ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب13%

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 433

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب
  • البداية
  • السابق
  • 433 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182715 / تحميل: 10294
الحجم الحجم الحجم
ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

٥

٦

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلَّى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد :

فإن وقائعَ وأحداثَ الطف الدامية استأثرت باهتمام المؤرخين وأصحاب السير مُنذ الأيام الاُولى لواقعة الطف ، حتى قيل إنه كان في معسكر عمر بن سعد مَنْ كانت مهمتُه مقتصرةً على تسجيل تلك الوقائع ، ومن هنا استوعبتها الكثير من كتب التاريخ والسيرة ، ومعظم المؤرخين ذكروا هذه الواقعة الأليمة جملةً وتفصيلاً ، واهتموا بدراستها واستكشاف دوافعها وأسبابها وما فيها من دروس وعبر وما تركته من آثار ونتائج على مختلف الأصعدة ، واعتبروها أهمَ حدثٍ جرى منذُ عام ٦١ ه‍ بل أعظم حدث مأساوي في تاريخ الأمة الإسلامية حيث مقتل ابن بنت نبي الأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن خلال نظرة عابرة إلى كثرة ما أُلّف في سرد وقائع هذه الحادثة الأليمة من الكتب المعنية بدراستها فقط ككتب المقاتل ، وما أعطته الكتب التاريخية العامة وكتب الحديث لهذا الفصل من تاريخ الإسلام من أهمية ، ناهيك المقاتل المخطوطة التي لم يُقدَّر لها حتى الآن أن تطبع وتنشر ، تبدو الأهمية الكبرى لهذه الواقعة في أنظار الباحثين والمؤرخين وأصحاب السير والتراجم.

ومن الملاحظ أن أصحاب السّير والمؤرخين ذكروا جُلَّ وقائع هذه الحادثة الأليمة ، منذ خروج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة المنورة في شهر رجب إلى يوم العاشر من محرم الحرام والأحداث التي تلت المقتل ، ولم يتناسوا الليلةَ

٧

الأخيرة من حياتهعليه‌السلام وسجّلوا ما أمكنهم من وقائعها وأحداثها ، وإن كان بعض المؤرخين أهملها أو ذكرها في غاية الإختصار.

فاسترعى ذلك اهتماميَ الشديد في أن أعطي هذه الليلة بعض حقّها من عَرض وقائعها وحوادثها وما يرتبط بها بشيء من التفصيل ، ولما في هذه الليلة من أحداث ومواقف يجدر الوقوف عندها ودراستها بإمعان ، إذ هي الليلة الأخيرة من حياة الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء ، وليلة في منتهى العظمة ، قُدّر لها أن تبقى خالدةً بما فيها من عِبَر ودروس ومأساة ومواقف مشرفة ، فيجدر الاهتمام بالبحث والتمحيص في وقائعها وأحداثها والمعرفة الكاملة بما جرى في طياتها ، ولذا لا ننسى هنا تأكيد الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام الشديد في إحياء هذه الذكرى الأليمة والنظر إليها بعين الإعتبار.

ومن هنا قمت بجمع ما وسعني جمعه وإعداده من وقائع وحوادث هذه الليلة العظيمة وتنظيم تسلسل أحداثها وما جاء فيها من مواقف مُشرّفة ، وما جاء فيها من الأحاديث الشريفة وما يرتبط بها ، وتناولت أيضاً جانباً دراسياً عن أبعادها الدينية والأخلاقية وغيرهما من المواقف والأبعاد والتي يَجدُر الوقوفُ عندها والتأمل فيها والاستفادة منها ، فكان هذا هو القسم الاول :( ليلة عاشوراء في الحديث ) والذي يشتمل على الأمور التالية :

١ ـ الوقائع والأحداث

٢ ـ أعمال ليلة عاشوراء

٣ ـ الأبعاد المستوحاة من ليلة عاشوراء

وبما أنّ كتابنا هذا قد خُصّ بذكر ليلة عاشوراء في الحديث رأيت من الضرورة بمكان أن أتناول ليلة عاشوراء في الأدب ، فقمت بجمع ما تسنّى لي جمعه من قصائد وأشعار في ما يخصها ويرتبط بها ، كما إني التمست من إخواني

٨

الأدباء والشعراء المشاركة بما تجود به قرائحهم الوقّادة بما يناسب هذه الليلة حدثاً وموقفاً وتسليط الأضواء عليها ـ تخليداً لهذه الذكرى الأليمة ـ وقد رتبت تسلسل القصائد على حسب الحروف الهجائية لأسماء الشعراء الأولى ، مع دراسة نقدية أيضاً حولها بقلم الأستاذ الأديب ثامر الوندي وذلك لأهمية مثل هذه الدراسات ، فكان هذه هو القسم الثاني( ليلة عاشوراء في الأدب ) والذي يشتمل على الأمور التالية :

١ ـ من خصائص الأدب الشيعي وميزاته.

٢ ـ أهمية النقد الأدبي الموضوعي.

٣ ـ مرايا ليلة عاشوراء ( دراسة نقدية ).

٤ ـ القصائد في ليلة عاشوراء.

وكما لا يفوتني أن أقدم جزيل شكري وامتناني لكل أديب بارع وشاعر مبدع استجاب معي في المشاركة في هذا العمل الحسيني.

كما آمل أني قدمتُ بذلك خدمة متواضعة للمكتبة الحسينية إذ لا زلنا في حاجة ماسة إلى الإطلاع الواسع في هذه الواقعة الأليمة ، والمعرفة التامة بأبعادها ونتائجها ، والارتباط الشديد بها وإحيائها وعدم إغفالها في أي زمان ومكان ، وليتحقق بذلك إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام إذ هو أمرٌ واجبٌ على عاتق كل من يُدين بالولاء الصادق لهم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى.

عبد الله الحسن

الجمعة / ٩ / ١١ / ١٤١٦ ه‍

٩

١٠

١١

١٢

تَمهيْد

في أحداث يوم التاسع

الخيل والرجال تحاصر الحسينعليه‌السلام

جاء في حديث عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام عن يوم تاسوعا ، قال : تاسوعا يومٌ حوصر فيه الحسينعليه‌السلام واصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بكربلاء ، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابَه وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسينعليه‌السلام ناصر ، ولا يمدَّه أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب(١) .

حديث الأمان

روى أصحاب السير أن عُمر بنَ سعد نهضَ إلى الحسينِعليه‌السلام عشيةَ الخميسِ

__________________

(١) الفروع من الكافي للكليني : ج ٤ ، ص ١٤٧ ، بحار الأنوار : ج ٤٥ ، ص ٩٥.

١٣

لتسع مضينَ من المحرم ، وجاء شمرٌ حتى وَقفَ على أصحابِ الحسينِعليه‌السلام فقال : أينَ بنو أختِنا ؟ فَخرجَ اليه العباسُ وجعفرٌ وعبد الله وعثمان بنو عليّعليه‌السلام .

فقالوا له : ما لكَ وما تريد ؟ قال : أنتم يا بني أختي آمِنون ، قال له الفتية : لعنكَ اللهُ وَلعنَ أمانَكَ ، لئن كُنتَ خالنَا أتؤمِنُنا وَابن رسولِ اللهِ لا أمان له ؟

الحسين يرى جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال : ثُمَّ إن عُمرَ بنِ سعدٍ نادى : يا خيلَ الله اركبي وَأبشري فركب في الناسِ ثُمَّ زَحفَ نَحوهم بعدَ صلاةِ العصرِ وحسينٌعليه‌السلام جالسٌ أمامَ بيتهِ مُحتبئٌ(١) بسيفهِ إذ خفقَ برأسه على ركبتيه ، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها ، فقالت : يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت.

قال : فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه فقال : إني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقال لي : إنك تروح إلينا ، قال : فلطمت أخته وجهها وقالت : يا ويلتا ، فقال : ليس لك الويل يا أختي ، اسكني رحمكِ الرحمن.

وفي رواية السيد ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ قال : وجلس الحسينعليه‌السلام فرقد ثم استيقظ ، فقال : يا أختاه إني رأيتُ الساعةَ جدي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي علياً وأُمي فاطمة وأخي الحسنعليهم‌السلام وهم يقولون : يا حسين إنك رائح الينا عن قريب ، وفي بعض الروايات غداً(٢) .

__________________

(١) احتبى الرجُلُ : جمع ظهرَهُ وساقيهِ بثوب أو غيره المصباح المنير للفيومي : ص ١٢٠.

(٢) اللهوف لابن طاووس : ص ٣٩ ، بحار الأنوار : ج ٤٤ ، ص ٣٩١.

١٤

العباسعليه‌السلام يكلم القوم

وقال العباس بن عليعليه‌السلام : يا أخي أتاك القوم ، قال : فنهض ، ثم قال : يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم وما بدا لكم ؟ وتسألهم عمّا جاء بهم ؟

فأتاهم العباسعليه‌السلام فاستقبلهم في نحوٍ من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين(١) وحبيب بن مظاهر(٢) ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم وما تريدون ، قالوا :

__________________

(١) هو : زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي ، كان رجلاً شريفاً في قومه ، نازلاً بالكوفة ، وشجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة وقد كان في بادىء أمره عثمانياً ، انضم إلى الحسينعليه‌السلام في الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه ، وكان في المسير ، إذا سار الحسين تخلف زهير وإذا نزل الحسين تقدّم زهير إلى أن اجتمع معه في منزل واحد بغير اختياره ، ثم أرسل إليه الحسين يدعوه وكان على الطعام فبقي كأن على رأسه الطير فقالت له زوجته دلهم بنت عمرو : أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه. ثم ذهب للحسين فما لبث أن جاء مستبشراً ، قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوِّض وحمل إلى الحسين ثم قال لزوجته أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا اُحب أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثم لحق بركب الحسين ، واستشهد زهيرعليه‌السلام بعد صلاة الخوف وأبلى بلاءً حسناً.

راجع إبصار العين للسماوي : ص ٩٥ ـ ٩٩ ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص ٨٨.

(٢) هو : حبيب بن مظهر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد أبو القاسم الأسدي الفقعسي ، كان صحابياً رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نزل إلى الكوفة ، وصحب أمير المؤمنينعليه‌السلام في حروبه كلها ، وكان من خاصته وحملة علومه ومن

١٥

جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فأعرض عليه ما ذكرتم ، قال : فوقفوا ثم قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثم القنا بما يقول ، قال : فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسينعليه‌السلام يخبره بالخبر.

ووقف أصحابه يخاطبون القوم ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين : كلِّم القوم إن شئت وإن شئت كلّمتُهم ؟ فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلّمهم ؟

فقال له حبيب بن مظاهر : أما والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته وأهل بيتهعليه‌السلام وعباد أهل المصر المجتهدين بالأسحار ، والذاكرين الله كثيراً(١) .

فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت !؟

فقال له زهير : يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضَّلال على قتل النفوس الزكية

__________________

شرطة الخميس ، وكان أحد الزعماء الكوفيين الذين كتبوا إلى الحسينعليه‌السلام وأخذوا البيعة له ، ولما نزل الحسينعليه‌السلام كربلاء سار إليه مختفياً والتحق به ، وكان معظماً عند الحسين وأهل بيته ، وذلك لجلالة قدره وعلو منزلته ، وقد حاول جهده في استقدام أنصار من بني أسد إلاّ أن الجيش الأموي حال دون وصولهم إلى معسكر الحسين ، وقد جعله الحسين على ميسرة أصحابه عند التعبئة للقتال ، وجاهدعليه‌السلام مستميتاً إلى أن قُتل ، واحتز رأسه التميمي فهدّ مقتله الحسين ووقف عليه وقال : عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي.

راجع : إبصار العين للسماوي : ص ٥٧ ـ ٦٠ ، تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٣٣٦ ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص ٨١ ـ ٨٢.

(١) وفي الفتوح لابن الأعثم : الذاكرين الله كثيراً بالليل والنهار وشيعته الأتقياء الأبرار.

١٦

قال يا زهير : ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانياً !

قال : أفلست تستدلّ بموقفي هذا أني منهم ؟ أما والله ما كتبت إليه كتاباً قط ، ولا أرسلت إليه رسولاً قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيَّعتم من حق الله وحق رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وأقبل العباس بن عليعليه‌السلام يركض حتى انتهى إليهم.

فقال : يا هولاء إن أبا عبد اللهعليه‌السلام يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر ، فإن هذا أمرٌ لم يجرِ بينكم وبينه فيه منطق فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه وإنما أراد بذلك أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله فلما أتاهم العباس بن عليعليه‌السلام بذلك ، قال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر ؟ قال : ما ترى أنت ؟ أنت الأمير والرأي رأيك.

قال : قد أردت ألا أكون ثم أقبل على الناس ، فقال : ماذا ترون ؟ فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدي : سبحان الله والله لو كانوا من الديلم(١) ثم سألوك هذه المنزلة لكانَ ينبغي لَكَ أن تُجيَبهُم إليها.

وفي رواية السيد ـ عليه الرحمة ـ فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

__________________

(١) الديلم : القسم الجبلي من بلاد جيلان شمالي بلاد قزوين ، وهي من قرى أصبهان بناحية جرجان.

مراصد الإطلاع : ج ٢ : ص ٥٨٠ ، المنجد في الاعلام : ص ٢٩٦.

١٧

فأجابوهم إلى ذلك(١) .

وَقال قيسُ بن الأشعث : أجبهُم إلى مَا سألوكَ فَلعمري ليصبِحنَّكَ بالقتالِ غدوةً فقال : واللهِ لو أعلمُ أنْ يفعلوا ما أخرتهم العشية.

قال : وكانَ العباسُ بن عِليعليه‌السلام حينَ أتى حسيناً بما عرضَ عليه عمرُ بن سِعد قال : ارجعْ إليهم فإنْ استطعت أن تؤخرهم إلى غدوةَ ، وتَدفعهُم عند العشيةِ لعلنا نُصلّي لربِّنا الليلةَ وَندعوه وَنستغفُره ، فهوَ يَعلم أني قد كنتُ اُحبُ الصلاة لَه وَتلاوةَ كتابهِ وَكثرةَ الدعاءِ وَالاستغفارِ.

فاستمهل السبط الطغاة لعلّه

يدعو إلى الله العلي ويضرعُ

فأقام ليلته يناجي ربّه

طوراً ويسجد في الظلام ويركع

وَرويَ عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام قال : أتانا رسولٌ مِنْ قِبل عُمر بن سَعدٍ فقامَ مثلَ حَيثُ يُسمعُ الصوتُ فقال : إنا قَد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سَرحنا بكُم إلى أميرِنا عبيد الله بن زياد وَإنْ أبيتُم فَلسنا تاركيكُم(٢) .

حديث زينب مع أبي الفضل العباسعليهما‌السلام

وذكر البعض حديثاً جرى بين العباسعليه‌السلام وبين اخته زينبعليها‌السلام وذلك بعد رجوعه من محادثة الشمر ، وقد انكر عليه رافضا أمانه الذى جاء به له ولإخوته !

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس : ص ٣٩.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٤ ، ص ٣١٥ ـ ٣١٧ ، نهاية الأرب للنويري : ج ٢٠ ، ص ٣٣٢ ـ ٣٣٤ ، الإرشاد للمفيد : ص ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، بحار الأنوار : ج ٤٤ ، ص ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، العوالم للبحراني : ج ١٧ ، ص ٢٤٣.

١٨

قال : ورجع أبو الفضل العباسعليه‌السلام يتهدرس كالأسد الغضبان استقبلته الحوراء زينبعليها‌السلام وقد سمعت كلامه مع الشمر ، قالت له أخي إنّي أحدثك بحديث ؟ قال : حدّثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث !

قالت : إعلم يا بن والدي لما ماتت أمنا فاطمةعليها‌السلام قال أبي لأخيه عقيل : اُريد منك أن تختار لي امرأةً ، من ذوي البيوت والشجاعة حتى اُصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصّر يا أبا الفضل !

فلما سمع العباسعليه‌السلام كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعهما ، وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعينني وأنا ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟! فلما سمعت كلامه سرّت سروراً عظيما(١) .

بطلٌ إذا ركب المطهَّم خلتَه

جبلاً أشّم يخفّ فيه مطهمُ

بطلٌ تورّث من أبيه شجاعةً

فيها انوف بني الضلالة ترغم

وقد أجاد السيد محمد رضا القزويني حيث يقول :

قرَّت لها عينُ الكريمة زينب

لتراك أهلاً أن تصون خباءَها

فمضت تقص عليك دوراً عاصفاً

فيك الشهامة ما اعتزمت فداءََها

في ليلة طاب الحديث الحلو من

اخت وأنت على الجواد إزاءَها

تروي مصاهرة الكرام بقصة

قد انجبتك ولم تُرد اخفاءَها

فهززت سيفك أن تُطمئن قلبها

بيدٍ تلقت في غد جذاءَها

__________________

(١) ثمرات الأعواد : للسيد علي الهاشمي : ج ١ ، ص ١٦٧ ـ ١٦٨.

١٩

فتصاعدت بيضاء تدعوا ربّها

ألا يَخيبَ السائلون رجاءَها

فتحَّدث التاريخُ عنها أنَّها

ملئت بأسخى المكرُمات عطاءَها

حديث زهير مع أبي الفضل العباسعليه‌السلام

ومثل هذا الحديث حديث أخر جرى بين زهير بن القين مع أبي الفضل العباسعليه‌السلام كما في أسرار الشهادة للدربندي ـ عليه الرحمة ـ قال : أتى زهير إلى عبد الله بن جعفر بن عقيل قبل أن يُقتل ، فقال له : يا أخي ناولني الرّاية.

فقال له عبد الله : أوَفيَّ قصور عن حملها ؟! قال : لا ، ولكن لي بها حاجة ، قال : فدفعها إليه ، وأخذها زهير وأتى فجأةً العباس بن عليعليه‌السلام وقال ! يابن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أريد أن احدثك بحديث وعيته ، فقال : حَدّث ، فقد حلا وقت الحديث.

فقال له : اعلم يا أبا الفضل ، إنَّ أباك أمير المومنينعليه‌السلام ، لما أراد أن يتزوج بأمك اُم البنين ، بعث إلى أخيه عقيل ، وكان عارفاً بأنساب العرب ، فقالعليه‌السلام : يا أخي ، اُريد منك أن تخطب لي امرأةً من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة ، لكي اُصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا ، وأشار إلى الحسينعليه‌السلام ليواسيه في طفّ كربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن إخوانك ؟!

قال : فارتعد العباس وتمطى في ركابه حتى قطعه ، قال : يا زهير ، تشجعني في مثل هذا اليوم ؟ والله لأريَّنكَ شيئاً ما رأيتَه قط(١) .

__________________

(١) أسرار الشهادة للدربندي : ج ٢ ، ص ٤٩٧ ، معالي السبطين للحائري : ج ١ ، ص ٤٣٤ ، مقتل الحسين للمقرم : ص ٢٠٩ بتفاوت.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الأستاذ سلمان الربيعي

قصيدة الربيعي مثبّتة في المتن الشعري كنصٍّ يستحضر بإخلاص وجهد تجربة تدّعي التجارب الشعرية الجديدة أنها قد طواها الزمن لكن الربيعي يراها لا تزال حيّة ونابضة وله الحقُّ في ذلك طالما أن هناك فئات كثيرة من القرّاء لا زالت تستحسن ذلك وتعدّه صحيحاً وتجد في الربيعي من الشعراء مَنْ يُرسّخ ويثبّت هذا الإستصحاب لِما كان في نتاجه الغزير لإثراء هذا التوجه كمّاً ونوعاً.

وللإنصاف فالربيعي من الشعراء المعدودين الذين يواصلون سدّ إحتياجات المنبر الحسيني إلى الجديد من النصوص خطباء ومنشدي عزاء وهو شاعر على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الولاء والقضية الحسينية.

والقصيدة عند الربيعي تعبويّة التوجّه مخطّطٌ لها بإحكام يركن بجدّ إلى معطيات علوم العربية في كلّ تشعّباتها من نحوٍ وصرف وبلاغة وبيان ومعان وعروض ، وأغلب شعره يُرى فيه قابليته لأن يكون شاهداً من شواهد العلوم.

فالربيعي يستعرض ما تعلّمه من فنون وعلوم في شعره وخصوصاً في تفريعات العلوم اللغوية ويرى فيه نوعاً من الإنتماء إلى الأصيل والثابت الذي يشكّل هويته الشعرية والذي يُخلص في الالتحام به على الرغم من كون هذه النظرة نظرة تراثية إلى التراث نفسه ، لكن الربيعي يحتمي تحت سقفها وله فيها كل الحق.

ولا زلت أرى في خروجه على طوق النظم في بحر الكامل ـ الأثير لديه ـ وتثبيت هذا الخروج إنفتاحاً على إمكانات بنائية تمنحها الأبحر الأخرى للربيعي الذي بدأ ذلك في مجموعته الشعرية الثالثة ـ طيف الوطن ـ ولكن بحذرٍ شديد وتوجس.

٢٦١

12 ـ للشاعر الأستاذ شفيق العبادي(1)

إلى سيدتي الذكري

أطلّي ...

فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين

وجئنا على الوعد يا امرأةً زادُها الحزنُ والذكرياتْ

لأبنائها الراحلينْ

مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ

لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ

وننثُرها بين كفّيك يُنبوع ماءْ

قرابينَ

لكنها ...

ـ يالفرط البلاهة ـ

من أحرف مطفآت

لكيما ...

__________________

(1) هو : الشاعر الأستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة 1385 ه‍ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظّفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ، يكتب الشعر والمقالة والقصة وينشر نتاجه الأدبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الأدبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.

٢٦٢

تُضمّد أحزانها وتطيرْ

وتبقين وحدك في وحشة الدرب

ترعين غرس الدماءْ

* * *

ولكنه العشق سيّدتي فاعذريني

إذا ما خدشتُ حياء القصيدةْ

فجاءتْك ترقص في موكب الحزن مأنوسة بالجراحْ

وقد راح غيري يروّيك بالأدمع الخاثراتْ

ففي حضرة الوجد مَنْ ذا يُطيق إغتصاب الحروفْ ؟

* * *

إذا ما انتحيت عن السرب حلّقتُ وحدي

أُعير جناحيَّ للريح كيما تحلّقَ بي للفضاءْ

فلا أُفق غير العيون المليحات يستوطن الشعرَ

لا شيء يُطرب هذا اليراع المعنّى

سوى لغةٍ منكِ تُذكي لظاهْ

ليرحلَ نحو النجومِ البعيدةْ

٢٦٣

ويبحثَ عن لغةٍ طعمُها العشقُ

عن لغةٍ لونُها العشقُ

كي يستعير القوافي

ليستلهم الذكريات العذارى

ويروي الحروف الظماءْ

ويعزف من وجع القلب ذكرى هواهْ

وذكرى صباهْ

وذكرى الليالي الجميلةْ

فأنت العيون التي ألهمت ريشتي كلّ هذا الغناءْ

* * *

وأنت العيون التي شاغلتني خطاها طويلاً

وأوسعتها غزلاً

ذبتُ فيها جوى

سرتُ من أجلها في دروب المنافي

تأرجحت فوق حبال المشانقِ

خالفت في شرعة الحب كلّ القوانينِ

عارضت كلّ رجالِ القبيلةْ

فلولاكِ ..

٢٦٤

لولاكِ ..

يا حلوتي ما تجشّمتُ هذا العناءْ

* * *

وسافرتُ بين سواحلها الزرق

أبحث عن نورس أنكرتْه الشواطئُ

ضاقت بعينيه كلّ الدروبْ

وقصَّ جناحيه بردُ المدينةْ

جزيرتُه في أقاصي البحار

وأعراقُها في حنايا السماءْ

يجيء على فرس الريح في كلّ عامٍ اليها

ليُسمِعها الأغنيات الحزينةْ

ويحمل ما بين عينيه ذكرى جديدةْ

لملحمة الكبرياء

ليغرس

أعشاشها في الذرى

ويرحل عنها لُقىً في العراءْ

شفيق العبادي

20 / 2 / 1417 ه‍ تاروت

٢٦٥

الأستاذ شفيق العبّادي

شفيق العبّادي حسٌّ نابض بحيوية العاطفة وصدقها ، بجرأة المواجهة يُغنّي موّالاً مفرداً بأسى عميق لكن بلا دموع ، فهو يحتفل بحزنه الخاص على طريقته الخاصة أيضاً ، لذا فهو يعزف تحت شرفة الذكرى ، يعزف على أوتار الشوق اليانع والحنين المعطّر لكي تُطلّ عليه الليلة بحزنها وذكرياتها ليتمّ لقاؤه بها ، فينثر بين كفيها قصائده النابعة من القلب بأحرفها المطفآت ليعبّر لها عن الخيبة والمرارة لأنه صادق العواطف لكنّه يصاب بالبله أمام جلالها الآسر فلا يمنحها إلاّ خواء قصائده التي تضمّد أحزانها بعد اللقاء وتطير في سماواتها لتبقى الذكرى وحدها في عمليةٍ مستحيلة لغرس الدماء.

ويرجع العبّادي ثانية ليعزف على وتر آخر هو وتر العشق ليرقّص قصيدته المخدوشة في حيائها في الموكب العام للحزن ، في الإحتفالية الجماعية بقدوم الذكرى.

يحس العبّادي بتفرده فيسلك سلوكاً مغايراً للسائد والمتعارف وكل ذلك بسبب من علاقة حضور صوفيّة أسماها ( الوجد ) تضيع فيها اللغة وتعود للحروف بكارتها الاولى فلا يستطيع الواجد الصوفي أن يرى إغتصاب الحروف فيلجأ إلى نوع من الصمت الناطق بالحيرة والذهول والتفرّد والإنتحاء عن السرب والتحليق المنفرد التائه لأنه يعير أجنحته للريح لضياع أمكنته فلا أفق له ، لكن عيون الذكرى تستوطن الشعر وتشعل إنطفاءاته ليبتدئ البحث عن لغةٍ حسيّة بطعم العشق ولونه

٢٦٦

فتكتمل أدوات الشاعر ليعزف على وتر الوجع ، تكتمل أدوات الفن كلّها ، ريشة ملهمة تغنّي ووتر يعزف ، ويبدأ عزف آخر على وتر الغزل لتنكشف تضحيات الشاعر وعناؤه وذوبانه ثمّ نفيه ثم بحثه عن قناع يندرج تحت ظلاله فيجده في نورسٍ منفيّ تنكره بيئته البحرية وتمنعه المدن بظواهرها غير الطبيعية من الطيران فيعاني غيبة وانقطاعاً عن المكان ، لكنه يتواصل مع الذكرى تواصلاً حياً دفّاقاً ، له موعدٌ محدّد يجدّد الذكرى التي يحملها ما بين عينيه ويغرس حنوّه والتحامه معها ثم يرحل أيضاً.

والعبّادي يحاصر تجربته بجوّ محزنٍ حادّ ويمسحها بجناح رومانسي محلّق ويطوّع نَفَساً ونبرة إيقاعيتين متبادلتين ومتعامدتين في تتابع مقاطع القصيدة ، فمع أفقية النَفَس ( الذي لا يفارق القافية بيسرٍ بل يختم مقاطع القصيدة بقافيةٍ همزيةٍ متكرّرة ـ الدماء ، الفناء ، العناء ، العراء ـ وهذه الظاهرة فيها بصمات الإكثار من النظم على طريقة العمود ) تقفز تلك النبرة المتخفية لتلملم شتات التداعيات ليسلم تأمله الشارد من أضطرابات اللاشعور الذي يكشف رغبات وأماني الشاعر المكبوتة في تجاوز الألم التقليدي وإكتشاف شعائر أخرى للتعامل مع المتخيَّل عند الجماعة ، فهو تجنّب السطحية والتقريرية والمباشرة لصالح الغموض وعَمَه الرموز الذي قد يؤدي إلى العجز عن تصوّر أو تشكيل رموزه عند المتلقّين مما يحقّق فجوة عريضة على مستوى التوصيل.

٢٦٧

13 ـ للسيد ضياء الخباز(1)

(1)

صفحات من مسرح الدم

حرّكَ الليل سيفَهُ الأمويّا

يَرسمُ الصبحَ مسرحاً دمويّا

يطعنُ النجمَ والدراري اغتيالاً

غاضَهُ الأفقُ مُذ بدا قمريا

فتلقتُه أنجمٌ زاهراتٌ

سكبت فيه نورَها العلويا

نحتتهُ النجومُ ليلاً منيراً

تحسدُ الشمسُ نورَه السرمديا

ثم غنّتهُ للّيالي نشيداً

ملأ الأفقَ صرخةً ودويا

إنَّ لحناً به الحسينُ تغنّى

سوفَ يبقى على المدى أبديّا

* * *

خيّمَ الصمتُ والحسينُ هديرٌ

أرهبَ الصحبَ منه ذاكَ المُحيّا

واستدارت حروفُه في شِفاهٍ

تصهرُ الروحَ عزمةً ومضيّا

__________________

(1) هو : الخطيب الفاضل السيد ضياء السيد عدنان الخباز ، ولد سنة 1396 ه‍ في القطيف ، وفيها درس المقدمات الحوزوية والتحق بحوزة قم المقدسة سنة 1415 ه‍ ولا يزال يواصل دراسته العلمية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية ومن تأليفه 1 ـ كتاب صفحات مشرقة من حياة الإمام السبزواري 2 ـ مجموعة شعرية في المناسبات وغيرها 3 ـ كتابات أُخرى.

٢٦٨

قال « اُفٍّ » وليته لم يقلْها

فبها ظلّ دهرُنا أمويا

ويدُ الموتِ خلفَهُ تنسجُ الموتَ

طريقاً إلى العُلى دمويا

قبّلتْها أنصارُه في هيامٍ

وجدوا الموتَ في الحسينِ هنيّا

قرأوا في الدماءِ جناتِ عدنٍ

صاغها اللهُ مرفأً أزليا

فمضَوا للخلودِ في زورق الطفّ

وخاضوا نهر الدماءِ الزكيا

ما ألذّ الدماء في نُصرةِ الله

إذا كان نبعُها حيدريّا

* * *

وتلاقتْ على الهدى بسماتٌ

لم يرعْها موتٌ يلوحُ جليّا

ضحكوا يهزؤون بالموتِ شوقاً

للقاءٍ يحوي الإمامَ عليّا

وانبروا للّقاء في سكرةِ الحُبّ

الإلهيِّ بالصلاة سويّا

وانقضى الليلُ وهو يرسمُ صبحاً

نحتَ اللهُ شمسَهُ في الثريّا

أطفأتْ وهجَهُ السيوفُ فما

زالت رماداً ولم يزل هو حيّا

ضياء الخباز

19 / شوال / 1416 ه‍

٢٦٩

(2)

فصول من قصة الحسينعليه‌السلام

وغفا الليل في عيون الصحارىٰ

يتخفّىٰ في جفنها إعصارا

والعيونُ السمراءُ كانتْ رماداً

وهو تحت الجفون كان جِمارا

وإذا أقبلَ الصباحُ سيمت‍

‍دُّ ضباباً يخفىٰ لهيباً ونارا

فأعدَّ الحسينُ سيفاً من النور

ونحراً وثلةً أقمارا

هاتفاً يا ظلامُ ( أُفٍ ) فكم أطفأ

تَ فجراً وكم نحرتَ نهارا

ولقد آنَ أن تموت لتحيا

فوقَ أشلائِكَ الشموسُ العذارى

* * *

قصةُ الليل والحسين حَكاياتُ

جراحٍ تفجّرتْ أنهارا

قصةٌ لم تزل تتوّجُ عرشَ الفجر

نوراً وللشموس مدارا

فبها ينفخ الحسينُ فتسري

في شرايينها الحروفُ سكارى

قصةٌ صاغها الحسينُ ولولا

زينبٌ ما تمخّضتْ إعصارا

* * *

ورنت زينبُ البطولة في كفّ

أخيها سيفاً ونوراً ونارا

٢٧٠

يوقد النارَ للألى طعنوا الشمس

ونوراً للتائهين الحيارىٰ

يعزفُ الموتَ للحياةِ وكان

السيفُ في وحي صمته قيثارا

قرأت في عينيه من لغة الدمّ

حروفاً قد عاهدتُه انتصارا

ورأته يبني الشموخَ على أطلالِ

جُرحٍ لم يعرف الإنكسارا

ويريقُ الشريانَ شلالَ هديٍ

كانَ ينسابُ من يديه بحارا

فانبرت والرمالُ تسبقُها خَطواً

إلى الشمس قبل أن تتوارىٰ

إيهِ يا شمسُ لا تموتي فإنّا

ما ألفنا من غير شمسٍ نهارا

إن عزمتِ على الغروب فردينا إلى

موطن إشراقك لنحياكِ ثارا

وهنا المسرحُ الحسينيُّ قد

أسدل ستراً وأطفا الأنوارا

ضياء الخباز

25 / 10 / 1417 ه‍

٢٧١

السيد ضياء الخباز

إعلان الشاعرية أمام ساحة التلقي شيءُ ، ومواجهتها للجهد النقدي فحصاً وإختباراً شيءٌ آخر ، بمشاركتين يثبت السيد ضياء الخباز بدايته كسائر في طريق الإبداع الشعري الطويل ، زوّادته الولاء والحب والعشق الإلهي ، وأدواته الألفاظ الرقيقة والتراكيب الرشيقة والصور الخلاّبة المشرقة ولعلّ في قصيدتيه أصداء من الآخرين نجح في إخفائها بتفوّقٍ ظاهر مما يحقق لديه نتائج قراءاته وإصغائه في شكلٍ يتداخل فيه نصّه الشعري مع نصوص الآخرين الشعرية في عملية تلاقحٍ منتج تفيد تجربته الواعدة وتغنيها فنرجو منه أن لا يستسلم لعوامل الإحباط والخيبة ، فالعملية الشعرية عسرة المخاض والولادة ولاتتأتّى لصاحبها بالهيّن من الجهد بل بالمثابرة والتواصل والمتابعة المستمرة.

ونحن نترك للقرّاء إكتشاف هذه الموهبة الواعدة من خلال نصّيه المدرجين.

٢٧٢

14 ـ الشيخ عبدالحسين الديراوي(1)

ليلة الحداد

يا ليلَ عَشرِ محرمٍ ألبستنا

ثوبَ الحدادِ فكلُّنا مثكولُ

وافيتنا بالنائباتِ وإنَّها

أمرٌ على كلِّ النفوس ثقيلُ

فجَّرْتها يومَ الطفوفِ عظيمةً

منها ربوعٌ قد بكت وطلولُ

حاربتَ مَنْ في فضلهم دون الورى

نطق الكتابُ ونوّهَ الانجيلُ

لما رأيتَ ابن النبي ونورَه

( عُرضُ الدُنى فيه زها والطولُ )

أمَّ العراقَ بِفتيةٍ من أهله

ليُقيمَ أمراً قد عراه خمولُ

أثقلتَ كاهلَه بها وأعَقْتَه

من أن يحقّقَ ما هو المأمولُ

ورميتَه بسهام غدرٍ ما ابتلى

فيها وصيٌ قبلَه ورسولُ

خَذَلَتْه أقوامٌ تسابقَ رُسْلُهم

منهم مُريحٌ عنده وعجولُ

برسائلٍ مضمونُها وحديثُها

أن ليس غيرُك للنجاةِ سبيلُ

إنّا لأمرك طائعون فقم بنا

فإلامَ يحكم في البلاد جهولُ

عجِّل فدتك نفوسُنا فكبيرُنا

وصغيرُنا لك ناصحٌ ووصولُ

__________________

(1) هو : الخطيب المعاصر الشيخ عبد الحسين عبد السادة الديراوي ولد في خوزستان وسلك في عداد خدّام المنبر الحسيني كما درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة والأهواز ، وله ديوان شعر شعبي ( مطبوع ) أغلبه في واقعة الطف وله مشاركاتٌ في المناسبات الدينية وغيرها.

٢٧٣

تالله إن لم تستجب لندائنا

فالدينُ دين أميّةٍ سيؤولُ

ومن المدينة حين راح يحفّه

مَنْ مالَهم في العالمين مثيلُ

قد نُزِّهوا عن كل ما من شأنهِ

يُوري فهم لذوي العُلا إكليلُ

نزلوا بأرض الغاضرية فازدهتْ

من نورهم ليت المقام يطولُ

باتوا وبات ابن النبي كأنَّه

بدرُ السماء وذالكمْ تأويلُ

أحيىٰ وأحيوا ليلَهم بتضرّعٍ

وتبتُّل وعلا لهم تهليل

وغدا يودّعُ بعضُهم بعضاً فما

أحرى بأن يبكي الخليلَ خليلُ

حتى إذا ولَّى الظلامُ وأصبحوا

أُسداً تجول على العدى وتصولُ

شهدت ببأسهم الفيالقُ إذ رأتْ

موتَ الزؤام له بهم تعجيلُ

فكأنَّ يومَ النفخ آن أوانُه

وبه الموكّل أُعطيَ التخويلُ(1)

منهم تهيَّب جيشُ آل أميةٍ

وعرا الجميعَ تخاذلٌ وذهولُ

وَعَلَيهِمُ حام القضا فدعاهُم

داعي المنونِ وإنَّه لعجولُ

فهووا على حرِّ الصعيدِ وبعدَهم

نُكِبَ الهدى إذ ربُّه المثكولُ

أمَّ الخيام إلى النساء معزِّياً

ومودِّعاً فبدا لهنَّ عويلُ

وغدا يُسَلِّي الثاكلاتِ وهكذا

حتى هَدَأنَ فقام وهو يقولُ

(مَنْ ذا يُقدّمُ لي الجوادَ ولامتي

والصحبُ صرعى والنصيرُ قليلُ)

__________________

(1) في القيامة اقواءٌ واضح.

٢٧٤

15 ـ للشاعر الشيخ عبد الله آل عمران(1)

الليلة الخالدة

خَيَّمَ الليل والذوي صقيعُ

وسجودٌ وشاحُهُ وركوعُ

وجه السبطُ محورَ القلب يدعو

بالعباداتِ قدرَ ما يستطيعُ

ودعا اللهَ سيدُ الكون يرنو

أن يطيل الظلامَ ربٌّ سميعُ

خَيَّم الليلُ فالعبادة وهجّ

يتمنى أن لا يضيء الصديعُ

لا لأن الرحيل صعبٌ ولكن

عشق النسك فالفراق مروعُ

حيث لو خيَّروه بين جنان

أو رجوع لها لقال : الرجوعُ

* * *

قال يا صاحب إننا سوف نمضي

للمنايا وليس منها منيعُ

فانظروا كيف تصنعون فكلٌ

في اختيار إذا عصى أو يطيعُ

فتلقوه بالصمود ونادوا

يا ابن بنت النبي نحن الدروع

__________________

(1) هو : الشاعر الشيخ عبد الله بن أحمد بن مهدي آل عمران ، ولد سنة 1390 ه‍ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل دراسته الأكاديمة ، وحاز على شهادة البكالوريوس في العلوم الادارية من جامعة الرياض ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية الدينية.

٢٧٥

فامض : فينا فان أرواحنا تف‍

ديك حتى يسيلَ النجيعُ

قال : قد هوَّم الظلامُ فهبّوا

نحو إحيائه فلبى الجميعُ

فَهُمُ بين قارئٍ ومصلي

في اشتياقٍ وقد براهمْ خضوعُ

هكذا كان ليلُهم في وداعٍ

ولذا ما غشي العيونَ هجوعُ

* * *

ها هنا فرقتان فالسبط والآ

لُ وسربالُها التقى والخشوعُ

وبنو الحقد والنفاق وتبدو

في نفوس وقد غشاها الخنوعُ

هذه أنفسٌ من القدس صيغتْ

ونفوسُ الأعدادِ بناها وضيعُ

وهنا العزُ والبسالةُ روحاً

وهمُ ساقهم جبانٌ جزوعُ

وهنا عفةٌ وصدقٌ وحلمٌ

وهناكَ الدها وغدرٌ فظيعُ

وهنا للفداء عنوانُ حقٍ

وهناك فنُ القذارات ريعُ

وهنا العطف والحنان تسامى

وهم ما نجى ـ لديهم ـ رضيعُ

وهنا تزدهي الصراحةُ شمساً

وهم خادع له مخدوعُ

هذه صفحةٌ من الطُهر صيغت

وعلى تلكم الهوى والميوعُ

واشترى الله أنفساً طاهراتٍ

لا تحابي بمبدأ أو تبيعُ

ها هم الصحبُ بالوفاءِ تسمّوا

فمجال الوفاء قطعاً وسيعُ

* * *

٢٧٦

قد بدا الحقدُ في ابن سعدٍ فجرماً

قد أتاه فساء منه صنيعُ

أسخطوا الوحي والسماءَ عليهمْ

إن حرب الحسين جرمٌ شنيعُ

ليس حرباً لشخصه بل لروحٍ

هي للدين أصله والفروعُ

فغذاً هذه الشموعُ ستدوّي

ذاك فوق الصعيد مرمى صريعُ

وعزيزٌ بكت عليه الثكالى

خضّبوهُ فسال منه النجيعُ

ونساءٌ يصحن إنا عطاشى

وأبو الفضل لليدين قطيعُ

وغداً تندب اليتامى لقتلي

صحْنَ قد ( قوض العماد الرفيعُ )

إنما هذه الضحايا ستبقى

وستهدي الأنام هذي الشموعُ

وسيبقى الحسينُ يجري بدمٍ

في عروقي فبالعبير يضوعُ

ويهيم الفؤاد في تلبياتٍ

كُلّما مرّ ذكرُهُ ويميعُ

ليلة السبطِ خلَّدت دينَ طه

حيث لولاه دينُ طه يضيعُ

عبد الله أحمد آل عمران

20 / 11 / 1416 ه‍

٢٧٧

الشيخ عبد الله آل عمران

القصيدة محاولة جادة بالأدوات الشعرية التوصيل رؤى الشاعر وتصوراته الخاصة عن ليلة عاشوراء ، وبطريقة تجريبية اختار الشاعر مساحة عريضة للتعبير ليفحص طول نَفَسه الشعري مع بحر مركّب التفعيلات متداخل الإيقاع هو بحر الخفيف وكذلك مع قافية صعبة المنال وعسرة الرويّ هي قافية حرف العين.

إن على الشاعر المتصدّي لإحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام أن ينتبه إلى أنه يطرح شعره أمام متلقين منصهرين النصوص ، فهم يتلون آيات القرآن الكريم في الصلاة وغيرها ، ويزورون الأئمةعليهم‌السلام بنص ، ويقرأون أدعيتهم بنصٍ أيضاً ، مما يجعل مساحة تعاملهم مع النصوص مساحة عريضة ، ودرجة تلقّيهم عالية التوتر ، فيجب الإلتفات إلى القابلية المتحصّلة لديهم لغرض تحقيق التوصيل الحامل للمتطلبات الفنية والأدبية والجمالية.

ونخلص إلى أن آل عمران مع حمله للبذرة الساحرة المسحورة التي تمكنه من الثبات والتفوق في الساحة الشعرية فقد حاول التعبير عن أحداث الليلة لاجئاً إلى التطابق الواقعي مع التفاصيل دون التطابق الفني فامتدّ نصه حين شرح التقابل بين المعسكرين لينتهي بعلاقته الشخصية بالإمام الحسينعليه‌السلام ويُقرر في النهاية قراراً نهائياً عن ليلة عاشوراء قائلاً :

ليلةُ السبطِ خلّدت دينَ طه

حيث لولاه دين طه يضيعُ

٢٧٨

16 ـ للشيخ عبد الله العوى القطيفي(1)

منازل كربلاء

فمضى يخبّر صحبه عما جرى

ويُبين للأمر المهول الأكبرِ

هذي الطفوف وذي منازل كربلا

أفما ترون لسابقي لم يجسر

قد قال جدي إنها أوطاننا

وبها تسيل دماؤنا كالأبحر

وبها تسام الخسف نسوة أحمد

وبها تصيب الدين طعنة أكفر

لكنّكم في الحلّ مني فارحلوا

من قبل ابلاج الصباح المسفر

قالوا له انت الصباح وسيره

فيه الصلاحُ لعاقلٍ مستبصر

ماذا نقول إذا أتينا أحمداً

وأباك والزهراء عند الكوثر

تفديك يا نفس الرسول نفُوسنا

وأقل شيءٍ أن تُراق بمحضر

فاصدع بأمرك تحظ قصدك عاجلاً

وترَ الصحيح من القتال الأكبر

لله در نفوسهم لمّا علوا

فوق السوابق والخيول الضمَّر

فكأنَّهم فوق الخيول كواكبٌ

تسمو على مرّيخها والمشتري

وكأنَّ خيلهمُ نجومٌ قد هوت

رجماً لشيطانٍ وكلّ مكفّر

لم يحسبوا رشق النبال أذَّيةً

كلا ولا طعن الرماح بمُذعر

ولكم أبادوا من عُصاةٍ ذادةٍ

لبسوا الدروعَ واقبلوا كالأنسُر

حتى قضوا ما بين مشتبك القنا

وبقي حسينٌ مفرداً لم يُنصر(2)

__________________

(1) هو المرحوم الشيخ عبد الله بن الشيخ علي بن محمد بن علي بن درويش القطيفي المشهور بالعوى ، أحد أعلام القرن الثالث الهجري توفي سنة 1210 ه‍.

(2) محرك الأشجان : للحاج أحمد العوى : ص 558.

٢٧٩

17 ـ للشيخ عبد الكريم آل زرع(1)

العبق الفواح

أليلة عاشوراء يا حلكاً شَبَّا

حنينك أدرى من نهارك ما خبّا

وما خبّأ الآتي صهاريج أدهُرٍ

بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّا

بساعات ليلٍ صرَّم الوجدُ حينها

يُناغي بها الولهان معشوقه حُبّا

يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجاهُمُ

دَويّاً كمن يُحصي بجارحةٍ تعبى

لقد بيّتوا في خاطر الخلدِ نيةً

أضاءت دُجى التاريخ نافثةً شُهبا

وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما

برشف فرنْدٍ يحتسون به الصَّهبا

فواعظمهم أنصار حَقٍّ توغّلوا

إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا

فأكبْر بهم عزّاً وأكرمْ بهم تُقىً

وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا

بهم ظمأٌ لو بالجبال لهدَّها

ولو بالصّخور الصُمِّ فتّتهّا تُربا

عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغت

ولو رامت الأفلاك كانت لها تربا

وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَها

شُرودٌ بها قد حَيَّر الفِكرَ واللبّا

__________________

(1) هو : الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع ، ولد في تاروت ـ القطيف سنة 1381 ه‍ ، يعمل حالياً في شركة ارامكو ، ولا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في القطيف ، ومن نتاجه الأدبي القيّم ديوان شعر ( مخطوط ) أكثره في أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو أحد النشطين بالمشاركة في النوداي الأدبية والدينية.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433