بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33051 / تحميل: 10743
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

معاوية بالهزيمة الساحقة ، فاستجاب لهم الإمام على كره ، وقد حذّرهم مِنْ أنّها مكيدة وخديعة فلمْ يكن يجدي ذلك معهم وأصروا على فكرتهم.

ولمّا استبان لهم ضلال ما اقترفوه أقبلوا على الإمام وهم يقولون له : إنّا قد كفرنا وتبنا فاعلن توبتك ، وقرّ على نفسك بالكفر لنكون معك ، فأبى (عليه السّلام) فاعتزلوه ، واتّخذوا لهم شعاراً (لا حكم إلاّ لله) ، وانغمسوا في الباطل ، وماجوا في الضلال ؛ فحاربهم الإمام (عليه السّلام) وقضى على الكثيرين منهم ، إلاّ أنّ البقيّة الباقية منهم ظلّت تواصل نشر أفكارها بنشاط ، وقد لعبت دوراً مهمّاً في إفساد جيش الإمام الحسن (عليه السّلام) حتّى اضطر إلى الصلح مع معاوية ، كما كان أكثر الجيش الذي زجّه ابن زياد لحرب الإمام الحُسين مِن الخوارج ، وكانوا موتورين مِن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فرووا أحقادهم مِنْ أبنائه الطيّبين في كارثة كربلاء.

الحزب الاُموي :

وهؤلاء يمثّلون وجوه الكوفة وزعماءها ، كقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ، ويزيد بن الحرث وشبث بن ربعي ، وعمرو بن حُريث وعمر بن سعد ، وكانوا يدينون بالولاء لبني اُميّة ، ويرون أنّهم أحقّ بالخلافة وأولى بزعامة الاُمّة مِنْ آل البيت (عليهم السّلام).

وقد لعبوا دوراً خطيراً في فشل ثورة مسلم ، كما زجّوا الناس لحرب الإمام الحُسين.

٤٤١

الشيعة :

وهي التي تدين بالولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) ، وترى أنّه فرض ديني ، وقد أخلصت شيعة الكوفة في الولاء لهم ، أمّا مظاهر حبّهم فهي :

1 ـ الخطب الحماسية التي يُمجّدون فيها أهل البيت ويذكرون فضلهم ومآثرهم ، وما شاهدوه مِنْ صنوف العدل والحق في ظلّ حكومة الإمام أمير المؤمنين.

2 ـ الدموع السخية التي يهريقونها حينما يذكرون آلام آل البيت (عليه السّلام) وما عانوه في عهد معاوية مِن التوهين والتنكيل ، ولكنّهم لمْ يبذلوا أيّ تضحية تذكر لعقيدتهم ، فقد كان تشيّعهم عاطفيّاً لا عقائديّاً ، وقد تخلّوا عن مسلم وتركوه فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة.

ويروي البلاذري أنّهم كانوا في كربلاء ، وهم ينظرون إلى ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد تناهبت جسمه الشريف السيوف والرماح فكانوا يبكون ، ويدعون الله قائلين : اللّهم انزل نصرك على ابن بنت نبيك. فانبرى إليهم أحدهم فأنكر عليهم ذلك الدعاء ، وقال لهم : هلاّ تهبّون إلى نصرته بدل هذا الدعاء ، وقد جرّدهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) مِنْ إطار التشيّع وصاح بهم : «يا شيعة آل أبي سفيان ...».

والحقّ أنّ الشيعة بالمعنى الصحيح لمْ تكن إلاّ فئة نادرة في ذلك العصر ، وقد التحق بعضهم بالإمام الحُسين واستشهدوا معه ، كما زُجّ الكثيرون منهم في ظلمات السجون.

وعلى أيّ حالٍ ، فلمْ يكن المسلمون في الكوفة على رأي واحد وإنّما كانت هناك انقسامات خطيرة بين صفوفهم.

٤٤٢

النصارى :

مِن العناصر التي سكنت الكوفة النصارى ، فقد أقبلوا إليها مِن الحيرة بعد زوال مجدها وقد أقاموا لهم في الكوفة عدّة كنائس ، فقد كانت لهم كنيسة في ظهر قبلة المسجد الأعظم(1) ، وكان لهم أسقفان ؛ أحدهما نسطوري والآخر يعقوبي(2) ، وكانوا طائفتين :

1 ـ نصارى تغلب :

وقد استوطنوا الكوفة عند تخطيطها مع سعد ، وكانت لهذه الطائفة عزّة ومنعة(3) ، وقد رفض أبناؤها دفع الجزية ممّا اضطر عمر أنْ يعاملهم معاملة المسلمين فجعل جزيتهم مثل صدقة المسلمين(4) .

2 ـ نصارى نجران :

نزلوا الكوفة في خلافة عمر ، واستوطنوا في ناحية منها سمّيت محلّة (النجرانية)(5) .

وقد شاركت النصارى مشاركة إيجابية في كثير مِنْ أعمال الدولة ، فقد اتّخذ أبو موسى الأشعري أمير الكوفة كاتباً نصرانياً(6) ، كما ولّى الوليد بن عقبة والي عثمان رجلاً مسيحياً لإدارة شؤون مسجد قريب مِن الكوفة(7) .

__________________

(1) فتوح البلدان / 284.

(2) خطط الكوفة / 35.

(3) تاريخ الطبري.

(4) تاريخ الطبري.

(5) حياة الشعر في الكوفة / 144.

(6) عيون الأخبار 1 / 43.

(7) الأغاني 4 / 184.

٤٤٣

وقد شغل المسيحيون في الكوفة أعمالَ الصيرفة وكوّنوا أسواقاً لها(1) ، وكانت الحركة المصرفية بأيديهم ، كما كانوا يقومون بعقد القروض لتسهيل التجارة ، وكانت تجارة التبادل والصيرفة بأيديهم(2) ، وقد مهروا في الصيرفة ونظّموها على شكل يشبه البنوك في هذا العصر.

وكانت هذه البنوك الأهلية تستقرض منها الحكومة المحلّية الأموال إذا حدثت ثورة في القطر ، فكانت الأموال توزّع على أعضاء الثورة لإخمادها. وقد استقرض منها ابن زياد الأموال فوزّعها على وجوه الكوفة وأشرافها للقضاء على ثورة مسلم.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ المجتمع الكوفي كان مزيجاً بين المسلمين والمسيحيين ، وكانت العلاقة بينهما وثيقة للغاية.

اليهود :

واستوطن اليهود الكوفة سنة (20 هـ)(3) ، وقد قدِمَ قسمٌ كبير منهم مِن الحجاز بعد أنْ أجلاهم منها عمر بن الخطاب(4) ، وقد كانت لهم محلّة تُعرف باسمهم في الكوفة ، كما بنوا فيها معابد لهم. ويذكر الرحّالة (بنيامين)

__________________

(1) تاريخ الكوفة / 146 ، يبدأ سوق البنوك والصيرفة مِنْ مسجد سهيل إلى المسجد الأعظم ، كما نصّت على ذلك بعض المصادر.

(2) خطط الكوفة / 146.

(3) نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ـ يوسف رزق الله غنيمة / 103.

(4) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / 105.

٤٤٤

إنّ بالكوفة سبعة آلاف يهودي ، وفيها قبر يسكنه اليهود وحوله كنيس لهم(1) ، وقد زاولوا بعض الحرف التي كان العرب يأنفون منها كالصياغة وغيرها ، وكانت اليهود تحقد على الرسول (صلّى الله عليه وآله) كأعظم ما يكون الحقد ؛ لأنّه أباد الكثيرين منهم وألحق بهم العار والهزيمة. وقد قاموا بدور فعّال ـ فيما يقول بعض المحققين ـ في مجزرة كربلاء تشفّياً مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) بأبنائه وذريته. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأديان السائدة في الكوفة ، وقد اشترك معظمها في حركات الجهاد وعمليات الحروب في ذلك العصر.

تنظيم الجيش :

واُنشأت الكوفة لتكون معسكراً للجيوش الإسلاميّة ، وقد نُظِّمَ الجيش فيها على أساس قبلي ، كما كانوا مرتّبين وفق قبائلهم ، وكانوا يقسّمون في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها ، وقد رتّبت كما يلي :

نظام الأسباع :

ووزّع الجيش توزيعاً سباعياً يقوم قبل كلّ شيء على أساس قبلي ، بالرغم مِنْ أنّهم كانوا يُقاتلون في سبيل الله ، إلاّ أنّ الروح القبلية كانت سائدة ولمْ تضعف ، وفيما يلي أنظمتها :

السبع الأول : كنانة وحلفاؤها مِن الأحابيش وغيرهم ، وجديلة وكانوا أعواناً طيّعين للولاة القرشيين منذ إمارة سعد ، وتولّوا بإخلاص

__________________

(1) رحلة بنيامين ترجمة عزار حدّاد / 146.

٤٤٥

عمّال بني اُميّة وولاتهم.

السبع الثاني : قضاعة وغسّان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والأزد.

السبع الثالث : مذحج وحِمْيَر وهمدان وحلفاؤهم ، وقد اتّسموا بالعداء لبني اُميّة ، والمساندة الكاملة للإمام علي وأبنائه (عليهم السّلام).

السبع الرابع : تميم وسائر الرباب وحلفاؤهم.

السبع الخامس : أسد وغطفان ، ومحارب وضبيعة ، وتغلب والنمر.

السبع السادس : إياد وعكّ وعبد القيس ، وأهل هجر والحمراء.

السبع السابع : طي(1) .

وتحتوي هذه الأسباع على قطعات قبلية مِن الجيش ، وقد استعمل هذا النظام لأجل التعبئة العامّة للحروب التي جرت في ذلك العصر ، وتوزيع الغنائم عليها بعد العودة مِن الحرب ، وظلّت الكوفة على هذا التقسيم ، حتّى إذا كانت سنة (50 هـ) عمد زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك المنهج وجعله رباعياً ، فكان على النحو التالي :

1 ـ أهل المدينة : وجعل عليهم عمرو بن حريث.

2 ـ تميم وهمدان : وعليهم خالد بن عرفطة.

3 ـ ربيعة بكر وكندة : وعليهم قيس بن الوليد بن عبد شمس.

4 ـ مذحج وأسد(2) : وعليهم أبو بردة بن أبي موسى.

وإنّما عمد إلى هذا التغيير ؛ لإخضاع الكوفة لنظام حكمه ، كما إنّ الذين انتخبهم لرئاسة الأنظمة قد عُرفوا بالولاء والإخلاص للدولة ، وقد استعان بهم ابن زياد لقمع ثورة مسلم ، كما تولّى بعضهم قيادة الفرق التي

__________________

(1) حياة الشعر في الكوفة / 29 ـ 30.

(2) خطط الكوفة / 15 ـ 16.

٤٤٦

زجّها الطاغية لحرب الإمام الحُسين ، فقد كان عمرو بن حريث وخالد بن عرفطة من قادة ذلك الجيش. أمّا رؤوساء الأنظمة فقد كانت الدولة لا تنتخب إلاّ مِنْ ذوي المكانة الاجتماعية المعروفين بالنّجدة والبسالة والتجربة في الحرب(1) .

ورؤوساء الأرباع يكونون خاضعين للسلطة الحكومية ، كما إنّ اتصال السلطة بالشعب يكون عن طريقهم ، ونظراً لأهميتهم البالغة في المصر ، فقد كتب إليهم الإمام الحُسين يدعوهم إلى نصرته والذبّ عنه(2) .

العرافة :

وكانت الدولة تعتمد على العرفاء(3) ، فكانوا يقومون بأمور القبائل ويوزّعون عليهم العطاء ، كما كانوا يقومون بتنظيم السجّلات العامّة التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال ، وتسجيل مَنْ يولد ليفرض له العطاء مِن الدولة وحذف العطاء لمَنْ يموت(4) ، كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام ، وكانوا في أيّام الحرب يندبون الناس للقتال ، ويحثّونهم على

__________________

(1) تاريخ الطبري 7 / 207.

(2) أنساب الأشراف 5 / 245.

(3) العرفاء : جمع عريف ، وهو مَنْ يعرف أصحابه ، ومنه الحديث (فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم). والعريف : هو القائم باُمور القبيلة والجماعة مِن الناس يلي اُمورهم ، ويتعرّف الأمير منه أحوالهم. جاء ذلك في تاج العروس 1 / 194.

(4) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / 53.

٤٤٧

الحرب ، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلّفون عن القتال(1) ، وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم فإنّ الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات وأشدّها(2) .

ومِنْ أهم الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة ، وإشاعة الإرهاب والأراجيف بين الناس(3) ، كما كانوا السبب الفعّال في زجّ الناس وإخراجهم لحرب الإمام الحُسين (عليه السّلام)(4) .

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن مظاهر الحياة الاجتماعية في الكوفة ، وكان الإلمام بها مِنْ ضرورات البحث ؛ وذلك لما لها مِن الأثر في إخفاق الثورة.

الطاغية ابن مرجانة :

ولا بد لنا أنْ نتعرّف على قائد الانقلاب الطاغية ابن مرجانة فنقف على نشأته وصفاته ، ومخطّطاته الرهيبة التي أدّت إلى القضاء على الثورة ، وإلى القرّاء ذلك.

ولادته :

ولد الطاغية سنة (39 هـ) ، وقد ولد لخلق الكوارث وإشاعة الخطوب في الأرض ، وعلى هذا فيكون عمره يوم قتله لريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (21 سنة) ، ولمْ تعيّن المصادر التي بأيدينا المكان الذي ولد فيه.

__________________

(1) تاريخ الطبري 7 / 226.

(2) الأغاني 2 / 179.

(3) البداية والنهاية 8 / 154.

(4) البداية والنهاية 8 / 284.

٤٤٨

أبواه :

أمّا أبوه فهو زياد بن سُميّة ، وهو مِنْ عناصر الشرّ والفساد في الأرض ، فقد سمل عيون الناس وصلبهم على جذوع النخل ، وقتل على الظنّة والتّهمة وأخذ البريء بذنب السقيم ، وأغرق العراق بالحزن والثكل والحداد.

وأمّا اُمّه مرجانة فكانت مجوسية(1) ، وقد عُرِفَتْ بالبغي ، وقد عرض بها عبيد الله التميمي أمام ابنها عبيد الله فقال : إنّ عمر بن الخطاب كان يقول : اللّهم إنّي أعوذ بك مِن الزانيات وأبناء الزانيات ، فالتاع ابن زياد وردّ عليه : إنّ عمر كان يقول : لمْ يقمْ جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلاّ خرج مائقاً(2) . وفارق زياد مرجانة فتزوّج بها شيرويه(3) .

نشأته :

نشأ الطاغية في بيت الجريمة ، وقد قطع دور طفولته في بيت زوج اُمّه شيرويه ولمْ يكن مسلماً ، ولمّا ترعرع أخذه أبوه زياد وقد ربّاه على سفك الدماء والبطش بالناس وربّاه على الغدر والمكر ، وقد ورث جميع صفات أبيه الشريرة مِن الظلم والتلذّذ بالإساءة إلى الناس ، وقد كان لا يقلّ قسوة عن أبيه ، وقد قال الطاغية في بعض خطبه : أنا ابن زياد أشبهته مِنْ بين مَنْ وطأ الحصا ، ولمْ ينتزعني شبه

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 284.

(2) البيان والتبيين 2 / 242.

(3) البيان والتبيين 1 / 72.

٤٤٩

خال ولا ابن عمّ(1) . لقد كان كأبيه في شدّته وصرامته في الباطل وتنكّره للحقّ.

صفاته :

أمّا صفاته النفسية فكان مِنْ أبرزها القسوة والتلذّذ بسفك الدماء ، وقد أخذ امرأة مِنْ الخوارج فقطع يديها ورجليها وأمر بعرضها في السوق(2) .

ووصفه الحسن البصري بأنّه غلام سفيه سفك الدماء سفكاً شديداً(3) .

ويقول فيه مسلم بن عقيل : ويقتل النفس التي حرّم الله قتلها على الغضب والعداوة وسوء الظنّ ، وهو يلهو ويلعب كأنّه لمْ يصنع شيئاً.

وكان متكبّراً لا يسمع مِنْ أحد نصيحة ، وقد دخل عليه الصحابي عائذ بن عمرو فقال له : أيّ بُني ، إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّ شرّ الرعاء الحطمة(4) ، فإيّاك أنْ تكون منهم».

فلذعه قوله وصاح به : اجلسْ ، إنّما أنت مِنْ نخالة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فأنكر عليه عائذ وقال : وهل كان فيهم نخالة؟! إنّما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم(5) .

__________________

(1) تاريخ الطبري.

(2) قصص العرب 1 / 214.

(3) سير أعلام النبلاء 3 / 357.

(4) الحطمة : القاسي الذي يظلم الناس.

(5) البداية والنهاية 8 / 285.

٤٥٠

وعُرف في أثناء ولايته على البصرة بالغشّ للرعية والخديعة لها ، وقد نصحه معقل بن يسار أنْ يترك ذلك ، وقال له : إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «ما مِنْ عبد يسترعيه الله ويموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنّة»(1) .

هذه بعض نزعاته وصفاته النفسية ، أمّا صفاته الجسمية فقد كان منها ما يلي :

اللكنة :

ونشأ الطاغية في بيت اُمّه مرجانة ولمْ تكن عربية فأخذ لكنتها ، ولمْ يكن يفهم اللغة العربية ، فقد قال لجماعة : افتحوا سيوفكم ، وهو يريد سلّوا سيوفكم ، وإلى هذا يشير يزيد بن المفرغ في هجائه له :

ويوم فتحتَ سيفك مِنْ بعيدٍ

أضعتَ وكلّ أمركَ للضياعِ

وجرت بينه وبين سويد مشادّة ، فقال له عبيد الله : اجلس على أست الأرض ، فسخر منه سويد وقال : ما كنت أحسب أنّ للأرض أستاً(2) .

وكان لا ينطق بالحاء ، وقد قال لهانئ : أهروري سائر اليوم! يريد أحروري. وكان يقلب العين همزة ، كما كان يقلب القاف كافاً ، فقد قال يوماً : مَنْ كاتلنا كاتلناه ، يريد مَنْ قاتلنا قاتلناه(3) .

__________________

(1) صحيح مسلم 1 / 67.

(2) البيان والتبيين 1 / 73.

(3) البداية والنهاية 8 / 284.

٤٥١

نهمة في الطعام :

ويقول المؤرّخون : إنّه كان نهماً في الطعام ، فكان كلّ يوم يأكل خمس أكلات آخرها جنبة بغل ، ويوضع بين يديه بعد ما يفرغ عناق(1) أو جدي فيأتي عليه وحده(2) .

وكذلك كان مسرفاً في النساء ، فقد بنى ليلة قدومه إلى الكوفة باُمّ نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط(3) . هذه بعض صفاته الجسمية.

ولايته على البصرة :

وأسند إليه معاوية إمارة البصرة وولاّه أمور المسلمين ، وكان في ميعة الشباب وغروره وطيشه ، وقد ساس البصرة كما ساسها أبوه ؛ فكان يقتل على الظنّة والتّهمة ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر.

وقد وثق به معاوية وارتضى سيرته ، وكتب إليه بولاية الكوفة إلاّ أنّه هلك قبل إنْ يبعث إليه بهذا العهد.

__________________

(1) العناق : الاُنثى من أولاد المعز.

(2) نهاية الإرب 3 / 343.

(3) مرآة الزمان / 285.

٤٥٢

أحقاد يزيد على ابن مرجانة :

وكان يزيد ناقماً على ابن مرجانة كأشدّ ما يكون الانتقام ؛ لاُمور كان مِنْ أهمّها :

إنّ أباه زياداً كان مِن المنكرين على معاوية ولايته ليزيد ؛ لاستهتاره وإقباله على اللّهو والمجون ، وقد أراد يزيد أنْ يعزل عبيد الله مِن البصرة ويجرّده مِن جميع الامتيازات ، إلاّ أنّه لمّا أعلن الإمام الحُسين (عليه السّلام) الثورة وبعث سفيره مسلماً لأخذ البيعة مِنْ أهل الكوفة ، أشار عليه سرجون بأنْ يقرّه على ولاية البصرة ويضمّ إليه الكوفة ، ويندبه للقضاء على الثورة فاستجاب له يزيد.

وقد خلص العراق بأسره لحكم ابن زياد فقبض عليه بيد مِنْ حديد ، واندفع كالمسعور للقضاء على الثورة ؛ ليحرز بذلك ثقة يزيد به وينال إخلاص البيت الاُموي له.

مخطّطات الانقلاب :

وبالرغم مِنْ حداثة سن ابن زياد فإنّه كان مِنْ أمهر السياسيين في الانقلابات ، وأكثرهم تغلّباً على الأحداث ، وقد استطاع بغدره ومكره أنْ يسيطر على حامية الكوفة ، ويقضي على جذور الثورة ويخمد نارها.

وقد كانت أهمّ مخطّطاته ما يلي :

1 ـ التجسّس على مسلم والوقوف على جميع شؤون الثورة.

2 ـ نشر أوبئة الخوف : وقد أثار جوّاً مِن الفزع والإرهاب لمْ تشهد له الكوفة نظيراً ، وانشغل الناس بنفوسهم عن التدخّل في أيّ شأن مِن الشؤون السياسية.

3 ـ بذل المال للوجوه والأشراف : وقد صاروا عملاء عنده يوجههم

٤٥٣

حيثما شاء ؛ وقد أفسدوا عشائرهم وألحقوا الهزيمة بجيش مسلم.

4 ـ الاحتيال على هانئ بإلقاء القبض عليه : وهو أمنع شخصية في المصر ، وقد قضى بذلك على أهمّ العناصر الفعّالة في الثورة.

هذه بعض المخطّطات الرهيبة التي استطاع أنْ يسيطر بها الطاغية على الموقف ، ويقضي على الثورة ويزجّ حامية الكوفة إلى حرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

مسلم بن عقيل :

أمّا مسلم بن عقيل فكان مِنْ أعلام التقوى في الإسلام ، وكان متحرّجاً في دينه كأشدّ ما يكون التحرّج ، فلمْ يسلك أيّ منعطف في طريقه ، ولا يقرّ أيّ وسيلة مِنْ وسائل المكر والخداع ، وإنّ توقّف عليها النصر السياسي ، شأنه في ذلك شأن عمّه أمير المؤمنين (عليه السّلام).

بالإضافة إلى ذلك : إنّه لمْ يُبعثْ إلى الكوفة كوالٍ مطلق حتّى يتصرّف حسبما يراه ؛ وإنّما كانت مهمّته محدودة وهي أخذ البيعة للإمام ، والاستطلاع على حقيقة الكوفيين. فإنْ رآهم مجتمعين بعث إلى الإمام الحُسين بالقدوم إليهم ، ولمْ يؤمر بغير ذلك ، وقد أطلنا الحديث في هذه الجهة في البحوث السابقة.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن إخفاق ثورة مسلم التي كانت فاتحة لفاجعة كربلاء ومصدراً لآلامها العميقة ، كما ينتهي بنا الحديث عن الحلقة الثانية مِن هذا الكتاب.

٤٥٤

محتويات الكتاب

المُقدّمة7

مع القاسطين والناكثين 21

الناكثون :24

دوافع التمرّد :24

خديعة معاوية للزبير :26

مؤتمر مكة :26

قرارات المؤتمر :27

تجهيز الجيش بالأموال المنهوبة :27

الخطاب السّياسي لعائشة :28

عائشة مع أُمّ سلمة :29

الزحف إلى البصرة :31

عسكر :31

الحوأب :32

في ربوع البصرة :33

النزاعُ على الصلاة :38

رُسل الإمام (عليه السّلام) إلى الكوفة :38

التقاءُ الجيشين :40

رُسل السّلام :40

الدعوة إلى القرآن :41

الحربُ العامة :42

مصرعُ الزبير :43

مصرعُ طلحة :46

٤٥٥

قيادةُ عائشة للجيش :46

عقرُ الجمل :47

العفو العام :48

متاركُ الحرب :50

القاسطون :51

إيفادُ جرير :53

معاوية مع ابن العاص :53

ردُّ جرير :56

قميصُ عثمان :56

زحفُ معاوية لصفّين :57

زحفُ الإمام (عليه السّلام) للحرب :57

احتلالُ الفرات :58

رسلُ السلام :59

الحربُ :60

منعُ الحسنين (عليهما السّلام) من الحرب :61

مصرعُ عمّار :62

مكيدةُ ابن العاص :65

التحكيمُ :70

وثيقةُ التحكيم :71

رجوعُ الإمام (عليه السّلام) للكوفة :72

مع المارقين :73

اجتماعُ الحكمين :75

تمرّدُ المارقين :81

قتالُ المارقين :83

٤٥٦

مخلّفات الحرب :85

1 ـ انتصار معاوية :85

2 ـ تفلّل جيش الإمام (عليه السّلام) :86

3 ـ احتلال مصر :87

الغارات :89

الغارة على العراق :89

1 ـ عين التّمر :89

2 ـ هيت :90

3 ـ واقصة :92

الغارة على الحجاز واليمن :93

عبثُ الخوارج :95

دعاءُ الإمام (عليه السّلام) على نفسه :96

اُفول دولة الحق 99

مؤتمرُ مكة :103

رأيٌ رخيص :103

اشتراكُ الاُمويِّين في المؤامرة :104

اغتيالُ الإمام (عليه السّلام) :106

الى رفيق الاعلى :109

متاركُ حكومة الإمام (عليه السّلام) :109

خلافةُ الحسن (عليه السّلام) :111

1 ـ الاعتداء على الإمام (عليه السّلام) 113

2 ـ الحكم عليه بالكفر 113

3 ـ الخيانة العظمى 113

4 ـ نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) 114

الصلحُ :114

٤٥٧

موقفُ الإمام الحسين (عليه السّلام) :115

عدي بن حاتم مع الحسين (عليه السّلام) :116

تحوّلُ الخلافة :116

حكومةُ معاوية119

سياسته الاقتصادية :122

الحرمان الاقتصادي :123

1 ـ يثرب :123

2 ـ العراق :125

3 ـ مصر :125

الرفاه على الشام :126

استخدام المال في تدعيم ملكه :126

المنحُ الهائلة لأسرته :127

منح خراج مصر لعمرو :127

هباتُ الأموال للمؤيّدين :128

شراءُ الأديان :128

عجز الخزينة المركزيّة :129

مصادرةُ أموال المواطنين :130

ضريبةُ النيروز :131

نهب الولاة والعمال :131

جبايةُ الخراج :132

اصطفاء الذهب والفضة :132

شلّ الحركة الاقتصادية :133

حجّة معاوية :134

سياسةُ التفريق :134

اضطهادُ الموالي :135

العصبيّة القبلية :137

٤٥٨

سياسة البطش والجبروت :138

احتقارُ الفقراء :140

سياسةُ الخداع :141

إشاعةُ الانتهازيّة :143

الخلاعةُ والمجون :144

إشاعةُ المجون في الحرمين :147

الاستخفافُ بالقيم الدينيّة :148

استلحاقُ زياد :149

إنكارُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :150

الحقدُ على النّبي (صلّى الله عليه وآله) :150

تغييرُ الواقع الإسلامي :153

مع أهل البيت (عليهم السّلام) :154

1 ـ تسخير الوعّاظ :155

2 ـ استخدامُ معاهد التعليم :155

3 ـ افتعال الأخبار 155

حديثُ مفتعل على الحُسين (عليه السّلام) :158

سب الإمام أمير المؤمنين :160

ستر فضائل أهل البيت :162

التحرج من ذكر الإمام :164

مع الشيعة :166

القتل الجماعي 167

إبادة القوى الواعية :167

1 ـ حجر بن عدي :167

مذكرة الإمام الحسين 168

2 ـ رشيد الهجري :169

3 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي :170

٤٥٩

مذكّرة الإمام الحُسين :171

4 ـ أوفى بن حصن :171

5 ـ الحضرمي مع جماعته :172

إنكار الإمام الحُسين :172

6 ـ جويرية العبدي :173

7 ـ صيفي بن فسيل :173

8 ـ عبد الرحمن :174

المروّعون مِن أعلام الشيعة :176

1 ـ عبد الله بن هاشم المرقال 176

2 ـ عَدِي بن حاتم الطائي 176

3 ـ صعصعة بن صوحان 176

4 ـ عبد الله بن خليفة الطائي 176

ترويع النّساء :176

هدم دور الشيعة :177

حرمان الشيعة مِن العطاء :177

عدم قبول شهادة الشيعة :178

إبعاد الشيعة إلى الخراسان :178

البيعة ليزيد :178

ولادة يزيد :179

نشأته :180

صفاته :180

ولَعه بالصيد :181

شغفه بالقرود :182

إدمانه على الخمر :183

ندماؤه :184

نصيحة معاوية ليزيد :185

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

« ريب » أي : صرف .

« المنون » قال الفرّاء : تكون المنون واحدة و جمعا ١ ، و الأصل في المنون الضعف ، و يقال لكلّ من الدّهر و المنيّة : المنون لأنّهما يضعفان و يقطعان المدد و ينقصان العدد ، قال الأعشي :

أ أن رأت رجلا أعشى أضرّ به

ريب المنون و دهر متبل خبل

٢ و قال آخر :

كأن لم يغن يوما في رخاءإذا ما المرء منّته المنون

٣ ( فريب المنون ) في الأوّل بمعنى حوادث الدّهر ، و ( منّته المنون ) في الثاني بمعنى قطعته المنيّة ، و مراده عليه السّلام أنّهم ليسوا كالبشر الّذين يتشعّبهم حوادث الدّهر ، و اخترام المنايا .

و ممّن تشعّبهم ريب المنون حتّى ضرب بهم المثل ولد سبأ ، فقالوا تشبيها بهم : تفرقوا أيادي سبأ .

و قالوا : نزل حسّان بن عمرو الحميريّ جبلا باليمن يقال له : شعب . ثمّ تشعب ولده ، فمن كان منهم بالكوفة يقال لهم : شعبيون و منهم الشعبي المعروف و من صار منهم إلى الشام يقال لهم : الشعبانيون ، و من صار منهم إلى اليمن يقال لهم : آل ذي شعبين ، و من صار منهم بالمغرب و مصر يقال لهم : الأشعوب ٤ .

« و إنّهم على مكانهم منك » بالقرب المعنوي .

« و منزلتهم عندك » بالدّرجة الرفيعة .

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٣ : ٤١٦ مادة ( منن ) .

( ٢ ) لسان العرب ١٣ : ٤١٦ مادة ( منن ) .

( ٣ ) اساس البلاغة : ٤٣٨ مادة ( منن ) .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٣ : ٣٤٧ .

٥٨١

« و استجماع أهوائهم فيك » و في عبادتك و طاعتك ، و ليسوا كالبشر الّذين زيّن لهم حبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذّهب و الفضّة و الخيل المسوّمة و الأنعام و الحرث ١ .

« و كثرة طاعتهم لك » حتّى لم يكن لهم شغل غير عبادته .

« و قلّة غفلتهم عن أمرك » لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون ٢ .

« لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك » و كيف لا يخفى عليهم ، و هو الّذي لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته و لو جي‏ء بمثله مددا .

« لحقّروا أعمالهم » في جنب عظمته .

« و لزروا » : أي عتبوا و عابوا ، قال :

نبّئت نعما على الهجران زارية

سقيا و رعيا لذاك العاتب الزاري

٣ و أيضا :

و إنّي على ليلى لزار و إنّني

على ذاك في ما بيننا مستديمها

٤ « على أنفسهم » في تقصيرهم في حقّك .

« و لعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك ، و لم يطيعوك حقّ طاعتك » كما لم يعرفوه حقّ معرفته ، و كذلك الأنبياء و الأوصياء كانوا معترفين بذلك .

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤ .

( ٢ ) الأنبياء : ٢٧ .

( ٣ ) أساس البلاغة : ١٩١ مادة ( زري ) .

( ٤ ) لسان العرب ١٤ : ٣٥٦ مادة ( زري ) .


٥٨٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الفصل الرابع في خلق آدم عليه السّلام

٥٨٣

٥٨٤

١

من الخطبة ( ١ ) صفة خلق آدم عليه السّلام :

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ اَلْأَرْضِ وَ سَهْلِهَا وَ عَذْبِهَا وَ سَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَ لاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ وَ أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اِسْتَمْسَكَتْ وَ أَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أَمَدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَ فِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ وَ اَلْأَذْوَاقِ وَ اَلْمَشَامِّ وَ اَلْأَلْوَانِ وَ اَلْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ اَلْأَلْوَانِ اَلْمُخْتَلِفَةِ وَ اَلْأَشْبَاهِ اَلْمُؤْتَلِفَةِ وَ اَلْأَضْدَادِ اَلْمُتَعَادِيَةِ وَ اَلْأَخْلاَطِ اَلْمُتَبَايِنَةِ مِنَ اَلْحَرِّ وَ اَلْبَرْدِ وَ اَلْبَلَّةِ وَ اَلْجُمُودِ وَ اِسْتَأْدَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ اَلْمَلاَئِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَ عَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ

٥٨٥

فِي اَلْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَ اَلْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اُسْجُدُوا ؟ لِآدَمَ ؟ فَسَجَدُوا إِلاَّ ؟ إِبْلِيسَ ؟ ٥ ٩ ٢ : ٣٤ اِعْتَرَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ وَ غَلَبَتْ عَلَيْهِ اَلشِّقْوَةُ وَ تَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ اَلنَّارِ وَ اِسْتَهْوَنَ خَلْقَ اَلصَّلْصَالِ فَأَعْطَاهُ اَللَّهُ اَلنَّظِرَةَ اِسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ وَ اِسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ إِلى‏ يَوْمِ اَلْوَقْتِ اَلْمَعْلُومِ ٢ ٨ ١٥ : ٣٧ ٣٨

[ ٤٣ ]

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ ؟ آدَمَ ؟ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عِيشَتَهُ وَ آمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَ حَذَّرَهُ ؟ إِبْلِيسَ ؟ وَ عَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ اَلْمُقَامِ وَ مُرَافَقَةِ اَلْأَبْرَارِ فَبَاعَ اَلْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَ اَلْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَ اِسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَ بِالاِغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَ لَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَ وَعَدَهُ اَلْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَ أَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ اَلْبَلِيَّةِ وَ تَنَاسُلِ اَلذُّرِّيَّةِ قول المصنّف : « صفة خلق آدم » هكذا في ( المصرية ) ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « منها في خلق آدم » ٣ ، و في ( ابن أبي الحديد ) : « منها في صفة آدم » ٤ ،

و كيف كان ، ففي ( إثبات المسعودي ) : روي أنّ آدم سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض ٥ .

و آدم يأتي اسما و وصفا ، و الاسمي جمعه ( أوادم ) ، و الوصفي يأتي

ــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٤ .

( ٢ ) الحجر : ٣٧ ٣٨ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ١ : ١٧٠ .

( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣١ « منها في صفة خلق آدم » أيضا .

( ٥ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠٠ ، و مروج الذهب ١ : ٤٠ ، و هذا الوجه في التسمية مروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن علي و الباقر و الصادق عليهم السّلام و عن ابن عباس و سعيد بن جبير ، و جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ١ : ٤٩ ، و المجلسي في بحار الأنوار ١١ : ١٠٠ ١١٣.

٥٨٦

وصفان للإنسان و البعير ، و كلّ منهما بمعنى ، و له جمع يقال : رجل آدم ، أي :

أسمر ، و جمعه : أدمان ، و يقال : بعير آدم ، أي : شديد البياض ، و يقال : هو البعير الأبيض ، الأسود المقلتين ، و جمعه أدم بضمتين .

قال الشاعر :

فإنّ أهجه يضجر كما ضجر بازل

من الأدم دبرت صفحتاه و غاربه

١ و أصل آدم : أأدم بهمزتين .

و قوله عليه السّلام : « ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض » أي : خشنها .

« و سهلها » أي : ما ليس فيه خشونة .

« و عذبها » أي : ما ليس فيه ملوحة .

« و سبخها » أي : الأرض التي تعلوها الملوحة ، و لا تنبت الزّرع .

« تربة » الواحدة من ترب لغة في تراب .

« سنّها » أي أنتنها من قوله تعالى : . . . من حمأ مسنون ٢ ، قال المسعودي في ( إثباته ) : خلق اللّه آدم من عذب الأرض و مالحها ، و مرّها و . . . ٣ .

و قال ابن أبي الحديد : سنّها ، أي ملّسها من قولهم : مرمر مسنون ٤ .

و قال الخوئي تبعا للمجلسيّ : سنّها من سننت الماء على الأرض :

صببته ٥ .

قلت : و هما كما ترى ، فلا معنى لتمليس التّربة بالماء ، كما لا معنى لصبّ التربة بالماء .

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٢ : ١٢ مادة ( أدم ) و الشاعر : الأخطل .

( ٢ ) الحجر : ٢٦ .

( ٣ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠ ضمن حديث طويل .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ١ : ١٤٨ ، و بحار الأنوار للمجلسي ١١ : ١٢٣ .

٥٨٧

« بالماء حتّى خلصت » في سننها .

« و لاطها » من لطت الحوض بالطين ، أي : ملطته به ، و طيّنته ، و قال الخوئي :

من لاط الشي‏ء بالشّي‏ء لوطا : لصق ١ .

قلت : ذاك لازم ، و هذا متعدّ .

« بالبلّة » أي : الرطوبة .

« حتّى لزبت » أي : لزقت ، و لصقت ، قال تعالى : . . . إنّا خلقناهم من طين لازب ٢ .

« فجبل منها صورة » قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : أي خلق خلقا عظيما . و اعترض عليه بأنّ جبل بمعنى خلق سواء كان عظيما أو غير عظيم ٣ .

قلت : إنّ جبل و ذرأ و أنشأ كلّها بمعنى : خلق إلاّ أنّ لكلّ منها خصوصية لا يصحّ لها استعمال أحدها في موضع الآخر .

فإنّ ذرأ معناه : خلق متكثر منتشر ، قال تعالى : . . . يذرؤكم فيه . . . ٤ .

و ( أنشأ ) معناه خلق حادث جديد ، قال تعالى : . . . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض . . . ٥ .

و جبل معناه : خلق غليظ ، قال الجوهري : يقال للرّجل إذا كان غليظا : إنّه لذو جبلة ، و امرأة مجبال ، أي : غليظة الخلق ، و شي‏ء جبل بكسر الباء ، أي : غليظ جاف ٦ . و يقال : أجبل الشّاعر ، إذا صعب عليه القول ، فكأنه بلغ المكان الغليظ ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ١ : ١٤٨ .

( ٢ ) الصفات : ١١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦ .

( ٤ ) الشورى : ١١ .

( ٥ ) النجم : ٣٢ .

( ٦ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٥١ مادة ( جبل ) .

٥٨٨

و أجبل الحافر ، إذا بلغ المكان الصّلب . و قال الزّمخشري : ناقة جبلة السنام تامته ، رجل جبل الوجه ، و جبل الرأس : غليظهما ، و سيف جبل و مجبال : لم يرقّق ، قال :

صافي الحديدة لا ناب و لا جبل

١ و سألناهم فأجبلوا : إذا لم ينولوا ، قال الكميت :

فبان و أبقى لنا من بنيه

لهاميم سادوا و لم يجبلوا

٢ « ذات أحناء » جمع حنو بالكسر ، أي : الجوانب و النواحي ، قال لبيد :

فقلت ازدجر أحناء طيرك و اعلمن

بأنّك إن قدّمت رجلك عاثر

٣ و قال الكميت :

و آلوا الأمور و أحناءها

فلم يبهلوها و لم يهملوا

٤ « و وصول » قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : الوصول جمع وصل ،

و هو العضو ، و كلّ شي‏ء اتّصل بشي‏ء فما بينهما وصلة . ثمّ اعترض عليه بأنّه ما وجد في لغة أنّ الوصل العضو ، و قال : و قوله « و كلّ شي‏ء . . . » لا معنى لذكره بعد ذلك التفسير ٥ .

قلت : قال الجزريّ في ( نهايته ) و كلامه مأخوذ من أئمّة اللّغة كأبي عبيد و أبي عبيدة و نحوهما في صفة النبي صلّى اللّه عليه و آله : كان فعم الأوصال . أي : ممتلئ الأعضاء . الواحد : وصل ٦ . فتراه صرّح بأنّ الوصل العضو ، أي : المراد منه

ــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٥١ مادة ( جبل ) .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) لسان العرب ١٤ : ٢٠٦ و ٢٠٤ مادة ( حنا ) .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦ .

( ٦ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٩٤ مادة ( وصل ) .

٥٨٩

العضو . و قوله : لا معنى لقوله « و كلّ شي‏ء . . . » بلا معنى ، فكلامه الأوّل معنى الوصل ، و الأخير معنى الوصلة ، و ما قاله لفظ ( الصحاح ) فقال : و كلّ شي‏ء اتّصل بشي‏ء فما بينهما وصلة ، و الجمع : وصل ١ .

« و أعضاء » كاليدين و الرّجلين .

« و فصول » كالمنكب و العضد و المرفق و الذّراع و الكفّ و الأصابع و الأنامل في اليدين و الفخذ و الرّكبة و السّاق و القدم و الأصابع و الأنامل في الرّجلين .

« أجمدها » أي : أبقاها حتّى صارت جامدة .

« حتّى استمسكت » من التّلاشي .

« و أصلدها » من قولهم : حجر صلد ، أي : صلب أملس .

« حتى صلصلت » من قولهم : تصلصل الحلي ، إذا صوّت ، و الأصل في كلامه عليه السّلام : قوله تعالى : . . . من صلصال من حمأ مسنون ٢ .

قال أبو عبيدة : الصّلصال الطّين الحرّ خلط بالرّمل فصار يتصلصل إذا جفّ ، فإذا طبخ في النار فهو الفخار ٣ .

و في خبر : ثمّ جعلها صلصالا كالفخار أربعين سنة ٤ .

« لوقت معدود » عيّنه ( تفسير القمّي ) أربعين سنة ٥ ، و ( مروج

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٥ : ١٨٤٢ مادة ( وصل ) .

( ٢ ) الحجر : ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣ .

( ٣ ) نقله عنه الجوهري في صحاح اللغة ٥ : ١٧٤٥ مادة ( صلصل ) .

( ٤ ) هذا اللفظ رواه المجلسي في بحار الأنوار ١١ : ١٢١ ، عن سعد السعود لابن طاووس عن نسخة من صحف إدريس عليه السّلام لكن لم توجد هذه الفقرة إلاّ في سعد السعود المطبوع : ٣٣ ، و نقل هذا المعنى المسعودي في مروج الذهب ١ : ٤٠ .

( ٥ ) تفسير القمي ١ : ٤١ .

٥٩٠

المسعودي ) مائة و عشرين سنة ١ .

« و أمد معلوم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و أجل معلوم ) كما في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ٢ .

« ثمّ نفخ فيها من روحه » نسب تعالى الرّوح إلى نفسه دلالة على شرف الإنسان ، قال تعالى للملائكة : فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ٣ ، و قال تعالى : و يسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي . . . ٤ .

« فمثلت » تلك التّربة .

« إنسانا ذا أذهان يجيلها » في خبر أبي بصير : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : لأي علّة خلق اللّه تعالى آدم من غير أب و أمّ ، و خلق عيسى من غير أب ، و خلق سائر الناس من الآباء و الأمّهات ؟ فقال : ليعلم الناس تمام قدرته و كمالها ٥ .

« و فكّر يتصرّف بها » في الأشياء ، فلا يعمل عملا إلاّ بعد فكر .

« و جوارح يختدمها » أي : يجعلها خادمة له في حوائجه .

« و أدوات » أي : آلات للسّمع و البصر .

« يقلّبها » كيف شاء .

« و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل » و هي العقل ، روى ( العيون ) أنّ ابن السّكّيت قال للرضا عليه السّلام بعد سؤاله عن وجه اختلاف معجزات موسى و عيسى و نبيّنا عليهم السّلام : فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ فقال عليه السّلام : العقل يعرف به

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٤١ ، ثم قال : « و قيل أربعون سنة » .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣١ ، و كذا في شرح ابن ميثم ١ : ١٦٩ « و أمد معلوم » أيضا .

( ٣ ) الحجر : ٢٩ .

( ٤ ) الاسراء : ٨٥ .

( ٥ ) علل الشرائع للصدوق : ١٥ ح ١ .

٥٩١

الصّادق على اللّه فيصدّقه ، و الكاذب على اللّه فيكذّبه . فقال ابن السكّيت : هذا و اللّه الجواب ١ .

« و الأذواق » فيعرف بها الحلو و المرّ و الحامض ، و غيرها .

« و المشامّ » فيعرف بها الرّيح الطيّبة من الخبيثة .

« و الألوان » فيعرف بها الأبيض و الأسود و الأحمر و الأخضر و الأصفر .

« و الأجناس » بالخشونة و اللّينة ، و كأنّه سقط من الكلام ( و الأصوات ) فيبعد أن يذكر عليه السّلام الذائقة و الشّامة و الباصرة و اللاّمسة ، و لا يذكر السّامعة مع كونها أهمّ من الشّامة .

« معجونا » الظاهر كونه حالا من ( إنسانا ) و يحتمل كونه صفة بعد صفة .

« بطينة الألوان المختلفة » روي أنّ عبد اللّه بن سلام سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّ آدم خلق من الطين كلّه أو من طين واحد ؟ قال : بل من الطّين كلّه ، و لو خلق من طين واحد لما عرف النّاس بعضهم بعضا ، و كانوا على صورة واحدة . قال :

فلهم في الدّنيا مثل ؟ قال : التّراب فيه أبيض ، و فيه أخضر ، و فيه أشقر ، و فيه أغبر ، و فيه أحمر ، و فيه أزرق ، و فيه عذب ، و فيه ملح ، و فيه خشن ، و فيه لين ،

و فيه أصهب ، فلذلك صار النّاس فيهم لين ، و فيهم خشن ، و فيهم أبيض ، و فيهم أصفر ، و أحمر ، و أصهب ، و أسود على ألوان التراب ٢ .

و يقال للرّوم : بنو الاصفر ، و للعرب : أسود ، و للعجم : أحمر . فعن ابن الاعرابي : معنى قولهم : آتاني كلّ أسود منهم و أحمر : آتاني جميع الناس عربهم و عجمهم ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٧٨ ح ١٢ ، و علل الشرائع : ١٢١ ح ٦ ، و الكافي للكليني ١ : ٢٤ ح ٢٠ في ذيل حديث .

( ٢ ) علل الشرائع للصدوق : ٤٧٠ ح ٣٣ ضمن حديث طويل ، و السائل يزيد بن سلام ، كما في الأصل ، و لعبد اللّه بن سلام حديث آخر .

( ٣ ) لم أجده عن ابن الاعرابي لكن نقله ابن منظور في لسان العرب ٤ : ٢٠٩ مادة ( حمر ) عن أبي عمرو بن العلاء .

٥٩٢

« و الأشباه المؤتلفة ، و الأضداد المتعادية » عن الرضا عليه السّلام الطبائع أربعة ،

فمنهنّ البلغم و هو خصم جدل ، و منهن الدّم و هو عبد زنجي و ربما قتل العبد سيّده ، و منهنّ الريح و هو ملك يدارى ، و منهنّ المرّة ، و هيهات هيهات هي الأرض ارتجّت ارتجّت بما عليها ١ .

« و الأخلاط المتباينة من الحرّ و البرد و البلّة » أي : الرطوبة .

« و الجمود » و زاد ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ٢ : « و المساءة و السرور » .

قال النّظام : الدّليل على الصانع أنّا رأينا أشياء متضادّة من شأنها التنافي و التّباين و التفاسد مجموعة ، و هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة المجتمعة في كلّ حيوان ، و في أكثر سائر الأجسام ، فعلمنا أنّ جامعها قسرها على الاجتماع ، و لو لا ذلك لتباينت و تفاسدت ، و لو جاز أن تجتمع المتضادّات المتنافرات ، و تتقاوم من غير جامع جمعها لجاز أن يجتمع الماء و النّار و يتقاوما من ذاتهما ، بغير جامع مدبّر مقيم يقيمها ، و هذا محال ٣ .

هذا ، و قال المبرّد : دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه و هو عليل ، فقلت له :

كيف أنت ؟ فقال : كيف يكون من نصفه مفلوج و لو نشر بالمناشير لما أحس به ، و نصف الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه ٤ .

و قال الجاحظ لمتطبب يشكو إليه علّته : قد اصطلحت الأضداد على جسدي إن أكلت باردا أخذ برجلي ، و إن أكلت حارّا أخذ برأسي ٥ .

« و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم و عهد » بالنّصب عطف

ــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ٦٦ ح ٨ عن الكاظم ، و ٢ : ٧٨ ح ١١ ، و علل الشرائع : ١٠٦ ح ٢ ، عن الرضا عليه السّلام .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ .

( ٣ ) نقله عن النظام الكراجكي في كنز الفوائد : ٨٦ .

( ٤ ) نقله عن المبرد ابن الأنباري في نزهة الألباء : ١٣٤ ، و المرتضى في أماليه ١ : ١٤٢ المجلس ١٣.

( ٥ ) أمالي المرتضى ١ : ١٤٢ المجلس ١٣ .

٥٩٣

على ( وديعته ) .

« وصيّته إليهم » أشار عليه السّلام في قوله : « و استأدى اللّه . . . » إلى قوله تعالى :

و إذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ١ .

« في الإذعان » أي : الانقياد .

« بالسّجود له » أي : لذاك الإنسان .

« و الخنوع » أي : التذلّل .

« لتكرمته » أي : إكرامه .

« فقال سبحانه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فقال تعالى ) كما في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ٢ .

« اسجدوا لآدم » وردت هذه الجملة في ( البقرة ، و الأعراف ، و بني إسرائيل ،

و الكهف ، و طه ) ٣ .

« فسجدوا إلاّ إبليس » وردت هذه الجملة في غير الأولى .

« اعترته الحميّة ، و غلبت عليه الشّقوة ، و تعزّز بخلقة النار ، و استهون خلق الصلصال » هكذا في ( المصرية ) بدون زيادة ، و إفراد الضمير في ( اعترته ) و ما عطف عليه ، و الصواب : ( و قبيله اعترتهم الحمية ، و غلبت عليهم الشّقوة ،

و تعزّزوا بخلقة النار ، و استهونوا خلق الصلصال ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) و ( الراوندي ) ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٢٨ ٢٩ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ ، و كذا في شرح ابن ميثم ١ : ١٦٩ « فقال سبحانه » أيضا .

( ٣ ) البقرة : ٣٤ ، و الأعراف : ١١ ، و الإسراء : ٦١ ، و الكهف : ٥٠ و طه : ١١٦ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٦٩ أيضا كالمصرية ، و امّا ما نقله الشارح عن الراوندي فمفهوم من بحث لغوي له حول كلمة ( قبيل ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٣٦ .

٥٩٤

و اختلف في إبليس هل كان من الجنّ أو من الملائكة ؟ فأكثر متكلّمي العامّة على الأوّل ، و اختاره المفيد قائلا : إنّ الأخبار به متواترة عنهم عليهم السّلام ،

و إنّه مذهب الإمامية ١ .

و ذهب أكثر فقهاء العامّة إلى الثاني ، و اختاره الشيخ في ( تبيانه ) قائلا :

و هو المرويّ عن الصادق عليه السّلام ٢ .

قلت : و الصواب أن يقال : إنّه كان من الجنّ لقوله تعالى : . . . كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه . . . ٣ ، إلاّ أنّه كان في عداد الملائكة كما يكون في البشر رجل من قبيلة معدودا من قبيلة أخرى ، فقالوا : كان الزّبير و هو من أسد قريش قبل أن ينشأ ابنه عبد اللّه في عداد بني هاشم ٤ .

و يدلّ على كونه في عداد الملائكة قوله تعالى : . . . فسجدوا إلاّ إبليس . . . ٥ في السور المتقدّمة ، و قوله تعالى : فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . ٦ في سورة الحجر ، و سورة ( ص ) و قوله عليه السّلام هنا :

و قوله في القاصعة : « ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر اخرج به منها ملكا » ٧ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) قاله المفيد في أوائل المقالات للمفيد : ١٤٩ .

( ٢ ) التبيان للطوسي ١ : ١٥٠ .

( ٣ ) الكهف : ٥٠ .

( ٤ ) انظر حديث علي عليه السّلام : « ما زال الزبير رجلا منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه » رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٤٨٠ الحكمة ٤٨٠ عن نهج البلاغة ، و لم يوجد في سائر نسخ النهج ، و أخرجه أيضا الجوهري في السقيفة :

٦٠ ، و عاصم بن حميد في أصله : ٢٣ ، و الصدوق في الخصال : ١٥٧ ح ١٩٩ باب الثلاثة ، و المفيد في الجمل : ٢٠٨ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٠ .

( ٥ ) الكهف : ٥٠ .

( ٦ ) الحجر : ٣٠ ٣١ .

( ٧ ) نهج البلاغة ٢ : ١٣٩ الخطبة ١٩٠ .


٥٩٥
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي في سجود الملائكة لآدم : لمّا علمنا أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، علمنا أنّ آدم كان أفضل من الملائكة في ذلك الوقت و فيما بعده . و اعترض عليه بأنّ لقائل أن يقول : أليس قد سجد يعقوب ليوسف عليهما السّلام أفيدلّ ذلك على أنّ يوسف أفضل من يعقوب ؟ ١ قلت : قال هذا الكلام قبله شيخه الجبائي ٢ ، و لكن لو لم يكن دالاّ على أفضلية آدم على الملائكة لما قال إبليس في جواب قوله تعالى : ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك . . . ٣ : . . . أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين ٤، و كذا في جواب قوله تعالى : . . . ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ استكبرت أو كنت من العالين ٥ . . . لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال . . . ٦ .

أو ما سمع هو و شيخه الجبائيّ قوله تعالى حكاية عن إبليس : أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ . . . ٧ و السجود ليوسف لم يعلم أنّه كان بوضع الجبهة ،

فلعلّه من قسم تعظيم الملوك ، مع أنّه أيّ مانع من كون يوسف أفضل من يعقوب ، فامتحن بمحن فوق محن أبيه ، و كان سليمان أفضل من أبيه ، قال تعالى : ففهّمناها سليمان و كلاّ آتينا حكما و علما . . . ٨ .

قال ابن أبي الحديد أيضا : إنّه قال الراوندي في قوله عليه السّلام : « إلاّ إبليس و قبيله » : قبيل إبليس نسله ، قال تعالى : . . . إنّه يراكم هو و قبيله . . . ٩ ، و كلّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٢ ) نقله عن الجبائي و غيره الطوسي في التبيان ١ : ١٥٠ ، و هو مشهور عن كثير من المعتزلة .

( ٣ ) الأعراف : ١٢ .

( ٤ ) الأعراف : ١٢ .

( ٥ ) ص : ٧٥ .

( ٦ ) الحجر : ٣٣ .

( ٧ ) الإسراء : ٦٢ .

( ٨ ) الأنبياء : ٧٩ .

( ٩ ) الأعراف : ٢٧ .

٥٩٦

جيل من الإنس و الجنّ قبيل . و اعترض عليه أنّ قوله تعالى لا يدلّ على أنّهم نسله ، و قوله : « و كلّ جيل . . . » ينقض دعواه أنّ قبيله لا يكون إلاّ نسله ١ .

قلت : إنّ ابن أبي الحديد لا يفرّق بين بيان المراد من الكلمة ، و بين بيان مفهومها اللّغوي ، فقول الراوندي : « قبيله : نسله » بيان المراد ، و أخذه من الأخبار . فروي في خبر أنّ الآباء ثلاثة : آدم ولد مؤمنا ، و الجانّ ولد مؤمنا و كافرا ، و إبليس ولد كافرا ، و ليس فيهم نتاج ، إنّما يبيض و يفرخ ، و ولده ذكور ليس فيهم إناث ٢ .

و أمّا ذكره الآية فإنّما لبيان أنّ ( قبيله ) كما ذكر في كلامه عليه السّلام ذكر في القرآن مع أنّ آية . . . أفتتخذونه و ذرّيّته أولياء من دوني و هو لكم عدوّ . . . ٣ تدلّ على أنّ قبيله من نسله و إن لم يذكر ذلك الرّاوندي ، و قوله : « و كلّ جيل . . . » بيان لمعنى مطلق القبيل ، فأيّ تناف له مع كون قبيل إبليس نسله حتّى ينقض دعواه ؟

و يأتي القبيل بمعنى : الكفيل أيضا ، و يأتي بمعنى : القابلة ، قال الشاعر :

كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها ٤ .

فهل ذكر معنى ينقض معنى آخر ؟ قال ابن أبي الحديد : إنّه قال الرّاوندي في قوله عليه السّلام : « و تعزّز بخلقة النار » : إنّ القياس الّذي قاسه إبليس كان باطلا ،

لأنّه ادّعى أنّ النار أشرف من الأرض ، و الأمر بالعكس ، لأنّ كلّ ما يدخل إلى النار ينقص ، و كلّ ما يدخل التراب يزيد . و اعترض عليه بأنّ هذا عجيب فإنّا نرى الحيوانات الميتة إذا دفنت في الأرض تنقص أجسامها ، و كذلك الأشجار

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ١٥٢ ح ١٨٦ باب الثلاثة .

( ٣ ) الكهف : ٥٠ .

( ٤ ) لسان العرب ١١ : ٥٤٤ مادة ( قبل ) ، و صدره :

أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها

و الشاعر : الأعشى .

٥٩٧

المدفونة في الأرض . على أنّ التحقيق أنّ المحترق بالنار و البالي بالتراب لم تعدم أجزاؤه و لا بعضها ، و إنّما استحالت إلى صور أخرى ١ .

قلت : بل اعتراضه عليه عجيب ، و تحقيقه ركيك ، فإنّ هذه أمور عرفية ،

فتدخل في الأرض نوى ليس بقدر أنملة ينبت منه شجرة كجبل ، و تلقي جبلا من الخشب في النار فلا يبقى منه إلاّ قليل رماد في حكم العدم ، فالعرف يرى أنّ النار لا تبقي شيئا ، و ما وقع فيها شي‏ء إلاّ أكلته ، و عليه ورد « إنّ الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب » ٢ إلاّ أنّ ابن أبي الحديد يعترض على الراوندي عنادا .

هذا ، و ورد بطلان قياس إبليس في الأخبار بطرق أخر أيضا ، ففي خبر أنّ إبليس قاس نفسه بآدم ، فقال : . . . خلقتني من نار و خلقته من طين ٣ ، فلو قاس الجوهر الّذي خلق اللّه منه آدم بالنّار ، كان ذلك أكثر نورا و ضياء من النّار ٤ .

و في خبر آخر : كذب إبليس لعنه اللّه ما خلقه اللّه إلاّ من طين ، ثم قال اللّه تعالى : الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ٥ خلقه اللّه من تلك النّار ، و النّار من تلك الشجرة ، و الشجرة أصلها من طين ٦ .

و من القياسات الباطلة السجود لغيره تعالى قياسا على سجود الملائكة

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٢ ) أخرجه الحميري في قرب الاسناد : ١٥ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٤٠٨ ح ٤٢١٠ و الشريف الرضي في المجازات النبوية : ٢٢١ ح ١٧٩ و رواه الفتال في روضة الواعظين ٢ : ٤٢٤ ، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و الشريف الرضي في نهج البلاغة ١ : ١٥١ الخطبة ٨٤ عن علي عليه السّلام ، و في الباب عن الباقر و الصادق عليهما السّلام .

( ٣ ) الأعراف : ١٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٥٨ ح ١٨ ، ٢٠ ، و علل الشرائع للصدوق : ٨٦ ، ٨٧ ح ١ ، ٣ عن الصادق عليه السّلام .

( ٥ ) يس : ٨٠ .

( ٦ ) تفسير القمي ٢ : ٢٤٤ عن الصادق عليه السّلام .

٥٩٨

لآدم ، ففي ( الاحتجاج ) أنّ جمعا من المشركين حاجّوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالوا : إنّ اللّه لمّا خلق آدم و أمر الملائكة بالسجود له ، كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبا إلى اللّه كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللّه ، و كما أمرتم بالسّجود بزعمكم إلى جهة مكّة ،

ففعلتم ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها ، و قصدتم الكعبة لا محاريبكم ، و قصدكم بالكعبة إلى اللّه تعالى لا إليها . . . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لهم : إنّ اللّه عزّ و جلّ حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسّجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به . ثمّ قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه ، أ لكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ، أو لكم أن تدخلوا دارا أخرى له مثلها بغير أمره . . . ١ « فأعطاه اللّه النّظرة » أي : المهلة .

« استحقاقا للسّخطة » أي : لغضبه تعالى عليه ، قال تعالى : و لا يحسبنّ الّذين كفروا انّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين ٢ .

« و استتماما للبليّة » أي : تكميلا لابتلائه و امتحانه ، فإنّه و إن كان قبل خلق آدم يعبد اللّه بعبادات كثيرة ، لكن باطنه كان خبيثا ، فانكشف بخلق آدم و الأمر بالسّجود له .

« و انجازا » أي : قضاء .

« للعدة » أي : لوعده تعالى .

ــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير العسكري : ٢٤٨ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٢٦ .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٨ .

٥٩٩

« فقال : إنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم » و في سورة الحجر ،

و سورة ( ص ) : قال فانّك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم ١ .

« ثمّ أسكن سبحانه آدم دارا » أي : الجنّة .

« أرغد » أي : أوسع و طيّب .

« فيها عيشته » و قلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنّة وكلا منها رغدا حيث شئتما . . . ٢ .

« و آمن فيها محلّته » أي : حلوله إنّ لك ألاّ تجوع فيها و لا تعرى . و انّك لا تظمأ فيها و لا تضحى ٣ .

« و حذّره إبليس و عداوته » فقلنا يا آدم إنّ هذا عدوّ لك و لزوجك فلا يخرجنّكما من الجنّة فتشقى ٤ .

« فاغترّه عدوّه » فدلاّهما بغرور . . . ٥ .

« نفاسة » أي : حسدا .

« عليه بدار المقام » الّتي لا ارتحال منها فأزلّهما الشيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه . . . ٦ .

« و مرافقة الأبرار » أي : الملائكة .

« فباع اليقين » بنهيه عن أكل الشجرة .

« بشكّه » الحادث من وسوسة إبليس ، قال تعالى : فوسوس إليه

ــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٣٧ ٣٨ ، و ص : ٨٠ ٨١ .

( ٢ ) البقرة : ٣٥ .

( ٣ ) طه : ١١٨ ١١٩ .

( ٤ ) طه : ١١٧ .

( ٥ ) الأعراف : ٢٢ .

( ٦ ) البقرة : ٣٦ .

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607