ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب13%

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 433

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب
  • البداية
  • السابق
  • 433 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182700 / تحميل: 10292
الحجم الحجم الحجم
ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

لَيلَةُ عاشُوراءْ

الأستاذ جواد جميل

آه يا ليلةَ الأسى والدموع

اطفئي في دم الطفوف شموعي

ودعيني أعيش في ظلمة الحزن

فعمري شمسٌ بغيرِ طلوع

وانثري في عيوني الجمرَ وقّاداً

وخلي اللهيبَ بين ضلوعي

وأمسحي بالسواد لونَ وجودي

فلقد كفّن الرمادُ ربيعي

الشيخ مهدي المصلي

ليلةٌ أسهرت عيون الليالي

لتُرينا عزائمَ الأبطالِ

وتُرينا الشموسَ تفترسُ اللي‍

‍لَ لتمحو عصرَ الليالي الطوالِ

وتُرينا الإنسان يسمو على النج‍

‍مِ مناراً ورجلُهُ في الرمالِ

الأستاذ جاسم الصحيّح

يا ليلةً كستَ الزمانَ بغابة

من روحها قمرية الأدغالِ

ذكراكِ ملحمةٌ توشَّحَ سِفرُها

بروائعٍ نُسجت منَ الأهوال

فهنا الحسين بخيطُ من أحلامه

فجرينِ فجرَ هوىً وفجرَ نِضال

٢١

الأستاذ يقين البصري

يا ليلة يا مخاض الدهر يا حقباً

قدسيةً يا نضالاً مورقاً ذهبا

يا ليلة من عذابات مطرزة

بالكبرياء شطبت المحل والجدبا

الأستاذ فرات الأسدي

جنهم في الطفِ ليلٌ وهمُ

بالحسين الطهر قد جنّوا خبالا

فاشهدي يا ليلة الضوء هوىً

نضراً يبتكر الرؤيا جمالا

السيد مدين الموسوي

يا ليلةً وقفَ الزمانُ بها

وجلاً يُدوّنُ أروع الصور

وقف الحسين بها ومن معه

جبلاً وهم كجنادل الحجر

الشيخ عبد الكريم آل زرع

أليلةَ عاشوراءَ يا حلكاً شَبَّا

حنينك أدرى من نهارك ما خبّا

وما خبّأ الآتي صهاريج أدهُرٍ

بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّا

الشيخ علي الفرج

أنت يا ليلة انخساف المرايا

في وجوه السنين والأحقاب

غُرست فيك آهتي واحتضاري

ونمت فيك صرختي واغترابي

٢٢

الحسينعليه‌السلام يخطب في أصحابه

ويأذن لهم بالتفرّق عنه

روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام قال : جمع الحسينعليه‌السلام أصحابه بعدما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء ، قال : فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعتُ أبي وهو يقول لأصحابه : أُثني على الله تبارك وتعالى أحسنَ الثناء وأحمدَهُ على السّراء والضراء اللهم اني أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وعلّمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً ، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً ، ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الأعداء غداً إلاّ وإني قد أذنتُ لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام ، هذا الّليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَمَلا(١) .

__________________

(١) جاء فى المثل : اتخذ الليل جملاً ، وهو يضرب للرجل يجدُّ فى طلب الحاجه ، يقال : شمر ذيلا وادرع ليلا هكذا قال بعضهم ، وقال اخرون : معناه ركب الليل فى حاجته ولم يَنمْ حتى نالها.

وقولهم : الليل أخفى للويل ، اذا اردت ان تاتى بريبةٍ فأتها ليلاً فإنَّهُ أستر لها ، وكتب عبد الله بن طاهر إلى ابنه ، وقد بلغه عنه إقبالٌ على اللهو :

فبادر الليل بما تشتهى

فإنما الليل نهار الاديب

٢٣

وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتى يُفرجَ الله ، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري.

جواب بني هاشم والأنصار للحسينعليه‌السلام

فقال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : لِم نفعل ؟ لنبقى بعدَكَ ! لا أرانا الله ذلك أبداً ، بدأهم بهذا القولِ ، العباسُ بن عليعليه‌السلام ثم إنهم تكلموا بهذا أو نحوه .

وفي رواية أخرى : فقام اليه العباس بن علي أخوهعليهما‌السلام وعلي ابنه ، وبنو عقيل ، فقالوا له : معاذ الله والشهر الحرام ، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم ، إنا تركنا سيدنا ، وابن سيدنا وعمادنا ، وتركناه غرضاً للنبل ، ودريئةً للرماح ، وجزراً للسباع ، وفررنا عنه رغبةً في الحياة ، معاذ الله ، بل نحيا بحياتك ، ونموت معك !! فبكى وبكوا عليه ، وجزاهم خيراً(١) .

فقال الحسينعليه‌السلام : يا بني عَقيل ، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم ، اذهبوا قد أذِنتُ لكم !.

قالوا : فما يقولُ الناس ؟ يقولون : إنّا تركنا شَيخَنا وسيدَنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام ، ولم نرْم معَهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا

__________________

وقال بعض العرب وأنشدني بالحجاز فتى من هلال :

فلم ار مثل الليل جنة هارب

ولا مثل حد السيف للمرء صاحبا

راجع : كتاب جمهرة الامثال لأبي هلال العسكري : ج ١ص ٨٨ ج ٢ ص ١٨١ ـ ١٨٢.

(١) مقاتل الطالبيين لأبي فرج الاصفهاني : ص ١١٢.

٢٤

ندري ما صنعوا ! لا والله لا نفعل ، ولكن تفديك أنفُسنا وأموالُنا وأهلونا ونقاتلُ معك حتى نردَ مورِدَك فقبّحَ اللهُ العيشَ بعدَك !.

فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الأسدي(١) فقال : أنحنُ نخلي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقِك ؟ أما واللهِ حتى أكسر في صدورِهمْ رمحي وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي ولا أُفارقُكَ ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتى أموت معك.

وقال سعد بن عبد الله الحنفي(٢) : واللهِ لا نخليكَ حتى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا

__________________

(١) هو : مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دردان بن أسد بن خزيمة ابو حجل الأسدي السعدي ، كان رجلاً شريفاً عابداً متنسكاً ، قال ابن سعد في طبقاته : وكان صحابياً ممن رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان فارساً شجاعاً له ذكرٌ في المغازي والفتوح الإسلامية ، وكان ممن كاتب الحسينعليه‌السلام في الكوفة ووفى له ، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، وهو أول قتيل من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الاُولى ، وقد جاء في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة في مسلم بن عوسجة : وكنت أول من شرى نفسه وأول شهيد من شهداء الله قضى نحبه ، ففزت ورب الكعبة ، شكر الله لك استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة وقرأ :( فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) لعن الله المشتركين في قتلك عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي ، وفيه يقول السماوي :

ان امرءاً يمشي لمصرعه

سبط النبي لفاقد التربِ

أوصى حبيباً ان يجود له

بالنفس من مقةٍ ومن حب

اعزز علينا يا بن عوسجةٍ

من ان تفارق ساعة الحرب

عانقت بيضهم وسمرهم

ورجعت بعد معانق الترب

ابكي عليك وما يفيد بكا

عيني وقد أكل الأسى قلبي

راجع : بحار الأنوار : ج ٤٥ ص ٦٩ ، أبصار العين للسماوي : ص ٦١ و ٦٤.

(٢) هو : سعد بن عبد الله الحنفي ، وذكر في كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة باسم سعيد ، أما بعد فإن

٢٥

غَيبةَ رسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيك ، واللهَ لو علمتُ أني أقتلُ ثم أحيا ثم أحرقُ حيَّاً ثم اذرُّ يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتى ألقى حِمامي دونَك ، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً !.

ثم قام زُهير بن القين(١) وقال : واللهِ لوددتُ أني قُتلتُ ثم نُشرتُ ثم قُتلتُ حتى أقتلَ كذا ألف قتلةٍ ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك !.

وتكلم جماعةُ أصحابه بكلامٍ يشبهُ بعضه في وجهٍ واحدٍ ، فقالوا : واللهِ لا نُفارِقُكَ ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء ! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا ، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا(٢) .

__________________

سعيداً وهانياً قدما عليَّ بكتبكم ، وذكر باسم سعد كما في زيارة الناحية ، كان من وجوه الشيعة في الكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسينعليه‌السلام وبعثه مسلم بن عقيل بكتاب إلى الحسين وبقي معه حتى جاء معه كربلاء ، وروى أبو مخنف : أنه لما صلّى الحسين الظهر صلاة الخوف ، اقتتلوا بعد الظهر ، فاشتد القتال ، ولما قرب الأعداء من الحسينعليه‌السلام وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً ، وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه ، وطوراً بصدره ، وطوراً بيديه ، وطوراً بجنبيه ، فلم يكد يصل إلى الحسينعليه‌السلام شيء من ذلك ، حتى سقط الحنفي إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصرة نبيك ، ثم التفت إلى الحسين ، فقال اوفيت يا بن رسول الله ، قال : نعم أنت أمامي في الجنة ، ثم فاضت نفسه النفيسة.

راجع : إبصار العين : ص ١٢٥ ـ ١٢٦ ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص ٩٠ ـ ٩١.

(١) تقدمت ترجمته.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٤ ، ص ٣١٧ ـ ٣١٨ ، نهاية الأرب للنويري : ج ٢٠ ص ٤٣٤ ، الكامل في التاريخ

٢٦

الحسينعليه‌السلام يأذن للحضرمي(١) بالانصراف لفكاك ولده

وقيلَ لمحمّدِ بن بشر الحضرمي في تلكَ الحال : قد أُسرَ ابنُك بثغر الرّي(٢) فقال : عندَ اللهِ احتسبه ، ونفسي ما كُنتُ اُحبّ أَن يُؤسرَ وأن أبقى بعده !

فَسمِعَ الحسينعليه‌السلام قولَه ، فقال : رَحِمكَ اللهُ ، أنت في حل من بيعتي ، فاعملْ

__________________

لابن الأثير : ج ٤ ، ص ٥٧ ـ ٥٨ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، اللهوف : ص ٣٩ ـ ٤٠ ، الإرشاد للمفيد : ص ٢٣١ ، اعلام الورى للطبرسي : ص ٢٣٧ ـ ٢٣٩ ، امالي الصدوق : ص ١٣٣ ، بحار الأنوار : ج ٤٤ ، ص ٣١٦.

(١) هو : بشر بن الأحدوث الحضرمي الكندي ، ذُكر في زيارة الناحية باسم بشر ، وذكر في الزيارة الرجبية باسم بشير ، وذكره السيد الخوئيقدس‌سره مردداً بين بشر وبشير ، وقال الشيخ شمس الدين : ومن المؤكد أنه هو : محمد بن بشير الحضرمي الذي ورد ذكره عند السيد ابن طاووس بقرينة ذكره لقصة ابنه وقد وردت القصة في الزيارة مقرونة باسم بشر أو بشير على اختلاف النسخ. وكان بشر من حضرموت وعداده في كندة ، وكان تابعياً وله أولاد معرفون بالمغازي ، وكان بشر ممن جاء إلى الحسينعليه‌السلام أيام المهادنة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا من أصحاب الحسين قبل أن يقع القتل في بني هاشم ، والآخر هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، وقتل بشر في الحملة الاُولى.

راجع : إبصار العين : ص ١٠٣ ـ ١٠٤ ، أنصار الحسين لشمس الدين ص ٧٧ ـ ٧٨ ، معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس‌سره : ج ٣ ص ٣١٩.

(٢) الثغر : بالفتح ، ثم السكون ، وراء كل موضع قَرُب من أرض العدو وسمي ثغراً من ثغرة الحائط ، لأنه يحتاج أن يحفظ لئلا يأتي العدوّ منه.

والرَّيّ : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه : مدينة مشهورة من أمهات البلاد واعلام المدن ، كثيرة الخيرات ، قصبة بلاد الجبال ، على طريق السابلة وبين طهران نحو فرسخ. مراصد الإطلاع ج ١ ، ص ٥٩٧ ، و ج ٢ ، ص ٦٥١ و ص ٨٩٩.

٢٧

في فكاكِ ابنِك ؟!

فقال : أكلتني السّباعُ حيّاً إنْ فارقتُكَ !

قال : فاعطِ ابنَكَ هذهِ الأثواب البُرُود ،(١) يستعينُ بها في فداء(٢) أخيهِ ، فأعطاه خَمسةَ أثوابَ قيمتُها ألف دينار(٣) .

ولله درّ السيد رضا الهندي ـ عليه الرحمة ـ إذ يقول في هذه الصفوة الانجاب :

صيداً إذا شبّ الهياج وشابت ال‍

ارض الدما والطفل رعباً شابا

ركزوا قناهم في صدور عداتهم

ولبيضهم جعلوا الرقاب قرابا

تجلو وجوههم دجى النقع الذي

يكسو بظلمته ذكاء نقابا

وتنادبت للذبّ عنه عصبة

ورثوا المعالي أشيباً وشبابا

من ينتدبهم للكريهة ينتدبْ

منهم ضراغمة الأسود غضابا

خفّوا لداعي الحرب حين دعاهم

ورسوا بعرصة كربلاء هضابا

أسدٌ قد اتخذوا الصوارم حليةً

وتسربلوا حلق الدروع ثيابا

تخذت عيونهم القساطل كحلها

وأكفّهم فيض النحور خضابا

يتمايلون كأنما غنّى لهم

وقع الضبا وسقاهُمُ أكوابا

__________________

(١) البرود : مفرده بُرد بالضم فالسكون ، وهو : ثوب مخطَّط ، وقد يُقال لغير المخطَّط أيضاً ، وجمعه بُرُود وأبرادٌ وأبرُد ، ومنه الحديث : الكفن يكون بُرداً ، فإن لم يكُن بُرداً فاجعله كله قطناً ! والبُردَة : كساءٌ أسود مربّع فيه صغر يكتسيه الأعراب ، وفي المنجد انه كساء من الصوف الأسود يلتحف به ، انظر : مجمع البحرين للطريحي : ج ٣ ، ص ١٣ ، المنجد : ص ٣٣.

(٢) الفداء : بكسر أوله يُمدّ ويقصر وإذا فتح فهو مقصور ، والمراد به فكاك الأسير واستنقاذه بالمال ، يقال : فداه من الاسر تفدية إذا استنقذه بمالٍ. مجمع البحرين للطريحي : ج ١ ص ٣٢٨.

(٣) اللهوف : ص ٤٠ ، بحار الأنوار : ج ٤٤ ، ص ٣٩٤ ، العوالم : ج ١٧ ، ص ٢٤٤ ، أسرار الشهادة للدربندي : ج ٢ ، ص ٢٢١ ، ترجمة الإمام الحسين ( من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ) ص ٢٢١ ، ح ٢٠٢.

٢٨

برقت سيوفهم فأمطرت الطلا

بدمائها والنقعُ ثار سحابا

وكأنهم مستقبلون كواعباً

مستقبلين أسنةً وكعابا

وجدوا الردى من دون آل محمدٍ

عذباً وبعدهم الحياة عذابا

ودعاهم داعي القضاء وكلُهُم

ندبٌ إذا الداعي دعاه أجابا(١)

الإمام الحسينعليه‌السلام لا يأذن بالشهاده لمن كان عليه دين

روي عن موسى بن عمير ، عن أبيه قال : أمرني الحسين بن عليعليه‌السلام قال : نادِ أَنْ لا يُقتل معي رجلٌ عليه دَينٌ ، وناد ِبها في الموالي فإنّي سمعتُ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من مات وعليه دين اُخذ من حسناته يومَ القيامة(٢) .

وبمضون آخر وردت أيضاً عن موسى بن عمير الأنصاري ، عن أبيه ، قال : أمرني حسين بن عليعليهما‌السلام فقال : نادِ في الناس أنْ لا يقاتلِنَّ معي رجلٌ عليه دينٌ ، فإنَّهُ ليس من رجُلٍ يموتُ وعليه دينٌ لا يَدعُ له وفاءً إلا دخلَ النَّار !!

فقام إليه رجلٌ فقالَ : إنَّ امرأتي تكفّلت عنّي ؟

فقال : وما كفالَةُ امرأةٍ ، وهل تقضي امراةٌ(٣) .

وذكرها الذهبي أيضاً : عن الثوري عن أبي الجحَّاف ، عن أبيه : أن رجلاً قال للحسينعليه‌السلام : إنَّ عليَّ ديناً.

قالعليه‌السلام : لا يُقاتلُ معي مَنْ عليه دين(٤) .

__________________

(١) رياض المدح والرثاء للقديحي : ص ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) إحقاق الحق : ج ١٩ ص ٤٢٩ ، موسوعة كلمات الإمام الحسين : ص ٤١٧.

(٣) احقاق الحق : ج ١٩ ، ص ٤٢٩ ، موسوعة كلمات الإمام الحسين ، ص ٤١٧ ـ ٤١٨ ، حياة الإمام الحسين للقرشي : ج ٣ ، ص ١٧١ ، المعجم الكبير للطبراني : ج ٣ ، ص ١٣٢ ، ح ٦٨٧٢.

(٤) سير أعلام النبلاء للذهبي : ج ٣ ، ص ٣٠١.

٢٩

سكينة تصف ليلة العاشر

روي مؤلف كتاب نور العيون بإسناده ، عن سكينةَ بنت الحسينعليه‌السلام ، أنها قالت : كُنتُ جالسةً في ليلة مقمّرة وسط الخيمة ، وإذا أنا أسمع من خلفها بكاءً وعويلاً ، فخشيت أن يفقه بي النساء ، فخرجت أعثر بأذيالي ، وإذا بأبيعليه‌السلام جالس وحوله أصحابه وهو يبكي ، وسمعته يقول لهم : أعلموا أنّكم خرجتم معي لعلمكم أنّي أقدم على قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم ، وقد إنعكس الأمر لأنهم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، والآن ليس لهم مقصدٌ إلاّ قتلي وقتل من يجاهد بين يدي وسبي حرمي بعد سلبهم ، وأخشى أنّكُمْ ما تعلمون وتستحون ، والخدع عندنا أهل البيت محرّم(١) ، فمن كره منكم ذلك فلينصرف ، فإنّ الليل ستير والسبيل غير خطير ، والوقت ليس بهجير ، ومَنْ واسانا بنفسه كان معنا غداً في الجنان نجيّاً من غضب الرحمن ، وقد قال جدّي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولدي الحسين يُقتل بأرض كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً فريداً ، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم ـ عجل الله فرجه ـ ، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.

قالت سكينة : فو الله ما أتمّ كلامه إلاّ وتفرق القوم من عشرة وعشرين ، فلم يبق معه إلا واحد وسبعون رجلاً ، فنظرت إلى أبي منكساً رأسه فخنقتني العبرة ، فخشيت أن يسمعني ورفعت طرفي إلى السماء وقلت : اللهم انّهم خذلونا فاخذلهم

__________________

(١) وفي أسرار الشهادة : وأخاف أن لا تعلموا ذلك ، أو تعلموا ولا تتفرقوا للحياء منّي ، ويحرم المكر والخدعة عندنا أهل البيت.

٣٠

ولا تجعل لهم دعاءً مسموعاً ، وسلط عليهم الفقر ولا ترزقهم شفاعة جدّي يوم القيامة ، ورجعت ودموعي تجري على خدي ، فرأتني عمتي أم كلثوم ، فقالت : ما دهاك يا بنتاه ، فأخبرتها الخبر ، فصاحت وا جدّاه وا عليّاه ، وا حسناه وا حسيناه ، وا قلّة ناصراه ، أين الخلاص من الأعداء ليتهم يقنعون بالفداء ، تركت جوار جدّك وسلكت بنا بُعدَ المدى ، فعلا منّا البكاء والنحيب.

فسمع أبي ذلك فأتى إلينا يعثر في أذياله ودموعه تجري ، وقال : ما هذا البكاء ؟

فقالت : يا أخي ردّنا إلى حرم جدّنا ، فقال : يا اختاه ليس لي إلى ذلك سبيل ، قالت : أجل ، ذكرهم محل جدّك وأبيك وأمك وأخيك ، قال : ذكّرتهم فلم يذكّروا ووعظتهم فلم يتعظوا ، ولم يسمعوا قولي ، فما لهم غير قتلي سبيل ، ولا بدّ أن تروني على الثّرى جديلاً ، ولكن أوصيكنّ بتقوى الله ربّ البريه والصبر على البلية وكظم نزول الرزيّة ، وبهذا أوعد جدّكم ولا خلف لما أوعد ، ودّعتكم إلهي الفرد الصمد ، ثم تباكينا ساعة والإمامعليه‌السلام يقول :( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١) (٢) .

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٥٧.

(٢) الدمعة الساكبة : ج ٤ ، ص ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، أسرار الشهادة للدربندي : ج ٢ ، ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، الأيقاد : ص ٩٣ ـ ٩٤.

٣١

الإمام الحسينعليه‌السلام يُخبر أصحابه بالشهادة

روى عن أبي حمزة الثماليرضي‌الله‌عنه قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام يقول : لمّا كان اليوم الذي اُستشهد فيه أبيعليه‌السلام جمعَ اهله واصحابه في ليلة ذلك اليوم ، فقال لهم : يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجو بانفسكم ، فليس المطلوب غيري ، ولو قتلوني ما فكروا فيكم ، فانجوا رحمكم الله ، فأنتم في حلٍّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني

فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله يا سيدنا يا أبا عبد الله ، لا خذلناك أبداً ، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتى قُتل ، ونبلو بيننا وبين الله عُذراً ولا نخليك أو نُقتل دونك !!

فقال لهم : يا قوم إني في غَدٍ اُقتلُ وتُقتَلون كُلكُم معي ولا يَبقى مِنكم واحدٌ فقالوا : الحمدُ للهِ الذي أكرمَنا بنصرِكَ وشرّفَنَا بالقتل معك ، أو لا ترضى أن نكون معكَ في درجتِكَ يا ابن رَسولِ اللهِ ؟

فقالعليه‌السلام جزاكم الله خيراً ! ودعا لهم بخير ، ـ فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون ـ.

فقال له القاسم بن الحسنعليه‌السلام : وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه ، فقال له : يا بُني كيف الموت عندك ؟ قال : يا عم فيك أحلى مِنَ العسل ، فقال : إي واللهِ فداك عَمُكَ ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاءٍ عظيم ، ويُقتل ابني عبد الله.

٣٢

فقال : يا عم ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبد الله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمك ( يُقتل ابني عبد الله إذا جفت روحه عطشاً وصرت إلى خيمنا فطلبتُ له ماءً ولبناً فلا أجد قط فأقول : ناولوني ابني لاُشربه مِنْ فيَّ )(١) ، فيأتوني به فيضعونه على يديَّ فأحمله لأُدنيه من فيَّ فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيض دمه في كفي فأرفعه إلى السماء وأقول : اللهم صبراً واحتساباً فيك ، فتعجلني الأسنة منهم ، والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم ، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقاتٍ في الدنيا ، فيكونُ ما يُريد الله ، فبكى وبكينا وارتفع البكاءُ والصُراخ من ذراري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخيم.

ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن علي ، فيقولون : يا سيدّنا فسيدّنا علي ؟ فيشيرون اليَّ ماذا يكون من حاله ؟

ـ فيقول مستعبراً ـ : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون إليه وهو أبُ ثمانية أئمة(٢) .

وفتية من بني عدنان ما نظرت

عين الغزالة أعلى منهمُ حسبا

اكفُهم يخصبُ المرعى الجديب بها

وفي وجوههم تستمطر السُحبا

أكرم بهم من مصاليت وليدهمُ

بغير ضرب الطلى بالبيض ما طربا

__________________

(١) كان في العبارة تصحيف وما بين القوسين هو ما أثبته صاحب معالي السبطين كما لا يخفى.

(٢) مدينة المعاجز للبحراني : ج ٤ ، ص ٢١٤ ، ح ٢٩٥ ، و ص ٢٨٦ ، ط ـ قديم ، وروى هذه الرواية بإسناده إلى أبي حمزة ، ابن حمدان الحضيني في الهداية الكبرى : ص ٤٣ ( مخطوط ) ، معالي السبطين للحائري : ج ١ ، ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، نفس المهموم للقميّ : ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

٣٣

الإمام الحسينعليه‌السلام يُري أصحابه منازلهم في الجنة

وروي أنَّ الحسينعليه‌السلام كشفَ لأصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهمُ اللهُ من نعيم ، وعرَّفَهم منازلَهم فيها ، وليس ذلك في القدرةِ الإلهية بعزيز ولا في تصرفاتِ الإمام بغريب ، فإنَّ سحرةَ فرعون لمّا آمنوا بموسىعليه‌السلام وأراد فرعون قتْلَهم أراهم النبيُ موسىعليه‌السلام منازلَهم في الجنة(١) .

قال شاعر أهل البيت الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ :

وأراهم وقد رأى الصدقَ منهم

في الموالاة بعد كشف الغطاءِ

مالهم من منازل قد اُعدت

في جنان الخلود يوم الجزاءِ

ولعمري وليس ذا بعسيرٍ

أو غريب من سيد الشّهداءِ

فلقد أطلعَ الكليمُ عليها

منهم كلَّ ساحرٍ بجلاءِ

حينما آمنوا بما جاءَ فيه

عندَ إبطال سحرِهم والرياءِ

بعد خوف من آلِ فرعونَ مُردٍ

لهم منذر بسوءِ البلاءِ

فأراهم منازلَ الخيرِ زلفىً

وثواباً في جنةِ الأتقياءِ

لازدياد اليقين بالحق فيهم

بعد دحضٍ للشك والافتراءِ

وثَباتاً منهم على الدين فيما

شاهدوه من عالم الإرتقاءِ(٢)

وروي عن سعد بن عبد الله ، عن احمد بن محمد ابن عيسى ، عن الاهوازي ،

__________________

(١) أخبار الزمان للمسعودي : ص ٢٧٤ ، مقتل الحسين للمقرم : ص ٢١٥.

(٢) ملحة أهل البيت للفرطوسي : ج ٣ ، ص ٢٩١.

٣٤

عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن ابي حمزة الثمالي ، قال : علي بن الحسينعليه‌السلام كنت مع أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها فقالعليه‌السلام لأصحابه : هذا الليل فاتّخذوه جملاً فإنَّ القوم إنما يريدونني ، ولو قتلوني لم يلتفتوا اليكم ، وانتم في حلٍ وسعةٍ.

فقالوا : والله لا يكون هذا ابداً ! قال : إنكم تُقتلون غداً ( كُلّكُم ) ولا يفلت منكم رجُل ، قالوا الحمد لله الذي شرفّنا بالقتل معك ثم دعا ، وقال لهم : ارفعوا رؤوسَكم وانظروا ، فَجعلوا يَنظرون إلى مواضعِهم ومنازلِهم من الجنة ، وَهو يقولُ لهم : هذا منزِلُكَ يا فلان ، وهذا قصرُك يا فلان ، وهذه درجتك يا فلان ، فكان الرجلُ يَستقبلُ الرّماحَ والسيوفَ بصدرِه وَوجهِه ، ليصلَ إلى مَنزِلِه مِنَ الجنة(١) .

وَفي حديثِ أبي جعفر الباقرعليه‌السلام إن الحسينَعليه‌السلام قال لأصحابه : ابشروا بالجنةِ فواللهِ إنّا نَمكثُ مَا شاء اللهُ بعدَ مَا يجري عَلينا ، ثم يُخرجُنا اللهُ وإياكم حتى يَظهر قَائمُنا فَينتقمَ من الظالمينَ ، وأنا وأنتم نُشاهِدهم في السلاسل والاغلال وأنواع العذاب !!

فَقيلَ له : مَنْ قائمُكُم يا ابن رسولِ الله ؟

قال : السابع مِن ولدِ ابني محمد بن عليِّ الباقر ، وهو الحجةُ ابنُ الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني ، وهو الذي يَغيبُ مدةً طويلةً ثم يظهرُ وَيملأُ الأرض قسطاً وَعدلاً كما مُلئت ظلماً وَجوراً(٢) .

__________________

(١) الخرائج والجرائح للراوندي : ج ٢ ، ص ٨٤٧ ـ ٨٤٨ ، بحار الأنوار : ج ٤ ، ص ٢٩٨ ، أسرار الشهادة للدربندي : ج ٢ ، ص ٢٢١.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرم : ص ٢١٥ عن إثبات الرجعة.

٣٥

وروى الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في علّة إقدام أصحاب الحسينعليه‌السلام على القتل ، قال : حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاقرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا عبدالعزيز بن يحيى الجلودي قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : أخبرني عن أصحابِ الحسينعليه‌السلام وإقدامِهم على الموتِ ، فقال : إنَّهم كُشفَ لَهم الغطاء حتى رَأوا منازلَهم من الجنةِ ، فكانَ الرجلُ منهم يَقدمُ على القتلِ لِيُبادرَ إلى حَوراءَ يُعانِقُها وإلى مكانِه مِن الجنة(١) .

وجاء في زيارة الناحية المقدسة : أشْهدُ لَقدْ كَشفَ اللهُ لكمُ الغِطاء ، وَمَهّد لكُمُ الوطاء ، وأجزل لكم العطاء ، وكُنْتُمْ عن الحقِّ غَيرَ بطاء ، وأنتُم لنا فُرطاء ، ونحنُ لكُم خُلطاءُ في دارِ البقاء ، والسلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته(٢) .

ولقد أجاد من قال فيهمعليهم‌السلام :

وذوو المروة والوفا أنصارُه

لهم على الجيش اللئامِ زئيرُ

طهرت نفوسهم لطيب اُصولها

فعناصرٌ طابت لهم وحجورُ

فتمثّلت لهم القصورُ وما بهِم

لولا تمثّلت القصورُ قصورُ

ما شاقَهم للموت إلاّ دَعْوَة

الرحمن لا ولدانُها والحورُ(٣)

وقال الآخر :

__________________

(١) علل الشرائع : ح ١ ، ص ٢٢٩ ، ب ١٦٣ ، ح ١ ، بحار الأنوار : ج ٤٤ ، ص ٢٩٧ ، مدينة المعاجز : ج ٤ ص ٢١٤.

(٢) الإقبال لابن طاووس : ج ٣ ، ص ٨٠ ، بحار الأنوار : ج ٩٨ ، ص ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٣) نفثة المصدور للشيخ عباس القمي : ص ٦٢٩.

٣٦

وفتية من رجال الله قد صبروا

على الجلاد وعانوا كلَّ محذورِ

حتّى تراءت لهم عدن بزينتها

مآتماً كُنَّ عُرس الخُرَّد الحورِ(١)

وقال آخرٌ أيضاً :

وبيتوه وقد ضاق الفسيحُ به

منهم على موعد من دونه العطلُ

حتى إذا الحرب فيهم من غدٍ كشفت

عن ساقها وذكا من وقد ما شعلُ

تبادرت فتيةٌ من دونه غررٌ

شمّ العرانين ما مالوا ولا نكلوا

كأنّما يجتنى حلواً لانفسهم

دون المنون من العسّالة العسلُ

تراءت الحور في أعلى القصور لهم

كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلوا(٢)

الإمام الحسينعليه‌السلام يعظ أصحابه ويبشّرهم

جاء في تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام في قوله عزوجل :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (٣)

قالعليه‌السلام : ولمّا امتحن الحسينعليه‌السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه ، وحملوا رأسه قال لعسكره : أنتم من بيعتي في حلٍ فالحقوا بعشائركُم ومواليكم.

وقال : لأهل بيته قد جعلتكم في حلٍّ من مفارقتي ، فإنَّكمْ لا تُطيقونهم

__________________

(١) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج ٦ ، ص ٢٦١.

(٢) الدمعة الساكبة : ج ٤ ، ص ٢٧٨.

(٣) سورة البقرة : الآية ٣٤.

٣٧

لتضاعف اعدادهم وقواهُمْ ، وما المقصود غيري ، فدعوني والقوم ، فإنَّ اللهَ ـ عزّوجلّ ـ يُعينُني ولا يُخليني من حُسن نظرهِ كعاداته في أسلافنا الطَّيبين.

فأمّا عسكره ففارقوه ، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا !! وقالوا : لا نفارقك ويحلُّ بنا ما يحلُّ بك ، ويحزننا ما يحزنك ، ويصيبنا ما يصيبك ، وإنّا أقرب ما نكونُ إلى الله إذا كنا معك.

فقال لهم : فإنْ كُنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطَّنت نفسي عليه ، فاعلموا أنَّ الله إنّما يهبُ المنازل الشريفة لعباده ( لصبرهم ) باحتمال المكارة ، وأنَّ الله وإنْ كان خَصَّني مع مَنْ مضى مِنْ أهلي الَّذينَ أنا آخرُهُم بقاءً في الدُّنيا من الكرامات بما يَسهل عليَّ معها احتمال الكريهات ، فإنَّ لكم شطرُ ذلك من كرامات الله تعالى ، واعلموا أن الدنيا حُلوها ومرها حُلمٌ(١) والانتباه في الآخرة ، والفائز من فاز فيها ، والشقيُّ مَنْ شقي فيها.

أولا اُحدثكم بأول أمرنا وأمركم معاشرَ أوليائنا ومحبينا ، والمعتصمينَ بنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون(٢) ؟

قالوا بلى يابن رسول الله.

قال : إنَّ الله تعالى لمّا خلقَ آدم ، وسوّاهُ وعلَّمَه أسماء كلَّ شيء وعرضهم على الملائكة ، جعل محمداً وعلياً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَعليهم‌السلام أشباحاً خمسةً في ظهرِ آدم ، وكانت أنوارُهم تُضيءُ في الآفاق من السماوات والحُجب والجنان والكرسيّ والعرش ، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له ، إنَّه قد فضّله

__________________

(١) وفي أسرار الشهادة : واعلموا أن الدنيا حلوها مرّ ، ومرها حلو.

(٢) وفي بحار الأنوار : مقرّون.

٣٨

بأن جعلهُ وعاء لتلك الأشباح التي قد عمَّ أنوارُها في الآفاق ، فسجدوا إلا إبليس أبى أنْ يتواضع لجلال عظمة الله ، وأن يتواضع لأنوارنا أهلَ البيت ، وقد تواضعت لها الملائكةُ كلُها واستكبر وترفَّع ، وكان باءِبائه ذلك وتكبّره من الكافرين(١) .

ومن جملة البشارات التي بشَّر بها الحسينعليه‌السلام أصحابهعليهم‌السلام هو ما رواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبن فضيل ، عن سعد الجلاّب ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال الحسين بن عليعليهما‌السلام لأصحابه قبل أن يُقتل : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا بُنيَّ إنك ستساقُ إلى العراق ، وهي أرضٌ قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين ، وهي أرضٌ تدعى ( عموراء ) وإنك تستشهد بها ، ويستشهد معك جماعةٌ من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد ، وتلا :( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) (٢) تكونُ الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً فابشروا ، فو الله لئن قتلونا ، فإنَّا نرد على نبيّنا(٣) .

__________________

(١) تفسير الامام العسكريعليه‌السلام : ص ٢١٨ ـ ٢١٩ ، تاويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٤ ، ح ١٨ ( باختصار ) ، بحار الأنوار : ج ١١ ، ص ١٤٩ ، ج ٤٥ ، ص ٩٠ ـ ٩١ ، الدمعة الساكبة : ج ٤ ص ٢٧٠ ، أسرار الشهادة للدربندي : ج ٢ ، ص ٢٢٣ إلى قوله الشقي من شقي فيها.

(٢) سوره الأنبياء الآية : ٦٩.

(٣) الجرائح والخرائج للراوندي : ج ٢ ، ص ٨٤٨ ، بحار الأنوار ج ٤٥ ، ص ٨٠ ، ح ٦ ، مدينة المعاجز للبحراني : ج ٣ ، ص ٥٠٤ ص ٢٤٥ الطبعة الحجرية.

٣٩

الإمام الحسينعليه‌السلام يعالج سيفه

ووصيته لاُخته زينبعليها‌السلام

روي عن علي بن الحسينِ بن عليعليه‌السلام قال : إني جالسٌ في تلكَ العشيّةِ التي قُتل أبي صَبيحتَها وَعمتي زينبُ عندِي تُمرضُني إذ اعتزلَ أبي بأصحابِه في خَباءٍ له وَعندَه حُوَى مَولى(١) أبي ذر الغفاري وَهو يُعالجُ سَيفَه(٢) ويُصلِحُهُ وأبي يقولُ :

يَا دهرُ أفٍّ لكَ مِنْ خَليلِ

كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصيلِ

مِنْ صَاحبٍ أو طالبٍ قَتيلِ

وَالدهرُ لا يَقنعُ بالبديلِ

وإنَّمَا الأمر إلى الجليلِ

وَكلُّ حيٍّ سَالكُ السبيلِ

__________________

(١) هو : جون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري ، كما في الزيارة الرجبية وزيارة الناحية ، وكذا في مقاتل الطالبيين ، وذكره الخوارزمي والطبري باسم حُوى ، وذكره الشيخ المفيد في الإرشاد وابن شهراشوب في المناقب باسم جوين. وكان جون منضمَّاً إلى أهل البيتعليهم‌السلام بعد أبي ذر فكان مع الحسنعليه‌السلام ثم مع الحسينعليه‌السلام ، وصحبَه في سفره من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق ، وفي كامل بهائي أنه كان بصيراً بمعالجة آلات الحرب واصلاح السلاح ، وقتل بين يدي الحسينعليه‌السلام ووقف عليه وقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الأبرار ، وعرف بينه وبين محمد وآل محمد ، وروي عن الباقر عن علي بن الحسينعليهم‌السلام إنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك.

راجع : مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ٢٣٧ ، تاريخ الطبري : ج ٤ ص ٣١٨ ، المناقب لابن شهراشوب : ج ٤ ص ١٠٣ ، كامل بهائي : ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، إبصار العين : ص ١٠٥ ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص ٨٠ ـ ٨١.

(٢) وفي مقاتل الطالبيين : ص ١١٣ ، وهو يعالج سهاماً له ، وبين يديه جون الخ.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الألطاف.

ويحتمل أن يراد هذا المعنى من الآية التي ذكرها الخصم.

الرابع : التيسير والتسهيل ، وبالإضلال تشديد الامتحان ، ولعلّ منه هذه الآية ، فإنّه سبحانه يضرب الأمثال المذكورة في الآية امتحانا ، فتسهل عند قوم ، وتشتدّ عند آخرين ، هذا كلّه في الهداية والإضلال.

وأمّا الختم المذكور في قوله تعالى :( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) (١) .

فالمراد به : التشبيه ، ضرورة عدم الختم حقيقة على سمعهم ، وعدم الغشاوة على أبصارهم ، فكذا على قلوبهم.

والمعنى : إنّ الكفر تمكّن من قلوبهم فصارت كالمختوم عليها ، وصاروا كمن لا يعقل ، ولا يسمع ، ولا يبصر ، كما قال تعالى :( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (٢) .

ويحتمل(٣) أن يكون الختم كناية عن ضيق قلوبهم عن النظر إلى الدلائل ، وعدم انشراح صدورهم للإسلام ، وإنّما نسبه إلى الله تعالى على الوجهين لخذلانه سبحانه لهم ، وعدم رعايته لهم بمزيد الألطاف ، لكثرة ذنوبهم ، وتتابع مناوأتهم للحقّ ، ولكن لا تزول به القدرة والاختيار ، ولذا قال سبحانه في آية أخرى :( بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (٤) .

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٧١.

(٣) في مطبوعة طهران : ولا يحتمل.

(٤) سورة النساء ٤ : ١٥٥.

٢٦١

فاستثنى القليل وأثبت لهم الإيمان بعدما طبع على قلوبهم ؛ لأنّ لهم أفعالا حسنة تجرّهم إلى الإيمان والسعادة.

ويحتمل أن يريد :( فَلا يُؤْمِنُونَ )

إلّا إيمانا قليلا لعدم تصديقهم بكلّ ما يلزم التصديق به.

وأمّا تأويله لقوله تعالى :( أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) فتأويل بعيد ؛ لأنّ ظاهرها أنّه أحسن الخالقين الفاعلين حقيقة ، كعيسى المذكور بقوله تعالى :

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ) (٢) لا الخالقين بالزعم والتقدير ، بل لا يصحّ أوّل التأويلين ؛ لأنّ عبدة الأصنام لا يزعمون أنّها خالقة ، بل يرونها مقرّبة إلى الله تعالى.

وأمّا الآية التي ادّعى مناسبتها لحال العدليّة ، فخطأ ؛ لأنّ مذهبهم لا يناسب الإشراك كما عرفت(٣) ، وإنّما يناسبه مذهب من يدّعي تعدّد القدماء وتركّب الإلهية ، ويرون أنفسهم شركاء لله تعالى في صفاته الذاتية ؛ لأنّ صفاتهم كصفاته زائدة على الذات(٤) !

* * *

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٢) سورة المائدة ٥ : ١١٠.

(٣) تقدّم في ج ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٤) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ١٧٥.

٢٦٢

الجواب عن شبه المجبّرة

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المطلب الحادي عشر

في نسخ شبههم

إعلم أنّ الأشاعرة احتجّوا على مقالتهم بوجهين ، هما أقوى الوجوه عندهم ، يلزم منهما الخروج عن العقيدة!

ونحن نذكر ما قالوا ، ونبيّن دلالتهما على ما هو معلوم البطلان بالضرورة من دين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

الأوّل : قالوا : لو كان العبد فاعلا لشيء ما بالقدرة والاختيار ، فإمّا أن يتمكّن من تركه أو لا

والثاني : يلزم منه الجبر ؛ لأنّ الفاعل الذي لا يتمكّن من ترك ما يفعله موجب لا مختار ، كما يصدر عن النار الإحراق ولا تتمكّن من تركه.

والأوّل إمّا أن يترجّح الفعل حالة الإيجاد ، أو لا والثاني ؛ يلزم منه ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر ، لا لمرجّح ؛ لأنّهما لمّا استويا من كلّ وجه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وبالنسبة إلى القادر الموجد ، كان ترجيح القادر للفعل على الترك ترجيحا للمساوي بغير مرجّح ، وإن ترجّح ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢١.

٢٦٣

فإن لم ينته إلى حدّ الوجوب ، أمكن حصول المرجوح مع تحقّق الرجحان ، وهو محال.

أمّا أوّلا ؛ فلامتناع وقوعه حالة التساوي ، فحالة المرجوحية أولى.

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه مع قيد الرجحان يمكن وقوع المرجوح ، فلنفرضه واقعا في وقت ، والراجح في آخر ، فترجيح أحد الوقتين بأحد الأمرين لا بدّ له من مرجّح غير المرجّح الأوّل ، وإلّا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجّح ، فينتهي إلى حدّ الوجوب ، وإلّا تسلسل.

وإذا امتنع وقوع الأثر إلّا مع الوجوب ـ والواجب غير مقدور ، ونقيضه ممتنع غير مقدور أيضا ـ فيلزم الجبر والإيجاب ، فلا يكون العبد مختارا(١) .

الثاني : إنّ كلّ ما يقع فإنّ الله تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه ، وكلّ ما لم يقع فإنّ الله قد علم في الأزل عدم وقوعه.

وما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع ، وإلّا لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا ، وهو محال.

وما علم عدم وقوعه فهو ممتنع ، إذ لو وقع انقلب علم الله تعالى جهلا ، وهو محال أيضا ، والواجب والممتنع غير مقدورين للعبد ، فيلزم الجبر(٢) .

* * *

__________________

(١) المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١١ ـ ١٢ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨١ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢١ ، المواقف : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ، المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١٨ ، المواقف : ٣١٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣١ ، شرح المواقف ٨ / ١٥٥.

٢٦٤

وقال الفضل (١) :

أوّل ما ذكره من الدليلين للأشاعرة قد استدلّ به أهل المذهب ، وهو دليل صحيح بجميع مقدّماته كما ستراه واضحا إن شاء الله تعالى.

وأمّا الثاني ممّا ذكره من الدليلين فقد ذكره الإمام الرازي على سبيل النقض(٢) ، وليس هو من دلائل الأئمّة الأشاعرة ، وقد ذكر الإمام هذا النقض في شبهة فائدة التكليف والبعثة بهذا التقرير.

ثمّ إنّ هذا الذي ذكروه في لزوم سقوط التكليف ، إن لزم القائل بعدم استقلال العبد في أفعاله ، فهو لازم لهم أيضا لوجوه :

الأوّل : إنّ ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد ، وإلّا جاز انقلاب العلم جهلا.

وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد ، وإلّا جاز الانقلاب.

ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته ، لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم.

فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال ، فقد لزمكم في مسألة علم الله

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ، المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١٨.

٢٦٥

تعالى بالأشياء.

قال الإمام الرازي : « ولو اجتمع جميع العقلاء لم يقدروا أن يوردوا على هذا الوجه حرفا »(١) .

وقد أجابه شارح « المواقف » كما سيرد عليك(٢) .

* * *

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢٨.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

٢٦٦

وأقول :

ما نقله عن الرازي من النقض به لا ينافي الاستدلال به ، فإنّه إن تمّ دلّ على أنّ أفعال العباد جبرية ليست من آثار قدرتهم.

وقد صرّح القوشجي بأنّ الأشاعرة استدلّوا به ، كما ذكره في بحث العلم من الأعراض(١) ، عند قول نصير الدين1 في « التجريد » : « وهو تابع بمعنى أصالة موازنة في التطابق »(٢) .

والظاهر أنّ الخصم إنّما فرّ من تسميته دليلا ليكون فساده أهون على نفسه!

* * *

__________________

(١) شرح التجريد : ٣٣٥.

وقد جاء مؤدّاه في : الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، تبصرة الأدلّة في أصول الدين ٢ / ٦٢٤.

وكذا جاء مؤدّاه في : المواقف وشرحها وشرح المقاصد كما مرّ آنفا في الصفحة ٢٦٤.

(٢) تجريد الاعتقاد : ١٧١.

٢٦٧

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

والجواب عن الوجهين من حيث النقض ومن حيث المعارضة

أمّا النقض ، ففي الأوّل من وجوه :

الأوّل ـ وهو الحقّ ـ : إنّ الوجوب من حيث الداعي والإرادة ، لا ينافي الإمكان في نفس الأمر ، ولا يستلزم الإيجاب وخروج القادر عن قدرته وعدم وقوع الفعل بها.

فإنّا نقول : الفعل مقدور للعبد ، يمكن وجوده منه ، ويمكن عدمه ، فإذا خلص الداعي إلى إيجاده ، وحصلت الشرائط ، وارتفعت الموانع ، وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة ألبتّة ، وجب من هذه الحيثية إيجاد الفعل.

ولا يكون ذلك جبرا ولا إيجابا بالنسبة إلى القدرة والفعل لا غير.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٢.

٢٦٨

وقال الفضل (١) :

هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، سواء كان ممكنا في نفس الأمر أو لا.

وكلّ من لا يتمكّن من الفعل وتركه فهو غير قادر ، سواء كان منشأ عدم تمكّنه عدم الإمكان الذاتي لفعله ، أو عدم حصول الشرائط ووجود الموانع ، فما ذكره ليس بصحيح.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٤.

٢٦٩

وأقول :

لمّا زعم الأشاعرة في أوّل الدليلين أنّ العبد إمّا أن يتمكّن من ترك ما فعله أو لا ، فإن لم يتمكّن كان موجبا لا مختارا ، ويلزم الجبر ، أجاب المصنّفرحمه‌الله : « إنّا نختار أنّه لا يتمكّن ».

قولكم : « كان موجبا لا مختارا ».

قلنا : ممنوع ؛ لأنّ عدم التمكّن من الترك إنّما هو بسبب اختيار الفعل وتمام علّته ، فلا ينفي كونه مختارا ، ولا ينافي إمكان الفعل في نفسه وتأثير قدرة العبد فيه.

وهذا معنى ما يقال : « الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ».

وأورد عليه الخصم بأنّ هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، وهو كلام لا محصّل له.

ولعلّه يريد أنّا ندّعي أنّ الفعل اضطراري غير اختياري ، لعدم التمكّن من تركه بعد الاختيار والإرادة المؤثّرة ، وإن لم يصر فاعله بذلك موجبا.

وفيه ـ مع أنّ دليل الأشاعرة صريح في لزوم كون الفاعل موجبا ـ يشكل بأنّ عدم التمكّن من الترك بعد الإرادة المؤثّرة لا ينفي حدوثه بالاختيار ، ولا ينافي كونه مقدورا بالذات ، وغاية ما يثبت أنّ الفعل بعد الإرادة التامّة يصير واجبا بالغير ، لا واجبا بالذات ، ولا صادرا بالجبر.

وأمّا ما زعمه من أنّ من لم يتمكّن من الفعل لعدم حصول شرائطه غير قادر عليه ، فهو ممّا لا دخل له بمطلوب الأشاعرة من أنّ الفعل الواقع

٢٧٠

من العبد مجبور عليه!

على أنّ انتفاء شرائط الفعل لا ينفي القدرة عليه ما دامت الشرائط ممكنة.

ولست أعرف كيف بنى الخصم أنّه أجاب عن كلام المصنّف ، مع إنّه سيذكر معنى كلام المصنّف بلفظ شرح « المواقف » ويبني عليه ، ولعلّ الفرق أنّه وجده في الشرح فاعتبره من غير تمييز!

* * *

٢٧١

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الثاني : يجوز أن يترجّح الفعل ، فيوجده المؤثّر ، أو العدم فيعدمه ، ولا ينتهي الرجحان إلى الوجوب على ما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين(٢) ، فلا يلزم الجبر ولا الترجيح من غير مرجّح.

قوله : « مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض ، فليفرض واقعا في وقت ، فترجيح الفعل وقت وجوده يفتقر إلى مرجّح آخر ».

قلنا : ممنوع ؛ بل الرجحان الأوّل كاف ، فلا يفتقر إلى رجحان آخر.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٢.

(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٩ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢.

٢٧٢

وقال الفضل (١) :

لا يصحّ أن يكون المرجّح في وقت ترجيح الفعل هو المرجّح الأوّل ، ولا بدّ أن يكون هذا المرجّح غير المرجّح الأوّل ؛ لأنّ هذا المرجّح موجود عند وقوع الفعل مثلا في وقت وقوعه ، ولهذا ترجّح الفعل.

فلو كان هذا المرجّح موجودا عند عدم الفعل ، ولم يترجّح به الفعل ، فلا يكون مرجّحا ، وإذا ترجّح به الفعل فيكون حكم الوقتين مساويا.

ويلزم خلاف المفروض ؛ لأنّا فرضنا أنّ الفعل يوجد في وقت ويعدم في الآخر ، ولا بدّ من مرجّح غير المرجّح الأوّل ليترجّح به الفعل في وقت وينتهي إلى الوجوب ، وإلّا يتسلسل فيتمّ الدليل بلا ورود نقض.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٦.

٢٧٣

وأقول :

لا يخفى أنّ عندنا مسألتين :

الأولى : إنّه هل يمكن ترجّح أحد طرفي الممكن على الآخر برجحان ناش عن ذات الممكن ، غير منته إلى حدّ الوجوب ، بحيث يجوز أنيوجد ممكن بذلك الرجحان من غير احتياج إلى فاعل ، فينسدّ باب إثبات الصانع أو لا يمكن؟

لا ريب أنّه لا يمكن ؛ لأنّ فرض إمكان الشيء يقتضي جواز وقوع الطرفين بالنظر إلى ذاته.

وفرض مرجوحية أحد الطرفين بالنظر إلى ذاته ، يقتضي امتناع وقوع المرجوح ؛ لامتناع ترجّح المرجوح بالضرورة.

ولذا قال نصير الدين1 في « التجريد » : « ولا يتصوّر الأولوية لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته »(١) .

الثانية : إنّه هل يمكن ترجيح الفاعل لأحد الطرفين بمرجّح لا ينتهي إلى حدّ الوجوب ـ كما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين(٢) ونقله المصنّف عنهم ـ أو لا يمكن؟

ودليل الأشاعرة من فروع هذه المسألة ، ومبنيّ على عدم إمكان الترجيح بذلك المرجّح ، وهو ممنوع ؛ لأنّ إمكان وقوع الفعل لأجله وكفايته

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ١١٣.

(٢) راجع ما تقدّم انفا في الصفحة ٢٧٢.

٢٧٤

في الإقدام على الفعل ، لا يستلزم خروجه عن المرجوحية ، مع فرض عدم الفعل.

هذا إذا أريد بالمرجّح الأمر الداعي إلى الاختيار.

وأمّا لو أريد به المركّب منهما ومن سائر أجزاء العلّة ، كما هو المقصود في مقام ترجيح أحد طرفي الممكن ، فلا محالة يكون المرجّح موجبا ؛ ولأجله جعل المصنّف الحقّ هو الجواب الأوّل السابق.

* * *

٢٧٥

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الثالث : لم لا يوقعه القادر مع التساوي؟ فإنّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر ، من غير مرجّح.

وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلّمين(٢) ، وتمثّلوا في ذلك بصورة وجدانية ، كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه ، فإنّه يتناول أحدهما من غير مرجّح ، ولا يمتنع من الأكل حتّى يترجّح لمرجّح ، والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه ، والهارب من السبع إذا عنّ(٣) له طريقان متساويان فإنّه يسلك أحدهما ولا ينتظر حصول المرجّح.

وإذا كان هذا الحكم وجدانيا ، كيف يمكن الاستدلال على نقيضه؟!

الرابع : إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين(٤) ، فالمتمكّن من الفعل يخرج عن القدرة ؛ لعدم التمكّن من الترك.

وإن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين ، لزمهم وجود الضدّين دفعة

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٣.

(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٨ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨٤.

(٣) عنّ الشيء : ظهر أمامك ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٤٣٧ مادّة « عنن ».

(٤) تمهيد الأوائل : ٣٢٦ و ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠١ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٣ ، المواقف : ١٥٣.

٢٧٦

واحدة ؛ لأنّ القدرة لا تتقدّم على المقدور عندهم(١) .

وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل لزمهم ، إمّا اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل.

فانظر إلى هؤلاء القوم الّذين لا يبالون في تضادّ أقوالهم وتعاندها!

* * *

__________________

(١) تمهيد الأوائل : ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٢ ، المواقف : ١٥١.

٢٧٧

وقال الفضل (١) :

اتّفق العلماء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح ، والحكم بعد تصوّر الطرفين ، أي تصوّر الموضوع الذي هو إمكان الممكن ، وتصوّر المحمول ـ الذي هو معنى كونه محوجا إلى السبب ـ ضروري بحكم بديهة العقل بعد ملاحظة النسبة بينهما ، ولذلك يجزم به الصبيان الّذين لهم أدنى تمييز

ألا ترى إلى كفّتي الميزان إذا تساوتا لذاتيهما ، وقال قائل : ترجّحت إحداهما على الأخرى بلا مرجّح من خارج ، لم يقبله صبي مميّز ، وعلم بطلانه بديهة.

فالحكم بأنّ أحد المتساويين لا يترجّح على الآخر إلّا بمرجّح مجزوم به عنده بلا نظر وكسب ، بل الحكم مركوز في طباع البهائم ، ولذا تراها تنفر من صوت الخشب(٢) .

وما ذكر من الأمثلة ، كالجائع في اختيار أحد الرغيفين وغيره ، فإنّه لمّا خالف الحكم البديهي ، يجب أن يكون هناك مرجّح لا يعلمه الجائع ، والعلم بوجود المرجّح من القادر غير لازم ، بل اللازم وجود المرجّح.

وأمّا دعوى كونه وجدانيا مع اتّفاق العقلاء بأنّ خلافه بديهي ، دعوى باطلة كسائر دعاويه ؛ والله أعلم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٩.

(٢) انظر : شرح المواقف ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

٢٧٨

وأمّا قوله في الوجه الرابع : « إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين » إلى آخره.

فنقول في جوابه : عدم صلاحية القدرة للضدّين لا يمنع صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة ، فإنّ المراد من الاحتجاج نفي الاختيار عن العبد ، وإثبات أنّ الفعل واجب الصدور عنه ، وليس له التمكّن من الترك ، وذلك يوجب نفي الاختيار.

فإذا كان المذهب أنّ القدرة لا تصلح للضدّين ، وبلغ الفعل حدّ الوجوب لوجود المرجّح الموجب ، لم يكن العبد قادرا على الترك ، فيكون موجبا لا مختارا ، وهذا هو المطلوب

فكيف يقول : إنّ كون القدرة غير صالحة للضدّين يوجب عدم صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة؟!

فعلم أنّه من جهله وكودنيّته لا يفرّق بين ما هو مؤيّد للحجّة وما هو مناف لها!

ثمّ ما ذكر أنّهم [ إن ](١) خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدين ، لزمهم إمّا اجتماع الضدّين ، أو تقدّم القدرة على الفعل ؛ فهذا شيء يخترعه من عند نفسه ثمّ يجعله محذورا.

والأشاعرة إنّما نفوا هذا المذهب وقالوا : إنّ القدرة لا تصلح للضدّين(٢) ؛ لأنّ القدرة عندهم مع الفعل(٣) ، فيجب أن لا يكون صالحا

__________________

(١) أثبتناه من « إبطال نهج الباطل ».

(٢) راجع تخريجه المارّ آنفا في الصفحة ٢٧٦ ه‍ ٤.

(٣) راجع تخريجه المارّ آنفا في الصفحة ٢٧٧ ه‍ ١.

٢٧٩

للضدّين ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين!

أنظروا معاشر المسلمين إلى هذا السارق الحلّي ، الذي اعتاد سرقة الحطب من شاطئ الفرات ، حسب أنّ هذا الكلام حطب يسرق! كيف أتى بالدليل وجعله اعتراضا! والحمد لله الذي فضحه في آخر الزمان ، وأظهر جهله وتعصّبه على أهل الإيمان.

* * *

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433