حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه10%

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 554

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174450 / تحميل: 5859
الحجم الحجم الحجم
حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

أخفاف ناقتي في الموقف، ولكن هذا كله موقف " وأشار بيده إلى الموقف فتفرق الناس وقال صلى الله عليه وآله " عرفة كلها موقف، ولو لم يكن إلا ماتحت خف ناقتي لم يسع الناس ذلك ".

" وقال ابن أبي عقيل وأبوالصلاح: حد عرفة من المازمين إلى الموقف ".

(وصفحة ٢٩٩) " مسألة: قال في النهاية: ولاتصلى المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة، وإن ذهب من اللير ربعه، أو ثلثه، فإن عاقه عائق عن المجئ إلى المزدلفة إلى أن يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له أن يصلي المغرب في الطريق، ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

وكلام ابن أبي عقيل يوهم الوجوب، فإنه قال: حيث حكى صفة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فأوجب بسنة على أمته أن لايصلي أحد منهم، المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات، حتى يأتوا المشعر الحرام ".

الدروس (صفحة ١٢٠) " والدعاء عند الخروج إلى عرفة، وضرب الخباء بتمرة، وهي بطن عرفة، وقال الحسن يضربه حيث شاء.

(وصفحة ١٢١) " وثانيها: الكون بعرفة وحدها نمرة وثوية بفتح الثاء وكسر الواو وذو المجاز والاراك، فلا يجوز الوقوف بالحدود، والظاهر أن خلف الجميل موقف، لرواية معاوية، وقال الحسن وابن الجنيد والحلبي حدها من المأزمين إلى الموقف.

" ويستحب أن يدعو بالمأثور، ويسأل العتق من النار، ويكثر من الاستغفار للآية والسكينة، والوقار، فإذا بلغ الكثيب الاحمر عن يمين الطريق قال مارواه معاوية عن الصادق عليه السلام " اللهم ارحم موقفي، وزد في عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي "، وتضيف إليه اللهم لاتجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني " والاقتصاد في السير لا وضعا وإيضاعا، لقول رسول الله

٣٦١

صلى الله عليه وآله " عليكم بالدعة " والمضي بطريق المأزمين، والنوز ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر، وتأخير العشائين إلى جمع للجمع بأذان وإقامتين إجماعا، وأوجب الحسن تأخيرها إلى المشعر في ظاهر كلامه ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٠) " مسألة: يجوز الافاضة من المشعر قبل طلوع الشمس، وقال ابن أبي عقيل: فإذا أشرق الفجر وبين ورأت الابل مواضع أخفافها، أفاض بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار ".

الدروس (صفحة ١٢٢) " قال الحسن: وروي أن قدرها مائة ذراع، أو مائة خطوة، وأنه تكره الاقامة بالمشعر بعد الافاضة ".

الحدائق الناضرة (مجلد ١٦ صفحة ٤٢٣) " ونحوه كلام ابن أبي عقيل، حيث قال بعد أن حكى صفة سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله): وأوجب بسنته على أمته أن لايصلي أحد منهم المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام. ونحوه ذلك كلام الشيخ في الخلاف ".

(وصفحة ٤٥٦) " قال ابن أبي عقيل: فإذا أشرق الفجر وتبين ورأت الابل مواضع أخفافها أفاض بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنهما: وهذا الكلام من الشيخين (رحمهما الله) يدل على أولوية الافاضة قبل طلوع الشمس وكذا قال ابن الجنيد وابن حمزة ثم نقل عن علي بن بابويه أنه قال: وإياك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها.

فيلزمك دم شاة ونقل عن الصادق أنه قال: ولايجوز للرجل الافاضة قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها، فيلزمه دم شاة.

قال: وهذا الكلام يشعر بوجوب اللبث إلى طلوع الشمس ثم نقل

٣٦٢

عن المفيد (رحمه الله) أنه قال: فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى، ولا يفض قبل طلوع الشمس إلا مضطرا وكذا قال السيد المرتضى وسلار ".

٣٦٣

الرمي مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٣) " مسألة: المشهور أنه يرمي جمرة العقبة من قبل وجهها لا من أعلاها، وقال ابن أبي عقيل يرميها من قبل وجهها من أعلاها."

وأعلم أن الشيخ سمى الجمرة الاولى بالعظمى، وكذا أبوالصلاح، وسماها ابن أبي عقيل بالصغرى، وهذا نزاع لفظي، مع أن الشيخ سمى في الاقتصاد جمرة العقبة العظمى، فيكون الصغرى هي الاولى، وسمى في موضع آخر من الاقتصاد الاولى بالعظمى.

" مسألة: المشهور أنه يرمي هذه الجمرة من قبل وجهها مستدبرا للقبلة، مستقبلا لها، وإن رماها عن يسارها مستقبلا للقبلة جاز إلا أن الاول أفضل، وهو اختيار الشيخ، وابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٠١) " مسألة: قال الشيخ في النهاية: الرمي عند الزوال أفضل، فإن رماها مابين طلوع الشمس إلى غروبها لم يكن به بأس، وفي المبسوط يكون ذلك بعد الزوال فإنه أفضل، فإن رماها بين طلوع الشمس إلى غروبها لم يكن به بأس وقال في الخلاف: لايجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، وقد روى رخصة قبل الزوال في الايام كلها، وقال ابن أبي عقيل: الرمي للجمار مابين طلوع الشمس إلى غروبها ".

الحدائق الناضرة (مجلد ١٧ صفحة ١٧) " و (منها) رمي جمرة العقبة مقابلا لها مستدبرا للقبلة، وقال ابن أبي عقيل: يرميها من قبل وجهها من أعلاها ".

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه " وتقف في وسط الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة وتقول وأنت مستقبل القبلة ".

هكذا نقل عنه في المختلف بعد أن نقل عن المشهور

٣٦٤

أنه يرمي هذه الجمرة من قبل وجهها مستدبر القبلة مستقبلا لها، فإن رماها عن يسارها مستقبلا للقبلة جاز إلا أن الاول أفضل، وهو اختيار الشيخ وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وغيرهم ".

".. وهكذا عبارة كتاب الفقه المذكورة، وهما ظاهرتان في الرد لما نقل عن ابن أبي عقيل، ولم نقف له فيما نقل عنه على دليل ".

الحدائق الناضرة (مجلد ١٧ صفحة ٣٠٦) " المسألة الثالثة: المشهور بين الاصحاب أن الرمي أيام التشريق مابين طلوع الشمس إلى الغروب، وإن كان كلما قرب الزوال أفضل، ذهب إليه الشيخ في النهاية، والمبسوط والمفيد والسيد المرتضى وأبوالصلاح وابن حمزة وابن الجنيد وابن أبي عقيل وغيرهم.

جواهر الكلام (مجلد ٢٠ صفحة ١٨) ".. أبا عبدالله عليه السلام يقول " رمي الجمار مابين طلوع الشمس إلى غروبها " وهي مع اعتبار أسانيدها وعمل الطائفة بها قديما وحديثا لامحيص عن العمل بها، خصوصا بعد سلامتها عن معارضة ماعدا الاجماع المحكي الموهون بمصير معظم من تقدمه كابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والصدوقين والمرتضى وجميع من تأخر عنه إلى خلافه، بل هو قد رجع عنه في مبسوطه ونهايته ".

٣٦٥

في الهدي

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٦) " مسألة: قال الشيخ في النهاية: لايجوز في الهدي الخصى، فمن ذبح خصيا وكان قادرا على أن يقيم بدله لم يجز له ذلك، ووجب عليه الاعادة، فإن لم يتمكن من ذلك فقد أجزأ عنه، وقال ابن الجنيد ولايجزي في الهدي ناقص بعض الاعضاء، وقال ابن أبي عقيل يكره أن يضحي بالخصي." احتج ابن أبي عقيل بقوله تعالى " فما استيسر من الهدي " ولانه أنفع للفقراء.

" مسألة: إذا اشترى الهدي على أنه مهزول، فخرج سمينا أجزأه، ذكره الشيخ رحمه الله، وهو اختيار ابن حمزة، وابن إدريس، وقال ابن أبي عقيل لا يجزيه ذلك."

احتج ابن أبي عقيل بأنه ذبح ما يعتقد عدم إجزائه فوجب أن لايجزي عنه، لانه لم يتقرب به إلى الله تعالى، إذ لا يتقرب بالمنهي عنه، وإذا انتفت نية التقرب انتفى الاجزاء.

" مسألة: قال الشيخ رحمه الله ومن السنة، أن يأكل من هديه لمتعته، ويطعم القانع والمعتر ثلثه، ويهدي الاصدقاء ثلثه وقال أبو الصلاح: والسنة أن ياكل بعضها، ويطعم الباقي.

وقال ابن البراج: وينبغي أن يقسم ذلك ثلاثة أقسام، فيأكل أحدها إلا أن يكون الهدي لنذر، أو كفارة، ويهدي قسما آخر، ويتصدق بالثالث، وهذه العبارة توهم الاستحباب.

وقال ابن أبي عقيل: ثم اذبح، وانحر وكل، واطعم، وتصدق.

(وصفحة ٣٠٧) " قال ابن أبي عقيل: ولايضحي بالحداء، وهي التي ليس لها إلا ضرعا واحدا، والنزاع معه لفظي ".

٣٦٦

الدروس (صفحة ١٢٧) " وقال الحسن: يكره الخصي، ولو تعذر غيره أجزأ، وكذا لو ظهر خصيا وكان المشتري معسرا."

ولو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت، لصحيح الرواية، ومنعه الحسن، والظاهر أنه أراد به لو خرجت بعد الذبح، ولو ظن التمام فظهر النقص لم يجز، بخلاف العكس، ويجئ على قوله عدم الاجزاء ولو تعذر إلا فاقد الشرايط أجزأ.

" مسايل: الاول: لو فقد الهدي وووجد ثمنه خلفه عند ثقة ليذبح عنه في ذي الحجة فإن تعذر فمن القابل فيه، ولو عجز عن الثمن صام، وأطلق الحسن وجوب الصوم عند الفقد ".

مدارك الاحكام (مجلد: ٨ صفحة ٢٣) " (ولا الخصي من الفحول) المراد بالخصي المسلول الخصية بضم الخاء وكسرها، وقد اختلف الاصحاب في حكمه، فذهب الاكثر إلى عدم إجزائه، بل ظاهر التذكرة أنه قول علمائنا أجمع.

وقال ابن أبي عقيل إنه مكروه، والاصح الاول.

(وصفحة ٣٦) " وقال ابن أبي عقيل " لا يجزيه ذلك لان ذبح ما يعتقده مهزولا غير جائز فلا يمكن التقرب به، وإذا انتفت نية القربة انتفى الاجزاء ".

وأجيب عنه بالمنع من الصغرى، إذ غاية ما يستفاد من الادلة عدم إجزاء المهزول، لاتحريم ذبح ماظن كونه كذلك.

(وصفحة ٤٣) " قال ابن أبي عقيل " ثم انحر واذبح وكل واطعم وتصدق ".

(وصفحة ٥٨ ٥٩) " (ولا تشترط فيها الموالاة على الاصح).

هذا هو المشهور بين الاصحاب، بل قال العلامة في التذكرة والمنتهى إنه لايعرف فيه خلافا، ويدل عليه إطلاق الامر بالصوم فلا يتقيد إلا بدليل، وخصوص رواية إسحاق بن عمار قال " قلت لابي الحسن عليه

٣٦٧

السلام " إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الايام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد "، قال " صمها ببغداد "، قلت أفرقها؟ قال " نعم ".

وهذا الرواية ضعيفة السند جدا باشتماله على محمد بن أسلم، وقال النجاشي إنه يقال إنه كان غاليا فاسد الحديث.

ونقل عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح أنهما أوجبا الموالاة في السبعة كالثلاثة.

الحدائق الناضرة (مجلد ١٧ صفحة ٣٦٤ ٣٦٥) " المعروف في كلام الاصحاب هو أنه لو نذر أن يهدي إلى بيت الله سبحانه غير النعم..

انه يبطل النذر ونسب إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن البراج معللين ذلك بأنه لم يتعبد بالاهداء إلا في النعم، فيكون نذر غير ما يتعبد به وهو باطل، ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها " فإن قال الرجل: أنا أهدي هذا الطعام فليس بشئ إنما تهدى البدن ".

٣٦٨

الحلق

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٠٧) " قال ابن أبي عقيل: ومن حلق رأسه قبل أن ينحر، أو يذبح أجزأه، ولم يكن عليه شئ.

" وقال ابن أبي عقيل: ويحلق رأسه بعد الذبح، وإن قصر أجزأه ومن لبد رأسه وأعقصه فعليه الحلق واجب، ولم يذكر حكم الضرورة بالنصوصية ".

الدروس (صفحة ١٠٩) " درس: الخامس عشر إزالة الشعر عن رأسه وبدنه، ويجوز حلق الرأس للاذى، وعليه شاة، أو إطعام عشرة كل واحدة مد، أو صيام ثلاثة أيام.

وقال المفيد: يطعم ستة ستة أمداد، وقال الحسن وابن الجنيد: يطعم ستة، إثنى عشر مدا.

(وصفحة ١٣٢) " درس: يجب الحلق بعد الذبح، واكتفى في المبسوط والنهاية وابن إدريس بحصول الهدي في رحله، وهو مروي، وفي الخلاف ترتيب مناسك منى مستحب، وهو مشهور، وفي التبيان الحلق أو التقصير مستحب، وهو نادر، والترتيب ليس بشرط في الصحة، وإن قلنا بوجوبه، نعم يستحب لمن حلق قبل الذبح أن يعيد الموسى على رأسه بعد الذبح، لرواية عمار، وقال ابن الجنيد كل سايق هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، فلو حق وجب دم آخر ولا يتعين الحلق على الضرورة، والملبد عند الاكثر بل يجزي التقصير، وللشيخ قول بتعيينه عليهما، وهو قول ابن الجنيد وزاد المعقوص شعره، والمظفورة ووافق الحسن على الاخيرين، ولم يذكر الضرورة ".

٣٦٩

مدارك الاحكام (مجلد: ٨ صفحة ٩٠ ٩٨) " قال ابن أبي عقيل " ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب".ولم يذكر حكم الضرورة بالنصوصية.

ونقل عن يونس بن عبدالرحمن أنه قال " إن عقص شعره أي ضفره، أو لبده أي ألزقه بصمغ أو ربط بعضه إلى بعض يسيرا وكان صرورة تعين عليه الحلق في الحج وعمرة الافراد ".

ومادل على تعيين الحلق في هذه الصور خاص، والخاص مقدم.

نعم يمكن أن يقال " إن هذه الروايات لاتدل على وجوب الحلق على الصرورة، لان لفظ " ينبغي " الواقع في الرواية الاولى ظاهر في الاستحباب، ولفظ " الوجوب " الواقع في الرواية الاخيرة محتمل لذلك كما بيناه مرارا، لكنها واضحة الدلالة على وجوب الحلق على الملبد والمعقوص شعره، فلا يبعد القول بالوجوب عليهما خاصة، كما اختاره ابن أبي عقيل ".

(وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر: الرمي ثم الذبح، ثم الحلق).

اختلف الاصحاب في هذه المسألة، فذهب الشيخ في الخلاف، وابن أبي عقيل، وأبو الصلاح، وابن إدريس إلى أن ترتيب هذه المناسك على هذا الوجه مستحب لا واجب ".

(وصفحة ٢٥١) " وقال ابن أبي عقيل " فإذا فرغ من الذبح والحلق زار البيت، فيطوف به سبعة أشواط ويسعى، فإذا فعل ذلك أحل من إحرامه، وقد قيل في رواية شاذة عنهم عليهم السلام أنه إذا طاف طواف الزيارة أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء حتى يرجع إلى البيت، فيطوف به سبعا آخر ويصلي ركعتى الطواف، ثم يحل من كل شئ، وكذلك إذا كانت امرأة لم تحل للرجل حتى تطوف بالبيت سبعا آخر كما وصفت، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها الرجال " انتهى.

ولا يخفى مافي هذا الكلام من الضعف كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله تعالى.

أقول: والمختار هو القول الاول، للاخبار المتكاثرة الدالة عليه، كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه

٣٧٠

السلام قال " إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، فإذا طاف النساء فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ١٧ ٢٢٢) " وقال ابن أبي عقيل " ويحلق رأسه بعد الذبح وإن قصر أجزأه، ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب " ولم يذكر حكم الصرورة بالنصوصية.

وقال المفيد " لا يجزي الصرورة غير الحلق، ومن لم يكن صرورة أجزأه التقصير، والحلق أفضل " ولم ينص على حكم الملبد، وكذا قال أبوالصلاح.

(وصفحة ٢٤١) المسألة الثانية: اختلف الاصحاب رضوان الله تعالى عليهم في ترتيب المناسك الثلاثة يوم النحر هل هو على جهة الوجوب: الرمي ثم الذبح ثم الحلق، أو الاستحباب، قولان: وبالاول قال الشيخ في المبسوط والاستبصار، وإليه ذهب أكثر المتأخرين ومنهم العلامة في أكثر كتبه والمحقق في الشرائع وغيرهما.

وبالثاني قال الشيخ في الخلاف، وابن أبي عقيل وأبوالصلاح وابن إدريس، واختاره في المختلف.

ويدل على الوجوب رواية عمر بن يزيد المتقدمة، لقوله عليه السلام فيها " إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك " لدلالة الفاء على الترتيب.

ورواية جميل بن دراج عن أبي عبدالله عليه السلام قال " تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح ".

وصحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن أبي عبدالله عليه السلام قال " إذا رميت الجمرة فاشتر هديك " الحديث".

جواهر الكلام (مجلد: ١٩ صفحة ٢٣٤) " يتأكد (أي الحلق أو التقصير) في حق من لم يحج المسمى ب‍ (الصرورة) ومن لبد شعره بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يتسخ وقيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وابن حمزة في محكي الوسيلة لا يجزيهما إلا الحلق وكذا عن المقنع والتهذيب والجامع مع زيادة المعقوص، وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره والكافي في

٣٧١

الصرورة، وعن ابن أبي عقيل في الملبد والمعقوص ولم يذكر الصرورة، ومال إليه في المدارك ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣١٠) " مسألة: قال المفيد وسلار: لايبيت ليالي التشريق إلا بمنى، فإن بات بغيرها كان عليه دم شاة.

وقال ابن أبي عقيل: ولا يبيت أيام التشريق إلا بمنى، ولا يبيت بمكة، فإن بات بمكة فعليه دم.

" مسألة: لو بات بمكة مشتغلا بالعبادة والطواف لم يكن عليه شئ، قاله الشيخ، وابن حمزة، وابن أبي عقيل ".

المهذب البارع (مجلد ٢ صفحة ٢١٧) " وقال المفيد وتلميذه: ولا يبيت ليالي التشريق إلا ب‍ " مني " فإن بات بغيرها فعليه دم شاة وكذا قال ابن أبي عقيل ".

٣٧٢

كفارات

كشف الرموز (مجلد ١ صفحة ٣٩٦) " عن أبي عبدالله عليه السلام وفي الحمار بدنة، وفتوى المفيد في المقنعة، والشيخ في كتبه، وأتباعهما، على الاولى.

قام دام ظله والابدال في الاقسام الثلاثة، على التخيير، وقيل: على الترتيب، وهو الاظهر.

أما الترتيب فمذهب المرتضى، والشيخ في المبسوط والنهاية والمفيد في المقنعة، وابن بابويه في المقنع، وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وبه روايات ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٢٣٨) " مسألة: بدل البدنة في النعامة صوم شهرين متتابعين على ماهو المشهور، وقال ابن أبي عقيل فإن كان صيده نعامة فعليه صيام ثمانية عشر يوما، إذا لم يجد بدنة، ولا إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من طعام، والمشهور لكل مسكين نصف صاع، وأيضا بدل البقرة في حمار الوحش صيام شهر على المشهور، وقال هو: فإن كان صيده حمار وحش فعليه صيام على المشهور، وقال هو: فإن كان صيده حمار وحش فعليه صيام تسعة أيام إذا لم يجد بقرة، ولا إطعام ثلاثين مسكينا، وأيضا المشهور في بدل الشاة في الظبي صيام عشرة أيام، وقال ابن أبي عقيل: وإن كان صيده من الظباء فعليه صيام ثلاثة أيام إذا لم يجد شاة، ولا إطعام عشرة مساكين.

وقال أبوالصلاح كما قلناه في النعامة وحمار الوحش ووافق ابن أبي عقيل في الظبي فقال يجب صيام ثلاثة أيام".

٣٧٣

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٦٦٨) " وقال ابن أبي عقيل: من كان به أذى من رأسه فهو بالخيار، إن شاء صام ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، من طعام، أو نسك شاة.

" الخامس: المشهور أن من ظلل على نفسه كان عليه دم يهريقه، واختاره الشيخ في النهاية، وقال ابن أبي عقيل وكذلك من ظلل على نفسه، وهو محرم فعليه نسك شاة، أو عدل ذلك صيام أو صدقة ".

الدروس (صفحة ٩٤) " لو جامع في المتمتع بها قبل السعي فسدت، وسرى الفساد إلى الحج في احتمال، ولو كان بعده قبل التقصير فجزور إن كان مؤسرا، وبقرة إن كان متوسطا، وشاة إن كان معسرا وقال الحسن بدنة.

(وصفحة ١٠٠) " وقال ابن بابويه: والحسن إن عجز عن البدنة أطعم ستين مسكينا، لكل واحد مد فإن عجز صام ثمانية عشر يوما، لصحيح معاوية بن عمار " الثاني بقر الوحش، وحماره، وفي كل منهما بقرة أهلية، ثم فض قيمتها على البر، وأطعم ثلاثين كما سبق، ثم صام بعدد المساكين ثم صام تسعة أيام " والحلبي على أصله في الصدقة بالقيمة ثم الفض."

قال الحسن: في الحمامة على المحرم في الحرم شاة.

(وصفحة ١٠٧) " والظاهر جواز الخف للمرأة، كما قاله الحسن، ولا يحرم تغطية القدم بما لايسمى لبسا.

" واختلف في كفارة التظليل، فقال الحسن فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك كالحلق للاذى.

٣٧٤

(وصفحة ١٠٨) " واختلف في تغطية الرجل وجهه، فقال في النهاية والمبسوط: بجوازه، وكذا في الخلاف مدعيا للاجماع، وهو قول ابن الجنيد لقول النبي صلى الله عليه وآله " إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها "، والتفصيل قاطع الشركة، ومنعه الحسن وجعل كفارته إطعام مسكين في يده.

" وقال الحسن: من انكسر ظفره فلا يقصه، فإن فعل أطعم مسكينا في يده.

(وصفحة ١١٠) " وقال الحسن: من حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد، فقد جادل وعليه دم، قال وروي أن المحرمين إذا تجادلا فعلى المصيب منهما دم شاة، وعلى المخطئ بدنة.

" لا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب في الطواف والسعي، قاله الحسن.

(وصفحة ١١١) " ولا كفارة على الجاهل والناسي إلا في الصيد، ونقل الحسن أن الناسي فيه لاشئ عليه ".

(وصفحة ١٣٣) " لو أتى بالحلق قبل الرمي والذبح، أو بينهما فالاشبه عدم التحلل، إلا بكمال الثلاثة.

وقال علي بن بابويه وابنه: يتحلل بالرمي إلا من الطيب والنساء، وقال الحسن به وبالحلق، وجعل الطيب مكروها للمتمتع حتى يطوف ويسعى، وظاهر حل النساء بالطواف والسعي، وأن طواف النساء غير واجب، إذ جعله رواية شاذة.

(وصفحة ١٣٥) " وفي رواية محمد بن إسماعيل " إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام "، واختار ابن الجنيد مارواه الحسن، وفيها دلالة على قول الشيخ وعلى وجوب الخروج من مكة لغير المتعبد مطلقا ".

٣٧٥

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ٩٣) " قوله إذا طاف طواف النساء حل الخ، هذا الحكم ظاهر في الرجل، لان تحريم النساء يتعلق به، الظاهر أن الصبي في حكمه وإن لم يتعلق به تحريم حيث أنه من باب خطاب الشرع المنفي في حقه، فينحر من عليه بعد البلوغ إلى أن يأتي به، كتحريم الصلاة بالحدث السابق، فإن الاحرام سبب في ذلك يمكن تعلقه به كما يتعلق بالمكلف، وأما المرأة فلا إشكال في تحريم الرجال عليها بالاحرام، لكن هل يكون طواف النساء هو المحلل لها كالرجال؟ قيل نعم، وهو خيرة الدروس، ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل وابن بابويه ".

٣٧٦

كتاب الزكاة: مسائل فيما تجب فيه الزكاة

السرائر (مجلد ١ صفحة ٤٢٩) " فالحرية شرط في الاجناس كلها: لان المملوك لايجب عليه الزكاة، لانه لا يملك شيئا، وكمال العقل شرط في الدنانير والدراهم فقط، فأما ما عداهما، فإنه يجب فيه الزكاة، وإن كان مالكها ليس بعاقل، من الاطفال، والمجانين، والصحيح من المذهب، الذي تشهد بصحته أصول الفقه والشريعة أن كمال العقل شرط في الاجناس التسعة، على ما قدمناه أولا، واخترناه، وهو مذهب السيد المرتضى رحمه الله، والشيخ الفقيه سلار، والحسن بن أبي عقيل العماني، في كتابه، كتاب المتمسك بحبل آل الرسول، وهذا الرجل وجه من وجه أصحابنا، ثقة، فقيه، متكلم، كثيرا كان يثني عليه شيخنا المفيد، وكتابه كتاب حسن كبير، هو عندي، قد ذكره شيخنا أبوجعفر في الفهرست، وأثنى عليه.

(وصفحة ٤٤٣) " وقال بعض أصحابنا: زكاة الدين إن كان تأخره من جهة من هو عليه، فالزكاة لازمة له، وإن كان تأخره من جهة من هو له، فزكاته عليه.

وقال الآخرون من أصحابنا: زكاته على من هو عليه على كل حال، ولم يفرق بالفرق الذي فرقه الاولون، فمن جملة من قال بهذا، ابن أبي عقيل، في كتابه الموسوم، بكتاب المتمسك بحبل آل الرسول، فإنه قال: ولا زكاة في الدين، حتى يرجع إلى صاحبه، فإذ رجع إليه فليس فيه زكاة، حتى يحول عليه الحول في يده، وزكاة

٣٧٧

الدين على الذي على الدين، وإن لم يكن له مال غيره إذا كان مما تجب فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول في يده، بذلك جاء التوقيف عنهم عليهم السلام.

ثم قال: ومن استودعه ماله، وجب عليه زكاته، إذا حال عليه الحول، إذا كان مما تجب فيه الزكاة، فإن قيل: فلم لا قلتم في الدين، كما قلتم في المال المستودع، إذا كان لك على رجل دين، وهو عندك ممن إذا اقتضيته، أعطاك.

قال: قيل له: الفرق بينهما، أن الدين مال مجهول العين، ليس بقائم، ولا مشار إليه، ولا زكاة في مال هذا سبيله، والوديعة، سبيلها سبيل مافي منزلي يتولى أخذها بعينها، وحرام على المستودع الانتفاع بها، وإن ضاعت لم يضمن، وليس له أن يتصرف فيها، وليس كذلك الدين، هذا آخر كلام الحسن بن أبي عقيل رحمه الله.

وكان من جلة أصحابنا المصنفين المتكلمين، والفقهاء المحصلين، قد ذكره شيخنا أبوجعفر، في فهرست المصنفين، وأثنى عليه، وذكر كتابه، وكذلك شيخنا المفيد كان يثني عليه ".

المعتبر (مجلد ٢ صفحة ٤٨٧) " وروى سماعة بن مهران عن أبي عبدالله عليه السلام قلت " الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال نعم، قلت فعليه زكاته؟ قال لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان والزكاة ".

وفي زكاة غلاتهما روايتان، إحدهما الوجوب، ذهب إليه الشيخان ومن تابعهما، وبه قال أبوحنيفة والشافعي وأحمد.

وروى ذلك زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبدالله عليه السلام قالا " ليس في مال اليتيم العين شئ، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة " والاخرى الاستحباب، ذهب إليه علم الهدى رحمه الله، وسلار، والحسن بن أبي عقيل العماني، وظاهر كلام ابن الجنيد، وروى ذلك أبوبصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال " ليس في مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، وإن بلغ فليس عليه فيما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة مثل ما على غيره من الناس ".

والقول بالوجوب فيه احتياط، ومعنى قولنا الوجوب أحوط، أي دليله الاحتياط، ولكن الاحتياط ليس دليلا تاما، إذ لايسلم من المعارض ".

٣٧٨

كشف الرموز (مجلد ١ صفحة ٢٣٣) " فأما مارواه حماد عن حريز أيضا، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سمعه يقول " ليس في مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة " الحديث فمذهب المرتضى، وابن أبي عقيل، وسلار، والمتاخر، وهو الظاهر من كلام ابني (ابن خ) بابويه.

وقال سلار: لو صحت رواية الوجوب، حملناها على الندب.وهو يشكل، مع تصريح الرواية بالوجوب".

(وصفحة ٢٣٥) " إسحاق بن عمار قال: قلت لابي إبراهيم عليه السلام " الدين عليه زكارة؟ قال: لا حتى يقبضه قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده " واختاره في الاستبصار، وابن أبي عقيل في المتسمك، وعليه المتأخر، وهو حسن تمسكا بالاصل، وبأنه مال غير ثابت العين فلا يحكم عليه بحول الحول، المشروط بوجود المال المشاهد أو مافي حكمه نعني يلزم المتقرض ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ١٧٢) " وقال ابن إدريس لا زكوة على الاطفال والمجانين، ونقله عن ابن أبي عقيل، وهو الاقرب.

لنا: أن كل واحد من الصبي والمجنون ليس من أهل التكليف، والزكوة تكليف، فكل واحد منهما ليس من أهل الزكوة.

(وصفحة ١٧٤) " مسألة: المديون تجب عليه الزكاة في الدين، إن تركه حولا ولا يجب المدين، اختاره ابن أبي عقيل.

مسألة: ولا زكاة على المقرض مطلقا أما المستقرض فإن ترك المال بعينه حولا وجبت الزكاة عليه وإلا فلا وهو اختيار ابن أبي عقيل.

(وصفحة ١٧٩) " مسألة: اختلف علماؤنا في مال التجارة على قولين، فالاكثر قالوا بالاستحباب، وآخرون قالوا بالوجوب.

قال ابن أبي عقيل اختلف الشيعة في زكاة التجارة،

٣٧٩

فقال طايفة منهم بالوجوب، وقال آخرون بعدمه، وهو الحق عندي.

(وصفحة ١٩١) " مسألة: المشهور عندنا أن الزكاة تجب على الكفار، كما تجب على المؤمنين، لكن لايصح منهم أداؤها إلا بعد الاسلام، فإذا أسلموا اسقطت، وبالجملة الكفار عندنا مخاطبون بالفروع، كما أنهم مخاطبون بالاصول.

وقال ابن أبي عقيل: تجب الصدقات عند آل الرسول عليهم السلام على الاحرار البالغين من المؤمنين والمؤمنات، دون العبيد والاماء، وأهل الذمة.

وقال في موضع آخر: وليس على أهل الذمة زكاة إذا أخذت منهم الجزية، وهو يشعر بوجوب أخذ الزكوة منهم إذا لم يؤدوا الجزية لنا: عموم الامر، ولانه لولا الوجوب لما عذبوا بتركها، والتالي باطل، فكذا المقدم، والشرطية ظاهرة، فإن ترك ما ليس بواجب لا يستعقب عقابا، وأما بطلان التالي فلقوله تعالى " ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين " وقوله تعالى " الذين لايدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما "، ولان حصول الشرايط في الفعل ليس شرطا في التكليف، وإلا لما وجبت الصلاة على المحدث، والتالي باطل بالاجماع، فكذا المقدم، وإذا لم يكن شرطا أمكن التكليف بدونه، احتج بأنه لو كان مكلفا به لكان الفعل منه صحيحا مطلقا، لامتناع تكليف ما لا يطاق، والتالي باطل، لانه حال الكفر لايصح منه الفعل بالاجماع، وبعد الكفر يسقط عنه، لقوله عليه السلام " يجب ما قبله " والجواب: المراد بالوجوب التعذيب عليه في الآخرة، كما يعذب على كفره، لا بمعنى وجوب إتيانه به ".

منتهى المطلب (مجلد ١ صفحة ٤٧٢) " مسألة: واختلف علماؤنا في وجوب الزكاة في غلات الاطفال والمجانين، فأثبته الشيخان وأتباعهما، وبه قال فقهاء الجمهور، ونقلوه أيضا، عن علي عليه السلام، والحسن بن علي عليهما السلام، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وعطا، ومجاهد، وإسحق، وأبوثور.

وقال السيد المرتضى وسلار

٣٨٠

وهو نقص ماء الجسم وأملاح الدم وعلاجه لا يكون إلّا بشرب الماء وتناول الأملاح الإضافية.

هذا نموذج بسيط من النظم والحساب في تركيب جسمنا ، كما نلاحظ أحيانا أنّ دقّة المقاييس في تركيب مخلوقات أدقّ وأظرف كالخلايا ، وأدقّ منها عالم الذرّات تكون إلى درجة من الدقّة بحيث تقاس بـ (واحد على الألف) وأحيانا بـ (واحد على المليون) من الملمتر أو الملغرام ، حيث أنّ العلماء اضطرّوا لحساب هذه الموازين الدقيقة إلى الاستعانة بالعقول الألكترونية.

هذا في النظام الكوني ، والأمر كذلك في الأمور الاجتماعية ، حيث أنّ أي انحراف في تطبيق قوانين العدل قد يؤدّي إلى فناء شعب.

وقد بيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرنا وذكر كلّ ما يستحقّ الذكر بهذا الصدد حيث يقول سبحانه :( وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ) .

لقد جعل الله سبحانه الطغيان والتمرّد على القوانين الشرعية ، مقارنا مع الطغيان والتمرّد على القوانين الكونية التي تحكم الوجود كلّه ، إنّه تصوير رائع استعمله القرآن الكريم عن عالم الوجود تارة ، وعالم الإنسان اخرى ، كما ورد في الآيات الكريمة. وليس هذا فحسب ، بل إنّه سبحانه شمل بوصفه هذا عالم الآخرة (يوم الحساب) ونصب الموازين ، بل وحتّى طبيعة الحساب والموازين حيث إنّها من الدقّة على قدر عجيب! ولهذا السبب فقد أمرنا ـ كما ورد ذلك في الرّوايات الإسلامية ـ أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب وأن نزنها قبل أن توزن.

«وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا».

* * *

٣٨١

الآيات

( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) )

التّفسير

الصلصال وخلق ، الإنسان :

إنّ الله تعالى بعد ذكره للنعم السابقة والتي من جملتها( خَلَقَ الْإِنْسانَ ) .

يتعرّض في الآيات مورد البحث إلى شرح خاص حول خلق الإنس والجنّ كدليل على قدرته العظيمة ، من جهة وموضع درس وعبرة للجميع من جهة اخرى ، فيقول سبحانه :( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) .

«صلصال» في الأصل معناه (ذهاب ورجوع أو تردّد الصوت في الأجسام الصلبة) ثمّ أطلقت الكلمة على الطين اليابس الذي يخرج صوتا ، كما تطلق (الصلصلة) على الماء المتبقّي في الوعاء ، لأنّه يخرج صوتا عند حركته في الوعاء.

ويفسّر البعض كلمة (صلصال) بمعنى الطين الخبيث الرائحة ، إلّا أنّ المعنى الأوّل هو الأشهر والأعرف.

٣٨٢

«فخار» من مادّة (فخر) بمعنى الشخص الذي يفخر كثيرا ، ولكون الأشخاص الذين يعيشون الفراغ في شخصياتهم ومعنوياتهم يكثرون الثرثرة والادّعاء عن أنفسهم ، فإنّ هذه الكلمة تستعمل لكلّ إناء من الطين أو «الكوز» ، وذلك بسبب الأصوات الكثيرة التي يولّدها(١) .

ومن هنا يستفاد بوضوح من الآيات القرآنية المختلفة حول مبدأ خلق الإنسان ، أنّه كان من التراب ابتداء ، قال تعالى :( فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ) .(٢) ثمّ خرج مع الماء وأصبح طينا.( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ) .(٣) ثمّ أصبح بصورة طين خبيث الرائحة( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) .(٤) ثمّ أصبح مادّة في حالة لاصقة ،( إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) (٥) ومن ثمّ يتحوّل إلى حالة يابسة ويكون من( صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) كما ذكر في الآية مورد البحث.

هذه المراحل كم تستغرق من الوقت؟ وكم هي المدّة التي يتوقّف فيها الإنسان في كلّ مرحلة من هذه المراحل؟ ، وفي أي ظروف تحدث هذه التطوّرات؟

هذه المسائل خفيت عن علمنا وإدراكنا ، والله وحده هو العالم بها فقط.

ومن الواضح أنّ هذه التعابير تبيّن حقيقة ترتبط ارتباطا وثيقا مع الأمور التربوية للإنسان ، حيث أنّ المادّة الأوّلية في خلق الإنسان هي مادّة لا قيمة لها ، ومن أحقر المواد على الأرض ، إلّا أنّ الله تعالى قد خلق من تلك المادّة الحقيرة مخلوقا ذا شأن ، بل يمثّل قمّة المخلوقات على وجه الأرض ، حيث أنّ القيمة الواقعيّة للإنسان هي الروح الإلهية (النفخة الربّانية) فيه ، والتي ذكرت في الآيات

__________________

(١) المفردات للراغب.

(٢) الحجّ ، ٥.

(٣) الأنعام ، ٢.

(٤) الحجر ، ٢٨

(٥) الصافات ، ١١.

٣٨٣

القرآنية الاخرى (كما في سورة الحجر) وذلك ليعرف الإنسان قيمته الحقيقيّة في عالم الوجود ويسير في طريق التكامل على بيّنة من أمره.

ثمّ يتطرّق سبحانه لخلق الجنّ حيث يقول :( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) .

«مارج» في الأصل من (مرج) على وزن (مرض) بمعنى الاختلاط والمزج ، والمقصود هنا اختلاط شعل النيران المختلفة ، وذلك لأنّ النيران أحيانا تكون بألوان مختلفة الأحمر ، الأصفر ، الأزرق ، وأخيرا اللون الأبيض.

ويقول البعض : إنّ معنى التحرّك موجود فيها أيضا ، وذلك من (أمرجت الدابة) يعني (تركت الحيوان في المرتع) لأنّ أحد معاني «المرج» هو المرتع.

ولكن كيف خلق الجنّ من هذه النيران المتعدّدة الألوان؟ هذا ما لم يعرف بصورة دقيقة ، كما أنّ الخصوصيات الاخرى عن هذا المخلوق ، قد بيّنت لنا عن طريق الوحي الربّاني وكتاب الله الكريم ، ولكن محدودية معلوماتنا لا تعني السماح لنا أبدا بإنكار هذه الحقائق أو تجاوزها ، خاصّة بعد ما ثبتت عن طريق الوحي الإلهي.

(وسيكون لنا إن شاء الله شرح مقصّل حول خلق الجنّ وخصوصيات هذا المخلوق في تفسير سورة الجنّ).

وعلى كلّ حال ، فإنّ أكثر الموجودات التي نتحدّث عنها هي : الماء والتراب والهواء والنار ، سواء كانت هذه الموجودات عناصر بسيطة كما كان يعتقد القدماء ، أو مركّبة كما يعتقد العلماء اليوم ، ولكن على كلّ حال فإنّ مبدأ خلق الإنسان هو الماء والتراب ، في حين أنّ مبدأ خلق الجنّ هو الهواء والنار ، وهذا الاختلاف في مبدأ خلقة هذين الموجودين مصدر اختلافات كثيرة بين هذين المخلوقين.

وبعد أن تحدّث عن النعم التي كانت في بداية خلق الإنسان يكرّر تعالى قوله تعالى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

في الآية اللاحقة يستعرض نعمة اخرى حيث يقول سبحانه :( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ

٣٨٤

وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) .

بما أنّ الشمس في كلّ يوم تشرق من نقطة وتغرب من اخرى ، وبعدد أيّام السنة لها شروق وغروب ، ولكن نظرا للحدّ الأكثر من الميل الشمالي للشمس والميل الجنوبي لها ، ففي الحقيقة أنّ للشمس مشرقين ومغربين والبقيّة بينهما(١) .

إنّ هذا النظام الذي هو سبب وجود الفصول الأربعة له فوائد وبركات كثيرة ، ويؤكّد ويكمّل ما مرّ بنا في الآيات السابقة ، وذلك لأنّ الحديث كان عن حساب سير الشمس والقمر ، وكذلك عن وجود الميزان في خلق السماوات ، وإجمالا فإنّه يبيّن النظام الدقيق للخلقة وحركة الأرض والقمر والشمس ، وكذلك فإنّه يشير إلى النعم والبركات التي هي موضع استفادة الإنسان.

ويرى البعض أنّ المقصود بالمشرقين والمغربين هو طلوع وغروب الشمس ، وطلوع وغروب القمر ويعتبرون هذا هو المناسب لتفسير الآية الكريمة( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) إلّا أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب ، خصوصا وأنّ الرّوايات الإسلامية قد أشارت إلى ذلك.

ومن جملة هذه الرّوايات حديث لأمير المؤمنينعليه‌السلام في تفسير هذه الآية حيث يقول : «إنّ مشرق الشتاء على حدة ، ومشرق الصيف على حدّه ، أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها؟»(٢) .

ويتّضح بذلك معنى قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) ،(٣)

__________________

(١) توضيح : لما كان محور الأرض مائلا بالنسبة لسطح مدارها وبشكل زاوية بحدود ٢٣ درجة ، والأرض بهذه الصورة تدور حول الشمس ، لذا فإنّ شروق الشمس وغروبها متغيّر دائما أيضا كما يبدو من ٢٣ درجة والتي تمثّل أعظم الانحراف باتّجاه الشمال (في بداية الصيف) إلى ٢٣ درجة في قمّة الانحراف باتّجاه الجنوب (بداية الشتاء) ، ويسمّى المدار الأوّل لها مدار «رأس السرطان» والمدار الثاني مدار «رأس الجدي» ، وهذان هما مشرقا ومغربا الشمس ، وبقيّة المدارات في داخل هذين المدارين.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٠ (المقصود هو ارتفاع الشمس في السماء في فصل الصيف ونزولها في فصل الشتاء).

(٣) المعارج ، ٤٠.

٣٨٥

حيث يشير هنا إلى جميع مشارق ومغارب الشمس على طول أيّام السنة. في الوقت الذي تشير الآية مورد البحث إلى نهاية القوس الصعودي والنّزولي لها فقط.

وعلى كلّ حال فإنّ الله تعالى يؤكّد هذه النعمة بعد نعمة خلق الإنس والجنّ بقوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

* * *

٣٨٦

الآيات

( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) )

التّفسير

البحار وذخائرها الثمينة :

استمرارا لشرح النعم الإلهيّة يأتي الحديث هنا عن البحار ، ولكن ليس عن خصوصيات البحار بصورة عامّة ، بل عن كيفية خاصّة ومقاطع معيّنة منها تمثّل ظواهر عجيبة وآية على القدرة اللامتناهية للحقّ ، بالإضافة إلى ما فيها من النعم التي هي موضع استفادة البشرية.

يقول تعالى :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ) ولكن بين هذين البحرين المتلاقيين فاصل يمنع من طغيان وغلبة أحدهما على الآخر :( بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ) .

مادّة (مرج) على وزن (فلج) بمعنى الاختلاط ، أو إرسال الشيء وتركه ، وهنا وردت بمعنى إرسال الشيء ووضعه جنبا إلى جنب بقرينة الآية :( بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا

٣٨٧

يَبْغِيانِ ) .

المقصود من البحرين هما الماء العذب والماء المالح ، وذلك بالاستدلال بقوله تعالى :( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً ) .(١)

والتساؤل هنا عن مكان هذين البحرين اللذين لا يمتزجان مع بعضهما ، وما هو البرزخ الموجود بينهما؟ هناك كلام كثير بين المفسّرين حول هذه المسألة ، إلّا أنّ بعض التّفسيرات تدلّل على عدم اطّلاعهم على أوضاع البحار في ذلك الزمان ، منها أنّهم ذكروا أنّ المقصود من البحرين هما (بحر فارس وبحر الروم) في الوقت الذي نعلم أنّ ماء هذين البحرين مالح ، ولا يوجد بينهما برزخ.

أو قولهم : إنّ المقصود بذلك هو بحر السماء وبحر الأرض ، والذي يكون الأوّل عذبا والثاني مالحا ، في الوقت الذي نعلم أيضا بعدم وجود بحر في السماء باستثناء الغيوم والبخار التي يتبخّر من المحيطات.

وقالوا أيضا : إنّ المقصود من البحر العذب هو المياه التي تحت الأرض والتي لا تختلط مع مياه البحار ، والبرزخ الموجود بينهما هي جدران هذه الآبار.

في الوقت الذي نعلم أيضا أنّ الماء الموجود تحت الأرض أقلّ من أن يشكل بحرا.

نعم إنّ جزئيات الماء المخفية بين طبقات التراب والرمل تتجمّع تدريجيّا ، وتخرج عند ما يحفر بئر في نقطة معيّنة ، وهي كميّة محدودة بالإضافة إلى عدم وجود اللؤلؤ والمرجان فيها.

إذا ما هو المقصود من هذين البحرين؟

لقد أشرنا سابقا إلى هذه الحقيقة في تفسير سورة الفرقان ، وهي أنّ الأنهار

__________________

(١) الفرقان ، ٥٣.

٣٨٨

العظيمة ذات المياه العذبة عند ما تصبّ في البحار والمحيطات فإنّها تشكّل بحرا من الماء الحلو إلى جنب الساحل وتطرد الماء المالح إلى الخلف ، والعجيب أنّ هذين الماءين لا يمتزجان مع بعضهما لمدّة طويلة بسبب اختلاف درجة الكثافة.

وتلاحظ هذه المناظر بوضوح عند السفر بالطائرة في المناطق التي تكون فيها هذه الظاهرة ، حيث المياه العذبة تمثّل بحرا منفصلا في داخل البحر المالح ومنفصلة عنها ، وعند ما تمتزج أطراف هذين البحرين فإنّ المياه العذبة الجديدة تأخذ مكانها بحيث أنّ هذين البحرين منفصلان على الدوام بشكل ملفت للنظر.

والظريف هنا ما يحصل في حالة (مدّ البحر) فبارتفاع سطح المحيط إلى الأعلى ، فإنّ المياه العذبة ترجع إلى الداخل دون أن تختلط مع المياه المالحة ـ باستثناء سنوات الجدب التي تنعدم فيها الأمطار ويشحّ الماء ـ وتغطّي قسما من اليابسة ، لذلك فكثيرا ما تستثمر هذه الحالة بإيجاد أنهار وقنوات في المناطق الساحلية حيث تسقى بهذه الطريقة الكثير من الأراضي الزراعية.

إنّ هذه الأنهر توجد ببركة وحركة (المدّ والجزر) الساحليتين وتأثيرهما على مياه هذه الأنهار التي تمتلئ وتفرغ مرّتين في كلّ يوم بالماء العذب ، ممّا يتيح فرصة طيّبة لسقي مناطق واسعة من الأراضي الزراعية.

ويوجد تفسير رائع آخر لهذين البحرين ، حيث قالوا : إنّ المقصود منهما يحتمل أن يكون ظاهرة (كلف استريم) والذي سيأتي شرحها في آخر هذه الآيات إن شاء الله.

ومرّة اخرى يخاطب الله تعالى عباده في معرض حديثه عن هذه النعم حيث يسألهم سبحانه :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

واستمرارا لهذا الحديث يقولعزوجل :( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

اللؤلؤ والمرجان : وسيلتان للتجميل والزينة ، ويستفاد منهما أيضا في معالجة

٣٨٩

بعض الأمراض ، كما أنّهما ثروة تجارية أيضا ووسيلة جيّدة للربح الوفير ، ولهذه الموارد أشير إليهما كنعمتين إلهيتين للعباد.

أمّا «اللؤلؤ» فهو حبّة شفّافة ثمينة تنمو في داخل الصدف في أعماق البحار ، وكلّما كبر حجمها زاد ثمنها ، ولها استعمالات واسعة في الطبّ ، حيث كان الأطباء سابقا يستحضرون منها بعض الأدوية التي تفيد في تقوية القلب والأعصاب ، وعلاج أنواع الخفقان وتقوية الكبد وعلاج اليرقان ، ومعالجة الخوف والوحشة ، ورفع الرائحة النتنة من الفمّ ، وكذلك الحصى في الكلية ولمثانة ، ويستفاد منهما أيضا في علاج بعض أمراض العين.

«المرجان» : فسّر البعض المرجان بأنّه اللؤلؤ الصغيرة ، إلّا أنّه في الحقيقة شيء آخر ، فهو كائن حيّ يشبه الغصن الصغير للشجرة ، وينشأ في أعماق البحار ، وكان العلماء يتصوّرون لفترة زمنية أنّ هذه الشجرة نوع من أنواع النباتات ، إلّا أنّه اتّضح فيما بعد أنّه نوع من الحيوانات ، بالرغم من أنّه يلتصق بالصخور الموجودة في أعماق البحر ويغطّي مساحات واسعة أحيانا وينمو تدريجيّا بحيث يشكّل جزرا تعرف بالجزر المرجانية ، وينمو المرجان غالبا في المياه الراكدة ، ويصطاده الصيادون من سواحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط وفي مناطق اخرى.

وأفضل أنواع المرجان الذي يستعمل للزينة هو المرجان ذو اللون الأحمر ، وكلّما كان احمراره أشدّ كانت قيمته أغلى وأثمن ، وهو مادّة خصبة لتشبيهات الشعراء ، كما أنّ أردأ أنواع المرجان هو المرجان الأبيض ويوجد بكثرة ، وما بين النوعين هو المرجان الأسود.

وإضافة إلى استعمال المرجان كحليّ وزينة ، فإنّ له استعمالات طبيّة حيث ذكروا له خواصا كثيرة منها أنّه يصنع منه بعض الأدوية الخاصّة بتقوية القلب ، وكذلك دفع سمّ الأفعى ، وتقوية الأعصاب ، ومعالجة الإسهال ، ونزيف الرحم ،

٣٩٠

وعلاج الصرع(١) .

والنقطة الاخرى التي يجدر بنا ذكرها هنا أنّ بعض المفسّرين صرّحوا بأنّ اللؤلؤ والمرجان ينشآن فقط في المياه المالحة ، ممّا أوقعهم في إشكال في تفسير الآية( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) فذهبوا إلى أنّ المقصود هو أحدهما كما في الآية (٣١) من سورة الزخرف.

إلّا أنّ مثل هذا التّفسير لا يدعمه دليل ، حيث صرّح البعض بأنّ اللؤلؤ والمرجان يعيشان في الماء العذب والمالح على السواء.

واستمرارا لهذا القسم من النعم الإلهيّة يشير سبحانه إلى موضوع (السفن) التي هي في الحقيقة أكبر وأهمّ وسيلة لنقل البشر وحمل الأمتعة في الماضي والحاضر ، حيث يقول سبحانه :( وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) .

«جوار» : جمع جارية ، وهي وصف للسفن ، وحذفت للاختصار لأنّ التركيز الأكثر كان على سير وحركة السفن ، لذا اعتمد هذا الوصف.

كما تطلق جارية على (الأمة) ، وذلك بسبب حركتها وسعيها في إنجاز الأعمال والخدمات ، وتطلق أيضا على الفتيات الشابّات وذلك لجريان النشاط فيهنّ.

«منشآت» جمع (منشأ) وهو اسم مفعول من (إنشاء) بمعنى إيجاد ، والظريف هنا أنّه في الوقت الذي يعبّر عن «منشآت» والتي تحكي أنّها مصنوعة بواسطة الإنسان ، يقول سبحانه (وله) أي لله تعالى وهو إشارة إلى أنّ جميع الخواص التي يستفاد منها في صناعة السفن ، والتي منحها الله للبشر المخترعين لهذه الصناعة هي لله ، وكذلك فانّه هو الذي أعطى خاصية السيولة لمياه البحر والقوّة للرياح ، وأنّ الله تعالى هو الذي أوجد هذه الخواص في المواد المتعلّقة بالسفيّنة ، وهذا ما عبّر

__________________

(١) دائرة المعارف فريد وجدي وكتب اخرى.

٣٩١

عنه القرآن الكريم بالتسخير أيضا ، حيث يقول سبحانه :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) .(١)

وفسّر البعض «منشأ» من مادّة (إنشاء) بمعنى ارتفاع الشيء ، واعتبروها إشارة إلى أشرعة السفن التي تستخدم كقوّة في حركة السفينة ، وذلك بسبب دفع الرياح لها.

«أعلام» : جمع (علم) على وزن (قلم) ، بمعنى (جبل) بالرغم من أنّها في الأصل بمعنى (علامة وأثر) والذي يخبر عن شيء معيّن ، ولأنّ الجبال تكون واضحة من بعد فإنّه يعبّر عنها بـ (العلم) كما أنّ لفظة (علم) تطلق أيضا على «الراية».

وبهذا فإنّ القرآن الكريم نوّه هنا بالسفن الكبيرة التي تتحرّك على سطح المحيطات والبحار ، وعلى خلاف ما يتصوّره البعض فانّ السفن الكبيرة لا تختص بعصر الماكنة والبخار ، بل لقد استفاد اليونانيون وغيرهم من السفن الكبيرة في نقل قواتهم وجيوشهم.

ومرّة اخرى يكرّر سبحانه هذا السؤال العميق المغزى بقوله تعالى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

* * *

بحوث

١ ـ البحر مركز النعم الإلهيّة

لا حظنا في هذا القسم من الآيات إشارة إلى البحر وأهميّته في الحياة البشرية ، وكما نعلم فإنّ مياه البحار والمحيطات تشكّل ثلاثة أرباع سطح الكرة

__________________

(١) إبراهيم ، ٣٢.

٣٩٢

الأرضية ، وهي منبع عظيم للمواد الغذائية ، والطبية ، وأدوات الزينة ، ووسيلة مهمّة لنقل البشر وحمل البضائع ، والأهمّ من ذلك فإنّ نزول الأمطار واعتدال الهواء ، وحتّى قسم من هبوب الرياح هي من بركات البحار ، فإذا كان سطح البحار أقلّ أو أكثر ممّا هو عليه ، فإنّ الكرة الأرضية إمّا أن تصبح يابسة أو رطبة لدرجة لا يمكن العيش فيها.

لذلك نرى أنّ القرآن الكريم قد ذكّر الإنسان ـ لعدّة مرّات وبتعبيرات مختلفة بهذه النعمة العظيمة ، ودعاه للتفكير بها ، حيث يقول سبحانه :( سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ) الجاثية.

ويقول مرّة اخرى :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ) إبراهيم.

وقال سبحانه :( سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) الحجّ.

وإذا تجاوزنا كلّ ذلك فإنّ البحر هو دار العجائب حيث فيه أصغر النباتات المجهرية ، وكذلك أطول أشجار العالم ، وفيه أيضا أصغر الحيوانات وكذلك أعظمها وأضخمها.

كما أنّ الحياة في أعماق البحار حيث لا ضوء ولا غذاء عجيبة إلى درجة أنّ الشخص لا يملّ من مطالعتها والاطلاع عليها ، وكلّما تعرف الإنسان على شيء منها إزداد شغفا بها ، والعجيب أيضا أنّ قسما من الحيوانات هنالك تشعّ أضواء وتصنع مادّتها الغذائية على سطح البحر ومن ثمّ تترسّب ، كما أنّ أطرافها محكمة ومقاومة إلى درجة أنّها تتحمّل ضغط الماء العظيم الذي إذا وضع الإنسان في حالته الطبيعيّة هناك فانّ عظامه تتحوّل إلى طحين.

٢ ـ الأنهار البحرية العظيمة والكلف استيرين

من العجائب الموجودة في محيطات العالم هو وجود أنهار عظيمة وتيارات بحرية كبيرة ، وأقوى هذه الأنهار يسمّى (گلف استيرين). إنّ هذا النهر العظيم

٣٩٣

يتحرّك من سواحل أمريكا المركزية ويسير في جميع المحيط الأطلسي حتّى يصل إلى سواحل أوروبا الشمالية.

والمعروف أنّ مياهه التي تسير من مناطق قريبة من خطّ الإستواء تكون حارة بل حتّى أنّ لونها يختلف عن لون المياه المجاورة ، والعجيب أنّ عرض هذا النهر البحري العظيم (الكلف استيرين) بحدود (١٥٠) كم ، كما أنّ أعمق نقطة فيه تبلغ مئات الأمتار ، وسرعته في بعض المناطق شديدة بحيث تبلغ في اليوم الواحد بـ ١٦٠ كم.

إنّ اختلاف درجة حرارة هذا النهر مع المياه المجاورة بحدود ١٠ ـ ١٥ درجة مئوية ، لذا فإنّ ساحله الغربي يسمّى بالجدار البارد.

والكلف أستيرين يسبّب رياحا حارّة ويدفع قسما كبيرا من حرارته باتّجاه مدن أوروبا الشمالية ، حيث يؤثّر على مناخ تلك البلدان بحيث يكون معتدلا للغاية ، ويحتمل أن يكون العيش صعبا للغاية في هذه المناطق لو لم يوجد هذا المجرى العظيم.

ونكرّر مرّة اخرى أنّ (الكلف استيرين) هو أحد الأنهار في المحيطات ، وهناك أنهار اخرى كثيرة في بحار ومحيطات العالم.

إنّ السبب الأساس في تكوين هذه الأنهار البحرية هو اختلاف حرارة المنطقة الإستوائية والمناطق القطبية والتي توجد هذه الحركة في مياه البحار.

ويمكن استيعاب هذا الموضوع بتجربة بسيطة :

فإذا كان لدينا ماء في وعاء كبير ، ووضعنا في جانب منه قطعة ثلجية ، وفي الجهة الاخرى قطعة حديدية حارّة ، ووضعنا على سطح الماء قليلا من التبن ، فإنّنا سنلاحظ ظهور حركة على سطح الماء حيث يتحرّك الماء ببطء من المنطقة الحارّة باتّجاه المنطقة الباردة.

إنّ مثل هذه الحالة تحصل في كلّ بحار العالم ، وهي مصدر ظهور هذه الأنهار

٣٩٤

البحرية.

والعجيب أنّ هذه الأنهار العظيمة لا تمتزج مع المياه حولها إلّا قليلا ، وتسير آلاف الكيلومترات على هذه الصورة ، وبذلك تعبّر عن مصداقية الآية الكريمة( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ) .

والملفت للنظر أنّ في نقطة التقاء هذه المياه الحارّة مع المياه الباردة ، تحدث ظاهرة مفيدة جدّا للإنسان ، وهي حدوث حالة من الإغماء أو الموت الجماعي للحيوانات المجهرية المعلّقة في الماء وذلك في نقطة التماس والالتقاء بين المياه الحارّة والمياه الباردة وبهذا تتوفّر في هذه المناطق مواد غذائية كثيرة لا حصر لها وتكون سببا في جذب قطعان الأسماك الكبير ، حيث يقصد الصيادون هذه المناطق للاستفادة من صيد هذه الحيوانات ، وتعتبر هذه المنطقة من أفضل المناطق في العالم لصيد الأسماك(١) .

وهذا يمثّل أحد التفاسير للآيات أعلاه ، وهو لا يتنافى مع التفاسير الاخرى ، ولذا يمكن الجمع بينهما.

٣ ـ تفسير من أعماق الآيات

نقل في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ) أنّه قال : «وعلي وفاطمةعليهما‌السلام بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه.( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) قال : الحسن والحسين»(٢) .

ونقل هذا المعنى عن بعض أصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير الدرّ المنثور(٣) .

ونقله العلّامة الطبرسي في مجمع البيان مع اختلاف يسير.

__________________

(١) دائرة المعارف (الثقافية) ج ١٢ ص ١٢٢٨ ، وكذلك مجلة الميناء والبحر عدد ٤ ص ١٠٠ بالإضافة إلى مصادر اخرى.

(٢) تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٣٤٤.

(٣) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٤٢.

٣٩٥

ومن هنا نعلم أنّ القرآن الكريم له بطون ، وأنّ آية واحدة يمكن أن تكون لها معان متعدّدة بل عشرات المعاني. والتّفسير الأخير هو من بطون القرآن ، ولا يتنافى مع المعاني الظاهرية له.

٣٩٦

الآيات

( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) )

التّفسير

كلّ شيء هالك إلّا وجهه :

استمرارا لشرح النعم الإلهيّة ، في هذه الآيات يضيف سبحانه قوله :( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) وهنا يتساءل كيف يكون الفناء نعمة إلهية؟

وللجواب على هذا السؤال نذكر ما يلي : يمكن ألّا يكون المقصود بالفناء هنا هو الفناء المطلق ، وإنّما هو الباب الذي يطلّ منه على عالم الآخرة ، والجسر الذي لا بدّ منه للوصول إلى دار الخلد ، بلحاظ أنّ الدنيا بكلّ نعمها هي سجن المؤمن ، والخروج منها هو التحرر من هذا السجن المظلم.

أو أنّ النعم الإلهيّة الكثيرة ـ المذكور سابقا ـ يمكن أن تكون سببا لغفلة البعض وإسرافهم فيها بأنواع الطعام والشراب والزينة والملابس والمراكب وغير

٣٩٧

ذلك. ممّا يستلزم تحذيرا إلهيّا للإنسان ، بأنّ هذه الدنيا ليست المستقّر ، فالحذر من التعلّق بها ، ولا بدّ من الاستفادة من هذه النعم في طاعة الله إنّ هذا التنبيه والتذكير بالرحيل عن هذه الدنيا هو نعمة عظيمة.

الضمير في (عليها) يرجع إلى الأرض التي ورد ذكرها في الآيات السابقة ، بالإضافة إلى القرائن الاخرى الموجودة ، لذا فهو واضح.

كما أنّ المقصود( مَنْ عَلَيْها ) هم الجنّ والإنس مع العلم أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ الحيوانات والكائنات الحيّة جميعا مشمولة بهذا المعنى.

وبما أنّ كلمة (من) تستعمل غالبا للعاقل ، لذا فالمعنى الأوّل هو الأنسب.

صحيح أنّ مسألة الفناء لا تنحصر بالإنس والجنّ فقط ، ولا تختّص بالكائنات الموجودة على الأرض فحسب ، حيث يصرّح القرآن الكريم بأنّ أهل السماء والأرض جميعا يفنون ، وذلك في قوله :( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ،(١) ولكن لمّا كان الحديث يدور حول أهل الأرض ، لذا فهم المقصودون.

ويضيف في الآية اللاحقة قوله سبحانه :( وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) .

«وجه» معناه اللغوي معروف وهو القسم الأمامي للشيء بحيث يواجهه الإنسان في الطرف المقابل ، واستعمالها بخصوص لفظ الجلالة يقصد به (الذات المقدّسة).

فسّر البعض( وَجْهُ رَبِّكَ ) بمعنى الصفات الإلهية المقدّسة ، التي عن طريقها تنزل نعم وبركات الله على الإنسان كالرحمة والمغفرة والعمل والقدرة.

ويحتمل أن يكون المقصود هي الأعمال التي تنجز من أجل الله ، وبناء على هذا فالجميع يفنى ، والشيء الباقي هي الأعمال التي تنجز بإخلاص ولرضى الله

__________________

(١) القصص ، ٨٨.

٣٩٨

تعالى

إلّا أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.

أمّا( ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) والذي هو وصف لـ (الوجه) فإنّه يشير إلى صفات الجمال والجلال لله سبحانه ، لأنّ( ذُو الْجَلالِ ) تنبّئنا عن الصفات التي يكون الله أسمى وأجلّ منها (الصفات السلبية). وكلمة «الإكرام» تشير إلى الصفات التي تظهر حسن وقيمة الشيء ، وهي الصفات الثبوتية لله سبحانه كعلمه وقدرته.

وبناء على هذا فإنّ معنى الآية بصورة عامّة يصبح كالآتي : إنّ الباقي في هذا العالم هو الذات المقدّسة لله سبحانه ، والتي تتّصف بالصفات الثبوتية والمنزّهة عن الصفات السلبية.

كما فسّر البعض أنّ (ذو الإكرام) هو إشارة إلى الألطاف والنعم الإلهية التي تفضّل الله بها وأكرمها لخاصّة أوليائه ، ومن الممكن الجمع بين هذه المعاني المختلفة للآية أعلاه.

ونقرأ في حديث أنّ رجلا كان يصلّي في محضر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث دعا الله سبحانه كذلك : «اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان ، بديع السماوات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، يا حيّ يا قيّوم».

فقال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : «أتدرون بأي اسم دعا الله؟» فقالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «والذي نفسي بيده ، لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى»(١) .

ثمّ يخاطب الخلائق مرّة اخرى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

ومضمون الآية اللاحقة في الحقيقة هي نتيجة للآيات السابقة ، حيث يقول

__________________

(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٧ ، ص ٩٥.

٣٩٩

سبحانه :( يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

ولماذا لا يكون كذلك في الوقت الذي يفنى الجميع ويبقى وحده سبحانه ، وليس هذا في نهاية العالم فقط ، وإنّما الآن أيضا فانّ الكائنات فانية في مقابله وبقاءها مرتبط بمشيئته ، وإذا أعرض بلطفه فسيتلاشى الكون بأجمعه ، وعلى هذا فهل يوجد أحد سواه يطلب أهل السماوات والأرض قضاء حوائجهم منه ويسألونه تدبير شؤونهم؟!

التعبير بـ (يسأله) جاء بصيغة المضارع ، وهو دليل على أنّ السؤال والطلب في الكائنات ومستمر من الذات الإلهيّة المقدّسة ، والجميع يستلهمون من مبدأ فيضه ، ولسان حالهم يطلب الوجود والبقاء وقضاء الحوائج ، وهذا شأن الموجود الممكن الذي هو مرتبط بواجب الوجود ليس في الحدوث فقط. وإنّما في البقاء أيضا.

ثمّ يضيف سبحانه :( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

نعم إنّ خلقه مستمر ، وإجاباته لحاجات السائلين والمحتاجين لا تنقطع ، كما أنّ إبداعاته مستمرّة فيجعل الأقوام يوما في قوّة وقدرة ، وفي يوم آخر يهلكهم ، ويوما يعطي السلامة والشباب ، وفي يوم آخر الضعف والوهن ، ويوما يذهب الحزن والهمّ من القلوب وآخر يكون باعثا له. وخلاصة الأمر أنّه في كلّ يوم ـ وطبقا لحكمته ونظامه الأكمل ـ يخلق ظاهرة جديدة وخلقا وأحداثا جديدة.

والالتفات إلى هذه الحقيقة من جهة يوضّح احتياجاتنا المستمرّة لذاته المقدّسة ، ومن جهة اخرى فإنّه يذهب اليأس والقنوط من القلوب ، ومن جهة ثالثة فإنّه يلوي الغرور ويكسر الغفلة في النفوس.

نعم ، إنّه سبحانه له في كلّ يوم شأن وعمل.

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين ذكروا قسما من هذا المعنى الواسع تفسيرا للآية ، إلّا أنّ البعض ذكر في تفسيرها ، أنّها مغفرة الذنوب ، وذهاب الحزن ، وإعزاز أقوام وإذلال آخرين فقط.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554