حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه7%

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 554

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174416 / تحميل: 5855
الحجم الحجم الحجم
حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وهو وليكم بعدي وانه مني وانا منه وهو وليكم بعدي » ( هكذا مكرراً ) وفي لفظ آخر. « من كنت وليه فعلى وليه ». وفي آخر عن بريدة « غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال: يا بريدة ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه » الى غير ذلك(١) .

ولا شك ان المراد بالولي هو المتولي لامور الناس والحاكم عليهم دون الناصر والمحب ونحو ذلك فان قوله « بعدي » اما ان يريد به بعده زمانا و نعلم أن نصرة الامام وحبه للمسلمين لم يختص بما بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بل كان ناصراً للمسلمين ومحباً لهم في عهد الرسالة المجيدة بكامله بل يمكن ان يقال ان نصرته لهم كانت منحصرة في ذلك العهد فقد اعتزل الامور بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله زهاء ثلاثين سنة. واما ان يريد بالبعدية من حيث الرتبة فولايته متأخرة رتبة عن ولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه قرينة واضحة على ان المراد بها ما هو من سنخ ولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي كونه اولى بالمؤمنين من انفسهم كما وقع التصريح بذلك في احد النصوص كما مر ذكره. هذا مع ان الولاية بمعنى النصرة والمحبة لا يختص بها عليعليه‌السلام بل المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض كما في الكتاب العزيز فالولاية الخاصة به التي امتدحه بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعله وجه عدم جواز معارضته في هذه النصوص هي الولاية بمعنى الاولوية والحكومة.

وهناك كثير من النصوص المتفرقة التي تدل بتواترها الاجمالي على نص الرسول بخلافة عليعليه‌السلام مثبتة في المجامع الروائية من اراد الوقوف عليها فليراجع المراجعات للامام شرف الدين او الغدير للعلامة الاميني او سائر الكتب المؤلفة لهذا الشأن.

واما اخبار الامامية واحتجاج الائمةعليهم‌السلام فاوضح من الشمس والنص على خلافتهعليه‌السلام واحد عشر اماماً من ولده من ضروريات المذهب وواضحاته والكتب في ذلك كثيرة منها كتاب كفاية الأثر للخزّاز الرازي، والالفين للعلامة الحلي، وغاية المرام والإنصاف للسيد هاشم البحرانى، وبحار الأنوار ( ج ٣٦ )، واثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحر العامليرحمه‌الله ، وجامع الأثر للسيد حسن آل طه، و....

____________________

(١) المعجم الكبير: ١٢ / ٩٩ ضمن ح ١٢٥٩٣، البداية والنهاية: المجلّد ٤ ج ٧ / ٣٤٥، مجمع الزوائد: ٩ / ١٢٠، منحة المعبود: ٢ / ١٧٨ ح ٢٦٥٢.

٢١

الشورى عند علماء الامامية

واما الشواهد التي تشبث بها الكاتب في ص ١٩ لاثبات « ان تراثهم ( الامامية ) يحفل بنصوص اخرى تؤكد التزام الرسول الاعظم واهل البيت بمبدأ الشورى وحق الامة في انتخاب ائمتها » فهي:

١ - تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى - وهو من أبرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري - إنّ العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسأله عن القائم بالأمر بعده « فإن كان لنا بيَّنه وإن كان لغيرنا وصّى بنا »، وإن أمير المؤمنين قال: « دخلنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين ثقل، فقلنا: يا رسول الله... استخلف علينا، فقال: لا، إنّي أخاف أن تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً اختار لكم ».

أقول: التمسك بهذه الرواية واسنادها الى الشيعة والى كتاب الشافي للشريف المرتضى يدل على سوء سريرة الرجل وانه ليس كاتبا حراً بل كاتب اجير فهذه رواية يتمسك بها خصوم الشيعة والشريف ذكرها في عداد ما تمسك به الخصم لردّ وجود نصّ على امير المؤمنينعليه‌السلام وردّه الشريف المرتضىرحمه‌الله قال في ص١٥١ من الجزء الثاني ط طهران(١) : « قال صاحب الكتاب ( اي قاضي القضاة المعتزلي ) حكاية عن ابي هاشم: وكيف جاز ان يقول له العباس ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليل: سله عن هذا الامر فان كان لنا بيّنه وان كان لغيرنا وصّى بنا.... ».

واجاب عنه في ص١٥٢: « اما سؤال العباسرضي‌الله‌عنه عن بيان الامر من بعده فهو خبر واحد غير مقطوع عليه ومذهبنا في اخبار الآحاد التي لا تكون متضمنة لما يعترض على الأدلة والاَخبار المتواترة المقطوع عليها معروف فكيف بما يعترض ما ذكرناه من اخبار الآحاد ؟ فمن جعل هذا الخبر المروي عن العباس دافعاً لما تذهب إليه الشيعة من النصّ الذي قد دلّلنا على صحّته، وبيّنا استفاضة الرواية به فقد أبعد. على أنّ الخبر إذا سلّمناه وصحّت الرواية به غير دافع للنصّ، ولا منافٍ له لاَنّ سؤالهرحمه‌الله يحتمل أن يكون عن حصول الأمر لهم وثبوته في أيديهم، لا عن استحقاقه ووجوبه، يجري ذلك مجرى رجل نحل بعض أقاربه نحلاً وأفرده بعطية بعد وفاته، ثمّ حضرته الوفاة فقد يجوز لصاحب النحلة أن يقول له أترى ما نحلتنيه وافردتني به يحصل لي من بعدك، ويصير إلى يدي أم يحال بيني وبينه ويمنع من وصوله إليَّ ورثتك، ولا يكون هذا السؤال دليلاً على شكّه في الاستحقاق، بل يكون دالاً على شكّه في حصول الشيء الموهوب له إلى قبضته والذي يبيّن صحّة تأويلنا، وبطلان ما توهّموه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب العبّاس على ما وردت به الرواية:

____________________

(١) الارقام هنا تختلف عما ذكره الكاتب في الهامش وما ذكره خطأ.

٢٢

( انكم المقهورون )، وفي رواية اُخرى: ( انكم المظلومون ).

وقال في ص٩١ من الجزء الثالث في كلام طويل نقله عن كتاب المغني ( لقاضي القضاة ) يبدأ من ص٩٠ وينتهي في ٩٦: « والمروي عن العباس انه خاطب اميرالمؤمنينعليه‌السلام في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يسأله عن القائم بالامر بعده وانه امتنع من ذلك خوفاً ان يصرفه عن اهل بيته فلا يعود اليهم ابداً.... ».

واجاب عنه الشريف في ص١٠١ بقوله: « فامّا الخبر الذي رواه عن العباس رضى الله عنه من انه قال اميرالمؤمنينعليه‌السلام : لوسألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن القائم بالامر بعده فقد تقدم في كتابنا الكلام عليه وبيّنا انه لو كان صحيحاً لم يدل على بطلان النص فلا وجه لا عادة ما قلناه فيه ».

وما ذكره الشريفرحمه‌الله جواب للكاتب ايضاً وهو ان هذا الخبر لو فرض صحة سنده - ولا سند له - فلا يقاوم هذه الاخبار المتواترة القطعية المتضمنة لنص الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله على اميرالمؤمنينعليه‌السلام . هذا مع ان تشكيك العباس في النص لا يدل على عدم وجود النص كما جاء في التأويل الذي ذكره الشريف.

هذا بالنسبة الى صدر الرواية التي جاء بها الكاتب واما ما ذيّله به من ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام قال دخلنا على رسول الله.... الى آخره فهذا ايضاً خبر آخر نقله في كتاب الشافي قبل هذا الخبر عن الخصم اي كتاب المغني ورده الشريف ايضاً بقوله فى ص١٠١: « وبعد فبازاء هذين الخبرين اللذين رواهما في ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام لم يوص كما لم يوص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الاخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدة وطرق مختلفة المتضمنة لانهعليه‌السلام وصّى الى الحسن ابنه واشار اليه واستخلفه وارشد الى طاعته من بعده وهي اكثر من ان نعدّها ونوردها » ثم ذكر بعض ما روي في هذا الباب.

وهذه ايضاً من مراوغات الكاتب حيث ينسب ما يرويه الشريف عن خصمه - ليرد عليه بعد ذلك الى نفس الشريف وكأنه اعتمد على هذه الرواية واستند اليها!!!

٢ - « ويقول الكليني في الكافي نقلاً عن الإمام جعفر بن محمد الصادق إنّه لما حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين فقال للعباس: يا عم محمد... تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي واُمّي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح، قال: فأطرق هنيهة ثمّ قال: يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه ؟ فقال كردّ كلامه... قال: أما إنّي سأعطيها من يأخذها بحقها، ثمّ قال: يا علي، يا أخا

٢٣

محمد، أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ فقال: نعم بأبي واُمّي ذاك عليّ ولي(١) .

وهذه الوصية كما هو ملاحظ، وصية عادية شخصية آنية، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة والخلافة الدينية وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب فأشفق منها وتحمّلها الإمام أمير المؤمنين طواعية »(٢) .

الرواية مع ضعفها سنداً بسهل بن زياد الآدمى لا تدل على شيء مما يرومه الكاتب فهل اثبات وصية كهذه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينفي نصبه للخلافة ؟! وهل في هذه الرواية جملة تدل على انحصار وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام في ذلك ؟! كلا ولكن الغريق يتشبث بكل حشيش وكم اتعب نفسه هذا الرجل ليؤيد مزعمته هذه أن اهل البيتعليهم‌السلام لم يؤمنوا بالنص بل آمنوا بالشورى فلم يجد الا رواية ضعيفة تدل على ان هناك وصية اخرى للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاراد بذكرها ان يوهم للقارئ أن ائمة الشيعة لا يدعون ايصاء بالخلافة وانما يدعون ايصاءً بهذه الامور. ولكن كيف يمكن الاستدلال بهذه الرواية على انحصار الوصاية في ذلك ؟! ولو فرض دلالتها فهل تقاوم هذه الرواية عشرات الروايات المتواترات القطعيات التي ملأت كتب الشيعة مما صرح فيها بخلافتهعليه‌السلام بل تجاوزتها فملأت كتب العامة ايضاً ؟!

٣ - « وهناك وصية اخرى ينقلها الشيخ المفيد في بعض كتبه عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ويقول إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوصى بها إليه قبل وفاته، وهي أيضاً وصية أخلاقية روحية عامة وتتعلّق بالنظر في الوقوف والصدقات »(٣) .

وهذه ايضاً كسابقتها وان لم اجدها في الامالي والارشاد ولكنها مهما كانت فانها على فرض الصحة لا تنفي الاستخلاف ولا تعارض الروايات الدالة على خلافتهعليه‌السلام ولو عارضت ايضاً لم يكن لها خطر كما هو واضح ولكن الكاتب يرقص فرحاً فقد وجد في هذه الروايات الثلاث ضالته وهو يدعي ان تراث الشيعة يحفل بنصوص تؤكد التزام اهل البيت بمبدأ الشورى !!! فتراه يقول:

« واذا القينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها اقطاب الشيعة الامامية كالكليني والمفيد والمرتضى فاننا نرى انها تكشف عن عدم وصية رسول الله للامام علي بالخلافة والامامة وترك الامر شورى... »(٤) .

وقد القينا النظرة بل تأملنا بجد فرأينا الاحاديث لا تدل على ذلك ولا يتوهم منها الدلالة أصلاً بل

____________________

(١) الكافي ١: ٢٣٦.

(٢ - ٤) تطور الفكر... ص ٢٠.

٢٤

وجدناك كاذبا تنسب الحديث الى الشافي وهو لم يذكره الا نقلاً عن الخصم ليردّه.

احجام الامام عن اخذ البيعة لنفسه

ثم قال: « وهو ما يفسرّ احجام الامام علي عن المبادرة الى اخذ البيعة لنفسه بعد وفاة الرسول بالرغم من الحاح العباس بن عبدالمطلب عليه بذلك حيث قال له امدد يدك ابايعك وآتيك بهذا الشيخ من قريش ( يعنى ابا سفيان ) فيقال ان عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك من قريش احد والناس تبع لقريش فرفض الامام علي ذلك »(١) .

أقول: التاريخ يقول لنا ان الامام كان مشتغلا بتجهيز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما اجتمعت الانصار في السقيفة ثم حضر ابو بكر وعمر وابو عبيدة فمنعوهم من التبايع وساعدهم على ذلك ضغائن الاوس والخزرج كما اسلفناه وتم الامر لابي بكر فهذه البادرة التي اظهرها العباس - لو صحت الرواية - انما كان بعد مؤامرة السقيفة وتمامية الامر لابي بكر ومن الطبيعي ان يرفض الامام (ع) كل اقتراح من هذا القبيل بعد ان بقي منفردا لا يمكنه الصولة إلا بيد جذاء ونتيجته ان لا يبقى موحد ابداً ولا يسمع صوت الشهادة على المآذن.

هذا مع انهعليه‌السلام لم يكن بحاجة الى اخذ البيعة لنفسه فقد بايعه المسلمون يوم الغدير بما فيهم ابوبكر وعمر ووجوه الصحابة وقال له عمر: بخ بخ لك يا ابا الحسن اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن - أو كل مسلم - على اختلاف الروايات، وقد رواه جمع كثير من الحفاظ واصحاب السنن جمعهم العلامة الامينيرحمه‌الله في كتاب الغدير حيث قال: وخصوص حديث تهنئة الشيخين رواه من ائمة الحديث والتفسير والتاريخ من رجال السنة كثير لا يستهان بعدتهم بين راوٍ مرسلا له ارسال المسلّم وبين راوٍ اياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي الى غير واحد من الصحابة كابن عباس وابي هريرة والبراء بن عازب وزيد بن ارقم....

ثم عد ستين حافظاً من اهل السنة رووه في مصنفاتهم منهم ابن ابي شيبة المتوفى ٢٣٥ في المصنف والامام احمد في سنده وابن جرير الطبري في تفسيره والحافظ الشهير الدار قطني في سننه والثعلبي في تفسيره والخطيب البغدادي في تاريخه والغزالي في سر العالمين والشهرستاني في الملل والنحل والخوارزمي في مناقبه وابن الجوزى في مناقبه ايضاً والامام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير وابن الاثير في اسد الغابة وسبط ابن الجوزي في تذكرته وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم الى

____________________

(١) تطور الفكر... ص ٢٠.

٢٥

تمام الستين(١) .

ومن الغريب جداً ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصب خيمة في المكان واجلس فيها علياعليه‌السلام كما في بعض هذه المصادر وامر الناس ووجوه الصحابة رجالا ونساءً حتى امهات المؤمنين على ما في بعضها ايضاً - كما نقله في الغدير - ان يبايعوا عليا ثم يقال انه اراد بذلك اعلامهم انه ناصرهم وان عليهم ان يحبّوه ويوالوه !!!

شعور الامام بالاولوية والاحقية

وفي ص٢١: « وبالرغم من شعور الامام علي بالأحقّية والأولوية في الخلافة، إلاّ أنّه عاد فبايع أبا بكر، وذلك عندما حدثت الردّة، حيث مشى إليه عثمان بن عفان فقال له: « يا ابن عم، إنّه لا يخرج أحد إلى قتال هؤلاء وأنت لم تبايع » ( المرتضى، الشافي، ج٣ ص ٢٤٢ ) فأرسل إلى أبي بكر أن يأتيه فأتاه أبو بكر فقال له: « والله ما نفسنا عليك ما ساق الله إليك من فضل وخير، ولكنّا كنّا نظنّ أن لنا في هذا الأمر نصيباً استبدّ به علينا »، وخاطب المسلمين قائلاً: « إنّه لم يحبسني عن بيعة أبي بكر ألاّ أكون عارفاً بحقّه، ولكنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر نصيباً استبدّ به علينا » ثمّ بايع أبا بكر، فقال المسلمون: اصبت واحسنت ».

يروي الكاتب هاتين الروايتين عن المرتضى في الشافي وكأنه هو الراوي لها مع انه رواها ضمن مجموعة من الروايات في نفس القضية عن البلاذري وقد قال فيه: « وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروف »(٢) . وغرض الشريف من نقل هذه الروايات اثبات ان بيعتهعليه‌السلام لم تكن بطيب خاطر وتأييد لخلافة ابي بكر ولذلك قال في ذيل الحديث المذكور: « ومن تأمل هذا الخبر وما جرى مجراه علم كيف وقعت الحال في البيعة وما الداعي اليها ولو كانت الحال سليمة والنيات صافية والتهمة مرتفعة لما منع عمر ابا بكر ان يصير الى اميرالمؤمنينعليه‌السلام وحده » وهذا امر ورد في الخبر المذكور ولم ينقله الكاتب لانه ينافي غرضه الذي يتوخاه من نقل الحديثين المذكورين. صدر الرواية هكذا: عن عائشة قالت: « لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة

____________________

(١) للاطلاع راجع الغدير ١: ٢٧٠.

وانظر: مسند أحمد بن حنبل: ٤/٢٨١، وذكره عن أحمد في كنز العمّال: ٦/٣٩٧، فضائل أحمد: ١١١، ١٦٤، مصنّف ابن أبي شيبة: ١٢/٧٨/١٢٦٧، تاريخ بغداد: ٨/٢٩٠، البداية والنهاية: ٥/٢١٠، مناقب الخوارزمي: ٩٤، كفاية الطالب: ٦٢، فرائد السمطين: ١/٣٨، ٧١. الرياض النضرة: ٢/١٦٩، وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: ١٠٩ ( مخطوط ).

(٢) الشافي ٣: ٢٤٠.

٢٦

اشهر فلما ماتت ضرع (!) الى صلح ابي بكر فأرسل اليه ان يأتيه فقال عمر: لا تأته وحدك قال وماذا يصنعون بي....».

ثم يفسر الكاتب ما نفث به صدر الامامعليه‌السلام طيلة ايام خلافته من شكاوى عما صنع به القوم بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول: « ولا شك ان تمنع الامام علي من المسارعة إلى بيعة أبي بكر كان بسبب أنّه كان يرى نفسه أولى وأحقّ بالخلافة وهو كذلك، أو كان يرى ضرورة مشاركته في الشورى وعدم جواز الاستبداد بها دونه، وقد سأله رجل من بني أسد: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟ فقال: يا أخا بني أسد... أما الاستبداد بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً والأشدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نوطاً، فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ».

ينقل الكاتب هنا بعض الاخبار والخطب مما يوهم انهعليه‌السلام انما كان يرى نفسه احق بالخلافة من جهة الفضل والعلم والجهاد ولا يدعي نصاً على نفسه وانما كان يؤمن بالشورى كمبدأ لتعيين الخليفة ولذلك بايع ابابكر فلنلاحظ الاخبار والخطب:

١ - خطبة ١٦٢ من نهج البلاغة وهي التي نقلناها آنفاً عن الكاتب. وقد قال الامام بعد الجملة المذكورة « والحكم الله والمعود اليه يوم القيامة... » ولنتأمل الخطبة هل معنى العبارة ان الامام يؤمن بالشورى كمبدأ لتعيين الخليفة ؟ فلو صح ذلك فلماذا يشكو الامام المتقمصين للخلافة ؟ وما ذنبهم اذا كان الناس اختاروهم للقيادة ؟ أليس الواجب عليهم القيام باعبائها اذا اختارتهم الامة فلماذا يعبر الامام عنها بالاثرة. والأثرة: الشيء يؤخذ ممن هو حق له او نفس الأخذ من دون استحقاق، وفي الفائق انه الاستئثار بالفيء وغيره. وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله للانصار: « انكم ستلقون بعدي اثرة فاصبروا ». واعتقاد الامام انه احق بالخلافة واصلح لها حسب نظرية الشورى لا يعني الا ان الاولى للناس ان يختاروه اماماً فان لم يفعلوا فلا شيء عليهم ولا على الذي يختارونه وليست هنا خلافة مغتصبه او وضع في غير محله فان محله هو الذي يختاره الناس سواء اصابوا الاصلح ام اخطأوا بل لا يجب عليهم ان يتحروا الاصلح فلماذا هذه الشكاوى وممن ؟ ولماذا التعبير بان نفوساً شحت عليها وبخلت بها لو لم يكن لهعليه‌السلام حق ثابت ؟ ولماذا يهددهم بان الحكم الله واليه يوم القيامة ؟

ثم يتابع الكاتب فيروي الخطبة الشقشقية متقطعة ونحن نرويها كاملة ليتضح الامر:

« أما والله لقد تقمصها فلان ( وفي نسخة ابن ابي قحافة ) وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحا. ينحدر عنّي السّيل، ولا يرقى إليّ الطّير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً. وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصّغير ،

٢٧

ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه!

فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى فلان ( وفي نسخة ابن الخطاب ) بعده. ثم تمثل بقول الاعشى:

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته - لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ! - فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحّم، فمني النّاس - لعمر الله - بخبط وشماسٍ. وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدّة. وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم. فيالله وللشورى ! متى اعترض الرّيب في مع الأول منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النّظائر ! لكنّى أسففت إذ أسفوا. وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته !

فما راعني إلاّ والناس كعرف الضّبع إلي، ينثالون علي من كل جانبٍ، حتى لقد وطىء الحسنان، وشقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم. فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون: كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: « تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين » بلى ! والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها !

أما والّذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود النّاصر، وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقاروا على كظّة ظالم. ولا سغب مظلومٍ، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ !(١)

ونستعرض الآن العبارات التي وردت في هذه الخطبة وتدل على انهعليه‌السلام يرفض الشورى ولا يرى لغيره حقا بالخلافة لا بشورى ولا بغيرها ويعتقدانه حق غصب منه:

١ - تقمصها... اي لبسها ولا يحق له ذلك... ولو كان الامر موكولاً الى الناس يختارون من يريدون حسب نظرية الشورى لكانت الخلافة بعد اختيارهم - كما يزعمه الزاعمون - حقا له وليس قميصاً لغيره لبسه ابن ابي قحافة غصبا وظلماً.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لمحمد عبدة ١: ٣٤ ( الخطبة الشقشقية ).

٢٨

٢ - وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى. يشبه الامامعليه‌السلام الخلافة والامامة بالرحى ونفسه الزكية بقطبها والرحى لا تدور الاّ على قطبها فهو يرى لنفسه منزلة لا يمكن للخلافة الا ان تدور عليه وتكون بيده سواء اراد الناس أم ابوا ولو كان الامر موكولاً الى الناس لم يكن لاحد منزلة القطب في رحى الخلافة وانما القطب لها من اختاره الناس سواء كان صالحاً ام غير صالح اذ لا حق لاحد خارج نطاق الشورى وانتخاب الناس. والطريف ان الامامعليه‌السلام يعلن بان ابابكر يعلم ذلك ومن اين علمه ابوبكر مع انهم كانوا يزعمون ان عليّا شاب لا ترضى بزعامته مشايخ العرب فلا معنى لهذه الجملة الا الاشارة الى النص الذي كان يعلم به ابوبكر كما يعلمه سائر الصحابة.

٣ - وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذّاء... هذه العبارة تدل بوضوح على انهعليه‌السلام لو كانت له يد قادرة على الحرب واعوان على الصولة على القوم لحاربهم وقاتلهم واخذ منهم الزعامة بالقوة وانما منعه عن ذلك فقد انصار اقوياء يبذلون النفس في سبيل الحق. وعلى ماذا يقاتل الامام لو لم يكن له حق مغصوب مسلوب ؟! ولو كان الامر شورى وبانتخاب الناس فالحق هو ما اختاروه ولم يكن هناك ما يبرر الصولة على القوم والاطاحة بهم فهذه الجملة صريحة في ان لهعليه‌السلام حقا ثابتا في زعامة المسلمين ليس لاحد ان يغتصبه سواء تجمعت الامة على احد ام تفرقوا.

وقد تكرر من الامامعليه‌السلام القول بهذا المضمون فمنها قوله في الخطبة(٥) من نهج البلاغة: « ايها الناس شقّوا أمواج الفتن بسُفن النجاة، وعرِّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناحٍ، أو استسلم فأراح، ماءٌ آجن، ولقمة يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزَّارع بغير أرضه، فإن أقُل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت.

هيهات بعد اللتيا والتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه، بل اندمجت على مكنون علم لو بُحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة ».

قال ابن ابي الحديد في ذيل الخطبة: « لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشتغل عليّعليه‌السلام بغسله ودفنه، وبويع أبو بكر، خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعليعليه‌السلام لإجالة الرأي، وتكلّموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهييج، فقال العباسرضي‌الله‌عنه : قد سمعنا قولكم فلا لِقلّة نستعين بكم، ولا لِظنّةٍ نترك آراءكم، فأمهلونا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الاثم مخرج يصرّ بنا وبهم الحقّ صرير الجُدجد، ونبسط إلى المجد أكفّاً لا نقبضها أو نبلغ المدى، وإن تكن الاُخرى، فلا لِقلّة في العدد ولا لوَهنٍ في الأيد، والله لولا أنّ الاسلام قيّد الفتك، لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العليّ.

٢٩

فحلّ عليعليه‌السلام حبوته، وقال: الصبر حلم، والتقوى دين، والحجّة محمد، والطريق الصراط، ايها الناس شُقّوا أمواج الفتن.... ( الخطبة ).... فدخل الى منزله وافترق القوم »(١) .

وفي تذكرة ابن الجوزى: « لما دفن رسول الله.... ونقل الخطبة باختلاف »(٢) .

وقولهعليه‌السلام : افلح من نهض بجناح واستسلم فأراح كالصريح في أنه لو كان له جناح لنهض وقام بالسيف ولكن حيث لا جناح له فهو يستسلم ليريح الناس ولا يوجب ازعاجهم دون جدوى.

وفي الشطر الاخير من الخطبة بينعليه‌السلام ان استسلامه ليس خوفاً من الموت وقد أنس به مليّاً في خضمّ الحروب فهو آنس به من الطفل بثدي امه ولكنه انطوى على مكنون علم يمنعه من المطالبة بالقوة وهو - كما بينه في مواضع كثيرة - خوف الفتنة وانقسام المسلمين، والضغائن الجاهلية بعدُ كامنة في النفوس، فان وجدت لها مخرجا فارت، وعاد الامر جذعة، وارتد الناس الى الجاهلية، والمنافقون يكيدون للدين الحديث المكائد، وفي المسلمين سمّاعون لهم. والخطر محدق بهم من الخارج ايضاً حيث الامبراطوريات المهدّدة تحاول انتهاز الفرص للقضاء على كل خطر يهدد كيانها. ولذلك ردّ الامامعليه‌السلام اقتراح أبي سفيان بانه يملأ المدينة خيلاً ورجلاً.

وقولهعليه‌السلام في الخطبة(٢٦) : « فنظرت فاذا ليس لي معين إلاَّ اهل بيتي فضننت بهم عن الموت واغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على اخذ الكظم وعلى أمرَّ من طعم العلقم »(٣) .

ومثله على اختلاف يسير الخطبة ٢١٧ ففيها: « فنظرت فاذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا ساعد الا اهل بيتي فضننت بهم عن المنيّة فاغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجا وصبرت من كظم الغيظ على امرّ من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار »(٤) .

٤ - أرى تراثي نهباً. وهذه الجملة ايضا صريحة في ان الامامعليه‌السلام كان يرى نفسه وارث الزعامة والولاية فهو لم يتحدث هنا عن ارث المال ولم يكن هو وارث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرعاً لو كان له مال موروث بل كان المال لزوجاته وابنته مع أن كلامه هنا يدور حول الخلافة وتقمص ابي بكر لها فهي التراث المنهوب وهذا صريح في ان خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فى الولاية والأقرة على المسلمين ليست حقا للناس يختارون من شاؤوا بل تراث يورثه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من شاء وانه اورثها

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ٢١٨.

(٢) تذكرة الخواص: ١٢٨، البحار ٢٨:٢٣٣.

(٣) نهج البلاغة ١: ١٢٢.

(٤) نهج البلاغة، صبحي الصالح: ٣٣٦.

٣٠

علياعليه‌السلام بالنص وانّهم غصبوها منه كما قالعليه‌السلام في خطبة اخرى: « فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يومنا هذا »(١) .

٥ - فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطّرا ضرعيها... حيث إنّ الامامعليه‌السلام لم يتعجب منه كيف عقد الخلافة لآخر ولم يترك الامر للشورى وانتخاب الناس ولو كان الامام يؤمن بالشورى كمبدأ لتعيين الخليفة لكان هذا هو وجه العجب حيث استند ابوبكر في شرعية خلافته الى الشورى - كما يزعمون - ثم عيّن الخليفة من بعده بالنص ولكنهعليه‌السلام لم يبد عجبا من ذلك وانما تعجب منه كيف عقدها لآخر وهو يستقيل منها في حياته ويشير بذلك الى قول ابي بكر في خطبة له: « اقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم »(٢) .

ويستشهد الكاتب بعد ذلك بهذه الرواية المروية عن زيد بن علي عن الامام اميرالمؤمنينعليه‌السلام يقول: « بايع الناس أبابكر وأنا أولى بهم مني بقميصي هذا فكظمت غيظي وانتظرت امري والزقت كلكلي بالارض » يروي الكاتب هذه القطعة من الحديث عن الشافي للشريف المرتضىرحمه‌الله ( ٣: ١١٠ ) ونحن ننقله كاملاً: «... ثم ان ابابكر هلك واستخلف عمرو قد والله علم أني اولى بالناس مني بقميصي هذا فكظمت غيظي وانتظرت امري ثم ان عمر هلك وجعلها شورى وجعلني فيها سادس ستة كسهم الجدّة فقال: اقتلوا الاقلّ فكظمت غيظي وانتظرت امري والزقت كلكلي بالارض حتى ما وجدت الا القتال او الكفر بالله ».

ويعقب الكاتب على نقل هذه الخطب والكلمات بقوله: « وفي هذه الخطب يشير الامام علي بن ابي طالب الى اولويته بالخلافة واحقيته بها وان اهل البيت هم الثمرة اذا كانت قريش شجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يشير الى مسألة النص عليه من رسول الله او تعيينه خليفة من بعده... ».

وقد تبين بما مرّ انهعليه‌السلام لا يقصد بهذه العبارات انه اولى بالخلافة بل ان الخلافة حق له غصب منه وكذلك كلامه هذا فانه لا يقول: « وانا اولى بها منهم » كما يتوهمه او يوهمه الكاتب بل يقول: « وانا اولى بهم مني بقميصي هذا » كما صرح بذلك في عبارته التالية « وقد والله علم ( يعني ابابكر ) أني أولى بالناس مني بقميصي هذا... » ومن المعلوم انهعليه‌السلام يملك قميصه فمراده بهذا الكلام ليس اولويته بالخلافة بل المراد انه اولى بالناس من الناس أنفسهم وانه يملك امورهم اكثر مما يملك قميصه.

____________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٦.

(٢) الإمامة والسياسة ١: ٢٢، كنز العمال ٥: ٥٨٨ ح ١٤٠٤٦، تاريخ الطبري ٣: ٢١٠، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١: ١٦٩.

٣١

فهذه العبارة غاية في الدلالة والصراحة بانهعليه‌السلام ولي أمر الناس ولاية مطلقة عامة شاملة لجميع شؤونهم ولاية تفوق ملكية الانسان لقميصه الذي يلبسه. هل يمكن ان يحصل هذه الولاية لانسان على الناس الا بجعل من الله تعالى ؟! من الواضح ان ولاية كهذه لاتحصل بانتخاب الناس واختيارهم مع انهم لم يختاروه خليفة وقائداً. فانظر مدى الفرق بين مفاد كلام الامام وما يروم الكاتب ان يحمل عليه كلامهعليه‌السلام .

ثم قال الكاتب: « وينقل الكليني رواية عن الامام محمد الباقر يقول فيها ان الامام عليا لم يدع الى نفسه وانه اقرّ القوم على ما صنعوا وكتم امره » وما وجدت هذا الحديث في الموضع الذي اشار اليه الكاتب اي الروضة من الكافي: ٢٤٦ ولا في مواضع اخرى تعد من مظانّه رغم البحث والفحص ومهما كان فلا يزيد هذا الحديث شيئاً على ما ذكر فمن الواضح انه عليهعليه‌السلام لم يدع الى نفسه علانية بحيث يوجب شق عصا المسلمين وهو الذي يقول لما عزم القوم على بيعة عثمان: « لقد علمتم أنّي احقّ الناس بها من غيري ووالله لاسلمنّ ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور الاّ عليّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه » الخطبة ٧٤. وغير ذلك مما قالهعليه‌السلام في ذلك.

يقول الكاتب: « واذا كان حديث الغدير يعتبر أوضح وأقوى نصّ من النبي بحقّ أمير المؤمنين، فإنّ بعض علماء الشيعة الإمامية الأقدمين، كالشريف المرتضى، يعتبره نصّاً خفياً غير واضح بالخلافة، حيث يقول في الشافي: « إنّا لا ندّعي علم الضرورة في النص، لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف أحداً من أصحابنا صرّح بادعاء ذلك »(١) .

من الغريب والمخجل ان ينسب الى الشريف ذلك وفي هذا الموضع بالذات من كتابه وهو انما يحاول فيه اثبات النص على خلافة اميرالمؤمنينعليه‌السلام ويرد على قاضي القضاة المعتزلي فلننظر ماذا يقول الشريف ليتبين مدى مراوغة الرجل:

قال الشريف قبل هذه العبارة بصفحات أي في الصفحة ٦٥: « الذي نذهب اليه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام بالامامة بعده، ودلّ على وجوب فرض طاعته ولزومها لكلّ مكلّف، وينقسم النصّ عندنا في الأصل إلى قسمين أحدهما يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول، والآخر إلى القول دون الفعل. فأمّا النصّ بالفعل والقول، فهو ما دلّت عليه أفعالهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقواله المبينة لأمير المؤمنينعليه‌السلام من جميع الاُمّة، الدالّة على استحقاقه من التعظيم والاجلال

____________________

(١) تطور الفكر.... ص ٢٢.

٣٢

( الى ان قال في ص٦٧ ):

« فأمّا النص بالقول دون الفعل ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما علم سامعوه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مراده منه باضطرار، وإن كنّا الآن نعلم ثبوته والمراد منه استدلالاً وهو النصّ الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة، ويسمّيه أصحابنا النصّ الجلي كقولهعليه‌السلام « سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين »، و « هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا »(١) .

والقسم الآخر: لا نقطع على أن سامعيه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله علموا النصّ بالاِمامة منه اضطراراً ولا يمتنع عندنا أن يكونوا علموه استدلالاً من حيث اعتبار دلالة اللفظ، وما يحسن أن يكون المراد أو لا يحسن.

فأمّا نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلاّ استدلالاً كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» و « من كنت مولاه فعليّ مولاه »، وهذا الضرب من النص هو الذي يسمّيه أصحابنا النصّ الخفيّ.

ثمّ النصّ بالقول ينقسم قسمة اُخرى إلى ضربين:

فضرب منه تفرّد بنقله الشيعة الإمامية خاصة، وإن كان بعض من لم يفطن بما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه، وهو النصّ الموسوم بالجليّ.

والضرب الآخر رواه الشيعي والناصبي وتلقاه جميع الاُمّة بالقبول على اختلافها، ولم يدفعه منهم أحد يحفل بدفعه يعد مثله خلافاً وان كانوا قد اختلفوا في تأويله وتباينوا في اعتقاد المراد به وهو النصّ الموسوم بالخفي الذي ذكرناه ثانياً »(٢) .

لاحظ هذه العبارة فانه يقول ان النص بالقول على قسمين قسم اوجب العلم الضروري للسامعين في ذلك الوقت وان كان لا يوجب لنا في هذا الزمان علماً ضرورياً لعدم وجود القرائن الحالية الدخيلة في وضوح الدلالة اولم يثبت وقوعه لنا بعلم ضروري ولكنا نعلمه ونعلم دلالته ايضاً بعلم استدلالي. فالفرق بيننا وبينهم انهم يعلمون به وبدلالته ضرورة بمعنى انه لا يحتاج ايجابه للعلم والقطع الى استدلال وترتيب مقدمات لانهم كانوا شاهدين على ذلك فلا حاجة الى اثبات تواتره ولان القرائن الحالية توجب القطع بالمراد واما نحن فيمكننا تحصيل العلم والقطع بذلك ولكن بعد استدلال وترتيب مقدمات يوجب

____________________

(١) وهو حديث يوم الدار، انظر تاريخ الطبري ٢: ٣٢١.

(٢) الشافي ٢: ٦٥ - ٦٨.

٣٣

اثبات تواتر النقل ووضوح الدلالة. فهذا هو الفرق بين النص الجلي والنص الخفي عنده وعند اصحابنا كما يقول.

ولنعد الآن الى عبارته التي نقلها الكاتب وننقل ما قبلها وما بعدها ليتضح المراد:

« قال صاحب الكتاب: ( اي قاضي القضاة المعتزلي ): فان قيل انّا ندَّعي هذا الجنس من الاضطرار لمن فتّش عن الأخبار وأزال عن قلبه الشبهة، ولم يسبق إلى اعتقاد فاسدٍ، فأمّا من حصل فيه بعض هذه الوجوه لم يحصل له الضرورة، ولذلك يحصل الاضطرار لطوائف الشيعة ولا يحصل للمخالفين.

قيل لهم: إذا كان ذلك هو الحجّة وقد أقررتم أنّه لا يحصل للمخالف فيجب أن يكونوا في أوسع العذر في مخالفتكم وأن لا يلحقهم الذم بذلك.

فان قالوا: إنّما نذمّهم من حيث اعتقدوا إمامة غير أمير المؤمنينعليه‌السلام لشبهة.

قيل لهم: فيجب أن لا يلحق من شكّ في ذلك وتوقّف الذم ويكون معذوراً في ذلك وذلك ينقض أصلهم في الإمامة لأنّهم يحعلونها من أعظم أركان الدين وأصلاً لسائر الشرائع ( فكيف يصحّ أن لا يعلمها من خالفهم مع علمه بفروع الدين التي هي الصلاة والصيام وغير ذلك ).

يقال له: قد بيّنا أنا لا ندّعي علم الضرورة في النص لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف أحداً من أصحابنا صرّح بادّعاء ذلك ولكنّا نكلّمك على ما يلزمك دون ما نذهب إليه ونعتقده حقّاً.

أمّا ادّعاؤك أن يكون المخالف لنا في أوسع العذر إذا لم يعرف النص ضرورة، فباطل لا يدخل في مثله شبهة على مثلك لأنّا إنّما ألزمناك أن يرتفع العلم الضرورة عنهم بالنصّ على وجهٍ كانوا فيه هم المانعين لأنفسهم منه، وهم مع كونهم مانعين من وقوعه متمكنون من إزالة المانع، والخروج عمّا ارتفع من أجله العلم بالنصّ من الشبهة أو السبق إلى الاعتقاد، ولو شاءوا لفارقوا ذلك فوقع لهم العلم الضروري، فكيف يجب على هذا أن يكونوا معذورين... »(١) .

وخلاصة القول ان قاضي القضاة يدعي ان العلم الضروري بالنص من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على خلافة عليعليه‌السلام انما يحصل لمن فتش الاخبار وبحث عن النص ولم يكن على شبهة وعقيدة مخالفة قبل ذلك ولا يحصل العلم الضروري لمن لم يفتش عنها او فتش وكان على اعتقاد راسخ بعدم وجود النص فانه يأول ما يراه او يمنع حصول التواتر وعلى ذلك فهو معذور في عدم حصول العلم له واذا كان كذلك فيأتي الاشكال في اصل ثبوت النص بانه كيف لم يحصل الشك والشبهة للمسلمين جميعاً المعترفين بالنبوة في وجوب الصلاة والصوم وحصل لهم الشك في ثبوت نص الخلافة ولم يحصل

____________________

(١) الشافي ٢: ٩٧ - ٩٨.

٣٤

العلم الضروري الا للشيعة وبذلك يتبين انه لا يوجد نص يوجب العلم الضروري بذلك. هذا خلاصة مدعى القاضي.

ويرد عليه الشريف بانا لا ندعي العلم الضروري بالنص لا لنا ولا لمخالفينا بل ندعى ان هذه الاخبار الواردة من طرقكم - ولا نكلّمك على ما نعتقده حقاً - يوجب العلم الاستدلالي اي يحصل العلم بعد ملاحظة الحجج والادلة المثبتة لصحة الاخبار وتواترها ووضوح دلالتها واما قولك: « ان من لم يلاحظ هذه الادلة فهو معذور » غير صحيح لانهم هم المانعون عن تحقق هذا العلم لهم حيث لم يلاحظوا الادلة وكيفية دلالتها على وجه يوجب العلم الضروري لهم ولو من طريق الاستدلال وهذا لا يوجب عذراً.

وما ذكره الشريف صحيح وواضح جداً فان من سمع بالرسالات واحتمل ان يكون هناك شريعة وحساب ومعاد لا يجوز له عقلا التغافل عنه والاشتغال بملاهي الحياة الدنيا ولا يكون معذوراً امام الله تعالى بانه لم يثبت له بالعلم الضروري صحة ما جاء به الرسل فكما ان رجلا كهذا ليس معذوراً قطعاً كذلك لا يعذر المخالف الذي يتغاضى ويتجاهل وجود هذه النصوص ووجود كتب استدلالية علمية لعلماء الشيعة فلا يراجعها لئلا يحصل له العلم بفساد مذهبه الذي بنى عليه شؤون حياته.

وهكذا يتبين انّ ما رامه الكاتب ان يستفيده من عبارة حذف اولها وآخرها في كتاب الشافي للشريف المرتضى هو عكس ما يقصده الشريف تماماً.

قال الكاتب: « ولذلك فإن الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير أو غيره من الأحاديث معنى النصّ والتعيين بالخلافة، ولذلك اختاروا طريق الشورى، وبايعوا أبا بكر كخليفة من بعد الرسول، ممّا يدلّ على عدم وضوح معنى الخلافة من النصوص الواردة بحقّ الاِمام علي، أو عدم وجودها في ذلك الزمان »(١) .

تبين مما مرّ في فصل نظام الشورى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان بيعة ابي بكر لم تقم على اساس الشورى وانما كانت فلتة وقى الله شرها كما يعتقد الشيخان ابوبكر وعمر. ومهما كان فلقائل ان يقول: ان البيعة وان لم تتم على اساس الشورى يومذاك الا ان المسلمين بايعوا تدريجياً فلم يختلف عليه اثنان وحصل الاجماع ولله الحمد !

ولكن الواقع ان ما حدث في ذلك العهد كان اشبه شيء بانقلاب عسكري لم يترك مجالاً لاحد ان يبدي رأيه او يخالف من دعي باسم خليفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فان ذلك كان يعدّ شقاً لعصا

____________________

(١) تطور الفكر... ص ٢٢.

٣٥

المسلمين ومبرراً لسفك دمه ومع ذلك فان هناك من لم يبايع اصلاً كسعد بن عبادة ومن بايع كرهاً وهم جماعة كثيرة اعلنوا كراهتهم وعلى رأسهم اميرالمؤمنينعليه‌السلام ويكفيك دليلاً على ذلك مامرّ من خطبه اللاذعة التي صرح فيها بانه لم يكن مكرهاً فحسب بل كان عازماً على ثورة دموية تقلب نظام الحكم ولكنه لم يستطع لخذلان الناس اياه وقد ورد في الروايات انه كان يسير على نوادي الانصار ليلا ومعه سيدة النساء سلام الله عليها يستنصرهم على غاصبي حقه فكانوا يعتذرون بسبق بيعتهم لابي بكر وانهم لو سمعوا داعيته قبلها لا جابوا.

وقد ورد ذكر ذلك في كتاب معاوية الى اميرالمؤمنينعليه‌السلام حيث كتب: « وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك حسن وحسين يوم بويع أبو بكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يجبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقّاً لأجابوك ولكنك ادّعيت باطلاً، وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حرّكك وهيّجك « لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم » فما يوم المسلمين منك بواحد »(١) .

ومع ذلك فهناك من الصحابة من انكر على ابي بكر جلوسه على منبر الخلافة وان بايع بعد ذلك مكرهاً كما ورد من طرقنا وهم جماعة من المهاجرين والانصار منهم خالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الاسود وابي بن كعب وعمار بن ياسر وابوذر الغفاري وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود وبريدة الاسلمي وخزيمة بن ثابت وسهل بن حنيف وابو ايوب الانصاري وابو الهيثم بن التيهان وغيرهم(٢) .

الشورى عند امير المؤمنينعليه‌السلام

يحاول الكاتب ان يثبت ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام كان يؤمن بالشورى كنظام لتعيين القائد وقد تبين بما ذكرناه في فصل « الشورى عند اهل البيتعليهم‌السلام » وفصل « شعور الامام بالاولوية والاحقية » انّهعليه‌السلام كان يرى لنفسه حقا ثابتاً بالنص وانه لو كان متمكناً من اخذ حقه بالقوة لحاربهم على ذلك ولو كان يرى ان ذلك حق للناس لم يكن لذلك مبرر وانما كان له الحق في ارشاد الناس وتوجيههم وبيان فضائله لهم ليختاروه ولم يكن له الحق في محاربة من اختاره الناس كما يزعمه

____________________

(١) شرح النهج ١: ١٣١، وج ٣: ٥، البحار ٢٨: ٣١٣.

(٢) راجع البحار ٢٨: ١٨٩ و ٢٠٨.

٣٦

دعاة الشورى.

ولكن الكاتب يحتج بدخول الامام في الشورى الذي عينها عمر لاختيار احدهم خليفة واحتجاجهعليه‌السلام بفضائله ودوره في خدمة الاسلام وعدم اشارته الى موضوع النص عليه او تعيينه خليفة من بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان حديث الغدير يحمل هذا المعنى لا شار الامام الى ذلك وحاججهم بما هواقوى من ذكر الفضائل ص ٢٣.

والجواب عن ذلك واضح، فان الإمام ما كان يمكنه هذا الاحتجاج في شورى عيّنها عمر إذ يستوجب ذلك القدح في خلافته وخلافة من سبقه وهو وان صرّح في مواطن عديدة بانهما غصبا حقّه إلاّ انّه لا يمكنه الاحتجاج في مثل هذه الشورى بذلك فانه انّما دخلها بعد التنازل عن حقّه الأول فلا يمكنه الاستناد إليه وهو انما دخل الشورى لئلا يقال انّ انتخاب عثمان انّما تم من جهة عدم اشتراك عليعليه‌السلام في الشورى فلو كان لم يدخل في الشورى لاعترض عليه الناس بذلك فأراد أن يقطع عذرهم ويبطل احتجاجهم ليظهر للناس انّ انتخاب عثمان انّما كان حسب مكيدة لمبتكر الشورى.

اذن فدخوله في الشورى لا يدل على قبوله لها، مع انّ هذه الشورى ليست شورى واقعية فلم يشترك فيها المسلمون بأجمعهم، ولا المهاجرون والأنصار، بل ولا جميع أهل الحل والعقد، مع انّ كل ذلك تخصيص بلا مبرر، ثمّ اختيار هذه المجموعة بما فيهم عبد الرحمن بن عوف مع تمايله إلى صهره عثمان - كما ذكره الإمام عليعليه‌السلام في الشقشقية - وترجيح المجموعة التي فيها عبد الرحمن بنصّ الخليفة من دون أي مبرر أو مرجح يكشف لنا المكيدة التي دبّرها الخليفة لازاحة الحق عن أهله، فهذه لم تكن شورى كيف ما تصورناها بل هي مكيدة سياسية، ودخول الامام فيها لا يفيد دعاة هذا النظام. واحتجاجه بفضائله دون النص أيضاً لا يدل على عدم النص لما ذكرناه من انّه لا يمكن الاحتجاج به في تلك المجموعة. وانما يصحّ أن يسأل عن وجه عدم استناد الامام إلى النص يوم السقيفة واحتجاجاً على الشيخين، دون يوم الشورى واحتجاجاً على مناوئيه ذلك اليوم. والواقع انّ الإمامعليه‌السلام استند إلى النصّ يوم السقيفة ولكنه خرج عن داره متأخراً، وبعد انتهاز الشيخين واتباعهما فرصة اشتغال الامامعليه‌السلام بتجهيز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع ذلك فقد كان يخرج الامامعليه‌السلام من داره ليلاً يأخذ أهل بيته ويمر على ابواب الصحابة ويذكرهم بالنصوص التي صرّح بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنهم كانوا يعتذرون بسبق بيعتهم لأبي بكر، كما انّ الصحيح الوارد عن طرقنا انّ الإمامعليه‌السلام واصحابه الذين مر ذكرهم احتجوا على ابي بكر وعمر وحزبهما بالنصوص المذكورة ولكن لم يعيروا لذلك اهتماماً واستمروا على نهجهم محتجّين بانّ العرب لا ترضى ان تكون النبوّة والخلافة في

٣٧

بيت واحد، والملاحظ المنصف يحصل له القطع بانّ الشيخين لم يكتفيا بمنع عليعليه‌السلام حقّه بل حاولا أن لا ينال علي ذلك بعد وفاتهما أيضاً، فتجد انّها احتجا عليه بانّه شاب وان مشيخة الصحابة لا يرضون بتأمّر شاب عليهم ومع ذلك فلم يرض عمر أن يجعل الخلافة له من بعده ولم يكن الامام آنذاك شاباً، بل حاول بالمكيدة التي ذكرنا شطراً منها في تعيين عناصر الشورى أن يمنعه من الوصول إليه، ولو لم يقتل عثمان لما آل الأمر إليهعليه‌السلام بعده أيضاً.

هذا وهناك رأي آخر يسلّم انّ الامامعليه‌السلام لم يواجه الحاكمين بنصوص الخلافة ولكنه يرى انّ هناك مبررات لهذا السكوت، ومع انّا لا نوافق على ذلك، بل نعتقد انّ الامام وأصحابه وأهل بيته بما فيهم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها جابهوا الحاكمين بل وسائر الصحابة بتلك النصوص كما مرّ ذكره ولكنا نذكر هذه الفكرة لانها تستحق الدراسة والتأمّل ومن لم يطمئن بتصريح الامام، له أن يفسر ذلك بهذا الرأي.

يقول المفكر الاسلامي الكبير سيدنا الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه في كتابه القيّم « فدك في التاريخ »:

« ونحن نتبين من الصورة المشوشة التي عرفناها عن تلك الظروف والاوضاع ان الاعتراض بتلك النصوص المقدسة والاحتجاج بها في ساعة ارتفع فيها المقياس الزئبقي للافكار المحمومة والأهواء الملتهبة التي سيطرت على الحزب الحاكم الى الدرجة العالية كان من التقدير المعقول افتراض النتائج السيئة له لأن اكثر النصوص التي صدرت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن الخلافة لم يكن قد سمعها الا مواطنوه في المدينة من مهاجرين وأنصار فكانت تلك النصوص اذن الامانة الغالية عند هذه الطائفة التي لابد أن تصل عن طريقهم الى سائر الناس في دنيا الاسلام يومئذ والى الاجيال المتعاقبة والعصور المتتالية. ولو احتج الامام على جماعة أهل المدينة بالكلمات التي سمعوها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنه وأقام منها دليلاً على امامته وخلافته لكان الصدى الطبيعي لذلك أن يكذب الحزب الحاكم صديق الامة في دعواه وينكر تلك النصوص التي تمحو من خلافة الشورى لونها الشرعي وتعطل منها معنى الدين.

وقد لا يجد الحق صوتاً قوياً يرتفع به في قبال ذلك الانكار لأن كثيرا من قريش وفي مقدمتهم الامويون كانوا طامحين الى مجد السلطان ونعيم الملك وهم يرون في تقديم الخليفة على اساس من النص النبوي تسجيلا لمذهب الامامة الالهية، ومتى تقررت هذه النظرية في عرف الحكم الاسلامي كان معناها حصر الخلافة في بني هاشم آل محمد الاكرمين وخروج غيرهم من المعركة خاسرا. وقد نلمح

٣٨

هذا اللون من التفكير في قول عمر لابن عباس معللا اقصاء علي عن الامر: ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم الخلافة والنبوة(١) فقد يدلنا هذا على أن اسناد الامر الى علي في بداية الامر كان معناه في الذهنية العامة حصر الخلافة في الهاشميين وليس لذلك تفسير اولى من أن المفهوم لجمهرة من الناس يومئذ من الخلافة العلوية تقرير شكل ثابت للخلافة يستمد شرعيته من نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد نصيرا من علية قريش يشجعه على مقاومة الحاكمين فانه لا يجد منهم عضدا في مسألة النص اذا تقدم الى الناس يحدثهم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سجل الخلافة لأهل بيته حين قال: اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي الخ.

وأما الانصار فقد سبقوا جميع المسلمين الى الاستخفاف بتلك النصوص والاستهانة بها اذ حدت بهم الشراهة الى الحكم الى عقد مؤتمر في سقيفة بني ساعدة ليصفقوا على يد واحد منهم فلن يجد علي فيهم اذا استدل بالنصوص النبوية جنودا للقضية العادلة وشهودا عليها لانهم اذا شهدوا على ذلك يسجلون على انفسهم تناقضا فاضحا في يوم واحد وهذا ما يأبونه على انفسهم بطبيعة الحال.

وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول من قال: لا نبايع الا عليا مناقضة كتلك المناقضة لأن المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة ان مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص فليس الى التراجع عن هذا الرأي في يوم اعلانه من سبيل.

وأما اعتراف المهاجرين بالامر فلا حرج فيه لأن الأنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة وانما كانوا يتذاكرون ويتشاورون ولذا نرى الحباب بن المنذر يحاول بث الحماسة في نفوسهم والاستمالة بهم الى رأيه بما جلجل به في ذلك الاجتماع من كلام وهو يوضح انهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمن بها الا بعضهم.

واذن فقد كان الامام يقدر انه سوف يدفع الحزب الحاكم الى انكار النصوص والاستبسال في هذا الانكار اذا جاهر بها ولا يقف الى جانبه حينئذ صف ينتصر له في دعواه لان الناس بين من قادهم الهوى السياسي الى انكار عملي للنص يسد عليهم مجال التراجع بعد ساعات وبين من يرى ان فكرة النص تجعل من الخلافة وقفا على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع. واذا سجلت الجماعة الحاكمة وانصارها انكارا للنص واكتفى الباقون بالسكوت في الاقل فمعنى هذا ان النص يفقد قيمته الواقعية وتضيع بذلك مستمسكات الامامة العلوية كلها ويؤمّن العالم الاسلامي الذي كان بعيدا عن مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على انكار المنكرين لانه منطق القوة الغالب في ذلك الزمان.

____________________

(١) راجع تاريخ الكامل ج ٣ ص ٢٤.

٣٩

ولنلاحظ ناحية اخرى فان عليا لو ظفر بجماعة توافقه على دعواه وتشهد له بالنصوص النبوية المقدسة وتعارض انكار الفئة الحاكمة كان معنى ذلك ان ترفض هذه الجماعة خلافة ابي بكر وتتعرض لهجوم شديد لكيانه السياسي الى حد بعيد فانه لا يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة فمجاهرة علي بالنص كانت تجره الى المقابلة العملية وقد عرفنا سابقا انه لم يكن مستعدا لا علان الثورة على الوضع القائم والاشتراك مع السلطات المهيمنة في قتال.

ولم يكن للاحتجاج بالنص اثر واضح من ان تتخذ السياسة الحاكمة احتياطاتها واساليبها الدقيقة لمحو تلك الاحاديث النبوية من الذهنية الاسلامية لانها تعرف حنيئذ ان فيها قوة خطر على الخلافة القائمة ومادة خصبة لثورة المعارضين في كل حين.

واني اعتقد أن عمر لو التفت الى ما تنبه اليه الأمويون بعد أن احتج الامام بالنصوص في ايام خلافته واشتهرت بين شيعته من خطرها لاستطاع أن يقطعها من اصولها ويقوم بما لم يقدر الأمويون عليه من اطفاء نورها وكان اعتراض الامام بالنص في تلك الساعة ينبهه الى ما يجب أن ينتهجه من أسلوب فأشفق على النصوص المقدسة أن تلعب بها السياسة وسكت عنها على مضض واستغفل بذلك خصومه حتى ان عمر « رضي الله تعالى عنه » نفسه صرح بأن عليا هو ولي كل مؤمن ومؤمنة بنص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ثم ألم يكن من المعقول ان يخشى الامام على كرامة حبيبه وأخيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تنتقض وهي أغلى عنده من كل نفيس - اذا جاهر بنصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو لم ينس موقف الفاروق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين طلب دواة ليكتب كتابا لا يضل الناس بعده أبدا، فقال عمر: ان النبي ليهجر أو قد غلب عليه الوجع(٢) ، وقد اعترف فيما بعد لابن عباس ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد أن يعين عليا للخلافة وقد صده عن ذلك خوفا من الفتنة(٣) .

وسواء أكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد ان يحرر حق علي في الخلافة اولا فان المهم ان نتأمل موقف عمر من طلبه فهو اذا كان مستعداً لاتهام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجها لوجه بما ينزهه عنه نص القرآن وضرورة الاسلام خوفا من الفتنة فما الذي يمنعه عن اتهام آخر له بعد وفاته مهما تلطفنا في تقديره فلا يقل عن دعوى ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصدر عن أمر الله في موضوع الخلافة

____________________

(١) راجع ذخائر العقبى ص ٦٧.

(٢) للحديث مصادر كثيرة تكتفي بذكر واحد منها، راجع صحيح البخاري ١: ٣٧، باب كتابة العلم.

(٣) راجع شرح النهج ج ٢ ص ١١٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

الدروس (صفحة ٢٦٦) " وقال الحسن إن كان هناك علامة من لحية أو بول أو حيض أو أحتلام أو جماع، وإلا ورث ميراث رجل وهو متروك ".

جواهر الكلام (مجلد ٣٩ صفحة ٢٨١) " قال الحسن بن أبي عقيل: " الخنثى عند آل الرسول صلوات الله عليهم فإنه ينظر فإن كان هناك علامة يبين فيه الذكر من الانثى من بول أو حيض أو احتلام أو لحية أو ما أشبه ذلك فإنه يورث على ذلك، فإن لم يكن وكان له ذكر كذكر الرجال وفرج كفرج النساء فإن له ميراث النساء، لان ميراث النساء داخل في ميراث الرجال، وهذا ماجاء عنهم عليهم السلام في بعض الآثار ".

ميراث المجوس

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٤٨) " وقال ابن أبي عقيل: والمجوس عند آل الرسول عليهم السلام يورثون بالنسب، ولا يورثون بالنكاح، فإن هلك مجوسي وترك أمه وهي أخته وهي امرأته فالمال لها من قبل أنها أم، وليس لها من قبل أنها زوجة شئ.

وإن ترك بنتا هي زوجة فلها النصف من قبل أنها بنت، والباقي رد عليها، ولا ترث من قبل أنها زوجة.

ولو أن مجوسيا تزوج ابنته فأولدها ابنتين، ثم مات فإنه ترك ثلاث بنات المال بينهم بالسوية، فإن ماتت إحدى الابنتين فإنها تركت أمها وهي أختها، وتركت أختها لابيها وأمها، فالمال كله لانها التي هي أمها لابيها".

جواهر الكلام (مجلد ٣٩ صفحة ٢٢٣) " ومنهم من يورثه بالنسب صحيحه وفاسده وبالسبب الصحيح لا الفاسد، وهو اختيار الفضل بن شاذان النيشابوري من القدماء الفضلاء من رجال الهادي

٥٢١

والعسكري عليهما السلام ومن تابعه الحسن بن أبي عقيل وابن بابويه والفاضل في القواعد وغيرهم، بل في الرياض نسبته إلى أكثر من تأخر كالفضلين (و) الشهيدين وغيرهم ممن وقف على كلامهم، بل فيه عن جده المجلسي رحمه الله نسبته إلى الاكثر، بل هو مذهب شيخنا المفيد في النقل الآخر وهو حسن لصحة النسب الناشئ عن الشبهة شرعا " فيدخل في عموم أدلة الارث، بخلاف السبب ".

ميراث الغرقى

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٥٠) " وقال ابن أبي عقيل: يرث الغرقى والهدى عند آل الرسول عليهم السلام من صلب أموالهم، ولا يرثون مما يورث بعضهم بعضا شيئا، وبه قال أبو الصلاح، وابن البراج، وابن حمزة.

وقال المفيد وسلار: أنه يرث مما يورث منه أيضا، والمعتمد الاول ".

(وصفحة ٧٥٢) " وقال ابن أبي عقيل: ولو انهدمت دار على قوم، يرث بعضهم بعضا فماتوا، فنجا منهم صبيان أحدهما مملوك والآخر حر، ولا يدر الحر من المملوك أقرع بينهما، فأيهما خرج سهمه ورث المال، والآخر يعتق، فإن كان الاول للحر منهما أعتق وجعل مولاه كذلك.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه " قضى بها باليمن في حياة النبي صلى الله عليه وآله " وروي أن أبا حنيفة دخل على أبي عبدالله عليه السلام فقال له الصادق عليه السلام " ما تقول في بيت سقط على قوم فنجا منهم صبيان أحدهما حر والآخر مملوك لصاحبه، فلم يعرف الحر من المملوك، فقال أبوحنيفة يعتق نصف هذا ونصف هذا، ويقسم المال بينهما، فقال الصادق عليه السلام ليس كذلك، بل يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو الحر، ويعتق الآخر، فيجعل مولاه ".

٥٢٢

الدروس (صفحة ٢٦٠) " فإنه روي عن الصادق عليه السلام أنه " يقرع لتيقن الحر، فإذا تعين أعتق الآخر، وصار الحر مولاه "، فهذا منع من إرث الحر العبد إن أوجبنا عتق الآخر، وهو ظاهر الرواية، وظاهر قول الحسن والصدوق ".

ميراث الولاء السرائر (مجلد ٣ صفحة ٢٤٥) " وذهب بعض أصحابنا إلى أنه إذا كان المعتق رجلا يرث ولاء مواليه أولاده الذكور، دون الاناث منهم، فإن لم يكن له أولاد ذكور، كان الولاء للعصبة.

فإن كان المعتق إمرأة، ورث ولاء مواليها أولادها الذكور دون الاناث، فإن لم يكن ذكور فإن الولاء للعصبة، مثل ما قال إذا كان المعتق رجلا، وهذا إختيار شيخنا المفيد في مقنعته.

وقال الحسن بن أبي عقيل: يرث الولاء جميع ورثة المعتق، وذكر اختلاف الشيعة في ذلك، فقال الاكثرون منهم بما أوردناه عنه، ثم قال: وهذا مشهور متعالم " مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٢٧٠) " قوله ولو عدم الخ.

إذا فقد المنعم فللاصحاب في تعيين وارث الولاء أقوال كثيرة: أحدها، وهو الذي استحسنه المصنف، وذهب إليه قبله الصدوق، أنه يرث أولاد المنعم ذكورا كانوا أم إناثا أم متفرقين، ذكرا كان المنعم أم امرأة، لقوله صلى الله عليه وآله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والذكور والاناث يشتركون في لحمة النسب، فيكون كذلك إلى الولاء، وثانيها قول الحسن بن أبي عقيل: إنه يرثه وارث المال مطلقا.

قال: وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام والائمة من بعده عليهم السلام: أنهم قالوا " تقسم الدية على من أحرز الميراث، ومن أحرز الميراث أحرز الولاء ".

٥٢٣

ميراث ولد الملاعنة

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٤٣) " قد روي أن ميراث ولد الملاعنة ثلثه لامه، والباقي لامام المسلمين، لان جنايته عليه والعمل على ما قدمناه، فجعل الشيخ ميراث ابن الملاعنة لامه خاصة، دون بيت المال، وهو قول المفيد رحمه الله، وابن أبي عقيل، والصدوق في المقنع، وأبوه في رسالته، وأبي الصلاح، وابن البراج، وابن إدريس.

واستدل الشيخ عليه في الخلاف بإجماع الفرقة، وقال ابن الجنيد: إن لا عن وانتفى من الولد، ثم أكذب نفسه وادعاه ورث الولد الاب، ولم يرثه الاب، ولا أحد من أقرباء الاب، وكان ميراثه لامه ثم بعد أمه لاخواله، وإن أقام ابن الملاعنة على نفيه فخلف أما لها عصبة كان ميراثه لها، وإن لم يكن لها عصبة كان لها ثلث ما خلف، والباقي لبيت مال المسلمين، لان جنايته عليه ".

إرث الزوجة

جواهر الكلام (مجلد ٣٩ صفحة ٢٠٧) " بل عن غاية المراد بعد أن حكى إجماع أهل البيت على حرمان الزوجة من شئ ما وأنه لم يخالف فيه إلا ابن الجنيد قال: " وقد سبقه الاجماع وتأخر عنه " ونحو ذلك عن المهذب وغاية المرام.

لكن ومع ذلك قد يقال: إن خلو جملة من كتب الاصحاب على ما قيل كالمقنع والمراسم والايجاز والتبيان ومجمع البيان وجوامع الجامع والفرائض النصيرية عن هذه المسألة مع وقوع التصريح في جميعها يكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في العموم ربما يؤذن بموافقة الاسكافي ".

٥٢٤

كتاب الوصية

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٥٠) " مسألة: هل يشترط في إجازة الورثة لما زاد على الثلث وفاة الموصي أم لا؟ قال المفيد وابن إدريس وسلار يشترط ذلك، فلو أجازوا حياة الموصي كان لهم الرجوع عن الاجازة بعد وفاته.

وقال الشيخ رحمه الله لا يشترط، وليس لهم الرجوع بعد موت الوصي عن ما أجازوه حال حياته، وبه قال ابن حمزة، ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح، وأفتى به أبوعلي بن الجنيد، وابن أبي عقيل أطلق فقال: فإن أوصى بأكثر من الثلث فأجاز الورثة كان ذلك جايزا، وإن لم يجز الورثة لم يجز إلا الثلث ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٢١) " مسألة: تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية خاصة، عند عدم المسلمين، ولا تجوز شهادتهم ولا شهادة غيرهم من الكفار في غير ذلك للمسلمين، ولا للكفار، ولا على الفريقين، سواء اتفقت ملتهم أو اختلفت، وهو الظاهر من إطلاق كلام شيخنا المفيد رحمه الله، حيث قال: ولا تقبل شهادة بدعي على محق، ولا شهادة الفاسق، وتقبل شهادة رجلين من أهل الذمة على الوصية خاصة، إذا لم يكن حضر الميت أحد من المسلمين، وكان الذميان من عدول قومهما، ولا تقبل شهادتهما مع وجود المسلمين، وكذا ابن أبي عقيل.

(وصفحة ٧٢٢) " تذنيب أطلق الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف: قبول شهادة أهل الخلاف في

٥٢٥

الوصية عند عدم المسلمين، ولم يقيد بالسفر، وكذا المفيد في المقنعة، وابن أبي عقيل، وسلار، وابن إدريس، وابن البراج ".

٥٢٦

كتاب الحدود: السرقة

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٧٢) " مسألة: المشهور بين علمائنا أن النصاب الذي يجب فيه قطع السارق ربع دينار، ذهبا خالصا أو ما قيمته ذلك، سواء كان منقوشا أو لا، ذهب إليه الشيخان، والسيد المرتضى، وسلار، وابن البراج، وأبوالصلاح، وابن حمزة، وابن زهرة، وأكثر علمائنا.

وقال ابن أبي عقيل: والسارق عند آل الرسول عليهم السلام يقطع في كل شئ سرق إذا بلغ قيمة ما يسرق دينارا فصاعدا، وقال الصدوق في كتاب المقنع: " سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن أدنى مايقطع في السارق، فقال ربع دينار " وروي أنه " يقطع في خمس دينار أو في قيمة ذلك. ".

(وصفحة ٧٧٤) " وقال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا أخذ وهو حامل متاع من بيت، فقال صاحب البيت اعطانيه، وقال صاحب البيت بل سرقته لم يقطع، لان هذا شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.

وقال الصدوق في المقنع وكتاب من لايحضره الفقيه: وإذا دخل السارق بيت رجل فجمع الثياب فيؤخذ في الدار ومعه المتاع فيقول دفعه إلي رب الدار فليس عليه القطع، فإن خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع، أو يجئ بالمخرج منه وهذا الفرق مشكل من الحيثية التي قالها رحمه الله.

نعم بينهما فرق من حيثية أخرى، وهي أن القطع إنما يجب لو خرج بالقماش من المنزل، لا يجمعه

٥٢٧

فيه، فإذا خرج به وجب عليه القطع.

وإذا ادعى أن صاحب المنزل دفعه إليه سقط عنه القطع، لانه ادعى أمرا ممكنا فحصلت الشبهة فدرأت الحد عنه.

وما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق عليه السلام قال " سألته عن رجل أخذوه وقد حمل كارة من ثياب فقال صاحب المنزل اعطانيها قال يدرأ عنه القطع، إلا أن يقوم عليه البينة، فإن قامت عليه البينة قطع ".

(وصفحة ٧٧٦) " وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام..

فقال " كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه أو أحرزه فهو يقع عليه إسم السارق، وهو عند الله سارق، ولكن لايقطع إلا في ربع دينار، أو أكثر، ولو طعت يد السارق فيما هو أقل من ربع دينار، لالفيت عامة الناس مقطعين " وغيرها من الاخبار الكثيرة.

واعتبر ابن أبي عقيل دينارا فصاعدا.

" قوله فما ليس بمحرز الخ.

لا شبهة في أن المواضع المطروقة من غير مراعاة المالك (كالمذكورة ليست حرزا، وأما مع مراعاة المالك فذهب الشيخ في المبسوط ومن تبعه إلى كونه محرزا بذلك، ولهذا قطع النبي صلى الله عليه وآله سارق رداء صفوان بن أمية من المسجد مع كونه غير محرز، إلا بمراعاته.

والرواية وردت بطرق كثيرة: منها حسنة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه؟ قال " إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداه وخرج يهريق الماء فوجد رداء‌ه قد سرق حين رجع إليه، فقال من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال صلى الله عليه وآله إقطعوا يده فقال صفوان يقطع يده من أجل ردائي يارسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال نعم.

قال فأنا أهبه له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي " قلت فالامام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال نعم.

وفي الاستدلال بهذا الحديث للقول بأن المراعاة حرز نظر بين، لان المفهوم منها وبه صرح كثير أن المراد بها النظر إلى المال، فإنه لو نام أو صبر أو غفل أو غاب زال الحرز، فكيف تجمع الحكم بالمراعاة.

مع فرض كون المالك غائبا عنه، وفي بعض الروايات أن صفوان نام

٥٢٨

فأخذ من تحته، والكلام فيها كما سبق، وإن كان النوم عليه أقرب إلى المراعاة، مع الغيبة عنه وفي المبسوط فرض المسألة على هذا التقدير واكتفى في حرز الثوب بالنوم عليه والاتكاء عليه، أو توسده.

واحتج عليه بحديث صفوان، وأنه سرقه من تحت رأسه في المسجد، وإنه كان متوسدا فيه (له).

وهذا أوجه، مع أن في جعل المراعاة حرزا إشكال، من وجه آخر، لان السارق إن أخذ المال مع نظر المالك إليه لتحقق المراعاة لم يحصل الشرط، وهو أخذه سرا، وإنما يكون مستلبا غاصبا وهو لايقطع، وإن كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزا بالمراعاة.

فظهر أن السرقة لا يتحقق مع المراعاة وإن جعلناها حرزا، وهذا هو الوجه.

نعم رواية صفوان على الوجه المروي أولا تصلح دليلا على مذهب ابن أبي عقيل من أن السابق يقطع من أي موضع سرق من بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك، واحتج عليه بهذه الرواية ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٣٥٢) " وقال ابن أبي عقيل: يقطع السارق من أي موضع سرق، من بيت كان، أو سوق، أو مسجد، أو غير ذلك.

قال وقد جاء عنهم عليهم السلام " أن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداء‌ه وخرج لهيريق الماء فوجد رداء‌ه قد سرق حين رجع إليه، فقال: من ذهب بردائي؟، فانطلق فوجد صاحبه، فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " إقطعوا يده "، فقال صفوان من أجل ردائي يارسول الله؟ فقال نعم.

فقال وأنا أهبه له فقال عليه السلام هلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي ".

فإن قصد ابن أبي عقيل أنه يقطع بالسرقة من الاسواق أو المساجد مع الاحراز والمراعاة صح، وإلا كان في موضع المنع ".

٥٢٩

الزنا

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٥٦) " وقال ابن أبي عقيل: وحد الزاني عند آل الرسول عليهم السلام إذا كانا بكرين جلدا مأة ونفيا سنة، وحد المحصن والمحصنة إذا زنيا الرجم، ولم يتعرض للجلد.

وقال السيد المرتضى مما ظن انفراد الامامية به وأهل الظاهر يوافقونهم فيه، القول بأنه يجمع على الزاني المحصن الجلد والرجم، يبدأ بالجلد، ويثنى بالرجم، وداود يوافقهم عليه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا: لايجتمع الجلد والرجم، بل يقتصر في المحصن على الرجم.

واحتج بإجماع الطايفة، ولانه لاخلاف في إستحقاقه الرجم، وإنما الخلاف في استحقاقه الجلد.

ويدل على استحقاقه إياه قوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا " الآية.

والمحصن داخل فيه، واستحقاقه الرجم غير مناف لاستحقاقه الجلد.

وأطلق القول ولم يفصل.

وكذا الصدوق في المقنع وتبعه ابن إدريس لقوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا " وقال: وما اخترناه مذهب السيد المرتضى واختيار المفيد والجلة من المشيخة الفقهاء من أصحابنا.

(وصفحة ٧٥٧) " وقال ابن أبي عقيل إذا كانا بكرين جلدا مائة ونفيا سنة وحد المحصن والمحصنة إذا زنيا الرجم ثم فسر المحصن بأنه الذي يكون له زوجة حرة مسلمة يغدو عليها ويروح ولم يفسر البكر والظاهر أنه في مقابلته لكنه لم يصرح بذلك وقال الصدوق في المقنع إن كانا محصنين ضربا مائة جلدة ثم رجما وإن كان غير محصنين فعليه وعلى المرأة جلد مائة والذي قد سلك ولم يدخل بها جلد مائة وينفى.

" كلام ابن أبي عقيل يدل على أنها ينفى سنة كالرجل للاخبار السالفة في المسألة السابقة لكن المشهور ماقاله الشيخ لما فيه من الصيانة لها ومنعها عن الاتيان بمثل ما فعلت.

٥٣٠

" قال ابن أبي عقيل والمحصن الذي يكون له زوجة حرة مسلمة يغدو عليها ويروح فقد اتفقا على اعتبار إسلام الزوجة وحريتها وابن الجنيد زاد اعتبار حرية الرجل وقال سلار العاقل المحصن إذا شهد عليه أربعة رجال عدول ولا حايل بينه وبين وطئ زوجته وكان نكاحها للدوام فإن المتعة لايحصن فأما ملك اليمين فقد روي أنه يحصن وهذا يعطي أنه لايفتي بأن ملك اليمين يحصن وأبوالصلاح وافق شيخنا في أن الاحصان يحصل بالزوجة الحرة والامة وملك اليمين وكذا ابن إدريس والمعتمد ما أختاره الشيخ في النهاية.

(وصفحة ٧٦٢) " قال ابن أبي عقيل: ويرجم ساير جسده إلا وجهه، ولم يذكر حكم الجلد.

وقال أبوالصلاح: يضرب ساير بدنه أشد الضرب ماعدا رأسه وفرجه.

والوجه، الاول.

لنا أن الرأس فيه مقتل ويخاف منه العمى وزوال العقل، والمقصود الردع دون الاتلاف.

(وصفحة ٧٦٣) " مسألة: المشهور عند علمائنا أنه لايقبل الاقرار بالزنا إلا بأربع مرات، ذهب إليه الشيخان وابن الجنيد وغيرهم.

وقال ابن أبي عقيل إذا أقر الرجل أو المرأة بالزنا ثم جحدا جلدا وقد قيل إذا أقر المحصن بالزنا رد أربع مرات، ثم رجم، وهذا يعطي قبول المرة الواحدة والمعتمد الاول.

" واعلم أن كلام ابن أبي عقيل ليس بقاطع على المخالفة، فإن قصدها صارت المسألة خلافية وإلا فلا".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٣٣٨) " وذهب جماعة من أصحابنا منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلار، إلى أن ملك اليمين لايحصن، لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال " وكما لاتحصن الامة والنصرانية واليهودية إذا زنى بحرة، فكذلك لا يكون عليه حد المحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمته وتحته حرة ".

٥٣١

" قوله: وتكرار الاقرار أربعا الخ.

اتفق الاصحاب إلا من شذ على أن الزنا لا يثبت على المقر به على وجه يثبت به الحد، إلا أن يقر به أربع مرات، ويظهر من ابن أبي عقيل الاكتفاء بمرة، وهو قول أكثر العامة.

(وصفحة ٣٣٩) " احتج ابن أبي عقيل بصحيحة الفضيل عن الصادق عليه السلام قال " من أقر على نفسه عند الامام بحد من حدود الله تعالى مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، أو حرة كانت، أو أمة، فعلى الامام أن يقيم الحد للذي أقر به على نفسه كاينا من كان إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود " وأجيب بحمله على غير حد الزنا جمعا بين الاخبار.

(وصفحة ٣٤١) " وطريق الروايات من الجانبين غير نقي، واعلم أن الروايتين السابقتين تضمنتا تغريب الرجل والمرأة، ولكن المشهور بين الاصحاب بل ادعى عليه الشيخ في الخلاف، الاجماع على اختصاص التغريب بالرجل، فإن تم الاجماع فهو الحجة، وإلا فمقتضى النص ثبوته عليهما وهو مختار ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

وعللوا عدم تغريبها بأنها عورة يقصد بها الصيانة، ومنعها عن الاتيان بمثل ما فعلت، ولا يؤمن عليها ذلك في الغربة وهذا التعليل لا يقابل النص، وإنما يتجه مؤيدا للحكم ".

شرح اللمعة (مجلد ٩ صفحة ١١١) " (ولا جز على المرأة، ولا تغريب)، بل تجلد مائة لا غير، لاصالة البراء‌ة، وادعى الشيخ عليه الاجماع وكأنه لم يعتد بخلاف ابن أبي عقيل حيث أثبت التغريب عليها، للاخبار السابقة.

والمشهور أولى بحال المرأة وصيانتها. ومنعها من الاتيان بمثل ما فعلت ".

٥٣٢

المسكر

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٦٧) " مسألة: للشيخ قولان في قتل شارب المسكر في الثالثة أو الرابعة، فقال في النهاية: يقتل في الثالثة بعد تكرر الحد عليه مرتين، وبه قال شيخنا المفيد، وابن أبي عقيل، وأبوالصلاح، وابن البراج، وابن حمزة، وابن إدريس، الثاني: قال في الخلاف والمبسوط: إنه يقتل في الرابعة وهو قول الصدوق في المقنع، وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: شارب المسكر خمرا كان أو نبيذا يجلد ثمانين، فإن عاد جلد فإن عاد قتل وقد روي أنه يقتل في الرابعة والمعتمد الاول ".

القذف

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٦٠٨) " مسألة: المشهور أن الرجل إذا قال لامرأته لم أجدك عذراء لم يجب عليه الحد تاما بل يعزر تأديبا، ذهب إليه الشيخان وأتباعهما، وقال ابن أبي عقيل ولو أن رجلا قال لامرأته لم أجدك عذراء جلد الحد.

(وصفحة ٧٨٢) " قال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا قال لامرأته لم أجدك عذراء جلد الحد، ولم يكن له في هذا وأشباهه لعان، لنا مارواه أبوبصير عن الصادق عليه السلام قال في رجل قال لامرأته لم أجدك عذراء قال " يضرب، قلت فإنه عاد قال: يضرب فإنه يوشك أن ينتهي " والضرب يصدق مع التعزير مع الحد فأوجبنا الاقل عملا بأصالة البراء‌ة ولان هذا القول ليس تصريحا بالقذف، بل لا تلويحا لجواز ذهاب العذرة بغير

٥٣٣

جماع.

ويؤيده مارواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه السلام في رجل قال لامرأته لم تأتني عذراء، قال " ليس عليه شئ لان العذرة تذهب بغير جماع "، واحتج ابن أبي عقيل بما رواه عبدالله بن سنان".

اللواط

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٦٤) " مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا كان اللواط دون الايقاب، فإن كان الفاعل أو المفعول محصنا وجب عليه الرجم، وإن كان غير محصن وجب عليه الحد مأة، جلدة، ولا فرق بين الحر والعبد، والمسلم والكافر، وتبعه ابن البراج، وابن حمزة، وقال المفيد: إيقاع الفعل فيما سوى الدبر من الفخذين، وفيه جلد مأة، للفاعل والمفعول به إذا كان عاقلين حرين بالغين، ولا يراعى في جلدهما عدم إحصان ولا وجوده، كما يراعى ذلك في الزنا بل حدهما الجلد على هذا الفعل دون ما سواه، وبه قال السيد المرتضى وابن أبي عقيل، وسلار، وأبوالصلاح، وقال الصدوق وأبوه في رسالته: وأما اللواط فهو مابين الفخذين فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم، ومن لاط بغلام فعقوبته أن يحرق بالنار، أو يهدم عليه حايط، أو يضرب ضربة بالسيف، ثم قال بعد ذلك أبوه: فإذا أوقب فهو الكفر بالله العظيم، وهذا يعطي أن القتل يجب بالتفخيذ وكلام ابن الجنيد يدل عليه أيضا وابن إدريس اختار ماذهب إليه المفيد وهو الاقرب ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٣٤٤) " قوله وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الاليتين الخ.

هذا هو القسم الثاني من اللواط الذي سماه المصنف وطأ بغير الايقاب، وهو ما إذا فعل بين الاليتين أو بين

٥٣٤

الفخذين، وقد اختلف الاصحاب في حكمه فالمشهور الجلد مائة لكل منهما، ذهب إلى ذلك المفيد والمرتضى وابن أبي عقيل وسلار وأبوالصلاح وابن إدريس والمصنف وساير المتأخرين للاصل والشك في وجوب الزايد فيكون شبهة يدرأ بها ولرواية سليمان بن هلال عن الصادق عليه السلام في الرجل يفعل بالرجل فقال " إن كان دون الثقب فالحد وإن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف " وظاهره أن المراد بالحد الجلد ".

٥٣٥

كتاب الديات: دية العمد والخطأ

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٨٣ و ٧٨٤) " مسألة: المشهور عند علمائنا ان الواجب بالاصالة في قتل العمد القود والدية إنما تثبت صلحا فإن اختار ولي المقتول القود كان له ذلك وإن اختار الدية لم يكن له ذلك إلا برضاء القاتل فإن دفع نفسه للقود لم يكن للمولى غيره، اختاره الشيخان وأبو الصلاح وسلار وهو قول الاكثر..

وقال ابن أبي عقيل: الدية في العمد والخطأ سواء، على الورق عشرة (آلاف) قيمة كل عشرة دراهم دينار، وعلى أهل العين ألف دينار، وعلى أهل الابل والبقر والغنم من أي صنف كان، قيمته عشرة آلاف درهم، وأطلق.

وللشيخ قول آخر في المبسوط أنه يجب أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهي جميع أسنان الزكاة، وجعله في الخلاف رواية، وهو اختيار ابن إدريس والمعتمد الاول.

(وصفحة ٨١٦) " مسألة: المشهور أنه إذا كان القاتل من أهل الحلل، وأراد دفعها وجب عليه مأتا حلة، كل حلة ثوبان من برود اليمن، وقال الصدوق في المقنع: وعلى أهل اليمن، الحلل مأة حلة، ورواه في كتاب من لايحضره الفقيه عن الحسن بن المحبوب، عن عبدالرحمن الحجاج، قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مأة

٥٣٦

من الابل فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم إنه فرض على أهل البقر مأتي بقرة، وفرض على أهل الشياه شاة وعلى أهل الحلل، مأة حلة، قال عبدالرحمن فسألت أبا عبدالله عليه السلام عما رواه ابن أبي ليلى فقال " كان علي عليه السلام يقول الدية ألف دينار، وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعشرة آلاف لاهل الامصار ولاهل البوادي الدية من الابل ولاهل السواد مأتي بقرة، أو ألف شاة "، والذي ذكرناه أولا اختيار الشيخين وسلار وأبي الصلاح وابن البراج، وقال ابن البراج: قيمة كل حلة خمسة دنانير، وكذا ظاهر كلام ابن أبي عقيل فإنه قال: وعلى أهل الابل والبقر والغنم من أي صنف كان، قيمة عشرة ألاف درهم، وإذا كان الضابط اعتبار القيمة فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر القيمة وهي عشرة ألاف درهم أو ألف دينار ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٣٨٠) " قوله: إذا هلك قاتل العمد الخ، مبنى المسألة على أن الواجب في العمد بالاصالة هل هو القود لا غير كما هو المشهور بين الاصحاب؟ أم أحد الامرين كمذهب ابن الجنيد وابن أبي عقيل؟ فعلى الثاني لا إشكال في وجوب الدية بفوات محل القصاص مطلقا، لانها أحد الامرين الواجبين على التخيير، فإذا فات أحدهما، تعين الآخر وعلى الاول هل يقع للقود بدل أم لا اختلف الاصحاب فيه ".

دية الجنين

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٨١٣) " وقال ابن أبي عقيل: دية الجنين عند آل الرسول عليهم السلام إذا كانت مضغة ما لم ينبت له العظم أربعون دينارا أو غرة عبد أو أمة بقيمة ذلك، فإن كان قد نبت له

٥٣٧

العظم وشق له السمع والبصر، ففيه الدية كاملة والمشهور الاول.

" احتج ابن أبي عقيل بما رواه أبوعبيدة في الصحيح عن الصادق عليه السلام في امرأة شربت دواء لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال " إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشق له السمع والبصر، فإن عليها ديته تسلمها إلى أبيه قال: وإن كان جنينا علقة أو مضغة فإن عليها أربعين دينارا أو غرة تسلمها ".

" قال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا ضرب أمة قوم وهي حامل، فمات الجنين في بطنها فعليه نصف عشر قيمة الامة فإن ضربها فألقته حيا ثم مات فإن عليه عشر قيمتها ".

ديات الاعضاء

السرائر (مجلد ٣ صفحة ٣٨٢) " وفي الشفتين جميعا الدية كاملة، وفي العليا منهما، ثلث الدية، وفي السفلى ثلثها وقال شيخنا في نهايته في العليا منهما أربعمائة دينار، وفي السفلى منهما ستة مائة دينار.

إلا أنه في مبسوطه ذهب إلى ما اخترناه فإنه قال: وفي الشفتين الدية كاملة وفي السفلى عندنا ثلثاها، وفي العليا الدية.

وهذا هو الاظهر ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار آحاد لاتوجب علما، ولا عملا.

وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد رحمه الله في مقنعته وذهب بعض أصحابنا إلى أنهما متساويتان في الدية فيهما جميعا الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية، وهو ابن أبي عقيل في كتابه، وهو قول قوي، إلا أن يكون على خلافه إجماع، ولا شك أن الاجماع منعقد، على تفضيل السفلى، والاتفاق حاصل على الستمائة دينار، والاصل براء‌ة الذمة مما زاد عليه وبهذا القول الاخير أعمل، وأفتي، وهو خيرة شيخنا في الاستبصار ".

المختصر النافع (صفحة ٣٠٠) " وقال ابن بابويه: في العليا نصف الدية.

وفي السفلى الثلثان.

وقال ابن أبي عقيل: في كل واحدة نصف الدية، وهو قوي.

وفي قطع بعضها بحساب ديتها. وفي

٥٣٨

اللسان الصحيح: الدية الكاملة، وإن قطع بعضه اعتبر بحروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا.

وفي الرواية: تسعة وعشرون حرفا، وهي مطروحة ".

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ٦٥٤) " قال دام ظله: وفي الشفتين، الدية، وفي تقدير دية كل واحدة خلاف، إلى آخره.

أقول: ما اختاره في المبسوط أظهر بين الاصحاب، وذهب إليه المفيد، وأبوالصلاح وسلار والمتأخر.

وما ذكره في النهاية والخلاف فاستناد إلى مارواه أبوجميلة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال " في الشفة السفلى ستة آلاف درهم، وفي العليا أربعة آلاف، لان السفلى تمسك الماء".

وأما قول ابن بابويه، فمستنده رواية ظريف بن ناصح.

وبما قاله ابن أبي عقيل رواية، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام " الشفتان، العليا والسفلى سواء في الدية ".

ويدل عليه قولهم عليهم السلام: " كل مافي الجسد منه اثنان، ففيه نصف الدية ".

وهذا متفق عليه ولهذا قال المتأخر: وما ذكره ابن أبي عقيل قوي، إلا أن الاجماع على اختلاف الشفتين في الدية ".

تحرير الاحكام (مجلد ٢ صفحة ٢٧٢) " لرواية عبدالله بن سنان الحسنة عن الصادق عليه السلام قال " ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية "، (وعن هشام بن سالم قال كل ما كان في الانسان اثنان ففيه الدية صح) في أحدهما نصف الدية، وإن لم يسندها إلى الامام، إلا أن هشاما الظاهر أنه سمعها من الامام عليه السلام.

وعن سماعة قال سألته إلى أن قال " والشفتان العليا والسفلى سواء في الدية ".

وقال المفيد رحمه الله في العليا ثلث الدية وفي السفلى الثلثان، لان المنفعة بها أكثر وبما ثبت عن آل محمد عليهم السلام.

وقال الشيخ رحمه الله في النهاية وطريف في كتابه: في السفلى ستمائة دينار (والعليا أربعمائة صح) لما رواه الحسن بن محبوب عن أبي جميلة عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليه السلام قال " في الشفة السفلى ستة آلاف، وفي العليا أربعة آلاف، لان السفلى

٥٣٩

تمسك الماء ".

وقال في المبسوط بقول المفيد رحمه الله في رواية أبي جميلة ضعف.

وقال ابن بابويه رحمه الله في العليا نصف الدية، وفي السفلى الثلثان، وهو منقول عن (طريف).

وأجود ما بلغنا من الاحاديث في هذا الباب ماأفتى به ابن أبي عقيل.

وفي قطع بعض الشفة بنسبة مساحتها، ولو جنى عليهما فتقلصتا فلم ينطبقا على الاسنان.

قال الشيخ رحمه الله كان عليه الدية.

ويحتمل الارش، ولو (استرختا) فثلثا الدية، فإن قطعهما آخر بعد الشلل فالثلث، فإن تقلصا بعض التقلص فالحكومة ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٧٥٢) " وقال الصدوق في المقنع: دية كل إصبع ألف درهم، وهو موافق لقول شيخنا في النهاية، وبه قال المفيد.

وقال ابن الجنيد: وقد روي اختلاف دية الاصابع عن أمير المؤمنين علي عليه السلام فإنه جعل في إبهام اليد ثلث ديتها، وفي كل واحدة من الاربع ربع دية ما بقي من دية اليد، وسلار أفتى بالتسوية بين الاصابع، وجعل في كل إصبع عشر الدية من اليدين، والرجلين، كقول الشيخين، وبه قال ابن أبي عقيل.

(وصفحة ٧٥٥) " مسألة: في الشفتين معا الدية إجماعا، واختلفوا في التفضيل، فقال ابن أبي عقيل انهما بالسوية في كل واحدة نصف الدية.

احتج ابن أبي عقيل بما رواه زرعة..

(وصفحة ٨٠٤) " وذهب بعض أصحابنا إلى أنهما متساويتان في الدية، فيهما جميعا الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وهو قول ابن أبي عقيل في كتابه، وهو قول قوي إلا أن يكون على خلاف إجماع.

ولا شك أن الاجماع منعقد على تفضيل السفلى، والاتفاق حاصل على الست مائة دينار، والاصل براء‌ة الذمة فيما زاد عليه.

وبهذا القول الاخير أعمل وأفتي به، وهو خيرة شيخنا في الاستبصار.

فانظر إلى اختياره أولا من إيجاب الثلثين في السفلى، ونسبة كلام الشيخ في النهاية إلى أنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، ثم تقوية كلام ابن أبي عقيل مع أنه ذكر مخالف للاجماع ".

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554