حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه10%

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 554

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174426 / تحميل: 5856
الحجم الحجم الحجم
حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

، واعلم أن عليك في دينك بتزويجك إياها غضاضة، وكذا ابنه في المقنع، وزاد قوله وتزويج المجوسية حرام، ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها، ويعزل عنها، ولا يطلب ولدها.

وقال ابن أبي عقيل: أما المشركات فقوله تعالى " وانكحوا المشركات حتى يؤمن " إلا ما استثنى من عفائف أهل الكتاب، فقال " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ثم في موضع آخر قال الله عزوجل " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " إلى قوله " أولئك يدعون إلى النار " وذكر مشركي أهل الكتاب فقال: الشرك عند آل الرسول الله صلى الله عليه وآله صنفان، صنف أهل الكتاب، وصنف مجوس عبدة أوثان، وأصنام ونيران، فأما الصنف الذي بدأنا بذكره فقد حرم الله تعالى نكاح نسائهم متعة وإعلانا حتى يسلموا، وأما أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى فلا بأس بنكاح نسائهم متعة وإعلانا، ولا يجمع في نكاح الاعلان منهم الاربع، فما دونهن، فإن نكحهن الرجل متعة جمع بين ما شاء منهن، وطلاقهن وأعدادهن كطلاق الحراير المسلمات، واعدادهن سواء، ويجب لهن من القسمة والنفقات مايجب للمسلمات، إلا الميراث وقال في نكاح الاماء: لايحل تزويج أمة كتابية ولا مشتركة بحال، لقوله تعالى " من فتيانكم المؤمنات ".

(وصفحة ٥٣٤) " اختلف علماؤنا في البكر البالغة الرشيدة، هل لها أن يعقد على نفسها من غير ولي، وتزول ولاية الاب والجد عنها، أم لا؟ فالذي اختاره المفيد في أحكام النساء الجواز، وزوال ولاية الاب والجد عنها في النكاح، وبه قال ابن الجنيد، والسيد المرتضى، وسلار.

وقال في المقنعة: المرأة البالغة يعقد على نفسها للنكاح وذوات الآباء من الابكار، ينبغي لهن أن لايعقدن إلا باذن آبائهن، وإن عقد الاب على ابنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنة ولم يكن لها خلافه، وإن انكرت عقده ولم ترض به، لم يكن للاب إكراهها على النكاح، ولم يمض العقد مع كراهتها، وإن عقد عليها وهي صغيرة لم يكن لها عند البلوغ خيار، وإن عقدت على نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالف السنة، وبطل العقد إلا أن يجيزه الاب.

وقال الشيخ في النهاية: لايجوز للبكر البالغ أن يعقد على نفسها نكاح الدوام إلا بإذن أبيها، فإن

٤٤١

عقدت على نفسها بغير إذن أبيها كان العقد موقوفا على رضاء الاب، فإن أمضى مضى، وإن لم يمضه وفسخ كان مفسوخا، ولو عقد الاب عليها من غير استيذان لها مضى العقد، ولم يكن لها خلافه، وإن أبت التزويج، وأظهر الكراهية لم يلتفت إلى كراهيتها، فجعل عليها الولاية، ولم يسوغ لها التفرد بالعقد، وبه قال ابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٥٣) " مسألة: الجد للاب كالاب في ولاية النكاح، سواء كان الاب حيا أو ميتا، وسواء كانت البكر بالغة رشيدة أو لا، وأثبتنا ولاية الاب عليها، إن كانت صغيرة، وهو الظاهر من كلام المفيد، والسيد المرتضى، وسلار، حيث أطلقوا الولاية للجد من غير اشتراط وجود الاب، وبه قال ابن إدريس، وقال الشيخ في النهاية: أن حياة الاب شرط في ولاية الجد على البكر البالغة، والصغيرة، وموته مسقط لولايته عليهما، وبه قال ابن الجنيد، وأبوالصلاح، وابن البراج، والصدوق، وأما ابن أبي عقيل فإنه قال: الولي الذي هوأولى بنكاحهن، هو الاب دون غيره من الاولياء، ولم يذكر للجد ولاية.

" مسألة: المشهور عند علمائنا أنه لاشترط في العقد الولي، ولا الشهود، وقال ابن أبي عقيل نكاح الاعلان نكاح الدايم، لا شرط فيه ولا أجل، ولايجوز إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل، وإنما وضعت الشهد في نكاح الاعلان لعلة الميراث، وإيجاب القسم، والنفقات، وهذا لم يلزم الاشهاد في نكاح المتعة، لعدم هذه الخصال بينهما.

" مسألة: المشهور إن عقد النكاح قد يقع موقوفا على الاجازة، كعقد الفضولي في البيع، فلو عقد غير من له الولاية وقف على إجازة مالك الولاية، فإن أجازه مضى، وإن فسخه كان مفسوخا، واختاره السيد المرتضى نقلا مطلقا، ونص المفيد على أن الصغيرة لو زوجها غير أبيها، وجدها لابيها كان العقد موقوفا على رضاها بعد البلوغ، فإذا بلغت فرضيت به وأجازت ثبت، وإن أبته بطل، وكذا قال الشيخ في النهاية، وقال فيها أيضا: لو زوجت البكر البالغ نفسها بغير إذن

٤٤٢

أبيها، كان العقد موقوفا على رضاء الاب، فإن أمضاه مضى، وإن لم يمضه وفسخ كان مفسوخا، فجعل عقد النكاح موقوفا.

وكذا قال ابن أبي عقيل: والصغيرة إن زوجها غير الاب من ساير أوليائها دون البلوغ، فبلغت وأبت فالنكاح باطل، وإن رضيت فالنكاح جايز.

(وصفحة ٥٣٧) " قال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا استأمر أختا له بكرا، في تزويجها برجل سماه لها، فسكتت كان ذلك إذنا له في التزويج، وإقرار منها، فإن زوجها الاخ ثم أنكرت لم يكن لها ذلك، ولزمها النكاح بالسكوت.

(وصفحة ٥٦٤) " قال ابن أبي عقيل: لو نكح متعة إلى أيام مسماه فإن أراد أن ينكحها نكاح الدايم قبل أن تنقضي أيامه منها لم يجز ذلك، لانها لم تملك نفسها وهو أملك بها منها مالم تنقضي أيامها، فشاء‌ت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز.

ولو وهب لها أيامه ثم نكحها نكاح إعلان جاز ذلك وهو يعضد قول ابن حمزة لانه قيد بالاعلان.

(وصفحة ٥٦٥) " وقال ابن أبي عقيل: لايحل للحر المسلم عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يتزوج الامة متعة، ولا نكاح إعلان إلا عند الضرورة، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به العزبة، وخاف على نفسه منها الفجور، فإذا كان كذلك حل له نكاح الامة، وإذا كان يجد السبيل إلى تزوج الحرة، ولم يخش على نفسه الزنا يحرم أن يتزوج الامة متعة ولا إعلانا، فإن تزوجها على هذه الحالة، فالنكاح باطل، قال الله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات " يعني الحراير " فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " يعني الاماء، ثم قال " ذلك لمن خشي العنت منكم " والعنت الزنا، فأحل تزويج الاماء لمن لايجد طولا أن ينكح الحراير، وحرم نكاحهن على واجدي الطول.

وقد أجاز قوم من العامة تزويج الاماء في حال الضرورة، لو أجدى الطول، ولغير واجدي الطول، وكفى بكتاب الله عزوجل ردا عليهم دون ما سواه ".

٤٤٣

(وصفحة ٥٥٦) " مسألة: إذا اختلفا في الاصابة، فادعاها وانكرت وكانت ثيبا، قال الشيخ في النهاية: كان القول قول الرجل مع يمينه.

وقد روي انها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا، ثم يأمر الحاكم الرجل بوطيها فإن وطيها فخرج وعلى ذكره أثر الخلوق صدق وكذبت، وإن لم يكن الاثر موجودا صدقت وكذب الرجل، وكذا قال ابن البراج، وهو قول ابن أبي عقيل إلا أنه لم يذكر الرواية.

(وصفحة ٥٦٨) " مسألة: المشهور إباحة الامتين بالعقد للحر، وقال ابن الجنيد: ولا يتزوج أكثر من أمة واحدة، وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل، وحجته زوال خوف العنت بها، فالزايد حرام، لفقدان الشرط فقد سبق البحث في ذلك ".

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ٣٤٤) " قوله والاشهاد والاعلان المشهور بين أصحابنا أن الاشهاد في نكاح الغبطة سنة مؤكدة، وليس بشرط في صحة العقد، وهو مذهب جماعة من علماء العامة، لاصالة عدم الوجوب والاشتراط، وعدم دليل صالح عليه، ولقول الباقر والصادق عليهما السلام " لابأس بالتزويج بغير شهود فيما بينه وبين الله تعالى، وإنما جعل الشهود في تزويج السنة من أجل الولد، ومن أجل المواريث "، وذهب ابن أبي عقيل منا، وجماعة من العامة، إلى اشتراط الاشهاد فيه، فلا ينعقد بدونه.

لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله بطرق متعددة يدل على نفي النكاح بدون الشاهدين.

(وصفحة ٣٥٥) " وقد تقدم مايدل على عدم اشتراط الاشهاد وان ابن أبي عقيل منا خالف فيه استنادا إلى رواية ضعيفة السند مع امكان حملها على الاستحباب جمعا.

(وصفحة ٣٥٧) " الكلام في ولاية الجد في موضعين، أحدهما في أصل ثبوتها، وهو المشهور بين الاصحاب، بل ادعى عليه في التذكرة الاجماع، وخالف في ذلك ابن أبي عقيل

٤٤٤

فقال: الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الاب دون غيره من الاولياء، ولم يذكر للجد ولاية، والثاني في مرتبته، والمشهور أنه لايشترط في ولايته حياة الاب، ولا موته، بل يثبت له الولاية مطلقا.

(وصفحة ٣٥٨) " وهل يثبت ولايتهما على البكر الرشيدة فيها روايات اظهرها سقوط الولاية عنهما وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع ولو زوجها احدهما لم يمض عقدها إلا برضاها ومن الاصحاب من اذن لها في الدائم دون المنقطع ومنهم من عكس ومنهم من اسقط امرها معهما فيه وفيه روايات اخرى دالة على شركتها في الولاية الخ.

هذه المسألة من المهمات والفتوى فيها من المشكلات بسبب اختلاف الروايات وقد اضطربت لذلك اقوال الاصحاب فيها وتحرير القول في ذلك: أن الانثى إن كانت صغيرة، أو غير رشيدة، فلا خلاف بين أصحابنا في ثبوت الولاية عليها، وإن كانت ثيبا رشيدة فلا خلاف بين أصحابنا في سقوط الولاية عنها، إلا ما نقل عن الحسن بن أبي عقيل من بقاء الولاية وهو شاذ.

" وإنما الخلاف في استمرار الولاية عليها بالنسبة، إلى نكاح خاصة، وجملة ما ذكره المصنف من الاقوال في ذلك خمسة: الاول: وهو الذي، اختاره جميع المتاخرين، وقبلهم جماعة من القدماء، منهم الشيخ في التبيان، والمرتضى، وابن الجنيد، والمفيد في كتاب أحكام النساء، وسلار، وابن إدريس، سقوط الولاية عنها رأسا، وثبوتها لها مطلقا، الثاني: استمرار الولاية عليها مطلقا، وهو قول الشيخ في النهاية، والصدوق، وجماعة.

الثالث: التشريك بينها وبين الولي، وهو قول أبي الصلاح، والمفيد في المقنعة على اضطراب في عبارته.

الرابع: استمرار الولاية عليها في الدائم دون المتعة، وهو قول الشيخ في كتابي الحديث.

الخامس: عكسه، وهو مجهول القائل، وسئل المصنف حيث نقله هنا قولا عن قائله فلم يجب.

وزاد بعضهم قولا سادسا، وهو أن التشريك في الولاية يكون بين المرأة وأبيها خاصة، دون غيره من الاولياء، ونسبه إلى المفيد.

حجة الاولين أمور: الاول: الآيات الدالة على إضافة النكاح إلى النساء، من غير

٤٤٥

تفصيل، كقوله تعالى " حتى تنكح زوجا غيره، ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " وقوله تعالى " فلا جناح عليهن فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " وهو مفيد للعموم الشامل لغير المدخول بها، الثاني الروايات فمنها مارواه ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله " الايم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " والمراد بالايم من لا زوج لها، قال الجوهري الايامي الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وامرأة أيم بكرا كانت أو ثيبا، والدلالة في الرواية من صدرها وعجزها، وإعادة ذكر البكر مع دخولها في الايم، للتنبيه على اختصاصها بكون سكوتها كافيا عن الجواب اللفظي، ومنها مارواه ابن عباس أيضا من " أن جارية بكرا جاء‌ت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع به حسنة وأنا له كارهة فقال صلى الله عليه وآله لها أجيزي ماصنع أبوك فقالت لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال فاذهبي فانكحي من شئت، فقالت لا رغبة لي في غير ماصنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شئ " وهذه الرواية أوضح مافي هذا الباب دلالة لو صح سندها، لانها يفيد استقلالها بالولاية، بخلاف الاولى فإنها لاينفي القول بالتشريك.

" ومنها حسنة الفضلاء الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة وبريد عن الباقر عليه السلام قال " المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها، إن تزوجها بغير ولي جايز.

ومنها صحيحة منصور بن حازم عن الباقر عليه السلام قال " تستأمر البكر، ولا ينكح إلا بأمرها ".

ومنها رواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال " إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري، وتعتق وتشهد، وتعطي من مالها ما شاء‌ت، فإن أمرها جايز، تزوج إن شاء‌ت بغير إذن وليها، وإن لم تكن كذلك فلايجوز تزويجها إلا بأمر وليها " ومنها رواية أبي مريم عن أبي عبدالله عليه السلام قال " الجارية البكر التي لها الاب لاتتزوج إلا بإذن أبيها، وقال إذا كانت مالكة لامرها تزوجت من شاء‌ت " والدلالة من آخر الحديث، ويحمل أوله على غير المالكة، أو غير البالغة الرشيدة، ليلتئم أول الكلام، وآخره.

ومنها رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام قال " تتزوج المرأة من شاء‌ت، إذا كانت مالكة لامرها، فإن

٤٤٦

شاء‌ت جعلت وليا ".

ومنها رواية سعد بن مسلم عنه عليه السلام أنه قال " لا بأس بتزويج البكر، إذا رضيت من غير إذن وليها " الثالث: الاجماع وقد ادعاه المرتضى على هذا القول، والاجماع المنقول بخبر الواحد حجة، كما قرر في الاصول، فكيف بمثل المرتضى.

الرابع أصالة عدم اشتراط إذن الولي في صحة العقد، مؤيدا بأن البلوغ والرشد مناط التصرف، فتخصيص بعض التصرفات دون بعض تحكم، ومن المعلوم أن ولاية المال قد زالت، فتزول ولاية النكاح، والاولى محل وفاق، والملازمة يظهر باشتراط الولايتين بالبلوغ والرشد، وهذا غاية ماتقرر في تصحيح القول الاول.

والاعتراض أما على الاول من وجوه: فيمنع دلالته على موضع النزاع، فإن النساء المحدث عنه بإضافة النكاح عليهن هن المطلقات للعدة، وبعضهن من المطلقات ثلاثا، وذلك يستلزم الدخول بهن، والنزاع في البكر، وإنما تصلح هذه الآيات حجة على المخالف الذاهب إلى أن المرأة مطلقا ليس لها التزويج بغير الولي، لا علي من أسقط الولاية عن الثيب، ويمكن الاعتذار بإمكان فرض طلاق العدة مع بقاء البكارة، بأن يكون قد وطئ في الدبر، ومعه يمكن فرض الطلاق ثلاثا للعدة مع بقاء البكارة، وهو فرض بعيد، إلا أن العموم يتناول مثله، فيصح الاحتجاج به في الجملة.

وأما الروايات فهي بأسرها مشتركة في عدم صحة السند ما عدا الرابعة، أما الاولتان فعاميتان، وأما الثالثة ففيها مع كونها من الحسن لا من الصحيح، مع قصور الدلالة فإن الحكم فيها على من ملكت نفسها، فإدخال البكر فيها عين المتنازع.

وكذا قوله غير المولى عليها، فإن الخصم يدعي كون البكر مولى عليها، فكيف يستدل بها على زوال الولاية عنها، مع مافي متنها من التهافت، فإن قوله غير السفيهة إن كان هو الخبر عن المبتدأ، وهو المرأة، والمولى عليها معطوف على الخبر، فلا وجه للجمع بين الخبر وما عطف عليه، لان السفيهة داخلة في المولى عليها، ومع ذلك فالجملة التي بعدها، وهي قوله إن تزويجها جايز، مرتبط بالجملة الاولى، ومتفرع عليها، فلا وجه لقطعها عنه، وإن كان الخبر عن المبتدأ، هو الجملة الاخيرة، وهي أن تزويجها..

إلى آخره، ويجعل قوله غير السفيهة وما عطف

٤٤٧

عليه بمنزلة الصفة للمرأة المالكة نفسها، ويبقى التقدير المرأة التي ملكت نفسها، الموصوفة بكونها غير سفيهة، ولا مولى عليها يجوز لها التزويج الخ.

يسلم من انقطاع الجملة المقصودة بالذات.

وعلى الاعراب الثاني، يجوز أن يريد بالمالكة نفسها الحرة، ويجعل ملك النفس كناية عنها، وغير السفيهة، والمولى عليها، صفة لها، فكأنه قال: المرأة الحرة التي ليست سفيهة ولا مولى عليها نكاحها جائز الخ.

ويمكن أن يكون فائدة الجمع بين السفيهة والمولى عليها أن الولاية على السفيهة ليست عامة، ومن ثم لايحجر عليها في غير المال، فقد يتوهم منه جواز تزويجها نفسها لذلك، فخصها بالذكر حذرا من توهم خروجها عن المولى عليها، حيث أن الولاية منتفية عنها على بعض الوجوه، وجاء‌ت الجملة الباقية الثانية خبرا عن المبتدأ، مؤكدا بان.

والجملة الاسمية وهذا معنى جيد، يصحح الدلالة ويخرجها عن التهافت، ولو أريد بالمالكة نفسها من ليس عليها ولاية، وجعلت الصفة التي بعدها مؤكدة موضحة للمطلوب أمكن، إلا أن الاول افقد (كذا) ويمكن مع ذلك التخلص من دعوى كون البكر مولى عليها.

وإن الاستدلال بها عين النزاع، بأن يقال أن البكر الرشيدة لما كانت غير مولى عليها في المال صدق سلب الولاية عليها (عنها) في الجملة، فيصدق أن البكر الرشيدة الحرة مالكة نفسها، غير سفيهة، ولا مولى عليها، فيدخل في الحكم، وهو جواز تزويجها الخ.

وهذا حسن أيضا، ولكن يبقى الاستدلال بها موقوفا على أمر آخر، وهو جعل المفرد المعرف مفيدا للعموم، لان المرأة كذلك، والمحقق من الاصوليين على خلافه، ومتى لم تكن عامة لاتدل على المطلوب، لصدق الحكم بامرأة في الجملة موصوفة بذلك، وهو واقع كثيرا.

" وقد أسلفنا عن قريب أن المفرد في هذه المقامات ظاهر في العموم، إذ لولاه لكان الكلام الواقع عن الشارع عاريا عن الفائدة أصلا، إذ لا معنى للحكم بكون إمرأة في الجملة يجوز لها التزويج بغير ولي، فإن ذلك واقع عند جميع المسلمين حتى عند من أثبت الولاية على الثيب، فإنه أسقطها عن المرأة في مواضع.

وبمثل هذا استدلوا على عمومه مثل إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا، ومفتاح الصلاة

٤٤٨

الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

وغير ذلك مما هو كثير، وقد ظهر من جميع ما حققناه أن دلالة هذه الرواية قرينة الامر إلا إنها مشتملة على شبهات كثيرة، لا يقاوم ما سيأتي مما يدل صريحا على ثبوت الولاية من النصوص الصريحة (الصحيحة خ).

وأما الرابعة فهي أوضح سندا، لكن في بلوغها حد الصحة الذي ادعوه عندي نظر، لان في طريقها العباس غير منسوب، إلى أب، وهذا الاسم مشترك بين الثقة والضعيف، وإن كان الاول أكثر.

ويغلب على الظن إرادته وإن كان ذلك غير كاف في الحكم بالصحة لقيام الاحتمال ومع ذلك فهي قاصرة الدلالة على المطلق، فإن استيمار البكر إنما يفيد نفي القول باستقلال الولي لكنه لاينبغي اشتراك الولاية بينهما، وهو أحد الاقوال في المسألة.

وأما رواية زرارة ففي طريقها موسى بن بكير، وهو واقفي ضعيف، وفي دلالتها ماتقدم من أن ملك البكر أمرها عين المتنازع، والتخلص عنه بما قررناه، وبقرينة ذكر التصرفات من البيع والشراء يفيد أن ملك الامر يراد به رفع الحجر عن المال.

والكلام في الرواية السادسة والسابعة كالتي قبلهما متنا وسندا وفي الثانية ضعف السند، وفي الجميع الشك في العموم من حيث أن المحكوم عليه مفرد محلى باللام.

وأما دعوى الاجماع فواقعة في معركة النزاع، فيكفي في فسادها بالنسبة إلى السابقين على المرتضى مخالفة مثل الصدوق، والمفيد، وابن أبي عقيل من أهل الفتوى، وأما أهل الحديث فستعرف أن الصحيح منه دال على خلافه، فكيف ينسب إليهم القول بخلافه.

(وصفحة ٣٥٩) " احتج من اشترط الولي في المرأة مطلقا من العامة ووافقهم ابن أبي عقيل من أصحابنا على ذلك كما وافقهم على اشتراط الاشهاد.

(وصفحة ٣٦١) " الاصح انتفاء ولايتهما عليها للاصل والاخبار الصحيحة كصحيحة عبدالله بن سنان قال سئلت أبا عبدالله عن المرأة الثيب تخطب إلى نفسها " قال نعم هي أملك بنفسها تولي نفسها من شاء‌ت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت زوجا قبل ذلك " وغيرها من الاخبار وهي حجة على ابن أبي عقيل المثبت لولاية الاب عليها استنادا إلى رواية

٤٤٩

عامة عامية ورواياتنا خاصة خاصية وهي مقدمة عند التعارض نعم روى الشيخ عن سعيد بن إسماعيل عن أبيه وهما مجهولان قال سئلت الرضا عليه السلام عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لايعلم أبوها إلى قوله قال " لا يكون ذا " وهو مع ضعف السند غير دال على منع الثيب لانه نفي الحكم عن جملة المسئول عنه لا عن حكم الذي من جملته البكر ومع ذلك ليس بصريح في البطلان فيهما ويمكن حمله على الكراهة.

(وصفحة ٣٨١) " وقال ابن أبي عقيل منا وبعض العامة: لاتحرم الامهات إلا بعد الدخول ببناتهن، كالبنات، وجعلوا الدخول المعتبر في الآية متعلقا بالمعطوف والمعطوف عليه جميعا.

ولصحيح جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام قال " الام والبنت سواء، إذا لم يدخل بها " يعني إذا تزوج المرئة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها، وفي معناها أخبار آخر.

(وصفحة ٣٨٢) " وفي حديث علي بن جعفر السابق وقال " تزوج العمة والخالة على ابنة الاخ، وابنة الاخت، ولا تزوج بنت الاخ والاخت على العمة والخالة، إلا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل، وفي مقابلة المشهور قولان نادران للاصحاب، أحدهما جواز الجمع مطلقا، ذهب إليه ابن أبي عقيل، وابن الجنيد، على الظاهر من كلاميهما، لا الصريح، ولكن الاصحاب فهموا منهما ذلك.

وعندي في فهمه نظر لانهما أطلقا القول بالجواز، واستدلا بالآية، وهو مذهب الاصحاب ".

شرح اللمعة (مجلد ٥ صفحة ١١٢) " ولا يشترط الشاهدان في النكاح الدائم مطلقا، (ولا الولي في نكاح الرشيدة وإن كان أفضل) على الاشهر، خلافا لابن أبي عقيل حيث اشترطهما فيه، استنادا إلى رواية ضعيفة تصلح سندا للاستحباب، لا للشرطية.

(وصفحة ١٧٧) " (.. لا ابنة المعقود عليها) من غير دخول، فلو فارقها قبل الدخول حل له تزويج

٤٥٠

ابنتها، وهو موضع وفاق، والآية الكريمة صريحة في اشتراط الدخول في التحريم، وأما تحريم الام وإن لم يدخل بالبنت فعليه المعظم، بل كاد يكون إجماعا.

وإطلاق قوله تعالى وأمهات نسائكم " يدل عليه، والوصف بعده بقوله تعالى " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " لا حجة فيه، إما لوجوب عوده إلى الجملة الاخيرة كالاستثناء، أو لتعذر حمله عليهما من جهة إن " من " تكون مع الاولى بيانية، ومع الثانية ابتدائية، والمشترك لا يستعمل في معنييه معا.

وبه مع ذلك نصوص، إلا أنها معارضة بمثلها، ومن ثم ذهب ابن أبي عقيل إلى اشتراط الدخول بالبنت في تحريمها كالعكس.

والمذهب هو الاول ".

الحدائق الناضرة (مجلد ٢٥ صفحة ١١٥) " ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل حيث قال: وقال ابن أبي عقيل لانفقة للمتوفى عنها زوجها سواء كانت حبلى أو غير حبلى، واختاره في المسالك.

والذي وصل إلي من الاخبار في هذا المقام منه مارواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في الحبلى المتوفى عنها زوجها " إنها لانفقة لها ".

وعن أبي الصباح الكناني في الحسن عن أبي عبدالله عليه السلام " في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا ".

(وصفحة ٤٧٤) " الثالثة: هل يفرق في الزوجة بين الحرة والامة؟ قولان.

فذهب الشيخ في النهاية إلى الفرق بينهما، واختاره ابن البراج في كتابيه ونقله في المختلف عن ابن الجنيد وشيخنا المفيد وابن أبي عقيل من المتقدمين، وهو اختيار العلامة في المختلف وشيخنا في المسالك وسبطه في شرح النافع.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم الفرق بينهما فيجب عليهما الحداد معا، واختاره ابن إدريس، وهو ظاهر أبي الصلاح وسلار وابن حمزة، حيث أوجبوا الحداد على المعتدة ولم يفصلوا ".

والاظهر الاول، لما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال " إن الامة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد والامة لا تحد ".

٤٥١

جواهر الكلام (مجلد ٢٩ صفحة ٣٩) " ويستحب أيضا الاشهاد في الدائم، بل لعل تركه مكروه، لقول أبي الحسن عليه السلام في مكاتبة المهلب الدلال " التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ".

بل عن أبي عقيل منا وجماعة من العامة وجوب ذلك فيه، وإن ضعف ماذكر دليلا من النصوص المروية من طرق العامة والخاصة، ومن هنا كان المعروف بين الاصحاب خلافه، بل هو من الاقوال الشاذة في هذا الزمان، بل لعله كذلك في السابق أيضا بقرينة ما حكي من الاجماع في الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة على عدم الوجوب، وهو الحجة بعد الاصل والاخبار الكثيرة التي يجب حمل الخبر المزبور في مقابلتها على ما عرفت، بل قول أبي جعفر عليه السلام " إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث " يرشد إلى عدم الشرط وأن الامر بذلك للارشاد إلى دفع التهمة وتحقق النسب والميراث.

(وصفحة ١٤٦) وكذا لايشترط عندنا في شئ من الانكحة الدائم والمنقطع والتحليل والملك حضور شاهدين خلافا لما عن العامة ولابن أبي عقيل منا، فاشتراطه في الدائم، لخبر ضعيف موافق للعامة محمول على الاستحباب كما تقدم سابقا، لقصوره عن معارضة ما يقتضي صحة من اطلاق الادلة وغيره من المعتبرة المستفيضة، ولذا حكي الاجماع على خلافه في محكي الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة.

(وصفحة ١٧١) " وما عن ابن أبي عقيل من أن الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الاب دون غيره من الاولياء، لحصر بعض النصوص الولاية فيه مع عدم قدح خلافه في الاجماع، فهو محجوج به، بالنصوص المشتملة على ثبوت الولاية لهما وعلى تقديم الجد عند التعارض المعتضدة بالشهرة والاجماع بقسميه عليه المخصصة بها بعض نصوص الحصر غير صريح في المخالفة، لاحتمال إرادة مايشمل الجد من الاب.

(وصفحة ٢٩٦) " قال حماد بن عثمان: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول " لا رضاع بعد فطام قال

٤٥٢

: قلت: جعلت فداك وما الفطام؟ قال: الحولان اللذان قال الله عز وجل "، وبذلك يعلم المراد من قوله عليه السلام في صحيح البقباق " الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم " لا أن المراد منه اعتبار عدم فطامه قبل الحولين أيضا كما عن الحسن بن أبي عقيل، وإلا كان منافيا لاطلاق الاخبار والفتاوى، بل لم نتحقق خلاف الحسن، لان المحكي عنه اعتبار الفطام ويمكن إرادته سن الفطام، فلا خلاف حينئذ في نشره الحرمة فيهما وإن فطم الصبي.

(وصفحة ٣٩٣) " المسألة الثالثة (قيل) والقائل القديمان والشيخان وابن البراج وغيرهم، بل في كشف اللثام وغيره نسبته إلى أكثر المتقدمين، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل عن ابن أبي عقيل نسبته إلى آل الرسول صلوات الله عليهم: انه (لايجوز للحر العقد على الامة إلا بشرطين: عدم الطول، وهو عدم المهر والنفقة، وخوف العنت، وهو المشقة من الترك) لقوله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان، فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، ذلك لمن خشي العنت منكم، وإن تصبروا خير لكم، والله غفور رحيم " وخبر محمد بن صدقة البصري المروي عن تفسير العياشي قال: سألته عن المتعة أليس هذا بمنزلة الاماء؟ قال " نعم، أما تقرأ قول الله عزوجل ومن لم يستطع " إلى قوله ولا متخذات أخدان؟ فكما لايسع الرجل أن يتزوج الامة وهو يستطيع أن يتزوج الحرة فكذلك لايسع الرجل أن يتمتع بالامة وهو يستطيع أن يتزوج بالحرة " وصحيح ابن مسلم سأل أحدهما عليهما السلام " عن الرجل يتزوج المملوكة، قال لابأس إذا اضطر إليها ".

(وصفحة ٤١٠) " لكن قد يظهر مما في المسالك في المسألة السابقة عدم اعتبار إذن الحرة حينئذ، وفيه أنه مخالف لظاهر الادلة.

نعم يمكن عدم اعتبار إذنها على القولين إذا كانت ليست

٤٥٣

من أهل الاذن لصغر أو جنون، بناء على ظهور اعتبار الاذن في القابلة لذلك، فيبقى غيرها حينئذ على عمومات الحل، مع احتمال العدم، لاطلاق النهي عن نكاح الامة على الحرة، وظهور القابلية إنما هو في المستثنى، فيقتصر عليه في تخصيص المستثنى منه، واحتمال الرجوع إلى إذن الولي لا دليل عليه، إلا إطلاق الولاية الذي لايشمل مثل ذلك قطعا، فلو تجدد لها القابلية بعد النكاح ففي اعتبار إذنها حينئذ في البقاء أو أن لها الخيار في فسخ عقد نفسها خاصة أو مع عقد الامة وجوه، أما الغيبة ونحوها مما يمنع الاستئذان ممن له أهلية الاذن فالظاهر بقاء اعتبار الاذن معها، لاطلاق الادلة.

وعلى كل حال فإن بادر وعقد من دون إذن كان العقد باطلا عند ابني أبي عقيل والجنيد وإدريس والشيخ في محكي التبيان وظاهر المبسوط ".

٤٥٤

في القسم

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٧٩) " مسألة: المشهور أن الامة إذا كانت زوجة كان لها ليلة، وللحرة ليلتان في القسم، وبه قال ابن أبي عقيل.

وظاهر كلام المفيد المنع، فإنه قال وهذا الحكم يعني القسمة في حراير النساء، فأما الاماء وملك اليمين منهن فله أن يقسم عليهن كيف شاء، ويقيم عند كل واحدة منهن ماشاء، وليس عليه للاخرى اعتراض في ذلك بحال، وهذا يوهم أنه لا حق للامة المزوجة في القسم، فإن قصد شيخنا المفيد عدم القسمة صارت المسألة خلافية، وإلا فلا.

(وصفحة ٥٨٠) " مسألة: قال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا له امرأتان، إحداهما مسلمة، والاخرى ذمية، كانت في القسم بهن (بها)، ولو كانت إحداهن متعة والاخرى إعلانا لم يكن للمتعة قسم، ولا نفقة، يأتيها متى شاء.

وقد قيل: إذا كانت له امرأتان متعة وإعلان فله أن يقسم لاحديهن ليلة، وللاخرث ثلاث ليال، لان له أن يتزوج منهن أربعا.

" أما المتعة فالمشهور أنه لا قسمة فيها.

والقايل الذي نقل ابن أبي عقيل عنه ما أظنه أحدا من أصحابنا ".

٤٥٥

في المهر

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ١٨٦) " عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات، أو ماتت قبل أن يدخل بها فقال: لها المتعة والميراث، ولا مهر لها (الحديث) فأفتى عليها الشيخ في النهاية، وقال في المبسوط: متى مات أحدهما قبل الفرض فلا مهر، وفي الخلاف: الخلاف في المتعة هل يستحقها؟ قيل: لا، وقيل: نعم، لانها للمطلقة قبل الدخول، ولم يسم لها مهرا، فلها المتعة.

والاول هو اختيار شيخنا والمتأخر وابن أبي عقيل، وبه أقول.

(وصفحة ١٨٧) " قال دام ظله: ولا يستقر بمجرد الخلوة على الاشهر.

أقول: اختلف الروايات في الخلوة المجردة عن الوطئ، هل يستقر بها المهر أم لا؟ روى الاستقرار موسى بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال " إذا تزوج (الرجل خ) المرأة ثم خلى بها، وأغلق (فأغلق خ) عليها بابا، وأرخى سترا ثم طلقها، فقد وجب الصداق، وخلاؤه بها دخول ".

ومثلها روي عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، أن عليا عليه السلام كان يقول " من أغلق (أجاف خ) من الرجال على أهله بابا أو أرخى سترا، فقد وجب عليه الصداق ".

وروى أنه لايستقر يونس بن يعقوب، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال " سمعته يقول: لايوجب المهر إلا الوقاع في الفرج ".

وروى مثله العلاء، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام، متى يجب المهر؟ قال " إذا دخل بها ".

وفي أخرى عن حفص البختري، عن أبي عبدالله عليه السلام، " إذا التقى الختانان، وجب المهر والعدة والغسل ".

وفي رواية أخرى عن يونس عن

٤٥٦

يعقوب، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام، عن رجل تزوج امرأة، فأدخلت عليه فأغلق الباب وأرخى الستر، ولمس وقبل، ثم طلقها على تلك الحال قال " ليس عليه إلا نصف المهر ".

إذا تقرر هذا، فالاشبه العمل بالروايات الاخيرة، لكونها أشبه بالاصل، وأصح سندا ومطابقة لنص القرآن من قوله تعالى " فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " الآية.

وقد كان ابن أبي عمير يجمع بين الروايات، بأنه متى أرخى الستر، يجب على الحاكم أن يحكم بالظاهر أن المهر كله لازم، ولا يحل لها فيما بينها وبين الله إلا نصف المهر إذا لم يدخل بها، واستحسنه الشيخ في الاستبصار، وأفتى عليه في النهاية، وتردد في الخلاف، واختار أنه لايستقر إلا بالوطئ، وبه يقول المتأخر، وابن أبي عقيل في المتمسك ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٤١) " مسألة: المشهور عند علمائنا أن المهر لايتقدر كثرة، ولا قلة، فيجوز العقد على أكثر من مهر السنة أضعافا مضاعفة، ذهب إليه الشيخان، وابن أبي عقيل، والظاهر من كلام الصدوق في المقنع، ونص عليه سلار، وأبو الصلاح، وابن البراج، وابن إدريس.

(وصفحة ٥٤٣) " وقال ابن أبي عقيل: وقد اختلف الاخبار عنهم عليهم السلام في الرجل يطلق المرأة قبل أن يجامعها، وقد دخل بها، وقد مس كل شئ منها، إلا أنه لم يصبها، فروي عنهم في بعض الاخبار أنه إذا أغلق الباب وأرخيت الستور وجب لها المهر كاملا، ووجبت العدة، وفي بعض الاخبار لها نصف المهر، وهذا أولى الخبرين بدلالة الكتاب والسنة، بقولهم، لان الله عزوجل يقول " فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة فنصف مافرضتم " فأخبر أنه إذا طلقها قبل أن يجامعها، فإن لها نصف المهر، وقد جاء عنهم عليهم السلام ماتحقق هذا في قضائهم في العنين، إن الرجل إذا تزوج المرأة فدخل بها فادعت المرأة أنه لم يصبها وخلا بها، أجله الامام سنة، فإن مضت السنة ولم يصبها فرق بينهما، وأعطيت نصف الصداق، ولا عدة عليها منه، وفي هذا إبطال رواية من روى عنهم عليهم

٤٥٧

السلام أنه إذا أغلق الباب وأرخى الستور وجب المهر كاملا، وهذا العنين قد أغلق الباب وأرخى الستور وأقام معها سنة، لايجب عليه إلا نصف الصداق.

والمسألتان واحدة لافرق بينهما ".

في المتعة

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ١٥٧) قال دام ظله: لايثبت بالمتعة ميراث.. الخ.

أقول: للاصحاب فيه (ثلاثة خ) أقوال، وقال المرتضى وابن أبي عقيل: لايسقط الارث إلا مع شرط السقوط.

وقال أبوالصلاح: لايثبت بينهما توارث شرط أو لم يشرط، وهو يظهر من كلام ابن بابويه، فإنه قال: لا ميراث بينهما، وعليه المتأخر، وهو أشبه عندي ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٤٠) " وقال ابن أبي عقيل: كل امراة كان وليها أولى بنكاحها منها، لم يجز نكاحها متعة إلا بأمر وليها، وكل من كانت أولى بنفسها من وليها، فهي التي تجوز، نكاحها متعة.

(وصفحة ٥٦١) " مسألة: اختلف علماؤنا في التوارث بهذا العقد، فقال ابن أبي عقيل نكاح المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى، على أن لا ميراث بينهما، ولا نفقة لها، ثم قال بعد كلام طويل: وإذا خلا الرجل بالمرأة فقال لها: أتزوجك متعة، إلى أجل معلوم بكذا من الاجر، ويذكر شرط الميراث (كذا) فإن لم يشترط أن لا ميراث بينهما فمات أحدهما قبل صاحبه، ورثه الآخر وقد روي أن لا ميراث بينهما، اشترطا أو لم يشترطا.

(وصفحة ٥٦٤) " قال ابن أبي عقيل: لو نكح متعة إلى أيام مسماة فإن أراد أن ينكحها نكاح الدايم

٤٥٨

قبل أن تنقضي أيامه منها لم يجز ذلك، لانها لم تملك نفسها وهو أملك بها منها مالم تنقضي أيامها (كذا)، فشاء‌ت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز.

ولو وهب لها أيامه ثم نكحها نكاح إعلان جاز ذلك وهو يعضد قول ابن حمزة لانه قيد بالاعلان.

(وصفحة ٥٦٥) " وقال ابن أبي عقيل: لايحل للحر المسلم عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يتزوج الامة متعة، ولا نكاح إعلان الا عند الضرورة، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به العزبة، وخاف على نفسه منها الفجور، فإذا كان كذلك حل له نكاح الامة، وإذا كان يجد السبيل إلى تزوج الحرة، ولم يخش على نفسه الزنا يحرم أن يتزوج الامة متعة ولا إعلانا، فإن تزوجها على هذه الحالة، فالنكاح باطل، قال الله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات " (يعني الحراير) " فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " يعني الاماء، ثم قال " ذلك لم خشي العنت منكم " والعنت الزنا، فأحل تزويج الاماء لمن لايجد طولا أن ينكح الحراير، وحرم نكاحهن على واجدي الطول.

وقد أجاز قوم من العامة تزويج الاماء في حال الضرورة، لواجدي الطول، ولغير واجدي الطول، وكفى بكتاب الله عزوجل ردا عليهن دون ما سواه ".

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ٤٠٥ ٤٠٦) " اختلف العلماء في توارث الزوجين بالعقد المنقطع على أقوال أحدها انه يقتضي التوارث كالدائم حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط كما لو شرط عدمه في الدائم ولا يمنعه إلا موانعه المشهورة ويعبر عنه بان المقتضي للارث هو العقد لا بشرط شئ وهذا قول القاضي ابن البراج ومستنده عموم الآية الدالة على توريث الزوجة وهذه زوجة وإلا لم يحل للحصن في الآية بقوله إلا على ازواجهم أو ماملكت أيمانهم وملك اليمين منتف عنها قطعا فلو لم يثبت الآخر لزم تحريمها ولان الزوجة تقبل التقسيم إليها وإلى الدائمة ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام وحينئذ فيدخل في عموم ولكم نصف ماترك أزواجكم ولهن الربع مما تركتم والجمع المضاف للعموم كما سبق ولا يرد منع توريث الذمية والقاتلة فليس بعام المخصوص حجة في الباقي والاخبار الواردة

٤٥٩

بخلاف ذلك مردودة لتعارضها كما ستقف عليه وللطعن في سندها فيسقط وإما لان خبر الواحد لايخصص عموم القران وعليه يترتب حكمها لو شرطا سقوطه فانه كاشتراط عدم إرث الدائم لايصح لانه شرط مخالف لمقتضى العقد والكتاب والسنة ولان كل ما يقتضيه الماهية من حيث هي يستحيل عدمه مع وجودها، لقد كان هذا القول بالسيد المرتضى اشبه وباصوله انسب لكنه عدل عنه لما ظنه من الاجماع على عدمه وثانيها عكسه وهو أن لا توارث فيه من الجانبين سواء شرطا في العقد التوارث وعدمه أو لم يشترطا شيئا منهما وإلى هذا القول ذهب الجماعة منهم أبوالصلاح الحلبي وابن إدريس والعلامة في أحد قوليه وولده فخر الدين والمحقق الشيخ علي ووجههم التمسك بالاصل فان الارث حكم شرعي يتوقف ثبوته على توظيف الشارع ومطلق الزوجية لايقتضي استحقاق الارث فإن من الزوجات من ترث، ومنهم من لا ترث كالذمية، ولما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام قال: سئلته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث، قال " ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط " وهي نص في الباب، وقريب منها رواية جميل بن صالح عن عبدالله بن عمر قال: سئلت أبا عبدالله عليه السلام عن المتعة؟ فقلت ماحدها قال " من حدودها أن لاترثك ولا ترثها " فجعل نفي الميراث من مقتضى الماهية، فوجب أن لايثبت بها توارث مطلقا، أما مع عدم الاشتراط أو مع العدم فواضح، وأما مع اشتراط الارث فلانه شرط ينافيه مقتضى العقد، على مادل عليه الحديث، فوجب أن يكون باطلا ولان الشرط لغير وارث محال، إذ سببية الارث شرعية لا جعلية، ولان الزيادة هنا على نص نسخ لان الله تعالى عين فروض أرباب الفروض بجزء معلق النسبة إلى كل التركة، وكيفية قسمة غيرهم، فلو زاد أو نقص بخبر الواحد، لزم فسخ القرآن بخبر الواحد، وهو غير جايز، وهذا أقصى حجتهم مجتمعة الاطراف، وفيه نظر.

قولهم: الاصل يقتضي عدمه، قلنا: قد ارتفع الاصل بآية إرث الزوجة، وإن كانت داخلة، وبما يأتي من الاخبار إن لم تكن وبأنكم قد أدخلتموها، في عموم الازواج في الاحكام الماضية، إلا ما أخرجه الدليل الخارج.

فتوظيف الشارع حاصل على هذا، قوله: مطلق الزوجية لايقتضي الاستحقاق قلنا: بل يقتضي الاستحقاق، إلا

٤٦٠

فتراها تسير باتجاه معين من الزمن ثمّ تعود قليلا ومن ثمّ تتابع مسيرها الأوّل وهكذا ولهؤلاء العلماء من البحوث العلمية في تحليل هذه الظاهرة.

وعليه يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السيّارة «الجوار» ، التي في سيرها لها رجوع «الخنس» ، ثمّ تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشمس فهي تشبه غزالا يتصيد طعامه في الليل وما أن يحّل النهار حتى يختفي عن أنظار الصيادين والحيوانات المفترسة فيذهب إلى «كناسه» ، ولذا وصفت الكواكب بـ «الكنّس» ،.

وثمّة احتمال آخر : «الكنّس» : اختفاء الكواكب في ضوء الشمس.

أي إنّها حينما تدور حول الشمس ، تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشمس فيختفي نورها تماما عن الأبصار ، وهو ما يعبّر عنه علماء الفلك بـ (الاحتراق).

و «الكنّس» : في نظر بعض آخر : إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السماوية ، وذلك الدخول يشبه اختفاء الغزلان في أماكن أمنها.

وكما هو معروف ، إنّ كواكب مجموعتنا الشمسية لا تنحصر بهذه الكواكب الخمس ، بل ثمة ثلاثة كواكب أخرى (أورانوس ، بلوتون ، نبتون) ولكنّها لا ترى بالعين المجرّدة لبعدها عنّا ، وللكثير من هذه السيّارات قمرا أو أقمارا ، ، فعدد كواكب هذه المجموعة بالإضافة إلى الأرض هو تسعة كواكب.

و «الجوري» : توصيف جميل لحركة الكواكب ، حيث شبّه بحركة السفن على سطح البحر.

وعلى أيّة حال ، فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام ، كأنّه يريد إثارة الفكر الإنساني ، وتوجيهه صوب الكواكب السيّارة ذات الوضع الخاص على القبة السماوية ، ليتأمل أمرها وقدرة وعظمة خالقها سبحانه وتعالى.

٤٦١

وثمّة احتمالات أخرى في هذا الموضوع أهملناها لضعفها.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآيات المذكورة : «هي خمسة أنجم : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد»(١) .

ويعرض لنا القرآن لوحة أخرى :( وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) .

«عسعس» : من (العسعسة) ، وهي رقة الظلام في طرفي الليل (أوله وآخره) ومنه اطلاق لفظ «عسس» على حرّاس الليل ، وبالرغم من اطلاق هذه المفردة على معنيين متفاوتين ، ولكن المراد منها في هذه الآية هو آخر الليل فقط بقرينة الآية التالية لها ، وهو ما يشابه القسم الوارد في الآية (٣٣) من سورة المدثر :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) .

والليل ، من النعم الإلهية الكبيرة ، لأنّه : سكن للروح والجسم ، معدّل لحرارة الشمس ، وسبب لإدامة حياة الموجودات أمّا التأكيد على نهايته فيمكن أن يكون بلحاظ كونه مقدمة استقبال نور الصباح ، إضافة لما لهذا الوقت بالذات من فضل كبير في حال العبادة والمناجاة والدعاء ، ويمثل هذا الوقت أيضا نقطة الشروع بالحركة والعمل في عالم الحياة.

ويأتي القسم الثّالث والأخير من الآيات :( وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) .

فما أروع الوصف وأجمله! فالصبح كموجود حي قد بدأ أوّل أنفاسه مع طلوع الفجر ، ليدّب الروح من جديد في كلّ الموجودات ، بعد أن تقطعت أنفاسه عند حلول ظلام الليل!

ويأتي هذا الوصف في سياق ما ورد في سورة المدّثّر ، فبعد القسم بإدبار الليل ، قال :( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) ، فكأنّ الليل ستارة سوداء قد غطت وجه الصبح ، فما أن أدبر الليل حتى رفعت تلك الستارة فبان وجه الصبح مشرقا ، وأسفر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٤٦.

٤٦٢

للحياة من جديد.

وتجسّد الآية التالية جواب القسم للآيات السابقة :( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) .

فالجواب موجّه لمن اتّهم النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باختلاق القرآن ونسبته إلى الباري جلّ شأنه.

وقد تناولت وما بعدها خمسة أوصاف لأمين وحي الله جبرائيلعليه‌السلام ، وهي الأوصاف التي ينبغي توفرها في كلّ رسول جامع لشرائط الرسالة

فالصفة الأولى : إنّه «كريم» : إشارة إلى علو مرتبته وجلالة شأنه.

ومن صفاته أيضا :( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) (١) .

«ذي العرش» : ذات الله المقدّسة. مع أنّ الله مالك كلّ عالم الوجود ، فقد وصف «بذي العرش» لما للعرش من أهمية بالغة على على غيره (سواء كان العرش بمعنى عالم ما وراء الطبيعة ، أو بمعنى مقام العلم المكنون).

أمّا وصفه بـ «ذي قوّة» (أي : صاحب قدرة) ، لما للقدرة العظيمة والقوّة الفائقة من دور مهم وفعّال في عملية حمل وإبلاغ الرسالة ، وعموما ينبغي لكل رسول أن يكون صاحب قدرة معينة تتناسب وحدود رسالته ، وعلى الإخلاص في مجال عدم نسيان ما يرسل به.

«مكين» : صاحب منزلة ومكانة ، وبدون ذلك لا يتمكن الرسول من أداء رسالته على أتمّ وجه ، فلا من كونه شخصا جليلا ، لائقا ، ومقربا للمرسل.

وممّا لا شك فيه إنّ التعبير بـ «عند» لا يراد منه الحضور المكاني ، لأنّ الباري جل شأنه لا يحده مكان ، والمراد هو الحضور المقامي والقرب المعنوي.

وتتناول الآية التالية الصفة الرابعة والخامسة :( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) .

«ثمّ» : إشارة إلى البعيد ، ويراد بها : إنّ أمين الوحي الإلهي نافذ الكلمة في

__________________

(١) «مكين» : (المكانة) ، وهي المقام والمنزلة ، وما يستفاد من مفردات الراغب وغيره من المفسّرين ، إنّه اسم مكان من (الكون) ولكثرته في الكلام فقد استعمل على صيغة الفعل فقيل : (تمكن) و (تمسكن).

٤٦٣

عالم الملائكة ، ومطاع عندهم ، وإنّه في ذروة الأمانة في عملية إبلاغ الرسالة.

وما نستشفّه من الرّوايات : إنّ جبرائيلعليه‌السلام ينزل أحيانا وبصحبته جمع كبير من الملائكة في حال إبلاغه للآيات القرآنية المباركة ، وهو ما يوحي بأنّه مطاع بينهم ، وهو ما ينبغي أن يكون في كل أمّة تتبع رسولا ، فلا بدّ من طاعتها له.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجبرائيلعليه‌السلام عند نزول هذه الآيات : «ما أحسن ما أثنى عليك ربّك! : ذي قوّة عند العرش مكين ، مطاع ثمّ أمين ، فما كانت قوتك؟ وما كانت أمانتك؟

فقال : أمّا قوّتي فإنّي بعثت إلى مداين لوط وهي أربع مداين في كلّ مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري ، فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصواب الدجاج ونباح الكلاب ، ثم هويت بهّن فقلبتهّن. وأمّا أمانتي ، فإنّي لم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره»(١) .

وينفي القرآن ما نسب إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) .

«الصاحب» : هو الملازم والرفيق والجليس ، والوصف هذا مضافا الى أنّه يحكي عن تواضع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع جميع الناس فلم يرغب يوما في الاستعلاء على أحد منكم ، فإنّه قد عاش بينكم حقبة طويلة ، وجالسكم ، فلمستم عن قرب رجاحة عقله وحسن درايته وأمانته ، فكيف تنسبون له الجنون؟!

وكلّ ما في الأمر إنّه قد جاءكم بعد بعثته بتعاليم تخالف تعصبكم الأعمى وتحارب أهواءكم الجاهلية ، فما راق لكم الانضباط والترابط ، وحبذتم الانفلات والتراخي ، فوليتم الأدبار عن تعاليمه الربانية ونسبتم إليه الجنون ، فرارا من هدي دعوته المباركة!

ونسبة الجنون إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بالشيء الجديد في مسير دعوة السماء

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٦ ، وورد هذا المضمون في تفسير (الدر المنثور) في ذيل الآية المبحوثة.

٤٦٤

فقد واجه جميع أنبياء اللهعليهم‌السلام هذا الافتراء الفارغ من قبل جهلة وكفرة عصورهم ، وقد حدثنا القرآن الكريم بتلك الوقائع :( كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) (١) .

فالعاقل في منطق الجاهلية ، من يخضع للعادات والتقاليد المعاشة وإن كانت فاسدة منحطة ، ومن يطلق لجماح أهواءه وشهواته العنان ، ومن لا يفكر بأيّ إصلاح أو تغيير لأنّه خروج على السائد المتعارف عليه!

وبناء على هذا المقياس الأعمى فكلّ الأنبياء في نظر عبدة الدنيا مجانين

ويؤكّد القرآن على الارتباط الوثيق ما بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجبرائيلعليه‌السلام :( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) ، وهو «الأفق الأعلى» الذي تظهر فيه الملائكة ، حيث شاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرائيلعليه‌السلام .

وقد استدلّ بعض المفسّرين بالآية (٧) من سورة النجم على التفسير أعلاه ، والتي تقول :( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ) .

ولكننا نرى أنّ الآية مع بقية آيات السورة تتحدث عن حقيقة أخرى ، فراجع إلى ما ذكرناه في تفسيرنا هذا.

وقال بعض : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى جبرائيلعليه‌السلام في صورته الحقيقة مرّتين ، الأولى عند بداية البعثة النبوية المباركة ، حيث ظهر له في الأفق الأعلى وقد غطى الشرق والغرب حتى بهر النبيّ بعظمة هيئته ، والثّانية رآه عند معراجه إلى السماوات العلى واعتبروا الآية المبحوثة إشارة لتلك الرؤيتين.

وثمّة من يذهب في تفسير الآية من كونها تشير إلى مشاهدة اللهعزوجل بالشهود الباطني ، (ولمزيد من الإيضاح ، راجع ذيل الآيات (٥ ـ ١٣) من سورة النجم).

وتأتي الصفة الخامسة :( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) .

__________________

(١) الذاريات : الآية ٥٢.

٤٦٥

فهو ليس ممن يقبرون في صدورهم ممّا يوحى إليه ، ولا يبخل ولا يتوانى عن الإبلاغ ويوصله إلى كلّ الناس كاملا وبأمانة.

«ضنين» : من (ضنّة) على وزن (منّة) ، أي : البخل بالأشياء الثمينة والنفيسة ، فالأنبياءعليهم‌السلام منزّهون عن ذلك ، وإذا ما بخل الآخرون بما صار في حوزتهم من علم محدود ، فالنّبي فوق ذلك وأنزه مع ماله من منبع علم إلهي.

وتقول آخر الآيات المبحوثة :( وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) .

فالآيات القرآنية ليست كحديث الكهنة الذي يأخذوه من الشياطين ، ودليلها معها ، حيث أنّ حديث الكهنة محشو بالأكاذيب والتناقضات ، ويدور حول محور ميولهم ورغباتهم ، في حين لا يشاهد ذلك في الآيات القرآنية إطلاقا.

والآية تجيب على إحدى افتراءات المشركين ، حين اتهموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه كاهن وكلّ ما جاء به قد أخذه من الشياطين! فحديث الشيطان! لا يتعدى أن يكون باطلا وضلالا في حين أنّ الآيات الرّبانية كلّها نور وهداية ، وهذا ما يشعر به كلّ من يواجه القرآن ومنذ وهلته الأولى.

«رجيم» : من (الرجم) ، و (رجام) على وزن (لجام) بمعنى أخذ الحجارة ، وتطلق على رمي الحجار على الأشخاص أو الحيوانات ، ويستعار الرجم للرمي بـ : الظّن ، التوهم ، الشتم والطرد ، و «الشيطان الرجيم» بمعنى المطرود من رحمة الله.

* * *

بحث

مؤهلات الرّسول :

الصفات الخمسة التي ذكرتها الآيات المباركة جبرائيلعليه‌السلام باعتباره رسول الوحي الإلهي إلى النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هي ذات الصفات التي ينبغي توفرها في كلّ رسول ، وبما يناسب نوع ودرجة رسالته.

٤٦٦

فلكي يكون الرسول لائقا لحمل الرسالة ، لا بدّ من تحلّيه بركائز أخلاقية ونفسية عالية ، أي يكون «كريما» محترما.

ولا بدّ من كونه قادر متمكن «ذي قوّة» ، حتى يتمكن من إبلاغ رسالته بكل ما تحمل ، ومن دون أن يصيبه أيّ ضعف أو فتور أو هوان.

وينبغي أن تكون ذو منزلة رفيعة ومقام مرموق عند المرسل ، «مكين» ، لكي يكون طبيعيا مستقرا في استلامه الرسالة ، ولا يناله أيّ خوف أو ارتباك في حال إيصاله لأجوبة الرسالة إلى أيّ كان.

ومن المؤهلات اللازمة ، أن يكون له أعوان ويطيعونه بأمر الرسالة ، ولا يتخاذلون عن طاعته ، «مطاع».

وأخيرا ، لا بدّ من كونه «أمينا» في النقل ، ليعتمد المرسل عليه فيما يريد أن يوصله إليه من الرسالة ، فلا بدّ من الأمانة بكلّ معناها والابتعاد عن الخيانة ولو بأدنى زواياها.

فمتى ما توفرت المؤهلات اللازمة للرسول فيه كان جديرا بأداء حق الرسالة ، ولذلك نرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتخب رسله بدقة من بين أصحابه ، وأفضل نموذج حي لذلك ، إرساله أمير المؤمنينعليه‌السلام بإيصال الآيات الأولى من سورة براءة إلى مشركي مكّة ، في ظروف قد شرحناها عند تفسيرنا لتلك السورة.

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : «رسولك ترجمان عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك»(١) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة : الكلمات القصار (٣٠١).

٤٦٧

الآيات

( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩) )

التّفسير

إلى اين أيّها الغافلون؟!

أكّدت الآيات السابقة ببيان جلي حقيقة كون القرآن كلام الله فمحتواه ينطق عن كونه كلاما رحمانيا وليس شيطانيا ، وقد نزل به رسول كريم مقتدر وأمين ، وقام بتبليغه النّبي الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم يبخل في البلاغ في شيء ، وما تهاون عن تعليم الناس فيما أرسل به.

فيما توبخ الآيات أعلاه أولئك الذين عادوا القرآن وانحرفوا عن خطّ سير الرسالة الربّانية الهادية ، فتقول لهم بصيغة الاستفهام التوبيخي :( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) .

لم تركتم طريق الهداية؟! أو من العقل أن تصدّوا عن النور وتتجهوا صوب الظلام؟! ألا ترحمون أنفسكم؟! وكيف تعملون على هدم أركان سعادتكم وسلامتكم؟!

٤٦٨

وتأتي الآية الثّانية لتقول :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ )

فالآية تتحدث بلسان الوعظ والتذكير ، عسى أن يستيقظ من تملكه نوم غفلته.

لا يمكن للهداية والتربية أن تؤدّي فعلها بوجود المرشد الناحج فقط ، بل لا بدّ من توفر عنصر الاستعداد وتقبل الهداية من قبل الطرف الآخر ، ولذلك فبعد الوعظ والتذكير جاءت الآية التالية لتبيّن هذه الحقيقة :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) .

فالآية الاولى :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) قد ذكرت عمومية الفيض الإلهي في القرآن الكريم ، فيما خصصت الآية التالية :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) عملية الاستفادة من هذا الفيض الجزيل وحددته بشرط الاستقامة.

وهذه القاعدة جارية في جميع النعم والمواهب الإلهية في العالم ، فإنّها عامّة التمكين ، خاصّة الاستفادة ، فمن لا يملك الإرادة والتصميم على ضوء الهدي القرآني لا يستحق فيض رحمة الله ونعمه.

والآية الثّانية من سورة البقرة :( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) تدخل في سياق هذا المعنى.

وعلى أيّة حال ، فالآية تؤكّد مرّة اخرى على حرية الإنسان في اختياره الطريق الذي يرضاه ، سواء كان طريق حقّ ، أم طريق باطل.

ويفهم من «يستقيم» ، أنّ طريق السعادة الحقّة ، طريق مستقيم ، وما دونه لا يكون كذلك ، ولولا الإفراط والتفريط والوساوس الشيطانية وأغشية الضلال لسار الإنسان على هذه السبل المنجية ، باستجابته لنداء الفطرة واتباعه الخط المستقيم ، والخط المستقيم هو أقصر الطرق الموصلة للهدف المنشود.

ولكي لا يتصور بأنّ مشيئة وإرادة الإنسان مطلقة في سيره على طريق المستقيم ، ولكي يربط الإنسان مشيئة بمشيئة وتوفيق اللهعزوجل ، وجاءت

٤٦٩

الآية التالية ولتقول :( وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ )

والآيتان السابقتان تبيّنان فلسفة «أمر بين الأمرين» التي أشار إليها الإمام الصادق عليه‌السلام ، فمن جهة ، إنّ الإرادة والقرار بيدكم ، ومن جهة اخرى ، يلزم تلك الإرادة وذلك القرارة ما يشاء الله ربّ العالمين وإنّ خلقتم أحرارا مختارين ، فالحرية والإختيار منه جلّ اسمه ، ولولا إرادته ذلك لما كان.

فالإنسان ليس بمجبور على أعماله مطلقا ، ولا هو بمختار بكلّ معنى الإختيار ، ولكن كما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا جبر ولا تفويض الأمر بين الأمرين» ،

فكلّ ما للإنسان من : عقل ، فهم قدرة بدنية ، وقدرة على اتخاذ القرار ، كلّ ذلك من اللهعزوجل ، فهو من جهة في حالة الحاجة الدائمة للاتصال به جلّ شأنه ، ولو شاء الله لتوقف كلّ شيء وانتهى ، وهو من جهة اخرى مسئول عن أعماله لما له من حرية واختيار على تنفيذها.

ويفهم من «ربّ العالمين» ، إنّ المشيئة الإلهية تقضي بهداية وتكامل الإنسان وكلّ الموجودات ، فالله لا يريد أن يضل أو يذنب أحد من الخلق ، بل يريد أن يسعد كلّ الخلق في جوار رحمته ورضوانه ، وبمقتضى ربوبيته فهو الموفّق والمعين لكلّ من يريد أن يسلك طريق التكامل.

والخطأ القاتل الذي وقع فيه المتجبرة ، إنّهم تمسّكوا بالآية الثّانية دون الاولى وربّما كان المفوضة قد تمسّكوا بالآية الاولى مفصولة عن الآية الثانية لها والفصل فيما بين آيات القرآن كثيرا ما يوقع في هاوية الضلال والخروج بنتائج خاطئة باطلة ، وينبغي التعامل مع الآيات القرآنية على كونها كلّ مترابط ، لا آيات فرادى.

وقيل : إنّه لمّا نزل قوله تعالى :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) ، قال أبو جهل : جعل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى :( وَما

٤٧٠

تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (١) .

اللهمّ! لا توفيق إلّا منك ، فوفقنا للسير على طريق رضوانك

اللهمّ! لقد رغبنا في سلوك طريقك ومنهجك ، فاجعل مشيئتك أن تأخذ بأيدينا في هذا الطريق

اللهمّ! إنّا نخاف أهوال الحشر والقيامة ، لخلو صحائف أعمالنا من الحسنات ، فعاملنا بعفوك ولطفك ، ولا تشدد علينا بعدلك

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة التّكوير

* * *

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٦٢ ؛ وفي روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٥٤.

٤٧١
٤٧٢

سورة

الإنفطار

مكيّة

وعدد آياتها تسع وعشرة آية

٤٧٣
٤٧٤

«سورة الإنفطار»

محتوى السورة :

لا تشذ السورة عن سياق سور الجزء الأخير من القرآن الكريم ، وتدور حول محور المسائل المتعلقة بيوم القيامة ، تتضمّن مجموع آياتها المواضيع التالية :

١ ـ أشراط الساعة ، وهي الحوادث الهائلة التي سيشهدها العالم أواخر لحظات عمره وعند قيام الساعة.

٢ ـ التذكير بالنعم الإلهية الداخلة في كلّ وجود الإنسان ، وكسر حالة غرور الإنسان ، وتهيئته المعاد.

٣ ـ الإشارة إلى ملائكة تسجيل أعمال الإنسان.

٤ ـ بيان عاقبة المحسنين والمسيئين في يوم القيامة.

٥ ـ لمحات سريعة عمّا سيجري في ذلك اليوم العظيم.

فضيلة السورة :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ هاتين السورتين :( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) و( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) وجعلهما نصب عينه في صلاة الفريضة والنافلة ، لم يحجبه من الله حجاب ، ولم يحجزه من الله حاجز ، ولم يزل ينظر إلى الله وينظر

٤٧٥

الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس»(١) .

ولا شك أنّ حصول ثواب السورتين إنّما يتمّ وضعهما في أعماق روحه ، وبنى على أسسها أركان نفسه وعمله ، ولا لمن يلوكهما في لسانه ولا غير!

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٧ ، نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٠ (عن ثواب الأعمال : ص ١٢١).

٤٧٦

الآيات

( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) )

التّفسير

عند ما يحلّ الحدث المروع!

تقدّم لنا الآيات (مرّة اخرى) مشاهدا مروعة من يوم القيامة ، فتخبر عن تفطّر السماء من هول الكارثة :( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) .

ثمّ تنتقل إلى ما سيصيب الكواكب ونظامها :( وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ) .

فسينهدم العالم العلوي ، وستحدث الإنفجارات العظيمة المهيبة في كلّ النجوم السماوية ، وسيتخلخل نظام المنظومات الشمسية ، فتخرج النجوم من مساراتها لتصطدم الواحدة بالأخرى وتتلاشى فينتهي عمر العالم ، ويتناثر كلّ شيء ليبنى على أنقاضه عالم جديد آخر.

«انفطرت» : من (الإنفطار) ، بمعنى الإنشقاق ، وقد ورد التعبير في آيات اخرى كالآية الاولى من سورة الإنشقاق :( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) ، والآية (١٨) من

٤٧٧

سورة المزمل :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ) .

«انتثرت» : من (النثر) على وزن (نصر) ، بمعنى نشر الشيء وتفريقه ، و «الانتثار» : هو الانتشار والتفرق. وباعتبار أنّ انتشار النجوم يؤدّي إلى تفرقها في السماء (كحبات العقد المنفرط) فقد فسّرها الكثير من المفسّرين بـ (سقوط النجوم) ، وهو من لوازم معنى الانتثار.

«الكواكب» : جمع (كوكب) ، وله معان كثيرة ، منها : النجوم بشكل عام ، والزهرة بشكل خاص ، النبت إذا طال ، البياض الذي يظهر في سواد العين ، لمعان الحديد : بريقه وتوقده و «غلام كوكب» : ممتلئ إذا ترعرع وحسن وجهه ، وكوكب كلّ شيء : معظمه ، مثل كوكب الشعب وكوكب السماء وكوكب الشمس.

والكوكب أيضا : الماء ، السيف ، سيد القوم إلخ.

وعلى ما يبدو أنّ المعنى الحقيقي هو (النجم المتلألئ) ، وما دون ذلك معان مجازية استعملت لعلاقة المشابهة.

ولكن ، ما هي العوامل التي ستؤدي بالكواكب إلى التناثر والتفرق في الفضاء مع فقدانها لنظامها الذي يحكمها؟

هل بسبب فقدان التعادل الموجود في الجاذبية فيما بينها؟ أم ثمّة قوّة هائلة ستفعل ذلك؟ أم بسبب التوسع المستمر الحاصل في العالم ـ كما يقول ذلك العلم الحديث؟

لا يستطيع أيّ أحد أن يتكهن السبب بدّقة وكلّ ما نعلمه أنّ هذه الأمور تهدف إلى تعريف الإنسان بما سيحدث بالمستقبل الآت ، وتدعوه لخلاص نفسه من أهوالها ، وهو الكائن الضعيف وسط تلك الحوادث الجسام؟!

فالآيات تحذر الإنسان من أن يتخذ العالم الفاني هدفا لوجوده ، فيتصوره محل خلوده ، لأنّ ذلك سيؤول إلى تلوث قلب الإنسان (شاء أم أبى) ، وما ينتج عن التلوث سوى الذنوب المؤدّية إلى عذاب الجحيم

٤٧٨

وينتقل البيان القرآني من السماء إلى الأرض ، فيقول :( وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ) أي اتصلت.

مع أنّ البحار متصلة فيما بينها قبل حلول ذلك اليوم (ما عدا البحيرات) ، لكنّ اتصالها سيكون بشكل آخر ، حيث ستفيض جميعها وتتمزق حدودها وتصير بحرا واحدا لتشمل كلّ الأرض ، بسبب الزلازل المرعبة وتحطم الجبال وسقوطها في البحار هذا أحد تفاسير الآية السادسة من سورة التكوير (الآنفة الذكر)( وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) .

وثمّة احتمال آخر بخصوص الآية المبحوثة والآية (٦) من سورة التكوير ، يقول : يراد بـ «فجّرت» و «سجّرت» الإنفجار والاحتراق ، لأنّ مياه البحار والمحيطات ستتحول إلى قطعة من نار لأهب.

وكما أشرنا سابقا ، فالماء يتكون من عنصرين شديدي الاشتعال (الأوكسجين والهيدروجين) فلو تحلل الماء إلى عنصريه فسيكفيه شرارة صغيرة لجعله قطعة ملتهبة من النيران.

وتتناول الآية التالية عرضا لمرحلة القيامة الثانية ، مرحلة تجديد الحياة وإحياء الموتى ، فتقول :( إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) واخرج الموتى للحساب.

«بعثرت» : قلب ترابها وأثير ما فيها.

واحتمل (الراغب) في مفرداته : إنّ «بعثرت» تكونت من كلمتين ، (بعث) و (أثيرت) ، فجاء المعنى منهما ، كقولنا : «بسملة» من «بسم» ولفظ الجلالة «الله».

وعلى آيّة حال ، فإننا نرى شبيه هذا المعنى قد ورد في سورة الزلزال :( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) أي الأموات (بناء على المشهور من تفاسيرها) ، وفي الآيتين (١٣ و١٤) من سورة النّازعات :( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) .

وتوضح الآيات إنّ إحياء الموتى وإخراجهم من القبور سيكون مفاجئا وسريعا.

٤٧٩

وبعد ذكر كلّ تلك العلائم لما قبل البعث ولما بعده ، تأتي النتيجة القاطعة :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) .

نعم ، فستتجلى حقائق الوجود : وسيصير كلّ شيء بارز إنّه «يوم البروز» وسيرى الإنسان كلّ أعماله محضرة بخيرها وشرّها ، لأنّه يوم إزالة الحجب ، ورفع مبررات الغرور والغفلة ، وعندها سيعلم الإنسان ما قدّم لآخرته ، وما ترك بعده من آثار حسنها وسيئها ، مثل : الصدقة الجارية ، فعل الخير ، عمارة الأبنية ، الكتب التي ألفها ، ما سنّ من السنن فإن كان ما خلّفه خالصا لله فسينال حسناته ، وإن كانت نيّة أفعاله غير خالصة لله فستصل إليه سيئات تبعاته.

وهذه نماذج من الأعمال التي ستصل نتائجها إلى الإنسان بعد الموت ، وهو : المراد من «وأخّرت».

صحيح أنّ الإنسان يعلم بما عمل في دنياه بصورة إجمالية ، لكنّ حبّ الذات والإشتغال بالشهوات والنسيان غالبا ما ينسيه ما قدّمت يداه ، فيتغافل عن النظر إلى ما بدّ منه ، أمّا في ذلك اليوم الذي سيتحول ويتغير فيه كلّ شيء حتى روح الإنسان فسيلتفت إلى ما قام به من عمل بكلّ دقّة وتفصيل ، كما تشير إلى ذلك الآية (٣٠) من سورة آل عمران :( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ) ، فكلّ سيرى كلّ أعماله حاضرة مجسمة أمام عينه.

وقيل : «ما قدّمت» ، إشارة إلى أعمال أوّل عمر الإنسان ، و «أخّرت» ، إشارة إلى أعمال آخر عمره.

ويبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب من جميع الجهات.

ويراد بـ «نفس» الواردة بالآية ، كلّ نفس إنسانية.

* * *

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554