اجازات الحديث

اجازات الحديث18%

اجازات الحديث مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 314

اجازات الحديث
  • البداية
  • السابق
  • 314 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114657 / تحميل: 6516
الحجم الحجم الحجم
اجازات الحديث

اجازات الحديث

مؤلف:
العربية

اجازات الحديث

الشيخ محمد باقر المجلسي الاصبهاني

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

(وله الحمد والمجد)

الحديث (أو السنة) ثانى الدليلين - بعد القرآن الكريم - من الادلة التي تستند عليها الشريعة الاسلامية وتستوحي منها الاسس التشريعية وما أوجب الله تعالى من الاحكام على العباد بتبليغ من الرسول الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ان من الطبيعي أن يهتم المسلمون المعاصرون للعهد النبوي بما يأمر النبي وينهى وما يفعله في حياته العامة والخاصة، لانهم اعتقدوا أنه لا ينطق عن الهوى بل هو منبعث من الوحي الالهي، كما أن لهم فيه أسوة حسنة يدعوهم إلى ما فيه خير الدنيا والاخرة.

ان المسلمين الصحابة لم يزالوا يلهجون بما قاله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو فعله، فينقلون ما سمعوه وشاهدوه إلى من لم يكن حاضرا معهم، ويصدرون على ضوء الاقوال والافعال فتاواهم وآراء‌هم، ويأمرون غيرهم باتباعها لانها - كما يعتقدون - هي شريعة الله تعالى ودينه الذي أمر نبيه بتبليغه، وكانت قضاء فصل عند اختلافهم في أمر من أمور دينهم ودنياهم.

وانتقلت هذه السنة من الخلف إلى السلف محفوفة بالاهتمام الكبير، وقد وضع

٣

لحفظها من تلاعب الايدي ومخاريق الكذابة وأصحاب الدجل والنفاق - فيما بعد عصر الرسول - أسس خاصة تميز الحق من الباطل والصدق من الكذب وتدل على ما يمكن الاخذ به أورده مما أثر من هذه السنة الطاهرة أو ما ألصق بها.

ونحن - معاشر الشيعة الامامية - نرى أن أقوال الائمة المعصومينعليهم‌السلام وأفعالهم كالمأثور عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله على حد سواء، وذلك لان النبي بنفسه أوصى باتباع القرآن والعترة في كثير من الاحاديث المروية في أمهات مؤلفات المسلمين عامة مصرحا بأنهما لا يتفرقان حتى يردا عليه الحوض، وحث الامة على اقتفاء أثر أهل بيته في مناسبات تتجاوز العشرات قد تناقلها المسلمون منذ العصر الاول إلى يوم الناس هذا.

بالاضافة إلى أن أهل البيت أدرى بما في البيت، وقد أخذوا علومهم عن علىعليه‌السلام الذي لم يزل مع النبي منذ مولده إلى أن توفى الله تعالى نبيه لم يفارقه في حال من الاحوال، بل زق الرسول علمه لعلي زقا وصرح فيه بأنه باب مدينة علمه ولابد أن يؤتى من هذا الباب، وهذا يعنى أنه لم يعرف الهدى من الضلال الا من هذا الطريق.

نعم اننا نعتقد أن أحاديث الائمة المعصومينعليهم‌السلام هي أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم تختلف عنها في شئ، ان أسندوها اليه أو لم يسندوها.

فاننا عندما نروي عن الصادقعليه‌السلام حديثا انما نرويه عن النبي وان لم يصرح بذالك الامام الصادق عند التحدث به، لاننا مأمورون بذلك في أحاديث القرآن والعترة ولانه أثر عنهم أن ما يتحدثون به فهو مروى عن آبائهم عن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لقد اهتم أصحاب الائمةعليهم‌السلام برواية الحديث وتدوينه في كتب ومدونات

٤

كبيرة وصغيرة حفظا لها من النسيان والضياع، ثم صحت عزيمة علمائنا الاجلاء بجمعها في مجاميع تنسقها في موضوعاتها وتصونها عن التشتت، فظهرت فيما بعد عصر الائمة مؤلفات حديثية هامة كان من أجلها الكتب المعروفة الاربعة (الكافي) و (من لايحضره الفقيه) و (الاستبصار) و (التهذيب)، ثم تتابعت الجهود في الرواية والتدوين بالاصول المقررة عند علماء الحديث.

ومن علمائنا البارزين في هذا الميدان - بالاضافة إلى أثره البين في مجالات علمية أخرى - شيخ أرباب الحديث في القرون المتأخرة العلامة الثبت الثقة شيخنا المولى محمد باقر المجلسى الاصبهانى، فانه - تغمده الله برحمته ورضوانه - عمل من جهتين لحفظ التراث الحديثي واحياء ما كاد أن يندثر منه، وهما: ١ - جمع الاحاديث الموزعة في المؤلفات الحديثية الكبيرة والصغيرة بتنسيق وتبويب موسع في موسوعته الكبرى (بحار الانوار)، بالاضافة إلى جملة من الايات المناسبة التي بدأ بها أبواب الموسوعة، وفسر الايات وشرح الاحاديث بما يلزم من التفسير والشرح لتبيين المقاصد والمداليل.

وبعمله هذا لم شتات أحاديث أهل البيت من مختلف المصادر القديمة وصانها عن الاندراس والتلف بسبب الغفلة عن تلك المصادر، لان اكثرها غير مشهورة أو غير موفرة.

ومن جهة أخرى يسر مهمة الباحثين الموسوعيين الذين يرومون التوسع في الرجوع إلى الروايات الواردة في الابواب العقائدية والاخلاقية وغيرها من بقية الموضوعات الدينية.

٢- أما الطريقة الثانية التي عمل فيها المجلسي لحفظ التراث، فهي تربية مجموعة كبيرة من التلاميذ وتدريبهم على علوم الحديث بقراء‌تها وكتابة مصادرها ومقابلة نسخها وتصحيحها حسب مواضعات المحدثين لهذا الغرض.

فيذكر بعض

٥

المؤرخين أنه كان يحضر في مجلس درسه ألف طالب يتدارسون فيه كتب الحديث ويتدربون على تعليم علومه.

ومن هنا نرى بين المخطوطات وفرة نسخ كتب الحديث - وخاصة الكتب الاربعة وكتاب بحار الانوار - التي عليها تصحيحات وبلاغات بخط المجلسي وفي أواسطها وأواخرها بلاغات وانهاء‌ات واجازات هي وثائق قراء‌ة أولئك التلامذة هذه الكتب عنده.

ان المرء ليعجب بالبركة التي رزق الله تعالى هذا الرجل في عمره، وكثرة ما حفظت من هاتيك النسخ الحديثية بجهوده العلمية في الاقراء والتصحيح والمقابلة.

مع العلم أن هذا النشاط التربوي - حسب تواريخ الاجازات الموجودة - كان منذ نحو سنة ١٠٧٠، وكانت هذه الفترة من عمر المجلسي فترة زعامته الروحية ومرجعيته الكبرى وشيخوخة الاسلام التي تعني ادارة الحوزات العلمية والاشراف على العلماء في جميع أقطار ايران.

رأينا - ونحن على أعتاب ذكرى مرور ثلاثمائة عام على وفاة العلامة المجلسي - أن نشترك في تكريمه وتعظيمه، وفاء‌ا لبعض حقه على الامة بما قدم من جهود عظيمة في احياء تراث أهل البيتعليهم‌السلام .

فصح العزم على جمع مابقي من الاجازات التي كتبها في مختلف الكتب لتلامذته والدارسين لديه، ذلك لان جمعها تظهر جانبا جديدا من جوانب عظمة المجلسي أغفله المؤرخون له، ولعل اغفالهم جاء‌ت نتيجة لتشتت هذه الاجازات في المكتبات العامة والخاصة وصعوبة الوصول اليها وتصويرها ونسخها ثم جمعها في مجموعة خاصة.

٦

اننا بدأنا بجمع هذه الاشتات ولازالت ترافق أعمالنا تشجيعات سماحة سيدنا آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفى المرعشى - دام ظله الوارف - الذي لم يزل يسأل كلما حضرنا لديه عن الجديد الذي وجدنا من الاجازات والعدد التي بلغت وأين كان المصدر لما وجد جديدا.

ان تشجيعه المستمر كان دافعا لنا في الفحص الجاد، حتى زرنا بعض المدن لهذا الغرض وطلبنا من جملة من المكتبات الكبيرة تصوير مالديها من الاجازات، فتجمع من مجموع صلاتنا بالاشخاص والمكتبات هذه المجموعة التى يحدها القارئ العزيز ماثلة بين يدية.

مع أننا نعلم أن هناك اجازات أخرى لم يرض أصحابها اطلاعنا عليها أو منعتنا الموانع من نسخها أو تصويرها.

جمعت هذه المجموعة من الاجازات والانهاء‌ات والبلاغات التى كتبها العلامة المجلسي بخطه في كتب الحديث المقروء‌ة عليه أو مما نقلت في بعض المصادر صورتها ولم نعثر على أصلها بخطه.

رتبت حسب الترتيب الحروفي لاسماء المجازين مع اضافة تراجم قصيرة لهم بأن يذكر المتراجم باسمه ويترجم بما تيسر مع العناية بما قرأه لدى المجلسي، ثم تثبت الاجازة أو الاجازات التى كتبها له تباعا، مع رقم خاص للمجازين الذين بلغوا (٨٤) شخصا ورقم مسلسل للاجازات التى بلغت (١١٥) اجازة.

ثم جمعت صور الصحائف التي كتب المجلسي اجازته بخطه فيها لتكون وثائق تاريخية لما كتب بخطه ويجدها القارئ مجموعة في مكان واحد.

ثم فهارس عامة كان الغرض من صنعها افادة المراجعين في دراسة شيوخ الاجازة ونوعية اهتمام المجلسي بكتبه ومؤلفاته التى ذكرها في اثناء الاجازات.

٧

هذا، وأرى من الفرض علي أن أقدم شكري المتواصل للمرجع الدينى الورع سماحة آية الله العظمى السيد شهاب النجفي المرعشي دام ظله العالى الذي توالت تشجيعاته الابوية علي، كما وأشكر ولده الاخ العلامة السيد محمود المرعشي الذي وفر الامكانات لطبع الكتاب في سلسلة مطبوعات مكتبتهم العامة.

وأود أن أضيف تقديرى وشكري للسادة العلماء والاخوان الاساتذة أصحاب المكتبات العامة والخاصة الذين أمدوني بصور عن الصحائف التى هى بخط العلامة المجلسى من مخطوطات مكتبتهم، فان هذا كان عونا علميا لي لابد من الاشادة به والشكر له.

والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة والسلام على محمد النبى وآله السادة الغر الميامين.

٨

(١) مولانا ابن على ابن علي

قرأ على العلامة المجلسي جملة من كتب الحديث، ومنها " الصحيفة السجادية " فأجازه في أولها في أواسط شهر شوال سنة ١٠٧٢.

(الكواكب المنتثرة - مخطول، زندگينامه علامه مجلسى ٢ / ٧)

٩

[١] بسم الله الرحمن الرحيم وسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: فقد قرأ علي المولى الفاضل التقي الالمعي الاخ في الله المحبوب لوجه الله مولانا ابن علي وفقه الله تعالى لمراضيه، سماعا في أدعية الصحيفة السجادية مع ما ألحق بها، صلوات الله على من ألهمها، في مجالس آخرها أواسط شهر الله المكرم من شهور سنة [اثنتين] وسبعين وألف.

وأجزت له زيد توفيقه أن يرويها عني مع سائر ماسمعه منى بأسانيدي المتصلة إلى أرباب العصمة صلوات الله عليهم.

وكتب بيمناة الداثرة أفقر عبادالله محمد باقر بن محمد تقي عفي عنهما بالنبي وآله المطهرين، حامدا مصليا مسلما.

(توجد على " الصحيفة السجادية " في مكتبة الحسينية التسترية بالنجف الاشرف - رقم ٢٤، عن فهرس المكتبة المخطوط للشيخ أسدالله اسماعيليان)

١٠

(٢) مولانا ابوالبقاء

ابوالبقاء قرأ على العلامة المجلسي شطرا وافيا من العلوم الدينية، ومما قرأ عليه كتاب " تهذيب الاحكام " فكتب له اجازة في كتاب الحج منه في شهر ربيع الاول سنة ١٠٧٤.

(زندگينامه علامه مجلسى ٢ / ٧)

١١

[٢] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده [الذين اصطفى] أما بعد: فان الاخ في الله المحبوب لوجه الله المبتغي لمرضاته مولانا ابوالبقاء وفقه الله تعالى، لما طال تردده الي ومذاكراته لدي وأخذ مني شطرا وافيا من العلوم الدينية، استجازني فيما أخذ عني من أخبار أعلام الدين وخلفاء الله في الارضين وأهل بيت سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.

فأجزت له بعد الاستخارة أن يرويها عني، لاسيما الكتب الاربعة لابي جعفرين المحمدين الثلاثةرضي‌الله‌عنهم وشكر الله مساعيهم، بأسانيدي العديدة المتصلة إلى مؤلفيها، آخذا عليه ما أخذ علي من ملازمة التقوى وسلوك سبيل أئمة الهدى عليهم الصلاة والسلام، وعدم الميل إلى طريق أهل الضلالة والعدى وان مال اليها أهل الهوى التاركين الاخرة للدنيا، وأن لا ينساني في خلواته وأن يستغفر لي في حياتي وبعد موتي.

وكتب المذنب العاثر الخاسر ابن الغريق في بحار رحمة الله محمد تقي

١٢

قدس الله روحه محمد باقر عفى الله عن جرائمهما بمحمد وآله الطاهرين، في شهر ربيع الاول سنة أربع وسبعين بعد الالف، حامدا مصليا مسلما.

(آخر كتاب الحج من " تهذيب الاحكام " في مكتبة المجلس النيابى بطهران - رقم ٤٧)

١٣

(٣) الامير ابوطالب الطباطبائى

ابوطالب بن ابى المعالي الحسنى الحسينى الطباطبائي الاصبهاني قرأ على العلامة المجلسي كثيرا من العلوم العقلية والنقلية، ومما قرأ عليه كتاب " من لايحضره الفقيه " فأجازه في آخره، وكتاب " الكافي " فكتب له انهاء‌ا في آخر كتاب الزكاة منه.

١٤

ويبدو من اجازة المجلسي أن صاحب الترجمة تتلمذ أيضا على بعض تلامذته وأقاربه وقرأ عليهم جملة من كتب الحديث.

(الكواكب المنتثرة - مخطوط، زندگينامه علامه مجلسى ٢ / ١١)

١٥

[٣] بسم الله الرحمن الرحيم أنهاه السيد الايد الحميد الحسيب النجيب اللبيب الاديب الاريب الفاضل المدقق الذكي الرضى الامير ابوطالب بن السيد المبرور الامير ابوالمعالي الحسني الحسينى وفقه الله تعالى للعروج على أعلى معارج الكمال من العلم والعمل وصانه عن الخطأ والخطل، سماعا مني وقرأ [ة] علي وممن انتمى الي مع كثير من العلوم العقلية والنقلية.

فأجزت له كثر الله أمثاله أن يروي عني هذا الكتاب المستطاب وسائر كتب الاخبار المأثورة عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم، بأسانيدي المتصلة إلى مؤلفيها، وهي اكثر من أن أحصيها له: فمنها ما أخبرني به عدة من الافاضل الكرام وجم غفير من العلماء الاعلام نورالله ضرائحهم، منهم والدي العلامة طبيب الله تربته، عن شيخهم شيخ الاسلام والمسلمين بهاء‌الملة والحق والدينقدس‌سره - إلى آخر أسانيده المسطورة في كتبه المعروفة، فليروها عني بتلك الطرق وغيرها مراعيا لشرائط الرواية طالبا أقصى مدارج الدراية داعيا لي ولمشايخي في مآن الاجابة.

١٦

وكتبه بيده الداثرة لوازرة أفقر العباد الى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي عفى الله عن جرائمهما، حامدا مصليا مسلما.

(آخر كتاب الزكاة من " الكافى " في مكتبة الحسينية التسترية بالنجف الاشرف - رقم ٨٠٢)

١٧

(٤) الشيخ احمد البحرانى

احمد بن محمد بن يوسف بن صالح الخطي المقابى البحراني خطي الاصل مقابى المنشأ والتحصيل.

تتلمذ في أكثر العلو على أبية الشيخ محمد المقابى والمير محمد مؤمن بن دوست محمد الاستر ابادي صاحب كتاب " الرجعة ".

وصف بأنه كان علامة فهامة زاهدا عابدا ورعا كريما تقيا فقيها محدثا، تصانيفه تشهد بعلو كعبه في المعقول والمنقول والفروع والاصول، مع بلاغة وفصاحة في التعبير والتحرير.

وشعره في غاية الجودة والجزالة.

١٨

قال عنه الشيخ سليمان الماحوزي: كان أعجوبة زمانه ذكاء‌ا وفضلا ونادرة عصره كمالا ونبلا، بلغ من الكمالات قاصيتها وملك من التحقيقات ناصيتها، حضرت درسه الفاخر فصادفته كالبحر الزاخر، تتلاطم أمواجه ويتدفق عذبه لا اجاجه..وكان أعبد من رأيناه في عصرنا وأشرفهم في الاخلاق.

وقال الشيخ يوسف البحراني: وعندي أنه أفضل علماء بلادنا البحرين ممن عاصره وتأخر عنه بل وغيرهم، وقد ذكر بعض تلامذته في رسالة له أنه في سفره إلى اصبهان كان المولى الفاضل محمد باقر الخراسانى صاحب " الكفاية " و " الذخيرة "

١٩

يخلو معه في الاسبوع يومين للمذاكرة معه والاستفادة منه.

يروي عن جملة من المشايخ: منهم والده الشيخ محمد بن يوسف المقابى والمير محمد مؤمن الاستر ابادى والعلامة المجلسي وقد أجازه عند سفره إلى اصبهان وأدرجت الاجازة مبتورة في مجلد اجازات " البحار ".

ويروى عنه الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي البحراني، والمولى ابوالحسن الشريف العاملي الفتوني.

له " رياض الدلائل وحياض المسائل " و " الرموز الخفية في الدقائق المنطقية " و " المشكاة المضيئة " في المنطق و " وجوب صلاة الجمعة عينا " ورسالة في " استقلال الاب بولاية البكر البالغة الرشيدة " و " البداء " و " الحسن والقبح العقليان ".

توفي سنة ١١٠٢ (أو ١١٠٠) بطاعون العراق مع أخويه الشيخ يوسف والشيخ حسين في حياة أبيه ودفن في جوار الامامين الكاظمينعليهما‌السلام .

(علماء البحرين ص ٧٧، جواهر البحرين ص ٩٦، امل الامل ٢ / ٢٨ لؤلؤة البحرين ص ٣٧، الفيض القدسى ص ٩١، أنوار البدرين ص ١٤٠، الكواكب المنتثرة - مخطوط، مخطوط، اعيان الشيعة ٣ / ١٧٢ زندگينامه علامه مجلسى ٢ / ١٢

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ومن هذه الظلمات : حبّ المصلحة الشخصيّة ، وحبّ الذات وهو النفس ، و... التي تعتبر ظلمات فرديّة وخُلُقيّة.

وتوجد ظلمات اجتماعيّة ، مثل : الظلم والتفرقة وغيرهما.

إنّ لفظة ( الظلم ) مأخوذة من مادة ( الظلمة ) وتبيّن نوعاً من الظلمة المعنوية والاجتماعيّة ، وإنّ القرآن وسائر الكتب السماوية تتعهّد بالنضال من أجل رفع الظلمات ، يقول القرآن مخاطباً موسى بن عمرانعليه‌السلام :( ... أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ... ) ( سورة إبراهيم : آية : ٥ )

هذه الظلمة هي ظلمة ظلم فرعون والفراعنة ، والنور هو نور الحرِّيّة والعدالة ، وإنّ النقطة التي لاحظها المفسّرون هي أنّ القرآن يذكر الظلمات دائماً بصيغة الجمع ، ومع الألف واللام ؛ لكي تفيد الاستغراق وتشمل جميع أنواع الظلمات ، في الوقت الذي يذكر النور بصيغة الإفراد ويعني : إنّ الصراط المستقيم طريق واحد لا غير.

٤١

إلاّ أنّ طرق الضلال والانحراف متعدّدة ، نقرأ في آية الكرسي مثلاً :

( ... اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

وبهذا الترتيب يُبيّن القرآن هدفه وهو : تحطيم قيود الجهل والضلال والظلم ، والفساد الخلقي والاجتماعي ، وفي كلمة واحدة : القضاء على الظلمات ، والهداية نحو العدل والخير والنور.

التعرّف على لغة القرآن

الموضوع الآخر هو التعرّف على لغة القرآن وتلاوته.

يتصوّر البعض أنّ الغرض من تلاوة القرآن ينحصر في قراءة القرآن لأجل الثواب ، دون أنْ يدرك شيئاً من معانيه.وهؤلاء يقرؤون القرآن باستمرار ، ولكن إذا سُئلوا مرّة واحدة : إنّكم هل تعرفون معنى ما تقرؤون ؟ يعجزون عن الإجابة.

إنّ قراءة القرآن من هذه الناحية - وهي أنّها مقدّمة لإدراك معاني القرآن - ضروريّة وحسنة ، ولكن ليس فقط لأجل اكتساب الثواب.

٤٢

وهناك أيضا خصائص لإدراك معاني القرآن لا بدّ من ملاحظتها.إنّ ما يلزم حصوله للقارئ - وهو يريد الاستفادة من كثير من الكتب - هو مجموعة الأفكار الجديدة التي ليس لها وجود قبل ذلك في الذهن.وإنّ الذي يعمل ويتحرّك هنا هو العقل وقوّة التفكير لدى القارئ ليس غير.

وبالنسبة للقرآن ، فلا ريب بضرورة مطالعته بهدف دراسته وتعلّمه ، يُصرّح القرآن في هذا المجال بقوله :

( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ) ( سورة ص : آية : ٢٩).

إحدى مسؤوليّات القرآن هي التعليم والتذكير ، ومن هذه الجهة يخاطِب القرآن عَقْلَ الإنسان ويتحدّث معه بالاستدلال والمنطق ، غير أنّ للقرآن لغة أخرى ، والمخاطب فيها ليس العقل ، بل المخاطب هو القلب ، وهذه اللغة الثانية تُسمّى :( الإحساس ) .

وإنّ الذي يريد أنْ يتعرّف على القرآن ويأنس به ،

٤٣

عليه أنْ يتعرّف على هاتَين اللغتَين ويستفيد منهما معاً ، وأنّ تفكيك هاتَين اللغتَين يؤدِّي إلى بروز الخطأ والاشتباه ، ويسبّب الضرر والخسران.

إنّ ما نُسمّيه بالقلب : هو عبارة عن شعور عظيم وعميق جدّاً في باطن الإنسان ، ويسمّونه أحياناً( إحساس الوجود ) ، أي إحساس رابطة الإنسان مع الوجود المطلق.

فالذي يعرف لغة القلب ويخاطب الإنسان بها ، يُحرّك الإنسان من أعماق وجوده ، وعندئذٍ لا يبقى الفكر الإنساني تحت التأثير فحسب ، بل ويتأثّر كلّ وجوده.

وربّما استطعنا أنْ نضرب الموسيقى مثلاً كنموذج عن لغة الإحساس ، فإنّ الأقسام المختلفة للموسيقى تشترك في جهة واحدة ، وهي علامتها مع الإحساسات الإنسانيّة.تُهيِّج الموسيقى روح الإنسان وتغرقها في عالم خاص من الإحساس ، وبالطبع ، فإنّ ضروب الهيجانات والأحاسيس تختلف مع اختلاف أنواع الموسيقى ، فربّما ارتبط أحد أنواع الموسيقى مع الشعور بالفتوّة والشجاعة ، فيتحدّث بهذه اللغة مع الإنسان.

٤٤

لقد رأيتم الأناشيد والمعزوفات العسكريّة ، تُنْشَد وتُعْزَف في ميادين القتال ، ونرى أحياناً مدى تأثير هذه الأناشيد وقوّتها ، بحيث تجعل الجندي الذي لا يخرج من خندقه خوفَ الأعداء تجعله يتقدّم إلى الأمام بكلّ اندفاع ، ويحارب الأعداء رغم الهجوم الثقيل للعدو.

وهناك نوع آخر من الموسيقى يرتبط مع الشهوة و ( الشعور الجنسي ) ، فيعرّض الإنسان إلى الخمول والانقياد نحو الشهوات ، ويدعوه ليستسلم للفساد.

وقد لوحظ أنّ تأثير الموسيقى كبير في هذا المجال ، وربّما لم يستطع أيّ شيء آخر أنْ يؤثر إلى هذا الحد في القضاء على جدران العفّة والأخلاق ، وبالنسبة إلى سائر الغرائز و الأحاسيس أيضاً، عندما يُقال شيء بلسان هذه الأحاسيس - بواسطة لغة الموسيقى أو بأيّ وسيلة أخرى - فإنّه يمكن أنْ يُوضع تحت المراقبة والنَظَارة.

إنّ الشعور الديني والفطرة الإلهيّة من أسمى الغرائز والأحاسيس لدى كلّ إنسان ، وإنّ علاقة القرآن مع هذا

٤٥

الإحساس الشريف علاقة أسمى وأعلى ( ١ ) ( لقد بُحث كثيراً حول هذا الشعور الديني في شرق العالم وغربه.وننقل هنا باختصار أقوال بعض العلماء المعروفين في العالم ، والحديث الأوّل لاينشتاين أنّه يتحدّث عن الدين في إحدى مقالاته ويقول : بأنّه يعتقد بأنّ العقيدة والمذهب بصورة عامّة ثلاثة أنواع :

-مذهب الأخلاق : وهو الدين الذي يبتني على المصالح الخُلُقيّة.

-ثمّ يذكر مذهباً آخر ويسمّيه مذهب الوجود : وهذا التعبير هو ما نطلق عليه ( القلب ).

ويعتقد اينشتاين :

أنّ هذا المذهب - في الحقيقة - يريد أنْ يقول بأنّه تحصل - في فترةٍ ما - حالةٌ معنويّة وروحيّة للإنسان حيث يخرج فجأة - في تلك الحالة - من هذه النفس المحدودة والمحاطة بالآمال والأُمنيات الحقيرة ، والمفصولة عن الآخرين ، وهكذا عن عالم الوجود الطبيعي الذي أصبح حصاراً له ، ويتحرّر من هذا السجن ، وعند ذلك يجلس ليراقب كلّ الوجود فيجد الوجود كحقيقة واحدة ، ويرى بوضوح تلك العظمة والشموخ والجلالة لما وراء هذا الموجودات ، ويتذكّر حقارة نفسه ، وعندئذٍ يريد أنْ يرتبط بكلّ الوجود.

إنّ تعبير اينشتاين هذا يذكّرنا بقصّة همّام عندما سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن صفات المؤمن ، فأجابه الإمام جواباً موجزاً جامعاً ،

٤٦

حيث قال :( يا همّام اتّقِ الله وأحسن ، إنّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون ) ، ولكنّ همّام لم يقتنع بهذا الجواب ، ويطلب توضيحاً أكثر عن كيفية المعاشرة وطريقة العبادة في الصباح والمساء ، و... ، عندئذٍ يبدأ الإمام عليعليه‌السلام بذكر صفات المؤمن ويرسم حوالي ١٣٠ خطّاً من خطوط المتّقين ، ويقول ضمن ذلك :

( لولا الآجال التي كتب الله تعالى لهم ، لم تستقرّ أرواحهم في أبدانهم طرفة عين ).

هذه هي نفس الحالة التي يشير إليها اينشتاين ، ويقول : إنّ الإنسان المتديّن يرى نفسه مسجوناً فيما يشبه السجن ، وكأنّه يريد أنْ يطير من قفص البدن ويحصل على كلّ الوجود مرّة واحدة.وقد جاءت هذه الحقيقة في كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام بصورة أوضح وأكمل ، فمِن وجهة نظر الإمامعليه‌السلام نرى المؤمن كأنّه جمع كلّ الوجود في بدنه المادّي ، وعلى هذا الأساس يخرّ من قالبه مرّة واحدة ليحرّر روحه.وقد ذكروا في قصّة همّام هذه النقطة وهي أنّه عندما أتمّ الإمام كلامه ، شهق همّام شهقة وخرج من قالبه (المادّي).

وبمناسبة الشعور المعنوي للبشر ، هناك حديث لطيف إلى ( إقبال ) يقول فيه :

لا يوجد في هذا القول لغز ولا سر ، وهو إنّ الدعاء بمثابة وسيلة إشراقيّة نفسيّة ، عمل حيوي عادي ، بواسطته تُكتشف الجزيرة الصغيرة لشخصيّة مكانها في قطعة أكبر من العالم.

٤٧

القرآن بنفسه يوصينا أنْ نقرأه بصوت حسن لطيف.

وبهذا النداء السماوي يتحدّث القرآن مع الفطرة الإلهيّة للإنسان ويسخّرها ، ( كان الأئمّة - ع - يقرؤون القرآن بتلك اللهفة التي ما أنْ يسمعهم المارّة حتّى يضطرّون إلى الوقوف ، والاستماع والتأثير والبكاء ).

القرآن عندما يصف نفسه يتحدّث

٤٨

بلسانين :

فتارةً : يعرّف نفسه بأنّه كتاب التفكّر والمنطق والاستدلال.

وتارةً : أخرى بأنّه كتاب الإحساس والعشق.وبعبارة أخرى فالقرآن ليس - إذاً - للعقل والفكر فحسب ، بل هو غذاء للروح أيضاً.

يؤكّد القرآن كثيراً على الموسيقى الخاصّة به ، الموسيقى التي لها تأثير أكثر من كلّ موسيقى أخرى ، في إثارة الأحاسيس العميقة والمتعالية للإنسان.

يأمر القرآن المؤمنين بأنْ يقضوا بعض أوقات الليل بتلاوة القرآن ، وأنْ يُرَتّلوا القرآن في صلواتهم عندما يتوجّهون إلى الله ، وفي خطابٍ للرسول يقول :

( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ) ( سورة المزمل : آية : ١ - ٣ ).

* الترتيل :

الترتيل : قراءة القرآن بحيث تخرج الكلمات من الفم بسهولة واستقامة ( مفردات الراغب ) يعني : قراءة القرآن ، بحيث لا تكون سرعة خروج الكلمات كبيرة ، فلا تُفهم الكلمات ، ولا

٤٩

تكون متقطّعة فتنفصم علاقاتها ، يقول : قراءة القرآن بتأنٍّ في الوقت الذي تلاحظ محتوى الآيات بدقّة.

وفي الآية الأخيرة لتلك السورة يدعونا أنْ لا ننسى العبادة في حال من الأحوال اليوميّة ، وحتّى في الأوقات التي نحتاج لنوم أكثر ، مثل أوقات الجهاد أو الأعمال التجاريّة اليوميّة : قال تعالى :

( ... عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً... ) (سورة المزمل : آية : ٢٠ ).

الشيء الوحيد الذي كان سبباً للنشاط واكتساب القوّة الروحيّة والحصول على الخلوص وصفاء الباطن بين المسلمين ، هو موسيقى القرآن.

فالنداء السماوي للقرآن أوجد في مدّة قصيرة من المتوحّشين ( الجاهلين ) ، في شبه الجزيرة العربيّة شعباً مؤمناً مستقيماً ، استطاعوا أنْ يحاربوا أكبر القوى الموجودة في ذلك العصر ويقضوا عليها.

٥٠

فالمسلمون لم يتّخذوا القرآن كتاب درس وتعليم فحسب ، بل كانوا ينظرون إليه بمثابة غذاء للروح ومنبع لاكتساب القوّة وازدياد الإيمان.فكانوا يقرؤون القرآن بكل إخلاص في الليل ( يشير الإمام السجادعليه‌السلام إلى هذه النقطة بقوله في دعاء ختم القرآن : ( واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ) ، ويناجون ربّهم تضرّعاً وخفية ، وفي الصباح يهاجمون الأعداء كالأسود البواسل ، والقرآن ينتظر مثل ذلك منهم ، يقول مخاطباً النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) ( سورة الفرقان : آية : ٥٢ ).

قف في وجوههم وجاهدهم بسلاح القرآن واطمئن بالنصر.وقصّة حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضّح صدْق هذه الحقيقة ، إنّه يقوم وحيداً ودون أي ناصر ، في حين يحمل القرآن في يده ، ولكنّ هذا القرآن يصبح كلّ شيء له ، يجهّز له الجيوش ، ويَعدّ له الأسلحة والتجهيزات الحربيّة ، وأخيرا فإنّه يدعو العدوّ إلى الاستسلام والخضوع أمامه.

٥١

يدعو الأعداء ليستسلموا أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبهذا يصادق على الوعد الإلهي ( وفي زماننا أيضاً ، تحقّق هذا الوعد الإلهي الحقّ مرّة أخرى ، وجاء رجل من سلالة رسول الله - الإمام الخميني - مستنداً إلى القرآن والأيمان كجدِّه العظيم ، وهزم جيش الكفر والباطل أكبر هزيمة )

عندما يعتبر القرآنُ لغتَه لغة القلب ، فإنّ غرضاً من هذا القلب هو الذي ينسجم مع آيات الله ويتصفا ويثور.تختلف أيضاً عن لغة الأنغام والأناشيد العسكريّة ، التي تُعزف في الجيش لتحيِّي فيهم الحماسة البطوليّة.إنّها تلك اللغة التي تصنع من البدويّين العرب مجاهدين قيل في حقِّهم :

( حملوا بصائرهم على أسيافهم ) أولئك الذين وضعوا أفكارهم النَيِّرة ومعارفهم ومعنويّاتهم على سيوفهم ، ويستخدمون سيوفهم في طريق هذه الأفكار والعقائد.

إنّهم لم يهتمّوا بمصالحهم الشخصيّة وأمورهم الفرديّة.وبالرغم من أنّهم لم يكونوا معصومين ، بل

٥٢

ويخطئون أيضاً ، إلاّ أنّهم المصاديق الحقيقيّة للقائمين في الليل ، والصائمين في النهار ( قائم الليل وصائم النهار ) ، كانوا في علاقة مستمرّة مع أعماق الوجود ، تقضي لياليهم في العبادة وأيّامهم في الجهاد ( يصف أمير المؤمنين - ع - المتّقين في خطبة تُعرف باسم المتّقين ( خطبة ١٩٣ من نهج البلاغة ) ، وبعد أنْ يذكر أقوالهم ومعاملاتهم ، يشرح أحوالهم في الليل ويقول :

( أَمّا الليل فصافّون أقدامهم تَالِين لأجزاء القرآن ، يرتّلونها ترتيلاً ، يُحزِنون به أنفسهم ، ويستشرون به دواء دائهم ، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طعماً ، وتطلّعتْ نفوسهم إليها شوقاً ، وظنّوا أنّها نُصْب أعينهم ، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم... ).

يؤكّد القرآن كثيراً على هذه النقطة التي تعتبر من خصائصه ، وهي أنّه كتاب القلب والروح ، كتاب يُثير النفوس ويسيل الدموع ويهزّ القلوب ، ويعتبر القرآنُ هذه الميزة صادقة حتّى بالنسبة لأهل الكتاب.

يصف مجموعة منهم بأنّهم إذا تُلي عليهم القرآن تحصل لهم حالة خضوع وخشوع ، ويقولون أنّهم آمنوا بما في الكتاب ، وأنّه حقٌّ كلّه ، يقولون ذلك وتزداد حالتهم خشوعاً باستمرار.

٥٣

ويؤكّد في آية أخرى أنّ المسيحيّين من أهل الكتاب ، أقرب إلى المسلمين من اليهود والمشركين، كما في تعالى :

( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى... ) ( سورة المائدة : آية : ٨٢ ).

ثمّ يصِف القرآن جماعة من المسيحيّين الذين آمنوا بعد أنْ سمعوا القرآن بقوله :

( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( سورة المائدة : آية : ٨٣ ).

وفي مكان آخر ، وعندما يتحدّث عن المؤمنين ، يقول في وصْفهم :

( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ... ) ( س--ورة الزمر : آية : ٢٣).

في هذه الآيات وفي آيات أخرى كثيرة :

( ... إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) ( سورة مريم : آية : ٥٨ ) ، والآيات الأولى من سورة الصف ، يوضّح

٥٤

القرآن أنّه ليس كتاباً علميّاً وتحليليّاً محضاً ، بل إنّه في الوقت الذي يستخدم الاستدلال المنطقي ، يتحدّث مع إحساس الإنسان وذوقه ولطائف روحه ويؤثّر عليه.

المخاطبون في القرآن

من النقاط الأخرى التي لا بدّ أنْ تُسْتَنْبَط من القرآن ، في البحث حول المعرفة التحليليّة للقرآن ، هي تعيين المخاطَبين في القرآن.

وردتْ كثيراً في القرآن تعابير مثل :( ... هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) ،( هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) و( لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً... ) ، هنا يمكن طرح هذا الإشكال ، وهو أنّ الهداية لا تلزم للمتّقين ؛ لأنّهم أنفسهم متّقون.

ومن جانب آخر نرى القرآن هكذا يُعرّف نفسه :

( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) ( سورة ص : آية : ٨٧ ) ، ( وهذه الآية من الآيات العجيبة في القرآن ، عندما نزلت الآية كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة ، وكان يتحدّث مع أهالي إحدى القرى ، كان عجيباً للناس أنْ يروا رجلاً وحيداً يقول بكلّ طمأنته إنّكم سوف تسمعون نبأ هذه الآية فيها بعد ، سوف تسمعون قريباً ماذا يصنع هذا الكتاب مع العالَم خلال فترة قصيرة ).

وفي آية أخرى يخاطب الله رسولَه قائلاً :

٥٥

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ( سورة الأنبياء : آية : ١٠٧).

وسوف نذكر شرحاً مفصّلاً عن هذا الموضوع في مبحث : التأريخ في القرآن.إلاّ أنّه لا بدّ من القول هنا بإيجاز :

في الآيات التي يخاطب القرآن جميع أبناء العالم ، يريد - في الواقع - أنْ يقول : بأنّ القرآن لا يختصّ بقوم وجماعة خاصّة ، كل مَن يتوجّه نحو القرآن يحصل على النجاة.

وأمّا في الآيات التي يتحدّث فيها عن أنّه كتاب هداية للمؤمنين والمتّقين ، يريد أنْ يوضّح هذه النقطة ، وهي أنّه مَن الذي يسير نحو القرآن في النهاية ؟ ومَن هم الذين يبتعدون عنه ؟

لا يذكر القرآن عن شعب خاص وقبيلة معيّنة ، على أساس أنّهم هم المعتقدون به والتابعون له، ولا يقول إنّ القرآن يُعتبر كتاب شعب خاص.

٥٦

القرآن - خلافاً لسائر المبادئ - لم يهتم بمصالح طبقة خاصّة ، ولم يقل - مثلاً - : إنّه جاء لتأمين مصالح طبقة ما ، ولم يقل - أيضاً - : إنّ هدفه الوحيد هو مساندة العمّال أو الدفاع عن حقوق الفلاّحين.

يؤكّد القرآن عندما يتحدّث عن نفسه : أنّه كتاب لبسْط العدالة ، يقول عن الأنبياء :

( ... وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ... ) ( سورة الحديد : آية : ٢٥).

يريد القرآن القسط والعدل لكلّ المجتمع البشري ، وليس لقوم أو طبقة أو قبيلة خاصّة.ولكي يجذب الناس إلى نفسه لم يشر إلى العصبيّات القومية مثل النازيّة.

وخلافاً لمبادئ أخرى كالماركسية مثلاً ، لا يستند على مصالحهم ومنافعهم الشخصيّة ، ليثيرهم عن هذا الطريق ؛ لأنّه في هذه الحالة لا يستهدف العدل والحق لاتّباعه ، بل يستهدف وصوله إلى منافعهم وطلباتهم الشخصيّة.

٥٧

وكما أنّ القرآن يعتقد بأصالة الوجدان العقلي للإنسان ، فإنّه يعتقد له أيضاً أصالة وجدانيّة وفطريّة ، وعلى أساس فطرة طلب الحقّ والعدل يدعوهم إلى الحركة والثورة ؛ ولهذا فإنّ رسالته لا تنحصر بطبقة العمّال أو الفلاحين أو المحرومين أو المستضعفين.

يخاطِب القرآن الظالمين والمظلومين بأنْ يتّبعوا الحق ، يبلّغ موسىعليه‌السلام رسالتَه إلى بني إسرائيل ، وإلى فرعون أيضاً ، ويدعوهم جميعاً إلى الإيمان بالله والسير في رسالته.

ودعوته لرؤساء قريش ، في الوقت تكون إثارة الأفراد ضدّ أنفسهم ، ورجوعهم عن مسيرة الضلال ، وهي أنّ رجوع وإنابة المترَفين والمتنعِّمين أصعب بكثير من رجوع المحرومين والمظلومين.

الفريق الثاني يتحرّكون في مسير العدالة باقتضاء طباعهم.وأمّا الفريق الأوّل فعليه أنْ يمتنع عن مصالحه

٥٨

الشخصيّة والاجتماعيّة ، ويدوس برجليه على ميوله وأهوائه.

يقول القرآن : بأنّ أتباعه هم الذين طَهُرَتْ نفوسُهم وزَكَتْ أرواحُهم ، وهؤلاء اتبعوا القرآن على أساس مطالبة الحق والعدل ، التي هي في فطرة كلّ إنسان ، ولم يتّبعوا ما تقتضيه مصالحهم وميولهم المادِّيَّة والزخارف الدنيويّة.

٥٩

الفصل الثالث

* فطرة القرآن عن العقل.

* دلائل حجِّيَّة العقل.

* الدعوة إلى التعقّل من قِبل القرآن.

* الاستفادة من نظام العلّة والمعلول.

* فلسفة الأحكام.

* النضال مع انحرافات العقل.

* مواطن الخطأ من وِجهة نظر القرآن.

* نظرة القرآن عن القلب.

* تعريف القلب.

* خصائص القلب.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314