حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه14%

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 554

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174429 / تحميل: 5856
الحجم الحجم الحجم
حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والتصديق هما قسما العلم، وكلاهما يعرَّفان بحصول الصورة لدى العقل، والفَرق بينهما أن التصور لا يوجب الإذعان والحكم، بينما التصديق يوجب حصول الإذعان والحكم؛ ولذا فالحكم خارج عن التصديق وليس هو جزء القضية، وإنما هو فعل تقوم به النفس، فبعد تصور الموضوع والمحمول والنسبة، تصل إلى الحكم، وهو الدمج بين الموضوع والمحمول، وهذه وظيفة العقل العملي الذي يقوم بالحكم والإذعان بما أدركه وتصوَّره العقل النظري، وهذا فعل غير الإدراك، تقوم به قوة غير القوة التي وظيفتها الإدراك.

ومن هنا نقول: إن العقل له أمر ونهي تكويني؛ أي بعث وزجر للقوى الأخرى الكُلِّية.

* بناء على هذا التفكيك بين القوتين تتَّضح لنا حقيقة العقل النظري؛ فهو يدرك نمطين من القضايا، أحدهما: لا يرتبط بالعمل كالقول بان الوجود المادي متناهي، والأخرى: ترتبط بالعمل، وهذا القسم من الإدراكات يتناوله العقل العملي بعدئذ ويؤثِّر على القوى المادُون لتنصاع إليها، فهو الرابط بين العقل النظري والقوى السفلية، وكمال العقل العملي هو الانصياع إلى إدراكات العقل النظري الصادقة.

* بالبيان السابق اتضحت النقاط التي كنا أثرناها في مقدِّمة الفصل الأوَّل؛ من أن معنى الإيمان والتسليم هو الإذعان، وهو وظيفة العقل العملي، وأنه ليس إدراكاً صرفا، فهناك ثلاث مراحل: فحص، و إدراك، وإذعان وإيمان.

* قال العرفاء: إن الإنسان في حالة صعود وهبوط دائمين. ومقصودهم من ذلك: أن الإنسان في حركاته اليومية وطريقة تفكيره ينتقل في درجات وجودية مختلفة أدناها هي المتصلة بعالم المادة وأعلاها هي المجرَّدة تجرُّداً تامَّا، فيبدأ من الدرجات الحسية، وهي المجردة عن المادة - دون أحكام المادة - إلى الخيال، وهي مجردة عن المادة - لا عن المقدار - ولا ترتبط بالجزئي الحقيقي كالحسي، إلى الوهم،

٦١

وهو إدراك المعاني الخالية عن المقدار كالحب والبغض، وهي مع تجرُّدها عن المادة وأحكامها إلاّ أنها متعلِّقة ومضافة إلى جزئي معين؛ إلى العقل ذي التجرُّد التامِّ عن المادة وأحكامه، وهذه كلها درجات وجودية في الإنسان.

والإنسان المهذَّب والكامل في صَلاته يتوجَّه بقلبه إلى ما فوق عالم العقل؛ حيث الصقع الربوبي والرؤية القلبية، وإلى هذا نمط من الإدراك، لكنَّه ليس بالقوة العاقلة، ويطلق عليه: الإدراك القلبي؛ وهو ذو درجات أربع: سر، وخفي، وأخفى، وهي ليست من سنخ الإدراكات الحصولية، بل إدراكات حضورية، وهذا استدراك لتوضيح درجات الإنسان الوجودية ومعرفة النفس البشرية، وسوف يأتي مزيد بيان للعلاقة والارتباط بين هذه المراتب.

* من النقاط السابقة يتَّضح لنا تعريفاً آخر للعقل العملي؛ وذلك لأننا قلنا: إن مهمته الأساسية هي الإذعان والحكم، وهذا قد يكون بقضايا ترتبط بالعمل، وحينئذٍ يترتَّب على الحكم والإذعان بها تأثُّر القوى السفلية، وقد يكون بالحكم والإذعان بقضايا لا ترتبط بالعمل كحدوث العالم وعدم تناهيه.

٦٢

التنبيه الأوَّل:

الحسن والقبح العقليَّان

هذه المسألة من أمهات مسائل علم الفلسفة وعلم الكلام والتي جرى البحث عنها منذ القدم في بداية عهد الفلسفة الإسلامية وقبلها الفلسفات الهندية الفهلوية واليونانية. وقد ذهب الأشاعرة إلى كونهما اعتباريين بجعل العقلاء، وأيَّدهم في ذلك بعض الإمامية وذهب كثير منهم إلى القول بعقليَّـتهما وتكوينيَّـتهما. ويبتني على هذه المسألة ثمرات عدَّة؛ إذ أن أغلب البراهين تعود إلى حسن العدل وقبح الظلم، فإذا كان الحسن والقبح اعتباريين، فإن الاستدلالات سوف تكون خطابية لا برهانية. وتظهر خطورة المسألة أكثر حيث يذهب كثير من المتأخرين إلى اعتبارها من المشهورات التي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء، وينتج عن ذلك اختلال البنية التحتية للشريعة؛ وذلك لأن المتكلمين يقولون: إن الأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية؛ أي أن العقل لو علم بمِلاكات الأحكام الشرعية، لحكم بها، فهي موضوعات لطف في الكمال يحكم بها العقل لو اطلع عليها. فإذا كانت البنية التحتية للشريعة هي الأحكام العقلية، وهي مسألة الحسن والقبح، وهي مسألة اعتبارية بيد المعتبر وتتَّبع نظره، فينتج من ذلك تغيير الأحكام تبَعاً لتغيير الأفكار، وهو ما يُعرف حديثا بنظرية: تغيُّر المعرفة الدينية أو بسط وقبض الشريعة، فلا

٦٣

تتَّصف الشريعة حينئذ بالثبات، ولكن بحمد للَّه ومنّه هذا الإشكال وغيره مدفوع حتّى على القول باعتبارية الحسن والقبح كما سوف يأتي بيانه.

من الناحية التاريخية المسألة مرَّت بمراحل متعدِّدة:

1 - إن الفلاسفة القدمى قبل الإسلام، سواء في الهندية أم البهلوية أم الحرانية أم اليونانية، كلُّهم قائلون بعقلية المسألة، وممَّن أشار إلى عقليَّـتهما من المسلمين الفارابي في كتابه المنطقيات.

2 - إن ابن سينا الذي قام بمهمة ترجمة كتب القدماء عدل عن هذا الرأي ولم يبيِّن عدوله ولم يشر إليه، وهكذا أثَّر في مَن أتى مِن بعده؛ حيث تعاملوا مع كتبه على أنها ترجمة أمينة لكتب القوم. وقد تأثَّر هو في ذلك بما ذكره أبو الحسن الأشعري في التفكيك بين معاني الحسن والقبح.

وابن سينا تتضارب كلماته، فهو في منطق الشفاء والإشارات يمثِّل للمشهورات بالحسن والقبح؛ وهي الآراء المحمودة التي تطابقت عليها آراء العقلاء، وفي مقام أخر في النمط الثالث من الإشارات يقول: (إن أحكام العقل العملي تستعين بالنظري وقضاياه، إما أوَّليَّات أو مشهورات)، وكذلك عبارات أخرى كما في إلهيات الشفاء في مسألة استجابة الدعاء يذكر فيها: أن قضايا الحسن والقبح قضايا حقَّة يمكن إقامة البرهان عليها.

3 - بعض المتأخرين كالمحقق اللاّهيجي في كتابة (گوهر مراد)، والسبزواري في (شرح الأسماء الحسنى)، ذهب إلى أنها تكوينية ولا ينافي كونها مشهورة من جهة أخرى.

4 - المحقَّق الأصفهاني ومَن بعده ذهب إلى أنها اعتبارية مطلقاً ولا يمكن إقامة البرهان عليها، وهذا هو المذهب السائد إلى الآن.

٦٤

من خلال هذا السبر التاريخي نلاحظ كيف تحوَّلت هذه القضية من عقلية تكوينية إلى اعتبارية جعْلية.

أمَّا الأسباب التي دعت ابن سينا إلى القول بالاعتبارية:

1 - المغالطة التي ذكرها أبو الحسن الأشعري بالتفكيك بين معاني الحسن والقبح وجعل بعض المعاني تكوينية، أمّا معنى المدح والذم، فليس كذلك؛ وذلك لأنه لو كان بديهيا لأذعن به الجميع، فمن ثَمّ أدرجه في المشهورات. ولم يكن هو أول من ذكر هذه المغالطة، بل أن السوفسطائيين اليونانيين معاصرو سقراط قالوا بهذه المقالة وردهم سقراط في مؤلَّفاته.

2 - تعريفه للعقل العملي؛ حيث إنه قد عرَّفه بتعريف هو عين العقل النظري والاختلاف بينهما في المُدرَك، وأن العقل، مطلقاً، شأنه الإدراك، وليس من شأنه التأثير والانفعال، فكيف يمكن تصوّر أنَّ العقل له تدخُّل في أعمال الأفعال النفسانية! بل العمليات ليست إلاّ تأديبات وعادات، وهذا المبنى على خلاف مبنى الفلاسفة المتقدِّمين كالفاربي وتقسيمهم الحكمة إلى نظرية وعملية.

3 - غضَّ ابن سينا النظر عن أحد قسمي البرهان الذين ذكرهما أرسطو، وهو البرهان العياني أو الشهودي، ويمتاز هذا البرهان بأنه يقام على إثبات الجزئيات الحقيقية، واكتفى بالقسم الأول المعروف في باب البرهان، وهو مختص بالكليَّات؛ لذا يشترط فيه الأبدية وعدم التغيير.

ولا بأس بذكر نبذة عن هذا البرهان:

هناك قوة في الإنسان تسمَّى: قوَّة الفطنة، وهذه قوة تُرَوِّي أعمال الإنسان وتُراعي صدور الإرادة على طبق الحكمة، فهي قوة تكون محيطة بأحوال الأمور الواقعية الجزئية فتوجب انطباق الكليات على الجزئيات والوصول إلى الكمال المنشود.

٦٥

توضيح ذلك:

أن إدراك القضايا، حتّى العملية، لا يكفي للوصول إلى الكمال، وإنما هذا هو كمال لقوة خاصة وهي العقل النظري، وكمال العقل العملي والقوى السفلى يكون بالانصياع إلى القوة العملية، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل يجب أن تكون هناك آلة وأداة تميِّز حال الجزئيات الحقيقية، لا سيما في الأمور الاجتماعية. وعدم إدراك الواقع الجزئي على ما هو عليه يؤثِّر في عدم الوصول للكمال المنشود؛ لأن تنزُّل القضايا الكلية إلى الجزئية لا يتمُّ إلاّ بأداة قادرة على استكشاف حال الجزئي على ما هو عليه وتطبيق الكلي عليه، فيكون تسلسل الادراكات بالنحو التالي:

* - مرحلة إدراك الكمال في الأعمال والبرهان عليها، وهذا يقوم به العقل النظري.

* - ثُم مرحلة الإذعان في العقل العملي والتأثير على القوى السفلى.

* - ثُم مرحلة تشخيص الأمور الجزئية بالدقة وتطبيق تلك الكليات عليها.

وشبيه هذا التسديد عند التنزُّل من الأعلى إلى الأسفل قوله تعالى: ( بِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبالْحَقِّ نَزَلَ ) فهو إشارة إلى السداد والعصمة في مراحل التنزيل؛ حيث كونه حقَّاً لوحده لا يكفي، بل يجب أن يكون السداد في النزول، وفي النفس الإنسانية الإدراك والإذعان وحده غير كافٍ، بل يجب أن يحصل التسديد في التنفيذ على الأمور الخارجية الجزئية، وهذا لا يكون إلاّ بقوة الفطنة، وهي قوة فوق القوى المادون (الغضبية والعمّالة والشهوية)، فهي تستخدم هذه القوى للوصول إلى الجزئي الحقيقي المندرج تحت الأجناس العالية، فتصدر بعد ذلك أوامرها في عالم النفس لتولِّد الشوق والإرادة وصدور الفعل بعد ذلك.

وقوة الفطنة هي التي تقوم بالبرهان العياني الذي يحتاجه الإنسان في تطبيق الكليات على الجزئيات، والكمال في الواقعة الجزئية مبتنٍ على هذا البرهان.

فتلخص الفارق بين البرهان العياني والبرهان النظري:

٦٦

1 - إن البرهان النظري هو مختص بالكليات، والعياني للجزئيات.

2 - إن النظري يتوسَّط العقل النظري والعملي، أمّا العياني، فيتوسَّط العقل النظري والعملي والفطنة.

أمَّا كيف أدَّت الغفلة عن هذا القسم من البرهان إلى إنكار الحسن والقبح العقلي، فبيانه:

إنه لو أذعنَّا بلزوم كون الأعمال برهانية، فلا بدَّ من القول بارتكاز الجزئيات على أنها قضايا برهانية، والذي يمكنه البرهنة على أن الجزيئات حسنة وحكيمة إمّا الحسن والقبح وإمّا التشريع؛ أي أنّ إدراك حسن وكمال الأفعال الجزئية يكون بأحد هذين، والأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية.

وبتعبير أخر: أن البرهان العياني يبرهن على أن العمل الجزئي على وفق الحكمة والكمال، ولا يمكن البرهنة على كل واقعة جزئية إلاّ بتوسط استناد البرهان إلى قضايا يقينية، لا قضايا مشهورة لا أساس لها إلاّ الاعتبار، فحينئذ يحصل الالتفات إلى أن قضايا العقل العملي والحسن والقبح تكوينية لا مشهورة.

ـ وحينئذٍ نقول: إن التوحيد النظري وحده - من دون تنزُّله إلى توحيد عملي - هو توحيد أجوف، ولا يحصل هذا التنزُّل من التوحيد النظري إلى التوحيد في الطاعة إلاّ بالبرهان العياني وقوة الفطنة.

ومن هنا أن التوحيد والاعتقاد بالنبوة من دون الولاية لا يُقبل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) وسيأتي بسط الكلام فيه.

فهذه الأمور الثلاثة هي التي سبَّبت الخلط الحاصل لدى ابن سينا، وعليه ابتنى اشتباه المتأخرين.

بعد اتضاح هذا الخلط التاريخي في مسألة القبح والحسن، نعرض للأدلة التي أُقيمت على اعتباريَّتهما ومناقشتها، ثُم نعرض إلى الأدلة التي ذكرها صدر

٦٧

المتألهين.

أدلَّة اعتبارية الحسن والقبح:

1 - اختلاف العقلاء في تحسين بعض الأمور وتقبيحها باختلاف الأزمنة والأمكنة، فهذا يعني عدم وجود واقع تكويني ثابت؛ بحيث يبقى الشي‏ء حسناً دائماً أو قبيحاً دائما.

2 - نفس وقوع التشاجر بين العلماء حول اعتباريتهما أو عقليَّتهما.

3 - يذكرون في إثبات النفس: أن الإنسان لو خلق من دون أعضاء أصلا، فإنه سوف يدرك ذاته، وهذا يدل على مغايرة الذات للبدن، وهكذا فيما نحن فيه، فلو خُلق الإنسان وحيداً في هذا العالم ولم يؤدَّب على العادات الحسنة ولم يلاقِ أيَّ إنسان آخر، فإنه سوف لن يحكم بحسن العدل وقبح الظلم، فهذا يدل على أنهما ليسا تكوينين، بل هما أمران جعليَّان.

4 - إن العقلاء إنما يحكمون بهذا الحكم من أجل مصلحة اجتماعهم ونظامهم، فلو انعدم الاجتماع والنظام، لَمَا حكم العقلاء بذلك وبعبارة أخرى: أنّ هذه الأحكام للوصول لإغراض أخرى بواسطة هذا الاعتبار.

5 - ما ذكره المحقِّق الأصفهاني: أن الفعل المقتضي للمدح والذم على أحد نحوين، إمّا بنحو اقتضاء السبب لمسبَّبه والمقتضي لمقتضاه، وإمّا بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية.

أما السببية والمسبَّبية، فهي تكوينية، لكنَّها ليست ناشئة عن النزعة العقلية وقوى الإنسان العقلية؛ بل هي ناشئة بدواع حيوانية كالانتقام والتشفِّي والغيظ. أما الغاية وذي الغاية، فإنها إذا ثبتت، فهي تعني وتدل على الاعتبارية؛ لأن الغاية لهيئة الاجتماع الاعتبارية، والمدح والذم،موجب لِمَا فيه صلاح العامة، فهو اعتباري محض.

٦٨

6 - ما ذكره ابن سينا والأصفهاني: أن الحسن والقبح لو كانا عقليين تكوينيين، لَمَا خرجا عن إحدى البديهيات الست وهما ليسا بواحدة منها، فيبطل كونها من البديهيَّات.

7 - إن المدح والذم يعدُّه العقلاء من الإنشائيات، والإنشاء من سنخ الاعتباريات.

8 - ما ذكره الشهيد الصدر: أن تعريف العدل هو إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، والظلم هو منع الحق، والحق أمر اعتباري قانوني، فكذلك العدل والظلم. ومن هذا القبيل ما ذكره العلامة الطباطبائي من عروض الحسن والقبح على الأمور الاعتبارية كالتوقير والاحترام.

و هذه الأدلة كلها مردودة. و قبل أن نستعرضها نتعرض لِمَا ذكره الأشعري بالتفكيك بين معاني الحسن والقبح، و هو كما ذكرنا أحد الأسباب التي أدَّت إلى مغالطة ابن سينا.

* إننا يجب أن نلاحظ الحد الماهوي للمدح و الذم؛ فالمدح هو القضية المتكفِّلة لحمل كمال معين على موضوع معين، والذم بخلافه. وعليه يُعلم أنه يجب أن يكون الممدوح آتٍ بكمالٍ، فيكون المدح هو التوصيف بالكمال، والذم هو التوصيف بالنقص، ولا يمكن أن يُمدح بغير كمال أو يذم بغير نقص؛ فيجب أن يكون هناك واقع يطابقه المدح والذم.

وبتعبير أخر: إن وظيفة المدح هو الحكاية الحقيقية عن الكمال، أي المحمول الذهني الحاكي عن الكمال الحقيقي الخارجي، والذم كذلك، فالارتباط بينهما هو الارتباط بين الحاكي والمحكي عنهما، وهما متَّحدان هويةً ومختلفان وجودا، فالكمال الحقيقي وجود خارجي، والمدح وجود ذهني. وحكاية وجود عن وجود أمر متسالم عليه، وأكمل صورة هو حكاية

٦٩

الموجودات عن وجود الخالق؛ إذ أنها آيات عظمته وقدرته، وكلَّما كان الوجود أكمل، فحكايته عن الوجود الإلهي أعظم وأتم. وقد قال عليه‌السلام : (ما للَّه آية أكبر منّي) باعتبار أن الكمالات التي وصل إليها عليه‌السلام ( بغير وجوده البدني) حاكية عن وجود الحق أكثر من حكاية السماوات والأرضين. فالوجود الخارجي يكون حاكياً عن وجود خارجي آخر أكمل وأتم من الأول. فالحكاية ليست مقتصرة على الوجود الذهني، بل إن الأفعال القبيحة الصادرة من الفاعل البشري المختار حاكية عن الهيئات الرديئة في النفس.

* ثُم إنه لا مضايقة في أن يخلق الإنسان وجودات اعتبارية للأمور الخارجية العينية؛ وذلك لغرض الاحتياج إلى هذا الاعتبار من أجل الاجتماع والتفاهم، وهذا الوجود الاعتباري لا يلغي الوجود التكويني الخارجي العيني، ومثاله الواضح: الوجود اللفظي والوجود الكتبي، فهما وجوادن اعتباريان دعت إليهما الحاجة، وهذان الوجودان الاعتباريان يكونان حاكيين عن الوجود العيني الخارجي. وقد تدعو الحاجة إلى اعتبار وجودات أخرى حاكية عن الوجود الغيبي.

وهكذا نستطيع ملاحظة الهجاء الوارد في القرآن، فهو وإن كان إنشائياً، لكنَّه حاكٍ عن أمور تكوينية وواقع خارجي، وإنما أظهره القرآن بإنشاء الهجاء؛ لإعلام الآخرين بما حصل في الأقوام الآخرين.

* ثُم إن الشجار في الأمر البديهي لا يؤدِّي إلى عدم البداهة؛ نوضح ذلك من خلال علم المنطق: إنه قد تعتري الإنسان أسباب تؤدِّي إلى إنكار البديهة كالمغالطة والشبهة في قبال البديهة، وهذا الإنكار لا يؤدِّي إلى إنكار بديهية القضية.

وقد يكون الإنكار في بعض الأحيان نتيجة حالة مرضية تصيب القوة العاقلة؛ حيث لا ينصاع العقل العملي لمدرَكات العقل النظري، فيصاب بحالة التشكيك الدائم كما وقع للرازي. فهذا كلُّه لا يؤدِّي إلى عدم بداهة القضية.

٧٠

هذا كلُّه جواب إجمالي عن أدلة اعتبارية الحسن والقبح، أمَّا الجواب التفصيلي:

1 - إن اختلاف العقلاء في التحسين والتقبيح حسب اختلاف الأزمنة والأمكنة إما أن يكون ناشئاً من اختلاف التشخيص؛ أي عدم إصابة الكمال الواقعي والنقص الواقعي، وذلك لاختلاف الافهام والعقول، وإما أن يكون ناشئاً من اختلاف الظروف البيئية المختلفة كالاختلاف بين الأماكن الباردة والحارة، فإنه في الأولى يقبح لبس الملابس الخفيفة بخلاف الثانية.

2 - أمّا وقوع التشاجر والخلاف بين العلماء، فيُعلم جوابه مما مر.

3 - أمّا ما ذكروه من أن الإنسان لو خُلق وحيداً أو لم يؤدب، لَمَا حَكم بحسن أو قبح، فإن هذا كالمصادرة على المطلوب، بل إن العقل يحكم بحسن العدل وقبح الظلم ولو لم يكن هناك اجتماع أو لم يؤدب، فإن الظلم - كما سوف نبيِّن - هو ممانعة شخص لكمال آخر، فلو عرِف العقل بذلك التعريف وفكّر به، فإنه سوف يحكم لا محالة بقبحه.

وابن سينا نفسه وقع في التناقض؛ حيث قال في إلهيات الشفاء في مسألة استحابة الدعاء والتضرُّع والتوسُّل: إن أكثر ما في أيدي الناس من الحسن والقبح حقٌّ يقام عليه البرهان.

4 - أمّا ما ذكره المحقق الأصفهاني؛ من أن سببية الفعل للمدح والذم تكون من مناشئ حيوانية، فهو غير تام؛ وذلك لأن للعقل ملائمات ومنافرات، وبالتالي يمكن أن يكون المنشأ هو داعٍ عقلي محض، ويكون العقل سبباً للمدح والذم، وهذا واضح في الكُمّلين من البشر، حيث نلاحظ أن انفعالاتهم ومدحهم وذمهم ليس ناشئاً من دواع حيوانية؛ وذلك لأن قواهم كلّها منصاعة تماماً للقوى العقلية، فتكون كل تصرفاتهم منبعثة عن العقل، فعندما يذمُّون ظالماً - مثلاً - لا يكون الذم بداعي

٧١

الغريزة الحيوانية. ويمكن أن يكون تعبير القرآن عن موسى: ( وَلَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسى الغَضَبُ ) إشارة إلى

ذلك؛ إذ أن النطق والسكوت من خصائص الإنسان، بخلاف الحركة والسكون العامة لمطلق الحيوان، فقد استخدم تعبير السكوت للدلالة على أن غضبه لم يكن ناشئاً من القوى الحيوانية، بل من القوى العاقلة؛ وسرُّه هو ما ذكرناه.

وهذا التحليل هو الذي يفسِّر لنا كيف أن الإنسان الكامل يكون رضاه رضا اللَّه وغضبه غضب اللَّه؛ لأن قواه كلها منصاعة لقواه العقلية التي هي معصومة في ما تتلقَّاه من مدرَكات عن العوالم العلْوية من مشيئة اللَّه.

ومن الجهة الأخرى؛ أي عندما نُخبَر بأن رضا اللَّه في رضا فاطمة (إن اللَّه يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها) فإن هذا يعني عصمتها؛ لأن هذا يعني سلامة النفس والانقياد إلى القوة العاقلة التي هي في اختيار مشيئة اللَّه، والتعبير المزبور إنما يُطلق ويصدق عندما يكون العبد تمام مظهر الطاعة والتبعية لربِّه.

5 - أمّا إشكال الشهيد الصدر، فجوابه بمخالفته لتعريف الظلم والعدل، فإن التعريف الصحيح للعدل هو: وصول كل موجود إلى كماله المطلوب من دون إعاقة وممانعة موجود آخر. والظلم هو: ممانعة موجود من وصول موجود آخر لكماله. فالعدالة الاجتماعية - مثلاً - هي: وصول كل أفراد المجتمع في حسن نظام المجتمع إلى كمالاته الممكنة من دون إعاقة الأفراد الآخرين، أما عندما تصل طبقة لكمالها على حساب طبقة أخرى، فإنه يكون من الظلم الاجتماعي. والتشريع إنما يكون عادلاً؛ لأنه يكون كاشفاً عن الكمالات المخبوءة في الأفعال والتي بها يصل الإنسان لكمالاته.

فالعدل كمال والظلم نقص، فيكون توصيف العدل والظلم بالحسن والقبح تكوينياً لا اعتباريا.

٧٢

أما الاحترام والتعظيم، فنفس الاحترام والتعظيم ليس بشي‏ء، بل المهم هو الداعي للاحترام والداعي للتعظيم؛ لِمَا فيه من ترويض النفس، وهو في الواقع تقديس واحترام للكمال المخبوء في ذلك الشخص، فالتقديس ليس للبدن، بل للصفات العالية، ومن هنا نقول: إن التقديس إذا كان للحقائق والكمالات، فهو دعوة نحوهما وسير حثيث اتجاههما.

وبهذا يختلف عن تقديس الأباطيل والخرافات، فهذه قدسية باطلة. وبتعبير آخر، يمكن القول: إن القدسية والتقديس هو خضوع قوى الإنسان السفلى إلى قواه العقلية العملية، فإذا كانت تلك القوى العملية مصابة بحالة مرضية وتنصاع للأباطيل، فتكون قدسية مذمومة. أمّا لو كانت القوة العملية منصاعة للكمالات العالية والتي بها تكبح جماح القوى المادون، فإنها قدسية محمودة.

6 - أمّا ما ذكر من أن المدح والذم من الإنشائيات، فقد ذكرنا أن الإنشاء لا يصدر إلاّ من داعي، وهذا الداعي أمر تكويني؛ فالهجاء هو إظهار للنقص التكويني، والمدح إبراز للكمال الخارجي الحقيقي، والبلاغيُّون قد أذعنوا بأن أقسام الإنشاء هي عناوين لماهيَّات الدواعي.

فتبيَّن من كل ما سبق: أن الحسن والقبح أمران تكوينيان واقعيان، وليسا اعتباريين كما ذهب إليه جلّ المتأخرين.

أدلَّة واقعية الحسن والقبح:

ونلفت أخيراً إلى براهين أقامها صدر المتألهين تثبت تكوينية الحسن والقبح؛ ذكرها بعد أن كان قد أنكر واقعيتهما عندما تعرض لهما ابتداءً، وهذا يلفت إلى الخلط والتردد الحاصل لدى مَن أتى بعد ابن سينا، بسبب الاضطراب الحاصل في كلماته.

والبراهين التي ذكرها للدلالة على واقعية الحسن والقبح ثلاثة:

٧٣

1 - العناية الإلهية:

أي أن للحق تعالى عناية بخلقه. والقاعدة الفلسفية المثبَتة هنا هي: أن علمه بالنظام الأتم والأكمل ورضاه به لهذا النظام. توضيح ذلك:

أن الباري يكون على أكمل وأشرف وأعلى ما يمكن أن يكون في مقام ذاته، فالصادر من الحق يكون كذلك؛ حيث أن آيات ومخلوقات اللَّه تدل على صفة الكمال في الباري، والنظام الذاتي يكون علة للنظام الخلقي، وإفاضة الكمال على ما دون هو من العناية.

وهكذا يستفيد الملا صدرا أنّ علم الباري هو منشأ إفاضة الكمالات للمخلوقات، وصفة العناية هذه هي التي تفيض ما يعرف بالنظام الأحسن والأكمل، حيث يكون كل عالم من العوالم بنحو يؤدي إلى تحقيق الكمالات الوجودية بنحو أكثر وأرفع، فعناية الحق توصل تلك الموجودات الفاعلة بالإرادة إلى أكمل ما يمكن أن تكون عليه، ومن هنا يستدل على ضرورة التشريع والتقنين الإلهي؛ حيث إنه يرشد الفاعل الإرادي إلى طريق هذا الكمال.

ومؤدّى هذه القاعدة (العناية) يمكن أن يستبدل بقاعدة اللطف المعروفة إلاّ أن الأولى الحاكم بها هو العقل النظري، والثانية الحاكم بها هو العقل العملي.

ونعود فنقول: إن الأفعال يجب أن تؤدي إلى الكمال المطلوب، وهذا يقتضي أن يكون لهذه الأفعال في الواقع كمال مُعين (العلم تابع للمعلوم الذاتي) وهو النظام الكمالي الذاتي، فالعلم (فعله الصادر) يتحدَّد طبقاً للكمال الذي في المعلوم، وهذا يعني أن في الأفعال الإرادية، في حد نفسها، كمال ونقص، وأن الخير والشر نابع من واقع الفعل الإرادي، وأن الحكم التشريعي الإلهي على طبق ما في الأفعال من خير وشر، فهو كاشف عمّا هي عليه في الواقع، لا كما يقوله الأشعري: إن واقع الفعل تابع لنمط التشريع، ولا هوية له في نفسه. أو لك أن تقول ما قدَّمناه؛ من أن حقيقة المدح: الإخبار عن الكمال. والذم: الإخبار عن النقص، فللأفعال الإرادية في نفسها مدح وذم؛ أي حسن وقبح.

٧٤

2 - تجسُّم الإعمال:

وهي قاعدة مهمة نقَّحها بوضوح فائق فلاسفة الإمامية مسترشدين بالروايات الواردة في ذلك؛ ومؤداها: أن تكرار الفعل يولِّد ملكات إما حسنة نورانية أو ملكات رديئة، وكلّما ازدادت، ترسَّخت في النفس أكثر حتّى تصبح جوهرية. من هنا قالوا: إن الإنسان ليس هو النوع الأخير، بل يتلبَّس بعد الصورة الإنسانية بصورة وفعل إما ملكي أو شيطاني أو بهيمي أو سبعي. وهكذا - وفي كل نوع - هناك شعب أخرى. بيان ذلك:

إن الإنسان في سعيه نحو الكمال إنما يبتغي أن يحصل على ما له ثبات، والكمال العرضي يكون في معرض الزوال، فيعود حاله إلى ما كان عليه قبل تحصيله. فهو يسعى لأن يحصل على كمال ذاتي يكون بنحو جوهري لا أن يكون معرَّضاً للزوال، وبهذا يتكامل ويصعد في سُلّم الكمالات ويثبت عند كل درجة، ويحصل هذا التغيير الجوهري عن طريق الأفعال المؤدية للكمال؛ حيث يُحدث الفعل - عند تكراره والمواظبة عليه - حالات في النفس تنتقل إلى هيئات، ثُم تتنقل إلى ملكات، فتشتد حتّى تصل وتصبح فصولاً جوهرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن البدن يكون بشكل يتناسب مع القوة التي يتملَّكها الإنسان وغيره، فمثلاً في الذئب الهيئة الجسمانية لها تناسب مع القوة التي يمتلكها، ودلَّت الروايات على أن الأجسام الأخروية هيئتها تابعة للفصول الجوهرية التي يتكامل بها الإنسان أو يتناقص.

أمّا تطبيق القاعدة على ما نحن فيه، فهو أن موارد الحكم بالحسن هي نفسها في موارد الفضائل والكمالات، حيث يتبين أنها توجب تجسُّم تلك الأعمال بصورة نورانية، وموارد الحكم بالقبح هي نفسها موارد النقص التي تتجسَّم بصور رديئة ظلمانية، فيظهر من ذلك أن الحكم بالحسن والقبح ليس اعتبارياً، بل أمراً عقلياً له من مناشئ تكوينية.

٧٥

3 - قاعدة الغاية:

وهذه قاعدة تُبحث في أبحاث العلل، وهي تعني وجود ارتباط بين صدور الفعل وغايته؛ بمعنى أن تصور النتيجة المترتبة على الفعل القصدي تكون دافعاً لرغبته للقيام بذلك الفعل، فهناك ارتباط بين الوجود العلمي للغاية وفاعلية الفاعل، وهناك ارتباط بين الوجود الخارجي للفعل والتوصل للغاية، فالوجود العلمي هو في سلسلة العلل المتقدِّمة على الفعل والثانية متأخرة عن وجود الفعل. وقد وردت هذه القاعدة في بيانات عدّة ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) فهناك تقدير مقدّم على الخلق وهداية لهم بعد الخلق، فالمخلوقات في سير تكاملي، وهو الغاية التي من اجلها خُلقت. وهذا البرهان بهذا النحو يختلف عن برهان النظم وإن اقتربا من بعضهما. وإنكار العلة الغائية يساوق إنكار العلة الفاعلية.

أما تطبيق ذلك على الحسن والقبح، فبيانه: أن الفاعل الإرادي لا يفعل فعلاً إلاّ لأجل غاية، وهذه الغاية هي تحقيق الكمال، فالكمال يتحقق بهذا الفعل، وهذه هي الموارد التي يحكم بها العقل بالحسن، فالحسن راجع لكمالٍ يتحقق بواسطة هذا الفعل، فهو أمر واقعي، والكمال المقصود هو: كمال للقوة العاقلة وما فوقها من درجات النفس، وتكون موجِبة للقرب الإلهي. أما في موارد القبح، فإن الكمال الذي تحققه بالأفعال هي كمالات للقوى الشهوانية والغضبية، فدعوى الأشعري: أن لا حسن ولا قبح واقعي في الأفعال، يساوق إنكار العلة الغائية، وإنكار العلة الغائية يؤدي إلى إنكار العلة الفاعلية.

فتلخَّص من مجمل البحث أن الحسن والقبح العقليين أمران تكوينيان واقعيان بالأدلة المثبِتة، سواء على مبنى المتقدِّمين كابن سينا أو على مبنى صدر المتألهين.

٧٦

التنبيه الثاني:

الخطأ في الفكر البشري

ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها هو في كيفية نشأة الخطأ في الفكر البشري، وقد أثار هذا التساؤل كثير من الفلاسفة والمناطقة وأجابوا بإجابات متعدِّدة:

منها: أن علوم المنطق تتكفَّل عصمة الفكر عن الخطأ، ويبقى على عاتق الإنسان مراعاته عند

التطبيق، فالخطأ الناشئ هو من سوء التطبيق.

ومنها: أن الخطأ ينشأ بسبب خطأ نفس مواد الأقيسة؛ حيث أن بعضها نظري، وكلَّما ابتعدت القضايا عن البداهة زادت نسبة الخطأ.

ومنها: أن الخطأ هو نتيجة عدم توازن في أفعال النفس؛ فقد ذكرنا سابقاً أن الإذعان والجزم الحاصل لدى النفس هو غير النتيجة، وأن وظيفة العقل النظري هو الإدراك، فالخلل يحصل عندما يحصل جزم وإذعان غير متناسب مع درجة الإدراك الحاصلة لدى العقل النظري.

وقد سعى الفلاسفة والمفكرون لإزالة هذا الخطأ، أو على الأقل تقليل نسبة الخطأ، ومن تلك المحاولات ما دعى إليه السيد الشهيد الصدر(رحمه الله) باعتماد منهج الاستقراء وتراكم الاحتمالات في الفكر البشري بدلاً من القياس الأرسطي، والاستقراء طريقة رياضية عملية، حيث تتضاءل احتمالات الخلاف حتّى تصل إلى نسبة قليلة جداً بحيث تقوم النفس بإلغاء احتمال الخلاف، وتتعامل مع النتيجة

٧٧

معاملة اليقين الصحيح التام، وتكون النتيجة حينئذ يقينية برهانية.

ولنا على هذه النظرية تعليق لا يتَّصل بجوهرها، فهي متينة وتامة، لكن:

1 - إن ما توصل إليه السيد الشهيد بحساب الاحتمال وكيفية تضاؤله، ومن كون النتيجة الحاصلة من الاستقراء برهانية،خطأ؛ إذ إن النتيجة ليست برهانية، بل العمل بهذه النتيجة برهاني؛ بمعنى أنه أقام البرهان على تعين العمل بهذه النتيجة، كما يقوم البرهان في علم الأصول عبر دليل الانسداد على وجوب العمل بالظن. وبعبارة أخرى: النتيجة ليست يقينية وإن كان العمل بها لابدَّ منه بالدليل اليقيني.

2 - لقد ذكر السيد أن بإمكان استخدام هذه النظرية لإثبات الغيبيات وما وراء الطبيعة، وهذا غير تام؛ لأن هذه الطريقة تظل غير يقينية ونحن لا نحتاج إليـها في إثبـات الغيـب، إذ لدينـا كثير من البراهين - كبرهان

الصديقين - التي تورث اليقين.

3 - إن احتمال الخلاف يظل قائماً، وجزم النفس على خلافه - وهو قليل جدَّاً - لا ينفيه من أساسه، ولا يتحول إلى يقين.

٧٨

التنبيه الثالث:

الثابت والمتغيِّر

من المسائل المهمة التي تبتني على مسألة الحسن والقبح هي ثبات التشريع وتغيُّره، فبناء على اعتبارية الحسن والقبح وإنه لا واقع حقيقي وراء تطابق آراء العقلاء، فإن الحسن والقبح يتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان، وبالتالي لا يوجد ما هو ثابت في التشريع، بل هو متغيِّر. أمّا بناء على أنهما أمران واقعيَّان، فالنتيجة خلافها.

ـ وقد يصاغ هذا البحث بصياغة أخرى، وهي: أن ختم النبوة يعني أنْ لا حاجة إلى النبوة حتّى يوم

القيامة؛ وذلك لأنَّ العقول تكون قد تكاملت بواسطة تلك النبوة الخاتمة، ولا تحتاج إلى رعاية نبي ولا وصي، ولا هدايتهما.

ـ وقد تصاغ بنحو ثالث، كما ذكره العلاّمة الطباطبائي، وخلاصته: أن الإرادة تنبعث من جهات اعتبارية لا حقيقية، وحسب تغيُّر هذا الاعتبار تتغيَّر وجهة سير هذا الإنسان.

أمّا جواب هذه الصياغات:

فأوَّلاً: بما مرَّ من البراهين التي أثبتت تكوينية الحسن والقبح.

ثانياً: أن دعوى تكامل العقول تعني وقوف السير والبحث والفحص العلمي لدى البشرية؛ لاطلاعهم على الحقائق وإصابتهم لها، والحال أنَّا نجد من أنفسنا الإذعان بعدم توقُّف هذا السير ولن يتوقف هذا السعي الحثيث لدى الفطرة

٧٩

البشرية، وهذا يدل على أمرين:

الأول: وجود واقعية وحقيقة ثابتة تسعى البشرية للوصول إليها.

الثاني: عدم إمكان وصول البشرية إلى الإحاطة بتمام تلك الحقيقة الواقعية وإن كانت الإصابة النسبية مستمرة، وهذا وإن لم يزلزل الحقائق المتوصَّل إليها، إلاّ أنها لا تعني تمام الواقع.

وهذان الأمران يستلزمان دوام حاجة البشرية إلى التشريع السماوي والنبوة المحمدية؛ لأن ربَّ الواقعية هو المحيط تماماً بها. كما يثبت بذلك عدم إحاطة البشرية بكنه غايات التشريع السماوي والمصالح المخبوّة فيه.

ثالثاً: أمّا جواب ما يُدَّعى من انبعاث الإرادة دوماً من الاعتبار، وهو الذي ذهب إليه العلامة الطباطبائي، فهو يستدعي أن نُلقي نظرة على ما سطَّره يراعه الشريف في رسالة الاعتبار والتي تُعتبر حصيلة البحث الأصولي في ذلك الوقت.

تحليل مختصر لنظرية الاعتبار:

وملخَّص ما ذكره العلاّمة:

أ - إن الاعتبار يمثِّل جانباً من نشاطات العقل العملي ومدرَكاته، وشأناً من شؤونه.

ب - إن كل موجود يسعى نحو كماله؛ فالفاعل غير الإرادي يوجد له صراط معيَّن يسير فيه. أمَّا الموجود الإرادي، فإنه يسعى نحو كماله من خلال إرادته.

ج - إن الفاعل الإرادي في تحريك إرادته يسعى نحو تحقيق ما هو غير موجود. أمَّا ما هو موجود، فلا يسعى لتحصيله كما هو واضح.

د - إن الإرادة تنطلق من قضايا غير حقيقية؛ أي لا واقع خارجي فعلي لها، فلا محالة تكون القضايا اعتبارية وهي التي تولِّد الإرادة، ومن دونها لا يمكن للإرادة أن تنطلق.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

، واعلم أن عليك في دينك بتزويجك إياها غضاضة، وكذا ابنه في المقنع، وزاد قوله وتزويج المجوسية حرام، ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها، ويعزل عنها، ولا يطلب ولدها.

وقال ابن أبي عقيل: أما المشركات فقوله تعالى " وانكحوا المشركات حتى يؤمن " إلا ما استثنى من عفائف أهل الكتاب، فقال " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ثم في موضع آخر قال الله عزوجل " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " إلى قوله " أولئك يدعون إلى النار " وذكر مشركي أهل الكتاب فقال: الشرك عند آل الرسول الله صلى الله عليه وآله صنفان، صنف أهل الكتاب، وصنف مجوس عبدة أوثان، وأصنام ونيران، فأما الصنف الذي بدأنا بذكره فقد حرم الله تعالى نكاح نسائهم متعة وإعلانا حتى يسلموا، وأما أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى فلا بأس بنكاح نسائهم متعة وإعلانا، ولا يجمع في نكاح الاعلان منهم الاربع، فما دونهن، فإن نكحهن الرجل متعة جمع بين ما شاء منهن، وطلاقهن وأعدادهن كطلاق الحراير المسلمات، واعدادهن سواء، ويجب لهن من القسمة والنفقات مايجب للمسلمات، إلا الميراث وقال في نكاح الاماء: لايحل تزويج أمة كتابية ولا مشتركة بحال، لقوله تعالى " من فتيانكم المؤمنات ".

(وصفحة ٥٣٤) " اختلف علماؤنا في البكر البالغة الرشيدة، هل لها أن يعقد على نفسها من غير ولي، وتزول ولاية الاب والجد عنها، أم لا؟ فالذي اختاره المفيد في أحكام النساء الجواز، وزوال ولاية الاب والجد عنها في النكاح، وبه قال ابن الجنيد، والسيد المرتضى، وسلار.

وقال في المقنعة: المرأة البالغة يعقد على نفسها للنكاح وذوات الآباء من الابكار، ينبغي لهن أن لايعقدن إلا باذن آبائهن، وإن عقد الاب على ابنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنة ولم يكن لها خلافه، وإن انكرت عقده ولم ترض به، لم يكن للاب إكراهها على النكاح، ولم يمض العقد مع كراهتها، وإن عقد عليها وهي صغيرة لم يكن لها عند البلوغ خيار، وإن عقدت على نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالف السنة، وبطل العقد إلا أن يجيزه الاب.

وقال الشيخ في النهاية: لايجوز للبكر البالغ أن يعقد على نفسها نكاح الدوام إلا بإذن أبيها، فإن

٤٤١

عقدت على نفسها بغير إذن أبيها كان العقد موقوفا على رضاء الاب، فإن أمضى مضى، وإن لم يمضه وفسخ كان مفسوخا، ولو عقد الاب عليها من غير استيذان لها مضى العقد، ولم يكن لها خلافه، وإن أبت التزويج، وأظهر الكراهية لم يلتفت إلى كراهيتها، فجعل عليها الولاية، ولم يسوغ لها التفرد بالعقد، وبه قال ابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٥٣) " مسألة: الجد للاب كالاب في ولاية النكاح، سواء كان الاب حيا أو ميتا، وسواء كانت البكر بالغة رشيدة أو لا، وأثبتنا ولاية الاب عليها، إن كانت صغيرة، وهو الظاهر من كلام المفيد، والسيد المرتضى، وسلار، حيث أطلقوا الولاية للجد من غير اشتراط وجود الاب، وبه قال ابن إدريس، وقال الشيخ في النهاية: أن حياة الاب شرط في ولاية الجد على البكر البالغة، والصغيرة، وموته مسقط لولايته عليهما، وبه قال ابن الجنيد، وأبوالصلاح، وابن البراج، والصدوق، وأما ابن أبي عقيل فإنه قال: الولي الذي هوأولى بنكاحهن، هو الاب دون غيره من الاولياء، ولم يذكر للجد ولاية.

" مسألة: المشهور عند علمائنا أنه لاشترط في العقد الولي، ولا الشهود، وقال ابن أبي عقيل نكاح الاعلان نكاح الدايم، لا شرط فيه ولا أجل، ولايجوز إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل، وإنما وضعت الشهد في نكاح الاعلان لعلة الميراث، وإيجاب القسم، والنفقات، وهذا لم يلزم الاشهاد في نكاح المتعة، لعدم هذه الخصال بينهما.

" مسألة: المشهور إن عقد النكاح قد يقع موقوفا على الاجازة، كعقد الفضولي في البيع، فلو عقد غير من له الولاية وقف على إجازة مالك الولاية، فإن أجازه مضى، وإن فسخه كان مفسوخا، واختاره السيد المرتضى نقلا مطلقا، ونص المفيد على أن الصغيرة لو زوجها غير أبيها، وجدها لابيها كان العقد موقوفا على رضاها بعد البلوغ، فإذا بلغت فرضيت به وأجازت ثبت، وإن أبته بطل، وكذا قال الشيخ في النهاية، وقال فيها أيضا: لو زوجت البكر البالغ نفسها بغير إذن

٤٤٢

أبيها، كان العقد موقوفا على رضاء الاب، فإن أمضاه مضى، وإن لم يمضه وفسخ كان مفسوخا، فجعل عقد النكاح موقوفا.

وكذا قال ابن أبي عقيل: والصغيرة إن زوجها غير الاب من ساير أوليائها دون البلوغ، فبلغت وأبت فالنكاح باطل، وإن رضيت فالنكاح جايز.

(وصفحة ٥٣٧) " قال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا استأمر أختا له بكرا، في تزويجها برجل سماه لها، فسكتت كان ذلك إذنا له في التزويج، وإقرار منها، فإن زوجها الاخ ثم أنكرت لم يكن لها ذلك، ولزمها النكاح بالسكوت.

(وصفحة ٥٦٤) " قال ابن أبي عقيل: لو نكح متعة إلى أيام مسماه فإن أراد أن ينكحها نكاح الدايم قبل أن تنقضي أيامه منها لم يجز ذلك، لانها لم تملك نفسها وهو أملك بها منها مالم تنقضي أيامها، فشاء‌ت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز.

ولو وهب لها أيامه ثم نكحها نكاح إعلان جاز ذلك وهو يعضد قول ابن حمزة لانه قيد بالاعلان.

(وصفحة ٥٦٥) " وقال ابن أبي عقيل: لايحل للحر المسلم عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يتزوج الامة متعة، ولا نكاح إعلان إلا عند الضرورة، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به العزبة، وخاف على نفسه منها الفجور، فإذا كان كذلك حل له نكاح الامة، وإذا كان يجد السبيل إلى تزوج الحرة، ولم يخش على نفسه الزنا يحرم أن يتزوج الامة متعة ولا إعلانا، فإن تزوجها على هذه الحالة، فالنكاح باطل، قال الله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات " يعني الحراير " فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " يعني الاماء، ثم قال " ذلك لمن خشي العنت منكم " والعنت الزنا، فأحل تزويج الاماء لمن لايجد طولا أن ينكح الحراير، وحرم نكاحهن على واجدي الطول.

وقد أجاز قوم من العامة تزويج الاماء في حال الضرورة، لو أجدى الطول، ولغير واجدي الطول، وكفى بكتاب الله عزوجل ردا عليهم دون ما سواه ".

٤٤٣

(وصفحة ٥٥٦) " مسألة: إذا اختلفا في الاصابة، فادعاها وانكرت وكانت ثيبا، قال الشيخ في النهاية: كان القول قول الرجل مع يمينه.

وقد روي انها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا، ثم يأمر الحاكم الرجل بوطيها فإن وطيها فخرج وعلى ذكره أثر الخلوق صدق وكذبت، وإن لم يكن الاثر موجودا صدقت وكذب الرجل، وكذا قال ابن البراج، وهو قول ابن أبي عقيل إلا أنه لم يذكر الرواية.

(وصفحة ٥٦٨) " مسألة: المشهور إباحة الامتين بالعقد للحر، وقال ابن الجنيد: ولا يتزوج أكثر من أمة واحدة، وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل، وحجته زوال خوف العنت بها، فالزايد حرام، لفقدان الشرط فقد سبق البحث في ذلك ".

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ٣٤٤) " قوله والاشهاد والاعلان المشهور بين أصحابنا أن الاشهاد في نكاح الغبطة سنة مؤكدة، وليس بشرط في صحة العقد، وهو مذهب جماعة من علماء العامة، لاصالة عدم الوجوب والاشتراط، وعدم دليل صالح عليه، ولقول الباقر والصادق عليهما السلام " لابأس بالتزويج بغير شهود فيما بينه وبين الله تعالى، وإنما جعل الشهود في تزويج السنة من أجل الولد، ومن أجل المواريث "، وذهب ابن أبي عقيل منا، وجماعة من العامة، إلى اشتراط الاشهاد فيه، فلا ينعقد بدونه.

لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله بطرق متعددة يدل على نفي النكاح بدون الشاهدين.

(وصفحة ٣٥٥) " وقد تقدم مايدل على عدم اشتراط الاشهاد وان ابن أبي عقيل منا خالف فيه استنادا إلى رواية ضعيفة السند مع امكان حملها على الاستحباب جمعا.

(وصفحة ٣٥٧) " الكلام في ولاية الجد في موضعين، أحدهما في أصل ثبوتها، وهو المشهور بين الاصحاب، بل ادعى عليه في التذكرة الاجماع، وخالف في ذلك ابن أبي عقيل

٤٤٤

فقال: الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الاب دون غيره من الاولياء، ولم يذكر للجد ولاية، والثاني في مرتبته، والمشهور أنه لايشترط في ولايته حياة الاب، ولا موته، بل يثبت له الولاية مطلقا.

(وصفحة ٣٥٨) " وهل يثبت ولايتهما على البكر الرشيدة فيها روايات اظهرها سقوط الولاية عنهما وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع ولو زوجها احدهما لم يمض عقدها إلا برضاها ومن الاصحاب من اذن لها في الدائم دون المنقطع ومنهم من عكس ومنهم من اسقط امرها معهما فيه وفيه روايات اخرى دالة على شركتها في الولاية الخ.

هذه المسألة من المهمات والفتوى فيها من المشكلات بسبب اختلاف الروايات وقد اضطربت لذلك اقوال الاصحاب فيها وتحرير القول في ذلك: أن الانثى إن كانت صغيرة، أو غير رشيدة، فلا خلاف بين أصحابنا في ثبوت الولاية عليها، وإن كانت ثيبا رشيدة فلا خلاف بين أصحابنا في سقوط الولاية عنها، إلا ما نقل عن الحسن بن أبي عقيل من بقاء الولاية وهو شاذ.

" وإنما الخلاف في استمرار الولاية عليها بالنسبة، إلى نكاح خاصة، وجملة ما ذكره المصنف من الاقوال في ذلك خمسة: الاول: وهو الذي، اختاره جميع المتاخرين، وقبلهم جماعة من القدماء، منهم الشيخ في التبيان، والمرتضى، وابن الجنيد، والمفيد في كتاب أحكام النساء، وسلار، وابن إدريس، سقوط الولاية عنها رأسا، وثبوتها لها مطلقا، الثاني: استمرار الولاية عليها مطلقا، وهو قول الشيخ في النهاية، والصدوق، وجماعة.

الثالث: التشريك بينها وبين الولي، وهو قول أبي الصلاح، والمفيد في المقنعة على اضطراب في عبارته.

الرابع: استمرار الولاية عليها في الدائم دون المتعة، وهو قول الشيخ في كتابي الحديث.

الخامس: عكسه، وهو مجهول القائل، وسئل المصنف حيث نقله هنا قولا عن قائله فلم يجب.

وزاد بعضهم قولا سادسا، وهو أن التشريك في الولاية يكون بين المرأة وأبيها خاصة، دون غيره من الاولياء، ونسبه إلى المفيد.

حجة الاولين أمور: الاول: الآيات الدالة على إضافة النكاح إلى النساء، من غير

٤٤٥

تفصيل، كقوله تعالى " حتى تنكح زوجا غيره، ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " وقوله تعالى " فلا جناح عليهن فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " وهو مفيد للعموم الشامل لغير المدخول بها، الثاني الروايات فمنها مارواه ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله " الايم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " والمراد بالايم من لا زوج لها، قال الجوهري الايامي الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وامرأة أيم بكرا كانت أو ثيبا، والدلالة في الرواية من صدرها وعجزها، وإعادة ذكر البكر مع دخولها في الايم، للتنبيه على اختصاصها بكون سكوتها كافيا عن الجواب اللفظي، ومنها مارواه ابن عباس أيضا من " أن جارية بكرا جاء‌ت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع به حسنة وأنا له كارهة فقال صلى الله عليه وآله لها أجيزي ماصنع أبوك فقالت لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال فاذهبي فانكحي من شئت، فقالت لا رغبة لي في غير ماصنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شئ " وهذه الرواية أوضح مافي هذا الباب دلالة لو صح سندها، لانها يفيد استقلالها بالولاية، بخلاف الاولى فإنها لاينفي القول بالتشريك.

" ومنها حسنة الفضلاء الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة وبريد عن الباقر عليه السلام قال " المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها، إن تزوجها بغير ولي جايز.

ومنها صحيحة منصور بن حازم عن الباقر عليه السلام قال " تستأمر البكر، ولا ينكح إلا بأمرها ".

ومنها رواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال " إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري، وتعتق وتشهد، وتعطي من مالها ما شاء‌ت، فإن أمرها جايز، تزوج إن شاء‌ت بغير إذن وليها، وإن لم تكن كذلك فلايجوز تزويجها إلا بأمر وليها " ومنها رواية أبي مريم عن أبي عبدالله عليه السلام قال " الجارية البكر التي لها الاب لاتتزوج إلا بإذن أبيها، وقال إذا كانت مالكة لامرها تزوجت من شاء‌ت " والدلالة من آخر الحديث، ويحمل أوله على غير المالكة، أو غير البالغة الرشيدة، ليلتئم أول الكلام، وآخره.

ومنها رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام قال " تتزوج المرأة من شاء‌ت، إذا كانت مالكة لامرها، فإن

٤٤٦

شاء‌ت جعلت وليا ".

ومنها رواية سعد بن مسلم عنه عليه السلام أنه قال " لا بأس بتزويج البكر، إذا رضيت من غير إذن وليها " الثالث: الاجماع وقد ادعاه المرتضى على هذا القول، والاجماع المنقول بخبر الواحد حجة، كما قرر في الاصول، فكيف بمثل المرتضى.

الرابع أصالة عدم اشتراط إذن الولي في صحة العقد، مؤيدا بأن البلوغ والرشد مناط التصرف، فتخصيص بعض التصرفات دون بعض تحكم، ومن المعلوم أن ولاية المال قد زالت، فتزول ولاية النكاح، والاولى محل وفاق، والملازمة يظهر باشتراط الولايتين بالبلوغ والرشد، وهذا غاية ماتقرر في تصحيح القول الاول.

والاعتراض أما على الاول من وجوه: فيمنع دلالته على موضع النزاع، فإن النساء المحدث عنه بإضافة النكاح عليهن هن المطلقات للعدة، وبعضهن من المطلقات ثلاثا، وذلك يستلزم الدخول بهن، والنزاع في البكر، وإنما تصلح هذه الآيات حجة على المخالف الذاهب إلى أن المرأة مطلقا ليس لها التزويج بغير الولي، لا علي من أسقط الولاية عن الثيب، ويمكن الاعتذار بإمكان فرض طلاق العدة مع بقاء البكارة، بأن يكون قد وطئ في الدبر، ومعه يمكن فرض الطلاق ثلاثا للعدة مع بقاء البكارة، وهو فرض بعيد، إلا أن العموم يتناول مثله، فيصح الاحتجاج به في الجملة.

وأما الروايات فهي بأسرها مشتركة في عدم صحة السند ما عدا الرابعة، أما الاولتان فعاميتان، وأما الثالثة ففيها مع كونها من الحسن لا من الصحيح، مع قصور الدلالة فإن الحكم فيها على من ملكت نفسها، فإدخال البكر فيها عين المتنازع.

وكذا قوله غير المولى عليها، فإن الخصم يدعي كون البكر مولى عليها، فكيف يستدل بها على زوال الولاية عنها، مع مافي متنها من التهافت، فإن قوله غير السفيهة إن كان هو الخبر عن المبتدأ، وهو المرأة، والمولى عليها معطوف على الخبر، فلا وجه للجمع بين الخبر وما عطف عليه، لان السفيهة داخلة في المولى عليها، ومع ذلك فالجملة التي بعدها، وهي قوله إن تزويجها جايز، مرتبط بالجملة الاولى، ومتفرع عليها، فلا وجه لقطعها عنه، وإن كان الخبر عن المبتدأ، هو الجملة الاخيرة، وهي أن تزويجها..

إلى آخره، ويجعل قوله غير السفيهة وما عطف

٤٤٧

عليه بمنزلة الصفة للمرأة المالكة نفسها، ويبقى التقدير المرأة التي ملكت نفسها، الموصوفة بكونها غير سفيهة، ولا مولى عليها يجوز لها التزويج الخ.

يسلم من انقطاع الجملة المقصودة بالذات.

وعلى الاعراب الثاني، يجوز أن يريد بالمالكة نفسها الحرة، ويجعل ملك النفس كناية عنها، وغير السفيهة، والمولى عليها، صفة لها، فكأنه قال: المرأة الحرة التي ليست سفيهة ولا مولى عليها نكاحها جائز الخ.

ويمكن أن يكون فائدة الجمع بين السفيهة والمولى عليها أن الولاية على السفيهة ليست عامة، ومن ثم لايحجر عليها في غير المال، فقد يتوهم منه جواز تزويجها نفسها لذلك، فخصها بالذكر حذرا من توهم خروجها عن المولى عليها، حيث أن الولاية منتفية عنها على بعض الوجوه، وجاء‌ت الجملة الباقية الثانية خبرا عن المبتدأ، مؤكدا بان.

والجملة الاسمية وهذا معنى جيد، يصحح الدلالة ويخرجها عن التهافت، ولو أريد بالمالكة نفسها من ليس عليها ولاية، وجعلت الصفة التي بعدها مؤكدة موضحة للمطلوب أمكن، إلا أن الاول افقد (كذا) ويمكن مع ذلك التخلص من دعوى كون البكر مولى عليها.

وإن الاستدلال بها عين النزاع، بأن يقال أن البكر الرشيدة لما كانت غير مولى عليها في المال صدق سلب الولاية عليها (عنها) في الجملة، فيصدق أن البكر الرشيدة الحرة مالكة نفسها، غير سفيهة، ولا مولى عليها، فيدخل في الحكم، وهو جواز تزويجها الخ.

وهذا حسن أيضا، ولكن يبقى الاستدلال بها موقوفا على أمر آخر، وهو جعل المفرد المعرف مفيدا للعموم، لان المرأة كذلك، والمحقق من الاصوليين على خلافه، ومتى لم تكن عامة لاتدل على المطلوب، لصدق الحكم بامرأة في الجملة موصوفة بذلك، وهو واقع كثيرا.

" وقد أسلفنا عن قريب أن المفرد في هذه المقامات ظاهر في العموم، إذ لولاه لكان الكلام الواقع عن الشارع عاريا عن الفائدة أصلا، إذ لا معنى للحكم بكون إمرأة في الجملة يجوز لها التزويج بغير ولي، فإن ذلك واقع عند جميع المسلمين حتى عند من أثبت الولاية على الثيب، فإنه أسقطها عن المرأة في مواضع.

وبمثل هذا استدلوا على عمومه مثل إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا، ومفتاح الصلاة

٤٤٨

الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

وغير ذلك مما هو كثير، وقد ظهر من جميع ما حققناه أن دلالة هذه الرواية قرينة الامر إلا إنها مشتملة على شبهات كثيرة، لا يقاوم ما سيأتي مما يدل صريحا على ثبوت الولاية من النصوص الصريحة (الصحيحة خ).

وأما الرابعة فهي أوضح سندا، لكن في بلوغها حد الصحة الذي ادعوه عندي نظر، لان في طريقها العباس غير منسوب، إلى أب، وهذا الاسم مشترك بين الثقة والضعيف، وإن كان الاول أكثر.

ويغلب على الظن إرادته وإن كان ذلك غير كاف في الحكم بالصحة لقيام الاحتمال ومع ذلك فهي قاصرة الدلالة على المطلق، فإن استيمار البكر إنما يفيد نفي القول باستقلال الولي لكنه لاينبغي اشتراك الولاية بينهما، وهو أحد الاقوال في المسألة.

وأما رواية زرارة ففي طريقها موسى بن بكير، وهو واقفي ضعيف، وفي دلالتها ماتقدم من أن ملك البكر أمرها عين المتنازع، والتخلص عنه بما قررناه، وبقرينة ذكر التصرفات من البيع والشراء يفيد أن ملك الامر يراد به رفع الحجر عن المال.

والكلام في الرواية السادسة والسابعة كالتي قبلهما متنا وسندا وفي الثانية ضعف السند، وفي الجميع الشك في العموم من حيث أن المحكوم عليه مفرد محلى باللام.

وأما دعوى الاجماع فواقعة في معركة النزاع، فيكفي في فسادها بالنسبة إلى السابقين على المرتضى مخالفة مثل الصدوق، والمفيد، وابن أبي عقيل من أهل الفتوى، وأما أهل الحديث فستعرف أن الصحيح منه دال على خلافه، فكيف ينسب إليهم القول بخلافه.

(وصفحة ٣٥٩) " احتج من اشترط الولي في المرأة مطلقا من العامة ووافقهم ابن أبي عقيل من أصحابنا على ذلك كما وافقهم على اشتراط الاشهاد.

(وصفحة ٣٦١) " الاصح انتفاء ولايتهما عليها للاصل والاخبار الصحيحة كصحيحة عبدالله بن سنان قال سئلت أبا عبدالله عن المرأة الثيب تخطب إلى نفسها " قال نعم هي أملك بنفسها تولي نفسها من شاء‌ت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت زوجا قبل ذلك " وغيرها من الاخبار وهي حجة على ابن أبي عقيل المثبت لولاية الاب عليها استنادا إلى رواية

٤٤٩

عامة عامية ورواياتنا خاصة خاصية وهي مقدمة عند التعارض نعم روى الشيخ عن سعيد بن إسماعيل عن أبيه وهما مجهولان قال سئلت الرضا عليه السلام عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لايعلم أبوها إلى قوله قال " لا يكون ذا " وهو مع ضعف السند غير دال على منع الثيب لانه نفي الحكم عن جملة المسئول عنه لا عن حكم الذي من جملته البكر ومع ذلك ليس بصريح في البطلان فيهما ويمكن حمله على الكراهة.

(وصفحة ٣٨١) " وقال ابن أبي عقيل منا وبعض العامة: لاتحرم الامهات إلا بعد الدخول ببناتهن، كالبنات، وجعلوا الدخول المعتبر في الآية متعلقا بالمعطوف والمعطوف عليه جميعا.

ولصحيح جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام قال " الام والبنت سواء، إذا لم يدخل بها " يعني إذا تزوج المرئة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها، وفي معناها أخبار آخر.

(وصفحة ٣٨٢) " وفي حديث علي بن جعفر السابق وقال " تزوج العمة والخالة على ابنة الاخ، وابنة الاخت، ولا تزوج بنت الاخ والاخت على العمة والخالة، إلا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل، وفي مقابلة المشهور قولان نادران للاصحاب، أحدهما جواز الجمع مطلقا، ذهب إليه ابن أبي عقيل، وابن الجنيد، على الظاهر من كلاميهما، لا الصريح، ولكن الاصحاب فهموا منهما ذلك.

وعندي في فهمه نظر لانهما أطلقا القول بالجواز، واستدلا بالآية، وهو مذهب الاصحاب ".

شرح اللمعة (مجلد ٥ صفحة ١١٢) " ولا يشترط الشاهدان في النكاح الدائم مطلقا، (ولا الولي في نكاح الرشيدة وإن كان أفضل) على الاشهر، خلافا لابن أبي عقيل حيث اشترطهما فيه، استنادا إلى رواية ضعيفة تصلح سندا للاستحباب، لا للشرطية.

(وصفحة ١٧٧) " (.. لا ابنة المعقود عليها) من غير دخول، فلو فارقها قبل الدخول حل له تزويج

٤٥٠

ابنتها، وهو موضع وفاق، والآية الكريمة صريحة في اشتراط الدخول في التحريم، وأما تحريم الام وإن لم يدخل بالبنت فعليه المعظم، بل كاد يكون إجماعا.

وإطلاق قوله تعالى وأمهات نسائكم " يدل عليه، والوصف بعده بقوله تعالى " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " لا حجة فيه، إما لوجوب عوده إلى الجملة الاخيرة كالاستثناء، أو لتعذر حمله عليهما من جهة إن " من " تكون مع الاولى بيانية، ومع الثانية ابتدائية، والمشترك لا يستعمل في معنييه معا.

وبه مع ذلك نصوص، إلا أنها معارضة بمثلها، ومن ثم ذهب ابن أبي عقيل إلى اشتراط الدخول بالبنت في تحريمها كالعكس.

والمذهب هو الاول ".

الحدائق الناضرة (مجلد ٢٥ صفحة ١١٥) " ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل حيث قال: وقال ابن أبي عقيل لانفقة للمتوفى عنها زوجها سواء كانت حبلى أو غير حبلى، واختاره في المسالك.

والذي وصل إلي من الاخبار في هذا المقام منه مارواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في الحبلى المتوفى عنها زوجها " إنها لانفقة لها ".

وعن أبي الصباح الكناني في الحسن عن أبي عبدالله عليه السلام " في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا ".

(وصفحة ٤٧٤) " الثالثة: هل يفرق في الزوجة بين الحرة والامة؟ قولان.

فذهب الشيخ في النهاية إلى الفرق بينهما، واختاره ابن البراج في كتابيه ونقله في المختلف عن ابن الجنيد وشيخنا المفيد وابن أبي عقيل من المتقدمين، وهو اختيار العلامة في المختلف وشيخنا في المسالك وسبطه في شرح النافع.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم الفرق بينهما فيجب عليهما الحداد معا، واختاره ابن إدريس، وهو ظاهر أبي الصلاح وسلار وابن حمزة، حيث أوجبوا الحداد على المعتدة ولم يفصلوا ".

والاظهر الاول، لما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال " إن الامة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد والامة لا تحد ".

٤٥١

جواهر الكلام (مجلد ٢٩ صفحة ٣٩) " ويستحب أيضا الاشهاد في الدائم، بل لعل تركه مكروه، لقول أبي الحسن عليه السلام في مكاتبة المهلب الدلال " التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ".

بل عن أبي عقيل منا وجماعة من العامة وجوب ذلك فيه، وإن ضعف ماذكر دليلا من النصوص المروية من طرق العامة والخاصة، ومن هنا كان المعروف بين الاصحاب خلافه، بل هو من الاقوال الشاذة في هذا الزمان، بل لعله كذلك في السابق أيضا بقرينة ما حكي من الاجماع في الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة على عدم الوجوب، وهو الحجة بعد الاصل والاخبار الكثيرة التي يجب حمل الخبر المزبور في مقابلتها على ما عرفت، بل قول أبي جعفر عليه السلام " إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث " يرشد إلى عدم الشرط وأن الامر بذلك للارشاد إلى دفع التهمة وتحقق النسب والميراث.

(وصفحة ١٤٦) وكذا لايشترط عندنا في شئ من الانكحة الدائم والمنقطع والتحليل والملك حضور شاهدين خلافا لما عن العامة ولابن أبي عقيل منا، فاشتراطه في الدائم، لخبر ضعيف موافق للعامة محمول على الاستحباب كما تقدم سابقا، لقصوره عن معارضة ما يقتضي صحة من اطلاق الادلة وغيره من المعتبرة المستفيضة، ولذا حكي الاجماع على خلافه في محكي الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة.

(وصفحة ١٧١) " وما عن ابن أبي عقيل من أن الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الاب دون غيره من الاولياء، لحصر بعض النصوص الولاية فيه مع عدم قدح خلافه في الاجماع، فهو محجوج به، بالنصوص المشتملة على ثبوت الولاية لهما وعلى تقديم الجد عند التعارض المعتضدة بالشهرة والاجماع بقسميه عليه المخصصة بها بعض نصوص الحصر غير صريح في المخالفة، لاحتمال إرادة مايشمل الجد من الاب.

(وصفحة ٢٩٦) " قال حماد بن عثمان: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول " لا رضاع بعد فطام قال

٤٥٢

: قلت: جعلت فداك وما الفطام؟ قال: الحولان اللذان قال الله عز وجل "، وبذلك يعلم المراد من قوله عليه السلام في صحيح البقباق " الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم " لا أن المراد منه اعتبار عدم فطامه قبل الحولين أيضا كما عن الحسن بن أبي عقيل، وإلا كان منافيا لاطلاق الاخبار والفتاوى، بل لم نتحقق خلاف الحسن، لان المحكي عنه اعتبار الفطام ويمكن إرادته سن الفطام، فلا خلاف حينئذ في نشره الحرمة فيهما وإن فطم الصبي.

(وصفحة ٣٩٣) " المسألة الثالثة (قيل) والقائل القديمان والشيخان وابن البراج وغيرهم، بل في كشف اللثام وغيره نسبته إلى أكثر المتقدمين، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل عن ابن أبي عقيل نسبته إلى آل الرسول صلوات الله عليهم: انه (لايجوز للحر العقد على الامة إلا بشرطين: عدم الطول، وهو عدم المهر والنفقة، وخوف العنت، وهو المشقة من الترك) لقوله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان، فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، ذلك لمن خشي العنت منكم، وإن تصبروا خير لكم، والله غفور رحيم " وخبر محمد بن صدقة البصري المروي عن تفسير العياشي قال: سألته عن المتعة أليس هذا بمنزلة الاماء؟ قال " نعم، أما تقرأ قول الله عزوجل ومن لم يستطع " إلى قوله ولا متخذات أخدان؟ فكما لايسع الرجل أن يتزوج الامة وهو يستطيع أن يتزوج الحرة فكذلك لايسع الرجل أن يتمتع بالامة وهو يستطيع أن يتزوج بالحرة " وصحيح ابن مسلم سأل أحدهما عليهما السلام " عن الرجل يتزوج المملوكة، قال لابأس إذا اضطر إليها ".

(وصفحة ٤١٠) " لكن قد يظهر مما في المسالك في المسألة السابقة عدم اعتبار إذن الحرة حينئذ، وفيه أنه مخالف لظاهر الادلة.

نعم يمكن عدم اعتبار إذنها على القولين إذا كانت ليست

٤٥٣

من أهل الاذن لصغر أو جنون، بناء على ظهور اعتبار الاذن في القابلة لذلك، فيبقى غيرها حينئذ على عمومات الحل، مع احتمال العدم، لاطلاق النهي عن نكاح الامة على الحرة، وظهور القابلية إنما هو في المستثنى، فيقتصر عليه في تخصيص المستثنى منه، واحتمال الرجوع إلى إذن الولي لا دليل عليه، إلا إطلاق الولاية الذي لايشمل مثل ذلك قطعا، فلو تجدد لها القابلية بعد النكاح ففي اعتبار إذنها حينئذ في البقاء أو أن لها الخيار في فسخ عقد نفسها خاصة أو مع عقد الامة وجوه، أما الغيبة ونحوها مما يمنع الاستئذان ممن له أهلية الاذن فالظاهر بقاء اعتبار الاذن معها، لاطلاق الادلة.

وعلى كل حال فإن بادر وعقد من دون إذن كان العقد باطلا عند ابني أبي عقيل والجنيد وإدريس والشيخ في محكي التبيان وظاهر المبسوط ".

٤٥٤

في القسم

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٧٩) " مسألة: المشهور أن الامة إذا كانت زوجة كان لها ليلة، وللحرة ليلتان في القسم، وبه قال ابن أبي عقيل.

وظاهر كلام المفيد المنع، فإنه قال وهذا الحكم يعني القسمة في حراير النساء، فأما الاماء وملك اليمين منهن فله أن يقسم عليهن كيف شاء، ويقيم عند كل واحدة منهن ماشاء، وليس عليه للاخرى اعتراض في ذلك بحال، وهذا يوهم أنه لا حق للامة المزوجة في القسم، فإن قصد شيخنا المفيد عدم القسمة صارت المسألة خلافية، وإلا فلا.

(وصفحة ٥٨٠) " مسألة: قال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا له امرأتان، إحداهما مسلمة، والاخرى ذمية، كانت في القسم بهن (بها)، ولو كانت إحداهن متعة والاخرى إعلانا لم يكن للمتعة قسم، ولا نفقة، يأتيها متى شاء.

وقد قيل: إذا كانت له امرأتان متعة وإعلان فله أن يقسم لاحديهن ليلة، وللاخرث ثلاث ليال، لان له أن يتزوج منهن أربعا.

" أما المتعة فالمشهور أنه لا قسمة فيها.

والقايل الذي نقل ابن أبي عقيل عنه ما أظنه أحدا من أصحابنا ".

٤٥٥

في المهر

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ١٨٦) " عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات، أو ماتت قبل أن يدخل بها فقال: لها المتعة والميراث، ولا مهر لها (الحديث) فأفتى عليها الشيخ في النهاية، وقال في المبسوط: متى مات أحدهما قبل الفرض فلا مهر، وفي الخلاف: الخلاف في المتعة هل يستحقها؟ قيل: لا، وقيل: نعم، لانها للمطلقة قبل الدخول، ولم يسم لها مهرا، فلها المتعة.

والاول هو اختيار شيخنا والمتأخر وابن أبي عقيل، وبه أقول.

(وصفحة ١٨٧) " قال دام ظله: ولا يستقر بمجرد الخلوة على الاشهر.

أقول: اختلف الروايات في الخلوة المجردة عن الوطئ، هل يستقر بها المهر أم لا؟ روى الاستقرار موسى بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال " إذا تزوج (الرجل خ) المرأة ثم خلى بها، وأغلق (فأغلق خ) عليها بابا، وأرخى سترا ثم طلقها، فقد وجب الصداق، وخلاؤه بها دخول ".

ومثلها روي عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، أن عليا عليه السلام كان يقول " من أغلق (أجاف خ) من الرجال على أهله بابا أو أرخى سترا، فقد وجب عليه الصداق ".

وروى أنه لايستقر يونس بن يعقوب، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال " سمعته يقول: لايوجب المهر إلا الوقاع في الفرج ".

وروى مثله العلاء، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام، متى يجب المهر؟ قال " إذا دخل بها ".

وفي أخرى عن حفص البختري، عن أبي عبدالله عليه السلام، " إذا التقى الختانان، وجب المهر والعدة والغسل ".

وفي رواية أخرى عن يونس عن

٤٥٦

يعقوب، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام، عن رجل تزوج امرأة، فأدخلت عليه فأغلق الباب وأرخى الستر، ولمس وقبل، ثم طلقها على تلك الحال قال " ليس عليه إلا نصف المهر ".

إذا تقرر هذا، فالاشبه العمل بالروايات الاخيرة، لكونها أشبه بالاصل، وأصح سندا ومطابقة لنص القرآن من قوله تعالى " فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " الآية.

وقد كان ابن أبي عمير يجمع بين الروايات، بأنه متى أرخى الستر، يجب على الحاكم أن يحكم بالظاهر أن المهر كله لازم، ولا يحل لها فيما بينها وبين الله إلا نصف المهر إذا لم يدخل بها، واستحسنه الشيخ في الاستبصار، وأفتى عليه في النهاية، وتردد في الخلاف، واختار أنه لايستقر إلا بالوطئ، وبه يقول المتأخر، وابن أبي عقيل في المتمسك ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٤١) " مسألة: المشهور عند علمائنا أن المهر لايتقدر كثرة، ولا قلة، فيجوز العقد على أكثر من مهر السنة أضعافا مضاعفة، ذهب إليه الشيخان، وابن أبي عقيل، والظاهر من كلام الصدوق في المقنع، ونص عليه سلار، وأبو الصلاح، وابن البراج، وابن إدريس.

(وصفحة ٥٤٣) " وقال ابن أبي عقيل: وقد اختلف الاخبار عنهم عليهم السلام في الرجل يطلق المرأة قبل أن يجامعها، وقد دخل بها، وقد مس كل شئ منها، إلا أنه لم يصبها، فروي عنهم في بعض الاخبار أنه إذا أغلق الباب وأرخيت الستور وجب لها المهر كاملا، ووجبت العدة، وفي بعض الاخبار لها نصف المهر، وهذا أولى الخبرين بدلالة الكتاب والسنة، بقولهم، لان الله عزوجل يقول " فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة فنصف مافرضتم " فأخبر أنه إذا طلقها قبل أن يجامعها، فإن لها نصف المهر، وقد جاء عنهم عليهم السلام ماتحقق هذا في قضائهم في العنين، إن الرجل إذا تزوج المرأة فدخل بها فادعت المرأة أنه لم يصبها وخلا بها، أجله الامام سنة، فإن مضت السنة ولم يصبها فرق بينهما، وأعطيت نصف الصداق، ولا عدة عليها منه، وفي هذا إبطال رواية من روى عنهم عليهم

٤٥٧

السلام أنه إذا أغلق الباب وأرخى الستور وجب المهر كاملا، وهذا العنين قد أغلق الباب وأرخى الستور وأقام معها سنة، لايجب عليه إلا نصف الصداق.

والمسألتان واحدة لافرق بينهما ".

في المتعة

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ١٥٧) قال دام ظله: لايثبت بالمتعة ميراث.. الخ.

أقول: للاصحاب فيه (ثلاثة خ) أقوال، وقال المرتضى وابن أبي عقيل: لايسقط الارث إلا مع شرط السقوط.

وقال أبوالصلاح: لايثبت بينهما توارث شرط أو لم يشرط، وهو يظهر من كلام ابن بابويه، فإنه قال: لا ميراث بينهما، وعليه المتأخر، وهو أشبه عندي ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٤٠) " وقال ابن أبي عقيل: كل امراة كان وليها أولى بنكاحها منها، لم يجز نكاحها متعة إلا بأمر وليها، وكل من كانت أولى بنفسها من وليها، فهي التي تجوز، نكاحها متعة.

(وصفحة ٥٦١) " مسألة: اختلف علماؤنا في التوارث بهذا العقد، فقال ابن أبي عقيل نكاح المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى، على أن لا ميراث بينهما، ولا نفقة لها، ثم قال بعد كلام طويل: وإذا خلا الرجل بالمرأة فقال لها: أتزوجك متعة، إلى أجل معلوم بكذا من الاجر، ويذكر شرط الميراث (كذا) فإن لم يشترط أن لا ميراث بينهما فمات أحدهما قبل صاحبه، ورثه الآخر وقد روي أن لا ميراث بينهما، اشترطا أو لم يشترطا.

(وصفحة ٥٦٤) " قال ابن أبي عقيل: لو نكح متعة إلى أيام مسماة فإن أراد أن ينكحها نكاح الدايم

٤٥٨

قبل أن تنقضي أيامه منها لم يجز ذلك، لانها لم تملك نفسها وهو أملك بها منها مالم تنقضي أيامها (كذا)، فشاء‌ت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز.

ولو وهب لها أيامه ثم نكحها نكاح إعلان جاز ذلك وهو يعضد قول ابن حمزة لانه قيد بالاعلان.

(وصفحة ٥٦٥) " وقال ابن أبي عقيل: لايحل للحر المسلم عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يتزوج الامة متعة، ولا نكاح إعلان الا عند الضرورة، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به العزبة، وخاف على نفسه منها الفجور، فإذا كان كذلك حل له نكاح الامة، وإذا كان يجد السبيل إلى تزوج الحرة، ولم يخش على نفسه الزنا يحرم أن يتزوج الامة متعة ولا إعلانا، فإن تزوجها على هذه الحالة، فالنكاح باطل، قال الله تعالى " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات " (يعني الحراير) " فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " يعني الاماء، ثم قال " ذلك لم خشي العنت منكم " والعنت الزنا، فأحل تزويج الاماء لمن لايجد طولا أن ينكح الحراير، وحرم نكاحهن على واجدي الطول.

وقد أجاز قوم من العامة تزويج الاماء في حال الضرورة، لواجدي الطول، ولغير واجدي الطول، وكفى بكتاب الله عزوجل ردا عليهن دون ما سواه ".

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ٤٠٥ ٤٠٦) " اختلف العلماء في توارث الزوجين بالعقد المنقطع على أقوال أحدها انه يقتضي التوارث كالدائم حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط كما لو شرط عدمه في الدائم ولا يمنعه إلا موانعه المشهورة ويعبر عنه بان المقتضي للارث هو العقد لا بشرط شئ وهذا قول القاضي ابن البراج ومستنده عموم الآية الدالة على توريث الزوجة وهذه زوجة وإلا لم يحل للحصن في الآية بقوله إلا على ازواجهم أو ماملكت أيمانهم وملك اليمين منتف عنها قطعا فلو لم يثبت الآخر لزم تحريمها ولان الزوجة تقبل التقسيم إليها وإلى الدائمة ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام وحينئذ فيدخل في عموم ولكم نصف ماترك أزواجكم ولهن الربع مما تركتم والجمع المضاف للعموم كما سبق ولا يرد منع توريث الذمية والقاتلة فليس بعام المخصوص حجة في الباقي والاخبار الواردة

٤٥٩

بخلاف ذلك مردودة لتعارضها كما ستقف عليه وللطعن في سندها فيسقط وإما لان خبر الواحد لايخصص عموم القران وعليه يترتب حكمها لو شرطا سقوطه فانه كاشتراط عدم إرث الدائم لايصح لانه شرط مخالف لمقتضى العقد والكتاب والسنة ولان كل ما يقتضيه الماهية من حيث هي يستحيل عدمه مع وجودها، لقد كان هذا القول بالسيد المرتضى اشبه وباصوله انسب لكنه عدل عنه لما ظنه من الاجماع على عدمه وثانيها عكسه وهو أن لا توارث فيه من الجانبين سواء شرطا في العقد التوارث وعدمه أو لم يشترطا شيئا منهما وإلى هذا القول ذهب الجماعة منهم أبوالصلاح الحلبي وابن إدريس والعلامة في أحد قوليه وولده فخر الدين والمحقق الشيخ علي ووجههم التمسك بالاصل فان الارث حكم شرعي يتوقف ثبوته على توظيف الشارع ومطلق الزوجية لايقتضي استحقاق الارث فإن من الزوجات من ترث، ومنهم من لا ترث كالذمية، ولما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام قال: سئلته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث، قال " ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط " وهي نص في الباب، وقريب منها رواية جميل بن صالح عن عبدالله بن عمر قال: سئلت أبا عبدالله عليه السلام عن المتعة؟ فقلت ماحدها قال " من حدودها أن لاترثك ولا ترثها " فجعل نفي الميراث من مقتضى الماهية، فوجب أن لايثبت بها توارث مطلقا، أما مع عدم الاشتراط أو مع العدم فواضح، وأما مع اشتراط الارث فلانه شرط ينافيه مقتضى العقد، على مادل عليه الحديث، فوجب أن يكون باطلا ولان الشرط لغير وارث محال، إذ سببية الارث شرعية لا جعلية، ولان الزيادة هنا على نص نسخ لان الله تعالى عين فروض أرباب الفروض بجزء معلق النسبة إلى كل التركة، وكيفية قسمة غيرهم، فلو زاد أو نقص بخبر الواحد، لزم فسخ القرآن بخبر الواحد، وهو غير جايز، وهذا أقصى حجتهم مجتمعة الاطراف، وفيه نظر.

قولهم: الاصل يقتضي عدمه، قلنا: قد ارتفع الاصل بآية إرث الزوجة، وإن كانت داخلة، وبما يأتي من الاخبار إن لم تكن وبأنكم قد أدخلتموها، في عموم الازواج في الاحكام الماضية، إلا ما أخرجه الدليل الخارج.

فتوظيف الشارع حاصل على هذا، قوله: مطلق الزوجية لايقتضي الاستحقاق قلنا: بل يقتضي الاستحقاق، إلا

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554