روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة25%

روائع نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 237

روائع نهج البلاغة
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118449 / تحميل: 7192
الحجم الحجم الحجم
روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

روائع نهج البلاغة

جورج جرداق

١

تقديم

الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) هو إمام البلغاء و المتكلمين، كما هو إمام المتّقين.. و آيته في ذلك «نهج البلاغة» الذي يمثّل، في أسس البيان العربي، مكانة تلي مكانة القرآن الكريم... و تتصل به أساليب العرب، في نحو ثلاثة عشر قرنا، فتبني على بنائه، و تقبس منه جذوتها، و يحيا جيّدها في نطاق من بيانه السّاحر.

كان الإمام علي (ع) يرتجل كلماته، يلقيها، في مجالس القوم، خلاصات تأمّل، و في محافلهم، خطبا تجيش في داخل الذات، فينطق بها اللّسان عفو الخاطر، فتأتي محكمة «دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق».

اختار الشريف الرضيّ أواخر القرن الرابع الهجري نماذج من خطبه و رسائله و كلماته القصار، و جمعها في كتاب سمّاه «نهج البلاغة». و الإسم يدلّ على أن هذه النّماذج المختارة تمثل نهجا في البيان و الأداء، يوصل، إن اتّخذ مثالا، إلى البلاغة، بوصفها كشفا عمّا في الذات و الواقع و إيصالا إلى المتلقي. و هذه هي غاية الأدب الخلاّق العظيم.

و منذ ذلك اليوم الذي جمع فيه الكتاب عكف العلماء و الأدباء على قراءته و شرحه، فتعدّدت الشروح و تنوّعت، و بلغ بعضها مجلّدات عديدة، يقتضي الاطلاع عليها وقتا و جهدا قد لا يملكهما المرء في هذا العصر. و من هنا جاءت الحاجة إلى كتاب ييسّر للإنسان العاديّ معرفة «النهج»، من طريق اختيار نماذج منه و شرحها.

و قد سعى الأديب المعروف جورج جرداق إلى أداء هذه المهمة، فاشتغل سنوات طوالا، ليسهّل الصعوبات أمام القارى‏ء، فيجمع بين دفّتي كتاب روائع «نهج البلاغة» و يبوّبها وفق موضوعاتها من جهة، و وفق زمن صدورها من جهة ثانية، و يشرح الغريب و الصعب من مفرداتها.

٢

ثم زاد على ذلك، فقدّم بين يدي الروائع التي اختارها و رتّبها و شرحها، دراسة جديدة في نوعها عن الشخصية العلوية من خلال نهج البلاغة، أضافها إلى سلسلة دراساته الخمس الشهيرة (الإمام علي صوت العدالة و الإنسانية).

يلبّي هذا الكتاب حاجة للقارى‏ء العاديّ و لطلاب المدارس و الجامعات، و للقارى‏ء المختصّ، أيضا، في هذا الزمن الذي لا يجد فيه المرء فرصة للقراءة، وسط المشاغل العديدة، و طغيان وسائل الاعلام المسموعة و المرئيّة.

و يسرّ مركز الغدير للدرسات أن يقدّم هذا الكتاب في حلته الجديدة هذه بعد نفاد طبعته، راجيا أن تتحقق به الفائدة التي توخّاها.

مركز الغدير للدرسات الإسلامية

٣

٤

في ادب الإمام

٥

حدود العقل و القلب

و كان شديدا، قاصفا، مزمجرا، كالرعد في ليالي الويل و الينبوع هو الينبوع لا حساب في جريه لليل أو نهار من تتبّع سير العظماء الحقيقيين في التاريخ لا فرق بين شرقيّ منهم أو غربي، و لا قديم و محدث، أدرك ظاهرة لا تخفى و هي أنهم، على اختلاف ميادينهم الفكرية و على تباين مذاهبهم في موضوعات النشاط الذهني، أدباء موهوبون على تفاوت في القوة و الضعف.

فهم بين منتج خلاّق، و متذوّق قريب التذوّق من الإنتاج و الخلق. حتى لكأنّ الحس الأدبي، بواسع دنيواته و معانيه و أشكاله، يلزم كل موهبة خارقة في كل لون من ألوان النشاط العظيم فنظرة واحدة الى الأنبياء، مثلا، تكفي لتقرير هذه الظاهرة في الأذهان. فما داود و سليمان و أشعيا و أرميا و أيوب و المسيح و محمد إلا أدباء أوتوا من الموهبة الأدبية ما أوتوا من سائر المواهب الخاصة بهم. و هذا نابوليون القائد، و أفلاطون الفيلسوف، و باسكال الرياضي، و باستور العالم الطبيعي، و الخيّام الحسابي، و نهرو رجل الدولة، و ديغول السياسي، و ابن خلدون المؤرخ، إنهم جميعهم أدباء لهم في الأدب ما يجعلهم في مصافّ ذوي الشأن من أهله. فلكلّ منهم لون من ألوان النشاط الفكري حدّده الطبع و الموهبة، ثم رعت النزعة الجمالية ما دخل منه في نطاق التعبير، فإذا هو من الأدب الخالص.

هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب، فإذا هو الإمام في الأدب، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق و في ما علّم و هدى، و آيته في ذلك «نهج البلاغة» الذي

٦

يقوم في أسس البلاغة العرب في ما يلي القرآن من أسس، و تتّصل به أساليب العرب في نحو ثلاثة عشر قرنا فتبني على بنائه و تقتبس منه و يحيا جيّدها في نطاق من بيانه الساحر.

أما البيان فقد وصل عليّ سابقه بلاحقه، فضمّ روائع البيان الجاهلي الصافي المتّحد بالفطرة السليمة اتحادا مباشرا، الى البيان الإسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطرة السليمة و المنطق القويّ اتحادا لا يجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض. فكان له من بلاغة الجاهلية، و من سحر البيان النبويّ، ما حدا بعضهم إلى أن يقول في كلامه إنه «دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق».

و لا عجب في ذلك، فقد تهيّأت لعليّ جميع الوسائل التي تعدّه لهذا المكان بين أهل البلاغة. فقد نشأ في المحيط الذي تسلم فيه الفطرة و تصفو، ثم إنه عايش أحكم الناس محمد بن عبد اللّه، و تلقّى من النبي رسالته بكل ما فيها من حرارة و قوة. أضف الى ذلك استعداداته الهائلة و مواهبه العظيمة، فإذا بأسباب التفوّق تجتمع لديه من الفطرة و من البيئة جميعا أما الذكاء، الذكاء المفرط، فتلقى له في كل عبارة من «نهج البلاغة» عملا عظيما.

و هو ذكاء حيّ، قادر، واسع، عميق، لا تفوته أغوار. إذا هو عمل في موضوع أحاط به بعدا فما يفلت منه جانب و لا يظلم منه كثير أو قليل، و غاص عليه عمقا، و قلّبه تقليبا، و عركه عركا، و أدرك منه أخفى الأسباب و أمعنها في الاختفاء كما أدرك أصدق النتائج المترتّبة على تلك الأسباب: ما قرب منها أشدّ القرب، و ما بعد أقصى البعد.

و من شروط الذكاء العلويّ النادر هذا التسلسل المنطقي الذي تراه في النهج أنّي اتجهت.

و هذا التماسك بين الفكرة و الفكرة حتى تكون كلّ منها نتيجة طبيعية لما قبلها و علّة لما بعدها. ثم إن هذه الأفكار لا تجد فيها ما يستغنى عنه في الموضوع الذي يبحث فيه. بل إنك لا تجد فيها ما يستقيم البحث بدونه. و هو، لاتّساع مداه، لا يستخدم لفظا إلا و في هذا اللفظ ما يدعوك لأن تتأمل و تمعن في التأمل، و لا عبارة إلا و تفتح أمام النظر آفاقا وراءها آفاق.

فعن أيّ رحب وسيع من مسالك التأمّل و النظر يكشف لك قوله: «الناس أعداء ما جهلوا» أو قوله: «قيمة كل امرى‏ء ما يحسنه». أو «الفجور دار حصن ذليل».

٧

و أيّ إيجاز معجز هو هذا الايجاز: «من تخفّف لحق» و أيّ جليل من المعنى في العبارات الأربع و ما تحويه من ألفاظ قلائل فصّلت تفصيلا، بل قل أنزلت تنزيلا ثم عن أي حدّة في الذكاء و استيعاب للموضوع و عمق في الإدراك، يشفّ هذا الكشف العجيب عن طبع الحاسد و صفة نفسه و حقيقة حاله: «ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم و قلب هائم و حزن لازم. مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملك» و يستمرّ تولّد الأفكار في «نهج البلاغة» من الأفكار، فإذا أنت منها أمام حشد لا ينتهي.

و هي مع ذلك لا تتراكم، بل تتساوق و يترتّب بعضها على بعض. و لا فرق في ذلك بين ما يكتبه عليّ و ما يلقيه ارتجالا. فالينبوع هو الينبوع و لا حساب في جريه لليل أو نهار.

ففي خطبه المرتجلة معجزات من الأفكار المضبوطة بضابط العقل الحكيم و المنطق القويم.

و إنك لتدهش، أمام هذا المقدار من الإحكام و الضبط العظيمين، حين تعلم أن عليّا لم يكن ليعدّ خطبه و لو قبيل إلقائها بدقائق أو لحظات.

فهي جائشة في ذهنه منطلقة على لسانه عفو الخاطر لا عنت و لا إجهاد، كالبرق إذ يلمع و لا خبر يأخذه أو يعطيه قبل وميضه. و كالصاعقة إذ تزمجز و لا تهيّ‏ء نفسها لصعق أو زمجرة.

و كالريح إذ تهبّ فتلوي و تميل و تكسح و تنصبّ على غاية ثم إلى مداورها تعود و لا يدفعها إلى أن تروح و تجي‏ء إلاّ قانون الحادثة و منطق المناسبة في حدودها القائمة، لا قبل و لا بعد و من مظاهر الذكاء الضابط القويّ في نهج البلاغة تلك الحدود التي كان عليّ يضبط بها بها عواطف الحزن العميق إذ تهيج في نفسه و تعصف. فإن عاطفته الشديدة ما تكاد تغرقه في محيط من الأحزان و الكآبات البعيدة، حتى يبرز سلطان العقل في جلاء و مضاء، فإذا هو آمر مطاع.

و من ذكاء علي المفرط الشامل في نهجه كذلك أنه نوّع البحث و الوصف فأحكم في كل موضوع و لم يقصر جهده الفكري على واحد من الموضوعات أو سبل البحث. فهو يتحدث بمنطق الحكيم الخبير عن أحوال الدنيا و شؤون الناس، و طبائع الافراد و الجماعات. و هو يصف البرق و الرعد و الأرض و السماء. و يسهب في القول في مظاهر الطبيعة الحية فيصف

٨

خفايا الخلق في الخفاش و النملة و الطاووس و الجرادة و ما إليها. و يضع للمجتمع دساتير و للأخلاق قوانين. و يبدع في التحدث عن خلق الكون و روائع الوجود. و إنك لا تجد في الأدب العربي كله هذا المقدار الذي تجده في نهج البلاغة من روائع الفكر السليم و المنطق المحكم، في مثل هذا الأسلوب النادر.

أما الخيال في نهج البلاغة فمديد وسيع، خفّاق الجوانح في كل أفق. و بفضل هذا الخيال القويّ الذي حرم منه كثير من حكماء العصور و مفكري الأمم، كان عليّ يأخذ من ذكائه و تجاربه المعاني الموضوعيّة الخالصة، ثم يطلقها زاهية متحركة في إطار تثبت على جنباته ألوان الجمال على أروع ما يكون اللون. فالمعنى مهما كان عقليا جافا، لا يمرّ في مخيّلة عليّ إلاّ و تنبت له أجنحة تقضي فيه على صفة الجمود و تمدّه بالحركة و الحياة.

فخيال عليّ نموذج للخيال العبقري الذي يقوم على أساس من الواقع، فيحيط بهذا الواقع و يبرزه و يجلّيه، و يجعل له امتدادات من معدنه و طبيعته، و يصبغه بألوان كثيرة من مادته و لونه، فإذا الحقيقة تزداد وضوحا، و إذا بطالبها يقع عليها أو تقع عليه و قد تميّز عليّ بقوة ملاحظة نادرة، ثم بذاكرة واعية تخزن و تتّسع. و قد مرّ من أطوار حياته بعواطف جرّها عليه حقد الحاقدين و مكر الماكرين، و مرّ منها كذلك بعواطف كريمة أحاطه بها وفاء الطيبين و إخلاص المخلصين. فتيسّرت له من ذلك جميعا عناصر قوية تغذّي خياله المبدع. فإذا بها تتعاون في خدمة هذا الخيال و تتساوق في لوحات رائعة حيّة، شديدة الروعة و الحيوية، تتركز على واقعية صافية تمتدّ لها فروع و أغصان، ذات أوراق و أثمار و من ثمّ يمكنك، إذا أنت شئت، أن تحوّل عناصر الخيال القويّ في نهج البلاغة الى رسوم مخطوطة باللون، لشدّة واقعيّتها و اتّساع مجالها و امتداد أجنحتها و بروز خطوطها. أ لا ما أروع خيال الإمام إذ يخاطب أهل البصرة و كان بنفسه ألم منهم بعد موقعة الجمل، قائلا: «لتغرقنّ بلدتكم حتى كأنني أنظر الى مسجدها كجؤجؤ طير في لجّة بحر)(١) »

____________________

(١) الجؤجؤ: الصدر.

٩

أو في مثل هذا التشبيه الساحر: «فتن كقطع الليل المظلم».

أو هذه الصورة المتحركة: «و إنما أنا كقطب الرحى: تدور عليّ و أنا بمكاني» أو هذه اللوحة ذات الجلال التي يشبّه فيها امتدادات بيوت أهل البصرة بخراطيم الفيلة، و تبدو له شرفاتهن كأنها أجنحة النسور: «ويل لسكككم العامرة، و الدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور و خراطيم كخراطيم الفيلة» و من مزايا الخيال الرحب قوة التمثيل. و التمثيل في أدب الإمام وجه ساطع بالحياة. و إن شئت مثلا على ذلك فانظر في حال صاحب السلطان الذي يغبطه الناس و يتمنون ما هو فيه من حال، و لكنه أعلم بموضعه من الخوف و الحذر، فهو و إن أخاف بمركوبه إلاّ أنه يخشى أن يغتاله. ثم انظر بعد ذلك الى عليّ كيف يمثّل هذا المعنى يقول: «صاحب السلطان كراكب الأسد: يغبط بموقعه، و هو أعلم بموضعه.» و إن شئت مثلا آخر فاستمع اليه يمثّل حالة رجل رآه يسعى على عدوّ له بما فيه إضرار بنفسه، فيقول: «إنّما أنت كالطاعن نفسه ليقتل ردفه» و الرّدف هو الراكب خلف الراكب. ثم إليك هذا النهج الرائع في تمثيل صاحب الكذب: «إياك و مصادقة الكذّاب فإنه كالسراب: يقرّب عليك البعيد و يبعد عنك القريب» أما النظرية الفنيّة القائلة بأن كل قبيح في الطبيعة يصبح جميلا في الفن، فهي إن صحّت فإنما الدليل عليها قائم في كلام ابن أبي طالب في وصف من فارقوا الدنيا. فما أهول الموت و ما أبشع وجهه. و ما أروع كلام ابن أبي طالب فيه و ما أجمل وقعه. فهو قول آخذ من العاطفة العميقة نصيبا كثيرا، و من الخيال الخصب نصيبا أوفر. فإذا هو لوحة من لوحات الفن العظيم لا تدانيها إلاّ لوحات عباقرة الفنون في أوروبا ساعة صوّروا الموت و هوله لونا و نغما و شعرا.

فبعد أن يذكّر عليّ الأحياء بالموت و يقيم العلاقة بينهم و بينه، يوقظهم على أنهم دانون من منزل الوحشة بقول فيه من الغربة القاسية لون قائم و نغم حزين: «فكأنّ كل امرى‏ء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته، فيا له من بيت وحدة، و منزل وحشة، و مفرد غربة» ثم يهزّهم بما هم مسرعون إليه و لا يدرون، بعبارات متقطّعة متلاحقة و كأنّ فيها دويّ طبول تنذر تقول «ما أسرع الساعات في اليوم، و أسرع الأيام في الشهر، و أسرع

١٠

الشهور في السنة، و أسرع السنين في العمر» بعد ذلك يطلق في أذهانهم هذه الصورة الرائعة التي يأمر بها العقل، و تشعلها العاطفة، و يجسّم الخيال الوثّاب عناصرها ثم يعطيها هذه الحركات المتتابعة و هي بين عيون تدمع و أصوات تنوح و جوارح تئنّ، قائلا: «و إنما الأيام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم». ثم يعود فيطلق لعاطفته و خياله العنان فإذا بهما يبدعان هذه اللوحة الخالدة من لوحات الشعر الحيّ: «و لكنهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنطق خرسا، و بالسمع صمما، و بالحركات سكونا.

فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات(١) .

جيران لا يتآنسون، و أحبّاء لا يتزاورون، بليت بينهم عرى التعارف، و انقطعت منهم أسباب الإخاء. فكلّهم وحيد و هم جميع، و بجانب الهجر و هم أخلاّء، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مساء. أيّ الجديدين(٢) ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا(٣) ».

ثم يقول هذا القول الرهيب: «لا يعرفون من أتاهم، و لا يحفلون من بكاهم، و لا يجيبون من دعاهم» فهل رأيت الى هذا الإبداع في تصوير هول الموت و وحشة القبر و صفة سكّانه في قوله: «جيران لا يتآنسون و أحبّاء لا يتزاورون» ثم هل فطنت إلى هذه الصورة الرهيبة لأبدية الموت التي لا ترسمها إلا عبقرية عليّ: «أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا» و مثل هذه الروائع في «النهج» كثير.

هذا الذكاء الخارق و هذا الخيال الخصب في أدب الإمام يتحدان اتحاد الطبيعة بالطبيعة، مع العاطفة الهادرة التي تمدّهما بوهج الحياة. فإذا الفكرة تتحرك و تجري في عروقها الدماء سخيّة حارّة. و إذا بها تخاطب فيك الشعور بمقدار ما تخاطب العقل لانطلاقها من عقل تمدّه العاطفة بالدف‏ء. و قد يصعب على المرء أن يعجب بأثر من آثار الفكر أو الخيال في

____________________

(١) ارتجال الصفة: وصف الحال بلا تأمل، فالواصف لهم بأول النظر يظنهم صرعى من السبات، أي النوم.

(٢) الجديدان: الليل و النهار.

(٣) سرمد: أبدي.

١١

ميادين الأدب و سائر الفنون الرفيعة، إن لم تكن للعاطفة مشاركة فعّالة في إنتاج هذا الأثر. ذلك ان المركّب الإنساني لا يرضيه، طبيعيا، إلا ما كان نتاجا لهذا المركّب كله. و هذا الأثر الأدبي الكامل، هو ما نراه في نهج البلاغة. و إنك لتحس نفسك مندفعا في تيّار جارف من حرارة العاطفة و انت تسير في نهج البلاغة من مكان إلى آخر.

أ فلا يشيع في قلبك الحنان و العطف شيوعا و أنت تصغي إلى عليّ يقول: «لو أحبّني جبل لتهافت» أو «فقد الأحبّة غربة» أو «اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قد قطعوا رحمي و أكفأوا إنائي، و قالوا: «أ لا إنّ في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما أو مت متأسفا فنظرت فإذا ليس لي رافد و لا ذابّ و لا مساعد إلاّ أهل بيتي» و اليك كلاما له عند دفن السيدة فاطمة، يخاطب به ابن عمّه الرسول: «السلام عليك يا رسول اللّه عني و عن ابنتك النازلة في جوارك، و السريعة اللحاق بك قلّ، يا رسول اللّه، عن صفيّتك صبري، و رقّ عنها تجلّدي، إلاّ أن لي في التأسّي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ» و منه «أمّا حزني فسرمد، و أمّا ليلي فمسهّد، إلى أن يختار اللّه لي دارك التي أنت بها مقيم» ثم إليك هذا الخبر: روى أحدهم عن نوف البكالي بصدد إحدى خطب الإمام علي قال: خطبنا هذه الخطبة بالكوفة أمير المؤمنين عليه السلام، و هو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي، و عليه مدرعة من صوف، و حمائل سيفه ليف، و في رجليه نعلان من ليف، فقال عليه السلام، في جملة ما قال: «ألا إنه أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا. و أزمع الترحال عباد اللّه الأخيار، و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص، و يشربون الرّنق؟ قد، و اللّه، لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم و أحلّهم دار الأمن بعد خوفهم أين إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحق؟ أين عمّار؟ و أين ابن التيهان؟ و أين ذو الشهادتين؟ و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النيّة؟»

١٢

قال: ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة فأطال البكاء و أخبر ضرار بن حمزة الضابى‏ء قال: فأشهد لقد رأيته يقصد الإمام في بعض مواقفه، و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم في ظلامه قابض على لحيته يتململ و يبكي بكاء الحزين و يقول: «يا دنيا يا دنيا، اليك عني أ بي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير، و خطرك يسير، و أملك حقير آه من قلّة الزاد و طول الطريق و بعد السفر و عظيم المورد» هذه العاطفة الحارّة التي عرفها الإمام في حياته، تواكبه أنّي اتّجه في نهج البلاغة، و حيث سار. تواكبه في ما يحمل على الغضب و السخط، كما تواكبه في ما يثير العطف و الرضا.

حتى إذا رأى تخاذل أنصاره عن مساندة الحق فيما يناصر الآخرون الباطل و يحيطونه بالسلاح و بالأرواح، تألّم و شكا، و وبّخ و أنّب، و كان شديدا قاصفا، مزمجرا، كالرعد في ليالي الويل و يكفيك أن تقرأ خطبة الجهاد التي تبدأ بقوله: «أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصّلاب الخ»، لتدرك أية عاطفة متوجّعة ثائرة هي تلك التي تمدّ هذه الخطبة بنبض الحياة و جيشانها و إنه لمن المعيي أن نسوق الأمثلة على تدفّق العاطفة الحية التي تبث الدف‏ء في مآثر الإمام.

فهي في أعماله، و في خطبه و أقواله، مقياس من المقاييس الأسس. و ما عليك إلاّ أن تفتح هذا الكتاب، كي تقف على ألوان من عاطفة ابن أبي طالب، ذات القوة الدافقة و العمق العميق

١٣

الوحدة الوجوديّة

و كان ما تباعد منها مضموما في وخدة طرفاها الأزل و الأبد الأدب اصالة في الفكر و الحس و الخيال و الذوق، تربط بين صاحبها و جملة الكائنات في وحدة وجودية مطلقة. ثم تعبّر عن نفسها بحياة تحيا على أصول من هذه الوحدة، و بأسلوب جماليّ هو تجسيم حيّ للتفاعل بين الأديب و الكون.

و لما كان العلم تجزئة كان الفنّ توحيدا. و لما كان العلم ينظر إلى الأشياء من حيث هي كائنات وجب فكّها و تذريرها، كان الفن ينظر إلى الأشياء من حيث هي كائنات مجزّأة في ظاهرها، موحّدة في أصولها و حقيقتها، مما يؤول الى فكرة الشمول الكوني و الارتباط الكامل بين مختلف مظاهر الوجود و ما كان الأدب إلا بهذا الشمول و إذا كان الفلاسفة قد فطنوا الى وحدة الوجود في العصور المتأخرة، فإن الأديب قد فطن لها منذ كان الانسان و كانت في أعماقه بذور الفن و أحاسيس الأدب. ذلك لأن دليل الفيلسوف عقله و قياسه، و كلاها محدود بالنسبة للمركّب الانساني الحيّ. و دليل الأديب شعوره و إلهامه، و هما انبثاق عاجل و امض عن جملة كيانه.

ثم إن نظرة الفيلسوف الى الكون كوحدة متفاعلة متكاملة، إن هي إلاّ نظرة تظلّ سطحية إذا ما قيست بنظرة الأديب. فالفيلسوف يشاهد و يراقب و يقيس ثم يسجّل. و أداته في ذلك العقل وحده، و العقل شي‏ء من الانسان الحي بل قل هو جانب منه. و الأديب

١٤

يتفاعل مع الكون و الحياة تفاعلا مباشرا مستمرا إذ يحس و يستلهم بعقله و شعوره و خياله و مزاجه و ذوقه جميعا، أي بجملة كيانه. و هو، إلى ذلك، أسبق و أعمق. فالأديب أستاذ الفيلسوف: أستاذه و دليله منذ كان، و أستاذه و دليله إلى الأبد و إذا كان هذا هو الأمر، و هو كذلك، فإنّ عليّ بن أبي طالب عظيم من عظماء هذه الطائفة من حيث النظرة و الأسلوب: طائفة الأدباء الخالدين الذين ينظرون إلى نجوم السماء و رمال الصحراء و مياه البحار و كساء الطبيعة فإذا هي أشياء من نفوسهم، هذه النفوس التي تستشعر في الكون قوة وجودية واحدة جامعة كانت منذ الأزل و تبقى الى الأبد.

يقول ميخائيل نعيمة الذي يمثل طاقة الفنان على الاحساس العميق بوحدة الوجود في أدبنا العربي المعاصر: «بل كيف يكون أديبا من لا يحسّ جذوره في الأزل و الأبد، و لا يحسّ ما مضى و ما سيأتي» إن هذا الإحساس بالجمال الأسمى الذي يلف الكائنات جميعا، على تباين مظاهرها، بوشاح واحد، هو ما تراه في آثار عباقرة الأدب مهما تنوّعت موضوعات هذه الآثار، و مهما اختلفت ظروفها. فإذا أنت سمعت صوت الشاعر العظيم ينطق بلسان المسيح قائلا: «تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو، و لكن أقول لكم إنه و لا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها» سمعت صوتا من أعظم ما سمع الكون، و أدركت أمتع نظرة تخترق أعماق الجمال الكلّي، و تساءلت: أنّى للتراب و الصخر و سحب السماء أن تأتي بمثل هذه الروعة و هذا الجمال، جمال زنابق الحقل و هي تنمو، لو لم تكن وحدة الوجود هذه و لو لم يكن الجمال مدار الوجود الواحد، و رابطة أجزائه منذ البداية حتى النهاية؟ و هو، في الوقت ذاته، مدار الفكرة و الشعور لدى الفنان: الخالق الصغير و من ذلك قول المسيح الرائع و قد جاؤوه بزانية جعلت على نفسها سبيلا بحكم شرائعهم: «من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الزانية بحجر» و إذا أنت سمعت قول الشاعر العظيم ينطق بلسان سليمان بن داود: «جيل يمضي و جيل يأتي و الأرض قائمة مدى الدهر. و الشمس تشرق و الشمس تغرب

١٥

ثم تسرع الى موضعها الذي طلعت منه. تذهب الريح الى الجنوب و تدور الى الشمال، تدور و تطوف في مسيرها ثم الى مداورها تعود الريح جميع الأنهار تجري الى البحر و البحر ليس بملآن ثم الى الموضع الذي جرت منه الأنهار الى هناك تعود لتجري أيضا» و إذا سمعته أيضا يقول: «أنا وردة الشارون و سوسنة الأودية، كالسوسنة بين الشوك كذلك خليلتي بين البنات.

كالتفاحة في أشجار الغابة كذلك حبيي بين البنين. قد اشتهيت فجلست في ظله و ثمره حلو في حلقي. قد ظهرت الزهور في الأرض و وافى أوان القضب و سمع صوت اليمامة في أرضنا.

«يا حمامتي التي في نخاريب الصخر و في خفايا المعاقل أريني محيّاك، أسمعيني صوتك فإن صوتك لطيف و محيّاك جميل، إلى أن ينسم النهار و تنهزم الظلال. عد يا حبيي و كن كالظبي أو كغفر الأيلة على جبال باتر.

«جميلة أنت يا خليلتي جميلة أنت و عيناك كحمامتين من وراء نقابك، و شعرك كقطيع معز يبدو من جبل جلعاد.

شفتاك كسمط من القرمز و نطقك عذب. خدّاك كفلقة رمانة من وراء نقابك.

عنقك كبرج داود المبني للسلاح الذي علق فيه ألف مجنّ، جميع تروس الجبابرة. الى أن ينسم النهار و تنهزم الظلال أنطلق إلى جبل المرّ و الى تلّ اللبّان. هلمّي معي من لبنان أيتها العروس. معي من لبنان انظري من رأس أمانة من رأس حرمون من مرابض الأسود من جبال النمور. شفتاك تقطران شهدا أيتها العروس و تحت لسانك عسل و لبن و عرف ثيابك كعرف لبنان.

«عين جنّات و بئر مياه حية و أنهار من لبنان، هبّي يا شمال و هلمّي يا جنوب انسمي على جنّتي فتنسكب أطيابها» إذا أنت سمعت ذلك و وعيته وعيا صحيحا، أدركت ان سليمان ينهل شعره من المنهل ذاته الذي ارتوى منه المسيح و إن اختلف الموضوع.

و من ذلك قول فيكتور هيغو، أحد عظماء الفنانين الذين نبغوا بعد الثورة الفرنسية، و هو

١٦

حوار بين الكواكب يرينا الشاعر به الانسان و قد ضاع و كاد يختفي هو و الأرض التي يسكنها، لضآلتهما في سعة الكون الواحد العجيب: ما هذا الصوت التافه الضعيف الذي يهمس؟

أيتها الأرض، ما الغاية من دورانك، في أفقك الضيق المحدود؟

و هل أنت سوى حبّة من الرمل مصحوبة بذرّة من رماد؟

أما أنا، ففي السماء الزرقاء الشاسعة أرسم إطارا هائلا فترى المسافة المكانية، و هي فزعة مرعوبة، جمالي مشوّها و هالتي، التي تحيل شحوب الليالي الى حمرة قانية ككرات من الذهب تعلو و تهبط متقاطعة في يد الحاوي، تبعد، و تجمع، و تمسك سبعة من الأقمار الضخمة الهائلة و ها هي الشمس تجيب: سكوتا، هناك في زاوية من السماوات، ايتها الكواكب، أنتم رعاياي هدوءا أنا الراعي و أنتم الرعية.

إنكما كعربتين تسيران جنبا الى جنب للدخول من الباب.

في أصغر بركان عندي، المريخ مع الأرض يدخلان دون أن يلمسا جوانب المدخل و ها هي ذي نجوم الدب الأصغر تضي‏ء مثل سبع أعين حيّة لها بدل الحبّات شموس و ها هو ذا طريق المجرّة يرسم غابة ناضرة جميلة مليئة بنجوم السماء أيتها الكواكب السفلى، إن مكاني من مكانكم في درجة من البعد حتى أن نجومي المضيئة الثابتة الشبيهة بمجاميع الجزائر المتناثرة في الماء، و شموسي الكثيرة، ليست بالنسبة لنظركم الضعيف القاصر،

١٧

في زاوية بعيدة من السماء شبيهة بصحراء حزينة يتلاشى الصوت فيها، سوى قليل من الرماد الأحمر قد انتثر في جوف الليل» و ها هي ذي نجوم مجرّة أخرى تصوّر عوالم لا تقلّ عن تلك العوالم، متناثرة في الأثير، ذلك المحيط الذي لا رمال فيه و لا حصباء في جوانبه، تذهب أمواجه و لكن لا تعود أبدا إلى شواطئه.

و أخيرا ها هو الإله يتحدث: «ليس لديّ إلا أن أنفخ، فيصبح كل شي‏ء ظلاما(١) » و إليك ما يقوله عليّ بن أبي طالب في صفة الطاووس(٢) : «و من أعجبها خلقا الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، و نضّد ألوانه في أحسن تنضيد. بجناح أشرح قصبه. و ذنب أطال مسحبه. إذا درج إلى الأنثى نشره من طيّه، و سما به مظلاّ على رأسه. تخال قصبه مداري من فضّة، و ما أنبت عليه من عجيب داراته و شموسه خالص العقيان و فلذ الزبرجد. فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلت: جنى جني من زهرة كل ربيع. و إنّ ضاهيته بالملابس فهو كموشّى الحلل أو مونق عصب اليمن. و إن شاكلته بالحليّ فهو كفصوص ذات ألوان قد نطّقت باللجين المكلّل: يمشي مشي المرح المختال، و يتصفّح ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله و أصابيغ و شاحه «فإذا رمى ببصره الى قوائمه زقا معولا يكاد يبين عن استغاثته، و يشهد بصادق توجّعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الدّيكة الخلاسية. و له في موضع العرف قنزعة خضراء موشّاة.

و مخرج عنقه كالإبريق، و مغرزها الى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال

____________________

(١) نظرية الأنواع الادبية، ترجمه عن الفرنسية الدكتور حسن عون.

(٢) ما تحتاج اليه من شرح المفردات و التعابير الواردة في هذه القطعة، تجده في فصل «خلقة الطاووس» بهذا الكتاب.

١٨

«و مع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الأقحوان أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق. و قلّ صبغ إلاّ و قد أخذ منه بقسط و علاه بكثرة صقاله و بصيص ديباجه و رونقه فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربّها أمطار ربيع و لا شموس قيظ. و قد ينحسر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى، و ينبت تباعا، فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه: لا يخالف سالف ألوانه، و لا يقع لون في غير مكانه. إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، و تارة خضرة زبرجدية، و أحيانا صفرة عسجدية، فكيف تصل الى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين» و إليك قليلا من قوله في خلق السماء و الأرض: «فطر الخلائق بقدرته، و نشر الرياح برحمته، و وتّد بالصخور ميدان أرضه. ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، و شقّ الأرجاء، و سكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطما تياره متراكما زخّاره، حمله على متن الرياح العاصفة، و الزعزع القاصفة. ثم أنشأ سبحانه ريحا أعتق مهبّها، و أعصف مجراها، و أبعد منشأها، فأمرها بتصفيق الماء الزخّار، و إثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء و عصفت به عصفها بالفضاء تردّ أوله إلى آخره، و ساجيه الى مائره...» و أوصيك خيرا بهذه الآيات الروائع التي تتحدث بها عبقرية الإمام الى المركّب الانساني جميعا فتصوّر له كيف يستوي الجليل و اللطيف من الكائنات، و الشمس و القمر، و الماء و الحجر، و الكبير و الصغير، و الهيّن و الصعب، في معنى الوجود. و كيف تشترك جميعا في صفة الكون فإذا هي متساوقة متعاونة في النشيد الأعظم: نشيد الوجود الواحد الذي لا يجوز فيه تعظيم الدوحة العاتية على حساب النبتة النامية، و لا يصحّ فيه تمجيد البحر الواسع و احتقار الساقية التي تضيع مياهها بين العشب و الحصى.

يقول عليّ: «لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلّتك الدلالة إلاّ على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة. و ما الجليل و اللطيف، و الثقيل و الخفيف، و القوي و الضعيف، في خلقه إلاّ سواء

١٩

و كذلك السماء و الهواء، و الرياح و الماء. فانظر إلى الشمس و القمر، و النبات و الشجر، و الماء و الحجر، و اختلاف هذا الليل و النهار، و تفجّر هذه البحار، و كثرة هذه الجبال، و طول هذه القلال الخ...» ثم استمع اليه يقول: «لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى، و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، و لا تجدّد له زيادة في أكلة إلا بنفاد ما قبلها من رزقه، و لا يحيا له أثر إلا مات له أثر، و لا يتجدّد له جديد إلاّ بعد أن يخلق له جديد، و لا تقوم له نابتة إلا و تسقط منه محصورة. و قد مضت أصول نحن فروعها» إنه الوجود الواحد يتكلم عن نفسه، بلسانه و في خاطري هذه المشابهة بين مقطع من معلّقة امرى‏ء القيس، و مقاطع كثيرة من أدب ابن أبي طالب، و هي تصبّ جميعا في معنى الوحدة الوجودية الكاملة. ثم تزيد عن ذلك بانطلاقه فذة إلى قهر الظالم و المعتدي، و إلى نصرة الضعيف في النبت و الأرض و البهيمة و الأرض الواطئة حتى يستوي الوجود قويا بهيّا.

يقول الشاعر الكوني امرؤ القيس أولا ما خلاصته: لقد قعدت لذلك البرق أرقب من أين يجي‏ء المطر، و يا لروعة ما رأيت لقد أقبل المطر من جهات أربع سيولا سيولا رأيته من بعيد فكان يمينه في تقديري على جبل «قطن» و يساره على جبلي «الستار» و «يذبل». و راح الماء ينبجس شديدا هنا و هناك فتقلب سيوله الأشجار قلبا عتيّا، و مرّ على جبل «القنان» برشاشه فأكره الوعول على النزول عنه. بعد ذلك يقول الشاعر: و تيماء لم يترك بها جذع نخلة *** و لا أطما إلاّ مشيدا بجندل

كأنّ ثبيرا في عرانين وبله *** كبير أناس في بجاد مزمّل

كأن ذرى رأس المجيمر غدوة *** من السيل و الغثّاء فلكة مغزل

و ألقى بصحراء الغبيط بعاعه *** نزول اليماني ذي العياب المحمّل

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقد اقتصرنا على رواية واحدة من هذه الروايات ، سوف ترد في معرض حديث الإمام عليعليه‌السلام عند مروره بكربلاء ، عما حدث ويحدث فيها.

١٧٤ ـ معرفة زكرياعليه‌السلام بما سيجري على الإمام الحسينعليه‌السلام :

الظاهر أن كل الأنبياء كانوا على علم بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقد أطلعهم الله تعالى على مجيء خاتم النبيين وأهل بيتهعليهم‌السلام . فكانوا على علم بالخمسة أصحاب الكساء وأسمائهم ومكانتهم. ومن ذلك ما وجد على لوح سفينة نوحعليه‌السلام فقد وجد مرسوما عليه كف لها خمسة أصابع ، مكتوب عليها :

(محمد ـ إيليا ـ شبّر ـ شبير ـ فاطما)

وكان كل نبي يتوسل بهذه الأسماء المباركة إلى الله تعالى في الملمات والأزمات فيفرج الله عنه. فبهذه الأسماء توسل آدم إلى الله فتاب عليه ، وبها توسل نوحعليه‌السلام حين كادت سفينته تغرق فاستوت على الموج ، وبها دعا يوسفعليه‌السلام دعاء الفرج وهو في السجن ففرج الله عنه وجعله ملكا.

ولذلك لا نستغرب معرفة زكرياعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام ولما سيجري عليه. فحين وهبه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا ، وقدر له أن يقتل ، واساه بمقتل الحسينعليه‌السلام سبط محمد خاتم الأنبياء وأفضلهم ، وقصّ عليه قصته.

١٧٥ ـ حديث مقتل يحيى بن زكرياعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

«في حديث مقاتل عن علي زين العابدين عن أبيه الحسينعليه‌السلام قال» :

إن امرأة ملك بني اسرائيل(١) كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك (أي هيرودس) ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك. فعرفت المرأة ذلك ، وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه (أي رقصت في مجلس شرابه). فقال لها الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا. فقال الملك :

__________________

(١) اسم المرأة (هيروديا) وكانت زوجة فيليبس ، ولدت منه بنتا اسمها (سالومي). ثم عشقها أخوه الملك هيرودس ، فهربت هيروديا معه وتزوجها. والمفهوم من الكلام اللاحق أنها حين كبرت أرادت أن تزوج ابنتها سالومي من الملك أيضا. فاستشار زكريا فأنكر ذلك. فحقدت عليه هيروديا ودبرت له المكيدة لقتلهعليه‌السلام .

٢٠١

يا بنية حاجة غير هذه. قالت : ما أريد غيره. وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه (اعتبر الإخلاف بالوعد هنا كذبا) فخير بين ملكه وبين قتل يحيى ، فقتله. ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها.

وسلط الله عليهم (بخت نصر) فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئا.فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت : أيها الملك إن هذه مدينة الأنبياء (أي طبريا) لا تنفتح إلا بما أدلك عليه. قال : لك ما سألت. قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطعت فدخلها. فقال : علي بالعجوز فقال لها : ما حاجتك؟قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن.

يا ولدي يا علي ، والله لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي(١) فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا.

١٧٦ ـ الله سيثأر للحسينعليه‌السلام مثلما ثأر ليحيىعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ج ٤ ص ١٣٦)

روى الحاكم في المستدرك بعدة أسانيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.

قال : أوحى الله تعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا (أو على دم يحيى بن زكريا) سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

(وفي مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف) :

عن تاريخ بغداد ، وخراسان ، والإبانة ، والفردوس ، قال ابن عباس : أوحى الله تعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

وعن الصادقعليه‌السلام : قتل بالحسين مائة ألف وما طلب بثأره ، وسيطلب بثأره.

١٧٧ ـ مقارنة بين محنة النبي يحيى ومحنة الإمام الحسينعليه‌السلام :

(بقلم المؤلف)

لقد جرت قدرة الله تعالى على أن يكون الأنبياء محط ابتلائه سبحانه وامتحانه

__________________

(١) الإمام المهدي (ع) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) ، وهو الإمام الحجة القائم الذي سيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.

٢٠٢

واختباره فها هو ابراهيمعليه‌السلام يبلغ من الكبر عتيا وقد رزقه الله اسماعيل ، وما كاد يفرح به وتقرّ به عينه ، حتى أمره سبحانه بذبحه ، فامتثل أمره وامتثل ابنه أمره أيضا ، وكاد يذبح إسماعيل لو لا أن فداه الله بذبح عظيم. قال تعالى في سورة الصافات :( وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١)فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (١٠٧). والذبح العظيم هو الحسينعليه‌السلام .

وها هو زكرياعليه‌السلام يحرم الولد والنسل حتى إذا أدركه الكبر دعا ربه مخلصا ، فرزقه الله من زوجته العاقر ولدا اسمه (يحيى) تقر به عينه ويرثه من بعده. حتى إذا شب يافعا اختاره الله إلى جواره مذبوحا مقتولا.

وها هو النبي الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، يختم حياته بامتحان عظيم وقد حرمه الله الولد والنسل إلا من ابنته الزهراءعليها‌السلام ، فشاء سبحانه في سابق قضائه وتقديره أن يرى حفيده الحسين مقتولا مذبوحا في أرض كربلاء ، هو وجميع أهل بيته ما عدا الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وأن يرى حرمه ورهطه مشردين وأطفاله صرعى ونساءه سبايا مقيدات بالأصفاد.

ومن التشابه العجيب بين محنة يحيىعليه‌السلام ومحنة الحسينعليه‌السلام أن يحيى قضى مذبوحا وأخذ رأسه فقدم مهرا لبغيّ من بغايا بني إسرائيل ، تماما كما قضى الحسينعليه‌السلام مذبوحا وحمل رأسه لأبغى رجل من آل أبي سفيان وهو يزيد بن معاوية. وهذا مفاد قول الحسينعليه‌السلام : «من هوان الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى». يومي بذلكعليه‌السلام إلى ما سيؤول إليه حاله من قتله وقطع رأسه وحمله إلى أشقى أهل الأرض ، وكيف أن رأسه الشريف سينطق بالحق ويسمع ويجيب ، تماما كما حدث ليحيى بن زكريا ، وذلك أن رأس الحسينعليه‌السلام كان يقرأ وهو على رمح طويل في الكوفة قوله تعالى :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (٩) [الكهف : ٩].

هذا مع أن محنة الحسينعليه‌السلام لا تقارن في وطأتها مع محنة يحيىعليه‌السلام فيحيى قتل وحده ، والحسين قتل معه من أهل بيته سبعة عشر رجلا ما لهم على وجه الأرض

٢٠٣

شبيه. ويحيى لم تقتل له أطفال ولم تسب له نساء ولا عيال ، والحسينعليه‌السلام ذبحت أطفاله وسبيت نساؤه وعياله. ويحيى لم يمنع من شرب الماء ، بينما الحسينعليه‌السلام منع هو وعياله وأطفاله من شرب الماء حتى قضوا عطاشى ظامئين.

ولعله لهذا التشابه الكبير بين يحيى والحسينعليهما‌السلام وبين زكريا وخاتم النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان من إعجاز القرآن الكريم أن يبتدىء سبحانه قصة يحيى بن زكريا (التي وردت في مطلع سورة مريم) برموز تشير بشكل خفي إلى ما سيكون من محنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولده الحسينعليه‌السلام ، كما كان من محنة زكريا بيحيىعليه‌السلام ، فابتدأ سبحانه قصة يحيىعليه‌السلام بقوله( كهيعص ) (١) [مريم : ١].

١٧٨ ـ معنى( كهيعص ) :

هناك روايتان في هذا الموضوع عن الإمام الحجةعليه‌السلام . إحداهما عن إسحق الأحمر (وردت في مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف) والثانية عن سعد بن عبد الله (وردت في معالي السبطين لمحمد مهدي المازندراني ج ١ ص ١١٠ ط حجر إيران). وسوف ندمج الروايتين.

عن سعد بن عبد الله ، قال : قلت لصاحب الأمر (عج) : أخبرني يابن رسول الله عن تفسير (كهيعص)؟. فقال : «هذه الحروف من أنباء الغيب ، الذي أطلع الله عليه عبده زكريا ، ثم قصّها على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وذلك أن زكرياعليه‌السلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسةعليه‌السلام ، فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها. فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسنعليهم‌السلام سرّي عنه همه وانجلى كربه (أو : سرّ وزال عنه غمومه وفرج عنه همومه وانجلى كربه) ، وإذا ذكر الحسينعليه‌السلام غلبته العبرة ووقعت عليه الزفرة (أو : خنقته العبرة ووقعت عليه الكدورة).

فقال ذات يوم : إلهي (ما بالي) إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسينعليه‌السلام تدمع عيني وتثور زفرتي (ويكسر خاطري)؟فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته ووقعته ، فقال :.

( كهيعص )

فالكاف : اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة ، والياء : يزيد ، وهو ظالم الحسينعليه‌السلام ، والعين : عطشه ، والصاد : صبره.

٢٠٤

وما أحسن ما قيل في ذلك : (معالي السبطين ج ١ ص ١١١)

يا قتيلا صبره الممدوح من رب العباد

حيث قال الله فيه : كاف ها يا عين صاد

كربلا الكاف وقد حلّ بها البلا

قتلت فيه بيوم الطف سادات الملا

ويزيد ياؤها المعهود والعين تلا

عطش السبط وقد أضرم نارا للفؤاد

فلما سمع زكريا ذلك لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي أتنزل الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثم كان زكرياعليه‌السلام يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا رضيا يوازي محله الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده.

فاستجاب الله دعاءه ، فرزقه يحيى وفجعه به. وكان يوم استجابة دعائه يوم أول المحرم ، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في محرابه : (إن الله يبشّرك بيحيى) «انتهى كلام الحجةعليه‌السلام ».

١٧٩ ـ قصة حياة يحيى بن زكريا من مولده إلى مقتله كما وردت في العهد الجديد بتصرف :

(إنجيل لوقا ، إصحاح ١ ؛ وإنجيل متى ، إصحاح ١٤)

كان في أيام الملك (هيرودس) حاكم الرومان على فلسطين ، كاهن اسمه زكريا.وكان هو وزوجته (إليصابات) من الأبرار ، القائمين بكل أحكام الله ووصاياه.وكانت (إليصابات) عاقرا لا تنجب أولادا ، وكانت متقدمة في السن كزوجها زكريا.فنادى ربه أن يهبه غلاما بارا ويوما كان في المعبد فأصابته القرعة أن يحضر أعمال الهيكل. وبينما هو داخل الهيكل ظهر له ملاك من عند الله واقفا عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب وخاف. فقال له الملاك : لا تخف يا زكريا فإن مناجاتك قد سمعت ، وإن الله يبشّرك بغلام من امرأتك اليصابات اسمه يحيى (أي يوحنا) وستفرح به ويفرح به كثير من الناس. لأنه سيكون تقيا ، ولا يشرب

٢٠٥

الخمر ولا المسكر. وسيمتلىء بالروح القدس وهو في بطن أمه ، فيردّ الكثيرين من بني إسرائيل إلى ربهم. فلم يصدّق زكريا هذه البشرى وقال للملاك : كيف أصدق هذا وأنا شيخ وامرأتي عاقر ، فقال له الملاك : سوف تبقى صامتا لا تقدر على الكلام حتى ترى وليدك ، لأنك لم تصدّق كلامي الذي سيتم في حينه وكان الناس ينتظرون زكريا وقد أبطأ عن الخروج من الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ، ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل ، فكان يومي إليهم. ولما انتهت مدة خدمته للهيكل مضى إلى بيته وبعد تلك الأيام حملت إليصابات وأنجبت طفلا ، وعندما اختلف الموجودون في تسميته نطق والده قائلا : لا تختلفوا فقد سماه الله (يحيى).وقص على أهله ما جرى له في الهيكل وكيف بشره الملاك بولادة يحيى.

كان يحيى يعيش في البراري ويأكل عسل النحل ، ويلبس نطاقا من جلد على وسطه وثيابا عادية. وكان يدعو الناس إلى الرجوع لطريق الخير ويحثهم على الأعمال الحسنة ، وكان يقف دائما في وجه الباطل ولا يسكت عنه ، مما دعا إلى حقد الحكام عليه.

ولما أراد (هيرودس) أن يتزوج من زوجة أخيه (هيروديا) قام يحيى بوجه هذا العمل لأنه حرام في الشريعة اليهودية ، وانتقد هيرودس وقال له : لا يحل أن تكون لك. ولما أراد أن يقتله بناء على نقمة (هيروديا) خاف من الشعب ، لأن يحيى كان عندهم بمنزلة النبي ، فأودعه السجن.

ثم لما صار يوم ميلاد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في جموع المدعوين ، فسرّت هيرودس. فوعدها بأن يعطيها ما تطلب وأقسم على ذلك. فقالت وقد لقّنتها أمها شيئا : أريد رأس يوحنا المعمدان على طبق. فاغتم الملك ، ولكنه وجد نفسه ملزما بالتنفيذ بناء على إلحاح الموجودين وما أخذ على نفسه من الأقسام ، فأرسل وقطع رأس يحيى في السجن. فأحضر رأسه على طبق ودفعه إلى الصبية (وهي سالومي) فجاءت به إلى أمها. ثم تقدم تلاميذ يحيى ورفعوا الجسد ودفنوه ، ثم أتوا إلى المسيحعليه‌السلام فأخبروه بما حدث(١) .

__________________

(١) لزيادة الاطلاع راجع كتاب قصة المسيح بن مريمعليه‌السلام لعبد الحميد جودت السحار ، تجد قصة يحيى بن زكريا بشكل مفصل.

٢٠٦

١٨٠ ـ أوجه الشبه بين يحيى والحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٩١١١

يقول السيد محمد مهدي المازندراني الحائري :

ولقد أشبه يحيى الحسينعليه‌السلام من جهات شتى :

١ ـ في مدة الحمل ، فكان حمل يحيى ستة أشهر كالحسينعليه‌السلام .

٢ ـ يحيى بشر به زكريا قبل ولادته ، كما بشّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادة الحسينعليه‌السلام .

٣ ـ يحيى لم يسمّ باسمه أحد قبله ، وكذلك الحسينعليه‌السلام .

٤ ـ يحيى لم يرضع من ثدي أمه وأرضع من السماء ، والحسينعليه‌السلام لم يرضع من فاطمةعليها‌السلام بل أرضع من لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبهامه.

٥ ـ يحيى رفع إلى السماء بعد الولادة ، والحسينعليه‌السلام أيضا رفع إلى السماء لتزوره الملائكة يوم السابع من ولادته ، ويوم شهادته.

٦ ـ يحيى كان يتكلم في بطن أمه ، والحسينعليه‌السلام كذلك ، قال : يقول في بطن أمه فاطمةعليها‌السلام : يا أماه أنا العطشان ، يا أماه أنا العريان ، يا أماه أنا السحقان.

٧ ـ يحيى لم ير فرحا طول عمره ، وكذلك الحسينعليه‌السلام .

٨ ـ يحيى قتل مظلوما ، والحسينعليه‌السلام قتل كذلك.

٩ ـ الذي قتل يحيى مشكوك في نسبه ، وكذلك قاتل الحسينعليه‌السلام .

١٠ ـ يحيى بكت عليه ملائكة السموات ، والحسينعليه‌السلام بكت عليه ملائكة السموات والأرض وجميع الموجودات.

١١ ـ يحيى بقي دمه يغلي ، فكلما وضعوا عليه التراب ازداد غليانا ، حتى صار تلا عظيما ، فما سكن حتى سلّط الله على بني إسرائيل بخت نصر ، وقتل سبعين ألفا من بني إسرائيل ، ولكن الحسينعليه‌السلام دمه يغلي حتى يظهر ولده المهدي (عج).

وهو وإن كان قتل به سبعون ألفا وسبعون ألفا ولكنه ما يسكن دمه حتى يطلب المهديعليه‌السلام بثأره.

١٢ ـ يحيى قطع رأسه ووضع في طشت من ذهب بين يدي عدوه ونطق بكلمة ، وهي أن قال : اتق الله يا أيها الملك ، فإنها لا تجوز لك ، أن تباشر ابنتك (أي

٢٠٧

ربيبتك). والحسينعليه‌السلام لما قتل سمعوا رأسه الشريف يقرأ القرآن على الرمح ، ولما وضع في الطشت بين يدي يزيد قرأ آية من القرآن ، واللعين يضرب ثناياه بقضيب من خيزران.

ولكن شتان بين مصيبة يحيى ومصيبة الحسينعليه‌السلام ، فيحيى قتل لوحده ، أما الحسينعليه‌السلام فقد قتل هو وكل إخوته وأولاده وأبناء عمومته ، وذبح ابنه في حجره ، وقتل عطشانا ، ورضّ جسده الشريف ، ثم سبيت حريمه وذريته.

(أقول) : ولأن مصيبة يحيىعليه‌السلام شبيهة بمصيبة الحسينعليه‌السلام ، كان الحسينعليه‌السلام يذكر يحيى ومصيبته وهو في طريقه إلى الشهادة في كربلاء.

فأول ما ذكره ، حين أقبل إليه عبد الله بن عمر ونصحه ، فقال له : «يا أبا عبد الرحمن ، إن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى بن زكريا ، بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة».

كما ذكرهعليه‌السلام كثيرا وهو في طريقه إلى العراق. فعن الإمام زين العابدينعليه‌السلام قال : خرجنا مع الحسينعليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكرياعليه‌السلام .

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ب

ما يجري على أهل بيتهعليهم‌السلام من بعده

١٨١ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسين وما يلاقيه أهل بيتهعليهم‌السلام :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٥١ ط نجف)

روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ذات يوم جالسا ، وحوله علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال لهم : كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى (أي متفرقة)؟فقال الحسينعليه‌السلام : نموت موتا أو نقتل؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل تقتل يا بني ظلما ، ويقتل أخوك ظلما ، وتشرد ذراريكم في الأرض.

فقال الحسينعليه‌السلام : ومن يقتلنا يا رسول الله؟ قال : شرار الناس. قال : فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال : نعم طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي ، فإذا

٢٠٨

كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ بأعضادهم ، فأخلهم من أهواله وشدائده.

١٨٢ ـ ما يحصل لذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٦ ط نجف)

أخبرنا عين الأئمة أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، حدثنا خالد بن نافع مولى ابن عباس ، قال : سمعت ابن عباس يقول : أخذ بيدي عليعليه‌السلام وقال : يا عبد الله بن عباس ، كيف بك إذا قتلنا وولغت الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا كما تسبى الأعاجم؟ قال : فقلت أعيذك بالله يا أبا الحسن يا بن عم ، لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنه يكون هذا. أما ترى الإيمان ما أحسنه ، والإسلام ما أزينه ، أتراهم فاعلين ذلك بنا؟ لعلها أمة غير هذه الأمة. قالعليه‌السلام : لا والله ، بل هذه الأمة!

١٨٣ ـ وعيد شديد لظلمة آل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٦ ط نجف)

عن ميمون بن مهران ، في قوله تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] قال : هذا وعيد من الله لظلمة أهل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعزية للمظلوم.

وسوف نستعرض في هذا الفصل طائفة من الأخبار المستفيضة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تنبأت باستشهاد الحسينعليه‌السلام .

وكما أن هذه الأخبار هي من كرامات مولانا الحسينعليه‌السلام ، فهي من معجزات الحبيب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إخباره بالغيب ، وهو مما علمه الله تعالى وأطلعه عليه ، مصداقا لقوله تعالى :( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) وهذا الإعلام هو جزء مما أطلع الله عليه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمور التي ستحدث على أهل بيته وعلى أمته من بعده. وهو ما أملاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمام عليعليه‌السلام فكتبه عليعليه‌السلام بخط يده ، على جلد خاص ، فسمي فيما بعد (الجفر).

فاسمحوا لي أن أعرفكم على الجفر وعلومه قبل سرد تلك الروايات.

٢٠٩

علوم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات

١٨٤ ـ علم الجفر :

(كتاب الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٦١)

الجفر لغة : هو الجلد المشغول ، إذ كان الناس في القديم يعملون جلود الأنعام ويرققونها ليكتبوا عليها. ثم تقدمت هذه الصناعة حتى صاروا يكتبون على جلد الغزال وأطلقوا عليه اسم (رق الغزال). وإلى الآن نجد بعض الكتب والحروز مكتوبة على هذا النوع من الجلد. ومن ثم أطلقت كلمة (الجفر) على (علم الجفر) وهو من العلوم التي اختص بها الإمام عليعليه‌السلام بادىء بدء ، كما اختص بغيره من العلوم ، وهو من العلوم التي علمه إياها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصه به دون غيره كعلم المنايا والبلايا. ولقد دوّن الإمام هذا العلم على جلد الجفر ، وصار يتوارثه من بعده أولاده الميامين. وهو من الأسرار التي لم يطلّع عليها أحد من الناس حتى أيام الإمام الصادقعليه‌السلام حيث أفضى بهعليه‌السلام إلى بعض خواص أصحابه.

وقد ذكر كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في (الدر المنظم في السر الأعظم) قال : جفر الإمام عليعليه‌السلام ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف (بالجفر الجامع والنور اللامع) وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر عند الصوفية. وقيل العلم المكنون والسر المصون. وقيل باللغة الخفية عند السادة الحرفية ، وهو عبارة عن أسرار الغيوب. وقيل مفتاح اللوح والقلم. وقال أهل الملاحم هو عبارة عن سر حوادث الكون ، وقيل مفتاح العلم اللدني.

والجفر عبارة عن كتابين : أحدهما ذكره الإمام عليعليه‌السلام على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة ، والآخر أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابته في هذا العلم المكنون ، وهو المشار إليه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. فكتبه الإمام عليعليه‌السلام حروفا مفرقة على طريقة سفر آدمعليه‌السلام .وفي ذلك قال الشاعر :

(دائرة المعارف ج ١ ص ٢)

وقد عجبوا لأهل البيت لما

أتاهم علمهم في مسك جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

أرته كلّ عامرة وقفر

وتوجد في مخازن الكتب نوادر مخطوطة في هذا العلم. فإن في دار الكتب

٢١٠

المصرية كتاب مخطوط اسمه (الجفر الجامع والنور الساطع) للإمام الأعظم علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقع في مجلدين ضخمين. وقد ضمت مكتبة الدكتور حسين علي محفوظ على كتاب مخطوط اسمه (الدر المنظم في السر الأعظم في الجفر الجامع والنور اللامع) لمؤلفه كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٢ ه‍ وتاريخ كتابة النسخة عام ١٢٧٣ ه‍. وفي مكتبة السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي نسخة خطية عنوانها (الجفر الجامع : جفر علي وجفر جعفر الصادق) لمؤلفه محي الدين بن العربي.

١٨٥ ـ علوم أهل البيت ٣ :(المجالس السنية ، ج ٥ ص ٣١٠)

قال الشيخ المفيد وغيره : كان الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع. وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمةعليها‌السلام ، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.

فسئل عن تفسير ذلك ، فقال : (أما الغابر) فالعلم بما يكون ، (وأما المزبور) فالعلم بما كان ، (وأما النكت في القلوب) فهو الإلهام ، (والنقر في الأسماع) حديث الملائكة ، يسمع كلامهم ولا ترى أشخاصهم. وأما (الجفر الأحمر) فوعاء فيه سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت. وأما (الجفر الأبيض) فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى. وأما (مصحف فاطمة) ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.وأما (الجامعة) فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي بن أبي طالب بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، حتى أن فيه أرش الخدش ، والجلدة ونصف الجلدة.

شرح : الأرش : هو الدية أو الغرامة ، والمعنى أن هذا الكتاب فيه كل الأحكام الشرعية ، حتى غرامة من يخدش جلد غيره.

١٨٦ ـ لكل إمام صحيفة يعرف منها كل ما يجري عليه :

(مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ، ص ٢٨٨ ط حجر)

عن أبي عبد الله البزاز عن حريز ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام :جعلت فداك ، ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض ، مع حاجة الناس إليكم؟ فقال : إن لكل واحد منا صحيفة ، فيها ما يحتاج إليه أن يعمل في

٢١١

مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به ، عرف أن أجله قد حضر. فأتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى بنعي إليه نفسه ، وأخبره بما له عند الله. وإن الحسينعليه‌السلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسّر له ما يأتي ، بنعي ينعى. وبقي فيها أشياء لم تقض ، فخرج للقتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت.

١٨٧ ـ صحيفة بإملاء عليعليه‌السلام فيها كل شيء :

(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، ص ٢٧)

عن سليم بن قيس أنه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا. ثم قال ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها! ولقد دلت على ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذي قار ، فأخرج صحيفة وقال لي : يا بن عباس هذه صحيفة أملاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطي بيدي. قال : فأخرج لي الصحيفة ، فقلت :يا أمير المؤمنين اقرأها علي ، فقرأها. وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكيف يقتل الحسينعليه‌السلام ومن يقتله ، ومن ينصره ومن يستشهد معه.وبكى بكاء شديدا وأبكاني. وان فيما قرأه : كيف يصنع به ، وكيف تستشهد فاطمةعليها‌السلام وكيف يستشهد الحسنعليه‌السلام وكيف تغدر به الأمة. فلما قرأ مقتل الحسينعليه‌السلام ومن يقتله ، أكثر البكاء. ثم أدرج الصحيفة ، وفيه ما كان ويكون إلى يوم القيامة.

١٨٨ ـ لوح عند فاطمةعليها‌السلام رآه جابر الأنصاري ، وفيه ذكر الأئمةعليهم‌السلام :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٠٩٣)

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال : دخل جابر الأنصاري إلى أبي في مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : يا جابر ، بحق جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أخبرتني عن اللوح ، أرأيته عند أمي فاطمة الزهراءعليها‌السلام . فقال جابر : أشهد بالله العظيم ورسوله الكريم ، لقد أتيت إلى فاطمة الزهراءعليها‌السلام في بعض الأيام لأهنّئها بولدها الحسينعليه‌السلام بعد ما وضعته بستة أيام ، فإذا هي جالسة وبيدها لوح أخضر من زمردة خضراء ، وفيه كتابة أنور من الشمس ، وله رائحة أطيب من المسك (الأذفر).فقلت له : ما هذا اللوح يا بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالت : هذا اللوح أهداه الله إلى أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيه اسم محمد المصطفى واسم علي المرتضى واسم ولديّ الحسن والحسين ، وأسماء الأئمة الباقين من ولدي. فسألتها أن تدفعه إلي لأنظر ما

٢١٢

فيه ، فدفعته إلي فسررت به سرورا عظيما فقلت لها : يا ست النساء ، هل تأذنين لي أن أكتب نسخته؟ فقالت : افعل. فأخذته ونسخته عندي.

فقال له الباقرعليه‌السلام : هل لك أن تريني نسخته بعينها الآن؟ فمضى جابر إلى منزله ، فأتى بصحيفة من كاغذ (أي ورق) مكتوب فيها :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . هذا كتاب من (العزيز) العليم ، أنزله الروح الأمين ، على خاتم النبيين أجمعين. أما بعد ، يا محمد عظّم أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، ولا ترج سوائي ولا تخش غيري ، فإنه من يرجو سوائي ويخش غيري ، أعذبه عذابا لا أعذب به أحدا من العالمين.

يا محمد ، إني اصطفيتك على سائر الأنبياء ، وفضلت وصيك عليا على سائر الأوصياء. وجعلت ولدك الحسنعليه‌السلام عيبة علمي بعد انقضاء مدة أبيه. وجعلت الحسينعليه‌السلام خير أولاد الأولين والآخرين ، ومن نسله الأئمة المعصومين ، وعليه تشب فتنة صماء ، فالويل كل الويل لمن حاربه وغصبه حقه. ومنه يعقب زين العابدين ، وبعده محمد الباقر لعلمي ، والدايع إلى سبيلي على منهاج الحق. ومن بعده جعفر الصادق القول والعمل. ومن بعده الإمام المطهر موسى بن جعفر. ومن بعده علي بن موسى الرضا ، يقتله كافر عنيد ، ذو بأس شديد. ومن بعده محمد الجواد يقتل مسموما. ومن بعده علي الهادي يقتل بالسم. ومن بعده الحسن العسكري يقتل بالسم. ومن بعده القائم المهديعليه‌السلام وهو الذي يقيم اعوجاج الدين ، ويأخذ ثأر الأئمة الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو رحمة للعالمين ، وسوط عذاب على الظالمين. وسألقي عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوبعليه‌السلام ، فتذل أوليائي قبل ظهوره ، وتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيظهر حجتي منهم ، فيقتلون ويحرقون وتصبغ الأرض من دمائهم ، ويفشو الويل والرنة في نسائهم. أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندسية ، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الأصفاد والأغلال. أولئك عليم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون.

فقال بعض أصحاب الصادقعليه‌السلام : يا مولانا لو لم نسمع في دهرنا إلا فضل هذا الحديث لكفانا فضله.

وقالعليه‌السلام : ولكن فصنه إلا عن أهله.

٢١٣

١٨٩ ـ نزول الوصية الإلهية على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة كتاب مختوم يفكه الأئمةعليهم‌السلام ويعملون بمقتضاه :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠)

في رواية معاذ بن كثير عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : إن الوصية نزلت من الله تعالى على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابا لم ينزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب مختوم إلا الوصية. فقال جبرئيل : يا محمد هذه وصيتك إلى أمتك عند أهل بيتك. وكان كلما استلم إمام فض خاتما منها وعمل بما فيه.

وقد ورد هذا الحديث في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى. فقد وردت تلك الأخبار بأسانيد معتبرة ومتون متقاربة.

وقد ورد في بعض منها : ثم دفعه إلى الحسينعليه‌السلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن قاتل وتقتل ، واخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلا معك ، واشر نفسك للهعزوجل ، ففعل. ثم دفعه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن اطرق واصمت والزم منزلك ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل.

ثم دفعه إلى محمد بن علي (الباقر) ففك خاتما ، فوجد فيه : فسّر كتاب الله وصدّقه آباءك وورّث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله ، وقل الحق في الخوف ، ولا تخافنّ إلا اللهعزوجل ، فإنه لا سبيل لأحد عليك. ثم دفعه إلى ابنه جعفر (الصادق) ففك خاتما ، فوجد فيه : أن حدّث الناس وافتهم ، وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آباءك الصالحين ، ولا تخافن إلا اللهعزوجل وأنت في حرز وأمان ، ففعل. ثم دفعه إلى ابنه موسى (الكاظم) ، وكذلك دفعه موسى إلى الذي بعده ، ثم كذلك إلى العلم المهديعليه‌السلام .

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

* راجع الفقرات رقم ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ و ١٢٨ و ١٤٥ و ١٤٦ و ١٤٧.

١٩٠ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الحسينعليه‌السلام ودعوته إلى مودة أهل البيتعليهم‌السلام :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٣)

ولما أنت على الحسينعليه‌السلام من مولده سنتان كاملتان ، خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه. فسئل عن ذلك؟فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل فيها

٢١٤

ولدي الحسين بن فاطمةعليه‌السلام . فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله في نفسه. وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه ، وكأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا ، ويهدى رأسه إلى يزيد.

ثم صعد المنبر مغموما مهموما ، حزينا كئيبا باكيا ، وأصعد معه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ووضع يده اليمنى على رأس الحسنعليه‌السلام واليسرى على رأس الحسينعليه‌السلام وقال : «اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مخذول مقتول بالسم ، والآخر شهيد مضرج بالدم. اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء. اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ، وأصله حرّ نارك ، واحشره في أسفل درك الجحيم». قال : فضج الناس بالبكاء والعويل فقال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتبكون ولا تنصرونه؟ اللهم فكن أنت له وليا وناصرا».

وقال ابن عباس : خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل موته بأيام يسيرة إلى سفر له ثم رجعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعا(١) . ثم قال : «يا قوم إني مخلف فيكم الثّقلين : كتاب الله ، وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ألا وإنني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي (أسئلكم عن الموؤدة في القربى) واحذروا أن تلقوني على الحوض غدا وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم».

والآن نذكر ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنحو التواتر ، في إخباره عن شهادة الحسينعليه‌السلام بكربلاء وبكائه عليه قبل وقوع الحادثة. نبدأ بروايات أمير المؤمنينعليه‌السلام .

١٩١ ـ مرور أمير المؤمنينعليه‌السلام على كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسينعليه‌السلام ص ٩١٦٥

عن عبد الله بن نجيّ عن أبيه ، أنه سافر مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذوا نينوى ، وهو منطلق إلى صفين ، نادى عليعليه‌السلام :صبرا أبا عبد الله ، صبرا أبا عبد الله بشط الفرات. قلت : من ذا أبو عبد الله؟ قال :دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيناه تفيضان. فقلت : يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١١ وذكر هذا الكلام وعمر الحسينعليه‌السلام سنتان.

٢١٥

شأن عينيك تفيضان؟ قال : ما أغضبني أحد ، بل قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدثني أن الحسينعليه‌السلام يقتل بشط الفرات. وقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال :قلت نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

١٩٢ ـ رواية مشابهة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٢٦١)

وذكر ابن سعد أيضا عن الشعبي ، قال : لما مرّ عليعليه‌السلام بكربلاء في مسيره إلى صفين وحاذى نينوى (قرية على الفرات) ، وقف ونادى صاحب مطهرته (أي وضوئه) : أخبر أبا عبد الله ما يقال لهذه الأرض. فقال : كربلاء.

فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : كان عندي جبرئيل آنفا ، وأخبرني أن ولدي الحسينعليه‌السلام يقتل بشط الفرات بموضع يقال له كربلا. ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب ، فشمني إياها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

١٩٣ ـ روايات أم سلمة (رض):(تاريخ بغداد ، ج ١ ص ١٤٢ ط ١)

عن أبي جعفرعليه‌السلام عن أم سلمة ، قالت : قال رسول اللهعليه‌السلام : يقتل حسين على رأس ستين من مهاجري. وفي معجم الطبراني ، عن أم سلمة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يقتل الحسينعليه‌السلام حين يعلوه القتير (أي بوادر الشيب).

١٩٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى مقتل الحسينعليه‌السلام في كربلاء :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٧ ط بيروت)

عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ، ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ، ويده مضمومة. فقلت له : يا رسول الله ، مالي أراك أشعث أغبر؟ فقال : أسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق ، يقال له : كربلاء ، فرأيت فيه مصرع الحسينعليه‌السلام وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألتقط دماءهم فيها في يدي ، وبسطها فقال : خذيه واحتفظي (به) فأخذته فإذا هي شبه تراب أحمر. فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها.

فلما خرج الحسينعليه‌السلام متوجها نحو أهل العراق ، كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة ، فأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابها. فلما كان يوم العاشر من المحرم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عدت

٢١٦

إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط (أي طري طازج). فضججت في بيتي وكظمت غيظي ، مخافة أن يسمع أعداءهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة. فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه ، فحقق ما رأيت.

١٩٥ ـ حديث أم سلمة (خبر القارورة):(تاريخ ابن عساكر ، ص ١٧٥)

عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة :

عن أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : كان الحسن والحسينعليهما‌السلام يلعبان بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي ، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك! وأومأ بيده إلى الحسينعليه‌السلام . فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، وديعة عندك هذه التربة. قالت : فشمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : ريح كرب وبلاء. قالت : وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، إذا تحولت هذه التربة دما فأعلمي أن ابني قد قتل.

قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحوّلين دما ليوم عظيم.

١٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يري أم سلمة مضجعه في كربلاء :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٩ ط ٣)

جاء في (الخرايج والجرايح) للقطب الراوندي :

من معجزات الحسينعليه‌السلام أنه لما أراد العراق ، قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق ، فقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق ، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة. فقال الحسينعليه‌السلام : إني والله مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا. وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي. ثم مسح بيدهعليه‌السلام على وجهها ، ففسح الله عن بصرها ، حتى رأيا ذلك كله ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقالعليه‌السلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت.

فقالت أم سلمة : فلما كان يوم عاشوراء ، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر ، فإذا هما قد فاضتا دما ؛ فصاحت.

٢١٧

١٩٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ج ٢ ص ١٤٣)

أخرج ابن سعد والطبراني عن أم المؤمنين عائشة (رض) رفعته ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أن فيها مضجعه.

١٩٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عائشة بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨)

عن أبي الفرج الجوزي عن رجاله ، عن عائشة قالت : دخل الحسين على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غلام يدرج ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي عائشة ألا أعجبك ، لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي مثله (وفي رواية : ملك المطر أو ملك القطر). فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة. فأخرجته يوم قتله وهو دم.

١٩٩ ـ رواية أنس بن مالك الأنصاري :

(تاريخ ابن عساكر ص ١٦٩)

عن أنس بن مالك قال : استأذن ملك القطر على ربهعزوجل أن يزور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأذن له ، فجاءه وهو في بيت أم سلمة. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة احفظيعلينا الباب لا يدخل علينا أحد. فبينا هي على الباب إذ جاء الحسينعليه‌السلام ففتح الباب ، فجعل يتقفز على ظهر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي يلثمه ويقبله. فقال له الملك :أتحبه يا محمد؟ قال : نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله! وإن شئت أن أريك من تربته المكان الذي يقتل فيها!(فأراه إياه). قال : فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأتاه بسهلة حمراء (أو تراب أحمر). فأخذتها أم سلمة فجعلتها في ثوبها. قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء.

٢٠٠ ـ رواية أبي أمامة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ص ١٧١)

في تاريخ ابن عساكر ، والذهبي ، ومجمع الزوائد للهيثمي وغيرها ، عن أبي أمامة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنسائه : لا تبكوا هذا الصبي «يعني حسينا».

٢١٨

قال : وكان يوم أم سلمة ، فنزل جبرئيل ، فدخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الداخل ، وقال لأم سلمة : لا تدعي أحدا أن يدخل علي.

فجاء الحسينعليه‌السلام فلما نظر إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البيت أراد أن يدخل ، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته. فلما اشتد في البكاء خلت عنه. فدخل حتى جلس في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أمتك ستقتل ابنك هذا. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال : نعم يقتلونه. فتناول جبرئيل تربته فقال: مكان كذا وكذا.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد احتضن حسينا ، كاسف البال مهموما. فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه. فقالت : يا نبي الله ، جعلت لك الفداء ، إنك قلت لنا : لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك ، فجاء فخليت عنه. فلم يرد عليها.

فخرج إلى أصحابه وهم جلوس ، فقال لهم : «إن أمتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر ، وكانا أجرأ القوم عليه. فقالا : يا نبي الله ، يقتلونه وهم مؤمنون؟!.قال : نعم. هذه تربته ، فأراهم إياها.

٢٠١ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه في عمورا :

(بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٥ ص ط ٣)

عن جابر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : قال الحسينعليه‌السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله قال لي : «يا بني إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى (عمورا). وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا : (قلنا :( قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) [الأنبياء : ٦٩]. يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم». فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا.

٢٠٢ ـ الإخبار بقتل الحسينعليه‌السلام قبل ولادته :

(دائرة المعارف لمحمد حسين الأعلمي ج ١٥ ص ١٨٠)

في الكافي ومرآة العقول (ج ١ ص ٢٩٣) عن الصادقعليه‌السلام أن جبرئيل نزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا محمد إن الله (يقرئك السلام) ويبشرك بمولود يولد من فاطمةعليها‌السلام تقتله أمتك من بعدك. فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة

٢١٩

لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ثم عرج إلى السماء ثم هبط ، فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والوصية. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد رضيت.

٢٠٣ ـ روايات ابن عباس (رض):(مثير الأحزان لابن نما ص ١٢)

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع الحسن والحسين وفاطمة وعليعليهما‌السلام ، فلما نظر إليهم بكى. فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم. وإنما بكيت لما يحل بهم من بعدي ، وذكرت ما يصنع بهذا ولدي الحسين. كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، ويرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه ، أرض كرب وبلاء. تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، فكأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا. ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما.

ثم انتحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى وأبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج. ثم قام وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.

٢٠٤ ـ رواية أخرى : (البداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ٢١٦)

قال أبو الحافظ أبو بكر البزاز في مسنده عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : كان الحسينعليه‌السلام جالسا في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي؟ فقال : أما إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء.

إخبار الإمام عليعليه‌السلام

٢٠٤ ـ رواية ميثم التمار :(أمالي الصدوق ، ص ١١٠)

حدثنا الشيخ الصدوق ، قال : حدثنا عن جبلة المكية ، قالت : سمعت ميثم التمار يقول : والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم ، لعشر مضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة. وان ذلك لكائن ، قد سبق في علم الله تعالى ذكره.أعلم ذلك بعهد عهده إلي مولاي أمير المؤمنينعليه‌السلام

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237