• البداية
  • السابق
  • 401 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14624 / تحميل: 7441
الحجم الحجم الحجم
قوانين الاصول

قوانين الاصول

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فيحمل على الاستغراق فيصير المعنى أن كل ما صدق عليه العالم فهو زيد وهذا لا يصح إلا إذا انحصر مصداقه في الفرد لاستحالة إتحاد الكثيرين مع الواحد وذلك إما حقيقة كما لو فرض إنحصار الامارة في الخارج و إما إدعاء ومبالغة كما في قولنا الشجاع عمرو والرجل بكر فالمراد هو المصداق الكامل وقد لا يحتاج إلى صرف الصفة إلى إستغراق الافراد بأن يدعي وحدة الجنس مع هذا الفرد كما في قولك هل سمعت بالاسد وتعرف حقيقته فزيد هو هو بعينه كما ذكره عبدالقاهر في الخبر المحلي باللام وهو الظاهر من الزمخشري في تفسير قوله تعالى أولئك هم المفلحون وهذا معنى أعلى من الحصر في المبالغة وهو بعينه جار في قولنا الامير زيد واحتج النافون بان ذلك لو صح لصح في العكس يعني في مثل زيد الامير وعمرو العالم لجريان ما ذكر فيه أيضا وبأنه لو كان الاصل مفيدا له دون العكس لتطرق التغيير في مفهوم الكلمة بسبب التقديم والتأخير مع عدم تطرق تغيير في المفردات وإنما وقع في الهيئة التركيبية أقول أما الجواب عن الاول فأما أولا فبالقول بالموجب كما صرح به علماء المعاني ويظهر وجهه مما سبق واما ثانيا فبالفرق بين صورة التقديم والتأخير فإن الموضوع هو الذات والمعروض والمحمول هو الوصف والعارض ولذلك اصطلح المتكلمون على إطلاق الذات على المبتداء والوصف على الخبر فإذا وقع الوصف مسندا إليه فالمراد به الذات الموصوفة به فالمراد بالامير في قولنا الامير زيد الذات المتصفة بالامارة فإذا إتحد الذاتان بحسب الحمل فيلزم الحصر أعني حصر الامارة في زيد وإن إقتضى قاعدة الحمل كون المراد بزيد هو المسمى ولم يفد إنحصار وصفه في الامارة وإذا وقع مسندا فالمراد به كونه ذاتا موصوفة به وهو عارض للاول والعارض أعم والحمل وإن كان يوجب الاتحاد لكن حمل الاعم على الاخص معناه صدق الاعم على الاخص وذلك لايوجب عدم وجوده في ضمن غيره كما في الكلي الطبيعي بالنسبة إلى أفراده فالمراد من الاتحاد أن المحمول موجود بوجود الموضوع أو أن المحمول والموضوع موجودان بوجود واحد لا أنهما موجود واحد وبهذا يندفع ما يورد هنا أن الحمل لو إقتضى الاتحاد وأوجب القصر فيما نحن فيه للزم ذلك في الخبر المنكر أيضا مثل زيد إنسان فإن المراد من إنسان هو مفهوم فرد ما لا مصداقه كما إشتهر بينهم أن المراد بالمحمول هو المفهوم ومن الموضوع هوالمصداق والمصداق هنا إما فرد معين هو زيد أو غير زيد وإرادة كل منهما محال لاستحالة حمل الشئ على نفسه وعلى غيره ومفهوم فرد ما قابل لجميع الافراد فإذا اتحد مع الموضوع في الوجود بسبب الحمل لزم الحصر لما ذكرنا أن ذلك لا يفيد إلا إتحاده مع الموضوع في الوجود لا أنهما موجود واحد والحق أن صورة العكس أيضا يفيد الحصر لا لافادة الحمل ذلك من حيث هو حتى يرد أن الاتحاد الحملي لا

١٤١

يقتضي ذلك بل لان حمل الجنس أو الاستغراق يفيدذلك أما الاستغراق فظاهر وأما الجنس فلان المقصود منه إن كان مجرد صدق هذا الجنس ولو من حيث أنه فرد منه لتم ذلك بحمل المنكر مثل زيد أمير فيبقى التعريف لغوا فعلم منه أن المقصود أن زيدا هو حقيقة الامير وماهيته فيفيد المعنى الذي هو أعلى من الحصر كما مر إليه الاشارة وأشار إلى ما ذكرنا المحقق الشريف في بعض حواشيه فظهر من جميع ما ذكر أن قولنا الامير زيد يدل على الحصر من وجهين أحدهما تقديم المتأخر بالطبع وإن صار موضوعا الان والثانى التعريف على ما مر بيانه وأما صورة العكس فمن جهة واحدة هو التعريف وأما الجواب عن الثاني فيظهر ما تقدم أيضا وتوضيحه منع بطلان التالي لو أريد به مجرد المغايرة في إرادة الذات و الصفة ومنع الملازمة إن أريد غير ذلك والتحقيق قد مر ثم ان الكلام لا يختص بالمعرف باللام بل كلما يراد به الجنس حكمه ذلك مثل قولك صديقي زيد حيث لا عهد خارجي فإنه يحمل على الجنس أو الاستغراق كما في قولك ضربي زيدا قائما فالجهتان المتقدمتان حاصلتان فيه وأما صورة العكس فلا يجري ما قدمنا في المعرف باللام فيه بل الظاهر أن معناه زيد صديق لي على طريق الاضافة اللفظية ثم قد ظهر لك مما مر من تعدد الجهتين ان المسند إليه إذا كان معرفا باللام يفيد حصره في المسند وإن لم يكن حقه التأخير أيضا كما في قولهم الكرم التقوى والعلماء الخاشعون والكرم في العرب والامام من قريش كما صرح به علماء المعاني ولا يلزم منه كون كل ما في العرب كريما ولا كل من في القريش إماما كما لا يلزم في زيد قائم او إنسان إنحصار القائم والانسان في زيد وأما الحصر بإنما والمراد به نفي غير المذكور أخيرا كقولك إنما زيد قائم في قصر الموصوف على الصفة وإنما القائم زيد في العكس فالاشهر الاقوى فيه الحجية للتبادر عرفا ونقله الفارسي عن النحاة وصوبهم وكذلك لغة أيضا مع أصالة عدم النقل ويدل عليه أيضا إستدلال العلماء بمثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما الاعمال بالنيات وإنما الولاء لمن أعتق على نفي العمل من دون نية ونفي الولاء لغير المعتق من دون نكير وإن كان يمكن القدح فيه بأنه مقتضى التعريف في المسند إليه كما مر فقولهعليه‌السلام إنما الاعمال بالنيات في قوة الموجبة الكلية المناقضة للسالبة الجزئية وأنت خبير بكمال وضوح الفرق بين الملحوق بإنما وعدمه وإن قلنا بدلالة تعريف المسند إليه أيضا ولا أظن أن من يعتمد على دلالة تعريف المسند إليه على ذلك لايعتمد على دلالة إنما عليه مع كمال وضوحه وكيف كان فالعمدة هو التبادر في سائر الموارد وقد يستدل بصحة إنفصال الضمير معه في مثل قوله الفرزدق وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فإن الوجوه المجوزة للفصل مفقودة سوى أن يكون الفصل لغرض وهو أن يكون المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا وقد يستدل أيضا بان أن للاثبات وما

١٤٢

للنفي ولا يجوز أن يكونا لاثبات ما بعده ونفيه بل يجب أن يكونا لاثبات ما بعده ونفي ما سواه أو على العكس والثاني باطل بالاجماع فتعين الاول وهو ضعيف لان ان إنما هو لتأكيد الكلام نفيا كان أو إثباتا كقوله تعالى فإن الله لا يظلم الناس شيئا وما النافية لاتنفى إلا ما دخلت عليه بإجماع النحاة فهي كافة كما في ليتما ولعلما وغيرهما كما صرح به إبن هشام وغيره والتحقيق أنه كلمة متضمنة لمعنى ما وإلا بحكم التبادر وإستعمال الفصحاء وقد نوقض بقوله تعالى إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم لعدم إنحصار المؤمنين في المذكور وإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس لعدم إنحصار إرادة الله في إذهاب الرجس عنهم وإنما أنت منذر من يخشيها أي الساعة لانذاره غيرهم أيضا وفيه أن المراد في الاول الكمل منهم وفي الثاني أن إرادة إذهاب الرجس مقصور على أهل البيتعليهم‌السلام في زمانهم لا غيرهم لانحصار مطلق إرادة الله في ذلك إذ عرفت أن النفي يرجع إلى غير المذكور أخيرا وفي الثالث الانذار النافع وعلى فرض التسليم فالمجاز خير من الاشتراك ومطلق الاستعمال بدل على الحقيقة وقد اثبت كونها حقيقة فيما ذكرنا واحتج منكر الحجية بأنه لا فرق بين أن زيدا قائم وإنما زيد وما زائدة فهي كالعدم وقد عرفت الفرق واختلف المثبتون أيضا فقيل أنه بالمنطوق لانه لا فرق بين إنما إلهكم الله وبين لا إله إلا الله ويظهر لك بطلانه مما مر في تعريف المفهوم و المنطوق وقد أشرنا إليه آنفا أيضا وأما ما وإلا فلا خلاف في حجية مفهومهما ظاهرا والظاهر أن الدلالة فيهما بالمنطوق فلاوجه لجعله من باب المفهوم قانون الحق أنه لا حجية في مفهوم الالقاب لعدم دلالة اللفظ عليه بإحدى من الدلالات ولانه لو دل لكان قولنا زيد موجود وعيسى رسول الله كفرا لاستلزامهما نفي الصانع ورسالة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتج الدقاق وبعض الحنابلة على الدلالة بأن التخصيص بالذكر لا بد له من مخصص ونفي الحكم عن غيره صالح له والاصل عدم غيره وأيضا قول القائل لست زانيا ولا أختي زانية يدل على أن المخاطب وأخته زانيان وأوجب الحنابلة الحد عليه لهذا والجواب عن الاول أن تعلق الارادة مخصص وليس الاسم واللقب قيدا زايدا في الكلام حتى يحتاج إلى زائدة خاصة في ذكره وفائدته فايدة أصل الكلام وعن الثاني أن القرينة قائمة على إرادة التعريض وأما مفهوم العدد فمذهب المحققين عدم الحجية فلو قيل من صام ثلاثة أيام من رجب كان له من الاجر كذا فلا يدل على عدمه إذا صام خمسة نعم يحتاج جوازه إلى الرخصة من الشارع لان العبادة توقيفية يحتاج إلى التوظيف لا لان القول الاول ناف له فإذا صام الزايد من باب عموم الصوم فلا ضرر أصلا وكذلك الكلام في عدد الاذكار والتسبيحات ولكن في بعض الاخبار المنع عن التعدي والظاهر أنه من جهة إعتقاد أن الزايدة

١٤٣

مثل المأمور به في الاجر لا لعدم الجواز وأما إذا قيل يجب عليك صوم عشرة أيام فلا يجوز الاكتفاء بالخمسة لعدم الامتثال بالمنطوق حينئذ لا لان المفهوم يقتضي ذلك ولورود الامر بخمسة أخرى فلا يعارض السابق بأن يقال أن مفهوم القول الاول يقتضي عدمها فلا بد من الترجيح وأما في بعض المواضع الذي لا يجوز التعدي إلى ما فوق وما تحت فإنما هو بدليل خارجي فعدم جواز زيادة الحد مثلا على الثمانين أو المأة جلدة فإنما هو لحرمة الايذاء من دون إذن من الشارع فيقتصر على التوظيف وعدم قبول الشاهد الواحد إنما هو لفقدان الشرط وهو الشاهدان فهو مقتضى المنطوق كما أشرنا وكذلك كون الماء أقل من كر أو أو قلتين في النجاسة ولذلك ترى أن الاكثر أيضا لا ينجس ولان المناط في الحكم هو الكثرة وعدم نقص الماء عن هذا المقدار لا عدم كونه أكثر من ذلك أيضا وبالجملة الاعداد المعتبرة في الشرع قد يتوافق حكمها مع الاقل والاكثر وقد يتخالف فإستعماله عام والعام لا يدل على الخاص وقد يتوهم أن تحديد أقل الحيض بالثلاثة وأكثره بالعشره إنما استفيد من مفهوم العدد في قولهعليه‌السلام أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فإنه لا يجوز التجاوز ولا الاقتصار بالاقل وفيه ما لا يخفى فإن تحديد الاقل لا يتم إلا بعدم تحقق الحيض في يومين وإلا لكان هو الاقل وبأن لا يكون الاربعة وإلا فلا يتحقق بثلاثة وليس هذا من مفهوم العدد في شئ وقس عليه حال الاكثر والظاهر أن الكلام في المقدار والمسافة وأمثالهما هو الكلام في العدد وأما مفهوم الزمان والمكان فهو أيضا كذلك وذهب إلى حجيتها جماعة و يظهر الاحتجاج والجواب مما تقدم فإن قلت إذا قيل بعه في يوم كذا وخالف الوكيل فالعقد غير صحيح وكذا غيره من العقود قلت لان التقييد في الوكالة تابع لللفظ ومختص بما قيده لا من حيث المفهوم بل من حيث إنحصار الاذن في ذلك ولذلك لم يخالف من رد المفهوم في إختصاص الوكالة والوقف ونحوهما بما قيده وصفا وشرطا وزمانا ومكانا وغيرها وصرح بما ذكرنا الشهيد الثانيرحمه‌الله في تمهيد القواعد

١٤٤

الباب الثالث في العموم والخصوص

وفيه مقدمة ومقاصد أما المقدمة فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة على إستغراق إجزائه أو جزئياته كما عرفه شيخنا البهائيرحمه‌الله واحترز بقيد الموضوع للدلالة عن المثنى والجمع المنكر وأسماء العدد فإنها لم توضع للدلالة على ذلك وإن دلت وقوله أجزائه أو جزئياته لدخول مثل الرجال على كل واحد من المعنيين الاتيين من إرادة العموم الجمعي أو الافرادي وهذا إصطلاح وإلا فلا مانع من جعل العشرة المثبتة أيضا عاما كما يشهد به صحة الاستثناء بالعام على قسمين

١٤٥

إما كلي يشمل أفراده أو كل يشمل أجزائه والعام المعهود الغالب الاستعمال في كلامهم هو المعنى الاول ولذلك ذكروا أن دلالة العموم على كل واحد من أفراده دلالة تامة ويعبرون عنه بالكلي التفصيلي والكلي العددي والافرادي وليست من باب الكل اي الهيئة الاجتماعية المعبر عنه بالكلي المجموعي ويظهر الثمرة في المنفي فلو كان الجمع المضاف في قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم بمعنى الكلي المجموعي فلم يدل على حرمة قتل البعض بخلاف المعنى الاول نظيبر ضربت العشرة وما ضربت العشرة وسيجئ أن العموم قد يستفاد من جهة المقام لاقتضاء الحكمة ذلك وهو أيضا ليس من العام المصطلح وإن ترتب عليه أحكامه المقصد الاول في صيغ العموم قانون إختلفوا في كون ما يدعى كونها موضوعا للعموم من الالفاظ موضوعا له أو مشتركا بينه وبين الخصوص أو حقيقة في الخصوص على أقوال فقيل بالتوقف ثم القائلون بثبوت الوضع للعموم إتفقوا في بعض الالفاظ و اختلفوا في الاخر فلنقدم الكلام في الخلاف في أصل الوضع فالاشهر الاظهر كونها حقيقة في العموم لنا التبادر فإن أهل العرف يفهمون من قولنا ما ضربت احدا ومن دخل داري فله درهم ومتى جاء زيد فأكرمه ونحو ذلك العموم فلو قال السيد لعبده لا تضرب أحدا ثم ضرب العبد واحدا لاستحق بذلك عقاب المولى وللاتفاق على دلالة كلمة التوحيد عليه والاتفاق على لزوم الحنث على من حلف أن لا يضرب أحدا بضرب واحد وإن من إدعى ضرب رجل لو أردت تكذيبه قلت ما ضربت أحدا فلولا أنه سلب كلي لما ناقض الجزئية فإن سلب الجزئي لا يناقض الايجاب الجزئي و لقصة إبن الزبعري فإنه لما سمع قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال لاخصمن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم جائهعليه‌السلام وقال يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أليس عبد موسى وعيسى والملائكة ففهمه دليل العموم لانه من أهل اللسان وأدل من ذلك جوابهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال ما أجهلك بلسان قومك أما علمت أن ما لما لا يعقل فلم ينكر العموم وقرره وأما إستعمال كلمة ما في ذوي العقول أو أعلى منهم كما في قوله تعالى والسماء وما بناها فإنما هو خروج عن الحقيقة لنكتة وفي رواية أخرى أجابعليه‌السلام بأن المراد (عتاد)؟ الشياطين التي أمرتهم بعبادة هؤلاء فنزل قوله تعالى الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون حجة القائلين بأنها حقيقة في الخصوص وجهان الاول أن الخصوص متيقن المراد من هذه الالفاظ حيث استعملت سواء أريد منها الخصوص فقط او في ضمن العموم بخلاف العموم فإنه مشكوك الارادة وما كان الوضع مسلما للخصم ولا بد له من مرجح فالاولى أن يقول أنه موضوع للمتيقن المراد فإنه أوفق بحكمة الواضع حيث أن غرضه من الوضع

١٤٦

التفهيم وبهذا التقرير إندفع ما أورد على الدليل بأنه إنما يدل على تيقن الارادة لا على الوضع والجواب ان هذا إثبات اللغة بالترجيح العقلي وهو باطل لان طريقه منحصر في النقل اما صريحا محضا بالتواتر أو الآحاد أو بإعانة تصرف من العقل كما لو أستفيد من مقدمتين نقليتين وضع مثل عموم الجمع المحلى باللام فإنه ثبت بواسطة مقدمتين مستفادتين من النقل إحديهما ما ثبت من أهل اللغة جواز الاستثناء منه بأي فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع وثانيتهما ما ثبت ان الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل ويحصل من ذلك أنه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ثم العقل يحكم بأن الشئ ما لم يكن داخلا في شي ء لا يمكن إخراجه منه فثبت أن جميع الافراد داخل فيه وهومعنى كونه موضوعا للعموم وهكذا وأما العقل المحص فلا مدخلية له في إثبات اللغات وأما التبادر وصحة السلب ونحوهما فإنما هي أدلة للفرق بين الحقيقة والمجاز لا لاثبات أصل الوضع ولا بأس بتوضيح المقام وإن كان خارجا عما نحن فيه لتنبيه الغافلين فنقول ان الوضع لايثبت إلا بالنقل عن الواضع لبطلان مذهب عبادبن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير من أن دلالة اللفظ على المعنى إنمانشأت من مناسبة ذاتية وإلا لتساوت المعاني بالنسبة إلى اللفظ فإما أن يكون هناك تخصيص وترجيح في الدلالة على المعنى أو لا فعلى الثاني يلزم التخصص من غير مخصص وعلى الاول التخصيص بلا مخصص وهما محالان والجواب إما بأن المرجح هو الارادة إما من الله تعالى لو كان هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق لو كان هو الواضع كتخصيص الاعلام بالاشخاص أو بمنع إنحصار المرجح فيما ذكروه لم لا يكون شخص آخر مثل سبق المعنى إلى الذهن من بين المعاني في غيره تعالى ومصلحة أخرى فيه تعالى مع أنه يدفعه الوضع للنقيضين والضدين وإقتضاء اللفظ بالذات لذلك في وقت دون وقت أو شخص دون شخص مما لا معنى له لان الذاتي لا يتخلف ولذلك وجه السكاكى هذا المذهب وأوله بأن مراده أن الواضع لم يهمل المناسبة بين اللفظ والمعنى كما هو مذهب أهل الاشتقاق فذكروا أن الفصم بالفاء لكسر الشئ مع عدم الابانة والقصم بالقاف له مع الابانة للفرق بين الفاء والقاف في الشدة والرخاء كالقسمين من الكسر فثبت أن طريق ثبوت الوضع هو النقل لعدم إمكان حصول العلم به من جهة أخرى والمرجحات العقلية والمناسبات الذوقية مما لم يثبت جواز الاستناد إليها في إثبات الاشياء التوظيفية التوقيفية كالاحكام الشرعية الفرعية ولذلك لا يجوز إثباته بالقياس أيضا كما جوزه قوم من العامة فيما لو دار التسمية بالاسم مع معنى في المسمى وجودا وعدما كالخمر فإنها دائرة مع تخمير العقل وجودا وعدما فقبله عصير

١٤٧

وبعده خل والدوران (يعيد)؟ العلية فكان الواضع قال سميت هذا خمرا لانه يخمر العقل فكأنه جوز تسمية كل ما فيه هذه العلة خمرا فيكون ترخيصا منه بالعموم وكترخيصه في سائر الكليات كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب وهو باطل لعدم ثبوت حجية القياس مع أن جماعة ممن جوز العمل بالقياس لم يجوزه في اللغة و قد يقلب الدوران على المستدل بأن التسمية دارت مع المعنى وهو ماء العنب أيضا فإن المجموع إذا وجد وجدت التسمية فإذا إنتفى إنتفت فالعلة مركبة ثم لا يذهب عليك ان رفع كل فاعل لم يسمع رفعه من العرب ونصب كل مفعول لم يسمع نصبه ونحو ذلك وكذلك إطلاق الرجل على من لم يطلقه العرف وكذلك أقسام المجازات وأنواع العلائق ليس من باب القياس بل هو المستفاد من إستقراء كلام العرب وتتبع تراكيبهم بحيث حصل الجزم بتجويزهم ذلك وهذا مما لا خلاف في جواز الاعتماد عليه وأما الاعتماد على التبادر عدم صحة السلب ورجحان المجاز على الاشتراك و نحو ذلك فليس من باب إثبات الوضع بالعقل بل إنما هو للتميز والتفرقة بين الحقائق المجازات والحاصل أن الاجنبي بإصطلاح قوم الجاهل بأوضاع كلماتهم إذا رأى أنهم يستعملون لفظا في معان متعددة ولا يعرف ايها حقيقة وأيها مجاز فلا ريب أنه يعرف أن في ذلك الاصطلاح ألفاظا مفردة موضوعة للمعاني الشخصية أو النوعية وألفاظا مركبة موضوعة للمعاني النوعية وألفاظا مستعملة في غير الموضوعات لها بعلاقة مجوز نوعها من الواضع ونحو ذلك كما هو الدأب والديدن في جميع اللغات والاصطلاحات ويعلم أن ما يتكلمون به قد بلغ إليهم من واضع إصطلاحهم حقيقة كان أو مجازا أو لكنه يريد أن يميز بين الحقيقة والمجاز ويعرف ان المعاني المتعددة التي يستعملون فيها لفظا واحدا على التناوب أيها حقيقة وأيها مجاز فيتفحص عن أحوالهم فاما يصرحون له بنقل الوضع أو يظهر عليه من مزاولة محاوراتهم خواص الحقيقه في البعض وخواص المجاز في الاخر فمن خواص الحقيقة التبادر وعدم صحة السلب ومن خواص المجاز تبادر الغير وصحة السلب ومن العلم بالعرض الخاص يحصل العلم بالمعروض ومعرفة خاصة الشئ من خارج لا يحتاج إلى النقل من الواضع فالمقصود بالذات من إستعلام هذه الخواص تحصيل العلم بالوضع بعنوان الحقيقة لا تحصيل العلم بمطلق الوضع وإن حصل العلم بالوضع في ضمنه أيضا فإن القدر المشترك بين الوضع الحقيقي والمجازي حاصل لذلك الجاهل إنما إشكاله في تعيين الخصوصية فطلب تحصيل العلم بالقدر المشترك تحصيل الحاصل فإن قلت نعم ولكن لا ينفي القول بإثبات اللغة بالعقل فإن اللغة هو اللفظ الذي وضع لمعنى سواء كان بالوضع الشخصي أو النوعي الحقيقي او المجازي فأيها ثبت بالعقل فيلزم ثبوت اللغة بالعقل والمفروض هنا إثبات المعنى الحقيقي مثلا بالتبادر وهو

١٤٨

دليل عقلي مع أن إثبات الوضع للخصوص على ما ذكره المستدل هنا أيضا إثبات للحقيقة لا لمطلق اللغة قلت المراد من عدم ثبوت اللغة بالعقل عدم إمكان الاستدلال عليه من طريق اللم من دون الاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو وضع الواضع وأما طريق الان والاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو فلا مانع منه فإن التبادر وعدم صحة السلب والنقل المتواتر والآحاد كلها معلولات للوضع ودلالتها انية غاية الامر كون بعضها قطعيا وبعضها ظنيا فلا بد أن يوجه ما ذكروه من أن طريق إثبات اللغة إما تواتر أو آحاد بأن مرادهم أن طريقه إما قطعي أو ظني فخبر الواحد والتبادر والتواتر وعدم صحة السلب والاستقراء يعني كون هذه الهيئة الخاصة مثلا مستعملا في معنى خاص في أكثر الموارد وأمثال ذلك كلها من الظنيات وكلها معلول للوضع وأما خامرية العقل وكون الاقل متيقن المراد وأمثالهما فهي على فرض تسليمها من العلل الموجدة للوضع التي يستدل بوجودها على العلم بوجود الوضع أيضا وهذا هو الممنوع ومثل التبادر واخواته في أدلة الوضع من جملة التوقيفيات قبالا للنقل المتواتر والاحاد مثل إتفاق العلماء الكاشف عن رأي المعصومعليه‌السلام وتقرير الكاشف عنه قبالا للاخبار المتواترة والآحاد في الشرعيات فافهم ذلك واضبطهفلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول وقد يعارض الدليل على فرض التسليم بأن العمل على العموم أحوط وهو باطل لان ذلك إنما يتم في الواجب فقد يكون التكليف بالاباحة هكذا قيل وأورد عليه بالمنع في الواجب مطلقا أيضا كما في أقتلوا المشركين فإن قتل النفس المحترمة أشد من مخالفة الامر الثاني أنه إشتهر في الالسن حتى صار مثلا أنه مأمن عام إلا وقد خص منه وهو وارد على سبيل المبالغة وإلحاق القليل بالعدم والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الاغلب مجازا في الاقل تقليلا للمجاز وأجيب بأن إحتياج خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصص ظاهر في أنها للعموم ويوهن التمسك بمثل هذه الشهرة أقول فيه نظر أما في الاول فلان إحتياج الخروج إلى مخصص عند المستدل ليس لظهور العام في العموم بل لان اللفظ عنده موضوع لبعض ما صدق عليه مفهوم الصيغة من غير تعيين ولما كان ذلك البعض محتملا لكل واحد من الابعاض فالتخصيص إنما يحتاج إليه لبيان المراد من لفظ العام لان العام ظاهر في الجميع حتى يحتاج إرادة البعض إلى المخصص ولعل هذا التوهم نشأ من لفظ وقد خص منه وتعبير المستدل بذلك إنما هو ذهاب على ممشى الخصم وتكلم بإصطلاحه وإلا فحاصل مراد المستدل أن غالب إستعمال الالفاظ التي يدعى عمومها في بعض ما يصلح له اللفظ والغلبة علامة الحقيقة فالتحقيق في الجواب منع كون غلبة الاستعمال دليلا للحقيقة سلمنا لكنه يصير دليلا إذا لم يثبت الدليل على كونها حقيقة في الاقل وقد بينا الادلة وأما في الثاني

١٤٩

فلان متمسك المستدل ليس هو نفس الاشتهار بل لان ذلك المطلوب حقيقة له والمثل مطابق للواقع حتى أن ذلك المثل أيضا مخصص في نفس الامر بأن الله بكل شئ عليم وإنما قال وارد على سبيل المبالغة لانه لو كان المراد ظاهره لكان كاذبا باللزوم التخصيص في نفس المثل واحتج القائل بالاشتراك بالاستعمال فيهما وظاهر الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز كما مر مرارا وبأنه لو كانت حقيقة في العموم لعلم اما بالنقل أو بالعقل ولا مجال للعقل والنقل اما تواتر أو آحاد والآحاد لا يفيد اليقين ولو كان متواترا لاستوى الكل وفيه أن التمييز بين الحقيقة والمجاز لا ينحصر في نص الواضع أو النقل عنه صريحا بل قد يعلم بوجود الخواص كما أشرنا والخاصة موجودة فيها وهو التبادر كما بينا مع أنه لا دليل على وجود تحصيل اليقين ولا يلزم إستواء الكل في المتواتر لاختلاف الدواعي والموانع وحجة التوقف عدم ظهور المأخذ وقد عرفته قانون صيغ العموم على القول بوضع اللفظ له كثيرة منها لفظ كل والاظهر أنه حقيقة في العموم وإرادة الهيئة الاجتماعية منه مجاز لتبادر خلافه وهو العموم الافرادي وكذلك لفظ الجميع وما يتصرف منه كأجمع وجمع وجمعاء وأجمعين وتوابعه المشهورة و منها لفظ سائر على إطلاقيه وإن كان أظهر في إرادة الباقي فإنه ظاهر في تمام الباقي ومنها كافة وقاطبة ومن وما الشرطيتان والاستفهاميتان وأما الموصولتان فلا عموم فيهما إلا أن يتضمن معنى الشرطية ويفهم ذلك من الخارج وإلا فالاظهر الحمل على الموصولة ولا عموم إلا أن يجعل من باب إطلاق الجنس كما سيجئ في المفرد المحلى باللام والاظهر الاقوى أن ما حقيقة في غير أولي العلم ودعوى أنه حقيقة في الاعم منه كما ذهب إليه جماعة ممنوعة وكذلك النكرتان الموصوفتان لا عموم فيهما نحو مررت بمن أو بما معجب لك وعن بعضهم إلحاق ما الزمانية مثل إلا ما دمت عليه قائما والمصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل يعجبني ما تصنع ومنها أي في الشرط والاستفهام وعن جمهور الاصوليين أنها عامة في أولي العلم وغيرهم إلا أنها ليست للتكرار بخلاف كل فلو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد فاعطه درهما اقتصر على إعطاء واحد بخلاف ما لو قال كل رجل فإنه يعطي الجميع فعلى هذا يكون عموم أي عموما بدليا كما في المطلق بخلاف كل ومنها مهما وإذ ما وإيان وأنى ومنها متى وحيث وأين وكيف وإذا الشرطية إذا إتصلت بواحد منها ما واما إذا كانت منفردة فقد يحمل على العموم إذا إقتضاه الحكمة مثل ان وهناك ألفاظ أخر مذكورة في تمهيد القواعد وغيره والمعيار في الكل التبادر (فإن فهم التبادر) فيثبت الحقيقة وإلا فإن إقتضاه الحكمة أيضا فكما عرفت وإلا فلا عموم وسنفرد الكلام في بعضها (للاشكال) والخلاف فيه بالخصوص قانون إختلف أصحابنا بعد إتفاقهم ظاهرا في إفادة الجمع المحلى باللام للعموم

١٥٠

في دلالة المفرد المحلى عليه وتنقيح المطلب يستدعي رسم مقدمات الاولى المراد بالمفرد هنا إسم الجنس ولا بد من بيان المراد من الجنس وإسم الجنس والفرق بين إسم الجنس وعلم الجنس (في)؟ النكرة والمعرف بلام الجنس والجمع وإسم الجمع فاعلم أن المراد من الجنس هو الطبيعة الكلية المقررة في نفس الامر مع قطع النظر عن وضع لفظ له فمفهوم الرجل بمعنى ذات ثبت له الرجولية الذي هو مقابل مفهوم المرئة هو الجنس ولا يعتبر في تحقق مفهومه وحدة ولا كثرة بل ويتحقق مع الواحد وما فوقه والقليل والكثير ولفظ رجل إسم يدل على ذلك الجنس لكنهم إختلفوا في أن المراد بإسم الجنس هو المهية المطلقة لا بشرط شئ فيكون مطابقا للمسمى أوالمهية مع وحدة لا بعينها ويسمى فردا منتشرا والاقوى الاول وذلك لان الاسماء التي يتعاور عليها المعاني المختلفة بسبب تعاور الالفاظ الغير المستقلة عليها كاللام والتنوين والالف والنون وغيرها من التغييرات والمتممات لا بد أن يكون لها مع قطع النظر عنها معنى شخصي وضع اللفظ له كما أنه يحصل لها بسبب لحوق هذه اللواحق أوضاع نوعية مستفادة من إستقراء كلامهم فالقول بثبوت الوضع الشخصي بالنسبة إلى كل واحد من المعاني بملاحظة كل واحد من اللواحق في كل واحد من الاسماء لعله جزاف فيستفاد من ملاحظة تعاور المعاني المختلفة على اللفظ بسبب تعاور الملحقات بحسب المقامات ان هناك مفهوما مشتركا بينهما مع قطع النظر عن اللواحق يوجد منه شئ في الكل ويتفاوت بحسب المقامات وليس ذلك في مثل رجل إلا معنى الماهية لا بشرط لا يقال الاسم لا يخلو عن شئ من اللواحق ولا يجوز إستعمال بدون شئ منها فلم لا تقول بأن رجلا منونا مثلا موضوع لكذا ومعرفا باللام موضوع لكذا وملحقا به الالف والنون لكذا وهكذا فلا يجب فرض الرجل خاليا عن تلك اللواحق حتى يلزم له إثبات معنى ويقال أنه موضوع للجنس والماهية لا بشرط لانا نقول أولا أن مفهوم الرجل لا بشرط مع قطع النظر عن التعيين في الذهن مفهوم مستقل يحتاج إلى لفظ في التفهيم وثانيا أنه ايضا مستعمل في الاسماء المعدودة ولاريب أنه ليس بمهمل بل موضوع وليس له معنى إلا ما ذكرناه وثالثا أن كل اللواحق ليس مما يفيد معنى جديدا ولايجب أن يؤثر في المعنى تأثيرا فمنشاء التوهم في هذه الاعتراض لزوم إتمام الاسم بأحد المذكورات ويدفعه أن تنوين التمكن أيضا مما يتم به الاسم ولكنه ليس الغرض منه إلا أمرا متعلقا بالاعراب كما في جائني زيد فقولك رجل جائني لا إمرأة إنما يراد به بيان المهية وكذلك أسد علي وفي الحروب نعامة وكيف كان فالظاهر أن لفظ رجل إذا خلا عن اللام والتنوين موضوع للماهية لا بشرط ويؤيده ما نقلنا سابقا عن السكاكي إتفاقهم على كون المصادر

١٥١

الخالية عن اللام والتنوين حقيقة في المهية لا بشرط وعلى هذا فأصل مادة الرجل مع قطع النظر عن اللواحق إسم جنس وموضوع للماهية لا بشرط شئ وإذا دخل التنوين فيصير ظاهرا في فرد من تلك الطبيعة فالمراد به الطبيعة الموجودة في ضمن فرد غير معين ومن هنا غلط من أخذ الوحدة الغير المعينة في تعريف إسم الجنس وادخلها في معناه نظرا إلى أن المقصود من الوضع التركيب لا تفهيم المعنى والاسم لا يستعمل بدون التنوين واللام وغيرهما من المتممات وأنت خبير بان الخاص لا يدل على العام وكونه كذلك في بعض الاحيان لا يستلزمه مطلقا فإن ذلك لا يتم في مثل الرجل خير من المرئة فإن قلت إنما أخذ هذه في تعريف المنكر منه قلت مع أنه ينافي إطلاق القائل لا يتم في مثل المثالين المتقدمين وفي مثل قولك لمن يسئل عن شبح يتردد في كونه رجلا أو إمرئة أنه رجل فإن المراد من التنوين هيهنا ليس الاشارة إلى الفرد الغير المعين بل المراد أنه هذه الماهية لا غيرها وإلى هذا ينظر من قال ان إسم الجنس موضوع للماهية المطلقة فقولنا رجل في جائني رجل نكرة لا إسم جنس ولذا جعلوا النكرة قسيما لاسم الجنس وإلا فالنكارة قد تلاحظ بالنسبة إلى الطبيعة أيضا بحسب ملاحظة حضورها في الذهن وعدمه فرجل في المثال المتقدم نكرة بإعتبار عدم ملاحظة تعين الطبيعة وفي المثال المتأخر بإعتبار ملاحظة عدم تعين الفرد وبالجملة فهنا أربعة أمثلة رجل إذا خلا عن اللام والتنوين وهذا رجل يعني لا إمرأة وجائني رجل أو جئني برجل والرجل خير من المرئة أما الاول فالمراد به الطبيعة لا بشرط بلا ريب ولعل القائل بدخول الوحدة الغير المعينة غفل من هذا لان نظره إلى المركبات لا إلى مثل الاسماء المعدودة لندرة إستعمالها في المحاورات وإلا فلا بد أن يقول بدخول الوحدة فيه أيضا وأما الثاني فهو إسم جنس منكر بمعنى التنكير في أصل الطبيعة مقابل تعيينها في الذهن وأما الثالث فهو نكرة بمعنى أن المراد منه فرد ومن ذلك الجنس اما غير معين أصلا كما في جئني برجل أو عند السامع كما في جائني رجل وعلى قول من يقول بدخول الوحدة الغير المعينة في الجنس فيكون إسم جنس فلا يبقى فرق عند هذا القائل بين إسم الجنس والنكرة ولا يصح له جعل النكرة قسيما لاسم الجنس إذا كان المراد إسم الجنس الغير المعرف وأما الرابع فهو تعيين للطبيعة وإشارة إلى حضورها في الذهن على المختار ومعنى مجازي لاسم الجنس على القول الثاني لعدم إرادة الوحدة والكثرة جزما فقد استعمل في جزء ما وضع له وسيجئ الكلام في باقي أقسام المعرف باللام وحاصل الكلام وتتميم المرام أن رجلا مثلا مع قطع النظر عن اللام والتنوين له وضع والقول بأنه لا بد أن يكون الوضع إما مع التنوين أو اللام أو غيرهما يحتاج إلى دليل فإن لحوق تلك الملحقات في آحاد جميع الالفاظ ليس مسموعا من العرب بل المرخص فيه من العرب إنما هو نوعها ولا ريب أن هذه اللواحق تتعاور على

١٥٢

لفظ واحد على مقتضى المقام والقول بثبوت تقديم رخصة بعضها على بعض بأن يقال مثلا رخص العرب اولا في إستعمال اللفظ مع التنوين لافادة الوحدة ثم مع اللام لسلب ذلك وإرادة الماهية ثم مع الالف والنون لسلب ذلك وإرادة التثنية وهكذا جزاف وإعتساف فالقول بأن الجنس المعرف باللام كان أصله منونا ثم عرف باللام أو بالعكس وهكذا قول بلا دليل وترجيح بلا مرجح فلا بد من إثبات شئ خال عن جميع تلك العوارض يتساوى نسبته إلى الجميع فلا بد من القول بأن اللفظ مع قطع النظر عن اللواحق له معنى وإنما يتفاوت المعنى بسبب إلحاق الملحقات بمقتضى حاجة المتكلمين بحسب المقامات ولا ريب أنه إتفقوا في مثل رجل ان هذه الحروف الثلاثة بهذا الترتيب موضوعة للماهية المعهودة وإنما وقع الخلاف في إعتبار حصولها في ضمن فرد غير معين وعدمه والمانع مستظهر والوضع توفيقي مع أن السكاكي نقل إجماع أهل العربية على أن المصادر الخالية عن اللام و التنوين موضوعة للماهية لا بشرط شئ ويبعد الفرق بينها وبين غيرها فحينئذ نقول إسم الجنس عبارة عما دل على الماهية الكلية لا بشرط شئ وهو الاسم الخالي من الملحقات وقد يلحقه تنوين التمكن كما في مثل هذا رجل لا إمرئة ومنه قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة وقد يلحقه الاف واللام للاشارة إلى نفس الطبيعة وتعيينه في مثل الرجل خير من المرئة وفي هذه الامثلة التفات إلى جانب الفرد لا واحدا ولا أكثر وأما إذا لحقه التنوين المفيد للوحدة فحينئذ يصير نكرة ولا يقال له حينئذ إسم الجنس فالمراد به فرد من ذلك الجنس وإذا لحقه الالف والنون فيصير تثنية فالمراد به فردان من ذلك الجنس وهكذا الجمع وإذا لحقه الالف واللام فإن أريد بها الاشارة إلى فرد خاص بإعتبار العهد في الخارج فهو المعهود الخارجي وهو إما بإعتبار ذكره سابقا كقوله تعالى فعصى فرعون الرسول والمصباح في زجاجة فيقال له العهد الذكرى أو بإعتبار حضوره كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم ومنه يا أيها الرجل وهذا الرجل كما يشار بهذه اللام إلى الفرد المعين المعهود فقد يشار بها إلى الصنف المعين من الجنس كما يستفاد ذلك من إرجاع المفرد المحلى باللام إلى الافراد المتعارفة وسنشير إليه وكما يمكن إرادة الفرد المعين من الطبيعة الداخلة عليها اللام بلام العهد هذه فيمكن إرادة احد معنيي المشترك اللفظي أيضا كما هو أحد الاحتمالين في الارجاع إلى الافراد الغالبة كما سنبينه إنشاء الله تعالى وإن اشير بها إلى تعيين الماهية فهي لتعريف الجنس وتعيينه من غير نظر إلى الفرد كما في قولك الرجل خير من المرئة وهو قسمان قسم يصح إرادة الافراد منه لكنه لم يرد كما في المثال المذكور وكما في المعرفات مثل الانسان حيوان ناطق وقسم لا يمكن إرادة الافراد منه كقولك الحيوان جنس والانسان نوع ثم قد يراد بذلك

١٥٣

الماهية بإعتبار الوجود يعني يطلق المعرف بلام الجنس ويراد منه فرد ما موجود في الخارج من دون تعيين لمعهوديته في الذهن وكونه جزئيا من جزئياتها مطابقا لها يصح إطلاقها عليه كما في قولك ادخل السوق واشتر اللحم وذلك إنما يكون إذا قام القرينة على عدم جواز إرادة الماهية من حيث هي ولا من حيث وجودها في ضمن جميع الافراد كالدخول فيما نحن فيه وهو في معنى النكرة وإن كان يجري عليه أحكام المعارف وقد يراد بها المهية بإعتبار وجودها في ضمن جميع الافراد كقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وجعل المعهود الخارجي خارجا عن المعرف بلام الجنس هو المذكور في كلام القوم ووجهه أن معرفة الجنس لا يكفي في تعيين شئ من أفراده بل يحتاج إلى معرفة أخرى وفيه أن الاستغراق وإرادة فرد ما ايضا لا يكفي فيهما معرفة الجنس بل يحتاجان إلى أمر خارج وهو ما يدل على عدم إمكان إرادة الماهية من حيث هي فيهما وعدم إمكان إرادة البعض الغير المعين أيضا في الاستغراق فالاولى أن يجعل المقسم إسم الجنس إذا عرف باللام ويقال اما يقصد باللام محض تعيين الطبيعة والاشارة إليها كما هو أصل موضوع الالف واللام ولم يقصد أزيد منه باصل العدم فيما يحتمل غيره فهو تعريف الجنس واما أن يقصد به الطبيعة بإعتبار الوجود فاما أن يثبت قرينة على إرادة فرد خاص فهو العهد الخارجي وإلا فإن ثبت قرينة على عدم جواز إرادة جميع الافراد فهو للعهد الذهني وإلا فللاستغراق ويبقى الكلام في أمور الاول أنه هل يكفي مجرد المعهودية في الخارج في حمل اللفظ عليه أو يحتاج إلى شئ آخر والثاني أن الحمل على العهد الذهني كيف صار بعد عدم إمكان الحمل على الاستغراق والثالث ما وجه الحمل على الاستغراق إذا لم يعهد شئ في الخارج وهل هو من باب دلالة العقل واللفظ وسيجئ الكلام فيها ثم ان الفرق بين العهد الذهني والنكرة ليس إلا من جهة أن الدلالة على الفرد في العهد بالقرينة وفي النكرة بالوضع والظاهر أنه أيضا يستعمل في كلا معنيي النكرة أعني ما كان من باب جاء رجل من أقصى المدينة ومن باب جئني برجل وأما الفرق بين علم الجنس وإسم الجنس فهو إن علم الجنس قد وضع للماهية المتحدة مع ملاحظة (تعيينها)؟ وحضورها في الذهن كاسامة فقد تراهم يعاملون معها معاملة المعارف بخلاف إسم الجنس فإن التعيين و التعريف إنما يحصل فيه بالآلة مثل الالف واللام فالعلم يدل عليه بجوهره وإسم الجنس بالآلة وأما الكلي الطبيعي فلا مناسبة بينه وبين إسم الجنس والمناسب له إنما هو نفس الجنس وليس كل جنس يكون كليا طبيعيا فالجنس أعم فإن الكلي الطبيعي معروض لمفهوم الكلي ونفس الكلي جنس فالجنس أعم مطلقا وأما الفرق بين إسم الجنس وإسم الجمع فهو إن إسم الجنس يقع على الواحد وإلاثنين بالوضع بخلاف إسم الجمع الثانية لا إختصاص للجنسية بالمفردات بل قد يحصل في الجمع أيضا لا بمعنى أن المراد من الجمع هو

١٥٤

الجنس الموجود في ضمن جماعة كما يقال في النكرة أنه الجنس والطبيعة مع قيد وحدة غير معينة بل بمعنى أن الجماعة أيضا مفهوم كلي حتى أن جماعة الرجال أيضا مفهوم كلي فلك تصوير جميع الصور المتقدمة فيه فيقال لفظ رجال مع قطع النظر عن اللام والتنوين موضوع لما فوق الاثنين وهو يشمل الثلاثة و الاربعة وجميع رجال العالم فقد ينون ويراد به الوحدة أعني جماعة واحدة مثل النكرة الافرادية في المفرد وقد ينون لمحض التمكن ويراد به الماهية بدون ملاحظة التعيين كما في قول الشاعر أقوم آل (حصن)؟ أم نساء وقد يعرف ويراد به الجنس والماهية مثل والله لا أتزوج الثيبات بل الابكار إذا أراد جنس الجمع وقد يراد به الجمع المعهود إذا كان هناك عهد خارجي وقد يراد به العهد الذهني كقوله تعالى إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا إن قلنا بكون الجملة صفة للمستضعفين بل وقد يثنى ويقال رجالان وقد يجمع كرجاجيل وجمالات إلى غير ذلك وأما التثنية فلا يجري جميع ما ذكر فيه فإن القدر المشترك بين كل واحد من الجموع ومجموعها موجود وهو مفهوم جماعة الرجال بخلاف رجلان فإن مفهوم إثنان من الرجال مشترك بين كل واحد من الاثنينيات بخلاف المجموع فإنه ليس من أفراد إثنين من الرجال ولكن التثنية أيضا قد يراد به النكرة وقد يراد به العهد الخارجي بل العهد الذهني أيضا وقد يراد به الاستغراق فالجنسية تعرض الجمع كما أن الجمعية تعرض الجنس ثم أن الجمع المعرف باللام قد يراد به الجنس بمعنى أن الجمع يعرف بلام الجنس فيسقط عنه إعتبار الجمعية ويبقى إرادة الجنس فحينئذ يجوز إرادة الواحد أيضا عنه وإلى هذا ينظر قولهم في تعريف الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين حيث نقض بالخواص مثل وجوب صلاة الليل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بان المراد جنس الفعل وجنس المكلف ولكنه مجاز لان إنسلاخ معنى الجمعية لا يوجب كون اللفظ حقيقة في المفرد كما صرحوا بأن قولهم فلان يركب الخيل مجاز وبنوا فلان قتلوا فلانا وقد قتله واحد منهم مع أن إنسلاخ الجمعية لا يوجب إنسلاخ العموم فعلى القول بأنه حقيقة في العموم كما هو المشهور والمعروف فيكون حينئذ أيضا مجازا نعم يمكن أن يقال بعد التجوز وإرادة الجنس فلا يكون إرادة الواحد مجازا بالنسبة إلى هذا المعنى المجازي ومثل قوله تعالى الرجال قوامون على النساء يحتمل إنسلاخ الجمعية وجنس الجمع كليهما ولعل الثاني أظهر الثالثة قد علمت أن الالفاظ الموضوعة للمفاهيم الكلية لها وضع شخصي مع قطع النظر عن اللواحق ووضع نوعي بالنظر إلى لحوقها فاعلم أن الوضع النوعي الحاصل بسبب اللواحق قد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا كساير الحقائق والمجازات فيحصل الاشكال هنا في أن المعاني المستفادة بسبب لحوق اللام أو التنوين أو غيرهما أيها حقيقة وأيها مجازا إذ كما

١٥٥

ان وضع المجازات نوعي بإعتبار ملاحظة أنواع العلايق فقد يكون وضع الحقايق أيضا نوعيا بإعتبار الضم والتركيب فمعنى تعريف الماهية وتعيينها بسبب لحوق اللام ممالا ينبغي الريب في كونه معنى حقيقيا للمفرد المعرف باللام وأما دلالته على العهد الذهني أو الخارجي أو الاستغراق ففيه إشكال ويظهر من التفتازاني في المطول أن إستعماله في العهد الذهني حقيقة فإنه أطلق وأريد من الجنس وفهم الفرد من القرينة كما في قولك جاء رجل فإن المعنى المستعمل فيه اللفظ هو ما كان الغرض الاصلي من إستعمال اللفظ هو الدلالة عليه والمقصد الاصلي هنا إرادة الجنس لكن فهم إرادة فرد منه بإنضمام قرينة المقام ويلزم من ذلك كونه في الاستغراق أيضا حقيقة إذ هو أيضا من افراد تعريف الجنس وبسبب قيام القرينة على عدم إرادة فرد معين أو غير معين يحمل على بل ويلزم ذلك في العهد الخارجي أيضا على ما بيناه من عدم الفرق وضعف إخراجه عن تعريف الجنس وإدخال صاحبيه فيه ويظهر ذلك من غيره من العلماء أيضا وهذا إنما يتم لو جعلنا إسم الجنس هو المهية لا بشرط وإلا فعلى إعتبار الوحدة الغير المعينة فيه يصير مجازا بسبب التعريف لاسقاط الوحدة عنه وإراده الوحدة الثانية بسبب المقام في العهد الذهني أو الكثرة في الاستغراق إنما هو بقرينة المقام لا بسبب ما كان في أصل الموضوع له وإلا لم يتم في الاستغراق جزما وأنا أقول الظاهر أن المعرف بلام الجنس لا يصح إطلاقه على المذكورات بعنوان الحقيقة لان مدلول المعرف بلام الجنس هو الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد مع التعين والحضور في الذهن وذكره وإرادة فرد منه إستعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يقال التعرية عن ملاحظة الافراد ليس عبارة عن ملاحظة عدمها ولا منافاه كما يقال هذا رجل لا إمرأة وهو حقيقة جزما لانا نجيب عنه بنظير ما أشرنا إليه في مبحث إستعمال اللفظ المشترك في المعنيين من أن الوضع توقيفي كالاحكام الشرعية وأن اللفظ المشترك موضوع لكل من المعانى في حال الوحدة لا بشرط الوحدة وأنه لا رخصة في إرادة غيره معه ولا ريب أن حال عدم الملاحظة مغاير لحال إعتبار الملاحظة وذكر اللفظ الموضوع لمعنى وإرادة معنى آخر منه غير حمل اللفظ الموضوع لمعنى على معنى آخر مغاير له في الجملة والثاني قد لا يستلزم المجازية كما في قولك هذا رجل فإن المراد هنا صدق رجل على المشار إليه وغايته إفادة إتحاد وجودهما لا كونهما موجودا واحدا كما أشرنا في مفهوم الحصر فقولك زيد الرجل يغاير معنى زيد رجل ولذلك يحمل الاول على المبالغة لان معناه أن زيدا نفس الطبيعة المعينة ومعنى الثاني أنه يصدق عليه أنه رجل إذا عرفت عذا علمت أن القول بكون الاقسام المذكورة من أقسام المعرف بلام الجنس وأنه حقيقة في الكل غير صحيح فلا بد اما من القول بالاشتراك اللفظي أو كونه حقيقة في بعضها ومجازا في الآخر و

١٥٦

الذي يترجح في النظر هو كونه حقيقة في تعريف الجنس مجازا في غيره للتبادر في تعريف الجنس فمن يدعي الحقيقة في العهد أو الاستغراق لا بد له من إثبات وضع جديد للهيئة التركيبية أو يقول بإشتراك اللام لفظا في إفادة كل واحد منهما وتعيينها يحتاج إلى القرينة والتبادر وغيره مما سنذكر سيما أصالة عدم إرادة الفرد يرجح ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا من التقرير في الجمع مطابقا للمفرد لا بد أن يقال أنه أيضا حقيقة في الجنس إذا عرف باللام لكن الغالب في إستعماله الاستغراق فلعله وضع جديد للهيئة التركيبية وسنحققه إنشاء الله تعالى وبقي الكلام في النكرة وأنه حقيقة في أي شئ فقولنا رجل جائني لا إمرئة وجائني رجل وجئني برجل ونحو ذلك أيها (نكرة) حقيقة وأيها مجاز أم مشترك بينهما لفظا أو معنى ويظهر الثمرة في الخالي عن القرينة كقولنا رجل جائني فيحتمل إرادة واحد من الجنس لا إثنين كما هو معنى النكرة المصطلحة المجعولة قسيما لاسم الجنس ويحتمل إرادة نفس الماهية بدون إعتبار حضورها في الذهن والظاهر أنه حقيقة في النكرة المصطلحة فإطلاقها على إسم الجنس المنكر يكون مجازا يحتمل كونها حقيقة في الاعم تنبيه.

إعلم أن الاستعمال الكلي في الفرد يتصور على وجوه لا بد من معرفتها ومعرفة ان أيها حقيقة وأيها مجاز منها حمل الكلي على الفرد صريحا مثل أن يقال زيد إنسان فالانسان قد حمل على زيد ولكن لم يستعمل في زيد بل استعمل في مفهومه الكلي الذي زيد احد أفراده وتوينه تنوينه التمكن لا التنكير لا يقال أن الحمل يقتضي الاتحاد فإذا كان المراد بالانسان هو المفهوم الكلي فيلزم أن يكون الانسان منحصرا في زيد لانا نقول الاتحاد الحملي لا يقتضي إلا إتحاده مع الموضوع في الوجود ولا يقتضي كونهما موجودا واحدا وإلا لبطل قولهم الاعم ما يصدق على الاخص صدقا كليا دون العكس فالحاصل إن زيدا والانسان موجودان بوجود واحد وإن أمكن أن يوجد الانسان مع عمرو أيضا بوجود واحد وهكذا ولو أريد كونهما موجودا واحدا فلا ريب أنه لا يصح إلا على سبيل المبالغة وهذا هو مأل قولهم إن الانسان حمل على زيد مع الخصوصية يعني أن زيدا لا غير إنسان ويلزمه كونهما موجودا واحدا وبهذا الوجه يستفاد الحصر في مثل قولهم زيد الشجاع على أحد الوجوه وحينئذ فلا مجاز في اللفظ أصلا بل المجاز إنما هو في الاسناد وهو خارج عما نحن فيه ومن هذا يعلم حال قولنا زيد الانسان معرفا باللام وإن إسناده مجازي فالاولى أن يخرج هذا من أقسام إطلاق الكلي على الفرد ومنها أن يطلق الكلي و يراد به الفرد وهذا يتصور على أقسام مثل جائني رجل وجئني برجل وهذا الرجل فعل كذا فلو أريد إتحاد المفهوم مع الفرد في كل منها بأن يكون المراد جائني شخص هو الرجل لا غير بأن يكون مع الفرد موجودا واحدا ويكون هو هو فلا ريب أنه مجاز في الجميع وهذا معنى قولهم إذا اطلق العام على الخاص مع قيد

١٥٧

الخصوصية فهو مجاز وإن أريد كونهما موجودين بوجود واحد فهو حقيقة لكن فهم ذلك يحتاج إلى لطف قريحة وبيانه انا قد حققنا لك أن اللفظ الموضوع للكلي وهو الجنس أعني الشامل للقليل و الكثير المنشان بالشؤن المختلفة هو مادة اللفظ المفرد بدون اللام والتنوين أو إذا دخله تنوين التمكن أيضا في بعض الصور وأما فيما دخله تنوين التنكير فلا ريب أنه يحصل له معنى بوضع نوعي هو معنى النكرة كسائر التصرفات الاخر الموجبة لتنويع الاوضاع كالتثنية والجمع وغيرهما ففي قولنا جاء رجل أريد شخص معين في الخارج عند المتكلم غير معين عند المخاطب ومعناه حينئذ في ظرف التحليل جاء شخص متصف بأنه رجل فيستلزم تلك النسبة التقييدية المستفادة من المادة والتنوين نسبة خبرية وهو قولنا هو رجل بالحمل المتعارفي والكلام فيه هو الكلام في زيد إنسان كما مر ولا مجاز في أطرافه ولا في نسبته كما بيناه ولو أريد جاء شخص هو لا غير رجل فيستلزم المجاز في اللفظ بظاهر الاطلاق فإن الحبيب النجار لا غير مثلا معنى مجازي لللفظ المركب من رج ل فإن قلت إرادة الخصوصية من الفرد لا يستلزم إنحصار الكلي في الفرد بل معناه أن هذا الشخص مع الخصوصية رجل فاستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل بطريق الحمل المتعارفي وهو لا ينافي تحقق الرجل في غير هذا الشخص أيضا والحاصل أن اللفظ هنا استعمل في الفرد مع قيد الخصوصية وأطلق عليه والمفروض أنه لم يوضع إلا للماهية فإستعماله في الماهية والتشخص إستعماله في غير ما وضع له وهو مجاز وذلك لا يستلزم الحصر فما معنى قولك لا غير في هذا المقام قلت هذا كلام ناش عن الغفلة عن فهم الحقيقة والمجاز وتحقيق المقام أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضع له المستلزمة في طرف التحليل للحمل الذاتي فإنا إذا سمعنا أن العرب وضع لفظ الاسد لنوع من الحيوان واشتبه علينا هذا النوع فإذا وصف لنا هذا الحيوان وتميز من بين الحيوانات وقيل لنا هذا الاسد فلا ريب أن هذا حمل ذاتي وأن المجاز أيضا هو إستعمال اللفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر بأن يعيد أن هذا ذاك بعنوان الحمل الذاتي لا الحمل التعارفي فإن أسدا في قولنا رأيت أسدا يرمي لم يستعمل إلا في الرجل الشجاع ولم يستعمل في زيد مثلا نعم استعمل الرجل الشجاع الذي أريد من هذا اللفظ في زيد على نهج يتضمن الحمل المتعارفي إذ النسبة إنما وقع بين مفهوم الاسد ومفهوم الرجل الشجاع بمعنى أن زيدا نسبة من جهة أنه رجل شجاع بالحيوان المفترس لا من حيث الخصوصية واستعير لفظ الاسد الموضوع له لزيد من حيث أنه رجل شجاع لا من حيث الخصوصية فلفظ أسد في هذا التركيب مجاز من حيث أنه أريد منه الرجل الشجاع وحقيقة من حيث إطلاقه على فرد منه فإطلاق أسد على زيد له جهتان من إحديهما مجاز وهو إطلاق عليه من حيث أنه رجل شجاع ومن الاخرى حقيقة وهو

١٥٨

إطلاقه عليه من حيث أنه فرد من أفراد الرجل الشجاع وهذا الاخير بعد جعل الاسد عبارة عن الرجل الشجاع ففي هذا المثال لم يوجد الحمل المتعارف في المعنى الحقيقي بالنسبة إلى زيد من حيث أنه رجل شجاع بل حمله ذاتي فإن الرجل الشجاع ليس من أفراد المعنى الحقيقي إلا على مذهب السكاكي من باب الادعاء حتى يمكن أن يقال حمل الاسد عليه لا يفيد إنحصار افراده فيه فظهر أن إطلاق المعنى الحقيقي على المعنى المجازي ليس إلا من باب الحمل الذاتي فإذا كان من باب الحمل الذاتى فهو يفيد كونهما موجودا واحدا إدعاء وهذا معنى إنحصار المحمول في الموضوع وإنحصار المستعمل في المستعمل فيه وإذا عرفت هذا في الاستعارة يظهر لك الحال في غيرها من أنواع المجاز فإن قولنا عينا الغيث اطلق فيه الغيث على النبات بعنوان الحمل الذاتي إدعاء يعني أن النبات غيث لا بمعنى أنه فرد من أفراد الغيث الحقيقي بل هو هو نعم لما أريد منه النبات الخاص الذي رعوه فإطلاق الغيث بعد جعله بمعنى النبات على الفرد حقيقة من باب اطلاق الكلي على الفرد بالحمل المتعارفي ولا منافاة بين كون اللفظ مجازا في معنى وحقيقة في حمله على بعض أفراد ذلك المعنى المجازي من جهة إطلاق الكلي على الفرد إذا تحقق لك هذا فاعلم أن إستعمال العام في الخاص يعني الكلي في الفرد إن كان من باب الحمل المتعارفي بأن كان المراد بيان إتحاد العام مع الخاص في الوجود لا كونهما موجودا واحدا وبعبارة أخرى اطلق العام على الفرد باعتبارالحصة الموجودة فيه فهو حقيقة كما بينا لان المجاز لا بد فيه من الحمل الذاتي وأما إذا أريد الخاص بشرط الخصوصية ومع إعتبار القيد فلا يمكن فيه الحمل المتعارفي إذ لا وجود للانسان بهذا المعنى في فرد آخر لاستحالة تحقق الخصوصية في موارد متعددة ضرورة وإمكان صدقه على عمرو بالحمل المتعارفي في إنما هو بإنسلاخ الخصوصية ومع الانسلاخ فهو معنى آخر هو الموضوع له لا هذا المعنى والمراد من الحمل المتعارفي حمل المشترك المعنوي على أفراده لا من قبيل حمل المشترك اللفظي على معانيه أو حمل المعنى الحقيقي والمجازي على معنييه ومن التأمل في جميع ما ذكرنا ظهر لك أن قولنا أن العام إذا اطلق على الخصوص بإعتبار الخصوصية معناه إدعاء كون العام منحصرا في الخاص وغفلة المعترض هنا تدعوه إلى أن يقول لا نسلم ذلك فإن إرادة الخصوصية هنا لا تمنع إستعماله في خصوصية أخرى فلا يفيد الحصر وقد عرفت بطلانه فإن ما يستعمل في غير هذه الخصوصية ليس هذا المعنى بل هو المعنى الحقيقي والخصوصية عنه منسلخة بالمرة حتى يصح إستعماله في الخصوصيات المتعددة وكلامنا في هذا المعنى المجازي فظهر بطلان قوله وهو لا ينافي تحقق هذا الرجل في غير هذا الشخص وعلى هذا فمدخول اللام الذي يفيد العهد الخارجي حقيقة في المشار إليه مثل هذا الرجل خير من هذه المرئة ونحو ذلك وذلك لان اللام للاشارة إلى شئ يتصف بمدخولها اما إتصافا

١٥٩

يستلزم الحمل الذاتي كما في تعريف الحقيقة أو الحملالمتعارفي كالعهد الخارجي وأيا ما كان فلفظ المدخول مستعمل في معناه الحقيقي ولا ينافي ذلك كون المعرف باللام حقيقة في تعريف الجنس مجازا في العهد الخارجي كما حققناه مع أن الكلام في كون لفظ الكلي حقيقة في الفرد أو مجازا ولفظ الكلي هو مدخول اللام فلا مدخلية في تحقق هذا الاطلاق لللام وغيرها من العوارض فإن أشير باللام إلى الفرد كما في العهد الخارجي فيتضح المقصود وأما إذا أشير إلى تعيين الجنس فلا بد أن يراد من مدخوله نفس الطبيعة المعراة عن الفرد فما إشتهر بينهم من أن الفرد المحلى بلام الجنس إذا استعمل في إرادة فرد ما ويقال له المعهود الذهني فهو حقيقة غير واضح لان معيار كلامهم في ذلك هو أنه من باب إطلاق الكلي على الفرد وهو حقيقة ولا ريب أن المعرف بلام الجنس معناه الماهية المتحدة المتعينة في الذهن المعراة عن ملاحظة الافراد عموما وخصوصا وإطلاقه وإرادة الماهية بإعتبار الوجود خلاف المعنى الحقيقي فإن قلت أن الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد لا تستلزم ملاحظة عدمها قلت نعم لكنها تنافي إعتبار وجود الافراد وإن لم تنافي تحققها في ضمن الافراد الموجودة مع أنه لا مدخلية لللام في دلالة لفظ الكلي على فرده فيصير اللام ملغاة فإن اللفظ الموضوع الكلي من حيث هو كلي مدخول اللام لا المعرف باللام مضافا إلى أنه لا معنى لوجود الكلي في ضمن فرد ما لانه لا وجود له إلا في ضمن فرد معين مع أن المعرف باللام قد وضع للماهية المعراة في حال عدم ملاحظة الافراد ولذلك مثلوا له بقولهم الرجل خير من المرئة ورخصة إستعمالها في حال ملاحظة الافراد لم تثبت من الواضع كالمشترك في أكثر من معنى لا يقال يرد هذا في أصل المادة بتقريب أنها أيضا موضوعة للماهية في حال عدم ملاحظة الافراد لانا نقول أن إستعمالها على هذا الوجه أيضا مجاز وما ذكرناه من كونها حقيقة إنما كان من جهة الحمل لا من جهة الاطلاق وهو غير متصور فيما نحن فيه لعدم صحة حمل الطبيعة على فرد ما والحاصل ان وجود الكلي واتحاده مع الفرد انما يصح في الفرد الموجود الذي هو مصداق فرد ما لا مفهوم فرد ما والمطلوب هنا من المعرف بلام الجنس هو مفهوم فرد ما ومفهوم فرد ما لاوجود له حتى يتحقق الطبيعة في ضمنه وبالجملة مقتضى ما ذكروه أن المراد بالمعرف باللام إذا أطلق وأريد منه العهد الذهني هو الطبيعة بشرط وجودها في ضمن فرد ما لا حال وجودها في الاعيان الخارجية ولا معنى محصل لذلك إلا إرادة مفهوم فرد ما من الطبيعة من اللفظ ولا شبهة أن مفهوم فرد ما مغاير للطبيعة المطلقة ولا وجود له نعم مصداق فرد ما يتحد معها في الوجود وليس بمراد جزما فهذا من باب إشتباه العارض بالمعروض فإن قلت هذا بعينه يرد على قولك جئني برجل فإنه أريد منه الماهية بشرط الوجود في ضمن فرد ما يعني مصداق فرد ما

١٦٠

لا مفهوم فرد ما فلم قلت هنا أنها حقيقة ولم تقل فيما نحن فيه قلت كونه حقيقة من جهة إرادة النكرة الملحوظة في مقابل إسم الجنس وله وضع نوعي من جهة التركيب مع التنوين ونفس معناه فرد ما و هو أيضا كلي وطلبه يرجع إلى طلب الكلي لا طلب الفرد ولا طلب الكلي في ضمن الفرد فالمطلوب منه فرد ما من الرجل لا طبيعة الرجل الحاصلة في ضمن فرد ما إلا أن الاتيان بالكلي يتوقف على الاتيان بمصداق فرد ما وهو فرد معين في الخارج بتعيين المخاطب فلو أردت من قولك جئني برجل جئني بالطبيعة الموجودة في ضمن الفرد فهو مجاز أيضا لعدم الوجود بالفعل اللازم لصحة الاطلاق بالفعل بخلاف هذا الرجل مشيرا إلى الطبيعة الموجودة بالفعل في ضمن فرد وأما مثل جاء رجل فإن أريد منه النكرة فهو بعينه مثل هذا الرجل لانه أطلق على الطبيعة الموجودة فإن الرجل الجاني هو مصداق فرد ما لا مفهومه وطبيعة فرد ما موجودة في ضمنه وإن أريد منه إسم الجنس فيصح أيضا حقيقة لاطلاقه على الطبيعة الموجودة ومع هذا كله فالعجب من هؤلاء أنهم أخرجوا العهد الخارجي عن حقيقة الجنس وهو أولى بالدخول ولعلهم توهموا أن هيهنا لما أطلق وأريد الفرد بخصوصه فهو مجاز وهو توهم فاسد لان هذا ليس معنى إرادة الخصوصية كما بينا فإن قولنا هذا الرجل أيضا من باب العهد الخارجي الحضوري ولا ريب أن المشار إليه هو الماهية الموجودة في الفرد لا أن المراد أن المشار إليه هو هذا الكلي لا غير حتى يكون مجازا وظني أن توهم القول بكون المعرف بلام الجنس حقيقة في العهد الذهني إنما نشأ من أنهم لما رأوا الاحكام المتعلقة بالطبائع على أنواع منها ما يفيد حكما للماهية من حسن أو قبح أو حل أو حرمة ونحو ذلك مثل البيع حلال والربا حرام والصلاة واجبة والصوم جنة من النار (والخمر كذا) والخنزير كذا واللحم كذا وأمثال ذلك مما لا يحتاج إلى تصور معناه ولا تحققه إلى ملاحظة فرد ومنها ما يفيد طلب تحصيل (الهيئة)؟ مثل صم وصل واشتر اللحم وجئني باللحم وغيرذلك وفي هذه الامثلة يدل الامر على إيجاد الماهية في ضمن الفرد والاتيان بفرد منها دلالة طبعية غير مقصودة بالذات من باب المقدمة وهذا لا يسمى مدولا حقيقيا لللفظ فالمقصود بالذات من قول القائل إشتر اللحم طلب نقل طبيعة اللحم لا بشرط إلى المشتري من دون إلتفات إلى فرد ولكن يلزمه وجوب كون فرد ما مطلوبا بالتبع وهو عين المعرف بلام الجنس ولم يرد من اللفظ فرد ما مطلقا فظنوا أن هذا المعنى التبعي هو مدلول اللفظ فإن قلت إن مراد هؤلاء أيضا هو ما ذكرت لا غير قلت ليس كذلك بل صرحوا بأن المعرف باللام مستعمل في فرد ما لا ان العقل يحكم تبعا بوجوب إيجاد فرد ما وإن شئت لاحظ كلام التفتازانى في المطول وقد (ياتى)؟ المعرف بلام الحقيقة لواحد من الافراد بإعتبار عهديته

١٦١

في الذهن لمطابقة ذلك الواحد الحقيقة يعني يطلق المعرف بلام الحقيقة الذي موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن على فرد موجود بإعتبار كونه معهودا في الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا إياها كما يطلق الكلي الطبيعي على كل من جزئياته إلى آخر ما ذكره وصرح في موضع آخر بأنه إنما أطلق على الفرد الموجود منها بإعتبار أن الحقيقة موجودة فيه وفي موضع آخر والحاصل ان إسم الجنس المعرف باللام إما أن يطلق على نفس الحقيقة من غير نظر إلى ما صدقت الحقيقة عليه من الافراد وهو تعريف الجنس والحقيقة ونحوه علم الجنس كأسامة وأما على حصة غير معينة وهو العهد الذهني ومثله النكرة كرجل وإما على كل الافراد وهو الاستغراق ومثله كل مضافا إلى نكرة وقد صرح بذلك في مواضع أخر ثم قال في آخر كلامه فإن قلت المعرف بلام الحقيقة وعلم الجنس إذا أطلقا على واحد كما في أدخل السوق ورأيت أسامة مقبلة أحقيقة هو أم مجاز قلت بل حقيقة إذ لم يستعمل إلا فيما وضع له إلى أن قال و سيتضح هذا في بحث الاستعارة وحاصل ما ذكره هنا أن لفظ الاسد لم يوضع للرجل الشجاع ولا لمعنى عام يشمل الرجل الشجاع والحيوان المفترس كالحيوان المجتري وإلا لكان إستعمال الاسد في الرجل الشجاع في قولنا رايت أسدا يرمي حقيقة لا مجازا لغويا نقل هذا عن الجمهور واستشهد بذلك على أن إستعمال العام في الخاص حقيقة كما إذا رأيت زيدا فقلت رأيت إنسانا أو رجلا فلفظ إنسان ورجل لم يستعمل إلا فيما وضع له لكنه قد وقع في الخارج على زيد وكذا إذا قال القائل أكرمت زيدا و أطعمته وكسوته فقلت نعم ما فعلت ثم قال وقد سبق في بحث التعريف باللام إشارة إلى تحقيقه وهذا كله كما ترى يشهد بأنه أراد أن المعرف بلام الجنس إذا أطلق على فرد ما يكون حقيقة والحاصل أني أقول لو أريد من المعرف بلام الجنس فرد ما بل الطبيعة التي توجد في ضمن فرد ما فهو مجاز وهم يقولون إنه حقيقة (فتصير بعين)؟ الاعتبار وانظر إلى ما قيل لا إلى من قال لا يقال كيف تجترى على مخالفة أئمة الفن في ذلك (واحدا)؟ من مباحث الالفاظ لانا نقول هذا الكلام مبني على إجتهادهم في فهم إطلاق الكلي على الفرد وليس ذلك أمرا مقصورا على النقل بل فيه للفكر والاجتهاد مدخلية فتفكر وتدبر مع أن الفاضل الحلبي نقل الاعتراض على دعوى الحقيقة فالقول به أيضا غير عزيز مضافا إلى ما يظهر من غيره أيضا والحاصل أنهم إن أرادوا أن مثل أدخل السوق واشتر اللحم أو نحو إن الانسان لفي خسر لتعريف الجنس ولكن العقل يحكم بسبب المقام إن إتيان فرد ما مطلوب بالتبع وهو حقيقة من جهة أنه مستعمل في نفس الموضوع له وهو الجنس فنعم الوفاق لكنه غير موافق للكلمات المتقدمة فإنها صريحة في الاطلاق على الفرد وما يتوهم من الفرق بين الاطلاق والاستعمال بأن الاطلاق

١٦٢

يطلق على ما هو غير مقصود بالذات بخلاف الاستعمال فهو كلام يرجع حاصله إلى ما ذكرناه من الدلالة التبعية فلا ريب أن رجل في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ليس من هذا القبيل وكذلك رأيت أسدا ورجلا ونحو ذلك فكيف يحول تحقيق المقام على ما يذكره في باب الاستعارة وإن أرادوا أنه أطلق وأريد منه فرد ما أو جميع الافراد وهو حقيقة لوجود الكلي في ضمنها مثل رأيت إنسانا وجاء رجل فهو مجاز لا حقيقة لاستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما بينا فغاية الامر أن وجود الكلي في ضمن الفرد (علامة)؟ للمجاز وكذا مناسبة الكلي لفرد ما علاقة له بقي الكلام في بيان مطلب من قال أن صيغة إفعل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب الراجح لانه قد استعمل فيهما فلو كان حقيقة في احدهما أو كليهما لزم المجاز والاشتراك فهو للقدر المشترك وما أجيب عن ذلك بانه يلزم على هذا تعدد المجاز لو استعمل في كل منهما لان إستعمال ما هو موضوع للكلي في الفرد مجاز وما رد به من أن ذلك إذا أريد الفرد مع قيد الخصوصية لا مطلقا فإنه لا يخلو عن إشكال وإغلاق وذلك لان صيغة إفعل مشتملة على مادة وهيئة ووضعها بالنسبه إلى المادة عام والموضوع له عام واما بالنسبة إلى الهيئة فهي متضمنة لاسنادين أحدهما إسناد الفعل إلى المتكلم من حيث الطلب والثاني إسناده إلى المخاطب من حيث قيام الفعل به وصدوره عنه ووضعها بالنسبة إليهما وضع حرفي والمتصف بالوجوب و الندب والرجحان هو النسبة الطلبية الصادرة عن المتكلم فعلى هذا فالموضوع له كل واحد من الجزئيات على التحقيق في وضع الحروف فإذا استعمل الصيغة في المواردالخاصة فهي مستعملة بنفسها فيما وضع له لا أنها من قبيل إستعمال العام في فرده بل هو إستعمال اللفظ الموضوع بإعتبار معنى عام للجزئيات الخاصة في تلك الحزئيات فكما أن كل طلب خاص من كل متكلم خاص وإنتساب الفعل إلى كل مخاطب خاص نفس الموضوع له للصيغة وإستعمال الصيغة فيها حقيقة مثل أن زيدا إذا قال لعمرو اضرب أو بكر قال لخالد اضرب وهكذا فكل منهما مستعمل فيما وضع له فكذلك الكيفية الطارية للنسبة في هذه المواضع من الوجوب والندب أو الطلب الراجح أيضا راجعة إلى نفس ما وضع له فلا يصح القول بأن ذلك إستعمال للعام في الخاص حتى يتفرع عليه الجواب المذكور أيضا فعلى هذا القول إن قلنا بأن الصيغة موضوعة لجزئيات الطلب الحتمي الايجابي بعد تصور ذلك المفهوم الكلي حين الوضع وجعله آلة لملاحظة الموضوع له فإذا استعمل في مورد خاص لافادة الايجاب مثل أن يقول زيد لعبده إفعل كذا فهو مستعمل في نفس ما وضع له وهكذافي الندب وكذا الطلب الراجح ولا فرق فالمستدل في هذا المقام إن أراد أن الملحوظ حين الوضع هو الطلب الراجح بمعنى عدم ملاحظة الوجوب والاستحباب

١٦٣

والغفلة عن وجه الرجحان وكيفيته فيكون أفراده حينئذ أيضا الطلبيات الراجحة الصادرة عن خصوصيات المتكلمين بدون قصد ندب وإيجاب فإن هذا ممكن بالنظر إلى الطلب وإن كان (المطلوب)؟ لا يخلو في نفس الامر عن أحدهما فلا يخفى أن الافراد حينئذ إنماتتشخص وتتميز بتميز المتكلمين والمخاطبين لا بتفاوت الطلب وملاحظة الوجوب والندب فلو استعمل حينئذ في الوجوب أو الندب فيكون مجازا وإن أراد القدر المشترك المنتزع من الوجوب والندب بمعنى الامر الدائر بين الامرين فحينئذ يصح كلام المستدل من أنه حقيقة فيهما على المختار في الموضوع له ويظهر بطلان كلام المجيب ولعل المستدل أراد ذلك نعم لو فرض حينئذ إستعمال الصيغة في القدر المشترك بين الامرين بالمعنى الاول أعني الطلب الراجح الخالي من ملاحظة الوجوب والندب وعدم الالتفات إليهما أصلا فيكون مجازا كما يلزم هذا لو قيل بوضعها للوجوب فقط أو للندب فقط أيضا فعليك بالتأمل في موارد إطلاق الكلي وتمييز أنواعها وأقسامها حتى لا يختلط عليك الامر هدانا الله وإياك إلى صراط مستقيم الرابعة مقتضى ما ذكرنا من التقرير في الجمع أولا أن يكون عموم الجمع بالنسبة إلى الجماعات كالمفرد بالنسبة إلى الافراد فإن جنس الجماعة إذا عرف بلام الجنس وأريد منه الاستغراق لا بد أن يراد منه إستغراق لجميع ما يصدق عليه مدخوله فيكون عمومه يشمل الجماعات فيكون معنى جائني الرجال جائني كل جماعة من جموع الرجال وأورد عليه بأن ذلك يستلزم جواز صحته إذا لم يجئه رجل أو رجلان ورد بأن رجلا أو رجلين إذا إنضم إلى غيرهما ممن جاؤا أو بعضهم يصير أيضا جمعا آخر فلم يصدق مجئ كل جمع من الجموع والمراد ثبوت الحكم لآحاد كل جمع لا مجموع كل جمع حتى لا ينافي خروج الواحد والاثنين فلا يصح جائني جمع من الرجال بإعتبار مجئ فرد أو فردين وأورد عليه أيضا بأن إرادة ذلك تستلزم تكرارا في مفهوم الجمع المستغرق لان الثلاثة مثلا جماعة فتندرج فيه بنفسها وجزء من الاربعة والخمسة وما فوقهما فتندرج فيه أيضا في ضمنها بل نقول الكل من حيث هو كل جماعة فيكون معتبرا في الجمع المستغرق وما عداه من الجماعات مندرجة فيه فلو اعتبر كل واحد واحد منها أيضا لكان تكرارا محضا ولذلك ترى الائمة يفسرون الجمع المستغرق اما بكل فرد فرد وإما بالمجموع من حيث المجموع وأورد عليه أولا بالنقض بقوله تعالى كل جزب بما لديهم فرحون وكلما دخلت أمة لعنت أختها ونحو ذلك وفيه أن الحزب والامة في الايات قد أعتبرت منفردة منفردة ولم يعتبر فيه للاحزاب المتداخلة بإعتبار مفهوم الجزئية حكم عليحدة وهكذا في الامة فاليهود أمة والنصارى أمة والمجوس أمة وإن كان يصدق على كل واحد من أصناف اليهود أمة أيضا وهكذا غيرهم وثانيا بالحل وهو أنه إن أريد بالتكرار ان من يحكم

١٦٤

باكرام العلماء لا بد أن يلاحظ الحكم للثلاثة مرارا متعددة فهو باطل جزما وإن أريد أنه لا بد أن يكون الحكم ثابتا له في نفس الامر مرارا متعددة بحسب مقتضى اللفظ مع أنه ليس كذلك فهو أيضا ممنوع وإن أريد أن (لنا ان) نعتبر دخول الثلاثة في الحكم بإعتبارات فلا يضر على أنه يجوز أن يشترط حينئذ عدم تداخل الجماعات واجزائها لئلا يلزم التكرار المذكور فإعتبار العموم بالنسبة إلى كل فرد فردا إنما يكون مع إبطال الجمعية وإعتباره بالنسبة إلى كل واحد من الجموع مع بقائه على حالته الاصلية من إعتبار الجمعية والظاهر أنه أيضا يفيد عموم الافراد ضمنا وأما إعتباره بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع فلا يفيد ذلك فيصح أن يقال للرجال عندي درهم على هذا إذا كان الكل مشتركا في إستحقاق درهم واحد لا يثبت به لكل واحد منهم درهم إذا تمهد هذه فنقول اما الجمع المعرف باللام فالظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا في إفادته العموم ولا يضر في ذلك ما ذكرنا من جواز إرادة الجنس والعهد وغيره بل الظاهر ان المتبادر هو العموم الافرادي لا الجمعي ولا المجموعي فينسلخ منه معنى الجمعية فالظاهر أن هذا وضع مستقل للهيئة التركيبية عليحدة وصار ذلك سببا لهجر المعنى الذي كان يقتضيه لاصل المقرر في المقدمات من إرادة جنس الجمع على طريق المفرد المحلي وكيف كان فالدليل قائم على كونه حقيقة في العموم فيكون في غيره مجازا والدليل الاتفاق ظاهرا والتبادر وجواز الاستثناء مطرد لا يقال لعل جواز الاستثناء لاحتمال إرادة العموم وذلك لا يفيد إرادة العموم عند المتكلم لانا نقول المراد من جوازالاستثناء جوازه بالنظر إلى ظاهر اللفظ مطلقا في كل مقام لم يقم قرينة على خلافه لا الجواز العقلي بسبب إمكان أن يكون موردا للاستثناء كما لا يخفى و أما دلالة جواز الاستثناء مطردا على العموم فقد مر وكذلك الجمع المضاف عند جمهور الاصوليين ومن فروع المسئلتين ما لو أوصى للفقراء أو فقراء البلد فإن كانوا محصورين صرف إليهم جميعا مع الامكان وإلا فيصرف إلى ثلاثة فصاعدا لان المقام قرينة عدم إرادة الحقيقة وأما المفرد المعرف باللام فقيل بإفادته العموم وقيل بعدمه وطريقة تقسيمهم الجنس المعرف باللام إلى أقسامه تقتضي القول بكونه حقيقة في الجميع لكن لا على سبيل الاشتراك بل من باب إستعمال الكلي في الافراد كما أشرنا إليه وقد يستشم من بعضهم القول بالاشتراك اللفظي وأما القائل بإفادته العموم فمذهبه أنه حقيقة في الاستغراق ولعله يدعي وضع الهيئة التركيبية للاستغراق والاظهر عندي كونه حقيقة في الجنس للتبادر في الخالي عن قرينة العهد والاستغراق ولان المدخول موضوع للماهية لا بشرط إذا خلا عن التنوين و اللام واللام موضوع للاشارة والتعيين لا غير فمن يدعي الزيادة فعليه بالاثبات وحاصل هذا

١٦٥

الاستدلال يرجع إلى إعتبار الوضع الافرادي في كل واحد من اللام والمدخول والرخصة النوعية في مجرد التركيب مع قطع النظر عن خصوصيات التراكيب فلا يرد أن هذا إثبات اللغة بالترجيح إلا أنه يمكن أن يقال بعد الرخصة النوعية الحاصلة في أنواع الاشارة إحتمال إرادة المتكلم بالنسبة إلى الكل مساو فلا يجري أصل العدم في واحد منها والكلام في أن مدخول اللام حقيقة في الطبيعة لا بشرط والاصل الحقيقة لا يثبت الحقيقة في الهيئة التركيبية فالاولى التمسك بالتبادر نعم يمكن الاستدلال هكذا في مقابل من يعترف بكون تعريف الجنس معنى له إما متوحدا أو بكونه أحد المعاني المشترك فيهااللفظ إلزاما بأن يقال كونه حقيقة فيه إتفاقي والاصل عدم غيره والمجاز خير من الاشتراك ويبقى الكلام مع من يدعي كونه حقيقة في الاستغراق وسنبطله إنشاء الله تعالى ويدل عليه أيضا عدم إطراد الاستثناء بمعنى أنه لا يصح في العرف في كل موضع وإن لم يوجد هنا قرينة إرادة خلاف العموم أيضا لقبح جائني الرجل إلا البصري وأكرم الرجل إلا السفهاء وأما الاستدلال بجواز أكلت الخبز وشربت الماء وعدم جواز جائني الرجل كلهم فضعيف لان عدم إمكان أكل جميع الاخباز وشرب جميع المياه قرينة على عدم العموم وعدم جواز التأكيد بما يؤكد به العام لعله مراعاة للمناسبة اللفظية واحتجوا بما حكاه بعضهم عن الاخفش أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر وأجيب عنه بأنه لا يدل على العموم لان مدلول العام كل فرد ومدلول الجمع مجموع الافراد وفيه ما فيه لما عرفت من أن عموم الجمع أيضا إفرادي وبقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وفيه أن ما يدل على كون اللفظ للعموم إطراد الاستثناء في جميع ما يحتمل اللفظ للعموم وغيره على السوية لا مطلق جواز الاستثناء والاستثناء هنا قرينة على إستعمال اللفظ في الاستغراق مجازا ومن ذلك يظهر التحقيق في الجواب عن الاول أيضا فإن التوصيف بالعام قرينة على إرادة الاستغراق ونحن لا ننكر مطلق الاستعمال وما يقال في الجواب عن الوجهين إن الظاهر أنه لا مجال لانكار إفادة المفرد المعرف باللام العموم في بعض الموارد حقيقة كيف ودلالة أداة التعريف على الاستغراق حقيقة وكونه أحد معانيها مما لا يظهر فيه خلاف بينهم فالكلام حينئذ إنما هو في دلالته على العموم مطلقا بحيث لو استعمل في غيره لكان مجازا على حد جميع صيغ العموم التي هذا شأنها والدليل لا يثبت إلا إفادته العموم في الجملة وهو غير المتنازع فيه فإنما هو مبني على الاشتراك اللفظي أو على إطلاق الكلي على الفرد وقد عرفت بطلانهما ثم اعلم إنا وإن ذهبنا إلى أن اللفظ لا يدل على العموم لكنه لازم ما اخترناه من كونه حقيقة في تعريف الجنس إذ الحكم إذا تعلق بالطبيعة من حيث هي والمفروض أنها لا تنفك عن شئ من أفرادها فيثبت الحكم لكل أفرادها والقول بأن الطبائع إنما تصير متعلقة للاحكام بإعتبار وجودها

١٦٦

كلام ظاهري بل الطبائع بنفسها تصير متعلقة للاحكام ومتصفة بالحسن والقبح وغاية ما يمكن أن يقال أنه لا وجود لها إلا بالافراد وفيه أنا نقول بتعلقها بها لا بشرط أن لا يكون معها شئ حتى لا يمكن التكليف بها وإذا تمكن المكلف من الاتيان بها في ضمن الفرد فيصدق عليه أنه متمكن منها كما أشرنا في مبحثه ولا فرق بين تعلق الامر به أو تعلق الحل والجواز والحرمة ونحوها نعم بعد الامتثال بفرد في الاوامر يسقط التكليف وذلك لا يستلزم عدم التخيير في الاتيان بأي فرد يمكن حصول الطبيعة في ضمنها وأما في مثل أحل الله البيع فلا سقوط للحل والجواز بمجرد ثبوته لفرد منه أو أفراد ومن لا يجوز تعلق الحكم بالطبائع فقد سلك هنا مسلكا آخر في إستفادة العموم إذا وقع المفرد المحلى في كلام الحكيم فقال بأن الطبيعة لما لم يمكن تعلق الحكم بها ولا عهد خارجي يكون مرادا بالفرض ولا فائدة في إرادة فرد ما للزوم الاغراء بالجهل فتعين إرادة الاستغراق وهذا الكلام يجري على مذاق من يقول بالاشتراك اللفظي وغيره وأما المفرد المضاف فالظاهر أن المراد به الطبيعة فيستفاد منه العموم بإعتبار الطبيعة على ما اخترناه وبإعتبار الحكمة على التقرير الاخر ثم أن الشهيد الثانيرحمه‌الله قال في تمهيد القواعد إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أوالعموم حملت على العهد لاصالة البرائة عن الزائد ولان تقدمه قرينة مرشدة إليه ومن فروعها ما لو حلف لا يشرب الماء فإنه يحمل على المعهود حتى يحنث ببعضه إذ لو حمل على العموم لم يحنث ومنها إذا حلف لا يأكل البطيخ قال بعضهم لا يحنث بالهندي وهو الاخضر وهذا يتم حيث لا يكون الاخضر معهودا عند الحالف إطلاقه عليه إلا مقيدا ومنها الحالف لا يأكل الجوز لا يحنث بالجوز الهندي والكلام فيه كالسابق إذ لو كان إطلاقه عليه معهودا في عرفه حنث به إلا أن الغالب خلافه بخلاف السابق فإنه على العكس أقول بعد الاغماض عما بينا من أنه حقيقة في الجنس وأصالة الحقيقة تقتضي إرجاعه إلى إرادة الماهية نقول أن أصالة البرائة لا تقتضي الحمل على العهد مطلقا إذ قد تقتضي الحمل على الجنس أو العموم فإذا قال الشارع يجوز السجود على الحجر فإذا جوزنا السجود على أي حجر كان فلا يجب علينا تكلف تحصيل المعهود لو فرض حصول غير المعهود مثل المقناطيس وأمثلته في أحكام الشرع كثيرة مع أن ما ذكره في حكاية شرب الماء مع المناقشة في عدم كونه مثالا لما نحن فيه إذ العهد فيه إنما هو في الشرب لا الماء يقتضي خلاف ما إدعاه وبالجملة فأصالة البرائة قد تقتضي الحمل على المعهود كما في المثالين الاخيرين وقد تقتضي الحمل على العموم مع ان فيما يقتضي الحمل على العهد إنما يتم ما ذكره في الجنس إن أريد به ما يستلزم العموم كما حققناه و إن أريد به ما يشمل المعهود الذهني فلا توافقه أيضا لانه قد يكون أصالة البرائة مقتضية للتنكير و

١٦٧

أن حمل العهد في كلامه على الاعم من الذهني فمع بعده أيضا لا يتم لان أصالة البرائة قد تقتضي الحمل على العموم مع أنه لا يناسب قوله ولان تقدمه قرينة مرشدة إليه هذا كله مع أنه لا يقتضي ما ذكره إلا عدم ثبوت التكليف في غير المعهود لعدم العلم بأزيد منه لا أن المتكلم استعمل اللفظ في العهد فالاولى أن يقال في موضع أصالة البرائة اصالة عدم ثبوت الحكم إلا في المعهود يعني إذا دار الامر بين إرادة الجنس والعهد والعموم فالمعهود مراد بالضرورة لدخوله تحتهما والاصل عدم ثبوت الحكم في غيره وحينئذ يرد عليه أنه يتم لو لم يحتمل الجنس إرادة وجوده في ضمن فرد ما فإن المعهود حينئذ غير معلوم المراد جزما نعم لو أريد بالجنس ما يستلزم العموم كما بيناه سابقا فلذلك وجه لكن يبقى عليه الانظار الاخر وأما قوله ولان تقدمه قرينة مرشدة إليه ففيه أنه إن أراد أنه حصل العلم بسبب تقدمه أنه هو المراد أو الظن فيكون ذلك قرينة معينة لاحد المعاني المشتركة فحينئذ لا يبقى إحتمال لارادة المعاني الاخر ولا يناسب ذلك التمسك بمقتضى أصالة البرائة وإن أراد أن التقدم والمعهودية يجوز إرادة العهد ويصححه فهو ليس إلا جعل المقام قابلا للاحتمال وتحقيقا للاجمال بسبب إرادة كل واحد من المعاني المشتركة ومجرد صلاحية إرادة أحد المعاني من المشترك لا يرجح إرادته كما لا يخفى ثم ما يظهر لي أن ما لبس المقام وخلط الكلام في هذا المرام هو ما تعارف بينهم ان المطلق ينصرف إلى الافراد الشايعة فجعل الشهيد الثانيرحمه‌الله الافراد الشايعة معهودة وجعل الالف واللام إشارة إلى الصنف المعهود المتعارف في المحاورات ثم عمم الكلام في مطلق العهد ونظر إلى أن التقدم في اللفظ يرشد إلى إرادة المذكور سابقا في العهد الذكرى والتقدم في التعارف والاصطلاح يرشد إلى إرادة الافراد المتعارفة فيما كان العهد من جهة ذلك فعلى هذا يكون التقدم فرينة معينة للارادة لا مجوزة ويرد عليه حينئذ مضافا إلى ما سبق أن التقدم في الذكر لا يعين إرادة المذكور و إلا فلم يبق الاحتمال المذكور في صدر المقال وأما تعيين التعارف ذلك فالظاهر أنه لا مدخلية للالف واللام فيه بل هو لانصراف جوهر اللفظ إليه كما هو شأن المطلق وإنصرافه إلى الافراد الشايعة فلنقدم الكلام في معنى إنصراف المطلق إلى الافراد الشايعة حتى يتضح المرام فنقول أن ذلك لعله مبني على ثبوت الحقيقة العرفية لذلك اللفظ في الافراد المتعارفة بحيث هجر المعنى الحقيقي والمحقق فيما دار الامر بين أن يكون المراد في كلام الشارع هو الحقيقة العرفية أو اللغوية هو تقديم العرف وإثبات الحقيقة العرفية دونه خرط القتاد ولذلك لم يعتبر ذلك علم الهدىرحمه‌الله ويراعي أصل الوضع ويجري الحكم في جميع الافراد النادرة وأما إذا لم يثبت الحقيقة العرفية بمعنى هجر

١٦٨

اللغوي بل حصل حقيقة عرفية لللفظ في المعاني المتعارفة مع بقاء المعنى الحقيقي أيضا فيصير اللفظ مشتركا بين الكلي وبعض الافراد لكن يكون إستعماله في أحد المعنيين أشهر كما في العين بالنسبة إلى الباصرة والنابعة من بين سائر المعاني أو حصل هناك مجاز مشهور بسبب غلبة الاستعمال فيشكل الحمل على الافراد الشايعة فقط لعدم مدخلية مجرد الشهرة في أحد معاني المشترك في ترجيحه ولمعارضة الشهرة في المجاز المشهور باصالة الحقيقة إلا أن إرادة الافراد الشايعة لما كان متحقق الحصول على أي تقدير فتعين إرادته ويصير الباقي مشكوكا فيه وذلك ليس لترجيح المجاز المشهور أو أحد معنيي المشترك بسبب إشتهاره بل لدخوله في اللفظ على أي التقديرين إذا تقرر هذا فنقول أن العهد الذي جعله معيار الكلام هو هذا المعنى وهذا لا مدخلية له في اللام أللهم إلا أن يكون اللام إشارة إلى أحد معنيي المشترك اللفظي كما أشرنا إلى إمكانه سابقا إلا انه ليس في ذلك كثير فائدة مع إفادة جوهر اللفظ ذلك وحينئذ يبقى الكلام في تعميم المقام بحيث يشمل العهد الذكري قانون المشهور أن الجمع المنكر لا يفيد العموم خلافا للشيخ فقال بإفادته العموم نظرا إلى الحكمة والجبائي يحمل المشترك عنده على جميع معانيه احتجوا بأنه قابل لآحاد الجماعات ومنها الجميع ودلالته على الجميع تحتاج إلى دليل والدلالة اللفظية مفقودة فإنها منحصرة في الثلاثة وإنتفاء الاولين معلوم وكذا الثالث لعدم اللزوم فإن العام لا يدل على الخاص نعم أقل المراتب معلوم المراد جزما ولا دلالة على ما فوقه احتج الشيخ بأن اللفظ يدل على القلة والكثرة فإذا صدر عن الحكيم ولم يبين القلة فعلم عدم إرادتها فيحمل على إرادة الكل حيث لا قرينة على غيره لئلا يلغو كلام الحكيم واحتج الجبائي بأنا لو حملناه على الجميع لحملناه على جميع حقائقه فكان أولى وأجيب عن الاول بأن الاقل معلوم الارادة جزما فيعمل عليه ويتوقف في الباقي حتى يتبين وهو لا ينافي الحكمة وعن الثاني بمنع كون اللفظ حقيقة في كل واحد من المراتب بل هو للقدر المشترك بينها مع أن ما ذكره من لزوم حمل المشترك على جميع المعاني إذا لم يظهر قرينة على التعيين فهو ممنوع بل التحقيق التوقف والاجمال حتى يظهر المراد أقول والتحقيق أن يقال أن الجمع المنكر يتصور إستعماله على صور الاولى الاخبار عنه بمثل جائني رجال وله علي دراهم والثانية الحكم عليه بشئ مثل أحل الله بيوعا والثالثة الامر بإيجاده مثل أقم نوافل و الرابعة جعله متعلقا للمأمور به مثل أعط ثلث مالي رجالا أو علماء أو اضفهم في أيام وصم أياما ونحو ذلك أما الصورة الاولى فقد لايراد من الاخبار معرفة حال المخبر عنه ولا يقصد إلا إسناد الفعل إليه والمقصود بيان تحقق ذلك الفعل من فاعل معين عند المتكلم غير متعين عند المخاطب

١٦٩

كما في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ففي مثل ذلك لا يقتضي الحكمة حمل اللفظ على العموم أصلا ويبقى في الجمع إفادة الكثرة ولما لم يتعين من اللفظ فيعلم أن الاقل مراد جزما فالذي نستفيده من المثالين الاولين بعنوان الجزم هو مجئ ثلاثة رجال وثبوت ثلاث دراهم وأما الصورة الثانية فإذا كان المراد بيان الحكم للبيوع فلا بد من معرفة أشخاصها بصيغة خاصة بها أو بما يعمها فلا يتأتى الجواب المذكور فيها وحملها على الاقل ينافي الحكمة لعدم التعيين إلا أن يرجع ذلك المثال أيضا إلى الصورة الاولى فيكون الاشكال في تعيين البيع لا في تعيين البيوع بأن يقال لا إجمال في بيان العدد بحيث ينافي الحكمة وهو المقصود بالذات في هذا المثال كما في جاء رجل من أقصى المدينة وإنما يحتاج إلى البيان في غيره وهو تعيين أشخاص البيع كتعيين الرجل فيحتاج في المثال المذكور إلى الذكر والتفصيل وهو خلاف المفروض فإن المفروض ان المقصود في مثله بيان حكم شخص البيع ومعلومية حاله كما هو شأن الحكيم في بيان الحكم ومما ذكرنا يظهر أن ما أورد على الجواب المذكور بالنقض بأنه إذا حصل عدم المنافاة للحكمة بحمل اللفظ على القدر المتيقن من مدلوله فيجري ذلك في المفرد المعرف أيضا فما وجه حمله على العموم نظرا إلى الحكمة لا يتم إلا أن ينزل كلام المستدل و المجيب على بعض هذه الصور لا مطلقا لان إرادة حلية بيع غير معين في قوله تعالى أحل الله البيع لا يعقل له فائدة وحكمة أصلا بخلاف الكلام في مطلق الجمع المنكر وأما الصورتان الاخيرتان فإن أريد منهما مثل ما اريد في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة فالحكمة تقتضي الحمل على العموم وإن كنا نتيقن بإرادة الاقل بحسب العدد أيضا وإن أريد الاتيان به مع عدم قصد التعيين عند المتكلم فلا يحتاج إلى الحمل على العموم أصلا بل يحصل الامتثال بأقل الافراد إذ يحصل الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمن فرد فهو من باب التخييز المستفاد من الامر الكلي فكما أن قولك جئني برجل يقتضي الامتثال بإتيان أي رجل يكون فكذلك فيما نحن فيه إذ كما أن كل رجل يصدق عليه أنه رجل فكذلك كل رجال يصدق عليه أنه رجال ولما كان ذلك في معنى التخيير والتخيير بين الاقل والاكثر لا يقتضي إلا كون الاكثر أفضل فالاقل متيقن المراد فالعمدة في تحقيق المسألة إرجاع الامر إلى ان المراد بالجمع المنكر في الكلام هو المعين عند المتكلم المبهم عند المخاطب أو مجرد الطبيعة المبهمة فعلى الاول لا بد أن يحمل على العموم لئلا ينافي الحكمة وعلى الثاني يكتفي بالاقل لاصالة البرائة عن الزايد وحصول الامتثال بالاقل وأما حصول العلم بإرادة الاقل والشك في الباقي فهو مشترك بين المعنيين ثم لابد ان يعرف أن اللفظ أظهر في اي المعنيين والظاهر في الصورة الاولى بل المتعين هو الاول وكذا في الصورة الثانية وأما في باقي

١٧٠

الصور فالاظهر هو المعنى الثاني فيحمل عليه ويكتفي بالاقل إلى أن يظهر من الخارج إرادة التعيين فإما يحمل على العموم أوينتظر البيان إن كان له مجال ثم أن ما ذكرنا أن الحكمة تقتضي الحمل على العموم فيما يحتاج إليه إنما هو إذا لم يكن الاجمال متقضى الحكمة وإلا فقد يكون مقتضاها الابهام إذا لم يكن وقت الحاجة إلى بيانه ولكن لما كان الاصل عدم تلك الحكمة والظاهر في أكثر الخطابات أنها وقت الحاجة فيحمل على العموم ثم أن كلام المجيب ظاهر في أن الاقل متيقن الارادة والباقي مشكوك فيه وهذا لا يتم مطلقا فان الامر الدال على التخيير في إيجاد الطبيعة لا يبقى معه شك في عدم وجوب الازيد من أقل الافراد فقول القائل أعط زيدا دراهم ما هو ظاهره من تعليق الحكم بالطبيعة المبهمة مطلقا لا يجعله ما باب جاء رجل من أقصى المدينة نص في أجزاء ثلاثة دراهم ولا يبقى معه شك في عدم وجوب الازيد ثم ان الظاهر أن مراد الجبائي الحمل على الجميع من حيث أنه مجموع معانيه المشترك فيهما لفظا لا من حيث أنه هو أحد معانيها فعلى هذا يصح معنى عمومه الافرادي والجمعي كليهما فيتجه الجواب بمنع الاشتراك أولا وبمنع الظهور في الجميع ثانيا وبمنع أولوية إرادة الجميع ثالثا والقول بأن الحمل على الجميع أحوط معارض بأنه قد يكون خلافه أحوط وعلى ما ذكرنا فلا يرد ما يقال أن منع الاشتراك اللفظي لا يضر المستدل إذ يكفيه كون هذه المراتب من أفراد الحقيقة وكون هذا الفرد يشمل جميع الافراد وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أن القول بدلالة الجميع المنكر على العموم ليس من جهة دلالة اللفظ حقيقة بل على مذهب الجبائي أيضا فإن حمله على الجميع ليس من جهة أنه أحد معانيه بل لانه يشمل جميع المعاني فانقدح من ذلك أنه لا نزاع في عدم دلالة الجمع المنكر على العموم بجوهره بحيث يكون لو استعمل في غيره يكون مجازا فتأمل تذنيب الحق أن أقل ما يطلق عليه صيغ الجمع حقيقة ثلثة وقال بعض العامة أنه (إثنان)؟ والقول بعدم جواز إطلاقها على الاثنين مطلقا شاذ ضعيف ولافرق في ذلك بين المكسر والسالم وضمائرهما والظاهر أنه لا نزاع في نحو نحن وإننا وجئنا لانه موضوع للمتكلم مع الغير ولم يوضع لتثنية المتكلم لفظ لنا تبادر الزايد على الاثنين عند الاطلاق وعدم تبادر الاثنين ويؤيد ذلك وضعهم للتمييز بين التثنية والجمع علامات وإمارات مثل الالف والنون والواو والنون وغير ذلك احتجوا بقوله تعالى فإن كان له إخوة فلامه السدس للاجماع على حجب الاخوين عما زاد عن السدس فاطلق الاخوة على الاخوين فما زاد والاصل في الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاجماع إنما هو الدال على المطلوب لا الاية سلمنا لكنه بضم القرينة لا منفردا ومطلق الاستعمال أعم من الحقيقة وبقوله تعالى إنا معكم مستمعون والمراد موسى وهارونعليهما‌السلام وفيه منع الاختصاص بل هي لهما مع فرعون تغليبا مع أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما في

١٧١

مستمعون وبقولهعليه‌السلام الاثنان فما فوقهما جماعة وفيه أن المراد حصول فضيلة الجماعة مع أنه ورد في الخبر أن المؤمن وحده أيضا جماعة إذا لم يكن معه من يصلي معه مع أن بيان اللغات ليس من شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله فالمقصود بيان الحكم وقد يجاب أيضا أن النزاع إنما هو في صيغ الجمع لا في لفظ الجمع فإنه بمعنى مطلق ضم شئ إلى شئ وفيه أن المتبادر من لفظ الجماعة أيضا الثلاثة وما فوقها وكذلك لفظ الجمع إذا لم يقصد به المعنى المصدري أعني الانضمام والظاهر أنهما أيضا محل النزاع والذي هو خارج عن محل النزاع هو مادة ج م ع بمعنى مطلق الضم والالحاق فإن يصدق في الاثنين أيضا حقيقة قانون لا خلاف ظاهرا في أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم في الجملة ففي بعضها بالنصوصية وفي بعضها بالظهور أما الاول ففيما إذا وقعت بعد لا الكاينة لنفي الجنس وكذلك فيما كانت صادقة على القليل والكثير كشئ وفيما كانت ملازمة للنفي كأحد (ويد)؟ أو مدخولة لمن ولا فرق بين كون النافي هو لا أو لم أو لن أو غيرها وأما الثاني فهو ما إذا وقعت بعد ليس وما ولا المشبهتين بليس وقدخالف فيه بعضهم و الحق أنها ظاهرة في العموم ففي الاول لا يجوز أن يقال لا رجل في الدار بل رجلان وما من رجل في الدار بل رجلان وجواز الاستثناء بأن يقال لا رجل في الدار إلا زيدا لا ينافي النصوصية كما توهم كما لا ينافيها في الاعداد بخلاف الثاني فيجوز أن يقال ليس في الدار رجل بل رجلان وما في الدار رجل بل رجلان بأن يراد بالتنوين الاشارة إلى الوحدة العددية المعينة ويكون النفي راجعا إلى الوحدة ولكن الظاهر منه الوحدة الغير المعينة فهو ظاهر في العموم فالمثال المذكور إخراج عن الظاهر كما لو قيل ما في الدار رجل إلا زيد وأما سلب الحكم عن العموم كقولنا ما كل عدد زوجا فليس حكما بالسلب عن كل فرد وهو مخرج عن هذه القاعدة كما لا يخفى والظاهر أنه لا فرق بين المفرد والجمع والتثنية في ذلك وإن الحكم في الظهور والنصوصية أيضا لا يختلف فيها فقولك لا رجال في الدار أيضا نص في العموم لكنه نص في أفراد الجموع وإن قلنا بكونه ظاهرا في عموم الافراد أيضا كالجمع المحلى بسلخ معنى الجمعية فللك يجوز أن يقال لا رجال في الدار بل رجلا ورجلان بخلاف المفرد كما مر والنهي كالنفي فيما ذكرنا والظاهر أن النكرة في سياق الاستفهام أيضا مثلها في سياق النفي في إفادة العموم وذهب جماعة من الاصوليين إلى عموم النكرة في سياق الشرط أيضا وفرعوا عليه ما لو قال الموصي إن ولدت ذكرا فله الالف وإن ولدت أنثى فلها المأة فولدت ذكرين أو أنثيين فيشرك بين الذكرين في الالف وبين الانثيين في المأة لانه ليس أحدهما أولى من الاخر فيكون عاما والاظهر أن مرجع ذلك إلى تعليق الحكم بالطبيعة فعمومه من هذه الجهة كما اخترناه في المفرد المحلى وإلا فلا يستفاد العموم من اللفظ

١٧٢

وأما النكرة في سياق الاثبات فلا يدل على العموم إلا بالنظر إلى الحكمة في بعض الموارد أو بكونه في معرض الامتنان عند بعضهم وأما لو كانت مدخولة للامر نحو أعتق رقبة فيفيد العموم على البدل لا الشمول وهذا العموم مستفاد من إنضمام اصالة البرائة عن إعتبار قيد زايد من الايمان وغيره فالاطلاق مع أصل البرائة يقتضيان كفاية ما صدق عليه الرقبة أي فرد يكون منه ولذلك يصح الاستثناء منه مطردا فالفرق بين العام والمطلق أن المطلق من حيث اللفظ لا يدل على العموم بخلاف العام فالعموم المستفاد من المطلق كالعموم المستفاد من تعليق الحكم على الطبيعة من حيث هي كما مر وهذان والوقوع في معرض الامتنان والوقوع في كلام الحكيم وأمثال ذلك مما يستفاد منها العموم وليس من جهة دلالة اللفظ بعنوان الوضع بل هو مستنبط من الخارج ولذلك نحملها على الافراد الشايعة لانها هي مورد الاستعمال في الاطلاقات ولخروج كلام الحكيم عن اللغوية بمجرد ذلك بخلاف ما دل عليه اللفظ بعنوان الوضع فإنها تشمل الافراد النادرة وإطلاق كلامهم يدل على ذلك أيضا إلا أن بعضهم صرح بعدم دخول الفرد النادر كما نقله في تمهيد القواعد وليس ببعيد والاولى التفرقة بين العروض النادرة فيقتصر في المطلقات ونحوها على الافراد الشايعة ويتعدى في العمومات إلى الافراد الغير الشايعة أيضا إن لم تكن في غاية الندرة وأما ما هو في غاية الندرة فيتوقف فيه و يحصل الاشكال فيما يستفاد من تعليق الحكم على الطبيعة فإن الطبيعة لا تنفك عن واحد من أفراده فيشمل الاندر أيضا إلا أن يقال لما كان الحكم على الطبيعة بإعتبار وجودها فينصرف إلى الوجود الغالب فتأمل لئلا تتوهم إن هذا رجوع عن القول بكون الطبائع متعلقة للاحكام كما أشرنا سابقا ثم انهم ذكروا في مقام الفرق بين المطلق والعام أن المطلق هو المهية لا بشرط شئ والعام هو الماهية بشرط الكثرة المستغرقة وهذا لا يخلو عن (حفاء)؟ فإن المطلق على ما عرفوه في بابه هو الحصة الشايعة في جنسها وبعبارة أخرى هو الفرد المنتشر وقد صرح بعضهم بالفرق بين المطلق والنكرة أيضا بأن المطلق هو الماهية لا بشرط شئ والنكرة هو المهية بشرط الوحدة الغير المعينة وجعل الشخص المنتشر عبارة أخرى عنها وغلط من قال بأن المطلق هو الدال على واحد إلا بعينه وأنت خبير بأن ذلك ينافي ما ذكروه في تعريف المطلق وإتفاقهم على التمثيل بمثل اعتق رقبة ويمكن توجيه ما ذكروه في الفرق بين العام و المطلق بأن المراد من المطلق هو المهية لا بشرط والعام هو المهية بشرط شئ بأن يقال أن المراد برقبة في قوله أعتق رقبة هو مثل ما أريد بأسد في قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة أو رجل في مثل رجل جائني لا إمرئه كما أشرنا سابقا ومقتضاه حينئذ جواز عتق أكثر من واحد في كفارة واحدة ولكن لما

١٧٣

كان الامتثال يحصل بفرد من الكلي سيما إذا كان تدريجي الحصول فلا يعد ما بعد الواحد إمتثالا لانه مقتضى الامر ولا يبقى أمر بعد الامتثال كما حققناه في الواجب التخييري ومسألة إقتضاء الامر للاجزاء فليس الوحدة مرادا من اللفظ بل استفيد من خارج أو يقال أن الطبيعة لا بشرط إذا تصور لها قيود وشرايط متعددة فتقييدها ببعض القيود إنما يجعلها مقيدة بالنسبة إلى هذا القيد بخصوصه ولا يخرجها عن الاطلاق بالنسبة إلى سائر القيود فالرقبة في قوله اعتق رقبة مع قطع النظر عن التنوين موضوعة للطبيعة لا بشرط شئ من الوحدة والكثرة والايمان والكفر والصحة والمرض والصغر والكبر والبياض والسواد كما مر الاشارة إليه وبعد لحوق التنوين وصيرورته مدخول الامر في هذا الكلام يتقيد بإرادة فرد ما منه وهذا يخرجه عن الاطلاق بالنسبة إلى إرادة الوحدة ولكن يبقى بعد مطلقا وماهية لا بشرط بالنسبة إلى سائر القيود فلو قيل أعتق رقبة مؤمنة فيحصل هناك قيدان للطبيعة ويبقى الطبيعة بعد مطلقة بالنسبة إلى سائر القيود وهكذا ومرادهم في باب المطلق والمقيد هو الاطلاق بالنسبة إلى غير الوحدة فحينئذ يمكن توجيه كلام بعضهم في الفرق بين المطلق والنكرة أيضا بإعتبار الحيثية فرقبة مطلقة بالنسبة إلى عدم إعتبار غير الوحدة الغير المعينة ونكرة بإعتبار ملاحظة الوحدة الغير المعينة فافهم ذلك واغتنم تنبيه قالوا أن عموم المفرد أشمل من عموم المثنى والمجموع وهو في المثنى واضح فإن عموم المفرد يشمل كل فرد فرد وعموم المثنى يشمل كل إثنين إثنين وخروج فرد منه غير مضر إلا أن يعتبر منضما إلى الواحد من فردي الاثنينيات المعدودة كما أشرنا في عموم الجمع إلا أنه لا يتم في التثنية المنفية فيصدق لا رجلين في الدار إذا وجد فيها رجل واحد بخلاف لا رجل في الدار وأما عموم الجمع فيتم فيه ما ذكروه إذا أردنا منه العموم الجمعي على إشكال فيه أيضا كما أشرنا وأما العموم الافرادي كما بينا أنه هو الظاهر في الجمع المحلى فلا يتفاوت نعم قد يتفاوت بإعتبار النصوصية والظهور فالنكرة المنفية في المفرد نص في عموم الافراد مثل لا رجل في الدار وأما الجمع المنكر المنفي فإما لا يشمل بعض الآحاد كما يقال لا رجال في الدار بل رجل اورجلان أو يكون ظاهرا فيه لو سلخنا عنه الجمعية والمفرد نص وأما ما في مثل ليس رجل في الدار وليس رجال في الدار فالمفرد أيضا أظهر في الشمول لان فيه إحتمالين إرادة الوحدة المعينة والغير المعينة وفي الجمع إحتمالات ثلاثة العموم كالمفرد بإنسلاخ الجمعية ونفي الجمع الواحد وإثبات الجماعات و نفي الجمع وإثبات الواحد أو الاثنين وأما المفرد المعرف والجمع المعرف فالامر فيه واضح مما مر لقلة الاحتمال في المفرد وكثرته في الجمع بإحتمال إرادة العموم الجمعي والمجموعي أيضا قانون ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقام نقله في التمهيد عن جماعة من المحققين وقال

١٧٤

أن أصل القاعدة من الشافعي ونقل عنه كلاما أخر يعارضه ظاهرا وهو أن حكايات الاحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال وسقط بها الاستدلال والاظهر أنه لا تعارض بينهما وإنهما قاعدتان مختلفتا المورد فالاولى هي ما كان جوابا عن سؤال بخلاف الثانية وتفصيل القول فيهما أما الاولى فهو أن السؤال إما عن قضية وقعت وهي محتملة أن تقع على وجوه مختلفة وإما عنها على تقدير وقوعها كذلك وعلى الاول فإما أن يعلم أن المسئول يعلم بالحال على النهج الذي وقع في نفس الامر أو لا يعلم سواء علم أنه لا يعلم أو جهل الحال أما الاول فلا عموم في الجواب بل هو وإنما ينصرف إلى الواقعة حسب ما وقع في نفس الامر وأما الثاني فإن كان للواقعة وجه ظاهر ينصرف إليه إطلاق السؤال فالظاهر أن الجواب ينزل عليه وإلا فيحمل على العموم لانه هو المناسب للارشاد وترك الاستفصال مع تفاوت الحال وظاهر إنصراف الجواب إلى إطلاق السؤال يستلزم الابهام والاضلال وهذا فيما علم عدم العلم واضح وأما فيما لم يعلم فهو كذلك لاصالة عدم العلم فإن علوم المعصومينعليهم‌السلام أيضا حادثة وكل حادث مسبوق بالعدم الازلى يقينا ولا يجوز نقض اليقين إلا بيقين مثله للاستصحاب ودلالة الاخبار الصحيحة وما يقال أن ثبوت علمهمعليهم‌السلام بنفس الامر في الجملة مما لا شك فيه وهو يناقض قولنا لا شئ من العلم بحاصل لهم فثبوت بعض العلوم لهم يقينا ينقض عدم ثبوت العلم لهم بشئ يقينا فلا يمكن الاستدلال بالقضية الكلية في المقام فهو كلام ظاهري إذ ملاحظة اليقين والشك بالنسبة إلى كل واحد واحد من العلوم لا بالنسبة إلى القضايا المنتزعة عنها فلا يجوز نقض اليقين بعدم كل علم إلا بحصول اليقين بحصوله وما يقال أن القضية الجزئية متيقنة الحصول وإن هذا الشك إنما حصل من جهة هذا اليقين ونقض اليقين السابق إنما هو بالشك الحاصل من يقين آخر ولا يظهر إندراج هذا الشك في النهي الوارد في قولهمعليهم‌السلام لا ينقض اليقين بالشك فهو أيضا في غاية الوهن أما أولا فلانا نمنع كون الشك حاصلا من جهة هذه القضية بل قد يحصل الشك مع عدم العلم بهذه القضية أيضا وأما ثانيا فلان لفظ الشك واليقين (عام)؟ في الحديث ويشمل جميع الافراد وأماثالثا فلان كل معلول يستحيل وجوده في الخارج بدون وجود علته وإن كانت العلة نفس الشك والوهم فالشك قد يحصل بسبب حصول الوهم وقد يحصل بسبب أمر يقيني وعلى أي التقديرين إنما تسبب عن شئ يقيني فإن بنى على ذلك لا يوجد موردللرواية كما لا يخفى نعم يمكن توجيه كلام القائل بأن من (الاشياء)؟ هو معلوم لهم جزما ومنها ما هو غير معلوم وقد إختلطا فعدم العلم يكون ذلك من المعلوم لا يوجب جواز الحكم بكون من غير المعلوم من أجل إستصحاب

١٧٥

عدم العلم وفيه أن ذلك إنما يتم إذا علمنا بأن فيما لا نعلم حاله من الاشياء من جهة المعلومية لهم وعدمها ما هو معلوم لهم وهو فيما نحن فيه ممنوع إذ لا نعلم نحن أن في زمرة ما لا نعلم حاله من المسؤلات ما يعلمه المعصومعليه‌السلام وأما الثاني وهو السؤال عما لم يقع بعد فهو أيضا يحمل على العموم إن لم يكن له فرد ظاهر ينصرف إليه وإحتمال أن يكون المقام مقتضيا للابهام فلعل المسؤل أراد الحكم بالنسبة إلى بعض الاحوال وترك بيانه إلى وقت الحاجة مع أنه خلاف الاصل لا يلتفت إليه مع ثبوت الظهور في العموم فعدم العلم بكون المقام مقتضيا للابهام يكفي في الحمل على العموم وأما الثانية فهو إنه امانقل فعل المعصومعليه‌السلام سواء علم جهة الفعل كما لو أخذ مالا عن يد مسلم بشاهد ويمين أو لم يعلم كما لو أخذ المال عن يد أحد و لم يعلم وجهه فلا يجوز التعدي إلا أن يثبت بدليل من خارج أو نقل حكمه في مادة مخصوصة مع إحتمال وقوعها على كيفيات مختلفة يختلف باختلافها الحكم من دون سبق سؤال وهذه مما يقولون لها قضايا لاحوال وأنه لا عموم فيها فإنها محتملة لاقتصاره في المادة المخصوصة فتصير في غيرها مجمل الحكم فلا يصح الاستدلال وأما التعدي في مثل قولهعليه‌السلام في جواب الاعرابي كفر حيث سئله عن مواقعة أهله في نهار رمضان فهو من جهة فهم العلة كما أشرنا في باب المفهوم وسيجئ في باب القياس ولنذكر للقاعدتين مثالين الاولى أن إمرئة سئلت عنهعليه‌السلام عن الحج عن أمها بعد موتها فقال نعم ولم يستفصل هل أوصت أم لا والثانية حديث أبي بكرة لما ركع ومشى إلى الصف حتى دخل فيه فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زادك الله (حرضا)؟ ولا تعد فلا يجوز الاستدلال بها على جواز المشي وإن كان كثيرا إذ يحتمل أن يكون مشي أبي بكرة قليلا فالقدر المتيقن هو ما لم يحصل الكثرة عادة قانون المعروف من مذهب الاصحاب أن ما وضع لخطاب المشافهة من قبيل يأ أيها الذين أمنوا ويا أيها الناس ونحو ذلك لا يعم من تأخر عن زمن الخطاب بل يظهر من بعضهم أنه إجماع أصحابنا وهو مذهب أكثر أهل الخلاف و ذهب الآخرون إلى العموم والشمول والحق هو الاول لنا أن خطاب المعدوم قبيح عقلا وشرعا وقول الاشاعرة بجوازه مكابرة ناشئة عن قولهم بقدم الكلام النفسي وجعلهم التكليف من جملته وفيه مع أن الكلام النفسي غير معقول أن التكليف طلب والطلب أمر إضافي نسبي لا يتحقق إلا بتحقق المنتسبين والمفروض إنعدام المطلوب منه فينتفي تعلق الطلب بإنتفاء المطلوب منه فينتفي الطلب بإنتفاء جزئه والقول بحدوث التعلق وقدم الطلب مع أنه لا معنى له لا يدفع إلتزام حدوث التكليف لانتفاء الكل في الاول بإنتفاء جزئه فيكون الكل حادثا وأيضا جواز التكليف مشروط بالفهم فإذا لم يجز تكليف الغافل والنائم والساهي بل الصبى المجنون فالمعدوم أولى بالعدم وكل ذلك عند القائلين بتحسين

١٧٦

العقل وتقبيحه واضح وأيضا المفروض كون تلك الالفاظ موضوعة للحاضر بحكم نص الواضع والتبادر و صحة سلب الخطاب عن مخاطبة المعدوم والملفق من الموجود والمعدوم فالاصل إرادة الحقيقة ولا يجوز العدول عنه إلا مع ثبوت المجاز وهو موقوف على جوازه أولا وعلى ثبوت القرينة ثانيا أما الاول فممنوع لما ذكرنا من إستحالة الطلب عن المعدوم فإن قلت أن الطلب من المعدوم قبيح إذا كان على سبيل الخطاب الحقيقي المنجز لم لا يجوز الطلب عنه على سبيل التعليق قلت أولا أن الطلب التعليقي أيضا لا محصل له في المعدوم لاقتضاء الطلب مطلوبا منه موجودا وإن حقيقة ذلك يرجع إلى إعلام الموجودين بان المعدومين يصيرون مكلفين بذلك حين وجودهم وبلوغهم لا الطلب عنهم بالفعل بإتيان المطلوب إذا وجدوا وإن ذلك ليس من قبيل أنت وزيد تفعلان كذا وثانيا على التسليم جواز ذلك أو أن المراد من التجوز هو إعلام الموجودين بأن المعدومين يصيرون مكلفين وأمرهم بتبليغهم ذلك إياهم نقول أن ذلك يستلزم كون جميع الخطابات الشفاهية مجازات إن أريد التغليب وهو كما ترى وإن أريد إستعمال اللفظ في الحقيقي والمجازي على البدل فهو غير جائز أيضا على ما حققناه سابقا من أن جميع الخطابات الشفاهية مجازات إن أريد التغليب وهو كما ترى وإن أريد إستعمال اللفظ في الحقيقي والمجازي على البدل فهو غير جائز أيضا على ما حققناه سابقا وما يقال في دفع ذلك عن أن جميع الخطابات معلقة على شرائط التكليف وهي مختلفة بالنسبة إلى آحاد المكلفين فمن حصلت له يدخل تحته وهذا أمر واحد لا تعدد فيه فلا يلزم إستعمال اللفظ في المعنيين الحقيقي والمجازي ففيه أن التحقيق أن الخطابات المشروطة لا تتعلق بفاقدي الشرائط قطعا كما حققناه سابقا والتعليق لا يصح من العالم بالعواقب وقد بينا في مباحث الاوامر معنى الواجب المشروط فلا نعيد فالخطابات المطلقة لا تتعلق إلا بالواجدين والغرض من التعليق بالشرط هو إعلام الحال وإن الفاقد للشرط إذا صار واجدا فيتعلق به الحكم حينئذ وقد بينا سابقا أن الاصل في الواجبات هو الاطلاق حتى يثبت التقييد بدليل فلم يتعلق المطلقات إلا بمن وجد الشرائط الثانية سواء قارن ذكر الشرط لاصل الخطاب أو ثبت من دليل خارج فثبت لزوم إرادة المعنيين الحقيقي والمجازي في الخطابات المتنازع فيها على ما ذكرت بخلاف الخطابات المشروطة وبطل التنظير والمقايسة وأما الثاني فمعدوم لان المفروض إنتفاء الدليل عليه والاشتراك في أصل التكليف مع كون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوثا إلى الكافة لا يثبت كما لا يخفى ومما ذكرنا يظهر أن القول بأن تلك الخطابات بالنسبة إلى المعدومين من باب المكاتبة والمراسلة إلى (الثاني)؟ فكما أنه يجوز الخطاب

١٧٧

في الكتاب إلى من لا يصل إليه إلا بعد سنة أو أزيد فكذا يجوز للعالم بالعواقب مخاطبة من سيوجد و لو بعد مدة بهذا الكتاب لا وجه له لان الكلام في المكاتبة والمراسلة بعينه هو ما ذكرنا لانها لا تصح إلا إلى الوجود الفاهم إذا أريد منه الطلب الحقيقي وإلا فيكون المراد من المكاتبة أيضا هو العمل على ما يشمله من الاحكام من باب الوصية لا التكلم والتخاطب مع أن إحتمال ذلك لا يكفي ولا بد للمدعي أن يثبت ذلك فإن قلت فإذا إمتنع الخطاب ولو على سبيل المجاز فما الذي يثبت التكاليف للمعدومين حين وجودهم وبلوغهم قلت أخبر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنهم إذا وجدوا يصيرون مخاطبين مكلفين بهذه الاحكام وأخبر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلفائهعليهم‌السلام وهكذا ولا يلزم من ذلك إخبار المعدوم وحتى يلزم محذور القبح السابق الوارد في خطاب المعدوم لان ذلك إخبار الموجود بحال المعدوم وذلك معنى إدعائهم الاجماع على الاشتراك فالحاصل لا نقول بمخاطبة المعدومين بهذه الخطابات لا حقيقة وإلا مجازا بل نقول بإشتراكهم معهم في الحكم بدليل آخر من الاجماع و الضرورة والاخبار الواردة في ذلك المدعى فيها التواتر من غير واحد فإن قلت لو قلنا بجواز شموله للمعدومين مجازا بمعنى إخبار الموجودين بأن المعدومين مكلفون بذلك بقرينة إشتراكهم في التكليف الثابت بالاجماع والضرورة أو قلنا بعدم شموله أصلا وقلنا بالاشتراك من دليل آخر مثل الاجماع والاخبار الواردة في ذلك فأي ثمرة للنزاع بين القولين بكونه حقيقة في الاعم أو مجازا في خطاب الملفق من الموجود والمعدوم أو عدم الشمول أصلا وثبوت الاشتراك من الخارج قلت يظهر الثمرة في فهم الخطاب فإن خطاب الحكيم بما له ظاهر وإرادة غيره بدون قرينة قبيح فإن قلنا بتوجه الخطاب إلى المعدومين فلا بد لهم من أن يبنوا فهم الخطاب على إصطلاحهم وليس عليهم التفحص عن إصطلاح زمن الخطاب بل ولا يجوز لهم ذلك بخلاف ما لو إختص الخطاب بالحاضرين فيجب على المتأخرين التحري والاجتهاد في تحصيل فهم المخاطبين وطريقة إدراكهم ولو بضميمة الظنون الاجتهادية ومنها أصل عدم النقل وأصل عدم السقط والتحريف وعدم القرينة الحالية الدالة على خلاف الظاهر و أمثال ذلك وربما يذكر هنا ثمرة أخرى وهو أن شرط إشتراك الغائبين للحاضرين في الشرايع والاحكام مع قطع النظر عن الورود بخطاب الجمع هو أن يكونا من صنف واحد فوجوب صلاة الجمعة مثلا على الحاضرين مع كونهم يصلون خلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو نائبه الخاص لا يوجب وجوبه على الغائبين الفاقدين لذلك لاختلافهم في الصنف من حيث أنهم مدركون للسلطان العادل أو نائبه بخلاف الغائبين فعلى القول بشمول الخطاب للغائبين يمكن الاستدلال بإطلاق الآية

١٧٨

على نفي إشتراط حضور الامامعليه‌السلام أو نائبه بخلاف ما لو إختص بالحاضرين لانهم واجدون للسلطان العادل أو نائبه فلا يمكن التعدي عنهم إلى الغائبين الفاقدين لاختلافهم في الصنف وأنت خبير بما فيه إذ إعتبار الاتحاد في الصنف لا يحده قلم ولا يحيط ببيانه رقم وإحتمال مدخلية كونهم في عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أنهم كان صلاتهم خلفه وأمثال ذلك في الاحكام الشرعية وحصول التفاوت بذلك وعدم الحكم بإشتراك الغائبين معهم من جهة هذه المخالفة والتفاوت مما يهدم أساس الشريعة والاحكام رأسا كما لا يخفى ومدخلية حضور السلطان أو نائبه فيما نحن فيه على القول به إنما هو من دليل خارج من إجماع أو غيره فحينئذ نقول لو أورد على القول بإشتراط السلطان أو نائبه بإطلاق الآية واستدل به على إبطال الاشتراط أن وجه عدم التقييد في الآيه بهذا الشرط كون الخطاب مختصا بالحاضرين وورود الآية مورد الغالب وهو حصول الشرط يومئذ فالواجب بالنسبة إليهم مطلق بالنظر إلى هذا الشرط نعم لو كان الخطاب شاملا للغائبين لتم الاستدلال بإطلاق الآية في دفع الاشتراط للزوم القبيح بإيراد المطلق وإرادة المشروط والحاصل أن القول بأن الاجماع ثبت على الاشتراك إلا فيما وقع فيه النزاع لا معنى له إلا لزوم إدعاء الاجماع في كل واحد واحد من المسائل المعلوم إشتراك الفريقين فيها والقول بأن شرط الاشتراك إتحاد الصنفين المستلزم لبيان أمر وجودي هو ما به الاشتراك بينهما لا يمكن تفسيره بأن المراد أن الفريقين مشتركان إلا ما وقع النزاع فيه فيكون كل ما لم يقع فيه النزاع صنفهما متحدا وما وقع فيه النزاع مختلفا فتحقيق المقام أن المستفاد من الادلة هو ثبوت الاشتراك مطلقا ولزوم إدعاء الاجماع بالخصوص في كل واقعة واقعة مجازفة والواجب المشروط مطلق بالنسبة إلى واجد الشرط ومقيد بالنسبة إلى الفاقد ولا مدخلية في ذلك لزمان الحضور والغيبة من حيث هو فلو وجد الغائب الشرط يصير الواجب بالنسبة إليه مطلقا كما لو فقد الواجد في زمان الحضور وقد يتحصل الشرط بنفس زمان الحضور فيظن أن التفاوت إنما كان من جهة زمان الحضور وإن ذلك صار سببا لاختلاف الصنف فلو فرض في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اسر جماعة من المسلمين بغتة في أيدي الكفار وإذهابهم إلى بلاد الكفر من دون رخصتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إياهم في صلاة الجمعة فلا ريب أنه لا يجب عليهم صلاة الجمعة حينئذ على القول بالاشتراط ولو فرض ظهور صاحب الزمان صلوات الله عليه واليوم أو نائبه الخاص فلا ريب أنه يجب على من أدركه إقامة الصلاة فآل الكلام إلى أن الفارق والموجب لعدم الاشتراط هو وجدان الشرط وفقدانه لا الغيبة والحضور فبعد ثبوت الاشتراط لا فرق بين القول بشمول الخطاب للمعدومين وعدمه فالكلام إنما هو في إثبات الاشتراط

١٧٩

وعدمه وكون مجردا إحتمال مدخلية كونهم مدركين خدمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلين خلفه مثبتا للشرط كما ترى إذ أمثال ذلك مما لا يحصى ولم يقل أحد بذلك في غير ما نحن فيه وبعد تسليم الشرط فلا فرق بين الفريقين نعم على القول بالاشتراك مطلقا بمعنى أن الواجب مطلق مع وجود الشرط مطلقا ومشروط مع فقده مطلقا ولكن وقع النزاع في ثبوت الشرط فإذا إستدل النافي للشرط على المثبت بإطلاق الآية فيمكنه حينئذ الرد بأن الخطاب مخصوص بالحاضرين مجلس الخطاب والاطلاق بالنسبة إليهم لعله لكونهم واجدين للشرط حين الخطاب ونحن فاقدون له فلا يجب علينا ولو كان الخطاب مع الغائبين أيضا لكان واجبا مطلقا لقبح الخطاب عن الحكيم بما له ظاهر وإرادة خلافه فالمستدل بإطلاق الآية يريد نفي الاشتراط مطلقا والمجيب بأن الخطاب مخصوص بالحاضرين يريد رفع دلالة ذلك على ما إدعاه لا إثبات الاشتراط من كون ذلك خطابا للحاضرين وهو صنف مخالف للغائبين فلا بد للمستدل للاشتراط التمسك بدليل آخر فإذا عورض ذلك الدليل بهذا الاطلاق فيجاب بان الاطلاق ليس متوجها إلى الغائبين فرجع الثمرة إلى فرع من فروع الثمرة الاولى وهو أن الخطاب إذا كان مع الغائبين فيجب أن يعملوا على مقتضى ظاهر الخطاب وهو الاطلاق كالحاضرين بخلاف ما لو لم يكن كذلك وبالجملة حاصل مراد من ذكر هذه الثمرة بعد تفسير إشتراط إتحاد الصنف بعدم كونه مما وقع النزاع فيه أو وقع الاجماع الاجماع على عدم الاتحاد أنه لا نزاع أن صلاة الجمعة مثلا واجبة على المشافهين لانهم كانوا يصلون مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى كل من هو مثلهم في وجوب المنصوب من المعدومين فهم مشاركون لهم إلى يوم القيامة فالقدر المسلم من الاجماع هو ذلك وأما المعدومون الفاقدون لذلك فلا إجماع على مشاركتهم فحينئذ يثمر القول بشمول الخطاب للمعدومين فعلى القول به يثبت الوجوب عليهم أيضا من غير تقييد بوجوب المنصوب لاطلاق الاية ويرد عليه أن المعيار في المشاركة إذا كان وهو الاجماع فلا ريب أن القدر المسلم الثابت للمشافهين من وجوب الصلاة هو ما داموا واجدين للصلاة خلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من ينصبه فإذا فقد هؤلاء المشافهون ذلك المنصب بمسافرتهم أو ممنوعيتهم عن ذلك بمثل فوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغير ذلك فلاريب انه لا إجماع على مشاركتهم حينئذ مع المدركين فهم مشاركون للفاقدين من المعدومين فإذا أثمر القول بشمول الخطاب للمعدومين وجوب الصلاة على الفاقدين منهم أيضا لاجل العموم فلا بد أن يثمر القول بإختصاص الخطاب للموجودين وجوبها على الفاقدين منهم أيضا لاجل العموم فيصير هذا من ثمرات الاطلاق والتقييد والتعميم والتخصيص في الخطاب لا من ثمرات التعلق بالغائبين أو

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401