روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة16%

روائع نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 237

روائع نهج البلاغة
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116048 / تحميل: 7008
الحجم الحجم الحجم
روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

أنت أم رامق؟ فقلت: بل رامق(١) .

قال: طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا و ماءها طيبا و القرآن شعارا و الدّعاء دثارا، ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح إن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له إلاّ أن يكون عشّارا أو عريفا أو شرطيّا(٢) .

لا تقولوا بما لا تعرفون

من خطبة له في صفة الخيّرين: عباد اللّه، إنّ من أحبّ عباد اللّه اليه عبدا قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحقّ و يعمل به، لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها(٣) و لا مظنّة إلاّ قصدها(٤) .

أيها الناس، لا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحق في ما تنكرون و اعذروا من لا حجّة لكم عليه

____________________

(١) أراد ب «الرامق» منتبه العينين، في مقابلة الراقد بمعنى النائم.

(٢) العشار: من يتولى أخذ أعشار الاموال، و هو المكاس. و العريف: من يتجس على أحوال الناس و أسرارهم فيكشفها لأميرهم، مثلا. الشرطة: أعوان الحاكم.

(٣) أمّها: قصدها.

(٤) المظنّة: موضع ظن لوجود الخير.

١٨١

منطقهم الصّواب و مشيهم التّواضع

روي أن صاحبا لابن أبي طالب يقال له «همام» قال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المتّقين حتى كأني أنظر اليهم فتثاقل الإمام عن جوابه قليلا، ثم قال في صفة المتّقين قولا رائعا كثيرا، هذا بعضه: أمّا بعد، فإن اللّه سبحانه و تعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لأنه لا تضرّه معصية من عصاه و لا تنفعه طاعة من أطاعه، فقسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم، فالمتّقون فيها هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه عليهم و وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزّلت أنفسهم منهم في البلاء كما نزّلت في الرّخاء(١) ، و لو لا الأجل الذي كتب عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين.

لا يرضون من أعمالهم القليل و لا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم

____________________

(١) أي انهم إذا كانوا في بلاء كانوا بالأمل في اللّه كأنهم في رخاء لا يجزعون و لا يهنون، و إذا كانوا في رخاء كانوا من خوف اللّه و حذر النقمة كأنهم في بلاء، لا يبطرون و لا يتجبرون.

١٨٢

متّهمون، و من أعمالهم مشفقون(١) ، إذا زكّي أحدهم(٢) خاف مما يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، و ربّي أعلم بي مني بنفسي.

اللهمّ لا تؤاخذني بما يقولون، و اجعلني أفضل مما يظنّون، و اغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم: أنك ترى له حزما في لين، و إيمانا في يقين، و قصدا في غنى(٣) ، و خشوعا في عبادة، و تجمّلا في فاقة، و صبرا في شدّة، و نشاطا في هدى، و تحرّجا عن طمع(٤) . يمزج الحلم بالعلم و القول بالعمل. الخير منه مأمول، و الشرّ منه مأمون. يعفو عمّن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه، بعيدا فحشه ليّنا قوله حاضرا معروفه، لا يحيف على من يبغض و لا يأثم في من يحب. يعترف بالحقّ قبل أن يشهد عليه. لا ينابز بالألقاب(٥) و لا يضارّ بالجار و لا يشمت بالمصائب و لا يدخل في الباطل و لا يخرج من الحق. نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة. بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهة، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة. ليس تباعده بكبر و عظمة و لا دنوّه بمكر و خدعة.

____________________

(١) أي: خائفون من التقصير فيها.

(٢) زكي: مدحه أحد.

(٣) قصدا: اقتصادا.

(٤) التحرج، هنا: التباعد.

(٥) أي: لا يدعو غيره باللقب الذي يكرهه و يشمئزّ منه.

١٨٣

المنافقون

و من خطبة له يصف فيها المنافقين: يتلوّنون ألوانا و يفتنّون افتنانا(١) . لهم بكلّ طريق صريع(٢) ، و إلى كلّ قلب شفيع، و لكلّ شجو دموع(٣) . يتقارضون الثناء(٤) و يتراقبون الجزاء. إن سألوا ألحفوا و إن عذلوا كشفوا(٥) و إن حكموا أسرفوا. قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا و لكلّ قائم مائلا و لكلّ حيّ قاتلا، و لكل باب مفتاحا و لكلّ ليل مصباحا: يتوصلون الى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم و ينفقوا به أعلاقهم(٦) .

____________________

(١) يفتنّون: يأخذون في فنون من القول لا يذهبون مذهبا واحدا.

(٢) الصريع: المطروح على الأرض، أي: انهم كثيرا ما خدعوا أشخاصا أوقعوهم في الهلكة.

(٣) الشجو: الحزن، أي: يبكون تصنعا متى اردوا.

(٤) يتقارضون: كل واحد منهم يسلف الآخر دينا ليؤديه اليه، و كل يعمل للآخر عملا يرتقب جزاءه منه.

(٥) كشفوا: فضحوا.

(٦) ينفقوا: يروّجوا. الأعلاق، جمع علق، و هو الشي‏ء النفيس. و المراد: ما يزينونه من خدائعهم.

١٨٤

كان عليهم سرمدا

من كلام له في وصف من فارقوا الدنيا: لا يفزعهم ورود الأهوال و لا يحزنهم تنكّر الأحوال، و لا يحفلون بالرواجف و لا يأذنون للقواصف، غيّبا لا ينتظرون و شهودا لا يحضرون، و إنما كانوا جميعا فتشتّتوا، و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم و صمّت ديارهم(١) ، و لكنهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحركات سكونا.

جيران لا يتآنسون و أحبّاء لا يتزاورون، بليت بينهم عرى التعارف و انقطعت منهم أسباب الإخاء، فكلّهم وحيد و هم جميع، و بجانب الهجر و هم أخلاّء، لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء، أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا(٢) .

____________________

(١) صمّت: خرست عن الكلام. و خرس الديار: عدم صعود الصوت من سكانها.

(٢) الجديدان: الليل و النهار، فإن ذهبوا في نهار فلا يعرفون له ليلا، أو في ليل فلا يعرفون له نهارا.

١٨٥

تحمله على اهوالها

و من خطبة رائعة له في معنى الدنيا: ساكنها ظاعن و قاطنها بائن(١) تميد بأهلها ميدان السفينة تقصفها العواصف في لجج البحار فمنهم الغرق و منهم الناجي على بطون الأمواج تحفزه الرياح بأذيالها و تحمله على أهوالها(٢) ، فما غرق منها فليس بمستدرك و ما نجا منها فإلى مهلك

كانوا اطول اعمارا

من خطبة له في أحوال الدنيا: أمّا بعد، فإني أحذّركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفّت بالشهوات و تحلّت بالآمال و تزيّنت بالغرور.

____________________

(١) بائن: مبتعد، منفصل.

(٢) أي: منهم من هلك عند تكسر السفينة و منهم من بقيت فيه الحياة فخلص محمولا على بطون الأمواج، كأن الأمواج في انتفاخها كالحيوان المنقلب على ظهره و بطنه إلى أعلى. أما هذا الناجي الذي تدفعه الرياح، فمصيره أيضا إلى الهلاك، بعد طول العناء.

١٨٦

لم يكن امرؤ منها في حبرة(١) إلاّ أعقبته بعدها عبرة، و لم يلق في سرّائها بطنا إلا منحته من ضرّائها ظهرا(٢) . و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة. و إن جانب منها احلولى، أمرّ منها جانب فأوبي(٣) . لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا(٤) إلا أرهقته من نوائبها تعبا و لا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف(٥) كم من واثق بها قد فجعته، و ذي طمأنينة اليها قد صرعته، و ذي أبّهة(٦) قد جعلته حقيرا، و ذي نخوة قد ردّته ذليلا. ملكها مسلوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، و جارها محروب(٧) أ لستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا، و أبقى آثارا، و أبعد آمالا، و أعدّ عديدا، و أكثف جنودا تعبّدوا للدنيا أيّ تعبّد، و آثروها أيّ إيثار، ثم ظعنوا عنها بغير زاد فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية، أو أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة

____________________

(١) الحبرة: المسرة و النعمة.

(٢) كنى ب «البطن» عن الإقبال، و ب «الظهر» عن الإدبار.

(٣) أوبى: صار كثير الوباء.

(٤) الغضارة: النعمة و السعة. الرغب بفتح الباء الرغبة.

(٥) القوادم: أربع ريشات في مقدّم جناح الطائر.

(٦) الأبهة: العظمة.

(٧) محروب: مسلوب المال.

١٨٧

ويل لسكككم العامرة

و من كلام له في مصير البصرة: ويل لسكككم العامرة(١) ، و الدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور، و خراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم، و لا يفقد غائبهم. أنا كابّ الدنيا لوجهها، و قادرها بقدرها و ناظرها بعينها

اللّهمّ قد انصاحت جبالنا

من خطبة له في الاستسقاء، و هي من الخطب التي تزخر بالعاطفة و الحنان، و بالتواضع لخالق الكون و هيبة الوجود: اللهمّ قد انصاحت جبالنا(٢) ، و اغبرّت أرضنا، و هامت دوابّنا و تحيّرت في مرابضها و عجّت عجيج الثّكالى على أولادها، و ملّت التردّد في مراتعها و الحنين إلى مواردها. اللهمّ فارحم أنين الآنّة، و حنين

____________________

(١) سكك، جمع سكة: الطريق المستوي.

(٢) انصاحت: جفت أعالي بقولها و يبست من الجدب.

١٨٨

الحانّة اللهمّ فارحم حيرتها في مذاهبها و أنينها في موالجها(١) اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين و أخلفتنا مخايل الجود(٢) ، فكنت الرجاء للمبتئس و البلاغ(٣) للملتمس: ندعوك حين قنط الأنام و منع الغمام و هلك السوامّ(٤) أن لا تؤاخذنا بأعمالنا و لا تأخذنا بذنوبنا، و انشر علينا رحمتك بالسّحاب المنبعق و الربيع المغدق و النبات المونق سحّا وابلا(٥) تحيي به ما قد مات و تردّ به ما قد فات. اللهمّ سقيا منك محيية مروية، تامّة عامة، طيّبة مباركة، هنيئة، مريعة، زاكيا نبتها ثامرا فرعها(٦) ناضرا ورقها، تنعش بها الضعيف من عبادك و تحيي بها الميت من بلادك. اللهمّ سقيا منك تعشب بها نجادنا(٧) و تجري بها و هادنا و تخصب بها جنابنا(٨) و تقبل بها ثمارنا و تعيش بها مواشينا و تندى بها أقاصينا(٩) و تستعين بها ضواحينا من بركاتك الواسعة

____________________

(١) مداخلها في المرابض.

(٢) مخايل، جمع مخيلة، كمصيبة، و هي: السحابة تظهر كأنها ماطرة ثم لا تمطر.

و الجود: المطر.

(٣) البلاغ: الكفاية.

(٤) السوام: جمع سائمة و هي: البهيمة الراعية من الإبل و نحوها.

(٥) سحّا: صبّا. الوابل: الشديد من المطر الضخم القطر.

(٦) زاكيا: ناميا. ثامرا: آتيا بالثمر.

(٧) النجاد جمع نجد، و هو: ما ارتفع من الأرض.

(٨) الجناب: الناحية.

(٩) القاصية: الناحية أيضا، و هي بمعنى البعيدة عنّا من أطراف بلادنا، في مقابلة «جنابنا».

١٨٩

الغيبة

من كلام له في النهي عن غيبة الناس: و إنما ينبغي لأهل العصمة أن يرحموا أهل الذنوب و المعصية، و يكون الشكر هو الغالب عليهم، فكيف بالغائب الذي غاب أخاه و عيّره ببلواه؟ يا عبد اللّه، لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعلّه مغفور له، و لا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلّك معذّب عليه

يذهب اليوم و يجى‏ء الغد

من خطبة له: إعلموا، عباد اللّه، أنّ عليكم رصدا من أنفسكم(١) و عيونا من جوارحكم، و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم و عدد أنفاسكم لا تستركم منهم ظلمة ليل داج و لا يكنّكم منهم باب ذو رتاج(٢) ، و إنّ غدا من اليوم قريب.

____________________

(١) الرصد، جمع راصد، و يريد به رقيب الذمة و واعظ السر الوجداني الذي لا يغفل عن التنبيه و لا يخطى‏ء في الإنذار و التحذير.

(٢) الرتاج: الباب العظيم إذا كان محكم الغلق.

١٩٠

يذهب اليوم بما فيه و يجي‏ء الغد لاحقا به، فكأنّ كلّ امرى‏ء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته، فيا له من بيت وحدة و منزل وحشة و مفرد غربة

آه من بعد السّفر

دخل ضرار بن حمزة الضبائي على معاوية، فسأله هذا عن الإمام علي، فقال ضرار: فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم(١) و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا يا دنيا، إليك عني أ بي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّفت؟ لا حان حينك(٢) هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، فعيشك قصير، و خطرك يسير، و أملك حقير آه من قلّة الزاد، و طول الطريق، و بعد السفر، و عظيم المورد(٣)

____________________

(١) السليم: الملدوغ.

(٢) تعرض به: تصدّى له و طلبه. لا حان حينك: لا جاء وقت وصولك الى قلبي و تمكّن حبك منه.

(٣) المورد: موقف الورود على اللّه في الحساب.

١٩١

طبيعة الوجود

و من خطبه التي تدل على إدراكه العميق لطبيعة الوجود و أحواله: مع كل جرعة شرق، و في كلّ أكلة غصص، لا تنالون منها يعني الدنيا نعمة إلا بفراق أخرى، و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، و لا تجدّد له زيادة في أكله إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه، و لا يحيا له أثر إلا مات له أثر، و لا يتجدّد له جديد إلا بعد أن يخلق له جديد(١) ، و لا تقوم له نابتة إلا و تسقط منه محصودة. و قد مضت أصول نحن فروعها

و اجرى فيها قمرا منيرا

من خطبة له يذكر فيها ابتداء خلق السماء و الأرض: ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء و شقّ الأرجاء و سكائك الهواء(٢) فأجرى فيها ماء متلاطما تيّاره متراكما زخّاره حمله على متن الريح

____________________

(١) يخلق: يبلى.

(٢) سكائك، جمع سكاكة و هي: الهواء الملاقي عنان السماء.

١٩٢

العاصفة و الزعزع القاصفة. ثم أنشأ سبحانه ريحا أعصف مجراها فأمرها بتصفيق الماء الزخّار(١) و إثارة موج البحار، فمخضته مخض السّقاء(٢) و عصفت به عصفها بالفضاء تردّ أوله إلى آخره و ساجيه إلى مائره(٣) حتى عبّ عبابه.

ثم زيّنها بزينة الكواكب و ضياء الثواقب(٤) و أجرى فيها سراجا مستطيرا(٥) و قمرا منيرا، في فلك دائر و سقف سائر

تلاطم الماء

من خطبة له في قدرة اللّه: يعلم عجيج الوحوش في الفلوات، و معاصي العباد في الخلوات، و اختلاف النّينان في البحار الغامرات(٦) ، و تلاطم الماء بالرياح العاصفات

____________________

(١) تصفيق الماء: تحريكه و تقليبه.

(٢) مخضته: حركته بشدة كما يمخض السقاء بما فيه من اللبن ليستخرج زبده. و السقاء: وعاء من جلد للبن و الماء.

(٣) الساجي: الساكن. و المائر: الذي يذهب و يجى‏ء، أو المتحرك مطلقا.

(٤) الثواقب: المنيرة المشرقة.

(٥) مستطيرا: منتشر الضياء، و يقصد به الشمس.

(٦) النينان، جمع نون و هو: الحوت.

١٩٣

خلقة الخفّاش

من خطبة له يذكر فيها خلقة الخفاش: و من لطائف صنعته و عجائب حكمته ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لكلّ شي‏ء، و يبسطها الظلام القابض لكلّ حيّ، و كيف عشيت أعينها عن أن تستمدّ من الشمس المضيئة نورا تهتدي به في مذاهبها و تصل بعلانية برهان الشمس إلى معارفها، و ردعها تلألؤ ضيائها عن المضيّ في سبحات إشراقها(١) و أكنّها في مكامنها عن الذهاب في بلج ائتلافها(٢) فهي مسدلة الجفون بالنهار على أحداقها، و جاعلة الليل سراجا تستدلّ به في التماس أرزاقها، فلا يردّ أبصارها إسداف ظلمته(٣) ، و لا تمتنع من المضيّ فيه لغسق دجنّته(٤) .

فإذا ألقت الشمس قناعها و بدت أوضاح نهارها، و دخل من إشراق نورها على الضّباب(٥) في وجارها، أطبقت الأجفان على مآقيها و تبلّغت(٦) بما اكتسبت من في‏ء ظلم لياليها. فسبحان من جعل الليل لها نهارا

____________________

(١) سبحات النور: درجاته و أطواره.

(٢) البلج: الضوء و وضوحه. الائتلاق: اللمعان الشديد.

(٣) أسدف الليل: أظلم.

(٤) الدجنة: الظلمة.

(٥) الضباب، جمع ضب و هو الحيوان المعروف.

(٦) تبلغت: اكتفت أو اقتاتت.

١٩٤

و معاشا، و النهار سكنا و قرارا، و جعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة الى الطيران كأنها شطايا الآذان(١) غير ذوات ريش و لا قصب، إلاّ أنك ترى مواضع العروق بيّنة أعلاما(٢) لها جناحان لمّا يرقّا فينشقّا و لم يغلظا فيثقلا، تطير و ولدها لاصق بها لاجى‏ء إليها: يقع إذا وقعت و يرتفع إذا ارتفعت، لا يفارقها حتى تشتدّ أركانه و يحمله جناحه و يعرف مذاهب عيشه و مصالح نفسه. فسبحان الباري لكلّ شي‏ء على غير مثال خلا من غيره

خلقة الطّاووس

من خطبة له يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس: و من أعجبها خلقا الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، و نضّد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه(٣) و ذنب أطال مسحبه،

____________________

(١) شظايا، جمع شظية، و هي: الفلقة من الشي‏ء، أي: كأنها مؤلفة من شقق الآذان.

(٢) رسوما ظاهرة.

(٣) أشرج قصبه: داخل بين آحاده و نظمها على اختلافها في الطول و القصر.

١٩٥

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيّه و سما به مظلاّ على رأسه كأنه قلع داريّ عنجه نوتيّه(١) يختال بألوانه و يميس بزيفانه(٢) .

تخال قصبه مداري من فضّة(٣) و ما أنبت عليه من عجيب داراته(٤) و شموسه خالص العقيان(٥) و فلذ الزّبرجد. فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلت: جنى جني من زهرة كل ربيع و إن ضاهيته بالملابس فهو كموشّى الحلل و إن شاكلته بالحليّ فهو كفصوص ذات ألوان نطّقت باللجين المكلّل(٦) ، يمشي مشي المرح المختال، و يتصفّح ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله و أصابيغ وشاحه فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا(٧) معولا يكاد يبين عن استغاثته، و يشهد بصادق توجّعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الدّيكة الخلاسيّة(٨) .

____________________

(١) القلع: شراع السفينة. عنجه: جذبه فرفعه. النوتي: الملاّح.

(٢) الزيفان: التبختر، و يريد به حركة ذنب الطاووس يمينا و شمالا.

(٣) القصب: الريش. المداري، جمع مدرى. و المدرى و المدراة: أداة ذات أسنان كأسنان المشط.

(٤) الدارات جمع دارة، و هي بالنسبة للشمس كالهالة بالنسبة للقمر.

(٥) العقيان: الذهب الخالص.

(٦) اللجين: الفضة. المكلل: المزين بالجواهر.

(٧) زقا يزقو: صاح.

(٨) حمش، جمع أحمش، أي: دقيق. و الديك الخلاسي: الديك المتولد بين دجاجة و ديك من لونين مختلفين.

١٩٦

و له في موضع العرف قنزعة خضراء موشّاة. و مخرج عنقه كالإبريق و مغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية(١) أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال(٢) . و كأنه ملفّع بمعجر أسحم إلاّ أنه يخيّل لكثرة مائه و شدّة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به.

و مع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الأقحوان أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق. و قلّ صبغ إلاّ و قد أخذ منه بقسط و علاه بكثرة صقاله و بريقه و بصيص ديباجه و رونقه(٣) ، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربّها أمطار ربيع و لا شموس قيظ.

و قد ينحسر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى، و ينبت تباعا، فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان(٤) . ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه: لا يخالف سالف ألوانه و لا يقع لون في غير مكانه.

و إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية،

____________________

(١) مغرزها: الموضع الذي غرز فيه العنق منتهيا الى مكان البطن. الوسمة: نبات يخضّب به.

(٢) الصقال: الجلاء.

(٣) علاه: فاقه. البصيص: اللمعان.

(٤) ينحسر من ريشه: يتكشف منه و يعرى. تترى: شيئا بعد شي‏ء. ينحتّ: يسقط و ينقشر. انحتات الأوراق: تناثر الأوراق.

١٩٧

و تارة خضرة زبرجديّة، و أحيانا صفرة عسجدية(١) ، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول(٢) أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين و أقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه و الألسنة أن تصفه

خلقة النّملة

من خطبة له في وصف خلقة النملة: أنظروا الى النملة في صغر جثتها و لطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحاظ البصر و لا بمستدقّ الفكر، كيف دبّت على أرضها و صبت على رزقها تنقل الحبّة الى جحرها و تعدّها في مستقرّها. تجمع في حرّها لبردها و في ورودها لصدرها، مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها(٣) لا يغفلها المنّان و لا يحرمها الديّان و لو في الصّفا اليابس و الحجر الجامس(٤) . و لو فكّرت في مجاري أكلها، في علوها و سفلها، و ما في الجوف من شراسيف بطنها(٥) و ما في الرأس من عينها و أذنها، لقضيت من خلقها عجبا و لقيت

____________________

(١) ذهبية.

(٢) عمائق، جمع عميقة. القرائح جمع قريحة و هي: الخاطر و الذهن.

(٣) الصدر: الرجوع بعد الورود. بوفقها: بما يوافقها من الرزق و يلائم طبعها، أو بما هو قدر كفايتها منه.

(٤) الجامس: الجامد.

(٥) الشراسيف: مقاطع الأضلاع.

١٩٨

في وصفها تعبا فتعالى الذي أقامها على قوائمها و بناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر و لم يعنه في خلقها قادر.

و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلّتك الدلالة إلاّ على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كلّ شي‏ء(١) و غامض اختلاف كل حي و ما الجليل و اللطيف، و الثقيل و الخفيف، و القوي و الضعيف، في خلقه إلاّ سواء

خلقة الجرادة

و منها في وصف الجرادة: و إن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين، و أسرج لها حدقتين قمراوين(٢) و جعل لها السمع الخفيّ، و فتح لها الفم السويّ، و جعل لها الحسّ القويّ، و نابين بهما تقرض و منجلين بهما تقبض(٣) .

يرهبها الزرّاع في زرعهم و لا يستطيعون ذبّها(٤) و لو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها(٥) و تقضي منه شهواتها و خلقها كلّه لا يكون إصبعا مستدقّة

____________________

(١) أي: إن دقة التفصيل في النملة على صغرها و في النخلة على طولها، تدلّك على ان الصانع واحد.

(٢) أي: مضيئتين كأن كلاّ منهما ليلة أضاءها القمر.

(٣) أراد بالمنجلين هنا: رجليها، لاعوجاجهما و خشونتهما.

(٤) دفعها.

(٥) و ثباتها.

١٩٩

اغفر لى

من كلام له كان يدعو به: اللهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة اللهمّ اغفر لي ما تقرّبت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي اللهمّ اغفر لي رمزات الألحاظ(١) و سقطات الألفاظ، و شهوات الجنان و هفوات اللسان

ما ذا لقيت

و قال في سحرة اليوم الذي ضرب فيه(٢) : ملكتني عيني و أنا جالس(٣) فسنح لي رسول اللّه (ص) فقلت: يا رسول اللّه، ما ذا لقيت من أمّتك من الأود و اللّدد(٤) فقال: ادع عليهم فقلت: أبدلني اللّه بهم خيرا منهم، و أبدلهم بي شرا لهم مني

____________________

(١) رمزات الألحاظ: الإشارة بها.

(٢) السحرة: السحر الأعلى من آخر الليل.

(٣) ملكتني عيني: غلبني النوم.

(٤) الأود: الاعوجاج. اللدد: الخصام.

٢٠٠

العفو عن القاتل

من كلام له قاله قبل موته على سبيل الوصية، لما ضربه ابن ملجم: أنا بالأمس صاحبكم، و اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم إن أبق فأنا وليّ دمي. و إن أفن فالفناء ميعادي. و إن أعف فالعفو لي قربة، و هو لكم حسنة، فاعفوا

مظلوم

من كلام له في معنى الظلم الواقع عليه: ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيّه حتى يوم الناس هذا. و لقد كنت أظلم قبل ظهور الإسلام. و لقد كان أخي عقيل: يذنب أخي جعفر، فيضربني

٢٠١

الاثوار الثّلاثة

رأينا أن نثبت هذا المثل هنا، لأنه من أجمل الأمثال العربية التي جاءت حكاية عن الحيوان، ثم لأنه أول هذه الأمثال التي شاعت فيما بعد على يد ابن المقفع بكتابه الشهير «كليلة و دمنة»، و فيه دعوة الى الاتحاد و تنفير من الفتنة. و الغريب أن يكون هذا المثل الذي ثبتت نسبته الى الإمام علي، غير مذكور في «نهج البلاغة» على اختلاف طبعاته و كثرة المعتنين به، و لا في الكتب التي استدرك مصنّفوها ما فات جامع «النهج»: أثوار ثلاثة كنّ في أجمة، أبيض و أسود و أحمر، و معهنّ فيها أسد، فكان لا يقدر منهنّ على شي‏ء لاجتماعهنّ عليه. فقال للثور الأسود و الثور الأحمر: لا يدلّ علينا في أجمتنا إلاّ الثور الأبيض، فإنّ لونه مشهور، و لوني على لونكما، فلو تركتماني آكله صفت لنا الأجمة فقالا له: دونك فكله. فأكله. فلما مضت أيام، قال للأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة فقال: دونك فكله ثم قال للأحمر: إني آكلك لا محالة فقال: دعني أنادي ثلاثا. فقال: افعل. فنادى: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض

٢٠٢

٢٠٣

٢٠٤

طآئفة من روائع امثاله

٢٠٥

من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه.

لا تظنّنّ بكلمة خرجت من أحد سوءا و أنت تجد لها في الخير محتملا.

أسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنّه، و من لم يثق به أحد لسوء فعله.

ليس من العدل القضاء بالظنّ على الثقة.

سوء الظن يدوي القلوب(١) و يتّهم المأمون، و يوحش المستأنس، و يغيّر مودّة الإخوان.

ما المجاهد الشهيد في سبيل اللّه بأعظم أجرا ممّن قدر فعفّ. لكاد العفيف أن يكون ملاكا من الملائكة.

العفو زكاة الظفر.

أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.

أستر عورة أخيك و اغتفر زلة صديقك.

عليك بالصدق في كل أمورك.

لا سوأة أسوأ من الكذب.

الكذّاب يخيف نفسه و هو آمن.

علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك.

جانبوا الكذب فإن الصادق على منجاة و كرامة، و الكاذب على شفا مهواة و هلكة.

____________________

(١) يدوي: يصيب بالداء.

٢٠٦

الكذّاب و الميت سواء، لأن فضيلة الحي على الميت الثقة به، فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته.

إن كنت صادقا كافيناك، و إن كنت كاذبا عاقبناك.

لا يصلح الكذب في جدّ و لا هزل، و لا في أن يعد أحدكم صبيّه ثم لا يفي له. إنّ الكذب يهدي الى الفجور.

خير المقال ما صدقته الفعال.

إنّ من عدم الصدق في منطقه فقد فجع بأكرم أخلاقه.

ما السيف الصارم في كفّ الشجاع بأعزّ له من الصدق.

أقبح الصدق ثناء المرء على نفسه.

ذمّتي بما أقول رهينة.

اعتصموا بالذمم.

لا تغدرنّ بذمّتك و لا تخيسنّ بعهدك و لا تختلنّ عدوّك.

أوفوا إذا عاقدتم، و اعدلوا إذا حكمتم، و لا تفاخروا بالآباء.

لا تكن ممن ينهى و لا ينتهي، و يأمر بما لا يأتي، و يصف العبرة و لا يعتبر، فهو على الناس طاعن و لنفسه مداهن.

لا تصحب المائق(١) فإنه يزيّن لك فعله و يودّ أن تكون مثله.

لا صديق لمتلوّن، و لا وفاء لكذوب، و لا راحة لحسود، و لا مروءة لدني‏ء.

انتهزوا فرص الخير.

____________________

(١) المائق: الأحمق.

٢٠٧

إفعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا، فإنّ صغيره كبير و قليله كثير.

قولوا الخير تعرفوا به، و اعملوا الخير تكونوا من أهله.

الساعي بالخير كفاعله. أما الساعي بالشرّ و محاربة الخير فهو عدوّ اللّه و البشر.

و لا يقولنّ أحدكم إن أحدا أولى بفعل الخير منّي، فيكون و اللّه كذلك.

إذا تحرّكت صورة الشر و لم تظهر ولّدت الفزع، فإذا ظهرت ولّدت الألم. و إذا تحرّكت صورة الخير و لم تظهر، ولّدت الفرج، فإذا ظهرت ولّدت اللذة.

من اعتدل يوماه فهو مغبون.

الكيّس من كان يومه خيرا من أمسه.

من اعتدل يوماه فهو مغبون.

من منّ بمعروفه أفسده.

لا يزهّدنّك في المعروف من لا يشكر لك.

أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه.

لا تستصغر شيئا من المعروف قدرت على اصطناعه إيثارا لما هو أكثر منه، فإن اليسير في حال الحاجة أنفع من الكثير في حال الغنى عنه.

فاعل الخير خير منه، و فاعل الشرّ شرّ منه.

لا تعمل الخير رياء و لا تتركه حياء.

من لا يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة.

لن يضيع اللّه أجر من أحسن عملا.

٢٠٨

أطلبوا الخير و أهله، و اعلموا أنّ خيرا من الخير معطيه، و شرا من الشرّ فاعله.

ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلا قال له: أنا يوم جديد، و أنا عليك شهيد، فقل فيّ خيرا و اعمل خيرا فإنك لن تراني بعد أبد قال في صفة الإنسان الشريف: ينوي كثيرا من الخير، و يعمل بطائفة منه، و يتلهّف على ما فاته كيف لم يعمل به.

و قال فيه أيضا: قد ألزم نفسه العدل، يصف الحقّ و يعمل به. لا يدع للخير غاية إلا أمّها و لا مظنّة إلاّ قصدها.

أحصد الشرّ من صدر غيرك بفعله من صدرك.

من استحسن القبيح كان شريكا فيه.

إذا أردت أن تعرف طبع الرجل فاستشره، فإنك تقف في مشورته على عدله و جوره، و خيره و شرّه.

ليس في البرق الخاطف مستمتع(١) لمن يخوض في الظلمة.

إقبل عذر من اعتذر اليك، و أخّر الشرّ ما استطعت.

ليكن أمر الناس عندك في الحق سواء.

من تعدّى الحقّ ضاع مذهبه.

من صارع الحقّ صرعه.

لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ و لا يوحشنّك إلا الباطل.

____________________

(١) مستمتع: متعة.

٢٠٩

أ لا و إنه بالحقّ قامت السماوات و الأرض.

ما شككت في الحق مذ رأيته.

اتبعوا الحق و أهله حيث كانوا.

لا تزيدنّي كثرة الناس حولي عزّة، و لا تفرّقهم عني وحشة، و ما أكره الموت على الحق.

ليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه.

من طلب عزّا بباطل أورثه اللّه ذلاّ بحقّ من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه.

لنا حقّ فإن أعطيناه و إلاّ ركبنا أعجاز الإبل و إن طال السّرى.

لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة من يسلكه.

إعملوا في غير رياء.

للمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا رأى الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحبّ أن يحمد في جميع أحواله ليكن دنوّك من الناس لينا و رحمة.

عاتب أخاك بالإحسان اليه و اردده بالإنعام عليه.

صل من قطعك، و أعط من حرمك، و أحسن إلى من أساء إليك، و قل الحقّ و لو على نفسك.

أزجر المسي‏ء بثواب المحسن.

٢١٠

إن لم تكن حليما فتحلّم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.

ليس جزاء من سرّك أن تسوءه.

ما ظفر من ظفر الإثم به، و الغالب بالشرّ مغلوب.

من أساء خلقه عذّب نفسه.

كفى بحسن الخق نعيما.

لا تعدنّ عدة تحقّرها قلة الثقة بنفسك، و لا يغرّنّك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا.

إرحم ترحم. قل الخير تذكر بخير. اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار.

ليرأف كبيركم بصغيركم.

من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظه علانية فقد شانه.

عليكم بكلمة الحق في الرضا و الغضب، و بالعدل على الصديق و العدوّ.

سامع الغيبة أحد المغتابين.

الغيبة جهد العاجز.

نظر الإمام إلى رجل يغتاب آخر عند ابنه الحسن، فقال: يا بنيّ، نزّه سمعك عنه، فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك.

إمحض أخاك النصح و ساعده على كل حال، و لا تصرم أخاك على ارتياب و لا تقاطعه دون استعتاب فلعلّ له عذرا و أنت تلوم.

٢١١

الويل كل الويل لمن استحسن لنفسه ما يكرهه لغيره، و أزرى على الناس بمثل ما يأتي.

ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه، و لا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه.

من تجرّأ لك تجرّأ عليك.

من مدحك بما ليس فيك من الجميل و هو راض عنك، ذمّك بما ليس فيك من القبيح و هو ساخط عليك.

عجبا لمن قيل فيه الخير و ليس فيه كيف يفرح و عجبا لمن قيل فيه الشر و ليس فيه كيف يغضب لتكن معرفتك بنفسك أوثق عندك من مدح المادحين لك.

من استحيا من الناس و لم يستحي من نفسه فليس لنفسه عنده قدر رأس العلم الرفق.

ما كان الرفق في شي‏ء إلا زانه.

و إنّ غائبا يحدوه الجديدان الليل و النهار لحريّ بسرعة الأوبة(١) .

طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.

من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه.

من نسي زلله استعظم زلل غيره، و من تكبّر على الناس ذلّ.

و كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره.

____________________

(١) يحدوه: يسوقه. الأوبة: الرجوع.

٢١٢

الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

من عرف نفسه فقد عرف ربّه.

هلك امرؤ لم يعرف قدره.

أنظر وجهك كل وقت في المرآة، فإن كان حسنا فاستقبح أن تضيف اليه فعلا قبيحا و تشينه به. و إن كان قبيحا فاستقبح أن تجمع بين قبيحين الإنسان مرآة الانسان، يتأمله و يسدّ فاقته.

إذا كان في رجل خلّة رائقة فانتظروا أخواتها(١) .

شراركم المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، المبتغون للأبرياء المعايب.

لا سؤدد مع انتقام، و لا صواب مع ترك المشورة.

لا أقبل شهادة الفاسق إلاّ على نفسه.

إذا حيّيت بتحيّة فحيّ بأحسن منها. و إذا أسديت إليك يد فكافئها بما يربي عليها، و الفضل في ذلك للبادي.

إذا بلغ المرء من الدنيا فوق قدره، تنكّرت للناس أخلاقه.

إذا رفعت أحدا فوق قدره، فتوقّع منه أن يحطّ منك بقدر ما رفعت منه لا تشمت بالمصائب و لا تدخل في الباطل و لا تخرج من الحق.

لا تفرح بسقطة غيرك، فإنك لا تدري ما تتصرّف الأيام بك

____________________

(١) الخلة: الخصلة.

٢١٣

أكرم نفسك عن كل دنيّة.

لا يأبى الكرامة إلا حمار.

من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف و التنفيس عن المكروب.

من عزّى الثكلى فقد أظلّه اللّه في ظلّ عرشه.

أدّب اليتيم بما تؤدب به ولدك.

ساووا ضعفاءكم في مآكلكم.

لا يطمع قريبك في حيفك(١) و لا ييأس عدوّك من عدلك.

لا تصحبنّ في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه مثل ما يرى له من الفضل عليك.

إنّ مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب و مذلّة للماشي.

لا تسارّ أحدا في مجلسك، و إن غضبت فقم، و لا تقضينّ و أنت غضبان.

ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة.

إذا طرقك إخوانك فلا تدّخر عنهم ما في البيت، و لا تتكلّف لهم ما وراء الباب.

شرّ الإخوان من تكلّف له.

إياك و كلّ عمل إذا ذكر لصاحبه أنكره.

____________________

(١) الحيف: الظلم.

٢١٤

من عمل في السرّ ما يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

من أصلح سريرته أصلح علانيته.

من حذّرك كمن بشّرك.

لا يرضى عنك الحاسد حتى يموت أحدكما.

حسد الصديق من سقم المودّة.

التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد.

ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم و قلب هائم و حزن لازم، مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملك الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، و التقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد.

خالطوا الناس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم و إن عشتم حنّوا إليكم.

لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته و وفاته.

عدوّ عاقل خير من صديق جاهل.

من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم.

أكبر الأعداء أخفاهم مكيدة.

من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة في القلوب، و ما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب.

٢١٥

تحتاج القرابة إلى مودّة، و لا تحتاج المودّة إلى قرابة.

ربّ قريب أبعد من بعيد. و رب بعيد أقرب من قريب. و الغريب من لم يكن له حبيب.

المودّة قرابة مستفادة.

فقد الأحبة غربة.

من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، و حنينه إلى أوطانه، و حفظه قديم إخوانه.

الطمع رقّ مؤبّد.

أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.

كم من عقل أسير تحت هوى أمير.

إن كنت جازعا على ما تفلّت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل إليك.

الهوى مطيّة الفتنة.

إذا أيسرت فكلّ الرجال رجالك، و إذا أعسرت أنكرك أهلك.

إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، و إذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.

فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.

ثلاثة يرحمون: عاقل يجري عليه حكم جاهل، و ضعيف في يد ظالم قوي، و كريم يحتاج إلى لئيم.

٢١٦

إذا سألت كريما حاجة فدعه يفكر، فإنه لا يفكر إلا في خير. و إذا سألت لئيما حاجة فعاجله، فإنه إن فكّر عاد إلى طبعه.

الرغبة الى الكريم تحرّكه على البذل، و إلى الخسيس تغريه بالمنع.

الكريم لا يلين على قسر، و لا يقسو على يسر وجّهوا آمالكم إلى من تحبّه قلوبكم.

السخاء ما كان ابتداء، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء و تذمّم(١) .

البخل جامع لمساوى‏ء العيوب، و هو زمام يقاد به إلى كل سوء.

البخل جلباب المسكنة.

البخلاء من الناس يكون تغافلهم عن عظيم الجرم أسهل عليهم من المكافأة على يسير الإحسان.

يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك.

يا ابن آدم، كن وصيّ نفسك في مالك، و اعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك.

من يكن له مال فليفكّ به العاني و الأسير.

من كرمت عليه نفسه هان عليه ماله.

الحرص و الكبر و الحسد دواع إلى التقحّم في الذنوب.

لا تهضمنّ محاسنك بالفخر و الكبر.

____________________

(١) التذمّم: الفرار من الذم.

٢١٧

إذا أردت أن تحمد فلا يظهر منك حرص على الحمد.

أكبر الفخر ألاّ تفخر.

يكون الصبر على قدر المصيبة.

المصيبة واحدة، فإن جزعت كانت اثنتين.

عوّد نفسك الصبر على المكروه.

عند تناهي الشدّة تكون الفرجة.

الصبر مطيّة لا تكبو.

الصبر صبران: صبر على ما تكره و صبر عمّا تحب.

الدهر يومان: يوم لك و يوم عليك. فإن كان لك فلا تبطر، و إن كان عليك فاصبر.

من صبر صبر الأحرار، و إلاّ سلا سلوّ الأغمار(١) .

لا تكن عند النعماء بطرا و لا عند البأساء فشلا.

التكبّر على المتكبرين هو التواضع بعينه.

من طلب شيئا ناله أو بعضه.

المرء مخبوء تحت لسانه.

هانت عليه نفسه من أمّر عليه لسانه.

لسان العاقل وراء قلبه، و قلب الأحمق وراء لسانه.

____________________

(١) الاغمار، جمع غمر، و هو: الجاهل الذي لم يجرب الأمور.

٢١٨

إذا فعلت كلّ شي‏ء فكن كمن لم يفعل شيئا.

لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل.

أمسك عليك لسانك فإنّ تلافيك ما فرط من صمتك أيسر عليك من إدراك ما فات من منطقك.

لا تسأل عمّا لا يكون، ففي الذي قد كان لك شغل.

الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه.

إن الأمور إذا اشتبهت اعتبر أوّلها بآخرها.

أصاب متأمّل أو كاد، و أخطأ مستعجل أو كاد ما أكثر العبر و أقلّ الاعتبار.

رأي الشيخ أحبّ من جلد الغلام(١) .

قيل له: صف لنا العاقل. فقال: هو الذي يضع الأشياء مواضعها.

فقيل: فصف لنا الجاهل. فقال: قد فعلت.

من اشتبه عليكم أمره فانظروا إلى خلطائه.

إذا كنت في إدبار، و الموت في إقبال، فما أسرع الملتقى.

من تذكّر بعد السفر استعدّ.

نفس المرء خطاه إلى أجله.

كم من أكلة منعت أكلات.

____________________

(١) جلد الغلام: صبره على القتال.

٢١٩

الخلاف يهدم الرأي.

لا رأي لمن لا يطاع.

قال لما سمع قول الخوارج «لا حكم إلاّ للّه»: كلمة حقّ يراد بها باطل من جهل شيئا عابه.

الناس أعداء ما جهلوا.

من لان عوده كثفت أغصانه.

نوم على يقين خير من صلاة على شك.

فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد.

أفضل الزهد إخفاء الزهد.

ليست الصلاة قيامك و قعودك إنما الصلاة إخلاصك.

أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه.

لا تحتقرنّ صغيرا يمكن أن يكبر، و لا قليلا يمكن أن يكثر.

يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلا الماحل(١) و لا يظرّف فيه إلا الفاجر(٢) و لا يضعّف فيه إلا المنصف(٣) .

الدنيا حمقاء لا تميل إلا إلى أشباهها

____________________

(١) الماحل: الساعي في الناس بالوشاية عند السلطان.

(٢) لا يظرّف: لا يعدّ ظريفا.

(٣) لا يضعّف: لا يعدّ ضعيفا.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237