رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة75%

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 77

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة
  • البداية
  • السابق
  • 77 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41687 / تحميل: 6134
الحجم الحجم الحجم
رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

مؤلف:
العربية

رسالة في الاحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

١

بسم الله الرحمن الرحيم

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد فهذه رسالة موضوعها « الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة » كتبتها حول هذا الجانب من تراثنا وقد كتب لها أن تنشر في « تراثنا » كشفت فيها عن جانب من التلاعب الواقع في الأحاديث المروية عن سيّد البريّة لأغراضٍ سياسية

وقد تعرضنا هنا إلى أربعة من تلك الأحاديث وعلى هذه فقس ما سواها والله الهادي إلى سواء السبيل.

* * *

٥

الحديث الاوّل

حديث المنزلة

لقد اتفق المسلمون على رواية حديث المنزلة في حق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وأخرجه من علماء أهل السنة : البخاري ومسلم وغيرهما من أرباب الصحاح ، وكذا رواه أصحاب المسانيد والمعاجم وغيرهم من كبار المحدّثين القدماء والمتأخرين وإليك نص الحديث كما في الصحاح.

حديث المنزلة بشأن أمير المؤمنين :

أخرج البخاري قائلاً :

« حدثنا محمد بن بشار ، ثنا غندر ثنا شعبة ، عن سعد ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى »(١) .

قال : « حدثنا مسدّد ، قال : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج إلى تبوك فاستخاف علياً فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه ليس نبي بعدي »(٢) .

وأخرج مسلم ، قال : « حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريح بن يونس ، كلّهم عن يوسف بن الماجشون

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

(٢) باب غزوة تبوك من كتاب المغازي.

٦

ـ واللفظ لابن الصباح ـ قال : نا يوسف أبو سلمة الماجشون ، قال : ثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيّب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلآ أنه لا نبي بعدي.

قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداًً ، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر ، فقال : أنا سمعته. قلت : أنت سمعته؟! قال : فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم وإلأ فاستُكّتا.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : نا غندر ، عن شعبة.

ح وحدثنا محمد بن مثنى وابن بشار ، قالا : نا محمد بن جعفر ، قال : نا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلّف رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

حدثناه عبيدالله بن معاذ ، قال : نا أبي ، قال : نا شعبة ، في هذا الإسناد.

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبّاد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : نا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهّن له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلن أسبه ، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له ـ وخلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليّ : يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : أدعوا لي علياً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع

٧

الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية :( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا غندر عن شعبة.

ح وحدّثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن سعد ، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال لعليّ : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى »(١) .

المحاولات السقيمة في ردّ حديث المنزلة :

ثم إن القوم لمّا رأوا صحّة هذا الحديث سنداً ، بل تواتره من طرقهم المعتبرة عندهم التجأوا إلى التشكيك في دلالته على أفضلية أمير المؤمنين وخلافته عن رسول رب العالمين فراجع كتب الحديث والكلام.

فجاء آخرون وانتبهوا إلى سقوط تلك التشكيكات فاضطروا إلى القدح في سنده ، وإن كان متفقاً عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم من أئمة الحديث كما لا يخفى على من راجع كتاب « الصواعق المحرقة ».

وهناك من رأى أن لا جدوى في الطعن بالسند والدلالة ، فعمد إلى لفظ الحديث وحرفه بما لا يتفوّه به مسلم فقال بأن لفظه : عليّ مني بمنزلة قارون من موسى ...!!! كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال بترجمة « حريز بن عثمان ».

قلب حديث المنزلة :

وقلب آخرون الحديث إلى الشيخين :

قال الخطيب : « أخبرنا الطاهري ، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن عليّ

__________________

(١) باب فضائل عليّ بن أبي طالب من كتاب المناقب.

٨

ابن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبر ، مليكة ، عن ابن عباس :

أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى »(١)

وقال المتقي :

« أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

خط ، وابن الجوزي في الواهيات ، عن ابن عبّاس »(٢) .

وكذا قال المناوي(٣) .

نظرات في سنده :

أقول :

وهذا السند في غاية السقوط ، ففيه :

١ ـ ابن أبي مليكة ،

وقد عرفته في بحثنا حول حديث « خطبة عليّ ابنة أبي جهل » الموضوع الباطل(٤) .

٢ ـ قزعة بن سويد ،

روى ابن أبي حاتم عن أحمد : « مضطرب الحديث » وعن ابن معين « ضعيف » وعن أبيه أبي حاتم الرازي : « لا يحتج به »(٥) .

وذكر ابن حجر عن البخاري : « ليس بذاك القوي » وعن أبي دواد والعنبري

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ / ٣٨٤.

(٢) كنز العمال ١١ / ٥٦٧.

(٣) كنوز الحقائق ـ حرف الألف.

(٤) وهو موضوع الرسالة السادسة من هذه الرسائل.

(٥) الجرح والتعديل ٧ / ١٣٩.

٩

والنسائي : « ضعيف » وعن ابي حبان : « كثير الخطأ ، فاحش الوهم ، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره »(١) .

وذكره الذهبي في « الميزان » وقال : « له حديث منكر عن ابن أبي مليكة ...»(٢) .

وستأتي كلمة ابن الجوزي.

٣ ـ بشر بن دحية ،

قال ابن حجر : « بشر بن دحية ، عن قزعة بن سويد ، وعنه محمد بن جرير الطبري ، ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان ...».

أقول : وستقف على نص العبارة وفيها عن الذهبي : « هذا كذب ، وهو من بشر ».

وفيها قول ابن حجر : « وشيخ الطبري [يعني بشراً] ما عرفته ، فيجوز أن يكون هو المفتري ».

٤ـ عليّ بن الحسن الشاعر ،

وهذا الرجل كذبه غير واحد ، بل هو المتهم بوضع هذا الحديث عند بعضهم كما ستعرف.

تصريحات حوله :

ولقد نصّ جماعة من نقاد الحديث على أنه حديث كذب موضوع ، ومنهم : ابن عدي وابن الجوزي والذهبي وابن حجر العسقلاني ، ونحن في هذا المقام ننقل عبارة ابن الجوزي ثم عبارات ابن حجر ، وفيها الكفاية :

قال ابن الجوزي :

« أخبرنا أبو منصور القزّاز قال : أنا أبو بكر ابن ثابت ، قال : أخبرنا عليّ بن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٦.

(٢)ميزان الاعتدال ٣ / ٣٩٠.

(٣)لسان الميزان ٢ / ٢٣.

١٠

عبد العزيز الطاهري ، قال : نا أبو القاسم عليّ بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر ، قال : نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، قال : نا بشر بن دحية ، قال : نا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : أن النبي قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال المؤلف : هذا حديث لا يصحّ ، والمتّهم به الشاعر ، وقد قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج بقزعة بن سويدة : وقال أحمد : هو مضطرب الحديث »(١) .

وقال ابن حجر بترجمة بشر بن دحية :

« بشر بن دحية ، عن قزعة بن سويد ، وعنه محمد بن جرير الطبري. ضعفه المؤلّف في ترجمة عمّار بن هارون المستملي في أصل الميزان ، فذكر عن ابن عديّ أنه قال : محمد بن نوح ، ثنا جعفر بن محمد الناقد ، ثنا عمار بن هارون المستملي ، أنا قزعة ابن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن أبن عبّاس رفعه : ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر. الحديث ، وفيه : وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال ابن عدي : وحدثناه ابن جرير الطبري ، ثنا بشر بن دحية ، ثنا قزعة بنحوه.

قال الذهبي : هذا كذب ، وهو من بشر.

قال : ثم قال ابن عديّ : ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قال الذهبي : وقزعة ليس بشيء.

قلت : فبريء بشر من عهدته ، وسيأتي في ترجمة عليّ بن الحسن بن عليّ بن زكريّا الشاعر أن المؤلف اتهمه به وأنه بريء من عهدته »(٢) .

وقال ابن حجر بترجمة الشاعر :

« علي بن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر ، عن محمد بن جرير الطبري ،

__________________

(١) العلل المتناهية ١ / ١٩٩.

(٢)لسان الميزان ٢ / ٢٣.

١١

بخبر كذب هو المتهم به ، متنه : أبو بكر(١) مني بمنزلة هارون من موسى. إنتهى. ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما سأبينه.

قال الخطيب في تاريخه : أنا عليّ بن عبد العزيز الطاهري ، أنا أبو القاسم عليّ ابن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ بهذا الحديث.

فشيخ الطبري ما عرفته ، فيجوز أن يكون هو المفتري ، وقد قدّمت كلام المؤلف فيه في ترجمته ، وأنّ ابن عديّ أخرج الحديث المذكور بأتمّ من سياقه عن ابن جرير الطبري بسنده. فبريء ابن الحسن من عهدته »(٢) .

* * *

__________________

(١) كذا.

(٢) لسان الميزان ٤ / ٢١٩.

١٢

الحديث الثاني

حديث المباهلة

ومن فضائل أهل البيت « حديث المباهلة » فإنه لمّا نزلت الآية المباركة :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (١) خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام إلى المباهلة ...

حديث المباهلة بأهل البيت :

وقال السيوطي : « أخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال : كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً في عيسى بن مريم ، فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيه. فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران :( إن مثل عيسى عند الله ) إلى قوله :( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) . فأمر بملاعنتهم ، فواعدوه لغدٍ ، فغدا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية. فقال النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تّموا على الملاعنة »(٢) .

قال : « وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٩.

١٣

ابن أبي وقاص قال : لمّا نزلت هذه الآية :( قل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي »(١) .

قال : « وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : قدم على النبي السيد والعاقب فغدا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له. فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمر الوادي عليهما ناراً.

قال جابر : فيهم نزلت :( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية. قال جابر : أنفسنا وأنفسكم : رسول الله وعلي. وأبناءنا : الحسن والحسين. ونساءنا : فاطمة »(٢) .

قال : « وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري : نزلت هذه الآية :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الايه. أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم. فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير! لا تلاعنوا!فانتهوا »(٣) .

فمن رواة الحديث :

١ ـ أبو بكر ابن أبي شيبة.

٢ ـ سعيد بن منصور.

٣ ـ عبد بن حميد.

٤ ـ مسلم بن الحجّاج.

٥ ـ أبو عيسى الترمذي.

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٩.

(٢) الدر المنثور ٢ / ٣٩.

(٣) الدر المنثور ٢ / ٤٠.

١٤

٦ ـ أبو عبدالله الحاكم.

٧ ـ ابن المنذر

٨ ـ محمد بن جرير الطبري.

٩ ـ أبو بكر البيهقي.

١٠ ـ أبو نعيم الأصفهاني.

١١ ـ جلال الدين السيوطي.

وأخرجه أحمد ، قال :

« ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه ، فقال عليّ رضي الله عنه : أتخلفني مع النساء والصبيان؟ قال : يا عليّ ، أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلآ أنه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فتطاولنا لها. فقال : ادعوا لي علياً ـ رضي الله عنه ـ فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية :( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علياً وفاطمة وحسنا وحسينا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فقال : اللهم هؤلاء أهلي »(١) .

أقول : لا يخفى أن هذا الحديث هو نفس الحديث الذي أخرجه مسلم ، وقد تقدّم نصّه في الحديث الأول ، فقارن بين هذا اللفظ واللفظ المتقدّم لتعرف ما في لفظ أحمد من التحريف والتصرف :

وقد ذكر المفسرون خبر المباهلة بذيل الآية المباركة فلاحظ تفاسير : الزمخشري ، الفخر الرازي ، البيضاوي ، الخازن ، الجلالين ، الآلوسي وغيرهم.

__________________

(١) المسند ١ / ١٨٥.

١٥

قلب حديث المباهلة :

فلّما رأى بعض المتعصّبين اختصاص هذه الفضيلة بأهل البيتعليهم‌السلام ، لاسيّما وأنها تدلّ على عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام وإمامته ، وعلى أن الحسنينعليهما‌السلام ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما نصّ عليه الفخر الرازي وغيره في تفسير الآية عمد إلى وضع حديث ليقلب تلك المنقبة إلى غير أهل البيت وليقابل به حديث المباهلة :

قال ابن عساكر : « أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم ، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي ، أنبأ أبو الحسن العتيقي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو الحسين أحمد بن قاج ، نا محمد بن جرير الطبري إملاء علينا ، نا سعيد بن عنبسة الرازي ، نا الهيثم بن عدي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الاية : (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال : فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده »(١) .

وعنه السيوطي بتفسير الآية كذلك(٢) .

نظرات في سنده :

وهذا الحديث كذب محض ، باطل سنداً ومتناً ونحن نكتفي بالنظر في سنده ففيه :

١ ـ سعيد بن عنبسة الرازي ،

وهذا الرجل ذكره ابن أبي حاتم الرازي فقال :

« سعيد بن عنبسة أبو عثمان الخزّاز الرازي سمع منه أبي ولم يحدّث عنه وقال :

__________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة عثمان بن عفان : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) الدر المنثور ٢ / ٤٠.

١٦

فيه نظر.

حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت عليّ بن الحسين ، قال : سمعت يحيى بن معين ـ وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي ـ فقال : لا أعرفه.

فقيل : إنه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان؟ فقال : هذا كذاب.

حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : سعيد بن عنبسة كذاب.

سمعت أبي يقول : كان لا يصدق »(١) .

٢ ـ الهيثم بن عدي ،

وقد اتفقوا على أنه كذاب قال ابن أبي حاتم : « سئل يحيى بن معين الهيثم بن عديّ فقال : كوفي ليس بثقة ، كذاب.

سألت أبي عنه فقال : متروك الحديث »(٢) .

وذكره ابن حجر فذكر الكلمات فيه :

البخاري : « ليس بثقة ، كان يكذب ».

يحيى بن معين : « ليس بثقة ، كان يكذب ».

أبو داود : « كذاب ».

النسائي وغيره : « متروك الحديث ».

ابن المديني : « لا أرضاه في شيء ».

أبو زرعة : « ليس بشيء ».

العجلي : « كذّاب ».

الساجي : « كان يكذب ».

أحمد : « كان صاحب أخبار وتدليس ».

__________________

(١) الجرح والتعديل ٤ / ٥٢.

(٢) الجرح والتعديل ٩ / ٨٥.

١٧

الحاكم والنقاش : « حدّث عن الثقات بأحاديث منكرة ».

محمود بن غيلان : « أسقطه أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة ».

ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء ».

« وكذب الحديث ، لكون الهيثم فيه ، جماعة منهم : الطحاوي في مشكل الحديث ، والبيهقي في السنن ، والنقّاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات وغيرهم »(١) .

* * *

__________________

(١) لسان الميزان ٦ / ٢٠٩.

١٨

الحديث الثالث

حديث سيادة أهل الجنة

ومن الأحاديث المرويّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والثابتة عنه لدى المسلمين في فضل الإمامين السبطين الطاهرين ، الحسن والحسين هو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة :

وقد رواه من أهل السنة علماء ومحدّثون لا يحصى عددهم كثرةً :

فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة »(١) .

وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبدالله بن عمر ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما »(٢) .

وأخرج أحمد بإسناده عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : « ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربّه أن يسلّم علي ويبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة »(٣) .

وأخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم قال : « أتاني جبرئيل فقال : إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ثم قال لي رسول الله : غفر

__________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٤٤.

(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٩١.

١٩

الله لك ولامّك يا حذيفة »(١) .

وصحّحه الذهبي في تلخيصه.

ومن رواته أيضاً :

ابن حبّان في صحيحه كما في موارد الظمان : ٥٥١.

والنساني في خصائص أمير المؤمنين : ٣٦.

والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٩ / ٢٣١.

وأبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ١٩٠.

وابن حجر العسقلاني في الإصابة ١ / ٢٦٦.

وابن الأثير في أُسد الغابة ٥ / ٥٧٤.

وذكره الزركشي في « التذكرة في الأحاديث المشتهرة » والسيوطي في « الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة » والسخاوي في « المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة » بل أورده الزبيدي في كتابه« لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة ».

قلب الحديث :

هذا هو الحديث كما في كتب القوم مصرحين بصحته فقلبه بعض الكذابين إلى لفظ : « أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة » :

قال الترمذي : « حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لأبي بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلأ النبيين والمرسلين.

قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٨١.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بمن قام الف دليل على سوء افعاله وركاكة اقواله كما سيتضح إنشاء الله تعالى والملخص إن نصب الإمام واجب على الله تعالى عقلاً كما برهن عليه في موضعه مفصلاً وقد أبان عن ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونص على من كان أهلاً للإمامة في يوم الغدير وغيره من المواقف والأزمان وحيث كان هذا الإيجاب عند اهل البيتعليهم‌السلام وسائر بني هاشم واتباعهم شائعاً ذائعاً بحيث لم يظنوا صدور الخلاف لأحد من الأصحاب لم يشتغلوا به عن دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيعترف به هذا الشيخ الجاهل في أوائل الفصل الأول من الباب الأول وإنما إشتغل به من الأصحاب من قصد غصب منصب الإمامة وعادى علياً طلباً لثارات الجاهلية فاغتنموا الفرصة بإشتغال بني هاشم بتجهيز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجلوس عليعليه‌السلام للمصيبة فسارعوا الى تقرير ولي الأمر ولبسوا الأمر على الناس بإيهام إن قعود عليعليه‌السلام في قعر بيته إنما كان لتركه الخلافة وإعراضه عنها فانخدع الناس بذلك وضم اليه إختلاف الأنصار فيما بينهم فلم يصبروا أن يفرغ بني هاشم من مصاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيستقر الأمر مقره فبايعوا أبا بكر بحضوره وعقدوا البيعة الفلتة الفاسدة لأبي بكر بعد أعمال وجوه أخرى من التلبيس وتطميع الناس واستمالتهم بتفويض إمارة البلاد ونحوها فظهر إن قول هذا الشيخ حيث إشتغلوا به عن دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمومه في محل المنع فتأمل

وأما تاسعاً فلأن ماذكره أولاً في وجه الوجوب على الأمة سمعاً غير متجه لأنه لا يقتضي كون نصب الإمام واجباً سمياً على الأمة كما إدعاه لظهور إن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بإقامة الحدود وسد الثغور ونحوهما على آحاد الأمة ليس

٤١

على أن يفعلها كل أحد منهم بإستقلال بل بأمر الإمام كما يرشد اليه قوله وهي لا تتم إلا بالإمام فهذا راجع الى بيان مايجب على معاونة الإمام في الأمور المذكورة لا الى وجوب أصل الإمامة فالواجب المطلق في الأمر بما ذكر هو الوجوب المتعلق بإطاعة الأمة لا الوجوب المتعلق بنصب الإمام ولا يلزم من سمعية الأول سمعية الثاني على إن لقائل أن يمنع قولهم « إن ما لا يتم الواجب إلا به وكان مقدوراً للمكلف كان واجباً » وإنما تصدق هذه المقدمة لو إمتنع تكليف مالا يطلق وهو غير ممتنع عندهم فلم يتم الدليل للأشاعرة وايضاً الذي يقوم عليه الدليل هو وجوب مقدمة الواجب بمعنى كونه مما لا بد منه في تحقيق ماهي مقدمة له لا الوجوب الشرعي الذي قصدوه في هذا المقام وتحقيق ذلك يطلب من كتب الأصول لأصحابنا أيدهم الله تعالى.

وأما عاشراً فلأن ماذكره ثانياً بقوله « ولأن في نصبه جلب منافع لا تحصى ودفع مضار لا تستقصى الخ » مردود بأن الضرر المضنون أما ديني وهو تقريب المكلفين وتبعيدهم وذلك لايحصل إلا من إمام مؤيد من عند الله بالآيات والبينات عارف بجزئيات التكاليف العقلية والشرعية مما لا يعرفها إلا الراسخون ولا يرضى بحكمه إلا المتقون، بخلاف من نصبه الرعية على وفق آرائهم، ومقتضى شهواتهم ، حيث جوزوا ترجيح المرجوح وتفضيل المفضول واستأثروا إتباع الظالم الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من ضروريات الدين كما ينبغي، بل لا يهتدي بضروريات العقل أيضاً لينالوا بوسيلته الى مرداتهم الجاهلية والمالية

وأما دنيوي كالهرج والمرج والفتن ولا نزاع لنا في حصوله في الجملة من نصب رئيس يختاره طائفة من الناس بينهم لئلا يختل

٤٢

أمر معاشهم إلا إن نصبه ربما يؤدي الى المفاسد الدينية كإتباع العلماء القاصرين لرأيه وإعتقاده وتأليفهم كتباً على طبق مرضاته ووضعهم أحاديث كذلك فاستمر بينهم كابراً عن كابر حتى شاع في وقته كما وقع في زمان بني أمية وبني العباس فقالوا بعد مدة إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون.

١٢ ـ قال : المقدمة الثالثة الإمامة تثبت أما بنص من الإمام على إستخلاف واحد من أهلها وأما بعقدها من أهل الحل والعقد لمن عقدت له من اهلها كما سيأتي بيان ذلك في الأبواب وأما بغير ذلك كما هو مبين في محله واعلم إنه يجوز نصب المفضول مع وجود من هو أفضل منه لإجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على إمامة بعض من قريش مع وجود أفضل منه منهم ولأن عمر جعل الخلافة بين ستة من العشرة منهم عثمان وعلي وهما أفضل أهل زمانهما فلوا تعين الأفضل لعين عثمان فدل عدم تعيينه إنه يجوز نصب غير عثمان وعلي مع وجودهما والمعنى في ذلك إن غير الأفضل قد يكون أقدر منه على القيام بمصالح الدين وأعرف بتدبير الملك وأوفق لإنتظام حال الرعية وأوثق في إندفاع الفتنة انتهى.

اقول : اولاً التحقيق إن الإمامة لا تثبت إلا بنص من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من الإمام المنصوص على إمامته وأما القسمان الآخران اللذان ذكرهما هذا الشيخ الجامد فقد أشرنا الى بطلانهما إجمالاً وسيأتي الكلام فيهما تفضيلاً إنشاء الله تعالى

وثانياً إنه إن اراد بدعوى إجماع العلماء على إمامة المفضول مع وجود الفاضل إجماع جميع العلماء فالمنع عليه ظاهر كيف وسائر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم الى هذا الزمان على طرف الخلاف وإن

٤٣

أراد إجماع علماء اهل السنة فهو مصادرة ظاهرة لاتقوم حجة على الخصم الشيعى كما لايخفى وتفضيل الكلام وتحقيق المرام إنه قد دل العقل والنقل على إنه يجب أن يكون الإمام أكمل وافضل في جميع اوساط المحامد كالعلم والزهد والكرم والشجاعة والعفة وغير ذلك من الصفات الحميدة والأخلاق المرضية وبالجملة يجب أن يكون أشرفهم نسباً واعلاهم قدراً واكملهم خلقاً وخلقاً كما وجب ذلك في النبي بالنسبة الى إمته وهذا الحكم متفق عليه من أكثر العقلاء إلا إن أهل السنة خالفوا في أكثره كالأعلمية والأشجعية لأن أبا بكر لم يكن كذلك مع إن عمر وأبا عبيدة نصباه إماماً وكذا عمر لم يكن كذلك وقد نصبه ابو بكر إماماً ولم يفطنوا بأن هذا الإختيار السوء قد وقع مواضعة ومخادعة من القوم حرصاً على الخلافة وعداوة لإمام الكافة كما يكشف عنه قول طلحة حين كتب أبو بكر وصيته لعمر بالولاية والخلافة بعده حيث قال مخاطباً لعمر « وليته أمس وولاك اليوم » الى غير ذلك من المكائد والحيل والخدع التي إستعملوها في غصب الخلافة عن اهلها وكذلك فريق من المعتزلة منهم عبدالحميد بن أبي الحديد المدائني قالوا يجوز تقديم المفضول على الفاضل لمصلحة ما وقالوا إن علياًعليه‌السلام أفضل من أبي بكر لكن جاز تقديم أبي بكر عليه لمصلحة وهذا القول غير مقبول إذ يقبح من اللطيف الخبير أن يقدم المفضول المحتاج الى التكميل على الفاضل الكامل عقلاً ونقلاً كما في النبوة ومنشأ شبهتهم في هذا التجويز إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قدم عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر وكذا قدم أسامة بن زيد عليهما مع إنهما أفضل من كل منهما والجواب بعد تسليم افضليتهما والإغماض عن إن هذه الأفضلية إنما توهم لهما بعد

٤٤

غصبهما للخلافة إنهما إنما قدما عليهما في أمر الحرب فقط وقد كانا أعلم من منهما فيه قطعاً كما دلت عليه الأخبار والآثار هذا إن جعلنا التقديم والتأخير منوطاً بإختيار الله تعالى وأما إن جعلناه منوطاً بإحتيار الأمة كما هو مذهب الجمهور فهو أيضاً غير مقبول لأنه يقبح في العقول ايضاً أن يجعل المفضول المبتدي في الفقه مقدماً على إبن عباسرضي‌الله‌عنه وذلك بين عند كل عاقل والمخالف فيه مكابر.

ومن العجائب إن إبن أبي الحديد المعتزلي خالف هاهنا مقتضى ما أجمع عليه من القول بالحسن والقبح العقليين ونسب هذا التقديم الذي ذهب اليه الى الله عز وجل فقال في خطبة شرحه لنهج البلاغة « وقدم المفضول على الفاضل لمصلحة إقتضاها التكليف » وهذا في غاية مايكون من السخف، ولأنه نسب ما هو قبيح عقلاً الى الله عز وجل ، مع إنه عدلي المذهب ، فقد خالف مذهبه، ولهذا حملت الشكايات الواردة من عليعليه‌السلام عن الصحابة، والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية وغيرها على ذلك ولا يخفى إن الحمل على ذلك مما لا وجه له سوى التحامل على عليعليه‌السلام لأن هذا التقديم إن كان من الله تعالى، لم يصح من عليعليه‌السلام الشكاية مطلقاً لأنها حينئذ تكون رداً على الله، والرد عليه على حد الكفر وإن كان من الخلق فإن كان هذا التقديم لمصلحة المكلفين وعلم بها جميع الخلق غير عليعليه‌السلام فقد نسبهعليه‌السلام الى الجهل بما عرفه عامة الخلق وإن كان لا لمصلحة كان تقديماً بمجرد التشهي فلم تكن الشكاية على الوجه الذي توهمه فلا وجه لحملها عليه هذا والعقل والنقل كما اشرنا اليه دال على قبح ذلك أما العقل فظاهر وأما النقل فلأن القرآن نص على إنكار ذلك حيث قال تعالى أفمن يهدي الى الحق

٤٥

احق أن يتبع أمن لايهدي الى أن يهدي فمالكم كيف تحكمون وقال تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ثم أقول يمكن أن يستدل على عدم جواز تفضيل المفضول يقول أبي بكر « أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم » فاحفظ هذا فإنه بذلك حقيق.

وثالثاً إنما ذكره من التعليل العليل بقوله « ولأن عمر جعل الخلافة الخ » قد مر مافيه مع إبتنائه لمجرد حسن الظن الذي لايغني من الحق شيئاً.

ورابعاً إن قوله « والمعنى في ذلك إن غير الأفضل قد يكون اقدر منه الخ » فيه إنه إن عنى بالأقدر المذكور فيه إنه لايعرف مصالح الدين لكنه أقدر على إقامتها فهذا لايسمن ولايغني من جوع لأن إقامة مصالح الدين فرع العلم بها وهو ظاهر وإن عنى به إنه أقدر بإقامتها مع العلم بها من غير أحتياج وإستناد الى إستعلامها عن غير فهو خلاف المفروض لأن مثل هذا الشخص ليس بمفضول في العلم بل أقل الأمر أن يكون مساوياً لغيره وأما مجرد معرفة تدبير الملك وإنتظام حال الرعية فلا يجدي في الدين لأن ذلك التدبير والإنتظام يجب أن يكون على الوجه الشرعي الخالي عن شوائب الجور والظلم الذي لا يحصل إلا ممن إتصف بالعلم والعفة والزهد والشجاعة بل بالعصمة كما سنحققه دون الوجه العرفي السياسي الحاصل من معاوية الباغي وجروه يزيد، والوليد الجبار العنيد ، الذي إستهدف المصحف المجيد، والحجاج الظالم الفاتك الشديد ، واللص المتغلب الدوانيقي ونحوهم من كل شيطان مريد، فإنهم كانوا يدفعون الفتنة الموهمة على الملك والرعية وعلى خصوص سلطنتهم وجاههم وقتل كل متهم، وصلب كل عدو مظنون وإحراق بيوتهم وبيوت اقوامهم وجيرانهم وضرب أعناقهم الى غير ذلك من العذاب والنكال بلا ثبوت ذنب

٤٦

منهم شرعا نعم ظلم الشيخين كان مختصاً بأهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ولهذا إستقام لهم الأمر بمعونة غيرهم من أعداء أهل البيت بخلاف عثمان فإنه لما عم ظلمه وظلم عماله على البلاد والعباد، إختل أمره وآل الى قتله على رؤوس الأشهاد، وبالجملة إن حفظ الحوزة على الوجة المشتمل على الإنتظام الظاهري ودفع الهرج والمرج ورفع تطاول بعض الآحاد قد يترتب على وجود الخلفاء المجازية والملوك الجائرة بل بوجود الشحنة والعسس بل وربما يحصل هذا القسم من الإنتظام بهم دون غيرهم من الخلفاء الحقيقة فإنهم بموجب سياساتهم العرفية المذكورة ونحوها ربما يدفعون تطاول آحاد الناس على غيرهم من الرعية بوجه لايتيسر لغيرهم من الخلفاء الأمجاد لكنهم أنفسهم وأولياء دولتهم يعملون مع ضعفاء العباد ، ما يشاؤون من الجور والفساد ، ولو وقع خلل في أحكام الدين القويم، واعوجاج في اركان الطريق المستقيم، عجزوا عن الإصلاح والقويم كما اشار اليه عبدالله بن الحر في جملة قوله

( شعر(١) )

تبيت النشاوى من أمية نوماً

وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وما ضيع(٢) الإسلام إلا قبيلة(٣) تأمر نوكها ودام نعيمها(٤)

وأضحت(٥) قناة الدين في كف ظالم إذا إعوج منها جانب لايقيمها

____________________

(١) نقل إبن شهر آشوب ره هذه الأبيات في كتاب المناقب من دون تسمية لقائلها [ صفحة ٢٣٢ من ج ٢ من النسخة المطبوعة في سنة ١٣١٧ القمرية الهجرية ونقلها المجلسي ره عن المناقب في البحار « ص ٢٥٦ من ج ١٠ من النسخة المطبوعة بنفقة أمين الضرب ره ]

(٢) المناقب والبحار « قتل »

(٣) المناقب والبحار « عصابة »

(٤) المناقب والبحار « نام زعيمها »

(٥) المناقب والبحار « فاضحت »

٤٧

وليتأمل ذو الرأي السديد إن فيما وقع في ايام من صحاح أهل السنة سلطنه بل خلافته كيزيد، عليه من اللعنة مايربو ويزيد، من قتل الحسينعليه‌السلام وشيعته من حفظ حوزة الإسلام أو في قتله لأهل المدينة الطيبة وإفتضاض الف بكر من أولاد الصحابة والتابعين الكرام رعاية نظام الأنام أو في رمي المناجيق على الكعبة وتخريب بيت الله الحرام أمارة لما إختل من النظام أو دعوة لمن دخلها الى دار السلام هذا مع إنا لا نسلم إن الثلاثة كانوأ أعرف بحفظ الحوزة وحفظ حال الرعية ولو كانوا كذلك لما أمر النبي عليهما عمرو بن العاص مرة وزيد بن حارثة مرة وزيد بن أسمامة تارة أخرى وقد إشتهر إن أكثر ما إستعمله عمر من تدبير فتح العجم ونشر الإسلام في بلادهم إنما كان بإشارة عليعليه‌السلام وإنه كتب صفحة من قبيل الجفر والتكسيرا وجب عقدها على راية أهل الإسلام إنتكاس رايه العجم وقد ذكر بعض الجمهور على ما في كتاب الشافي من مقاتلة أبي بكر لأصحاب مسيلمة الكذاب وأمثالهم مشهورين بين أهل السنة بأهل الردة إنما كان بإشارة عليعليه‌السلام نعم كانعليه‌السلام محترزاً عن إستعمال الغدر والمكيدة والحيلة والخديعة التي يعد العرب مستعملها من الدهاة وكانوا يصفون معاوية بذلك ويقولون إنما وقع الإختلاف في عسكر عليعليه‌السلام لأن معاوية كان صاحب الدهاء دونه ولما سمععليه‌السلام قال « لولا الدين(١) لكنت من أدهى العرب » فتدبر.

____________________

(١) نقل السيد الرضي ره في نهج البلاغة مايحقق هذا المرام بهذه العبارة « ومن كلام لهعليه‌السلام : والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما إستغفل بالمكيدة ولا إستغمز بالشديدة » وقال إبن أبي الحديد في شرحه كلاماً مفصلاً منه هذا « أعلم إن السائس لايتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه وبما يرى فيه صلاح ملكه وتمهيده امره وتوطيد قاعدته سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ماقلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله وأمير المؤمنين كان مقيداً بقيود الشريعة مدفوعاً الى إتباعها ورفض مايصلح إعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن الشرع موافقاً فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين اليه ما هو منزه عنه لكنه كان مجتهداً يعمل بالقياس والإستحسان والمصالح والمرسلة ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء بالإستنباط من اصول يقتضي خلاف مايقتضيه عموم النصوص ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة ويؤدب بالدرة والسوط من يتغلب على ظنه إنه يستوجب ذلك ويصفح من آخرين قد إجترموا مايستحقون به التأديب كل ذلك بقوة إجتهاده وما يؤديه اليه نظره ولم يكن أمير المؤمنينعليه‌السلام يرى ذلك وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها الى الإجتهاد وإلا قيسته ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين ويسوق الكل مساقاً واحداً ولا يرفع إلا بالكتاب والنص فاختلفت طريقتاهما بالخلافة والسياسة وكان عمر مع ذلك شديد الغلظة والسياسة وكان عليعليه‌السلام كثير الحلم والصفح والتجاوز فازدادت خلافة ذاك قوة وخلافة هذا ليناً ولم يمن عمر بما مني به عليعليه‌السلام من فتنة عثمان الخ » وهو كلام نافع طويل الذيل جداً ينبغي إن يلاحظ ويراجع ومن اراده فليطلبه منه هناك « وهو أواخر الجزء العاشر من شرح النهج لصاحب الكلام ».

٤٨

١٣ ـ قال : واشتراط العصمة في الإمام وكونه هاشمياً وظهور معجزة على يده يعلم بها صدقه من خرافات نحو الشيعة وجهالاتهم لما سيأتي بيانه وإيضاحه من حقية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مع إنتفاء ذلك فيهم ومن جهالاتهم ايضاً قولهم إن غير المعصوم يسمى ظالماً فيتناوله قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين وليس

٤٩

كما زعموا إذ الظالم لغة من يضع الشيء في غير محله وشرعاً العاصي وغير المعصوم قد يكون محفوظاً فلا يصدر عنه ذنب او صدر عنه ويتوب منه حالا توبة نصوحا فالآية لاتتناوله وانما تتناول العاصي على أن العهد في الآية كما يحتمل ان يكون المراد به الإمامة العظمى يحتمل ايضاً ان يكون المراد به النبوة أو الإمامة في الدين او نحوهما من مراتب الكمال وهذه الجهالة منهم انما اخترعوها ليبنوا عليها بطلان خلافة غير علي كرم الله وجهه وسيأتي مايرد عليهم ويبين عنادهم وجهلهم وضلالهم نعوذ بالله من الفتن والمحن انتهى.

اقول : يتوجه عليه :

اولاً ان الإمامية الذين ينبغي ان يكون وجه الكلام معهم انما اشترطوا العصمة دون الهاشمية وان اتفق كون الأئمة المعصومين من بني هاشم ودون اظهار المعجزة وان صدر عنهم ذلك حسبما ذكره مؤلف شواهد النبوة وغيره.

وثانياً ان اثبات حقية خلافة ابي بكر وعمر مع انتفاء العصمة فيهم انما يوجب خرافة من اشترط العصمة في الإمامة لو لم يثبت ذلك ببرهان من العقل والنقل وإلا فغاية الأمر تعارض الإثباتين فجاز ان يكون الخرافة والجهل في هذا الشيخ الخرف والجهلاء من اهل نخلته على إن لنا بحمد الله تعالى على ذلك دلائل عقلية ونقلية لايخفي وقعها على أولي الطبائع الزكية

أما النقلية فما ذكره هذا الشيخ الجامد بعيد ذلك من قوله تعالى لاينال عهدي الظالمين وسنوضح دلالته على المقصود بحيث لا يبقى للخصم مجال الإنكار والجحود وقوله تعالى كونوا مع الصادقين و

٥٠

غير المعصوم لايعلم صدقه فلا يجب الكون معه فيجب الكون مع المعصوم وهم أهل البيتعليهم‌السلام كما نطق به آية التطهير على ماأوضحناه في شرح كشف الحق ونهج الصدق

وأما العقلية فلأن الإمام قائم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وله الولاية العامة في الدين والدنيا وساد مسده فكما انه إشترط في النبي اتفاقاً فكذا في الإمام الزاماً وبالجملة ان الأدلة على عصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دالة على عصمة الأمامعليه‌السلام وهي إنتفاء فائدة بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لو لم يكن معصوماً لظهور انتفاء نصب الإمام ايضاً على تقدير عدم عصمته وللزم والتسلسل لو لم يكن الأمام معصوماً وقد شبهوا هذا بدليل وجوب انتهاء سلسلة الممكنات على الواجب لئلا يلزم التسلسل ولأن الأمر بإتباعه امر مطلق فلو وقع منه معصية لزم ان يكون الله آمراً لنا بفعل المعصية وهو قبيح عقلاً لا يفعله الحكيم تعالى لما ثبت من الأدلة الدالة على إمتناع القبائح منه تعالى ولأنه لو فعل المنكر فان لم يعترض عليه لزم سقوط النهي والمنكر وان انكر عليه لزم سقوط محله عن القلوب فلا يحصل فائدة نصبه ولأن الإمام حافظ للشرع بمعنى انه مؤيد منفذ لأحكامه بين الناس جميعاً وكل من كان حافظاً للشرع بهذا الوجه لابد من عصمته.

أما الصغرى فلا إعتبار عموم الرياسة في الدنيا والدين في الإمامة كما سبق

وأما الكبرى فلأن من كان حافظاً للشرع بالوجه المذكور لابد ان يكون آمناً عند الناس من تغيير شيء من احكامه بالزيادة والنقصان وإلا لم يحصل الوثوق بقوله وفعله فلا يتابعه العباد فيهما فتختل الرياسة العامة وتنتفي فائدة الإمامة لا يقال إن هذا الدليل يقتضي ان تكون العصمة شرطاً في المجتهد ايضاً لأنه حافظ للشرع فلا بد ان يكون معصوماً ليؤمن

٥١

من الزيادة والنقصان وكذا الكلام في الدليل المذكور قبله لأنه لو فعل المعصية سقط من القلوب وانتفت فائدة الآجتهاد او سقط حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلاهما باطل لكنها ليست بشرط اتفاقاً لأنا نقول المجتهد ليس حافظاً للشرع بين جميع الناس بل مظهر له على من قلده فلا يجب فيه أن يكون آمناً من الزيادة والنقصان على سبيل القطع بل يكفي حسن الظن بصدقه بعد ثبوت الإجتهاد ولذلك شرط العدالة فيه وبالجملة مرتبة الإجتهاد لكونها دون مرتبة الإمامة تحصل باستجماع شرائطها المشهورة المسطورة في كتب الأصول ويكفي في وجوب العمل بقول المجتهد حسن الظن بصدقه المتفرع على ثبوت عدالته بعد حصول شرائط الإجتهاد كما تقرر في محله بخلاف مرتبة الإمامة فإنها رياسة عامة بحسب الدين والدنيا ومن البين إنها لاتحصل لشخص إلا بعد أن يكون آمناً من الزيادة والنقصان في أحكام الشرع وإلا لإختلت تلك الرياسة العامة وإنتفت فائدة الإمامة كما لايخفى على من له طبع سليم وعقل مستقيم.

ولا يبعد ان يقال ايضاً إن كلاً من جواز الإجتهاد وجواز تقليد المجتهد في ايام غيبة الإمام من باب الرخصة في أكل لحم الميتة عند الخمصة لئلا تتعطل الأحكام الشرعية وإنما الجائز بحسب اصل الشرع هو الإجتهاد في زمن حضور النبي أو الإمام عند كونه في ناحية بعيدة عنهما يمكنه إستعلام ما إستبهم من الأحكام بالكتابة اليهما ونحوها إذ مع حضور النبي والإمام المعصومين في الأحوال والأقوال يرجع المجتهدون اليهما في مواضع الإشتباه والإشكال وبإعلام كل منهما يحصل التقصي عن الحق والضلال فلا يحتاج الى إعتبار عصمة المجتهد مع حضور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

٥٢

والإمام الذي يمكن الرجوع اليه في تحقيق الأحكام والكشف عن مسائل الحلال والحرام فإن قيل عمدة ماذكرتم معشر الإمامية في عصمة الأنبياء والأئمة إن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض من بعثة الأنبياء ونصب الإمام أعني قبول أقوالهم وإمتثال أوامرهم ونواهيهم فبينوا لنا وجه القدح إذ قد طال الكلام في هذه المسألة بين الفريقين قلت لاشك إن من تجوز عليه الكبائر والمعاصي فإن النفس لا تسكن ولا تطمئن الى قبول قوله مثل ما تطمئن الى قول من لايجوز عليه شيء من ذلك جزماً قال الشريف الرضيرضي‌الله‌عنه هذا معنى قولنا إن وقوع الكبائر والمعاصي منفرّ عن القبول والإمتثال والمرجع فيها الى العادات وليس ذلك مما يستخرج بالدليل ومن رجع الى العادة علم صدق ماذكرناه فإن الكبائر في باب التنكير لا تنحط عن المهاجاة التي تدل على خسة صاحبها وعن المجون والسخافة ولا خلاف في إنها ممتنعة منهم فإن قيل أو ليس قد جوز كثير من الناس الكبائر على الأنبياء والأئمة ومع ذلك لم ينفروا عن قبول أقوالهم وإمتثال أوامرهم وهذا يناقض قولكم إن الكبائر منفرة قلنا هذا كلام من لم يعرف معنى النفس وحصول الإطمئنان ولا يشك عاقل في إن النفس حال عدم تجويز الكبائر أقرب منها الى ذلك عند تجويزها وقد يبعد الأمر عند الشيء ولا يرتفع كما يقرب من الشيء ولا يقع عنده إلا ترى إن عبوس الداعي الى طعامه وتضجره منفر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه وقد يقع ماذكرناه الحضور والتناول ولا يخرجه من أن يكون منفراً وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسمه يقرب من الحضور والتناول وقد يرتفع عنده ذلك لايقال هذا يقتضي أن لاتقع الكبائر عنهم حال النبوة

٥٣

والإمامة وأما قبلها فلا لزوال حكمها بالتوبة المسقطة للعقاب والذم ولم يبق وجه يقتضي التنكير لأنا نقول إنا لم نجعل المانع عن ذلك إستحقاق العقاب والذنب فقط بل ولزوم التنفير أيضاً وذلك حاصل بعد النبوة ولهذا نجد ذلك من حال الواعظ الداعي الى الله وقد عهد منه الإقدام على كبائر الذنوب وإن تاب عنها بخلاف من لم يعهد منه ذلك والضرورة فارقة بين الرجلين فيما يقتضي القبول والنفور وكثيراً مانشاهد إن الناس يعيرون من عهد منه القبائح المتقدمة وإن حصلت منه التوبة والنزاهة ويجعلونها نقصاً وعيباً وقدحاً غاية ما في الباب إن الكبائر بعد التوبة أقل تنفيراً منها قبل التوبة ولا يخرج بذلك عن كونها منفرة إن قلت فلم قلتم إن الصغائر لاتجوز عليهم مطلقاً ولا تنفير فيها قل بل التنفير حاصل فيها ايضاً عن التأمل لأن إطمئنان النفس وسكونها إنما هو مع الأمن عن ذلك لا مع تجويزها والفرق بأن الصغائر لا توجب عقاباً وذماً ساقط لأن المعتبر التنفير كما ذكرنا مراراً ألا ترى إن كثيراً من المباحاة منفرة ولا ذم ولا عقاب فيها وكيف لايكون ذلك موجباً للتنغير مع إن الخصم حصل على بعض الإجتهادات البعيدة من المشاهدة بكونه منفراً للعوام مع تصريحهم لأن المجتهد المخطيء مثاب قال أبو المعاني الجويني في رسالته المعمولة في بيان حقية مذهب الشافعي قد إتفق للشافعي أصل مقطوع ببطلانه على وجه أجمعت الأمة شارقة وغاربة أرضاً فأرضاً طولاً وعرضاً على بطلان ذلك الأصل وهو إنه لم يجوز نسخ السنة بالكتاب ولم يجوز نسخ الكتاب بالسنة وهذا أمحل المحالات والعامي إذا سمع هذا يستنفر طبعه وينزوي عن تقليده والإقتداء به الجواب قلنا هذا الأصل غير مقطوع ببطلانه فإنه إنما لم يجوز نسخ السنة المتواترة بالكتاب

٥٤

لأن الله تعالى الى آخره وتقرير الكلام على هذا التفصيل والتنقيح من نفائس المباحث فاحفظة فإنه بذلك حقيق.

وثالثاً إن أحداً من الشيعة سيما من الإمامية لم يقل بأن غير المعصوم يكون ظالماً كيف وغير المعصوم قد يكون عادلاً في جميع ايام عمره كما ذكره نعم قد إستدلوا بالآية التي ذكرها على عدم صلاحية المشايخ الثلاثة للإمامة بما حاصله إنهم كانوا كفاراً في الأصل وإنما أسلموا بعد تماديهم في الكفر والضلالة والكافر ظالم بقوله تعالى والكافرون هم الظالمون والظالم لايصلح للإمامة لأن ابراهيم على نبينا وعليه‌السلام حين طلب الإمامة لذريته وقال « ومن ذريتي » قال الله تعالى في جوابه لا ينال عهدي الظالمين يعني إن الإمامة لاتصل مني ومن جانبي الى أحد من الموصوفين بالظلم وأورد عليه الفاضل القوشچي في شرحه على التجريد بأن غاية ماتدل عليه الآية إن الظالم في حال الظلم لا ينال عهد الإمامة ولا يلزم من ظلم الثلاثة وكفرهم قبل الخلافة أن لا ينالوها حال إسلامهم وعدم إتصافهم بالظلم وفيه نظر ظاهر لأن لفظة من في قوله ومن ذريتي تبعيضة كما هو الظاهر وصرح به المفسرون وحينئذ نقول إن سؤال ابراهيمعليه‌السلام الإمامة لذريته الظالمين أما إن كان لبعض ذريته المسلمين العادلين في تمام عمره أو لذريته الظالمين في تمام عمرهم أو لذريته المسلمين العادلين في بعض أيام عمره الظالمين في بعضه الآخر لكن يكون مقصودهعليه‌السلام نيلهم لذلك حال إسلامهم وعدالتهم أو الأعم من هذا القسم والقسم الأول فعلى الأول يلزم عدم مطابقة الجواب للسؤال وعلى الثاني يلزم طلب الجليل ، وذلك المنصب الجليل ، للكافر والظالم حال الكفر والتضليل ، وهذا مما لايصدر عن أدنى عاقل ، بل جاهل من رعية وعن الثالث والرابع يحصل

٥٥

المطلوب وهو إن الإمامة مما لا ينالها من كان كافراً ظالماً في الجملة وفي بعض أيام عمره فظهر إن الخرافة والجهالة إنما صدرت عن هذا الشيخ الخرف المبهوت الذي ينسج عليه أموراً واهية كنسج العنكبوت فمقصود الإمامة عنه يفوت.

ورابعاً إن ماذكره في العلاوة مردود بأن أكثر المفسرين من أهل السنة أيضاً حملوا العهد على الإمامة وهو الظاهر أيضاً من سوق الآية ومدار الإستدلال في النقليات على هذا ما لم يقم دليل آخر على خلافه يستدعي العدول عنه وإقامة الحجة على شطر من علماء مذهبكم كاف لنا في الإلزام بل يلزم الباقين التقصي عن مقتضاها لقولهعليه‌السلام « الكفر ملة واحدة » على إنه يلزم من إشتراط العصمة والعدالة في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع ايام عمره إشتراطه في الإمام بطريق أولى لعدم تأييد الإمام بالوحي العاصم عن الخطأ.

وخامساً إن مانسبه الى الإمامية من إختراع إشتراط العصمة في الأئمة معارض بمثله فإن لهم أن يقولوا إن أهل السنة إنما إخترعوا نفي إشتراط عصمة الأئمة حفظاً لحال مشايخهم الثلاثة الفاقدين للعصمة وبناء لصحة خلافتهم والله ولي العصمة.

١٤ ـ : الباب الأول في بيان

كيفية خلافة الصديق والإستدلال على حقيتها بالأدلة النقلية والعقلية وما يتبع ذلك وفيه فصول الفصل الأول في بيان كيفيتها

روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما الذين هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به إن عمر خطب الناس مراجعة من الحج فقال في خطبته

٥٦

قد بلغني ان فلاناً منكم يقول لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امره ان يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة إلا وأنها كذلك إلا إن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من يقطع اليه الأعناق مثل أبي بكر وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلفت الأنصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون الى أبي بكر وقلت له يا أبا بكر إنطلق بنا الى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم أن نقصدهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم قالا اين تريدون يامعشر المهاجرين فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى وجدناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقلت ماله قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فاثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فنحن انصار الله وكتيبة الإسلام وانتم يامعشر المهاجرين رهط منا وقد رفت رافة منكم أي ذب قوم منكم بالإستعلاء والترفع علينا تريدون أي تخزنونا من أصلها وتخضنونا من الأمر أي تنحونا عنه وتستبدون به دوننا فلما سكت اردت أن أتكلم وقد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن اقولها بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني والله ماترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهة وأفضل حتى سكت فقال أما بعد فما ذكرتم من خير فانتم اهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هو أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لك أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد ابي عبيدة بن الجراح فلم أكره ما قال غيرها وكان والله إن أقدم فيضرب عنقي لا يقربني

٥٧

ذلك من أثم أحب اليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فقال قائل من الأنصار أي جذيلها المحكك وغديقها المرحب منا أمير ومنكم أمير يامعشر قريش وكثر اللفظ وارتفعت الأصوات حتى خشيت الإختلاف فقلت إبسط يدل يا أبا بكر فبسط يده وبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار والله ماوجدنا فيما حضرنا أمر هو أوفق من مبايعة أبي بكر وخشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فأما أن نبايعهم على مانرضى وأما أن نخالفهم فيكون فيه فساد انتهى

أقول يتوجه عليه إنه إن اراد إجماع من يعتد به من أهل السنة على صحة ما في الكتابين فهو مصادرة لا يتمشى مع من هو طرف البحث من الشيعة وإن اراد إجماع من يعتد به من الشيعة على صحة مافيهما فبطلانه ظاهر لأن البخاري ومسلم وأضرابهما وضاعون كذابون عند الشيعة بل حكموا بحماقة البخاري وقصور فهمه عن التميز بين الصحيح والضعيف لأمور شتى منها ماصرح به بعض الجمهور من إن البخاري حدث عن المتهم في دينه كعباد بن يعقوب الرواجي واحتج بحديث من اشتهر عنه النصب والبغض لعليعليه‌السلام كمحمد بن زياد الأبهاني وحريز بن عثمان الرحبي واتفق البخاري ومسلم على الإحتجاح بحديث أبي معاوية وعبيد الله بن موسى وقد إشتهر عنهم الغلو ومنها ماذكره فقهاء الحنفية في بحث الرضاع من كافيهم وكفايتهم من بلادته وقصور إدراكه عن فهم معاني الأخبار والفتوى بما يضحك منه الصبيان حتى أجمعوا علماء بخارا على إخراجه منها وطرده بأسوأ حال ومن هذا حاله كيف يعتمد على نقله وكيف يقال إن كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى على إن الكرماني شارح البخاري قد روى في أوائل شرحه مايدل على إن صحيح البخاري لن يتم في أيام حياته بل كان كثيراً من مواضعه مبيضاً كان على حواشيه ملحقات وعلى أوساطه

٥٨

قطعات إستصعبوا الإهتداء الى مواضع ربطها وإنما رتبه عدة من تلامذته البخاريين على حسب ماوصل اليه فهمهم ومن البين إنه لو بقي البخاري بعد ذلك مدة لجاز ان يرجع عن الحكم بصحة بعض ما أودع فيه وتصرف فيه بزيادة ونقصان فكيف يعتمد بمثل هذا الأبتر الواهي الذي قد لعب به جماعة من نواصب بخارى وفساقها في تحقيق الكلام الإلهي سيما الأوامر والنواهي وكذا الكلام في مسلم كما فصلنا في شرح كتاب كشف الحق ونهج الصدق ولو سلم صحة نقلهما ذلك عن عمر فالكلام مع عمر وإنه هو الذي عقد البيعة لأبي بكر ظلماً وجوراً على أهل البيتعليهم‌السلام ولعلمه بأن أبا بكر يجعل الخلافة فيه بعده قال طلحة وليته أمس وولاك اليوم فكيف يسمع كلامه في كيفية خلافة أبي بكر مع ما إشتمل عليه من الأكاذيب الظاهرة وناهيك في ذلك ماقال إبن أبي الحديد المعتزلي من مصححي خلافة الثلاثة إن عمر هو الذي وطأ الأمر لأبي بكر وقام فيه حتى وقع في صدر المقداد وكسر سيف الزبير وكان قد اشهر سيفه عليهم ولهذا إن أبا بكر لما صعد المنبر قام إثني عشر رجلاً ستة من المهاجرين وستة من الأنصار فانكروا على أبي بكر في فعله وقيامه مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورووا أحاديث في حق علي (ع) ووجوب خلافته لما سمعوا من النص عليه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى إن ابا بكر أفحم على المنبر ولم يرد جواباً فقام عمر وقال يالكع إذا كنت لا تستطيع أن ترد جواباً فلم أقمت نفسك هذا المقام وانزله من المنبر وجاءوا في الإسبوع الثاني ومع معاذ بن جبل مائة رجل ومع خالد بن الوليد كذلك شاهري سيوفهم حتى دخلوا المسجد وعليعليه‌السلام جالس في نفر من أصحابه فقال عمر والله ياأصحاب علي لئن ذهب رجل منكم يتكلم بالذي تكلم به أمس لنأخذن الذي فيه عيناه فقام سلمان الفارسي وقال سمعت رسول الله (ص) قال بينما حبيبي وقرة عيني جالس

٥٩

في مسجدي إذ وثب عليه طائفة من كلاب أهل النار يريد قتله ولا شك إنكم هم فأومى اليه عمر بالسيف فجذبه علي حتى جلد به الأرض وقال ياإبن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا وبجمعكم تكافروننا والله لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتكم أينا أقل عدداً واضعف ناصراً وقال لأصحابه تفرقوا انتهى فاحسن تأمله وهل هذا إلا مصادرة.

١٥ ـ قال : وفي رواية إن أبا بكر إحتج على الأنصار بخبر الأئمة من قريش وهو حديث صحيح ورد من طرق نحو أربعين صحابياً.

أقول : الحديث صحيح ويؤيده قولهعليه‌السلام في صحاح الأحاديث إن الإسلام لايزال عزيزاً ما مضى فيهم إثني عشر خليفة كلهم من قريش لكن المراد من الخليفة الأول القريشي علي (ع) إلا إنهم لما أوقعوا في القلوب إنهعليه‌السلام تقاعد من تصدى الخلافة كما ذكرناه سابقاً موهوا ذلك بجواز العدول الى قريشي آخر فتدبر.

١٦ ـ قال : وأخرج النسائي وأبو يعلى والحاكم وصححه عن إبن مسعود رض إنه قال لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فاتاهم عمر بن الخطاب فقال يامعشر الأنصار الستم تعلمون إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس وأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقال الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر انتهى.

اقول : أولاً إن رواية الحاكم لهذا الحديث عن إبن مسعود كاذبة بل هي مما رواه الحسن البصري عن عائشة وقال إنه نص خفي على إمامة أبي بكر والحسن البصري ممن قدح فيه الشيعة والشافعي حيث نقل عنه إبن المعالي الجويني إنه قال فيه كلام وأما عائشة

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77