من المعصية في الرواية لا بد أن يكون هو مجرد عدم الاذن والرخصة من الشارع وإلا فمخالفة السيد أيضا معصية والحاصل أنه لما كان في مثل هذا العقد إذن من الله تعالى من جهة العمومات وغيرها مما يدل على صحة الفضولي بعد الاجازة فيصح وعدم إذن السيد غير مضر وبالجملة المراد أن ليس العقد خاليا عن مقتضى الصحة وإن كان معلقا على إذن المولى أيضا واحتجوا على عدم الدلالة لغة بأن فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه ولا دلالة للنهي على ذلك بوجه وهو مسلم في المعاملات على ما حققناه وأما في العبادات فقد بيناه ويشكل الجمع بن هذالاحتجاج والاحتجاج السابق لان مقتضاه كون الفساد من مقتضيات التحريم وهو مدلول النهي اللغوي فكيف ينكر دلالته عليه لغة إلا أن يكون مراد المستدل نفي الدلالة اللفظية والذي إقتضاه التحريم إنما هو من باب الاستلزام العقلي أو أنه مبني على القول بكون دلالة النهي على التحريم أيضا شرعيان فقط حجة القول بعدم الدلالة مطلقا وهو عدم إستحالة النهي ثم التصريح بالصحة كما مر ويظهر الجواب مما مر وأما القول الخامس فلم يقف له على حجة يعتد بها ويمكن إستنباط دليل والجواب عنه مما تقدم تذنيبات الاول انهم إختلفوا في المنهي عنه لوصفه فذهب أبوحنيفة إلى أنه يرجع إلى الوصف لا الموصوف فصوم يوم النحر حسن لانه صوم وقبيح لانه في يوم النحر ويلزمه القول بحلية البيع الربوي والمبيع به بعد إسقاط الزيادة والشافعي وأكثر المحققين على أنه يرجع إلى الموصوف أيضا وهو الحق بناء على ما حققناه من فهم العرف في التخصيص وإن كان العقل لا يحكم به ومناط من أرجع الكراهة إلى الوصف في المناهي التنزيهية دون التحريمية لعله هو إدعاء الاستقراء وقد عرفت بطلانه الثاني المنهي عنه لشرطه إن كان من جهة فقدان الشرط فليس الفساد فيه من جهة النهي بل إنما هو لان فقدان الشرط يستلزم إنتفاء المشروط وإن كان بإعتبار (خزازة)؟ في الشرط بأن يكون منهيا عنه لوصفه أو لجزئه أو نحو ذلك فلا يتم الحكم بالفساد أيضا مطلقا وإن قلنا بإمتناع إجتماع الامر والنهي ويكون النهي دالا على الفساد في الجملة أيضا إذ قد يكون الشرط من قبيل المعاملات ويكون وجوبه توصليا كغسل الثوب والبدن ونحو ذلك ولا يضره كونه منهيا عنه نعم إنما يصح فيما كان من قبيل العبادات
كالوضوء ومما ذكرنا في مسألة إجتماع الامر والنهي يظهر أن هذا الاشكال يجري في المنهي عنه لجزئه أيضا في الجملة فراجع وتأمل الثالث أفرط أبوحنيفة وصاحباه فقالا بدلالة النهي على الصحة وهو في غاية الظهور من البطلان لان النهي حقيقة في التحريم وليس ذلك عين الصحة ولامستلزما لها بوجه من الوجوه والظاهر انهم أيضا لم يريدوا أن النهي يدل على الصحة بل مرادهم أن النهي يستلزم إطلاق الاسم فقول الشارع لا تصم يوم النحر وللحائض لا تصل يستلزم إطلاق الصوم على ذلك الصوم وكذلك الصلاة والاصل في الاطلاق الحقيقة وذلك مبني على كون العبادات وما في معناها من المعاملات التي ثبت لها حدود وشرائط من الشارع أسامي للصحيحة منها فلو لم يكن مورد النهي صحيحا لم يصدق تعلق النهي على أمر شرعي فيكون المنهي عنه مثل الامساك والدعاء ونحو ذلك وهو باطل إذ نحن نجزم بأن المنهي عنه أمر شرعي وفيه أولا منع كونها أسامي للصحيحة سلمنا لكن المنهي عنه ليس الصلاة المقيدة بكونها صلاة الحائض مثلا بل المراد أن الحائض منهي عن مطلق الصلاة الصحيحة فإن قالوا أن الحائض إما تتمكن من الصلاة الجامعة للشرائط أولا والثاني باطل لاستلزامه طلب غير المقدور لاستحالة تحصيل الحاصل وإستمرار العدم مع عدم القدرة على الايجاد لا يجدي في مقدوريتها فتعين الاول والنهي لا يدل على الفساد فهي باقية على صحتها قلنا نختار الاول ونقول أنها متمكنة عن الصلاة الصحيحة الشرعية في الجملة وإن لم تكن صحيحة بالنسبة إلى خصوص الحائض ولا ريب أن الصلاة الجامعة للشرائط غير عدم كونها في أيام الحيض صحيحة بالنظر إلى سائر المكلفين وبالنظر إليها قبل تلك الايام وعدم تمكنها من الصلاة الصحيحة بالنسبة إلى نفسها وإمتناعها عنها إنما هو بهذا المنع والنهي وطلب ترك الممتنع بهذا المنع لا مانع منه مع أن قاعدتهم منقوضة بصلاة الحائض ونكاح المحارم إتفاقا وتخصيص الدليل القطعي مما لا يجوز وحمل المناهي الواردة عن صلاة الحائض على المنع اللغوي غلط لاستحباب الدعاء لها بالاتفاق وكذلك حمل النكاح على مجرد الدخول إرتكاب خلاف ظاهر لا دليل عليه والله الهادي
الباب الثاني في المحكم والمتشابه والمنطوق والمفهوم
وفيه مقصدان الاول في المحكم والمتشابه قال العلامةرحمهالله في التهذيب اللفظ المفيد إن لم يحتمل غير معناه فهو النص وهوالراجح المانع عن النقيض وإن إحتمل وكان راجحا فهو الظاهر والمشترك بينهما وهو مطلق الرجحان المحكم وإن تساويا فهو المجمل ومرجوح الظاهر المأول والمشترك بينه وبين المجمل وهو نفي الرجحان المتشابه وفسر الشارح العميدي المفيد بالدال على المعنى بالوضع وزاد قيدا آخر وهو أن الاحتمال وعدم الاحتمال إنما هو بالنظر إلى اللغة التي وقع بها التخاطب قال وإنما قيدنا
بذلك لان اللفظ قد يكون نصا بالنظر إلى لغة لعدم إحتمال إرادة غير معناه بحسب تلك اللغة و مجملا بالقياس إلى لغة أخرى ومثل للظاهر بلفظ الاسد وللمجمل بلفظ القرء ولم يمثل للنص قال شيخنا البهائيرحمهالله في زبدته اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فهو نص وإلا فالراجح ظاهر والمرجوح مأول والمساوي مجمل والمشترك بين الاولين محكم وبين الاخيرين متشابه ومثل الشارح الجوادرحمهالله للنص بالسماء والارض وللظاهر في أواخرالكتاب بالاسد والغائط والصلاة بالنسبة إلى اللغة والعرف و الشرع على الترتيب وقال شيخنا البهائي في الحاشية على قوله لغة أي بحسب متفاهم اللغة نحو له ما في السموات وما في الارض فقوله لغة قيد لقوله لم يحتمل ويجوز أن يكون قيدا للفعلين معا أما جعله قيدا للاخير أعني يفهم دون الاول فلا لقيام الاحتمال العقلي في أكثر النصوص إنتهى ثم مثل في الحاشية أيضا للظاهر والمأول بقوله تعالى وأمسحوا برؤسكم وأرجلكم فحملها على المسح ظاهر و على الغسل (الخفيف)؟ كما فعله في الكشاف مأول وظاهر كلام العميدي تخصيص هذا التقسيم بالدال بالوضع لغة فلايشمل المجازات وكلام غيره أعم وهو أقرب لان المجازات أيضا تنقسم إلى هذه الاقسام فإن القرائن قد تفيد القطع بالمراد وقد لا تفيد إلا الظن وقد يكون مجملا ثم أن كلام القوم هنا لا يخلو عن إجمال فإن الفرق بين السماء والارض والاسد بجعل الاولين نصا و الثالث ظاهرا تحكم بحت إذ إحتمال التجوز هو الداعي إلى ظنية الدلالة وكون اللفظ ظاهرا وهو قائم في السماء والارض كما لا يخفى إذ ليس هذا التقسيم بالنظر إلى الوضع الافرادي فإن القطع فيه وعدم القطع إنما هو من جهة ثبوت اللغة بالتواتر والآحاد وبعد الثبوت فالتقسيم إنما هو بالنظر إلى الوضع التركيبي وفي إفادة المراد من اللفظ في الكلام المؤلف كما لا يخفى فكما يجوز إحتمال المجاز في إطلاق الاسد في قولك رأيت أسدا بإرادة الرجل الشجاع وينفى بأصالة الحقيقة فكذلك يجوز في قولك انظر إلى السماء وانظر إلى الارض بإرادة مطلق الفوق والتحت كما لا يخفى فالتمثيل بالسماء والارض كما وقع من الشارح الجواد (ليس)؟ في محله ولعل (غفل)؟ عن مراد شيخنا البهائي بتمثيله بقوله تعالى وله ما في السموات وما في الارض والفرق واضح وتحقيق المقام أن هذا التقسيم لا بد أن يعتبر بالنسبة إلى دلالة اللفظ مطلقا حقيقة كان أو مجازا ولا بد أن يناط القطع في الارادة والظن بها بالقرائن الخارجية فإن دلالة اللفظ على ما وضع له حقيقة موقوفة على عدم القرينة على إرادة المجاز فإن ثبت القرينة على عدم إرادة المجاز فنقطع بإرادة المعنى الحقيقي وإذا لم يكن هناك قرينة على نفي التجوز فبأصالة العدم وأصالة الحقيقة يحصل الظن بإرادة الحقيقة فإرادة المعنى الحقيقي
من اللفظ قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا ولعل مراد شيخنا البهائيرحمهالله أن السموات والارض في هذا التأليف نصف في المخلوقين المعلومين بسبب قرينة المقام وهو أيضا محل تأمل لاحتمال إرادة العالم العلوي والسفلي وإن إشتمل على هذين المخلوقين أيضا من باب عموم المجاز وإن أراد جميع الكلام فالتأمل فيه أظهر ثم ان مراده من التقييد بقوله لغة لا بد أن يكون هو ما قابل العقلي لا اللغة فقط ثم إن أراد بهذا التقييد جواز الاحتمال العقلي بمعنى أن العقل يجوز أن يراد من ذلك اللفظ غير المعنى الموضوع له مع قطع النظر عن هذا الاستعمال الخاص فهو صحيح ولكنه لا دخل له فيما نحن فيه إذ الكلام في الاستعمال الخاص وإن أراد تجويز العقل بالنظر إلى هذا الاستعمال الخاص مع صحته فهو ليس بقطعي بالنظر إليه بملاحظة تلك اللغة أيضا ومع كونه غلطا فهو خارج عن مورد كلامهم أيضا إذ الغلط في الكلام لا يصدر عن الحكيم الذي كلام الاصوليين على كلامه وإن أراد بذلك تفاوت الظهور فلا ريب أن مراتب الظواهر مختلفة وذلك لا يجعل الاظهر نصا بالنسبة إلى الظاهر وهكذا ولا يحصل التغاير فالنص هو ما لا يحتمل غير المعنى عقلا أيضا بالنظر إلى هذه اللغة والاستعمال وهذا القطع يحصل بحسب القرائن الخارجية ويتفاوت بتفاوتها واعلم أن النصوصية والظهورية أمور إضافية فقد ترى الفقهاء يسمون الخاص نصا والعام ظاهرا وقد يطلقون القطعي على الخاص والظني على العام مع أن الخاص أيضا عام بالنسبة إلى ما تحته مع إحتمال إراده المجاز من الخاص أيضامن جهة أخرى غير التخصيص وكونه ظاهرا بالنسبة إلى المعنى المجازي فلاحظ أكرم العلماء ولا تكرم الاشتقاقيين لاحتمال إرادة البصريين من الاشتقاقيين دون الكوفيين وإحتمال إرادة الصرفيين منهم لمشابهتهم في العلم فالمراد بالنصوصية هو بالنسبة إلى العام يعني أن دلالة الاشتقاقيين عليهم قطعي من حيث تصورهم في الجملة وان كان بعنوان المجاز بخلاف دلالة العلماء عليهم فان دلالته عليهم إنما هي بضميمة أصالة الحقيقة وأصالة عدم التخصيص وهما لايفيدان إلا الظن المقصد الثاني في المنطوق والمفهوم وهما وصفان للمدلول ويظهرمن بعضهم إنهما من صفات الدلالة و الاول أظهر ولا مشاحة في الاصطلاح فالمنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق هكذا عرفوهما وفيه مسامحة فإن المعيار في الفرق بينهما هو كون ما له المدلول أي الموضوع في محل النطق وعدمه والمقصود من المدلول هو الحكم أو الوصف فلا يتم جعل قوله في محل النطق حالا من الموصول إلا بإرتكاب نوع من الاستخدام ولو جعل الموصول كناية عن الموضوع يلزم خروجه عن المصطلح وإرتكاب نوع إستخدام في الضمير المجرور وكيف كان
فالامر في ذلك سهل فالمهم بيان الفرق فنقول أن المنطوق هو مدلول يكون حكما من أحكام شئ مذكور وحالا من أحواله وأما نفس ذلك المدلول فقد لا يكون مذكورا في المنطوق أيضا كما ستعرف والله الهادي قانون المنطوق إما صريح أو غير صريح فالاول هو المعنى المطابقي أو التضمني ولي في كون التضمني صريحا إشكال بل هو من الدلالة العقلية التبعية كما مرت الاشارة إليه في مقدمة الواجب فالاولى جعله من باب الغير الصريح وأما الغير الصريح فهو مدلول الالتزامي وهو على ثلثة أقسام المدلول عليه بدلالة الاقتضاء والمدلول عليه بدلالة التنبيه والايماء والمدلول عليه بدلالة الاشارة لانه إما أن يكون الدلالة مقصودة للمتكلم أولا فأما الاول فهو على قسمين الاول ما يتوقف صدق الكلام عليه كقولهصلىاللهعليهوآله رفع عن أمتي الخطاء و النسيان فإن المراد رفع المؤاخذة عنها وإلا لكذب أو صحته عقلا كقوله تعالى واسئل القرية فلو لم يقدر الاهل لما صح الكلام عقلا أو شرعا كقول القائل أعتق عبدك عني علي ألف أي مملكا لي على ألف إذ لا يصح العتق شرعا إلا في ملك وهذا يسمى مدلولا بدلالة الاقتضاء واعلم أن الذي يظهر من تمثيلهم بالامثلة المذكورة أن دلالة الاقتضاء مختصة بالمجاز في الاعراب أو ما يكون قرينته العقل ولم يكن لفظيا فعلى هذا فدلالة قولنا رأيت أسدا يرمي على الشجاع ونحو ذلك يكون من باب المنطوق الصريح أو لا بد من ذكر قسم آخر ليشتمل سائر المجازات والثاني مالا يتوقف صدق الكلام ولا صحته عليه ولكنه كان مقترنا بشئ لو لم يكن ذلك الشئ علة له لبعد الاقتران فيفهم منه التعليل فالمدلول هوعلية ذلك الشئ لحكم الشارع مثل قولهصلىاللهعليهوآله كفر بعد قول الاعرابي هلكت و أهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فيعلم من ذلك أن الوقاع علة لوجوب الكفارة عليه وهذا يسمى مدلولا بدلالة التنبيه والايماء وهذا في مقابل المنصوص العلة فيصير الكلام في قوة أن يقال إذا واقعت فكفر وأما التعدية إلى غير الاعرابي وغير الاهل فإنما يحصل تنقيح المناط وحذف الاضافات مثل الاعرابية وكون المحل أهلا وغير ذلك وربما يفرط في القول فيحذف الوقاعية ويعتبر محض إفساد الصيام وتمام الكلام في ذلك سيجئ إنشاء الله تعالى في أواخر الكتاب وأما الثاني فهو ما يلزم من الكلام بدون قصد المتكلم على ظاهر المتعارف في المحاورات مثل دلالة قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا مع قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على كون أقل الحمل ستة أشهر فإنه غير مقصود في الايتين والمقصود في الاولى بيان (نعب)؟ الام في الحمل والفصال وفي الثانية بيان أكثر مدة الفصل هذه أقسام المنطوق وأما المفهوم فاما أن يكون الحكم المدلول عليه بالالتزام موافقا
للحكم المذكور في النفي والاثبات فهو مفهوم الموافقة كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب و يسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب وسيجئ الكلام في بيانه في أواخر الكتاب وإلا فهو مفهوم المخالفة ويسمى بدليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك و سيجئ تفصيلاتها ثم أن تقسيم المنطوق والمفهوم كما ذكرنا هو المشهور وربما يتأمل في الفرق بين المفهوم والمنطوق الغير الصريح فيجعل ما سوى الصريح مفهوما ولعل وجهه كون ماله المدلول غير مذكور في بعض الامثلة التي ذكروها للمنطوق الغير الصريح فإن أقل الحمل مثلا غير مذكور في الايتين فإنه هو الموضوع لا مطلق الحمل وكذلك حرمة الضرب حكم من أحكام الوالدين وهما مذكوران صريحا في الاية وقد يذب عن ذلك باعتبار الحيثيات والاعتبارات فإن جعل المفهوم في آية التأفيف هو الحرمة وموضوعه هو الضرب فهو غير مذكور وان جعل المفهوم هو حرمة الضرب والموضوع هو الوالدين فهو مذكور وكذلك الحمل وأقل الحمل قانون إختلف الاصوليون في حجية مفهوم الشرط ولابد في تحقيق هذا الاصل من رسم مقدمات الاولىأن لفظ الشرط يستعمل في معان قال في الصحاح الشرط معروف وكذلك الشريطة والجمع شروط وشرائط وقد شرط عليه كذا بشرط ويشرط وإشترط عله ويفهم من ذلك أنه أراد به مجرد الالزام والالتزام ولو بمثل النذر واليمين وعن القاموس إلزام الشئ وإلتزامه في البيع ونحوه وإستعمله النحاة فيما تلا حرف الشرط مطلقا أو ما علق عليه جملة وجودا يعني حكم بحصول مضمونها عند حصوله وقد يستعمل في العلة و في مصطلح الاصوليين ما يستلزم إنتفائه إنتفاء المشروط به ولا يستلزم وجوده وجود المشروط فمن مصاديق الاستعمال الاول النذر والعهد ونحوهما والشرط في ضمن العقد مثاله أنكحتك إبنتي وشرطت عليك أن لا تخرجها عن البلد ومن مصاديق الثاني ما عملت من خى تجز به وإن كان مثقال ذرة وقد تسميه النحاة أن الوصلية ومثل لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ومثل إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ومن مصاديق الثالث وإن كنتم جنبا فاطهروا ومن مصاديق الرابع الوضوء شرط الصلاة والقبض في المجلس شرط صحة الصرف وحلول الحول شرط لوجوب الزكاة وأما العلامة فقد جعله بعضهم من جملة إطلاقاته ولكنه خلاف ما صرح به أهل اللغة فإن اشراط الساعة هي جمع شرط بالتحريك وهو العلامة وكذلك بعض الاستعمالات الاخر مثل شرط الحجام إذا شق الجلد بمبضعته ولم يدم مأخوذ من المتحرك الثانية الجملة الشرطية أيضا تستعمل في معان كثيرة أحدها ما يفيد تعليق وجود الجزاء على وجود الشرط فقط مثل قولهم إن كان
هذا إنسانا كان حيوانا وليس عدمه معلقا على عدمه ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذا الاستعمال مبني على قاعدة أهل الميزان حيث يجعلون هذا التركيب لبيان الدليل على العلم بإنتفاء المقدم بسبب إنتفاء التالي ويقولون أن إستثناء نقيض التالي ينتج رفع المقدم بخلاف العكس يعني يعلم من إنتفاء الحيوانية إنتفاء الانسانية ومن إنتفاء الفساد إنتفاء تعدد الالهة و الثاني ما يفيد تعليق عدم الجزاء على عدم الشرط أيضا مثل إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ فعدم التنجيس وجوده معلق على وجود الكرية وإنتفائه معلق على إنتفائه وهذا هومصطلح أهل العربية ومتعارف لسان العرب فظاهر هذا الاستعمال كون الاول سببا للثاني والنظر إنما هو على ظاهر الحال مع قطع النظر عن نفس الامر وماقيل من أن الاول إذا كان سببا فلا يفيد إنتفائه إنتفاء المسبب لجواز تعدد الاسباب بل العكس أولى بالاذعان كما يشهد به قوله تعالى لو كان فيهما آلهة ففيه أولا أنه ناش من الخلط بين الاصطلاحين وقوله بل العكس اولى فيه إن العكس هو كون إنتفاء الثاني علة لانتفاء الاول ولم يقل به أحد بل هو علة للعلم بإنتفاء الاول فلا وجه لهذا الكلام بظاهره وثانيا أن المراد إنحصار السبب في الظاهر وثالثا أن الاصل عدم سبب أخر وإذا علم له سبب أخر فالسبب هو أحدهما لا بعينه لا معينا ومن هذا الباب لولا علي لهلك عمر وقول الحماسي ولوطار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر فإن رفع المقدم لا ينتج رفع التالي على قاعدة أهل الميزان وحينئذ يبقى الاشكال في إطلاق الشرط على السبب وللظاهر أنه لان قولنا مفهوم الشرط حجة معناه مفهوم الجملة الشرطية أي ما يقول له النحاة شرطا وهو الواقع بعد آن واخواته معلقا عليه حصول مضمون الجملة التي بعده كما هو محل نزاع الاصوليين كما يشهد به قولهم الامر المعلق بكلمة إن عدم عند عدم شرط ونحو ذلك لا إذا كان ذلك الواقع بعد إن واخواته شرطا أصوليا أيضا فإن الواقع بعد هذه الحروف قد يكون شرطا وقد يكون سببا فكما يجوز أن يقال إن قبضت في المجلس يصح الصرف يجوز أن يقال إذا غسلت ثوبك من البول فيطهر مع أنه إذا كان ذلك الواقع شرطا أصوليا فلا معنى لكون إنتفاء الحكم بإنتفائه مفهوما له بل هو معنى الشرط نفسه فالحاصل أن حدوث تلك الهيئة يغيره عن معناه ويصيره سببا على الظاهر فقولهم مفهوم الشرط حجة معناه أن ما يفهم من تلك الجملة الشرطية التي يسمونها النحاة شرطا في محل السكوت حجة وبعبارة أخرى تعليق الحكم على شئ بكلمة ان وأخواتها يقيد إنتفاء الحكم بإنتفاء ذلك القيد بدلالة الالتزامية لفظية (بينة)؟ فيكون حجة سواء فهم منه الشرطية المصطلحة للاصوليين أوالسببية فلا منافاة إذن بين الشرطية والسببية لتغائر الموضوعين بالنظر إلى
الاصطلاح فما يقال من أن قولنا إن قبضت في المجلس يصح الصرف هو عبارة أخرى عن قولنا شرط صحة الصرف القبض في المجلس والفرق هو الاسمية والحرفية كالفرق بين من وإلى والابتداء و الانتهاء إن أريد به الشرط الاصولي كما هو الظاهر فلا يتم إذ قد بينا أن الظاهر من الجملة الشرطية على تقدير الحجية وفهم إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط هو السببية كائنا ما كان فكيف يصير مساوقا للشرط الاصولي فحاصل قولنا مفهوم الشرط حجة أن مفهوم الجلمة الشرطية سببية الاولى للثانية وإلا لزم التناقض وإن أريد به معنى آخر مثل أن يقال المراد بالشرط هو ما علق على إنتفائه إنتفاء شئ أخر وتوقف وجود الآخر عليه ليشمل السبب أيضا وإن الجملة الشرطية أيضا تفيد هذا المعنى فهذا وإن كان أوجه من سابقه لكنه أيضا لا يتم لان الجملة الشرطية أخص من هذا إذ لا تفيد إلا السببية الثالث ما يكون شرطا لصدور الحكم على القائل لا لثبوته في نفس الامر مثل إن نزل الثلج فالزمان شتاء فإنه قد لا ينزل الثلج في الشتاء الثالثة قد أشرنا أن محل النزاع هو الجملة الواقعة عقيب إن وأخواتها فالظاهر أنه لا فرق بين أدوات الشرط وما دل على التعليق صريحا أو تضمنا فالاسماء المتضمنة معنى الشرط كالحروف مثل قوله تعالى فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمما ملكت أيمانكم وموثقة إبن بكير ناطقة بحجية مفهومها بالخصوص إذا تمهد ذلك فنقول ذهب الاكثرون إلى أن تعليق الحكم على شئ بكلمة إن واخواتها يدل على إنتفاء الحكم عند إنتفائه وذهب جماعة إلى العدم والاول أقرب لنا أن المتبادر من قولنا إن جائك زيد فأكرمه إن لم يجئك فلا يجب عليك إكرامه لا لا تكرمه فلا توهم وهو علامة الحقيقة فإذا ثبت التبادر في العرف ثبت في الشرع واللغة لاصالة عدم النقل وأما ما قيل معناه في العرف الشرط في إكرامك إياه مجيئه إياك فليس على ما ينبغي وكذا ما ذكره العلامةرحمهالله في التهذيب حيث قال الامر المعلق بكلمة إن يعدم عند عدم الشرط لانه ليس علة لوجوده ولا مستلزما له فلو لم يستلزم العدم العدم خرج عن كونه شرطا ويؤدي مؤداه كلام غيره أيضا وهذان الكلامان مبنيان على الخلط بين إصطلاح النحاة وإصطلاح الاصوليين في الشرط وقد عرفت أن المتبادر هو السببية ظاهرا وإن كان مدخول ان بالذات شرطا مع قطع النظر عن دخول إن فهذان الكلامان ناظران إلى إعتبار لفظ الشرط والغفلة عن أن الشرط معناه في الاصول هو ما ذكره لامطلقاونحن لما أثبتنا التبادر لهذه الهيئة التركيبية فنقول سائرالاستعمالات التي ذكرت كلها مجازات لتبادر غيرها ولانه خير من الاشتراك فمايقال من أنها مستعملة في جميع هذه المعاني والاشتراك والمجاز كلاهما
خلاف الاصل فلا بد أن يكون حقيقة في القدر المشترك وهو ما علق عليه وجود المشروط لا وجه له بعد وضوح الدليل هذا الكلام في الجملة الشرطية وأما لفظ الشرط فهو وإن كان خارجا عن محل النزاع لكن لما حصل الغفلة لبعض الفحول هنا فخلط الاصطلاحات فتحقيق القول به أن المتبادر منه في العرف احد المعنيين أما ما يتوقف عليه وجود شئ وينتفي بعدمه أعم من أن يكون وجوده علة أم لا وأما معنى الالزام والالتزام فلا وجه لحمله على المعنى الاصولي حيث ما ورد هذا واحتجوا على حجية مفهوم الشرط أيضا بأنه لو لم يفد التعليق إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط لكان التعليق لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه وفيه أولا أن الخروج عن اللغوية لا ينحصر في إعتبار هذه الفايدة بل يكفي مطلقها وأصالة عدم الفايدة الاخرى لا تنفى إحتمالها مع أن الغالب وجود الفوائد وثانيا أن هذا لا يناسب القول بالحجية ولا يوافق القول بالدلالة اللفظية كما هو المعهود في هذا المقام في ألسنة القائلين بالحجية فإن المعيار في أمثال هذه المقامات إثبات الحقيقة والتشبث بأصالة الحقيقة ليكون قاعدة في اللفظ المخصوص ولا يخرج عن مقتضاه إلا فيما دل دليل على خلافه من الخارج ولذلك يتمسكون بالتبادر وفهم أهل اللسان كما يستفاد من إستدلالهم ببعض الاخبار المذكورة في كتب الاصول وأما إثبات الكلية اللفظية من جهة الدلالة العقلية بمعنى أن العقل يحكم بأن كل موضع لم يظهر للشرط فايدة أخرى سوى ما ذكر فلا بد من حمله على إرادة ذلك فمع أن ذلك لا إختصاص له بحجية المفاهيم فضلا عن خصوص مفهوم الشرط ولا يقتضي تأصيل أصل عليحدة لحكم مفهوم الشرط أو مطلق المفهوم بل هو يجري في جميع المواضع وإنه إنما يتم لو وجد مقام لم يحتمل فايدة أخرى توجب الخروج عن اللغوية وهو ممنوع يرد عليه أنه يؤل النزاع حينئذ بين المثبت والمنكر إلى تجويز اللغو في كلام الحكيم وعدمه لو وجد مثل هذا الفرض ولا أظن أحدا من المنكرين يرضى بذلك بل الظاهر مهم أنهم إما ينكرون وجود موضع لا يحتمل فايدة أخرى وإن ذلك إثبات اللغة بالعقل وما يقال من أن الاستقراء يحكم بأن كل ما وجد لفظ لا يتصور له فايدة سوى فايدة معينة فهو موضوع له فهو بمعزل عن التحقيق غاية الامر إستفادة كون المعنى مرادا من اللفظ وأما كونه مدلولا بالدلالة اللفظية فكلا فإن قيل إنما نحن نقول بأن مفهوم الشرط حجة إذا لم يظهر فائدة سوى إنتفاء الحكم عند إنتفائه ظهورا مساويا لها أو أزيد منها وبالجملة إذا كان هذه أظهر الفوائد لا إذا لم يحتمل فايدة أخرى قلنا هذا أيضا لا يثبت الدلالة اللفظية وأما العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا
العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا يعترف بحجيته ولكنه لا يصير قاعدة كلية بخصوص المقام كما هو مقتضى القواعد الاصولية فالذي يليق بقواعد الفن إثبات أظهريتها من بين (الفوائد)؟ مطلقا لا أنه إذا كان اظهر الفوائد في موضع يكون حجة في ذلك الموضع واحتج النافون بأن (؟ شرط)؟ هو تعليق الحكم به وليس يمتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط أخر ولا يخرج من أن يكون شرطا ألا ترى أن إنضمام أحد الرجلين إلى الاخر شرط في قبول شهادة الاخر وقد ينوب عنه إنضمام إمرأتين أو اليمين فلا يفيد تعليق الحكم بشرط إنتفاء الحكم عند إنتفائه لجواز ثبوت بدل له وظاهر هذا الاستدلال تسليم فهم السببية كما ذكرنا لكن المستدل به يتمسك في نفي الحجية بإحتمال النائب فلا يكفي مجرد تعليق الحكم بالشرط في نفي الحكم عند إنتفائه وأنت خبير بأن الاحتمال لا يضر بالاستدلال بالظواهر وإلا لانسد باب الاستدلال في الايات والاخبار فنقول فيما لم يثبت شرط آخر ولم يعلم تحقق سبب آخر الاصل عدمه لا يقال هذا ينافي ما ذكرت سابقا أن معنى حجية المفهوم هو كون ذلك المعنى مدلولا لللفظ في محل السكوت وهذا ليس من قبيل دلالة اللفظ إذ لا يتم ذلك إلا بإنضمام أصالة عدم تعدد السبب لانا نقول التبادر يقتضي إنحصار المدلول ويفيد تعين السببية في الظاهر وذلك الاحتمال هو إحتمال التجوز في الكلام الذي يجري في جميع الالفاظ المستعملة في معانيها الحقيقية ولا يعتني به أبدا وإلا لما كان للتمسك بأصل الحقيقة معنى وهو خلاف الاجماع وإن ثبت من دليل آخر وجود سبب آخر كالمثال المذكور فحينئذ نقول الشرط أو السبب أحد المذكورات كما أن الظاهر من الامر الوجوب العيني فإذا ورد أمران متضادان في محل واحد نحملهما على التخيير وذلك لا يوجب خروج صيغة الامر عن كونها حقيقة في العيني واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا فإنه لا يجوز الاكراه مطلقا فلا يصح التعليق لو أريد به إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط وجوابه أن السالبة هذا بإنتفاء الموضوع وما يقال ان الواسطة ممكن فلا يستلزم نفي إرادة التحصن إرادة البغاء حتى لا يمكن الاكراه فقد يحصل الذهول عنهما فهو مدفوع بأنها تنتفي عند التنبيه وقد يجاب أيضا بأن مفهوم الشرط إنما يكون حجة إذا لم يظهر له فائدة سواه وهو متحقق هنا مثل تنبيه الموالى على أنهن إن اردن التحصن مع ما بهن من الضعف والقصور فأنتم أولى بذلك ويظهر لك ما في هذا الجواب مما أسلفنا لك سابقا ويمكن أن يقال أن الشرط هنا ورد مورد الغالب إذ الغالب في تحقق الاكراه هو مع إرادة التحصن فلا حجة فيه كما سيأتي والاولى أن يقال ان مطلق الاستعمال لا يدل على الحقيقة وبعد ثبوت الحقيقة فهذا إستعمال مجازي لكون المجاز خيرا من
الاشتراك أو يقال أن اللفظ يقتضي ذلك ولكن القرينة الخارجية مانعة ولو لا القرينة على عدم إرادة المفهوم من الاجماع القاطع (لعملنا)؟ على مفهومه فالاجماع هوالقرينة على عدم إرادة ذلك وأولى المعاني التي يمكن حمل الآية عليها حينئذ هو التنبيه على علة الحكم فإن القيد الوارد بعد النهي على ما ذكره بعض المحققين إما أن يكون للفعل مثل لا تصل إلا إذا كنت محدثا أو للترك مثل لا تبالغ في الاختصار إن حاولت سهولة الفهم أو للعلة مثل لا تشرب الخمر إن كنت مؤمنا وما نحن فيه من هذا القبيل أقول ومن هذا القبيل قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله الآية قانون إختلفوا في أن تعليق الحكم على وصف يدل على إنتفائه عند إنتفاء الوصف ام لا سواء كان الوصف صريحا مثل أكرم كل رجل عالم أو في السائمة زكاة ولي الواجد يحل عقوبته أو مقدرا كقولهعليهالسلام لان يمتلى بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلى شعرا فإمتلاء البطن من الشعر كناية عن الشعر الكثير فمفهومه أنه لا يضر الشعر القليل احتج المثبتون بمثل ما تقدم في مفهوم الشرط من لزوم اللغو في كلام الحكيم فلو لم يفد إنتفاء الحكم عند إنتفائه لعرى الوصف حينئذ عن الفايدة ولعده العقلاء مستهجنا مثل قولك الانسان الابيض لا يعلم الغيب وبأن أبا عبيدة الكوفي فهم من قول النبيصلىاللهعليهوآله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه أن لي غير الواجد لا يحل عرضه وقال أنه يدل على ذلك وهو من أهل اللسان والجواب عن الاول يظهر مما سبق فإنه يلزم اللغو لو لم يحتمل فايدة أخرى والفوائد المحتملة كثيرة مثل الاهتمام بحال المذكور مثل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أو احتياج السامع إليه أن سبق بيان غيره أو ليستدل السامع على المسكوت عنه فيحصل له رتبة الاجتهاد أو غير ذلك مما ذكروه فإن قيل نقول بذلك إذا كان ذلك أظهر الفوائد فيجاب عنه بما تقدم في مفهوم الشرط وبالجملة التعليل بلزوم العراء عن الفائدة وإخراج الكلام عن اللغوية لا يقتضي إلا ثبوت فائدة ما فاد اثبت من القرينة الخارجية أظهرية هذه الفائدة المتنازع فيها فلا أظن المنكر متحاشيا عن القول بمقتضاه أيضا وما يظهر إنكاره من بعضهم لاحتمال إرادة الغير كما يظهر نظيره من السيدرحمهالله في مفهوم الشرط حيث إكتفى في نفي الاستدلال بمجرد إحتمال تعدد السبب فهو ضعيف لما بينا ومن هذا القبيل قول أبيعبداللهعليهالسلام في صحيحة الفضيل قال قلت لهعليهالسلام ما الشرط في الحيوان قالعليهالسلام ثلاثة أيام للمشتري قلت وما الشرط في غير الحيوان قالعليهالسلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وأما الاستهجان فممنوع وما يتراى هجنة في المثال المذكور فإنما هولكون أصل الحكم في هذا المثال من باب توضيح الواضحات كذلك ذكر الوصف هنا وإلا فقد يكون فايدة الوصف
مجرد التوضيح بل نقل عن الاخفش وجماعة من أئمة العرب أن وضع الصفة للتوضيح فقد لا للتقييد وإن مجيئها للتقييد خلاف الوضع غاية الامر تعارض ذلك مع ما نقل من فهم أبي عبيدة وظهور خلافه في افهامنا أيضا فيتساقطان فيبقى عدم الدلالة على المدعى وأماالجواب عن الثاني فيظهر مما ذكرنا من المعارضة مع أن فهمه لعله كان عن إجتهاده في اللغة وكلام اللغويين واحتج النافون بأنه لو دل لدل بإحدى الثلاث وكلها منتفية اما المطابقة والتضمن فظاهر وإلا لكان منطوقا واما الالتزام فلعدم اللزوم الذهني لا عقلا ولا عرفا ولي في المسألة التوقف وإن كان الظاهر في النظر أنه لا يخلو عن إشعار كما هو المشهور إذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه في الاحتجاج إلا أن ينضم إليه قرينة كما في صحيحة الفضيل المتقدمة ومن هذا القبيل القيود الاحترازية في الحدود والرسوم وأما مثل قوله تعالى اعتق رقبة مؤمنة فدلالته على عدم كفاية عتق الكافر ليس من جهة مفهوم الوصف كما توهم ولامن جهة مجرد الاجماع عليه كما نقله العلامةرحمهالله في النهاية بل لان إتحاد الموجب المطلق والمقيد مع كون التكليف شيئا واحدا يوجب العمل على المقيد لان العمل على المطلق ترك للمقيد بخلاف العكس وبالجملة القيد مطلوب فمع تركه لا يحصل الامتثال فعدم الامتثال بعتق الكافرة إنما هو لعدم صدق الامتثال بالمؤمنة التي ورد الخطاب بها مع كون المطلوب رقبة واحدة ثم أن هيهنا فوائد الاولى أنهم ذكروا أن حجية مفهوم الشرط والوصف ونحوهما إنما هو إذا لم يكن على طبق الغالب مثل وربائبكم اللاتي في حجوركم ولا يحضرني منهم كلام في بيان ذلك وعندي أن وجهه أن النادر إنما هو المحتاج حكمه إلى التنبيه والافراد الشايعة تحضر في الاذهان عند إطلاق اللفظ المعرى فلو حصل إحتياج في الانفهام من اللفظ فإنما يحصل في النادر فالنكتة في الذكر لا بد أن يكون شيئا آخر لا تخصيص الحكم بالغالب وهو فيما نحن فيه التشبيه بالولد ومما بينا ظهر السر في عدم إطراد الحكم فيما إذا ورد مورد الغالب في غير باب المفاهيم أيضا ألا ترى أنا لا نجوز التيمم لواجد الماء لمن منعه زحام الجمعة أن الخروج مع أن الشارع أطلق الحكم بالتيمم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج وأيضا قالوا بإشتراط عدم كون المخالف أولى بالحكم مثل ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق و النكتة فيه التنبيه على خطأهم في العلة والحجة ويمكن إرجاعه إلى القسم الاول وبالجملة المعتبر في دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي هو عدم القرينة الظاهرة على إرادة الخلاف فكلما ظهر قرينة على إرادة غيره فنحملها عليه لا لان الحجية إنما هو إذا لم يظهر للقيد فائدة اخرى كما هو مقتضى الدلالة العقلية بل لثبوت القرينة على الخلاف كما هو مقتضى الدلالة اللفظية الثانية قد توهم بعضهم
ان فائدة المفهوم وثمرة الخلاف إنما تظهر إذا كان المفهوم ومخالفا للاصل مثل ليس في الغنم المعلوفة زكاة أو ليس في الغنم زكاة إذاكانت معلوفة أو إلى أن تسوم وأما إذا كان موافقا للاصل كما في قوله في الغنم السائمة زكاة فلا لان نفي الزكاة هو مقتضى الاصل وقال أن دعوى الحجية إنما نشاء من الغفلة عن ذلك لكون المفهوم مركوزا في العقول من جهة الاصل واستشهد على ذلك بكون الامثلة المذكورة في إستدلالاتهم من هذا القبيل وأنت خبير بما فيه لكمال وضوح الثمرة والفايدة في الموافق للاصل أيضا لان المدعي للحجية يقول بأن هيهنا حكمين من الشارع فلا يحتاج إلى الاجتهاد في طلب حكم المعلوفة كما أن المنكر يحتاج وكونه موافقا للاصل لا يكفي إلا بعد إستفراغ الوسع في تحصيل الظن بعدم الدليل كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محله وأيضا الاصل لا يعارض الدليل ولكن الدليلين يتعارضان ويحتاج المقام إلى الترجيح فإذا إتفق ورود دليل آخر على خلاف المفهوم فيعمل عليه من دون تأمل على القول بعدم الحجية ويقع التعارض بينه وبين المفهوم على القول بالحجية وربما يترجح المفهوم على المناطيق إذا كان أقوى فضلا عن منطوق واحد وما جعله منشاء للغفلة هو غفلة عن المتوهم إذ كلماتهم مشحونة بالحكم في المخالف للاصل والموافق والامثلة واردة على القسمين كما لا يخفى على المتتبع الثالثة مقتضى المفهوم المخالف إنما هو رفع الحكم الثابت للمذكور على الطريقة الثابتة للمذكور وقد وقع هنا توهمان أحدهما ما أشرنا سابقا إليه من أن مفهوم قولنا إعط زيدا إن أكرمك لا تعطه إن لم يكرمك وهو باطل لان رفع الايجاب هو عدم الوجوب وهو أعم من الحرمة التي هي مقتضى النهي نعم إذا كان الحكم الموافق هو الجواز بالمعنى الاعم يكون مفهومه الحرمة كقولهصلىاللهعليهوآله كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب فإن مفهومه أن كل ما لا يؤكل لحمه لا يتوضاء من سؤره ولا يشرب فإنه وإن كان مفهومه الصريح نفي الجواز لكنه ملزوم للحرمة وثانيهما ما صدر عن جماعة من الفحول قال بعضهم إن مفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة ليس كل غنم معلوفة فيه الزكاة وان هذا يصدق على تقدير ان يجب في بعض المعلوفة الزكاة وعلى تقدير ان لا يجب في شئ منها ومفهوم قولنا بعض السائمة كذلك هو عدم صدق قولنا بعض المعلوفة كذلك ويلزمه أن يصدق قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك ويلزمه أن يقول أن مفهوم قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك هو بعض السائمة كذلك ورد بعضهم على صاحب المعالم حيث ادعى أن مفهوم قولنا كل حيوان مأكول اللحم يتوضاء من سؤره ويشرب منه هو أنه لا شئ مما يؤكل لحمه يتوضاء من سؤره ويشرب بأن هذه دعوى لا شاهد له عليها من العقل والعرف والعلامة على الشيخرحمهالله كذلك وأنت خبير بأن ذلك
التوهم يشبه بأن يكون إنما نشاء من بعضهم من جعل المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق وإن كان صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم بل ممن دونهم بمراتب لاختلاف الموضوع ولذلك يتصادقان أيضا والظاهر أن مراد من أطلق النقيض على المفهوم كفخر الدين الرازي إنما هو أن المفهوم رافع لحكم المنطوق فإن نقيض كل شئ دفعه والمراد رفع ذلك الحكم من غير الموضوع والحق هو ما فهمه الشيخ و صاحب المعالم فإن الحكم المخالف في جانب المفهوم إنما يستفاد من جهة القيد في المنطوق فكل قدر يثبت فيه القيد وتعلق به من أفراد الموضوع فيفهم إنتفاء الحكم بالنسبة إلى ذلك القدر وإلا لبقي التعليق بالنسبة إليه بلا فايدة وما يقال من أن الفايدة تحصل في الجملة بثبوت المخالفة في الجملة فهو بمعزل عن التحقيق إذ يبقى التصريح بتعلقه بالجميع بلا فايدة فمفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة لا شئ من المعلوفة كذلك فإن وجوب الزكاة معلق على سوم كل غنم فيرتفع بمعلوفية كل غنم وما قيل ان ذلك لعله لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين افراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت عنه يعني أن جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضأ من سؤره فنطق به في الكلام و إنما لم يشرك بعض الافراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق لاجل عدم لفظ مشهور جامع لهما فيبقى بيانه إلى وقت الحاجة ففيه أنه لا ينحصر الافادة في وجود اللفظ المشهور المشترك فقد يصح أن يقال مثلا كل حيوان يجوز التوضأ من سؤره إلا الكلب مثلا وكذلك في قوله كل غنم سائمة فيه الزكاة مع ثبوت الحكم لبعض المعلوفة أيضا يمكن أن يقال كل غنم فيه الزكاة إلا النوع الفلاني فلا ينقطع المناص حتى يلتزم تأخير البيان وغيره من الخزازات فلا بد للقيد من فايدة والمفروض أنه ليس إلا نفي الحكم عن غير محل النطق مع أن القول بكون إستعمال القيد هنا لذلك لا لاخراج غير المقيد عن الحكم خروج عن مقتضى القول بحجية المفهوم إذ هو إما مبني على التبادر من اللفظ أو على لزوم خلو كلام الحكيم عن الفايدة لولاه كما تقدم وهو إنما يصح لو لم يكن هناك فائدة أخرى و أما ما ذكره بعضهم أن مفهوم قولنا بعض الغنم السائمة فيه الزكاة إلخ إن أراد به أن تكون السائمة صفة لبعض الغنم وبيانا له لا للغنم فقط كما هو المناسب لطريقة أهل الشرع فمفهومه أن ليس في البعض الاخر الذي هو المعلوفة زكاة ولا ما ذكره وإن أراد البعض الغير المعين بل يكون السائمة صفة للغنم لا للبعض كما هو الظاهر من كلامه وهو الموافق لطريقة أهل الميزان فحينئذ يتوجه الحكم نفيا وإثباتا إلى البعض فإنه القيد الاخير لا السوم والنفي والاثبات إنما يرجعان إلى القيد الاخير على التحقيق فمفهومه حينئذ أن البعض الاخر من السائمة ليس يجب فيه الزكاة وهذا مما يعز ويقل وروده في كلام
الشارع فإنه تكليف بمبهم مجهول وبالجملة فالمستفاد من العقل والعرف هو ما فهمه الشيخ وصاحب المعالمرحمهالله لا ما فهموه فالتحقيق أن يقال إن جعلنا السور من جملة الحكم وجعلنا الموضوع نفس الطبيعة المقيدة فالاقرب ما ذكره هؤلاء وإن جعلناه جزء الموضوع بأن يرجع القيد إلى كل واحد مما يشمله السؤر فالاقرب ما اخترناه مثلا اما نقول الحيوان المأكول اللحم حكمه أنه يجوز إستعمال سؤر كل واحد من أفراده أو نقول كل واحد من أفراد الحيوان المأكول اللحم حكمه جواز إستعمال سؤره فلا بد ان يتأمل في أن معنى قولنا كل ما يؤكل لحمه يتوضاء من سؤره موافق لايهما وأيهما يتبادر منه في العرف والاظهر الثاني للتبادر فيكون الوصف قيدا لكل واحد من الافراد فالمفهوم يقتضي نفي الحكم حيث إنتفى ذلك القيد الرابعة لا دلالة في قولنا في الغنم السائمة زكاة على نفي الزكاة من معلوفة الابل بإحدى من الدلالات واستدل فخر الدين على ذلك بأن دليل الخطاب نقيض المنطوق فلما تناول المنطوق سائمة الغنم كان نقيضه مقتضيا لمعلوفة الغنم دون غيرها وهذا الاستدلال ضعيف لما أشرنا إليه والاولى ماذكرنا إحتج بعض الشافعية على الدلالة بأن السوم يجري مجرى العلة فيثبت الحكم بثبوتها وينتفي بإنتفائها وفهم العلية العامة ممنوع وإلا لكان وجها وجيها قانون الحق أن مفهوم الغاية حجة وفاقا لاكثر المحققين والظاهر أنه أقوى من مفهوم الشرط ولذلك قال به كل من قال بحجية مفهوم الشرط وبعض من لم يقل بها والمراد بالغاية هنا النهاية لا المسافة كما هو عند النحاة بخلافها في قولهم إلى لانتهاء الغاية فالمراد أن تعليق الحكم بغاية يدل على مخالفة حكم ما بعد النهاية لما قبلها وأما نفس النهاية ففيها خلاف آخر ذكروها في مبحث بيان أن إلى لانتهاء الغاية فلنقدم الكلام فيه لتقدمه على ما بعده فنقول اختلفوا فيه على أقوال ثالثها دخولها في المغيا إن كانتا من جنس واحد كقولك بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف وإلا فلا كقول القائل صوموا إلى الليل والظاهر أن دليلهم في ذلك عدم التمايز فيجب إدخاله من باب المقدمة كما في إدخال المرفق في الغسل بخلاف مالو إختلفا في الماهية وتميزا في الخارج فلا يظهر حينئذ ثمرة بين هذا القول وبين القول بالعدم مطلقا ورابعها التوقف لتعارض الاستعمالات وعدم الترجيح والحق عدم الدخول لانه الاصل بمعنى أن اللفظ لا يدل على الدخول والاصل عدم إرادة المتكلم ذلك و إلا فقد يكون الدخول موافقا للاصل بل المتبادر من اللفظ عدم الدخول فيكون ذلك أيضا مفهوما من التعليق بكلمة إلى وأما دخول المرفق في آية الوضوء فإنما هو من دليل خارج لا لان إلى بمعنى مع لان الحق أنه لانتهاء الغاية وكونه بمعنى مع مجاز وإنما يصار إليه من جهة الدليل الخارجي ثم ان التوقف
لا يستلزم القول بالاشتراك كما توهمه فخر الدين وأبطله بأنه لا يمكن القول بالاشتراك لعدم جواز وضع الشئ لوجود الشئ وعدمه اما أولا فلان الاستعمال أعم من الحقيقة والاجمال أعم من الاشتراك ولا ينحصر التوقف في صورة الاشتراك وأما ثانيا فلجواز الاشتراك بين الوجود والعدم كما في القرء وأما ما قاله فخر الدين من أنه لغو لخلو الكلام عن الفايدة حين التردد بين الوجود والعدم لان التردد بين النفي والاثبات حاصل لكل واحد قبل إطلاق اللفظ أيضا ففيه أنه قد يحصل الفايدة بمثل قول القائل إعتدي بقرء فتأمل في ذلك فإنه يمكن إرجاع الطهر إلى الوجودي أيضا إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل المسألة والحق ما قلناه لان المتبادر من قول القائل صوموا إلى الليل أن اخر وجوب الصوم الليل ولا يجب بعده ومن قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن عدم حرمة المقاربة بعد حصول الطهر فلو ثبت الصيام بعد الليل أيضا أو حرمة المقاربة بعد حصول الطهر أيضا لما كان الغاية غاية وهو خلاف المنطوق فإن قلت أنه لو كان خلاف المنطوق فيكون الكلام مع التصريح بعدم إرادة المفهوم مجازا ولم يقل به أحد وأيضا فإن كان المراد من قولك آخر وجوب الصوم الليل ما ينقطع عنده الصوم فقد صار هذا المفهوم من جملة المنطوق وإن كان المراد ما ينتهي عند الصوم سواء إنقطع أو لم ينقطع فلا يلزم خلاف المنطوق في المسكوت أعني ما بعد الغاية قلت إن اردت من التصريح بعدم إرادة المفهوم مثل أن يقول المولى لعبده سر إلى البصرة ولا أريد منك عدم السير بعنوان الوجوب بعده فهو مجاز وهو لازم كل من يقول بحجية مفهوم الغاية فكيف تقول بأنه لم يقل به أحد وإن علم من المتكلم إرادة الحقيقة فلا بد أن يحمل ذلك على النسخ إن قلنا بجواز النسخ فيما كان آخره معلوما خصوصا إذا كان قبل حضور وقت العمل وإلا فبقبح صدوره عن الحكيم وإن أردت من ذلك مثل أن يقول سر إلى البصرة ومنها إلى الكوفة ومنها إلى بغداد ففيه أن أمثال ذلك يقال في العرف لتحديد المنازل او لاعلام المعالم فيتجدد المسافة من كل علم ومنزل فلكل مسافة مبدء ونهاية يلاحظان بالنسبة إليها ويعتبر أن بخصوصها فلا يرد تجوز ولا يحصل منه نقض على القاعدة وكذلك لا يتم النقض بمثل قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مع ثبوت إسرائه إلى السماء وكذلك قول الفقهاء إذا صام المسافر إلى نصف النهار ثم سافر لا يجوز له الافطار كما صدر من بعض الفضلاء فإن القرينة قائمة على إرادة الخلاف و مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة والاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب خروج اللفظ عن كونه حقيقة في غيره والنكتة في الاول أن المحسوس المعاين في نظر الكفار (المتعنتين)؟ إنما كان ذلك الذي ذكر في
في الاية وكان يمكن إثبات هذه الدعوى بما يحصل لهم المشاهدة كاخبارهصلىاللهعليهوآله عن (عيرهم)؟ وعما وقع فيهم في أثناء الطريق وكان تحصل المعجزة بمجرد ذلك أيضا فالمذكور ما بعد إلى إنما هو المنتهى فيما هو مقصودالبيان لهم الممكن التسليم عندهم وكذلك المراد من قولهم إذا صام المسافر إلى نصف النهار هو الامساك المخصوص المشروط بالشروط لا نفس الصوم وإلا فلا معنى للصوم الحقيقي إلى نصف النهار ففي الحقيقة مفهوم الغاية هنا حجة بمعنى أن المعتبر فيما له مدخلية في عدم جواز الافطار هو الامساك إلى نصف النهار فالامساك ما بعد نصف النهار لا مدخلية له في ذلك فكأنه قال الموجب لعدم الافطار إنما هو الامساك إلى نصف النهار وهكذا الكلام فيما يرد عليك من نظائر هذه وأما قولك وأيضا إلخ فنقول هناك شق ثالث وهو أن المراد هو الاخر والمنتهى لابشرط من شئ مطلقا لا خصوص ملاحظة أن ما بعد الاخر ونفسه مخالف لما قبله وينقطع الحكم عنده ولا عموم ذلك بمعنى أن يلاحظ أن الليل اخر مثلا سواء كان ما بعد الدخول مخالفا أو موافقا منقطعا عنده الصوم أم لا ثم ندعي إستلزام ذلك المطلق كون حكم ما بعده مخالفا لما قبله احتج المنكرون بعدم دلالة اللفظ على ذلك بإحدى من الدلالات أما الاولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وبالاستعمال فيهما معا فيكون للقدر المشترك لكون المجاز والاشتراك خلاف الاصل ويظهر الجواب عنهما بالتأمل فيما ذكرناه قانون مفهوم الحصر حجة والمراد به على ما ذكره جماعة من المحققين هو أن يقدم الوصف على الموصوف الخاص خبرا له مثل الامير زيد والشجاع عمرو فيستفاد منه الحصر لان الترتيب الطبيعي خلافه والعدول عنه إنما هو لذلك وقد يقال أن الاولى تعميم المبحث في كل ما قدم وكان حقه التأخير على ما ذكره علماء المعاني وفيه إشكال لتعدد الفايدة مثل الاهتمام بالذكر أو التلذذ أو غير ذلك فلا بد إما من دعوى التبادر وهو غير مسلم في الجميع أو ذكر دليل آخر وسيجئ الدليل في خصوص ما نحن فيه واختلفوا في كون الدلالة فيما نحن فيه من باب المفهوم أو المنطوق والصواب ترك هذا النزاع لان الحصر معنى مركب من إثبات ونفي وما له المدلول مذكور في احدهما فيستفاد المجموع من المجموع وإن جعل عبارة عن نفي الحكم المذكور عن الغير فلا ريب أنه مفهوم على ما مر والدليل على إفادة الحصر أمران الاول التبادر فإن المتبادر من قولنا العالم زيد أن العالمية لا يتجاوز عن زيد إلى عمرو وبكر وغيرهما و الثاني أنه لو لم يفد الحصر للزم الاخبار بالاخص عن الاعم وهو باطل وتقريره أن المراد بالصفة إن كان هو الجنس فيستحيل حمل الفرد عليه لان الحمل يقتضي الاتحاد والفرد الخاص ليس عين حقيقة الجنس فينبغي أن يراد منه مصداقه وهو ليس بفرد خاص لعدم العهد وعدم إفادة العهد الذهني
فيحمل على الاستغراق فيصير المعنى أن كل ما صدق عليه العالم فهو زيد وهذا لا يصح إلا إذا انحصر مصداقه في الفرد لاستحالة إتحاد الكثيرين مع الواحد وذلك إما حقيقة كما لو فرض إنحصار الامارة في الخارج و إما إدعاء ومبالغة كما في قولنا الشجاع عمرو والرجل بكر فالمراد هو المصداق الكامل وقد لا يحتاج إلى صرف الصفة إلى إستغراق الافراد بأن يدعي وحدة الجنس مع هذا الفرد كما في قولك هل سمعت بالاسد وتعرف حقيقته فزيد هو هو بعينه كما ذكره عبدالقاهر في الخبر المحلي باللام وهو الظاهر من الزمخشري في تفسير قوله تعالى أولئك هم المفلحون وهذا معنى أعلى من الحصر في المبالغة وهو بعينه جار في قولنا الامير زيد واحتج النافون بان ذلك لو صح لصح في العكس يعني في مثل زيد الامير وعمرو العالم لجريان ما ذكر فيه أيضا وبأنه لو كان الاصل مفيدا له دون العكس لتطرق التغيير في مفهوم الكلمة بسبب التقديم والتأخير مع عدم تطرق تغيير في المفردات وإنما وقع في الهيئة التركيبية أقول أما الجواب عن الاول فأما أولا فبالقول بالموجب كما صرح به علماء المعاني ويظهر وجهه مما سبق واما ثانيا فبالفرق بين صورة التقديم والتأخير فإن الموضوع هو الذات والمعروض والمحمول هو الوصف والعارض ولذلك اصطلح المتكلمون على إطلاق الذات على المبتداء والوصف على الخبر فإذا وقع الوصف مسندا إليه فالمراد به الذات الموصوفة به فالمراد بالامير في قولنا الامير زيد الذات المتصفة بالامارة فإذا إتحد الذاتان بحسب الحمل فيلزم الحصر أعني حصر الامارة في زيد وإن إقتضى قاعدة الحمل كون المراد بزيد هو المسمى ولم يفد إنحصار وصفه في الامارة وإذا وقع مسندا فالمراد به كونه ذاتا موصوفة به وهو عارض للاول والعارض أعم والحمل وإن كان يوجب الاتحاد لكن حمل الاعم على الاخص معناه صدق الاعم على الاخص وذلك لايوجب عدم وجوده في ضمن غيره كما في الكلي الطبيعي بالنسبة إلى أفراده فالمراد من الاتحاد أن المحمول موجود بوجود الموضوع أو أن المحمول والموضوع موجودان بوجود واحد لا أنهما موجود واحد وبهذا يندفع ما يورد هنا أن الحمل لو إقتضى الاتحاد وأوجب القصر فيما نحن فيه للزم ذلك في الخبر المنكر أيضا مثل زيد إنسان فإن المراد من إنسان هو مفهوم فرد ما لا مصداقه كما إشتهر بينهم أن المراد بالمحمول هو المفهوم ومن الموضوع هوالمصداق والمصداق هنا إما فرد معين هو زيد أو غير زيد وإرادة كل منهما محال لاستحالة حمل الشئ على نفسه وعلى غيره ومفهوم فرد ما قابل لجميع الافراد فإذا اتحد مع الموضوع في الوجود بسبب الحمل لزم الحصر لما ذكرنا أن ذلك لا يفيد إلا إتحاده مع الموضوع في الوجود لا أنهما موجود واحد والحق أن صورة العكس أيضا يفيد الحصر لا لافادة الحمل ذلك من حيث هو حتى يرد أن الاتحاد الحملي لا
يقتضي ذلك بل لان حمل الجنس أو الاستغراق يفيدذلك أما الاستغراق فظاهر وأما الجنس فلان المقصود منه إن كان مجرد صدق هذا الجنس ولو من حيث أنه فرد منه لتم ذلك بحمل المنكر مثل زيد أمير فيبقى التعريف لغوا فعلم منه أن المقصود أن زيدا هو حقيقة الامير وماهيته فيفيد المعنى الذي هو أعلى من الحصر كما مر إليه الاشارة وأشار إلى ما ذكرنا المحقق الشريف في بعض حواشيه فظهر من جميع ما ذكر أن قولنا الامير زيد يدل على الحصر من وجهين أحدهما تقديم المتأخر بالطبع وإن صار موضوعا الان والثانى التعريف على ما مر بيانه وأما صورة العكس فمن جهة واحدة هو التعريف وأما الجواب عن الثاني فيظهر ما تقدم أيضا وتوضيحه منع بطلان التالي لو أريد به مجرد المغايرة في إرادة الذات و الصفة ومنع الملازمة إن أريد غير ذلك والتحقيق قد مر ثم ان الكلام لا يختص بالمعرف باللام بل كلما يراد به الجنس حكمه ذلك مثل قولك صديقي زيد حيث لا عهد خارجي فإنه يحمل على الجنس أو الاستغراق كما في قولك ضربي زيدا قائما فالجهتان المتقدمتان حاصلتان فيه وأما صورة العكس فلا يجري ما قدمنا في المعرف باللام فيه بل الظاهر أن معناه زيد صديق لي على طريق الاضافة اللفظية ثم قد ظهر لك مما مر من تعدد الجهتين ان المسند إليه إذا كان معرفا باللام يفيد حصره في المسند وإن لم يكن حقه التأخير أيضا كما في قولهم الكرم التقوى والعلماء الخاشعون والكرم في العرب والامام من قريش كما صرح به علماء المعاني ولا يلزم منه كون كل ما في العرب كريما ولا كل من في القريش إماما كما لا يلزم في زيد قائم او إنسان إنحصار القائم والانسان في زيد وأما الحصر بإنما والمراد به نفي غير المذكور أخيرا كقولك إنما زيد قائم في قصر الموصوف على الصفة وإنما القائم زيد في العكس فالاشهر الاقوى فيه الحجية للتبادر عرفا ونقله الفارسي عن النحاة وصوبهم وكذلك لغة أيضا مع أصالة عدم النقل ويدل عليه أيضا إستدلال العلماء بمثل قولهصلىاللهعليهوآله إنما الاعمال بالنيات وإنما الولاء لمن أعتق على نفي العمل من دون نية ونفي الولاء لغير المعتق من دون نكير وإن كان يمكن القدح فيه بأنه مقتضى التعريف في المسند إليه كما مر فقولهعليهالسلام إنما الاعمال بالنيات في قوة الموجبة الكلية المناقضة للسالبة الجزئية وأنت خبير بكمال وضوح الفرق بين الملحوق بإنما وعدمه وإن قلنا بدلالة تعريف المسند إليه أيضا ولا أظن أن من يعتمد على دلالة تعريف المسند إليه على ذلك لايعتمد على دلالة إنما عليه مع كمال وضوحه وكيف كان فالعمدة هو التبادر في سائر الموارد وقد يستدل بصحة إنفصال الضمير معه في مثل قوله الفرزدق وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فإن الوجوه المجوزة للفصل مفقودة سوى أن يكون الفصل لغرض وهو أن يكون المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا وقد يستدل أيضا بان أن للاثبات وما
للنفي ولا يجوز أن يكونا لاثبات ما بعده ونفيه بل يجب أن يكونا لاثبات ما بعده ونفي ما سواه أو على العكس والثاني باطل بالاجماع فتعين الاول وهو ضعيف لان ان إنما هو لتأكيد الكلام نفيا كان أو إثباتا كقوله تعالى فإن الله لا يظلم الناس شيئا وما النافية لاتنفى إلا ما دخلت عليه بإجماع النحاة فهي كافة كما في ليتما ولعلما وغيرهما كما صرح به إبن هشام وغيره والتحقيق أنه كلمة متضمنة لمعنى ما وإلا بحكم التبادر وإستعمال الفصحاء وقد نوقض بقوله تعالى إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم لعدم إنحصار المؤمنين في المذكور وإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس لعدم إنحصار إرادة الله في إذهاب الرجس عنهم وإنما أنت منذر من يخشيها أي الساعة لانذاره غيرهم أيضا وفيه أن المراد في الاول الكمل منهم وفي الثاني أن إرادة إذهاب الرجس مقصور على أهل البيتعليهمالسلام في زمانهم لا غيرهم لانحصار مطلق إرادة الله في ذلك إذ عرفت أن النفي يرجع إلى غير المذكور أخيرا وفي الثالث الانذار النافع وعلى فرض التسليم فالمجاز خير من الاشتراك ومطلق الاستعمال بدل على الحقيقة وقد اثبت كونها حقيقة فيما ذكرنا واحتج منكر الحجية بأنه لا فرق بين أن زيدا قائم وإنما زيد وما زائدة فهي كالعدم وقد عرفت الفرق واختلف المثبتون أيضا فقيل أنه بالمنطوق لانه لا فرق بين إنما إلهكم الله وبين لا إله إلا الله ويظهر لك بطلانه مما مر في تعريف المفهوم و المنطوق وقد أشرنا إليه آنفا أيضا وأما ما وإلا فلا خلاف في حجية مفهومهما ظاهرا والظاهر أن الدلالة فيهما بالمنطوق فلاوجه لجعله من باب المفهوم قانون الحق أنه لا حجية في مفهوم الالقاب لعدم دلالة اللفظ عليه بإحدى من الدلالات ولانه لو دل لكان قولنا زيد موجود وعيسى رسول الله كفرا لاستلزامهما نفي الصانع ورسالة نبيناصلىاللهعليهوآله واحتج الدقاق وبعض الحنابلة على الدلالة بأن التخصيص بالذكر لا بد له من مخصص ونفي الحكم عن غيره صالح له والاصل عدم غيره وأيضا قول القائل لست زانيا ولا أختي زانية يدل على أن المخاطب وأخته زانيان وأوجب الحنابلة الحد عليه لهذا والجواب عن الاول أن تعلق الارادة مخصص وليس الاسم واللقب قيدا زايدا في الكلام حتى يحتاج إلى زائدة خاصة في ذكره وفائدته فايدة أصل الكلام وعن الثاني أن القرينة قائمة على إرادة التعريض وأما مفهوم العدد فمذهب المحققين عدم الحجية فلو قيل من صام ثلاثة أيام من رجب كان له من الاجر كذا فلا يدل على عدمه إذا صام خمسة نعم يحتاج جوازه إلى الرخصة من الشارع لان العبادة توقيفية يحتاج إلى التوظيف لا لان القول الاول ناف له فإذا صام الزايد من باب عموم الصوم فلا ضرر أصلا وكذلك الكلام في عدد الاذكار والتسبيحات ولكن في بعض الاخبار المنع عن التعدي والظاهر أنه من جهة إعتقاد أن الزايدة
مثل المأمور به في الاجر لا لعدم الجواز وأما إذا قيل يجب عليك صوم عشرة أيام فلا يجوز الاكتفاء بالخمسة لعدم الامتثال بالمنطوق حينئذ لا لان المفهوم يقتضي ذلك ولورود الامر بخمسة أخرى فلا يعارض السابق بأن يقال أن مفهوم القول الاول يقتضي عدمها فلا بد من الترجيح وأما في بعض المواضع الذي لا يجوز التعدي إلى ما فوق وما تحت فإنما هو بدليل خارجي فعدم جواز زيادة الحد مثلا على الثمانين أو المأة جلدة فإنما هو لحرمة الايذاء من دون إذن من الشارع فيقتصر على التوظيف وعدم قبول الشاهد الواحد إنما هو لفقدان الشرط وهو الشاهدان فهو مقتضى المنطوق كما أشرنا وكذلك كون الماء أقل من كر أو أو قلتين في النجاسة ولذلك ترى أن الاكثر أيضا لا ينجس ولان المناط في الحكم هو الكثرة وعدم نقص الماء عن هذا المقدار لا عدم كونه أكثر من ذلك أيضا وبالجملة الاعداد المعتبرة في الشرع قد يتوافق حكمها مع الاقل والاكثر وقد يتخالف فإستعماله عام والعام لا يدل على الخاص وقد يتوهم أن تحديد أقل الحيض بالثلاثة وأكثره بالعشره إنما استفيد من مفهوم العدد في قولهعليهالسلام أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فإنه لا يجوز التجاوز ولا الاقتصار بالاقل وفيه ما لا يخفى فإن تحديد الاقل لا يتم إلا بعدم تحقق الحيض في يومين وإلا لكان هو الاقل وبأن لا يكون الاربعة وإلا فلا يتحقق بثلاثة وليس هذا من مفهوم العدد في شئ وقس عليه حال الاكثر والظاهر أن الكلام في المقدار والمسافة وأمثالهما هو الكلام في العدد وأما مفهوم الزمان والمكان فهو أيضا كذلك وذهب إلى حجيتها جماعة و يظهر الاحتجاج والجواب مما تقدم فإن قلت إذا قيل بعه في يوم كذا وخالف الوكيل فالعقد غير صحيح وكذا غيره من العقود قلت لان التقييد في الوكالة تابع لللفظ ومختص بما قيده لا من حيث المفهوم بل من حيث إنحصار الاذن في ذلك ولذلك لم يخالف من رد المفهوم في إختصاص الوكالة والوقف ونحوهما بما قيده وصفا وشرطا وزمانا ومكانا وغيرها وصرح بما ذكرنا الشهيد الثانيرحمهالله في تمهيد القواعد
الباب الثالث في العموم والخصوص
وفيه مقدمة ومقاصد أما المقدمة فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة على إستغراق إجزائه أو جزئياته كما عرفه شيخنا البهائيرحمهالله واحترز بقيد الموضوع للدلالة عن المثنى والجمع المنكر وأسماء العدد فإنها لم توضع للدلالة على ذلك وإن دلت وقوله أجزائه أو جزئياته لدخول مثل الرجال على كل واحد من المعنيين الاتيين من إرادة العموم الجمعي أو الافرادي وهذا إصطلاح وإلا فلا مانع من جعل العشرة المثبتة أيضا عاما كما يشهد به صحة الاستثناء بالعام على قسمين
إما كلي يشمل أفراده أو كل يشمل أجزائه والعام المعهود الغالب الاستعمال في كلامهم هو المعنى الاول ولذلك ذكروا أن دلالة العموم على كل واحد من أفراده دلالة تامة ويعبرون عنه بالكلي التفصيلي والكلي العددي والافرادي وليست من باب الكل اي الهيئة الاجتماعية المعبر عنه بالكلي المجموعي ويظهر الثمرة في المنفي فلو كان الجمع المضاف في قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم بمعنى الكلي المجموعي فلم يدل على حرمة قتل البعض بخلاف المعنى الاول نظيبر ضربت العشرة وما ضربت العشرة وسيجئ أن العموم قد يستفاد من جهة المقام لاقتضاء الحكمة ذلك وهو أيضا ليس من العام المصطلح وإن ترتب عليه أحكامه المقصد الاول في صيغ العموم قانون إختلفوا في كون ما يدعى كونها موضوعا للعموم من الالفاظ موضوعا له أو مشتركا بينه وبين الخصوص أو حقيقة في الخصوص على أقوال فقيل بالتوقف ثم القائلون بثبوت الوضع للعموم إتفقوا في بعض الالفاظ و اختلفوا في الاخر فلنقدم الكلام في الخلاف في أصل الوضع فالاشهر الاظهر كونها حقيقة في العموم لنا التبادر فإن أهل العرف يفهمون من قولنا ما ضربت احدا ومن دخل داري فله درهم ومتى جاء زيد فأكرمه ونحو ذلك العموم فلو قال السيد لعبده لا تضرب أحدا ثم ضرب العبد واحدا لاستحق بذلك عقاب المولى وللاتفاق على دلالة كلمة التوحيد عليه والاتفاق على لزوم الحنث على من حلف أن لا يضرب أحدا بضرب واحد وإن من إدعى ضرب رجل لو أردت تكذيبه قلت ما ضربت أحدا فلولا أنه سلب كلي لما ناقض الجزئية فإن سلب الجزئي لا يناقض الايجاب الجزئي و لقصة إبن الزبعري فإنه لما سمع قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال لاخصمن محمداصلىاللهعليهوآله ثم جائهعليهالسلام وقال يا محمدصلىاللهعليهوآله أليس عبد موسى وعيسى والملائكة ففهمه دليل العموم لانه من أهل اللسان وأدل من ذلك جوابهصلىاللهعليهوآله حيث قال ما أجهلك بلسان قومك أما علمت أن ما لما لا يعقل فلم ينكر العموم وقرره وأما إستعمال كلمة ما في ذوي العقول أو أعلى منهم كما في قوله تعالى والسماء وما بناها فإنما هو خروج عن الحقيقة لنكتة وفي رواية أخرى أجابعليهالسلام بأن المراد (عتاد)؟ الشياطين التي أمرتهم بعبادة هؤلاء فنزل قوله تعالى الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون حجة القائلين بأنها حقيقة في الخصوص وجهان الاول أن الخصوص متيقن المراد من هذه الالفاظ حيث استعملت سواء أريد منها الخصوص فقط او في ضمن العموم بخلاف العموم فإنه مشكوك الارادة وما كان الوضع مسلما للخصم ولا بد له من مرجح فالاولى أن يقول أنه موضوع للمتيقن المراد فإنه أوفق بحكمة الواضع حيث أن غرضه من الوضع
التفهيم وبهذا التقرير إندفع ما أورد على الدليل بأنه إنما يدل على تيقن الارادة لا على الوضع والجواب ان هذا إثبات اللغة بالترجيح العقلي وهو باطل لان طريقه منحصر في النقل اما صريحا محضا بالتواتر أو الآحاد أو بإعانة تصرف من العقل كما لو أستفيد من مقدمتين نقليتين وضع مثل عموم الجمع المحلى باللام فإنه ثبت بواسطة مقدمتين مستفادتين من النقل إحديهما ما ثبت من أهل اللغة جواز الاستثناء منه بأي فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع وثانيتهما ما ثبت ان الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل ويحصل من ذلك أنه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ثم العقل يحكم بأن الشئ ما لم يكن داخلا في شي ء لا يمكن إخراجه منه فثبت أن جميع الافراد داخل فيه وهومعنى كونه موضوعا للعموم وهكذا وأما العقل المحص فلا مدخلية له في إثبات اللغات وأما التبادر وصحة السلب ونحوهما فإنما هي أدلة للفرق بين الحقيقة والمجاز لا لاثبات أصل الوضع ولا بأس بتوضيح المقام وإن كان خارجا عما نحن فيه لتنبيه الغافلين فنقول ان الوضع لايثبت إلا بالنقل عن الواضع لبطلان مذهب عبادبن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير من أن دلالة اللفظ على المعنى إنمانشأت من مناسبة ذاتية وإلا لتساوت المعاني بالنسبة إلى اللفظ فإما أن يكون هناك تخصيص وترجيح في الدلالة على المعنى أو لا فعلى الثاني يلزم التخصص من غير مخصص وعلى الاول التخصيص بلا مخصص وهما محالان والجواب إما بأن المرجح هو الارادة إما من الله تعالى لو كان هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق لو كان هو الواضع كتخصيص الاعلام بالاشخاص أو بمنع إنحصار المرجح فيما ذكروه لم لا يكون شخص آخر مثل سبق المعنى إلى الذهن من بين المعاني في غيره تعالى ومصلحة أخرى فيه تعالى مع أنه يدفعه الوضع للنقيضين والضدين وإقتضاء اللفظ بالذات لذلك في وقت دون وقت أو شخص دون شخص مما لا معنى له لان الذاتي لا يتخلف ولذلك وجه السكاكى هذا المذهب وأوله بأن مراده أن الواضع لم يهمل المناسبة بين اللفظ والمعنى كما هو مذهب أهل الاشتقاق فذكروا أن الفصم بالفاء لكسر الشئ مع عدم الابانة والقصم بالقاف له مع الابانة للفرق بين الفاء والقاف في الشدة والرخاء كالقسمين من الكسر فثبت أن طريق ثبوت الوضع هو النقل لعدم إمكان حصول العلم به من جهة أخرى والمرجحات العقلية والمناسبات الذوقية مما لم يثبت جواز الاستناد إليها في إثبات الاشياء التوظيفية التوقيفية كالاحكام الشرعية الفرعية ولذلك لا يجوز إثباته بالقياس أيضا كما جوزه قوم من العامة فيما لو دار التسمية بالاسم مع معنى في المسمى وجودا وعدما كالخمر فإنها دائرة مع تخمير العقل وجودا وعدما فقبله عصير
وبعده خل والدوران (يعيد)؟ العلية فكان الواضع قال سميت هذا خمرا لانه يخمر العقل فكأنه جوز تسمية كل ما فيه هذه العلة خمرا فيكون ترخيصا منه بالعموم وكترخيصه في سائر الكليات كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب وهو باطل لعدم ثبوت حجية القياس مع أن جماعة ممن جوز العمل بالقياس لم يجوزه في اللغة و قد يقلب الدوران على المستدل بأن التسمية دارت مع المعنى وهو ماء العنب أيضا فإن المجموع إذا وجد وجدت التسمية فإذا إنتفى إنتفت فالعلة مركبة ثم لا يذهب عليك ان رفع كل فاعل لم يسمع رفعه من العرب ونصب كل مفعول لم يسمع نصبه ونحو ذلك وكذلك إطلاق الرجل على من لم يطلقه العرف وكذلك أقسام المجازات وأنواع العلائق ليس من باب القياس بل هو المستفاد من إستقراء كلام العرب وتتبع تراكيبهم بحيث حصل الجزم بتجويزهم ذلك وهذا مما لا خلاف في جواز الاعتماد عليه وأما الاعتماد على التبادر عدم صحة السلب ورجحان المجاز على الاشتراك و نحو ذلك فليس من باب إثبات الوضع بالعقل بل إنما هو للتميز والتفرقة بين الحقائق المجازات والحاصل أن الاجنبي بإصطلاح قوم الجاهل بأوضاع كلماتهم إذا رأى أنهم يستعملون لفظا في معان متعددة ولا يعرف ايها حقيقة وأيها مجاز فلا ريب أنه يعرف أن في ذلك الاصطلاح ألفاظا مفردة موضوعة للمعاني الشخصية أو النوعية وألفاظا مركبة موضوعة للمعاني النوعية وألفاظا مستعملة في غير الموضوعات لها بعلاقة مجوز نوعها من الواضع ونحو ذلك كما هو الدأب والديدن في جميع اللغات والاصطلاحات ويعلم أن ما يتكلمون به قد بلغ إليهم من واضع إصطلاحهم حقيقة كان أو مجازا أو لكنه يريد أن يميز بين الحقيقة والمجاز ويعرف ان المعاني المتعددة التي يستعملون فيها لفظا واحدا على التناوب أيها حقيقة وأيها مجاز فيتفحص عن أحوالهم فاما يصرحون له بنقل الوضع أو يظهر عليه من مزاولة محاوراتهم خواص الحقيقه في البعض وخواص المجاز في الاخر فمن خواص الحقيقة التبادر وعدم صحة السلب ومن خواص المجاز تبادر الغير وصحة السلب ومن العلم بالعرض الخاص يحصل العلم بالمعروض ومعرفة خاصة الشئ من خارج لا يحتاج إلى النقل من الواضع فالمقصود بالذات من إستعلام هذه الخواص تحصيل العلم بالوضع بعنوان الحقيقة لا تحصيل العلم بمطلق الوضع وإن حصل العلم بالوضع في ضمنه أيضا فإن القدر المشترك بين الوضع الحقيقي والمجازي حاصل لذلك الجاهل إنما إشكاله في تعيين الخصوصية فطلب تحصيل العلم بالقدر المشترك تحصيل الحاصل فإن قلت نعم ولكن لا ينفي القول بإثبات اللغة بالعقل فإن اللغة هو اللفظ الذي وضع لمعنى سواء كان بالوضع الشخصي أو النوعي الحقيقي او المجازي فأيها ثبت بالعقل فيلزم ثبوت اللغة بالعقل والمفروض هنا إثبات المعنى الحقيقي مثلا بالتبادر وهو
دليل عقلي مع أن إثبات الوضع للخصوص على ما ذكره المستدل هنا أيضا إثبات للحقيقة لا لمطلق اللغة قلت المراد من عدم ثبوت اللغة بالعقل عدم إمكان الاستدلال عليه من طريق اللم من دون الاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو وضع الواضع وأما طريق الان والاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو فلا مانع منه فإن التبادر وعدم صحة السلب والنقل المتواتر والآحاد كلها معلولات للوضع ودلالتها انية غاية الامر كون بعضها قطعيا وبعضها ظنيا فلا بد أن يوجه ما ذكروه من أن طريق إثبات اللغة إما تواتر أو آحاد بأن مرادهم أن طريقه إما قطعي أو ظني فخبر الواحد والتبادر والتواتر وعدم صحة السلب والاستقراء يعني كون هذه الهيئة الخاصة مثلا مستعملا في معنى خاص في أكثر الموارد وأمثال ذلك كلها من الظنيات وكلها معلول للوضع وأما خامرية العقل وكون الاقل متيقن المراد وأمثالهما فهي على فرض تسليمها من العلل الموجدة للوضع التي يستدل بوجودها على العلم بوجود الوضع أيضا وهذا هو الممنوع ومثل التبادر واخواته في أدلة الوضع من جملة التوقيفيات قبالا للنقل المتواتر والاحاد مثل إتفاق العلماء الكاشف عن رأي المعصومعليهالسلام وتقرير الكاشف عنه قبالا للاخبار المتواترة والآحاد في الشرعيات فافهم ذلك واضبطهفلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول وقد يعارض الدليل على فرض التسليم بأن العمل على العموم أحوط وهو باطل لان ذلك إنما يتم في الواجب فقد يكون التكليف بالاباحة هكذا قيل وأورد عليه بالمنع في الواجب مطلقا أيضا كما في أقتلوا المشركين فإن قتل النفس المحترمة أشد من مخالفة الامر الثاني أنه إشتهر في الالسن حتى صار مثلا أنه مأمن عام إلا وقد خص منه وهو وارد على سبيل المبالغة وإلحاق القليل بالعدم والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الاغلب مجازا في الاقل تقليلا للمجاز وأجيب بأن إحتياج خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصص ظاهر في أنها للعموم ويوهن التمسك بمثل هذه الشهرة أقول فيه نظر أما في الاول فلان إحتياج الخروج إلى مخصص عند المستدل ليس لظهور العام في العموم بل لان اللفظ عنده موضوع لبعض ما صدق عليه مفهوم الصيغة من غير تعيين ولما كان ذلك البعض محتملا لكل واحد من الابعاض فالتخصيص إنما يحتاج إليه لبيان المراد من لفظ العام لان العام ظاهر في الجميع حتى يحتاج إرادة البعض إلى المخصص ولعل هذا التوهم نشأ من لفظ وقد خص منه وتعبير المستدل بذلك إنما هو ذهاب على ممشى الخصم وتكلم بإصطلاحه وإلا فحاصل مراد المستدل أن غالب إستعمال الالفاظ التي يدعى عمومها في بعض ما يصلح له اللفظ والغلبة علامة الحقيقة فالتحقيق في الجواب منع كون غلبة الاستعمال دليلا للحقيقة سلمنا لكنه يصير دليلا إذا لم يثبت الدليل على كونها حقيقة في الاقل وقد بينا الادلة وأما في الثاني
فلان متمسك المستدل ليس هو نفس الاشتهار بل لان ذلك المطلوب حقيقة له والمثل مطابق للواقع حتى أن ذلك المثل أيضا مخصص في نفس الامر بأن الله بكل شئ عليم وإنما قال وارد على سبيل المبالغة لانه لو كان المراد ظاهره لكان كاذبا باللزوم التخصيص في نفس المثل واحتج القائل بالاشتراك بالاستعمال فيهما وظاهر الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز كما مر مرارا وبأنه لو كانت حقيقة في العموم لعلم اما بالنقل أو بالعقل ولا مجال للعقل والنقل اما تواتر أو آحاد والآحاد لا يفيد اليقين ولو كان متواترا لاستوى الكل وفيه أن التمييز بين الحقيقة والمجاز لا ينحصر في نص الواضع أو النقل عنه صريحا بل قد يعلم بوجود الخواص كما أشرنا والخاصة موجودة فيها وهو التبادر كما بينا مع أنه لا دليل على وجود تحصيل اليقين ولا يلزم إستواء الكل في المتواتر لاختلاف الدواعي والموانع وحجة التوقف عدم ظهور المأخذ وقد عرفته قانون صيغ العموم على القول بوضع اللفظ له كثيرة منها لفظ كل والاظهر أنه حقيقة في العموم وإرادة الهيئة الاجتماعية منه مجاز لتبادر خلافه وهو العموم الافرادي وكذلك لفظ الجميع وما يتصرف منه كأجمع وجمع وجمعاء وأجمعين وتوابعه المشهورة و منها لفظ سائر على إطلاقيه وإن كان أظهر في إرادة الباقي فإنه ظاهر في تمام الباقي ومنها كافة وقاطبة ومن وما الشرطيتان والاستفهاميتان وأما الموصولتان فلا عموم فيهما إلا أن يتضمن معنى الشرطية ويفهم ذلك من الخارج وإلا فالاظهر الحمل على الموصولة ولا عموم إلا أن يجعل من باب إطلاق الجنس كما سيجئ في المفرد المحلى باللام والاظهر الاقوى أن ما حقيقة في غير أولي العلم ودعوى أنه حقيقة في الاعم منه كما ذهب إليه جماعة ممنوعة وكذلك النكرتان الموصوفتان لا عموم فيهما نحو مررت بمن أو بما معجب لك وعن بعضهم إلحاق ما الزمانية مثل إلا ما دمت عليه قائما والمصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل يعجبني ما تصنع ومنها أي في الشرط والاستفهام وعن جمهور الاصوليين أنها عامة في أولي العلم وغيرهم إلا أنها ليست للتكرار بخلاف كل فلو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد فاعطه درهما اقتصر على إعطاء واحد بخلاف ما لو قال كل رجل فإنه يعطي الجميع فعلى هذا يكون عموم أي عموما بدليا كما في المطلق بخلاف كل ومنها مهما وإذ ما وإيان وأنى ومنها متى وحيث وأين وكيف وإذا الشرطية إذا إتصلت بواحد منها ما واما إذا كانت منفردة فقد يحمل على العموم إذا إقتضاه الحكمة مثل ان وهناك ألفاظ أخر مذكورة في تمهيد القواعد وغيره والمعيار في الكل التبادر (فإن فهم التبادر) فيثبت الحقيقة وإلا فإن إقتضاه الحكمة أيضا فكما عرفت وإلا فلا عموم وسنفرد الكلام في بعضها (للاشكال) والخلاف فيه بالخصوص قانون إختلف أصحابنا بعد إتفاقهم ظاهرا في إفادة الجمع المحلى باللام للعموم
في دلالة المفرد المحلى عليه وتنقيح المطلب يستدعي رسم مقدمات الاولى المراد بالمفرد هنا إسم الجنس ولا بد من بيان المراد من الجنس وإسم الجنس والفرق بين إسم الجنس وعلم الجنس (في)؟ النكرة والمعرف بلام الجنس والجمع وإسم الجمع فاعلم أن المراد من الجنس هو الطبيعة الكلية المقررة في نفس الامر مع قطع النظر عن وضع لفظ له فمفهوم الرجل بمعنى ذات ثبت له الرجولية الذي هو مقابل مفهوم المرئة هو الجنس ولا يعتبر في تحقق مفهومه وحدة ولا كثرة بل ويتحقق مع الواحد وما فوقه والقليل والكثير ولفظ رجل إسم يدل على ذلك الجنس لكنهم إختلفوا في أن المراد بإسم الجنس هو المهية المطلقة لا بشرط شئ فيكون مطابقا للمسمى أوالمهية مع وحدة لا بعينها ويسمى فردا منتشرا والاقوى الاول وذلك لان الاسماء التي يتعاور عليها المعاني المختلفة بسبب تعاور الالفاظ الغير المستقلة عليها كاللام والتنوين والالف والنون وغيرها من التغييرات والمتممات لا بد أن يكون لها مع قطع النظر عنها معنى شخصي وضع اللفظ له كما أنه يحصل لها بسبب لحوق هذه اللواحق أوضاع نوعية مستفادة من إستقراء كلامهم فالقول بثبوت الوضع الشخصي بالنسبة إلى كل واحد من المعاني بملاحظة كل واحد من اللواحق في كل واحد من الاسماء لعله جزاف فيستفاد من ملاحظة تعاور المعاني المختلفة على اللفظ بسبب تعاور الملحقات بحسب المقامات ان هناك مفهوما مشتركا بينهما مع قطع النظر عن اللواحق يوجد منه شئ في الكل ويتفاوت بحسب المقامات وليس ذلك في مثل رجل إلا معنى الماهية لا بشرط لا يقال الاسم لا يخلو عن شئ من اللواحق ولا يجوز إستعمال بدون شئ منها فلم لا تقول بأن رجلا منونا مثلا موضوع لكذا ومعرفا باللام موضوع لكذا وملحقا به الالف والنون لكذا وهكذا فلا يجب فرض الرجل خاليا عن تلك اللواحق حتى يلزم له إثبات معنى ويقال أنه موضوع للجنس والماهية لا بشرط لانا نقول أولا أن مفهوم الرجل لا بشرط مع قطع النظر عن التعيين في الذهن مفهوم مستقل يحتاج إلى لفظ في التفهيم وثانيا أنه ايضا مستعمل في الاسماء المعدودة ولاريب أنه ليس بمهمل بل موضوع وليس له معنى إلا ما ذكرناه وثالثا أن كل اللواحق ليس مما يفيد معنى جديدا ولايجب أن يؤثر في المعنى تأثيرا فمنشاء التوهم في هذه الاعتراض لزوم إتمام الاسم بأحد المذكورات ويدفعه أن تنوين التمكن أيضا مما يتم به الاسم ولكنه ليس الغرض منه إلا أمرا متعلقا بالاعراب كما في جائني زيد فقولك رجل جائني لا إمرأة إنما يراد به بيان المهية وكذلك أسد علي وفي الحروب نعامة وكيف كان فالظاهر أن لفظ رجل إذا خلا عن اللام والتنوين موضوع للماهية لا بشرط ويؤيده ما نقلنا سابقا عن السكاكي إتفاقهم على كون المصادر
الخالية عن اللام والتنوين حقيقة في المهية لا بشرط وعلى هذا فأصل مادة الرجل مع قطع النظر عن اللواحق إسم جنس وموضوع للماهية لا بشرط شئ وإذا دخل التنوين فيصير ظاهرا في فرد من تلك الطبيعة فالمراد به الطبيعة الموجودة في ضمن فرد غير معين ومن هنا غلط من أخذ الوحدة الغير المعينة في تعريف إسم الجنس وادخلها في معناه نظرا إلى أن المقصود من الوضع التركيب لا تفهيم المعنى والاسم لا يستعمل بدون التنوين واللام وغيرهما من المتممات وأنت خبير بان الخاص لا يدل على العام وكونه كذلك في بعض الاحيان لا يستلزمه مطلقا فإن ذلك لا يتم في مثل الرجل خير من المرئة فإن قلت إنما أخذ هذه في تعريف المنكر منه قلت مع أنه ينافي إطلاق القائل لا يتم في مثل المثالين المتقدمين وفي مثل قولك لمن يسئل عن شبح يتردد في كونه رجلا أو إمرئة أنه رجل فإن المراد من التنوين هيهنا ليس الاشارة إلى الفرد الغير المعين بل المراد أنه هذه الماهية لا غيرها وإلى هذا ينظر من قال ان إسم الجنس موضوع للماهية المطلقة فقولنا رجل في جائني رجل نكرة لا إسم جنس ولذا جعلوا النكرة قسيما لاسم الجنس وإلا فالنكارة قد تلاحظ بالنسبة إلى الطبيعة أيضا بحسب ملاحظة حضورها في الذهن وعدمه فرجل في المثال المتقدم نكرة بإعتبار عدم ملاحظة تعين الطبيعة وفي المثال المتأخر بإعتبار ملاحظة عدم تعين الفرد وبالجملة فهنا أربعة أمثلة رجل إذا خلا عن اللام والتنوين وهذا رجل يعني لا إمرأة وجائني رجل أو جئني برجل والرجل خير من المرئة أما الاول فالمراد به الطبيعة لا بشرط بلا ريب ولعل القائل بدخول الوحدة الغير المعينة غفل من هذا لان نظره إلى المركبات لا إلى مثل الاسماء المعدودة لندرة إستعمالها في المحاورات وإلا فلا بد أن يقول بدخول الوحدة فيه أيضا وأما الثاني فهو إسم جنس منكر بمعنى التنكير في أصل الطبيعة مقابل تعيينها في الذهن وأما الثالث فهو نكرة بمعنى أن المراد منه فرد ومن ذلك الجنس اما غير معين أصلا كما في جئني برجل أو عند السامع كما في جائني رجل وعلى قول من يقول بدخول الوحدة الغير المعينة في الجنس فيكون إسم جنس فلا يبقى فرق عند هذا القائل بين إسم الجنس والنكرة ولا يصح له جعل النكرة قسيما لاسم الجنس إذا كان المراد إسم الجنس الغير المعرف وأما الرابع فهو تعيين للطبيعة وإشارة إلى حضورها في الذهن على المختار ومعنى مجازي لاسم الجنس على القول الثاني لعدم إرادة الوحدة والكثرة جزما فقد استعمل في جزء ما وضع له وسيجئ الكلام في باقي أقسام المعرف باللام وحاصل الكلام وتتميم المرام أن رجلا مثلا مع قطع النظر عن اللام والتنوين له وضع والقول بأنه لا بد أن يكون الوضع إما مع التنوين أو اللام أو غيرهما يحتاج إلى دليل فإن لحوق تلك الملحقات في آحاد جميع الالفاظ ليس مسموعا من العرب بل المرخص فيه من العرب إنما هو نوعها ولا ريب أن هذه اللواحق تتعاور على
لفظ واحد على مقتضى المقام والقول بثبوت تقديم رخصة بعضها على بعض بأن يقال مثلا رخص العرب اولا في إستعمال اللفظ مع التنوين لافادة الوحدة ثم مع اللام لسلب ذلك وإرادة الماهية ثم مع الالف والنون لسلب ذلك وإرادة التثنية وهكذا جزاف وإعتساف فالقول بأن الجنس المعرف باللام كان أصله منونا ثم عرف باللام أو بالعكس وهكذا قول بلا دليل وترجيح بلا مرجح فلا بد من إثبات شئ خال عن جميع تلك العوارض يتساوى نسبته إلى الجميع فلا بد من القول بأن اللفظ مع قطع النظر عن اللواحق له معنى وإنما يتفاوت المعنى بسبب إلحاق الملحقات بمقتضى حاجة المتكلمين بحسب المقامات ولا ريب أنه إتفقوا في مثل رجل ان هذه الحروف الثلاثة بهذا الترتيب موضوعة للماهية المعهودة وإنما وقع الخلاف في إعتبار حصولها في ضمن فرد غير معين وعدمه والمانع مستظهر والوضع توفيقي مع أن السكاكي نقل إجماع أهل العربية على أن المصادر الخالية عن اللام و التنوين موضوعة للماهية لا بشرط شئ ويبعد الفرق بينها وبين غيرها فحينئذ نقول إسم الجنس عبارة عما دل على الماهية الكلية لا بشرط شئ وهو الاسم الخالي من الملحقات وقد يلحقه تنوين التمكن كما في مثل هذا رجل لا إمرئة ومنه قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة وقد يلحقه الاف واللام للاشارة إلى نفس الطبيعة وتعيينه في مثل الرجل خير من المرئة وفي هذه الامثلة التفات إلى جانب الفرد لا واحدا ولا أكثر وأما إذا لحقه التنوين المفيد للوحدة فحينئذ يصير نكرة ولا يقال له حينئذ إسم الجنس فالمراد به فرد من ذلك الجنس وإذا لحقه الالف والنون فيصير تثنية فالمراد به فردان من ذلك الجنس وهكذا الجمع وإذا لحقه الالف واللام فإن أريد بها الاشارة إلى فرد خاص بإعتبار العهد في الخارج فهو المعهود الخارجي وهو إما بإعتبار ذكره سابقا كقوله تعالى فعصى فرعون الرسول والمصباح في زجاجة فيقال له العهد الذكرى أو بإعتبار حضوره كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم ومنه يا أيها الرجل وهذا الرجل كما يشار بهذه اللام إلى الفرد المعين المعهود فقد يشار بها إلى الصنف المعين من الجنس كما يستفاد ذلك من إرجاع المفرد المحلى باللام إلى الافراد المتعارفة وسنشير إليه وكما يمكن إرادة الفرد المعين من الطبيعة الداخلة عليها اللام بلام العهد هذه فيمكن إرادة احد معنيي المشترك اللفظي أيضا كما هو أحد الاحتمالين في الارجاع إلى الافراد الغالبة كما سنبينه إنشاء الله تعالى وإن اشير بها إلى تعيين الماهية فهي لتعريف الجنس وتعيينه من غير نظر إلى الفرد كما في قولك الرجل خير من المرئة وهو قسمان قسم يصح إرادة الافراد منه لكنه لم يرد كما في المثال المذكور وكما في المعرفات مثل الانسان حيوان ناطق وقسم لا يمكن إرادة الافراد منه كقولك الحيوان جنس والانسان نوع ثم قد يراد بذلك
الماهية بإعتبار الوجود يعني يطلق المعرف بلام الجنس ويراد منه فرد ما موجود في الخارج من دون تعيين لمعهوديته في الذهن وكونه جزئيا من جزئياتها مطابقا لها يصح إطلاقها عليه كما في قولك ادخل السوق واشتر اللحم وذلك إنما يكون إذا قام القرينة على عدم جواز إرادة الماهية من حيث هي ولا من حيث وجودها في ضمن جميع الافراد كالدخول فيما نحن فيه وهو في معنى النكرة وإن كان يجري عليه أحكام المعارف وقد يراد بها المهية بإعتبار وجودها في ضمن جميع الافراد كقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وجعل المعهود الخارجي خارجا عن المعرف بلام الجنس هو المذكور في كلام القوم ووجهه أن معرفة الجنس لا يكفي في تعيين شئ من أفراده بل يحتاج إلى معرفة أخرى وفيه أن الاستغراق وإرادة فرد ما ايضا لا يكفي فيهما معرفة الجنس بل يحتاجان إلى أمر خارج وهو ما يدل على عدم إمكان إرادة الماهية من حيث هي فيهما وعدم إمكان إرادة البعض الغير المعين أيضا في الاستغراق فالاولى أن يجعل المقسم إسم الجنس إذا عرف باللام ويقال اما يقصد باللام محض تعيين الطبيعة والاشارة إليها كما هو أصل موضوع الالف واللام ولم يقصد أزيد منه باصل العدم فيما يحتمل غيره فهو تعريف الجنس واما أن يقصد به الطبيعة بإعتبار الوجود فاما أن يثبت قرينة على إرادة فرد خاص فهو العهد الخارجي وإلا فإن ثبت قرينة على عدم جواز إرادة جميع الافراد فهو للعهد الذهني وإلا فللاستغراق ويبقى الكلام في أمور الاول أنه هل يكفي مجرد المعهودية في الخارج في حمل اللفظ عليه أو يحتاج إلى شئ آخر والثاني أن الحمل على العهد الذهني كيف صار بعد عدم إمكان الحمل على الاستغراق والثالث ما وجه الحمل على الاستغراق إذا لم يعهد شئ في الخارج وهل هو من باب دلالة العقل واللفظ وسيجئ الكلام فيها ثم ان الفرق بين العهد الذهني والنكرة ليس إلا من جهة أن الدلالة على الفرد في العهد بالقرينة وفي النكرة بالوضع والظاهر أنه أيضا يستعمل في كلا معنيي النكرة أعني ما كان من باب جاء رجل من أقصى المدينة ومن باب جئني برجل وأما الفرق بين علم الجنس وإسم الجنس فهو إن علم الجنس قد وضع للماهية المتحدة مع ملاحظة (تعيينها)؟ وحضورها في الذهن كاسامة فقد تراهم يعاملون معها معاملة المعارف بخلاف إسم الجنس فإن التعيين و التعريف إنما يحصل فيه بالآلة مثل الالف واللام فالعلم يدل عليه بجوهره وإسم الجنس بالآلة وأما الكلي الطبيعي فلا مناسبة بينه وبين إسم الجنس والمناسب له إنما هو نفس الجنس وليس كل جنس يكون كليا طبيعيا فالجنس أعم فإن الكلي الطبيعي معروض لمفهوم الكلي ونفس الكلي جنس فالجنس أعم مطلقا وأما الفرق بين إسم الجنس وإسم الجمع فهو إن إسم الجنس يقع على الواحد وإلاثنين بالوضع بخلاف إسم الجمع الثانية لا إختصاص للجنسية بالمفردات بل قد يحصل في الجمع أيضا لا بمعنى أن المراد من الجمع هو
الجنس الموجود في ضمن جماعة كما يقال في النكرة أنه الجنس والطبيعة مع قيد وحدة غير معينة بل بمعنى أن الجماعة أيضا مفهوم كلي حتى أن جماعة الرجال أيضا مفهوم كلي فلك تصوير جميع الصور المتقدمة فيه فيقال لفظ رجال مع قطع النظر عن اللام والتنوين موضوع لما فوق الاثنين وهو يشمل الثلاثة و الاربعة وجميع رجال العالم فقد ينون ويراد به الوحدة أعني جماعة واحدة مثل النكرة الافرادية في المفرد وقد ينون لمحض التمكن ويراد به الماهية بدون ملاحظة التعيين كما في قول الشاعر أقوم آل (حصن)؟ أم نساء وقد يعرف ويراد به الجنس والماهية مثل والله لا أتزوج الثيبات بل الابكار إذا أراد جنس الجمع وقد يراد به الجمع المعهود إذا كان هناك عهد خارجي وقد يراد به العهد الذهني كقوله تعالى إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا إن قلنا بكون الجملة صفة للمستضعفين بل وقد يثنى ويقال رجالان وقد يجمع كرجاجيل وجمالات إلى غير ذلك وأما التثنية فلا يجري جميع ما ذكر فيه فإن القدر المشترك بين كل واحد من الجموع ومجموعها موجود وهو مفهوم جماعة الرجال بخلاف رجلان فإن مفهوم إثنان من الرجال مشترك بين كل واحد من الاثنينيات بخلاف المجموع فإنه ليس من أفراد إثنين من الرجال ولكن التثنية أيضا قد يراد به النكرة وقد يراد به العهد الخارجي بل العهد الذهني أيضا وقد يراد به الاستغراق فالجنسية تعرض الجمع كما أن الجمعية تعرض الجنس ثم أن الجمع المعرف باللام قد يراد به الجنس بمعنى أن الجمع يعرف بلام الجنس فيسقط عنه إعتبار الجمعية ويبقى إرادة الجنس فحينئذ يجوز إرادة الواحد أيضا عنه وإلى هذا ينظر قولهم في تعريف الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين حيث نقض بالخواص مثل وجوب صلاة الليل على النبيصلىاللهعليهوآله بان المراد جنس الفعل وجنس المكلف ولكنه مجاز لان إنسلاخ معنى الجمعية لا يوجب كون اللفظ حقيقة في المفرد كما صرحوا بأن قولهم فلان يركب الخيل مجاز وبنوا فلان قتلوا فلانا وقد قتله واحد منهم مع أن إنسلاخ الجمعية لا يوجب إنسلاخ العموم فعلى القول بأنه حقيقة في العموم كما هو المشهور والمعروف فيكون حينئذ أيضا مجازا نعم يمكن أن يقال بعد التجوز وإرادة الجنس فلا يكون إرادة الواحد مجازا بالنسبة إلى هذا المعنى المجازي ومثل قوله تعالى الرجال قوامون على النساء يحتمل إنسلاخ الجمعية وجنس الجمع كليهما ولعل الثاني أظهر الثالثة قد علمت أن الالفاظ الموضوعة للمفاهيم الكلية لها وضع شخصي مع قطع النظر عن اللواحق ووضع نوعي بالنظر إلى لحوقها فاعلم أن الوضع النوعي الحاصل بسبب اللواحق قد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا كساير الحقائق والمجازات فيحصل الاشكال هنا في أن المعاني المستفادة بسبب لحوق اللام أو التنوين أو غيرهما أيها حقيقة وأيها مجازا إذ كما
ان وضع المجازات نوعي بإعتبار ملاحظة أنواع العلايق فقد يكون وضع الحقايق أيضا نوعيا بإعتبار الضم والتركيب فمعنى تعريف الماهية وتعيينها بسبب لحوق اللام ممالا ينبغي الريب في كونه معنى حقيقيا للمفرد المعرف باللام وأما دلالته على العهد الذهني أو الخارجي أو الاستغراق ففيه إشكال ويظهر من التفتازاني في المطول أن إستعماله في العهد الذهني حقيقة فإنه أطلق وأريد من الجنس وفهم الفرد من القرينة كما في قولك جاء رجل فإن المعنى المستعمل فيه اللفظ هو ما كان الغرض الاصلي من إستعمال اللفظ هو الدلالة عليه والمقصد الاصلي هنا إرادة الجنس لكن فهم إرادة فرد منه بإنضمام قرينة المقام ويلزم من ذلك كونه في الاستغراق أيضا حقيقة إذ هو أيضا من افراد تعريف الجنس وبسبب قيام القرينة على عدم إرادة فرد معين أو غير معين يحمل على بل ويلزم ذلك في العهد الخارجي أيضا على ما بيناه من عدم الفرق وضعف إخراجه عن تعريف الجنس وإدخال صاحبيه فيه ويظهر ذلك من غيره من العلماء أيضا وهذا إنما يتم لو جعلنا إسم الجنس هو المهية لا بشرط وإلا فعلى إعتبار الوحدة الغير المعينة فيه يصير مجازا بسبب التعريف لاسقاط الوحدة عنه وإراده الوحدة الثانية بسبب المقام في العهد الذهني أو الكثرة في الاستغراق إنما هو بقرينة المقام لا بسبب ما كان في أصل الموضوع له وإلا لم يتم في الاستغراق جزما وأنا أقول الظاهر أن المعرف بلام الجنس لا يصح إطلاقه على المذكورات بعنوان الحقيقة لان مدلول المعرف بلام الجنس هو الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد مع التعين والحضور في الذهن وذكره وإرادة فرد منه إستعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يقال التعرية عن ملاحظة الافراد ليس عبارة عن ملاحظة عدمها ولا منافاه كما يقال هذا رجل لا إمرأة وهو حقيقة جزما لانا نجيب عنه بنظير ما أشرنا إليه في مبحث إستعمال اللفظ المشترك في المعنيين من أن الوضع توقيفي كالاحكام الشرعية وأن اللفظ المشترك موضوع لكل من المعانى في حال الوحدة لا بشرط الوحدة وأنه لا رخصة في إرادة غيره معه ولا ريب أن حال عدم الملاحظة مغاير لحال إعتبار الملاحظة وذكر اللفظ الموضوع لمعنى وإرادة معنى آخر منه غير حمل اللفظ الموضوع لمعنى على معنى آخر مغاير له في الجملة والثاني قد لا يستلزم المجازية كما في قولك هذا رجل فإن المراد هنا صدق رجل على المشار إليه وغايته إفادة إتحاد وجودهما لا كونهما موجودا واحدا كما أشرنا في مفهوم الحصر فقولك زيد الرجل يغاير معنى زيد رجل ولذلك يحمل الاول على المبالغة لان معناه أن زيدا نفس الطبيعة المعينة ومعنى الثاني أنه يصدق عليه أنه رجل إذا عرفت عذا علمت أن القول بكون الاقسام المذكورة من أقسام المعرف بلام الجنس وأنه حقيقة في الكل غير صحيح فلا بد اما من القول بالاشتراك اللفظي أو كونه حقيقة في بعضها ومجازا في الآخر و
الذي يترجح في النظر هو كونه حقيقة في تعريف الجنس مجازا في غيره للتبادر في تعريف الجنس فمن يدعي الحقيقة في العهد أو الاستغراق لا بد له من إثبات وضع جديد للهيئة التركيبية أو يقول بإشتراك اللام لفظا في إفادة كل واحد منهما وتعيينها يحتاج إلى القرينة والتبادر وغيره مما سنذكر سيما أصالة عدم إرادة الفرد يرجح ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا من التقرير في الجمع مطابقا للمفرد لا بد أن يقال أنه أيضا حقيقة في الجنس إذا عرف باللام لكن الغالب في إستعماله الاستغراق فلعله وضع جديد للهيئة التركيبية وسنحققه إنشاء الله تعالى وبقي الكلام في النكرة وأنه حقيقة في أي شئ فقولنا رجل جائني لا إمرئة وجائني رجل وجئني برجل ونحو ذلك أيها (نكرة) حقيقة وأيها مجاز أم مشترك بينهما لفظا أو معنى ويظهر الثمرة في الخالي عن القرينة كقولنا رجل جائني فيحتمل إرادة واحد من الجنس لا إثنين كما هو معنى النكرة المصطلحة المجعولة قسيما لاسم الجنس ويحتمل إرادة نفس الماهية بدون إعتبار حضورها في الذهن والظاهر أنه حقيقة في النكرة المصطلحة فإطلاقها على إسم الجنس المنكر يكون مجازا يحتمل كونها حقيقة في الاعم تنبيه.
إعلم أن الاستعمال الكلي في الفرد يتصور على وجوه لا بد من معرفتها ومعرفة ان أيها حقيقة وأيها مجاز منها حمل الكلي على الفرد صريحا مثل أن يقال زيد إنسان فالانسان قد حمل على زيد ولكن لم يستعمل في زيد بل استعمل في مفهومه الكلي الذي زيد احد أفراده وتوينه تنوينه التمكن لا التنكير لا يقال أن الحمل يقتضي الاتحاد فإذا كان المراد بالانسان هو المفهوم الكلي فيلزم أن يكون الانسان منحصرا في زيد لانا نقول الاتحاد الحملي لا يقتضي إلا إتحاده مع الموضوع في الوجود ولا يقتضي كونهما موجودا واحدا وإلا لبطل قولهم الاعم ما يصدق على الاخص صدقا كليا دون العكس فالحاصل إن زيدا والانسان موجودان بوجود واحد وإن أمكن أن يوجد الانسان مع عمرو أيضا بوجود واحد وهكذا ولو أريد كونهما موجودا واحدا فلا ريب أنه لا يصح إلا على سبيل المبالغة وهذا هو مأل قولهم إن الانسان حمل على زيد مع الخصوصية يعني أن زيدا لا غير إنسان ويلزمه كونهما موجودا واحدا وبهذا الوجه يستفاد الحصر في مثل قولهم زيد الشجاع على أحد الوجوه وحينئذ فلا مجاز في اللفظ أصلا بل المجاز إنما هو في الاسناد وهو خارج عما نحن فيه ومن هذا يعلم حال قولنا زيد الانسان معرفا باللام وإن إسناده مجازي فالاولى أن يخرج هذا من أقسام إطلاق الكلي على الفرد ومنها أن يطلق الكلي و يراد به الفرد وهذا يتصور على أقسام مثل جائني رجل وجئني برجل وهذا الرجل فعل كذا فلو أريد إتحاد المفهوم مع الفرد في كل منها بأن يكون المراد جائني شخص هو الرجل لا غير بأن يكون مع الفرد موجودا واحدا ويكون هو هو فلا ريب أنه مجاز في الجميع وهذا معنى قولهم إذا اطلق العام على الخاص مع قيد
الخصوصية فهو مجاز وإن أريد كونهما موجودين بوجود واحد فهو حقيقة لكن فهم ذلك يحتاج إلى لطف قريحة وبيانه انا قد حققنا لك أن اللفظ الموضوع للكلي وهو الجنس أعني الشامل للقليل و الكثير المنشان بالشؤن المختلفة هو مادة اللفظ المفرد بدون اللام والتنوين أو إذا دخله تنوين التمكن أيضا في بعض الصور وأما فيما دخله تنوين التنكير فلا ريب أنه يحصل له معنى بوضع نوعي هو معنى النكرة كسائر التصرفات الاخر الموجبة لتنويع الاوضاع كالتثنية والجمع وغيرهما ففي قولنا جاء رجل أريد شخص معين في الخارج عند المتكلم غير معين عند المخاطب ومعناه حينئذ في ظرف التحليل جاء شخص متصف بأنه رجل فيستلزم تلك النسبة التقييدية المستفادة من المادة والتنوين نسبة خبرية وهو قولنا هو رجل بالحمل المتعارفي والكلام فيه هو الكلام في زيد إنسان كما مر ولا مجاز في أطرافه ولا في نسبته كما بيناه ولو أريد جاء شخص هو لا غير رجل فيستلزم المجاز في اللفظ بظاهر الاطلاق فإن الحبيب النجار لا غير مثلا معنى مجازي لللفظ المركب من رج ل فإن قلت إرادة الخصوصية من الفرد لا يستلزم إنحصار الكلي في الفرد بل معناه أن هذا الشخص مع الخصوصية رجل فاستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل بطريق الحمل المتعارفي وهو لا ينافي تحقق الرجل في غير هذا الشخص أيضا والحاصل أن اللفظ هنا استعمل في الفرد مع قيد الخصوصية وأطلق عليه والمفروض أنه لم يوضع إلا للماهية فإستعماله في الماهية والتشخص إستعماله في غير ما وضع له وهو مجاز وذلك لا يستلزم الحصر فما معنى قولك لا غير في هذا المقام قلت هذا كلام ناش عن الغفلة عن فهم الحقيقة والمجاز وتحقيق المقام أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضع له المستلزمة في طرف التحليل للحمل الذاتي فإنا إذا سمعنا أن العرب وضع لفظ الاسد لنوع من الحيوان واشتبه علينا هذا النوع فإذا وصف لنا هذا الحيوان وتميز من بين الحيوانات وقيل لنا هذا الاسد فلا ريب أن هذا حمل ذاتي وأن المجاز أيضا هو إستعمال اللفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر بأن يعيد أن هذا ذاك بعنوان الحمل الذاتي لا الحمل التعارفي فإن أسدا في قولنا رأيت أسدا يرمي لم يستعمل إلا في الرجل الشجاع ولم يستعمل في زيد مثلا نعم استعمل الرجل الشجاع الذي أريد من هذا اللفظ في زيد على نهج يتضمن الحمل المتعارفي إذ النسبة إنما وقع بين مفهوم الاسد ومفهوم الرجل الشجاع بمعنى أن زيدا نسبة من جهة أنه رجل شجاع بالحيوان المفترس لا من حيث الخصوصية واستعير لفظ الاسد الموضوع له لزيد من حيث أنه رجل شجاع لا من حيث الخصوصية فلفظ أسد في هذا التركيب مجاز من حيث أنه أريد منه الرجل الشجاع وحقيقة من حيث إطلاقه على فرد منه فإطلاق أسد على زيد له جهتان من إحديهما مجاز وهو إطلاق عليه من حيث أنه رجل شجاع ومن الاخرى حقيقة وهو
إطلاقه عليه من حيث أنه فرد من أفراد الرجل الشجاع وهذا الاخير بعد جعل الاسد عبارة عن الرجل الشجاع ففي هذا المثال لم يوجد الحمل المتعارف في المعنى الحقيقي بالنسبة إلى زيد من حيث أنه رجل شجاع بل حمله ذاتي فإن الرجل الشجاع ليس من أفراد المعنى الحقيقي إلا على مذهب السكاكي من باب الادعاء حتى يمكن أن يقال حمل الاسد عليه لا يفيد إنحصار افراده فيه فظهر أن إطلاق المعنى الحقيقي على المعنى المجازي ليس إلا من باب الحمل الذاتي فإذا كان من باب الحمل الذاتى فهو يفيد كونهما موجودا واحدا إدعاء وهذا معنى إنحصار المحمول في الموضوع وإنحصار المستعمل في المستعمل فيه وإذا عرفت هذا في الاستعارة يظهر لك الحال في غيرها من أنواع المجاز فإن قولنا عينا الغيث اطلق فيه الغيث على النبات بعنوان الحمل الذاتي إدعاء يعني أن النبات غيث لا بمعنى أنه فرد من أفراد الغيث الحقيقي بل هو هو نعم لما أريد منه النبات الخاص الذي رعوه فإطلاق الغيث بعد جعله بمعنى النبات على الفرد حقيقة من باب اطلاق الكلي على الفرد بالحمل المتعارفي ولا منافاة بين كون اللفظ مجازا في معنى وحقيقة في حمله على بعض أفراد ذلك المعنى المجازي من جهة إطلاق الكلي على الفرد إذا تحقق لك هذا فاعلم أن إستعمال العام في الخاص يعني الكلي في الفرد إن كان من باب الحمل المتعارفي بأن كان المراد بيان إتحاد العام مع الخاص في الوجود لا كونهما موجودا واحدا وبعبارة أخرى اطلق العام على الفرد باعتبارالحصة الموجودة فيه فهو حقيقة كما بينا لان المجاز لا بد فيه من الحمل الذاتي وأما إذا أريد الخاص بشرط الخصوصية ومع إعتبار القيد فلا يمكن فيه الحمل المتعارفي إذ لا وجود للانسان بهذا المعنى في فرد آخر لاستحالة تحقق الخصوصية في موارد متعددة ضرورة وإمكان صدقه على عمرو بالحمل المتعارفي في إنما هو بإنسلاخ الخصوصية ومع الانسلاخ فهو معنى آخر هو الموضوع له لا هذا المعنى والمراد من الحمل المتعارفي حمل المشترك المعنوي على أفراده لا من قبيل حمل المشترك اللفظي على معانيه أو حمل المعنى الحقيقي والمجازي على معنييه ومن التأمل في جميع ما ذكرنا ظهر لك أن قولنا أن العام إذا اطلق على الخصوص بإعتبار الخصوصية معناه إدعاء كون العام منحصرا في الخاص وغفلة المعترض هنا تدعوه إلى أن يقول لا نسلم ذلك فإن إرادة الخصوصية هنا لا تمنع إستعماله في خصوصية أخرى فلا يفيد الحصر وقد عرفت بطلانه فإن ما يستعمل في غير هذه الخصوصية ليس هذا المعنى بل هو المعنى الحقيقي والخصوصية عنه منسلخة بالمرة حتى يصح إستعماله في الخصوصيات المتعددة وكلامنا في هذا المعنى المجازي فظهر بطلان قوله وهو لا ينافي تحقق هذا الرجل في غير هذا الشخص وعلى هذا فمدخول اللام الذي يفيد العهد الخارجي حقيقة في المشار إليه مثل هذا الرجل خير من هذه المرئة ونحو ذلك وذلك لان اللام للاشارة إلى شئ يتصف بمدخولها اما إتصافا
يستلزم الحمل الذاتي كما في تعريف الحقيقة أو الحملالمتعارفي كالعهد الخارجي وأيا ما كان فلفظ المدخول مستعمل في معناه الحقيقي ولا ينافي ذلك كون المعرف باللام حقيقة في تعريف الجنس مجازا في العهد الخارجي كما حققناه مع أن الكلام في كون لفظ الكلي حقيقة في الفرد أو مجازا ولفظ الكلي هو مدخول اللام فلا مدخلية في تحقق هذا الاطلاق لللام وغيرها من العوارض فإن أشير باللام إلى الفرد كما في العهد الخارجي فيتضح المقصود وأما إذا أشير إلى تعيين الجنس فلا بد أن يراد من مدخوله نفس الطبيعة المعراة عن الفرد فما إشتهر بينهم من أن الفرد المحلى بلام الجنس إذا استعمل في إرادة فرد ما ويقال له المعهود الذهني فهو حقيقة غير واضح لان معيار كلامهم في ذلك هو أنه من باب إطلاق الكلي على الفرد وهو حقيقة ولا ريب أن المعرف بلام الجنس معناه الماهية المتحدة المتعينة في الذهن المعراة عن ملاحظة الافراد عموما وخصوصا وإطلاقه وإرادة الماهية بإعتبار الوجود خلاف المعنى الحقيقي فإن قلت أن الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد لا تستلزم ملاحظة عدمها قلت نعم لكنها تنافي إعتبار وجود الافراد وإن لم تنافي تحققها في ضمن الافراد الموجودة مع أنه لا مدخلية لللام في دلالة لفظ الكلي على فرده فيصير اللام ملغاة فإن اللفظ الموضوع الكلي من حيث هو كلي مدخول اللام لا المعرف باللام مضافا إلى أنه لا معنى لوجود الكلي في ضمن فرد ما لانه لا وجود له إلا في ضمن فرد معين مع أن المعرف باللام قد وضع للماهية المعراة في حال عدم ملاحظة الافراد ولذلك مثلوا له بقولهم الرجل خير من المرئة ورخصة إستعمالها في حال ملاحظة الافراد لم تثبت من الواضع كالمشترك في أكثر من معنى لا يقال يرد هذا في أصل المادة بتقريب أنها أيضا موضوعة للماهية في حال عدم ملاحظة الافراد لانا نقول أن إستعمالها على هذا الوجه أيضا مجاز وما ذكرناه من كونها حقيقة إنما كان من جهة الحمل لا من جهة الاطلاق وهو غير متصور فيما نحن فيه لعدم صحة حمل الطبيعة على فرد ما والحاصل ان وجود الكلي واتحاده مع الفرد انما يصح في الفرد الموجود الذي هو مصداق فرد ما لا مفهوم فرد ما والمطلوب هنا من المعرف بلام الجنس هو مفهوم فرد ما ومفهوم فرد ما لاوجود له حتى يتحقق الطبيعة في ضمنه وبالجملة مقتضى ما ذكروه أن المراد بالمعرف باللام إذا أطلق وأريد منه العهد الذهني هو الطبيعة بشرط وجودها في ضمن فرد ما لا حال وجودها في الاعيان الخارجية ولا معنى محصل لذلك إلا إرادة مفهوم فرد ما من الطبيعة من اللفظ ولا شبهة أن مفهوم فرد ما مغاير للطبيعة المطلقة ولا وجود له نعم مصداق فرد ما يتحد معها في الوجود وليس بمراد جزما فهذا من باب إشتباه العارض بالمعروض فإن قلت هذا بعينه يرد على قولك جئني برجل فإنه أريد منه الماهية بشرط الوجود في ضمن فرد ما يعني مصداق فرد ما