الاصول من الكافي الجزء ١

الاصول من الكافي8%

الاصول من الكافي مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 722

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 722 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 294621 / تحميل: 10491
الحجم الحجم الحجم
الاصول من الكافي

الاصول من الكافي الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

الشَّيْخُ يَقُولُ :

أَنْتَ الْإِمَامُ الَّذِي نَرْجُو بِطَاعَتِهِ

يَوْمَ النَّجَاةِ مِنَ الرَّحْمنِ غُفْرَاناً

أَوْضَحْتَ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ مُلْتَبِساً

جَزَاكَ رَبُّكَ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَاناً »(١) .

٤٠٢/ ٢. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ يَأْمُرُ

بِالْفَحْشَاءِ(٢) ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ؛

__________________

=الثانية : مسألة القدر ، وهو ثبوت تأثير ماله تعالى في الأفعال ، والأخبار تدلّ فيها أيضاً على الإثبات.

الثالثة : مسألة الجبر والتفويض ، والأخبار تشير فيها إلى نفي كلا القولين ، وتثبت قولاً ثالثاً ، وهو الأمر بين الأمرين ، لا ملكاً لله‌فقط من غير ملك الإنسان ولا بالعكس ، بل ملكاً في طول ملك ، وسلطنة في ظرف سلطنة. واعلم أيضاً أنّ تسمية هؤلاء بالقدريّة مأخوذة ممّا صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة » الحديث ، فأخذت المجبّرة تسمّى المفوّضة بالقدريّة ؛ لأنّهم ينكرون القدر ويتكلّمون عليها ، والمفوّضة تسمّي المجبّرة بالقدريّة ؛ لأنّهم يثبتون القدر ، والذي يتحصّل من أخبار أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّهم يسمّون كلتا الفرقتين بالقدريّة ، ويطبقون الحديث النبويّ عليهما.

أمّا المجبّرة فلأنّهم ينسبون الخير والشرّ والطاعة والمعصية جميعاً إلى غير الإنسان ، كما أنّ المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشرّ جميعاً غير الإنسان ، وقولهعليه‌السلام في هذا الخبر مبنيّ على هذا النظر.

وأمّا المفوّضة فلأنّهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلى أفعاله ، والله سبحانه بالنسبة إلى غيرها ، كما أنّ المجوس قائلون بإله الخير وإله الشرّ ، وقولهعليه‌السلام في الروايات التالية : لاجبر ولاقدر ، ناظر إلى هذا الاعتبار ».

(١)عيون الأخبار ، ج ١ ، ص ١٣٨ ، ح ٣٨ ، بطرق أربعة :

الأوّل : بسنده عن سهل بن زياد الكوفي ، عن عليّ بن جعفر الكوفي ، عن عليّ بن محمّد الهادي ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام ؛ الثاني : بسنده عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليعليهم‌السلام ؛ الثالث : بسنده عن عبدالله بن نجيح ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن عليّعليهم‌السلام ؛ الرابع : بسنده عن ابن عبّاس ، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛التوحيد ، ص ٣٨٠ ، ح ٢٨ ، بطريقين : الأوّل : بسنده عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن جعفر الكوفي ، عن الهادي ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام ؛ والثاني : بسنده عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن عليّعليهم‌السلام ؛ وفيهما مع اختلاف يسير وزيادة أربعة أبيات في آخره.الإرشاد ، ج ١ ، ص ٢٢٥ ، مرسلاً عن الحسن بن أبي الحسن البصري.تحف العقول ، ص ٤٦٨ ، عن الهاديعليه‌السلام ، وفيهما مع اختلاف.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣٥ ، ح ٤٣٨.

(٢) « الفحشاء » و « الفحش » و « الفاحشة » : ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال.المفردات ، ص ٦٢٦ ( فحش ).

٣٨١

وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ إِلَيْهِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ».(١)

٤٠٣/ ٣. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ(٢) ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ(٣) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَاعليه‌السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ ، فَقُلْتُ : اللهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ(٤) : « اللهُ أَعَزُّ مِنْ ذلِكَ ».

قُلْتُ : فَجَبَرَهُمْ(٥) عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ(٦) : « اللهُ أَعْدَلُ وَأَحْكَمُ مِنْ ذلِكَ ». قَالَ : ثُمَّ قَالَ : « قَالَ اللهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَنَا أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ؛ عَمِلْتَ الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ ».(٧)

٤٠٤/ ٤. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ :

قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَاعليه‌السلام : « يَا يُونُسُ ، لَاتَقُلْ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ(٨) ؛ فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ لَمْ يَقُولُوا(٩) بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَلَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا :( الْحَمْدُ لِلّهِِ الَّذِي هَدَاينَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لَا أَنْ هَدَاينَا اللهُ ) (١٠) وَقَالَ أَهْلُ النَّارِ :( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ) (١١) وَقَالَ إِبْلِيسُ :( رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ) (١٢) ».

__________________

(١)المحاسن ، ص ٢٨٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٩ ، بسنده عن حمّاد بن عثمان.تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ١٢ ، ح ١٦ عن أبي بصيرالوافي ، ج ١ ، ص ٥٣٩ ، ح ٤٣٩.

(٢) في « ب ، بح ، بر ، بس ، بف » : - « بن محمّد ».

(٣) في « بح ، بف » : - « بن محمّد ».

(٤) في « ج » : « فقال ».

(٥) في التوحيد : « فأجبرهم ». وفي العيون : « أجبرهم ».

(٦) في حاشية « ج » : + « إنّ ».

(٧)التوحيد ، ص ٣٦٢ ، ح ١٠ ؛ وعيون الأخبار ، ج ١ ، ص ١٤٣ ، ح ٤٦ ، بسنده فيهما عن الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّى بن محمّد البصري.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤١ ، ح ٤٤٣.

(٨) فيشرح صدر المتألّهين ، ص ٤٠٨ : « لا تقل بقول القَدَرِيَّة ، منع عن الاعتقاد به والذهاب إليه ؛ فإنّ القول إذاتعدّى بالباء يراد به الاعتقاد والمذهب ». (٩) في شرح صدر المتألّهين : « لايقولون ».

(١٠) الأعراف (٧) : ٤٣.

(١١) المؤمنون (٢٣) : ١٠٦.

(١٢) الحجر (١٥) : ٣٩.

٣٨٢

فَقُلْتُ : وَاللهِ ، مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ ، وَلكِنِّي أَقُولُ : لَايَكُونُ(١) إِلَّا بِمَا(٢) شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى ، فَقَالَ(٣) : « يَا يُونُسُ ، لَيْسَ هكَذَا ، لَايَكُونُ إِلَّا مَا(٤) شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى ؛ يَا يُونُسُ ، تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ؟ » ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : « هِيَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ(٥) ، فَتَعْلَمُ مَا الْإِرَادَةُ؟ » ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : « هِيَ الْعَزِيمَةُ(٦) عَلى مَا يَشَاءُ(٧) ، فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ(٨) ؟ » ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : « هِيَ(٩) الْهَنْدَسَةُ(١٠) ، وَوَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْفَنَاءِ ».

قَالَ(١١) : ثُمَّ قَالَ : « وَالْقَضَاءُ هُوَ الْإِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ ». قَالَ : فَاسْتَأْذَنْتُهُ(١٢) أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَهُ ، وَقُلْتُ : فَتَحْتَ لِي شَيْئاً كُنْتُ عَنْهُ فِي غَفْلَةٍ.(١٣)

٤٠٥/ ٥. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَعَلِمَ مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ ، وَأَمَرَهُمْ‌

__________________

(١) في « ف » وشرح المازندراني : + « شي‌ء ».

(٢) الباء موجودة في أكثر النسخ في كلام يونس دون كلامهعليه‌السلام ، فالفرق بينهما بالباء. إذ كلام يونس يدلّ على العلّية واستقلال إرادة الله في فعل العبد فيوهم الجبر ولذا أسقطعليه‌السلام الباء. وفي « ف » وحاشية « ج » : « ما » بدون الباء ، فالفرق لايعقل إلّابنحو التقرير. وكذا في تفسير القمّي ، مع تقديم « قضى » على « قدّر » في كلام يونس ، فالفرق في الترتيب. ولعلّ التوافق صدر من النسّاخ ، ثمّ ألحقوا الباء لحصول الاختلاف. اُنظر :مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٨٥.

(٣) في « ض ، بح ، بر ، بس » : « قال ».

(٤) في « بح » : « بما ».

(٥) في حاشية « ف » وشرح صدر المتألّهين : + « قال ».

(٦) « العزيمة » : مصدر بمعنى الجدّ والقطع في الأمر ، وتأكّد الإرادة والرأي. اُنظر :النهاية ، ج ٣ ، ص ٢٣١ ( عزم ).

(٧) في حاشية « ف » : + « قال ».

(٨) في « ف » : + « قال ».

(٩) في شرح المازندراني وتفسير القمّي : « هو ».

(١٠) « الهَنْدَسة » : مأخوذ من الهنداز ، وهي فارسيّة ، فصيّرت الزاي سيناً ؛ لأنّه ليس في شي‌ء من كلام العرب زاي بعد الدال ، فالهندسة معرّب هَندازة بلغة الفرس القديم ، ويقال لها في فرس زماننا : « اندازه » يعني المقدار. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ٩٩٢ ( هندس ) ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ٤٠٧.

(١١) في « بح » : - « قال ».

(١٢) في « ض » وحاشية « ف » : « فسألته أن يأذن لي ».

(١٣)تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ٢٤ ، بسنده عن يونس مع اختلاف يسير.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٢ ، ح ٤٤٤.

٣٨٣

وَنَهَاهُمْ ، فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ(١) إِلى تَرْكِهِ ، وَلَا يَكُونُونَ آخِذِينَ وَلَا تَارِكِينَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ(٢) ».(٣)

٤٠٦/ ٦. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ قُرْطٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « قَالَ رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ(٤) الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللهِ ، فَقَدْ أَخْرَجَ اللهَ مِنْ سُلْطَانِهِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ(٥) بِغَيْرِ قُوَّةِ اللهِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ؛ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ، أَدْخَلَهُ اللهُ(٦) النَّارَ(٧) ».(٨)

٤٠٧/ ٧. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ :

كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ ، قَالَ : فَقُلْتُ :

__________________

(١) فيالتوحيد ، ص ٣٤٩ و ٣٥٩ : + « إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه [ في ص ٣٥٩ : من شي‌ء ] فقد جعل لهم السبيل ». واستصوبه الفيض فيالوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٣. (٢) في « بس » : - « الله ».

(٣)التوحيد ، ص ٣٥٩ ، ح ١ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ؛وفيه ، ص ٣٤٩ ، ح ٨ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن إسماعيل بن جابر ، عن الصادقعليه‌السلام .الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٣ ، ح ٤٤٥.

(٤) في « بح » : - « أنّ ».

(٥) في تفسير العيّاشي : + « عملت ».

(٦) في « بح » : - « الله ».

(٧) قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « أي من زعم أنّ الله يأمر بالفحشاء - وهو القائل بالجبر - يقول بالإرادة الحتميّة في المعاصي فقد كذب على الله ونسبه إلى الكذب في قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) [ الأعراف (٧) : ٢٨ ] ؛ ومن زعم أنّ الخير والشرّ من الأفعال بغير مشيئة الله - وهم المفوّضة - يقولون : إنّ الأفعال مخلوقة بمشيئة الإنسان دون الله فقد أخرج الله من سلطانه ، وقد قال تعالى :( وَلَهُ الْمُلْكُ ). [ الأنعام (٦) : ٧٣ ] ؛ ومن زعم أنّ المعاصي بغير قوّة الله بل بقوّة الإنسان فقد كذب على الله ؛ حيث يقول :( مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ ) [ الكهف (١٨) : ٣٩ ].

(٨)التوحيد ، ص ٣٥٩ ، ح ٢ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم.العيّاشي ، ج ٢ ، ص ١١ ، ح ١٤ ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام .الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٠ ، ح ٤٤٠.

٣٨٤

يَا هذَا ، أَسْأَلُكَ؟ قَالَ : سَلْ ، قُلْتُ : يَكُونُ(١) فِي مُلْكِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - مَا لَايُرِيدُ؟ قَالَ : فَأَطْرَقَ(٢) طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ ، فَقَالَ(٣) : يَا هذَا ، لَئِنْ قُلْتُ : إِنَّهُ يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَايُرِيدُ ، إِنَّهُ(٤) لَمَقْهُورٌ ، وَلَئِنْ قُلْتُ(٥) : لَايَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يُرِيدُ ، أَقْرَرْتُ لَكَ بِالْمَعَاصِي ، قَالَ : فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : سَأَلْتُ هذَا الْقَدَرِيَّ ، فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : « لِنَفْسِهِ نَظَرَ(٦) ، أَمَا(٧) لَوْ قَالَ غَيْرَ مَا قَالَ ، لَهَلَكَ ».(٨)

٤٠٨/ ٨. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ(٩) بْنِ الْحَسَنِ زَعْلَانَ ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ الْقُمِّيِّ ، عَنْ رَجُلٍ :

__________________

(١) في « ب ، ف ، بر ، بف » والوافي : « قد يكون ».

(٢) يقال : أطرق الرجل ، إذا سكت فلم يتكلّم ، وأطرق ، أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض.الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥١٥ ( طرق ).

(٣) هكذا في النسخ التي قوبلت وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني. وفي المطبوع : + « [ لي ] ».

(٤) أي قلت : إنّه لمقهور.

(٥) في شرح صدر المتألّهين : + « إنّه ».

(٦) فيمرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٩٠ : « لنفسه نظر ، أي تأمّل واحتاط لنفسه ، حيث لم يحكم بما يوجب هلاكه من القول بالقدر الذي هو مذهبه ، أو نفي مذهبه ومذهب الجبريّة أيضاً ».

(٧) فيشرح صدر المتألّهين ، ص ٤١٢ : « كلمة « أما » تحتمل مخفّفة ومشدّدة ، فالاُولى للتنبيه والتحقيق ، والثانية لافتتاح الكلام ، وتتضمّن الإخبار ». (٨)الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٠ ، ح ٤٤٢.

(٩) هكذا في « ب ، بح ». وفي « ألف ، ج ، ض ، ف ، و ، بر ، بس ، بف ، جر » والمطبوع : - « عن محمّد ». وفي « ض ، ف » : « بن علان » بدل « زعلان ».

هذا ، ولم يرد لمحمّد بن الحسن زعلان ( بن علان ) ذكر في كتب الرجال ، ليُمكننا تعيين الصواب في عنوانه ، والمسلّم من أسناده رواية أحمد بن محمّد [ بن عيسى ] عنه. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ١٥ ، ص ٢٢٧ ، الرقم ١٠٤٨٨.

ويؤيّد ذلك ما ورد في حاشية المطبوع - نقلاً من بعض النسخ - من « أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسن [ بن ] زعلان ». وأمّا عنوان « أحمد بن محمّد بن الحسن زعلان ( بن علان ) » فعدم صحّته واضح ؛ لرواية أحمد بن محمّد بن [ عيسى ] عن محمّد بن الحسن بن علان ( زعلان ) في عدّة من الأسناد. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٢ ، ص ٥٦١ - ٥٦٢ وص ٦٩٣.

٣٨٥

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قُلْتُ : أَجْبَرَ(١) اللهُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : « لَا ». قال(٢) : قُلْتُ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمُ الْأَمْرَ(٣) ؟ قَالَ(٤) : « لَا ». قَالَ(٥) : قُلْتُ : فَمَا ذَا؟ قَالَ : « لُطْفٌ مِنْ رَبِّكَ بَيْنَ ذلِكَ(٦) ».(٧)

٤٠٩/ ٩. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِعليهما‌السلام ، قَالَا : « إِنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ(٨) مِنْ أَنْ يُجْبِرَ(٩) خَلْقَهُ(١٠) عَلَى الذُّنُوبِ ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا ، وَاللهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُرِيدَ أَمْراً ؛ فَلَا يَكُونَ ».

قَالَ : فَسُئِلَاعليهما‌السلام : هَلْ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ(١١) مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ؟ قَالَا : « نَعَمْ ، أَوْسَعُ مِمَّا(١٢) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ».(١٣)

__________________

(١) في « ف » : « أجَبَر ». وفي « بر » : « أجْبَرَ ». والهمزة للاستفهام عند المجلسي. ويحتمل الإفعال أيضاً عندالمازندراني. والكلام على الأوّل إنشاء لفظاً ومعنى ، وعلى الثاني معنى فقط. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٣١ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٩٠.

(٢) هكذا في « ب ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وحاشية « ج ». وفي المطبوع : - « قال ».

(٣) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني. وفي المطبوع : + « قال ».

(٤) في « بح » : « فقال ».

(٥) في « ب » : - « قال ».

(٦) في حاشية « ف » : « بين يديك ». وقال العلّامة الطباطبائي : « وقوله : « لطف من ربك بين ذلك » أي بين الجبر والقدر ، وقد مرّ توضيحه في أوّل الباب. واللطف هو النفوذ الدقيق ، عبّر بهعليه‌السلام عن تأثيره تعالى في الأفعال بنحو الاستيلاء الملكي لنفوذه ودقّته كما مرّ بيانه ».

(٧)الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٣ ، ح ٤٤٦ ؛البحار ، ج ٥ ، ص ٨٣.

(٨) في شرح صدر المتألّهين : « بعبده ».

(٩) يجوز فيه فتح الياء.

(١٠) في شرح صدر المتألّهين : « بخلقه ». (١١) في حاشية « بر » : « والقدرة ».

(١٢) في « بف » والوافي : « ما ».

(١٣)التوحيد ، ص ٣٦٠ ، ح ٣ ، بسنده عن يونس بن عبدالرحمن.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٤ ، ح ٤٤٧.

٣٨٦

٤١٠/ ١٠. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ(١) ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ(٢) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ ، فَقَالَ : « لَا جَبْرَ وَلَا قَدَرَ ، وَلكِنْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَهُمَا فِيهَا الْحَقُّ ؛ الَّتِي بَيْنَهُمَا(٣) لَايَعْلَمُهَا إِلَّا الْعَالِمُ ، أَوْ مَنْ عَلَّمَهَا إِيَّاهُ الْعَالِمُ ».(٤)

٤١١/ ١١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عِدَّةٍ(٥) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ رَجُلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَجْبَرَ(٦) اللهُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي؟

فَقَالَ(٧) : « اللهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَهُمْ(٨) عَلَى الْمَعَاصِي ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا ».

فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَفَوَّضَ اللهُ إِلَى الْعِبَادِ؟

قَالَ : فَقَالَ : « لَوْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ ، لَمْ يَحْصُرْهُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ».

فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَبَيْنَهُمَا مَنْزِلَةٌ؟

قَالَ : فَقَالَ : « نَعَمْ ، أَوْسَعُ مِمَّا(٩) بَيْنَ السَّمَاءِ وَ(١٠) الْأَرْضِ ».(١١)

٤١٢/ ١٢. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَغَيْرُهُ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ‌

__________________

(١) في « ألف ، ج ، ف ، بح ، بس ، بف » : - « بن عبدالرحمن ».

(٢) في شرح المازندراني : « أصحابنا ».

(٣) فيمرآة العقول : « قوله : « التي بينهما » مبتدأ و « لا يعلمها » خبره ».

(٤)الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٤ ، ح ٤٤٨.

(٥) في « ف » : + « من أصحابنا ».

(٦) في « ض ، ف ، بح » : « أجَبَرَ » ، أي بفتح الجيم.

(٧) في أكثر النسخ وشرح المازندراني والوافي : « قال ». وفي « ف » : + « إنّ ».

(٨) في « ف » : « يجبر العباد ». يجوز فيه الإفعال والمجرّد.

(٩) هكذا في « ض ، ف ، بح » وشرح صدر المتألّهين. وفي سائر النسخ والمطبوع : « ما ».

(١٠) في « ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين : « إلى » بدل « و ».

(١١) راجع :تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ٢٤.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٥ ، ح ٤٤٩.

٣٨٧

أَبِي نَصْرٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَاعليه‌السلام : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ بِالْجَبْرِ ، وَبَعْضَهُمْ يَقُولُ بِالِاسْتِطَاعَةِ ، قَالَ : فَقَالَعليه‌السلام لِي : « اكْتُبْ : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِعليهما‌السلام : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ(١) ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ(٢) فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ(٣) عَلى مَعْصِيَتِي ؛ جَعَلْتُكَ سَمِيعاً بَصِيراً(٤) ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (٥) ، وَذلِكَ أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ(٦) ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذلِكَ(٧) أَنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(٨) ، قَدْ(٩) نَظَمْتُ(١٠) لَكَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ تُرِيدُ(١١) ».(١٢)

__________________

(١) في الكافي ، ح ٣٩٢ : + « لنفسك ماتشاء ».

(٢) في الكافي ، ح ٣٩٢ : - « إليّ ».

(٣) في « ض ، ف » : « قوّيت ».

(٤) في الكافي ، ح ٣٩٢ : + « قويّاً ».

(٥) النساء (٤) : ٧٩.

(٦) في « بح » : - « منك ».

(٧) في « بح ، بس ، بف » : - « وذلك ».

(٨) إشارة إلى الآية ٢٣ من سورة الأنبياء (٢١) :( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) .

(٩) في حاشية « ج » : « وقد ».

(١٠) « قد نظمت » : من كلام الله تعالى ، أو من كلام الرضاعليه‌السلام ، أو من كلام السجّادعليه‌السلام . اُنظر :الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٥ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٩٥.

(١١) قال العلّامة الطباطبائي : « معنى الرواية مبنيّ على القدر ، وهو أنّ الإنسان إنّما يفعل ما يفعل بمشيئة وقوّة ، والله سبحانه هو الذي شاء أن يشاء الإنسان ، ولو لم يشأ لم تكن من الإنسان مشيئة ، وهو الذي ملك الإنسان قوّة من قوّته ، وأنّ القوّة لله‌جميعاً ، فلا استغناء للإنسان في فعله عنه تعالى ، ثمّ إنّهما نعمتان قوي الإنسان بهما على المعصية ، كما قوي على الطاعة ، ولازم ذلك أن تكون الحسنات لله‌وهو أولى بها ؛ لأنّ الله هو المعطي للقوّة عليها والأمر بإتيانها وفعلها ؛ وأن تكون السيّئات للإنسان وهو أولى بها دون الله ؛ لأنّه تعالى لم يعطها إلّانعمة للحسنة ونهى عن استعمالها في السيّئة ، فاللؤم على الإنسان ، وذلك أنّه تعالى لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ، لأنّه تعالى إنّما يفعل الجميل وهو إفاضة النعمة والهداية إلى الحسنة ، والنهي عن السيّئة ، وكلّ ذلك جميل ، ولا سؤال عن الجميل ، والإنسان إنّما يفعل الحسنة بنعمة من الله ، والسيّئة بنعمة منه ، فهو المسؤول عن النعمة التي اُعطيها ما صنع بها ، ثمّ أتمّ الله الحجّة ، وأقام المحنة بأن نظم كلّ ما يريده الإنسان ، ليعلم ماذا يصير إليه حال الإنسان بفعاله ؛ وللرواية معنى آخر أدقّ ، يطلب من مظانّه ».

(١٢)قرب الإسناد ، ص ٣٥٤ ، ح ١٢٦٧ ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ؛الكافي ، =

٣٨٨

٤١٣/ ١٣. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، عَنْ حُسَيْنِ(١) بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ ، وَلكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ(٢) ».

قَالَ : قُلْتُ : وَمَا أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؟

قَالَ : « مَثَلُ ذلِكَ : رَجُلٌ رَأَيْتَهُ عَلى مَعْصِيَةٍ ، فَنَهَيْتَهُ ، فَلَمْ يَنْتَهِ ، فَتَرَكْتَهُ ، فَفَعَلَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ ؛ فَلَيْسَ(٣) حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْكَ فَتَرَكْتَهُ(٤) كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالْمَعْصِيَةِ ».(٥)

٤١٤/ ١٤. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ(٦) : « اللهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ النَّاسَ مَا(٧) لَايُطِيقُونَ(٨) ، وَاللهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي سُلْطَانِهِ مَا لَايُرِيدُ ».(٩)

__________________

=كتاب التوحيد ، باب المشيّة والإرادة ، ح ٣٩٢ ، بسند آخر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وفيهما مع اختلاف يسير. وراجع : المصادر التي ذكرنا ذيل ح ٣٩٢الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٥ ، ح ٤٣١.

(١) في « بح ، بر ، بف » : « الحسين ».

(٢) في « ف » : « الأمرين ».

(٣) كذا في النسخ ، والأولى : « فلست ».

(٤) في « ض » : « وتركته ».

(٥)التوحيد ، ص ٣٦٢ ، ح ٨ ، بسنده عن محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن خنيس بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى الخزّاز ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ( وخنيس بن محمّد عنوان غريب لم نجد له ذكراً في موضع ). وفيالاعتقادات للصدوق ، ص ٢٩ ؛ وتصحيح الاعتقاد ، ص ٤٦ ، مرسلاً عن أبي عبداللهعليه‌السلام الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٥ ، ح ٤٥٠.

(٦) في « ف » والمحاسن : + « إنّ ».

(٧) في « ف » : « ممّا ».

(٨) في التوحيد : « لايطيقونه ».

(٩)المحاسن ، ص ٢٩٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٦٤.التوحيد ، ص ٣٦٠ ، ح ٤ ، بسنده عن أحمد بن أبي عبدالله البرقيالوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٠ ، ح ٤٤١.

٣٨٩

٣١ - بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ‌

٤١٥/ ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ(١) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ(٢) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَاعليه‌السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ(٣) : « يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ بَعْدَ أَرْبَعِ خِصَالٍ : أَنْ يَكُونَ مُخَلَّى السَّرْبِ(٤) ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ ، لَهُ سَبَبٌ وَارِدٌ(٥) مِنَ اللهِ ».

قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَسِّرْ لِي هذَا ، قَالَ(٦) : « أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ(٧) مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ يُرِيدُ أَنْ يَزْنِيَ ، فَلَا يَجِدُ امْرَأَةً ثُمَّ يَجِدُهَا ، فَإِمَّا أَنْ يَعْصِمَ نَفْسَهُ(٨) ، فَيَمْتَنِعَ كَمَا امْتَنَعَ يُوسُفُعليه‌السلام ، أَوْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِرَادَتِهِ ، فَيَزْنِيَ ، فَيُسَمّى زَانِياً ،

__________________

(١) لم يعهد وجود راوٍ باسم الحسن بن محمّد في مشايخ عليّ بن إبراهيم ، بل في هذه الطبقة. والظاهر وقوع ‌خلل في السند. يؤكّد ذلك توسّط الحسن بن محمّد بين عليّ بن إبراهيم وبين شيخه عليّ بن محمّد القاساني. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ١١ ، ص ٤٧٧ - ٤٧٨.

(٢) في « ألف ، بح ، بس » : « القاشاني ».

(٣) في « ج » : « قال ».

(٤) « السَرْب » و « السَرَبُ » : المسلك والطريق. والمعنى : أنّ طريقه إلى الخير والشرّ موسَّع عليه غير مضيّق وخال ‌بلامانع. و « السِرب » : النفس. والمعنى عليه : أنّه لا مانع لنفسه عن الميل إليهما. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٤١٨ ؛شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٤٧ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢١٣ ؛لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤٦٤ ( سرب ).

(٥) في « ف ، بر » وحاشية « ض » : « وإرادة ».

(٦) في « ف » : + « هذا ».

(٧) في « بف » : « إنّ العبد يكون ».

(٨) في « بف » والتوحيد : - « نفسه ».

٣٩٠

وَلَمْ يُطِعِ اللهَ بِإِكْرَاهٍ ، وَلَمْ يَعْصِهِ بِغَلَبَةٍ(١) ».(٢)

٤١٦/ ٢. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعاً ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعاً ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ(٣) ، فَقَالَ(٤) : « أَتَسْتَطِيعُ(٥) أَنْ تَعْمَلَ مَا لَمْ‌

__________________

(١) في « بس » : « بغلبته ». وفي فقه الرضا : « بقلبه ». وقال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « لا ريب أنّ كلّ أمر خارجي - ومنها أفعال الإنسان - لا يوجد ما لم يوجد جميع أجزاء علّته التامّة وما يحتاج إليه في وجوده ، فإذا وجدت جميعاً ولم يبق ممّا يحتاج إليه وجوده شي‌ء في العدم وجب وجوده ، وإلّا كان وجود علّته التامّة وعدمها بالنسبة إليه على السواء ، مثلاً إذا نسب أكل لقمة من الغذاء إلى الإنسان ، وفرض وجود الإنسان وصحّة أدوات التغذي ، ووجود الغذاء بين يديه ، ووجود الإرادة الحتميّة ، وعدم شي‌ء من الموانع مطلقاً ، وجب تحقّق الأكل وكان بالضرورة ، فهذه نسبة الفعل وهو الأكل مثلاً إلى مجموع علّته التامّة ، وأمّا نسبة الفعل كالأكل مثلاً إلى الإنسان المجهّز بآلة الفعل فقط لا إلى مجموع أجزاء العلّة مع فرض وجودها ، فهي نسبة الإمكان والاستعداد التامّ الذي لايفارق الفعل لفرض وجود بقيّة أجزاء العلّة ، وإن لم تكن النسبة إلى جميعها بل إلى الإنسان فقط وهي المسمّاة بالاستطاعة ، فالإنسان مع فرض جميع ما يتوقّف عليه يستطيع أن يأكل بالإرادة وأن لا يأكل بعدمها ؛ وأمّا نسبة الفعل إلى الإنسان مع فرض عدم وجود جميع أجزاء العلّة كنسبة الأكل إلى الإنسان حيث لا غذاء عنده ، ومباشرة النساء حيث لامرأة ، فهي الإمكان والاستعداد الضعيف الناقص ، ولا تسمّى استطاعة ، فالإنسان لايستطيع أن يأكل حيث لا غذاء ، ولا أن يباشر حيث لامرأة ؛ فقولهعليه‌السلام في هذه الروايات : « إنّ الاستطاعة مع الفعل » يريد به الاستعداد التامّ الذي لا واسطة بينه وبين الفعل والترك إلّا إرادة الإنسان ، وأمّا مطلق إمكان الفعل والقدرة عليه ، فليس بمراد ، وليس هذا من قول الأشاعرة : « إنّ القدرة على الفعل توجد مع الفعل لا قبله » في شي‌ء ؛ فإنّه مذهب فاسد كما بيّن في محلّه ، وبالتأمّل في ما ذكرناه يظهر معنى سائر روايات الباب ، والله الهادي ».

(٢)التوحيد ، ص ٣٤٨ ، ح ٧ ، بسنده عن عليّ بن أسباط. وفيفقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٣٥٢ ؛ والاعتقادات للصدوق ، ص ٣٨ ، مرسلاً مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ، ح ٤٥١.

(٣) اختلف في أنّ الاستطاعة والقدرة هل هما في العبد قبل الفعل أو معه ، فذهبت الإماميّة والمعتزلة إلى الأوّل ، وهو الحقّ ؛ لكونه ضروريّة ، والأشاعرة إلى الثاني. وظاهر الحديث موافق لمذهب الأشاعرة فيحتاج إلى التأويل ، إمّا بحمله على التقيّة ، أو غيره. وكذا الآتية. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٤١٩ ؛شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٥٠ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٨ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢١٥.

(٤) في « ب ، ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » : + « أبو عبداللهعليه‌السلام ».

(٥) في « ب » : « أنت تستطيع ». وفي « بف » : « تستطيع » بدل « أتستطيع ».

٣٩١

يُكَوَّنْ؟ » ، قَالَ : لَا ، قَالَ : « فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْتَهِيَ عَمَّا قَدْ كُوِّنَ؟ » قَالَ : لَا ، قَالَ(١) : فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « فَمَتى أَنْتَ مُسْتَطِيعٌ(٢) ؟ » ، قَالَ : لَا أَدْرِي.

قَالَ(٣) : فَقَالَ لَهُ(٤) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقاً ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الِاسْتِطَاعَةِ ، ثُمَّ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِمْ ، فَهُمْ مُسْتَطِيعُونَ لِلْفِعْلِ(٥) وَقْتَ الْفِعْلِ مَعَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ الْفِعْلَ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوهُ فِي مُلْكِهِ(٦) ، لَمْ يَكُونُوا مُسْتَطِيعِينَ أَنْ يَفْعَلُوا(٧) فِعْلاً لَمْ يَفْعَلُوهُ ؛ لِأَنَّ اللهَ - عَزَّ وجَلَّ - أَعَزُّ مِنْ أَنْ(٨) يُضَادَّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ(٩) ».

قَالَ الْبَصْرِيُّ : فَالنَّاسُ مَجْبُورُونَ؟ قَالَ : « لَوْ كَانُوا مَجْبُورِينَ ، كَانُوا مَعْذُورِينَ ». قَالَ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ : « لَا ». قَالَ : فَمَا هُمْ؟ قَالَ : « عَلِمَ مِنْهُمْ فِعْلاً ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الْفِعْلِ ، فَإِذَا فَعَلُوا كَانُوا مَعَ الْفِعْلِ مُسْتَطِيعِينَ ».

قَالَ الْبَصْرِيُّ : أَشْهَدُ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.(١٠)

٤١٧/ ٣. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ صَالِحٍ(١١) النِّيلِيِّ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : هَلْ لِلْعِبَادِ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ شَيْ‌ءٌ؟ قَالَ : فَقَالَ لِي(١٢) : « إِذَا فَعَلُوا الْفِعْلَ ، كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ بِالِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِيهِمْ ».

__________________

(١) في « ف » والوافي : - « قال ».

(٢) في « ب » : « تستطيع ».

(٣) في « بس » : - « قال ».

(٤) في « ب ، ف » والوافي : - « له ».

(٥) في حاشية « ج » : + « في ».

(٦) في « ج » والوافي : - « في ملكه ».

(٧) في « ج » : + « في ملكه ».

(٨) في « ف » : + « يكون ».

(٩) في « ف » : + « غيره ».

(١٠)فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٣٥١ ، مع اختلافالوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٧ ، ح ٤٥٢.

(١١) في « ض ، بح ، بف » : « الصالح ».

(١٢) في « ف » : + « إنّهم ».

٣٩٢

قَالَ : قُلْتُ : وَمَا هِيَ؟ قَالَ : « الْآلَةُ(١) مِثْلُ الزَّانِي(٢) إِذَا زَنى ، كَانَ مُسْتَطِيعاً لِلزِّنى حِينَ(٣) زَنى : وَلَوْ أَنَّهُ تَرَكَ الزِّنى وَلَمْ يَزْنِ ، كَانَ مُسْتَطِيعاً لِتَرْكِهِ إِذَا تَرَكَ ».

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : « لَيْسَ لَهُ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ ، وَلكِنْ مَعَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَانَ مُسْتَطِيعاً».

قُلْتُ : فَعَلى مَا ذَا يُعَذِّبُهُ(٤) ؟ قَالَ : « بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْآلَةِ الَّتِي رَكَّبَ(٥) فِيهِمْ ؛ إِنَّ اللهَ لَمْ يُجْبِرْ(٦) أَحَداً عَلى مَعْصِيَتِهِ(٧) ، وَلَا أَرَادَ - إِرَادَةَ حَتْمٍ - الْكُفْرَ(٨) مِنْ أَحَدٍ ، وَلكِنْ حِينَ كَفَرَ كَانَ فِي إِرَادَةِ اللهِ أَنْ يَكْفُرَ ، وَهُمْ فِي إِرَادَةِ اللهِ وَفِي عِلْمِهِ أَنْ لَايَصِيرُوا إِلى شَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَيْرِ ».

قُلْتُ : أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا؟ قَالَ : « لَيْسَ هكَذَا أَقُولُ ، وَلكِنِّي أَقُولُ : عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ ، فَأَرَادَ الْكُفْرَ ؛ لِعِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَلَيْسَتْ هِيَ(٩) إِرَادَةَ حَتْمٍ ، إِنَّمَا هِيَ إِرَادَةُ اخْتِيَارٍ ».(١٠)

٤١٨/ ٤. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ حُمْرَانَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَمْ يُجِبْنِي ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ دَخْلَةً أُخْرى ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللهُ ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهَا شَيْ‌ءٌ لَايُخْرِجُهُ إِلَّا شَيْ‌ءٌ أَسْمَعُهُ مِنْكَ.

قَالَ : « فَإِنَّهُ لَايَضُرُّكَ مَا كَانَ فِي قَلْبِكَ ».

قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللهُ ، إِنِّي أَقُولُ : إِنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لَمْ يُكَلِّفِ الْعِبَادَ مَا لَا‌

__________________

(١) في شرح صدر المتألّهين : « آلة ».

(٢) في « ب ، ض ، بر » وحاشية « ج » وشرح المازندراني والمرآة والوافي : « الزنى ».

(٣) في « بح » : « حيث ».

(٤) في « ب ، ف ، بح » : « يعذّبهم ».

(٥) في « ب » : « ركّبها ».

(٦) في « ج » : « لايجبر ». ويجوز في الفعل هيئة الإفعال والتجرّد.

(٧) في « ب ، ف ، بح » وحاشية ميرزا رفيعا : « معصية ».

(٨) في « ف » : « للكفر ».

(٩) في « ب ، ج ، بح ، بس ، بف » والوافي : - « هي ».

(١٠)الوافي ، ج ١ ، ص ٥٤٩ ، ح ٤٥٣.

٣٩٣

يَسْتَطِيعُونَ(١) ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ إِلَّا مَا يُطِيقُونَ ، وَأَنَّهُمْ لَايَصْنَعُونَ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ.

قَالَ : فَقَالَ : « هذَا دِينُ اللهِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وَآبَائِي ». أَوْ كَمَا قَالَ.(٢)

٣٢ - بَابُ الْبَيَانِ وَالتَّعْرِيفِ وَلُزُومِ الْحُجَّةِ‌

٤١٩/ ١. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ احْتَجَّ عَلَى النَّاسِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ ».(٣)

‌* مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، مِثْلَهُ.

٤٢٠/ ٢. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ :

__________________

(١) في « ف » : « بما لايستطيعون ». وفي التوحيد : « إلّا ما يستطيعون ».

(٢)التوحيد ، ص ٣٤٦ ، ح ٣ ، بسنده عن الحسين بن سعيد ، عن عبيد بن زرارة ( ولم نجد في شي‌ء من الأسناد والطرق رواية الحسين بن سعيد عن عبيد بن زرارة مباشرة ، بل يروي الحسين عنه في كثير من الأسناد بواسطتين وفي بعضها بواسطة واحدة. فما ورد في التوحيد لايخلو من خلل ). راجع :المحاسن ، ص ٢٩٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٦٦ ؛ ورجال الكشّي ، ص ١٤٦ ، ح ٢٣٣الوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٠ ، ح ٤٥٤.

وقوله : « أو كما قال » من كلام الراوي. وشكّه في صورة اللفظ هل هي ما قال ، أو شبهه؟ يعني : قال هذا القول بعينه ، أو قال ما هو مثله في المعنى ، أي ما ذكره نقل بالمعنى. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٤٢٣ ،شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٥٨ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٢٠.

(٣)التوحيد ، ص ٤١٠ ، ح ٢ ، بسنده عن الحسين بن سعيد ؛وفيه ، ح ٣ ، بسند آخر عن حمزة بن الطيّار.المحاسن ، ص ٢٣٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، صدر ح ٢٠٤ ، بسنده عن حمزة بن الطيّار.وفيه ، ص ٢٣٦ ، ح ٢٠٣ ؛ وص ٢٧٥ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٨٨ ، بسند آخر. وفيتفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ١٠٤ ، صدر ح ١٠٠ ، عن الحلبي ، عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام الوافي ، ج ١ ، ص ٥٥١ ، ح ٤٥٥.

٣٩٤

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : الْمَعْرِفَةُ مِنْ صُنْعِ مَنْ هِيَ؟

قَالَ : « مِنْ صُنْعِ اللهِ ، لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ ».(١)

٤٢١/ ٣. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَّا يَتَّقُونَ ) (٢) ، قَالَ : « حَتّى يُعَرِّفَهُمْ مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ ».

وَقَالَ :( فَأَلْهَمَهَا (٣) فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (٤) ، قَالَ : « بَيَّنَ(٥) لَهَا مَا تَأْتِي وَمَا تَتْرُكُ ».

وَقَالَ :( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (٦) ، قَالَ : « عَرَّفْنَاهُ ، إِمَّا(٧) آخِذٌ وَإِمَّا تَارِكٌ ».

وَعَنْ قَوْلِهِ :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) (٨) ، قَالَ : « عَرَّفْنَاهُمْ(٩) فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى وَهُمْ يَعْرِفُونَ ».

* وَفِي رِوَايَةٍ : « بَيَّنَّا لَهُمْ(١٠) ».(١١)

٤٢٢/ ٤. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى(١٢) ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنِ‌

__________________

(١)التوحيد ، ص ٤١٠ ، ح ١ ، بسنده عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.وفيه ، ص ٤١٦ ، ح ١٥ ، بسند آخر مع اختلاف وزيادة في أوّله وآخرهالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٦ ، ح ٤٦٤.

(٢) التوبة (٩) : ١١٥.

(٣) « قال : فألهمها » من كلام ثعلبة ، والقائل هو حمزة بن محمّد الطيّار ، أي وسأله عن قوله : فألهمها.

(٤) الشمس (٩١) : ٨.

(٥) في « ف » : « يبيّن ».

(٦) الإنسان (٧٦) : ٣.

(٧) في المحاسن : « فإمّا ».

(٨) فصّلت (٤١) : ١٧.

(٩) في المحاسن : « نهاهم عن قتلهم » بدل « عرّفناهم ».

(١٠) في المحاسن والتوحيد : - « وفي رواية بيّنّا لهم ».

(١١)المحاسن ، ص ٢٧٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٨٩ ، بطريقين ، أحدهما عن ابن فضّال.التوحيد ، ص ٤١١ ، ح ٤ ، بسنده عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي وراجع :الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكفر ، ح ٢٨٤٦الوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٢ ، ح ٤٥٧ ؛ وص ٤٥٨ و ٥٥٣.

(١٢) في « ب » : + « بن عبيد ».

٣٩٥

ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ(١) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٢) قَالَ : « نَجْدَ(٣) الْخَيْرِ وَالشَّرِّ(٤) ».(٥)

٤٢٣/ ٥. وَبِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : أَصْلَحَكَ اللهُ ، هَلْ جُعِلَ فِي النَّاسِ أَدَاةٌ(٦) يَنَالُونَ بِهَا الْمَعْرِفَةَ؟ قَالَ : فَقَالَ : « لَا ».

قُلْتُ(٧) : فَهَلْ كُلِّفُوا الْمَعْرِفَةَ؟ قَالَ : « لَا ، عَلَى اللهِ الْبَيَانُ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) (٨) وَ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما ءَاتَاهَا ) (٩) ».

قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (١٠) قَالَ : « حَتّى يُعَرِّفَهُمْ مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ ».(١١)

__________________

(١) في « ف » : + « الطيّار ».

(٢) البلد (٩٠) : ١٠.

(٣) « النَجْدُ » في اللغة : الطريق الواضح المرتفع. قال صدر المتألّهين في شرحه ، ص ٤٢٤ : « قال أهل اللغة : النجد ، الطريق الواقع في ارتفاع كجبل ونحوه ، ولعلّ الكناية به عن سبيل الخير والشرّ ، أو دلائل أحدهما ؛ لأجل أنّهما لمـّا وضحت فجعلت كالطريق العالية المرتفعة في أنّها للعقول كوضوح الطريق العالي للإيصال ». وانظر :القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ( نجد ).

(٤) في « ف » : « نجد الشرّ ونجد الخير ». وفي حاشية « ف » وشرح صدر المتألّهين : « نجد الخير ونجد الشرّ ».

(٥)التوحيد ، ص ٤١١ ، ح ٥ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم.الأمالي للطوسي ، ص ٦٦٠ ، المجلس ٣٥ ، ح ١١ ، بسند آخر.تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٤٢٢ ، من دون الإسناد إلى المعصومعليه‌السلام نحوهالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٣ ، ح ٤٥٩ ؛البحار ، ج ٦٠ ، ص ٢٨٤.

(٦) فيشرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٦٨ : « الأداة : الآلة. والمراد بها هنا العقل والذُكاء ». وفي حاشية بدرالدين ، ص ١٢٤ : « الظاهر أنّ المراد بالأداة هنا الحاسّة من البصر أو غيره ». وانظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٦٥ ( أدو ) ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٢٦. (٧) في حاشية « ف » : « فقلت ».

(٨) البقرة (٢) : ٢٨٦.

(٩) الطلاق (٦٥) : ٧.

(١٠) التوبة (٩) : ١١٥.

(١١)المحاسن ، ص ٢٧٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٩٢ ، إلى قوله : « إلّا ما آتاه » ؛ والتوحيد ، ص ٤١٤ ، ح ١١،=

٣٩٦

٤٢٤/ ٦. وَبِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ سَعْدَانَ رَفَعَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلى عَبْدٍ نِعْمَةً إِلَّا وَقَدْ أَلْزَمَهُ(١) فِيهَا الْحُجَّةَ مِنَ اللهِ ، فَمَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ قَوِيّاً ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا كَلَّفَهُ(٢) ، وَاحْتِمَالُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ ؛ وَمَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ مُوَسَّعاً عَلَيْهِ ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ مَالُهُ ، ثُمَّ تَعَاهُدُهُ(٣) الْفُقَرَاءَ بَعْدُ بِنَوَافِلِهِ(٤) ؛ وَمَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ شَرِيفاً فِي بَيْتِهِ(٥) ، جَمِيلاً فِي صُورَتِهِ ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللهَ تَعَالى عَلى ذلِكَ ، وَأَنْ(٦) لَايَتَطَاوَلَ عَلى غَيْرِهِ(٧) ؛ فَيَمْنَعَ حُقُوقَ الضُّعَفَاءِ لِحَالِ(٨) شَرَفِهِ وَجَمَالِهِ ».(٩)

٣٣ - بَابُ اخْتِلَافِ الْحُجَّةِ عَلى عِبَادِهِ ‌(١٠)

٤٢٥/ ١. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ‌

__________________

=بسندهما عن يونس بن عبدالرحمن.تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ١١٥ ، ح ١٥٠ ، عن عبدالأعلى ، من قوله : « وسألته عن قوله » مع زيادة في آخرهالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٣ ، ح ٤٦٠.

(١) في « بح » : + « الله ».

(٢) في « ج » وشرح صدر المتألّهين : + « به ».

(٣) في « ج ، بر ، بف » : « تعاهد ».

(٤) في التوحيد : « فحجّته ماله ، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء بنوافله ».

(٥) في التوحيد : « نسبه ».

(٦) في الوافي : - « أن ».

(٧) « أن لايتطاول على غيره » أي لايطلب الزيادة على غيره بالتكبّر والافتخار ، ولا ينظر إليه بالإهانة والاستصغار. يقال : تطاول على الناس ، إذا رفع رأسه ورأى أنّ له عليهم فضلاً في القدر. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٧١ ؛لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٤١٢ ( طول ).

(٨) في « ب » : « بحال ».

(٩)التوحيد ، ص ٤١٤ ، ح ١٢ ، بسنده عن يونس بن عبدالرحمنالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٤ ، ح ٤٦١.

(١٠) في « ف » : « العباد ». وفي « ب ، ض ، بس ، بف » : - « اختلاف الحجّة على عباده ». وفيمرآة العقول ، ج ٢، ص ٢٢٧ : « باب ؛ ليس الباب في بعض النسخ ، وإنّما لم يعنون لأنّه من الباب الأوّل ، وإنّما اُفرد لامتياز حديثه بخصوصه كما لايخفى ».

٣٩٧

الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ(١) ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « سِتَّةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ : الْمَعْرِفَةُ ، وَالْجَهْلُ ، وَالرِّضَا ، وَالْغَضَبُ ، وَالنَّوْمُ ، وَالْيَقَظَةُ ».(٢)

٣٤ - بَابُ حُجَجِ اللهِ عَلى خَلْقِهِ‌

٤٢٦/ ١. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْمَحَامِلِيِّ ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « لَيْسَ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ أَنْ يَعْرِفُوا(٣) ، وَلِلْخَلْقِ عَلَى اللهِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ ، وَلِلّهِ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا عَرَّفَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا(٤) ».(٥)

٤٢٧/ ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : مَنْ(٦) لَمْ يَعْرِفْ شَيْئاً هَلْ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ؟ قَالَ : « لَا ».(٧)

__________________

(١) في « ف » وحاشية « ج » : « الحسين بن يزيد ». وفي « بر » : « الحسين عن ابن زيد ». وفي حاشية « بف » : « الحسين بن سعيد ».

(٢)التوحيد ، ص ٤١١ ، ح ٦ ؛ والخصال ، ص ٣٢٥ ، أبواب الستّة ، ح ١٣ ، بسندهما عن دُرست بن أبي منصور.المحاسن ، ص ١٠ ، كتاب القرائن ، ح ٢٩ ، مرسلاًالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٥ ، ح ٤٦٢.

(٣) في التوحيد : + « قبل أن يعرّفهم ».

(٤) في التوحيد : « يقبلوه ». وقوله : « أن يقبلوا » ظاهر صدر المتألّهين في شرحه ، ص ٤٢٦ كونه من الإقبال لا من القبول. وهو المحتمل أيضاً عند الفيض في الوافي. والمعنى : أن يُقْبِلُوا ويتوجّهوا بكنههم إليه ويرغبوا فيما عنده ، ويزهدوا فيما يبعدهم عن دار كرامته.

(٥)التوحيد ، ص ٤١٢ ، ح ٧ ، بسنده عن محمّد بن يحيى العطّارالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٦ ، ح ٤٦٥.

(٦) في « ف » والتوحيد : « عمّن ».

(٧)التوحيد ، ص ٤١٢ ، ح ٨ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن عيسىالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٧ ، ح ٤٦٦.

٣٩٨

٤٢٨/ ٣. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيى :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « مَا حَجَبَ اللهُ(١) عَنِ(٢) الْعِبَادِ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ ».(٣)

٤٢٩/ ٤. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ الْأَحْمَرِ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : « اكْتُبْ » ، فَأَمْلى عَلَيَّ : « إِنَّ مِنْ قَوْلِنَا : إِنَّ اللهَ يَحْتَجُّ(٤) عَلَى الْعِبَادِ(٥) بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ(٦) رَسُولاً ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ(٧) الْكِتَابَ ، فَأَمَرَ فِيهِ وَنَهى(٨) : أَمَرَ(٩) فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ(١٠) ، فَنَامَ(١١) رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله عَنِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : أَنَا أُنِيمُكَ(١٢) ، وَأَنَا أُوقِظُكَ(١٣) ، فَإِذَا قُمْتَ(١٤) فَصَلِّ ؛ لِيَعْلَمُوا إِذَا أَصَابَهُمْ ذلِكَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ ، لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ : إِذَا نَامَ عَنْهَا هَلَكَ(١٥) ؛ وَكَذلِكَ الصِّيَامُ ، أَنَا أُمْرِضُكَ ، وَأَنَا‌

__________________

(١) في التوحيد : + « علمه ».

(٢) في « ف ، بح » وحاشية « ج » : « على ».

(٣)التوحيد ، ص ٤١٣ ، ح ٩ ، بسنده عن محمّد بن يحيى العطّار.تحف العقول ، ص ٣٦٥الوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٧ ، ح ٤٦٧ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ١٦٣ ، ذيل ح ٣٣٤٩٦.

(٤) في حاشية « ض » : « قد يحتجّ ».

(٥) في « ف » : « الخلق ».

(٦) في « ب » : « عليهم ».

(٧) في حاشية « ف » : « إليهم ». وفي المحاسن والتوحيد : « عليه ».

(٨) في « ب ، ج ، ف ، بح ، بف » وحاشية « بر ، بس » وشرح المازندراني : + « عنه ».

(٩) في « بح » وحاشية « ج » والمحاسن : « وأمر ».

(١٠) في حاشية « ف » والمحاسن والتوحيد : « والصوم ».

(١١) في حاشية شرح صدر المتألّهين : + « في بعض أسفاره ». وفي التوحيد : « فأنام ».

(١٢) في « بح ، بس ، بف » وحاشية « ف ، بر » وشرح المازندراني ومرآة العقول : « أنمتك ».

(١٣) في « بس » وحاشية « ف » وشرح المازندراني : « أوقظتك ».

(١٤) في التوحيد : « فاذهب » بدل « فإذا قمت ».

(١٥) فيشرح صدر المتألّهين ، ص ٤٢٧ : « وقوله : ليس كما يقولون ؛ إذا نام عنها هلك ، بدل بتقدير « أن » لجملة « إذا » وما بعده ، أي يعلموا أن ليس الأمر كما يزعمون ، أو يتوهّمون أنّه إذا نام أحد عن صلاته فقد هلك واستحقّ المقت والعذاب. أو كلام مستأنف مؤكّد لما قبله. وقوله : وكذلك الصيام ، من تتمّة قول الله ».

٣٩٩

أُصِحُّكَ(١) ، فَإِذَا شَفَيْتُكَ فَاقْضِهِ ».

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « وَكَذلِكَ إِذَا نَظَرْتَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، لَمْ تَجِدْ أَحَداً فِي ضِيقٍ ، وَلَمْ تَجِدْ أَحَداً إِلَّا وَلِلّهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ، وَلِلّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، وَلَا أَقُولُ : إِنَّهُمْ مَا شَاؤُوا صَنَعُوا ».

ثُمَّ قَالَ : « إِنَّ اللهَ يَهْدِي وَيُضِلُّ ». وَقَالَ(٢) : « وَ(٣) مَا أُمِرُوا إِلَّا بِدُونِ(٤) سَعَتِهِمْ(٥) ، وَكُلُّ شَيْ‌ءٍ أُمِرَ النَّاسُ بِهِ ، فَهُمْ يَسَعُونَ لَهُ ، وَكُلُّ شَيْ‌ءٍ لَايَسَعُونَ لَهُ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ ، وَلكِنَّ(٦) النَّاسَ لَاخَيْرَ فِيهِمْ ».

ثُمَّ تَلَاعليه‌السلام :( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلّا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (٧) فَوُضِعَ عَنْهُمْ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ) (٨) قَالَ : « فَوُضِعَ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَايَجِدُونَ ».(٩)

٣٥ - بَابُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‌

٤٣٠/ ١. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي(١٠) إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ ثَابِتٍ‌..............................................

__________________

(١) في التوحيد : « اُصَحِّحك ».

(٢) في « بح » : « فقال ». وفي « بس » : - « وقال ».

(٣) في « بح » والمحاسن : - « و ».

(٤) في « ف » وحاشية « بف » : « دون ».

(٥) في حاشية « بف » : « وسعهم ».

(٦) في التوحيد : + « أكثر ».

(٧) التوبة (٩) : ٩١.

(٨) التوبة (٩) : ٩١ - ٩٢.

(٩)المحاسن ، ص ٢٣٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٢٠٤ ، مع زيادة في آخره.التوحيد ، ص ٤١٣ ، ح ١٠ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيالوافي ، ج ١ ، ص ٥٥٨ ، ح ٤٦٨ ؛البحار ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، ح ٤٦ ، وفيهما إلى قوله : « أمر فيه بالصلاة والصيام ».

(١٠) هكذا في « ج ، ض ، ف » وحاشية « و ، بح ». وفي « ب ، و ، بح ، بس ، بف ، جر » والمطبوع : - « أبي » ، وهو سهو ؛=

٤٠٠

امْرَأَتَهُ ) (١) .

ومَنَع بعضُ أهل العربيّة من ذلك وأنكره ، قال : لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية حرف الاستثناء ، والعامل الواحد لا يعمل في معمولين. ونقول في الآية : إنّ الاستثناء الثاني من قوله عزّ وجلّ :( أَجْمَعِينَ ) (٢) .

ونمنع من امتناع تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا ؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل ، وبعضهم قال : العامل « إلّا » خاصّةً(٣) ، فلا يرد عليه ذلك.

مسألة ٩٦٢ : يصحّ الاستثناء من الأعيان ، كما يصحّ من الكلّيّات ، فإذا قال : لزيدٍ هذه الدار إلّا هذا البيت ، أو : له هذا القميص إلّا كُمّه ، أو : هذه الدراهم إلّا هذا الواحد منها ، أو : هذا القطيع إلّا هذه الشاة ، أو : هذا الخاتم إلّا هذا الفصّ ، وما أشبه ذلك ، صحّ الاستثناء ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة ، فأمّا المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود ، ولأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً على ثبوت الملك فيها ، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً(٥) .

وقد ذكر بعض الشافعيّة أنّه إذا قال : أربعكنّ طوالق إلّا فلانة ، لم يصح هذا الاستثناء ، كما لو قال : هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلّا هذا‌

____________________

(١) الحجر : ٥٨ - ٦٠.

(٢) كما في بحر المذهب ٨ : ٢٤٠ ، وراجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢ - ٥٧٣.

(٣) راجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢.

(٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٤٠١

الواحد ، لم يصح ؛ لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان(١) .

والحقّ : الجواز ، وصحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة ، فلو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً ، فالمستثنى منه معيّن ، والمستثنى غير معيّنٍ ، وهو صحيح عندنا وعند أكثر الشافعيّة(٢) ، ويُرجع إليه في التعيين.

فإن ماتوا إلّا واحداً ، فقال : هو الذي أردتُه بالاستثناء ، قُبِل منه مع اليمين - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لاحتماله.

والثاني : لا يُقبل ؛ للتهمة ، وندرة هذا الاتّفاق(٤) .

ولو قال : غصبتهم إلّا واحداً ، فماتوا إلاّ واحداً ، فقال : هو المستثنى ، قُبِل إجماعاً ؛ لأنّ أثر الإقرار يبقى في الضمان. وكذا لو قُتلوا في الصورة الأُولى إلّا واحداً ؛ لأنّ حقّه يثبت في القيمة.

ولو قال : هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لي ، أو : له هذا الخاتم وفصّه لي ، قُبِل ؛ لأنّه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ، فكان كالاستثناء.

تنبيه : لو قال : له ثلاثة ودرهمان إلّا درهمين ، صح ، وحُمل على الاستثناء من الجملة الأُولى ؛ لامتناع رجوعه إلى الثانية ؛ لأنّها مستوعبة ، أو على رجوعه إلى مجموعهما(٥) .

ولو قال : له درهمان ودرهمان إلّا درهمين ، فالأقرب : الصحّة ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٣ و ٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦ ، منهاج الطالبين : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مجموعها ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٤٠٢

ويكون عائداً إلى مجموع الجملتين ؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلى الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع إلى الجميع.

آخَر : لو قال : له علَيَّ عشرة آخَر :درهم ، بالرفع ، لزمه العشرة ، وتكون « إلّا » هنا قائمةً مقام « غير » وتكون وصفاً.

ولو قال : ما له عندي عشرة إلّا درهم ، فهو إقرار بدرهم.

ولو نصب ، لم يكن مُقرّاً بشي‌ء.

نكتة : أدوات الاستثناء حكمها حكم « إلّا » فإذا قال : له عندي عشرة سوى درهم ، أو : ليس درهماً ، أو : خلا ، أو : عدا ، أو : ما خلا ، أو : ما عدا ، أو : لا يكون ، أو : غير درهم ، بالنصب ، فهو إقرار بتسعة.

ولو(١) رفع في الأخير ، فهو وصف إن كان عارفاً ، وإلّا لزمه تسعة.

البحث الثاني : فيما عدا الاستثناء.

وفيه مطالب :

الأوّل: فيما يقتضي رفع المـُقرّ به.

مسألة ٩٦٣ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف من ثمن خمر ، أو خنزير ، أو كلب ، فإن فصل بين الإقرار - وهو قوله : علَيَّ ألف - وبين الرافع - وهو قوله : من ثمن خمر ، أو خنزير - بسكوتٍ أو كلامٍ آخَر ، لم يُسمع منه ، ولزمه الألف إجماعاً ؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.

وإن كان موصولاً بحيث لم(٢) يقع بين الإقرار ورافعه سكوتٌ ولا كلامٌ ، لم يُقبل أيضاً ، ولزمه الألف ؛ لما فيه من الرجوع والتناقض ، وهو‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « فلو ».

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « لا ».

٤٠٣

أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو فصل قوله : « من ثمن خمرٍ » عن الإقرار ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

والثاني للشافعيّة : إنّه يُقبل - وبه قال المزني - ولا يلزمه شي‌ء ؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد ، والكلام يُعتبر بآخره ولا يُبعّض ، ولأنّ الإقرار إخبار عمّا جرى ، وهذه المعاملات على فسادها جارية بين الناس ، فعلى هذا للمُقرّ له تحليف الـمُقرّ أنّه كان من ثمن خمر أو خنزير(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا نمنع وحدة الكلام.

سلّمنا ، لكن إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله ، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه ، لا له.

وعلى ما اخترناه لو قال المـُقرّ : كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازماً لي ، فله تحليف الـمُقرّ له على نفيه.

مسألة ٩٦٤ : إذا وصل إقراره بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعا ، كما إذا أضاف الـمُقرّ به إلى بيعٍ فاسد ، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول ، أو قال : تكفّلت ببدن فلان بشرط الخيار ، وقلنا : ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها ، أو قال : ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار ، وأبطلناه به ، وما أشبه ذلك ، فالوجه : بطلان الإضافة ، وصحّة الإقرار والحكم به ،

____________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٢٤ / ٩٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٢ و ٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

٤٠٤

فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول ، أو بأجلٍ مجهول ، أو بخيارٍ مجهول ، لم يُقبل منه ، ولزمه الألف في الحال.

وللشافعي قولان(١) .

ولأصحابه مأخذان في هذا الخلاف :

أحدهما : بناؤه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه ولأجنبيٍّ.

وقيل : إنّه غير مشابهٍ للمتنازَع ؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ والشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما بالآخَر ، وإنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً ، والخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة ، وأمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلى المذكور آخِراً ، وأنّه فاسد في نفسه مُفسدٌ للأوّل ، ولهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال : لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ ألف ، لم يلزمه شي‌ء بحال ، وفي الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو الأجنبيّ.

ثمّ هَبْ أنّهما متقاربان ، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس.

والثاني : إنّه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حدّ المدّعي والمدّعى عليه ، إن قلنا : المدّعي مَنْ لو سكت تُرك ، فهاهنا لو سكت عن قوله : « من ثمن خمرٍ » لتُرك ، فهو بإضافته إلى الخمر مُدّعٍ ، فلا يُقبل قوله ، ويحلف المُقرّ له. وإن قلنا : المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً ، قُبِل قول الـمُقرّ ؛ لأنّ الظاهر معه ، وهو براءة الذمّة ، والـمُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

٤٠٥

وهو زوال أصل البراء ة(١) .

وقيل : لو صحّ هذا البناء ، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً أو مفصولاً ، ولوجب أن يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف(٢) .

قال الجويني بعد ذكر القولين : كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون الـمُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا يلزم ، وبين أن يكون عالماً ، فيعذر الجاهل دون العالم ، لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلو أقرّ بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار ، قُدّم قول المُقرّ له عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

وللشافعي قولان(٥) تقدّما(٦) .

وكذا يجري القولان في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه ، لا من الوجه الذي أثبته ، مثل أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه ، أو يقول : قبّضتها ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه ، فلم يُقبل منه ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ألفاً.

مسألة ٩٦٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.

(٦) آنفاً.

٤٠٦

سلّمتُ الألف ، قال الشيخ(١) رحمه‌الله : إن وصل الكلام ، كان القولُ قولَه مع اليمين وإن أنكر الـمُقرّ له وقال : بل هي دَيْن ، أو قال : قبضتَه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : قبول قوله : « من ثمن عبدٍ لم أقبضه » على القولين السابقين ، ففي قولٍ يُقبل ولا يُطالب بالألف إلّا بعد تسليم العبد. وفي قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار ، ولا يُحكم بثبوت الألف ثمناً.

والأصحّ عندهم : القطع بالقبول وثبوته ثمناً ، ويفارق صُور القولين ؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً يرفع الـمُقرّ به ، وهنا بخلافه(٢) .

واعلم أنّ الشيخرحمه‌الله قسّم هذه المسألة على ثلاثة أنحاء(٣) :

أ : أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ ، وهذا يُقبل قوله ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وقد تقدّم(٤) ، ويكون القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه.

ولا فرق بين أن يعيّن المبيع بأن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد ولم أقبضه ، أو لم يعيّنه ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن عيّن المبيع قُبل منه ، سواء وصل بإقراره أو فصل ، وإن أطلق لم يُقبل منه ؛ لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله ؛

____________________

(١) راجع المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، المغني ٥ : ٣٢١.

(٣) راجع المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٣ - ٣٤.

(٤) آنفاً.

(٥) حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.

٤٠٧

لأنّه مبيع مجهول ، والمجهول لا يلزم فيه الثمن ، كما لو قال : من ثمن خمرٍ أو خنزير(١) .

واحتجّ الآخَرون : بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر ، فإذا لم يثبت ما له لم يثبت ما عليه ، كما لو عيّن المبيع(٢) .

وقول أبي حنيفة ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.

وأمّا إذا قال : من ثمن خنزيرٍ ، ففيه قولان.

وإن سلّمنا ، فإنّ بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال ، وهذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.

والوجه عندي : عدم القبول مطلقاً.

ب : أن يقول : له عندي ألف ، ثمّ يسكت ، ثمّ قال بعد ذلك : من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فإنّه لا يُقبل قوله ، ويُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه ، فإذا حلف على أنّه ليس على ما ذكر ، استحقّ الألف ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : قبّضتُها ، وبه قال الشافعي(٣) .

ج : إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ ، ثمّ سكت ، ثمّ قال بعد‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.

٤٠٨

ذلك : لم أقبضه ، قُبل قوله عنده(١) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي(٢) - فإن خالفه الـمُقرّ له ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع ، والأصل عدم القبض ، فقُبل قوله فيه.

والأقوى عندي : عدم القبول.

مسألة ٩٦٦ : لو قال : له علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو : علَيَّ ألف ، أو لا ، لزمه‌ ؛ لأنّ هذا الكلام غير منتظمٍ ، فلا يبطل به الإقرار.

ويحتمل القبول بأن يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.

ولو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه ، لزمته الألف ، ولم تُقبل دعواه في الإقباض.

وللشافعيّة فيه طريقان :

أحدهما : القطع بلزوم الألف ؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام ، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه - وهو الذي اخترناه نحن - بخلاف قوله : من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.

والطريق الثاني : إنّه على القولين ؛ لأنّ مثله يطلق في العرف ، والتقدير : كان له علَيَّ ألف فقضيتُه(٣) .

وكذا يجري الطريقان فيما إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

٤٠٩

ولو ادّعى عليه ألفاً فقال : قد قضيتُه ، فالمشهور : أنّه إقرار.

وجَعَله بعض الشافعيّة بمنزلة ما لو قال : علَيَّ ألف قضيتُه(١) .

تذنيب (٢) : لو قال : كان له علَيَّ ألف ، فالأقرب : اللزوم ، ويحتاج في البراءة إلى البيّنة.

وقيل : لا يُسمع هذا كما لا تُسمع الشهادة به(٣) .

والإقرار بالإقرار إقرار.

مسألة ٩٦٧ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف إن شاء الله ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لأنّه تعلّق على المشيئة ، وتعليق الإقرار باطل ؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق ولم يجزم به ، وعلّق إقراره على مشيئة الله تعالى ، وهي خفيّة عنّا ، ولأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فيكون المخبر عنه واقعاً ، والواقع لا يعلّق على متجدّدٍ ولا على غيره.

وقيل : إنّه(٤) بمنزلة قوله : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه لو اقتصر على أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً(٥) .

والأقرب : الأوّل ؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم ، فلا يُقبل تعليقه ، ويلزمه ما أقرّ به ، وبه قال أحمد ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٢) في « ج ، خ » : « تنبيه » بدل « تذنيب ».

(٣) راجع : بحر المذهب ٨ : ٢٩٣.

(٤) في « ج ، ر » : « هو » بدل « إنّه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٦) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

٤١٠

ولو قال : علَيَّ ألف إن شئتَ ، أو : إن شاء فلان ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لتعلّقه على الشرط.

وقال الجويني : إنّه مُخرَّج على القولين ؛ لأنّه نفى بآخر كلامه مقتضى أوّله ، بخلاف قوله : إن شاء الله ، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً وللتبرّك أُخرى ، بخلاف التعليق بمشيئة غيره(١) .

ووجّه بعضُ الشافعيّة البطلانَ في قوله : « إن شاء الله ، أو : إن شاء زيد » : بأنّ مثل هذا الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل ، ولهذا يقال : لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي الآبق ، أو : جملي الشارد ، ويكون ذلك التزاماً في المستقبل(٢) .

وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن جاء زيد ، أو : قدم الحاج. وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن شهد لك بذلك شاهدان ؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.

وكذا لو قال : إن شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ ، لم يكن إقراراً.

ولو قال : إن شهد شاهدان فهُما صادقان ، كان إقراراً ، وقد سلف(٣) .

ولو قال : لك علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري ، لم يكن إقراراً ؛ لتعلّقه على الشرط ، بخلاف ما لو قال : هذا لك بألف إن قبلتَ ، فإنّه يكون إيجاباً.

والفرق : إنّ الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتى إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب ، فيصحّ تعليقه ، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول ؛ لأنّه إقرار(٤) عن حقٍّ سابق.

لا يقال : أليس الـمُقرّ له إذا لم يقبل الإقرار بطل؟

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٣) في ص ٢٤٨ - ٢٤٩ ، المسألة ٨٤٢.

(٤) كذا قوله : « إقرار » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر : « إخبار » بدل « إقرار ».

٤١١

لأنّا نقول : إنّما يبطل إذا كذّبه أو ردّه ، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلى القبول، بل لو كذّب الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه ، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.

هذا إن جوّزنا تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط ، كما هو مذهب بعض الشافعيّة(١) .

مسألة ٩٦٨ : لو قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، أو : إذا قدم فلان ، قال بعض الناس : إنّه لا يكون إقرارا ؛ لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال ، والواقع لا يعلَّق بشرطٍ(٢) .

وقال الجويني : إنّه على القولين ؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ ، والتعليق يرفع حكمها(٣) .

والوجه عندي : إنّه يرجع إلى استفساره ، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره ، وإن قصد التأجيل صحّ إقراره ؛ لاحتمال الصيغة لهذين ، ويُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المـُقرّ له.

هذا إذا قدّم الإقرار وأخّر التعليق ، ولو عكس فقال : إذا جاء رأس الشهر ، أو : إن جاء [ فلان ](٤) فعلَيَّ ألف ، لم يلزمه شي‌ء ؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.

نعم ، لو قال : أردتُ به التأجيل برأس الشهر ، قُبل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٧٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رأس الشهر ». والظاهر ما أثبتناه.

٤١٢

وقال بعض الشافعيّة : مطلقه يُحمل على التأجيل برأس الشهر(١) .

واعلم : أنّ المشهور بين الشافعيّة أنّه إذا قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، إنّه يكون إقراراً ، ولو قدّم الشرط فقال : إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف ، لم يكن إقراراً.

والفرق : إنّه إذا قال : له علَيَّ ألف ، فقد أقرّ بالألف ، فإذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، احتُمل أن يكون أراد محلّها ووجوب تسليمها ، وإذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار ، فأمّا إذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، فبدأ بالشرط ، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ ، وإنّما علّقه بالشرط ، فلم يكن إقراراً(٢) .

والحقّ أنّه لا فرق بين تقدّم الشرط وتأخّره ؛ لأنّ الشرط وإن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنىً وله صدر الكلام.

واعترض بعض الشافعيّة على قول الفارق بين قوله : « له علَيَّ ألف من ثمن خمر » وبين قوله: « له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر » بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه ، فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً والثاني صحيحاً؟

وأُجيب : بأنّه يمكن أن يقال : دخول الشرط على الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة ، والجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخرى تغيّر معناها ، وقوله : « من ثمن خمر » لا يغيّر معنى صدر الكلام ، وإنّما هو بيان جهته ، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار عند التعليق - بل يلغى ؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها - أن لا يبعّض في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠٣.

٤١٣

الصورة الأُخرى (١) .

مسألة ٩٦٩ : لو قال : له علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنةٍ ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت ، لم يُقبل التأجيل ، ويثبت الدَّيْن في الحال.

وإن ذكره موصولاً بغير فصلٍ بسكوتٍ ولا كلامٍ البتّة ، فالأقرب عندي : قبول قوله ، كما لو قال : له علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة ، فإنّه يُقبل تفسيره وإن اشتمل على عيبٍ في الـمُقرّ به ، كذا هنا ، ولأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً ولا شاهد له بالتأجيل ، فلو مُنع من الإخبار به ولم يُصدَّق به ، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ وعدم تخليص ذمّته بالإشهاد ، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلى تحصيل هذه المصلحة.

وللشافعيّة طريقان كالطريقين فيما إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه ، أو : علَيَّ ألف قضيتُها.

والظاهر عندهم : القبول - وبه قال أحمد بن حنبل - لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار ، وإنّما وصفه بصفةٍ دون صفةٍ.

ولهم قولٌ آخَر : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به ، فأشبه ما إذا قال : قضيتُها(٢) .

وقد تقدّم الفرق.

وقال أبو حنيفة : إنّه يكون مدّعياً للأجل ، فالقول فيه قول المـُقرّ له مع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.

٤١٤

يمينه ؛ لأنّه أقرّ لغيره بحقٍّ وادّعى فيه حقّاً لنفسه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : هذه الدار لزيدٍ ولي سكناها سنة(١) . وعليه أكثر علمائنا(٢) .

وفيه نظر ؛ لأنّ الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن ، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ ، بخلاف ما قالوه ؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك وادّعى عليه عقداً مستأنفاً ، وفي صورة النزاع أقرَّ بدَيْنٍ على صفةٍ ، فقُبل منه ، كما لو قال : من نقدٍ ردي‌ء.

وهذا الخلاف إنّما هو فيما إذا كان الدَّيْن الـمُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلى سببٍ ، وهو بحيث يتعجّل ويتأجّل ، أمّا إذا أسنده إلى جهةٍ لا تقبل التأجيل ، كما إذا قال : له علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً ، لغا ذكر الأجل إجماعاً.

وإن أسنده إلى جهةٍ يلازمها التأجيل ، كالدية على العاقلة ، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال : قَتَل عمّي فلاناً خطأً ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلى سنةٍ انتهاؤها كذا ، فهو مقبول لا محالة.

ولو قال : علَيَّ كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلى وقت كذا ، فللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بالقبول ؛ لأنّه كذلك يثبت.

والثاني : إنّه على القولين.

والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه ، وهو في الإسناد إلى تلك الجهة مُدّعٍ ، كما في التأجيل(٣) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.

(٢) منهم : الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٧٧ ، المسألة ٢٨ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٥١٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦.

٤١٥

تذنيبان :

أ : لو قال : بعتك أمس كذا فلم تقبل ، فقال : بل قبلتُ ، قُدّم قول مدّعي القبول ، على إشكالٍ.

وللشافعيّة قولا تبعيض الإقرار ، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله : قبلتُ(١) .

وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده : أعتقتك على ألف فلم تقبل ، أو قال لامرأته : خلعتك على ألف فلم تقبلي ، وقال العبد : قبلتُ. وقالت المرأة : قبلتُ.

ب : لو قال : إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف ، أو قال : ما طلّقت امرأتي ولكنّي أُقرّ بطلاقها فأقول : طلّقتُها ، فالأقرب : عدم نفوذ إقراره ، والحكم ببطلانه.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : كما قلناه.

والثاني : إنّه كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني(٢) .

المطلب الثاني : في تعقيب الإقرار بالإيداع

مسألة ٩٧٠ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة ، ولم يفصل بين كلامه ، فالأولى القبول ، وبه قال الشافعي(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ - ٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ و ٢٨٢ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨.

٤١٦

فإن أنكر الـمُقرّ له ، كان القولُ قولَ المـُقرّ مع يمينه ؛ لأنّه أقرّ بما يمكن ، ولا تناقض في قولَيْه ، فكان مسموعاً منه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : القول قول المُقرّ له ، ويكون للمُقرّ له أن يطالبه(١) بالألف التي أقرّ ؛ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب ، وذلك يقتضي كونها في ذمّته ، ولهذا لو قال : ما على فلان علَيَّ ، كان ضامناً ، والوديعة ليست واجبةً عليه ، فلم يُقبل تفسيره بها(٢) .

ونحن نمنع من عدم وجوب الوديعة ، فإنّه يجب عليه ردّها وحفظها ، وذلك واجب عليه ، فإذا قال : « علَيَّ » وفسّر بها ، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه ؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، ويحتمل أنّه تعدّى فيها حتى صارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » وقد تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي » كقوله تعالى :( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ) (٣) وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ ، فيجوز أن تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي ».

وقال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّ المسألة على قولين عند الشافعي ، كما لو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه(٤) .

مسألة ٩٧١ : لو فصل بين كلاميه ، فقال : له علَيَّ ألف ، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره‌ وقال : أردتُ هذا وهو وديعة عندي ، وقال الـمُقرّ له : هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن وهو الذي أردتَه بإقرارك ، فالأقوى‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « المطالبة » بدل « أن يطالبه ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.

(٣) الشعراء : ١٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤١٧

عندي : إنّ القول قو ل الـمُقرّ مع يمينه - وهو أصحّ قولَي الشافعي(١) - لما تقدّم من أنّ الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك ، فلعلّه أراد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، أو أنّه تعدّى فيها فصارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » أو أراد : عندي ، على ما تقدّم.

والثاني له : إنّ القول قول المُقرّ له - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - فما أتى به وديعة ، وعليه ألف آخَر ؛ لأنّ كلمة « علَيَّ » تقتضي الثبوت في الذمّة(٢) .

وحكى الجويني طريقةً قاطعة بالقول الأوّل(٣) .

لكنّ المشهور إثبات القولين ، وترجيح الأوّل(٤) .

ولو كان قد قال : له علَيَّ ألف في ذمّتي ، أو : له ألف علَيَّ دَيْناً ، وفسّر كما تقدّم ، فإن لم نقبل تفسيره في السابق ، فهنا عدم القبول أولى.

وإن قبلنا هناك ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يُقبل ؛ لجواز أن يريد : له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة ؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يُقبل ، والقول قول المُقرّ له مع يمينه ؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة ، وكذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. ويفارق ما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ فسّرها بالوديعة ؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ ، واحتُمل أن‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩ ، المغني ٥ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧.

٤١٨

يكون المراد وجوب الحفظ والردّ ، وهنا صرّح بالذمّة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ جاء بألف وقال : هو وديعة عندي ، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعى التلف ؛ لأنّ الألف مضمون عليه وليس بأمانةٍ ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يتضمّن الإلزام.

فلو ادّعى تلف الألف التي زعم [ أنّها ](٢) وديعة ، لم يسقط الضمان عنه ، ولو ادّعى ردّه لم يُصدَّق ؛ لأنّه ضامن ، وإنّما يُصدَّق المؤتمن.

فخلص من هذا أنّه لا يُصدّق في دعوى تلفه بعد الإقرار أو ردّه.

وأُشكل عليه : بأنّ كلمة « علَيَّ » كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه ؛ لتعدّيه ، يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ، ويجوز أن يريد بها : عندي ، كما سبق. وهذان المعنيان لا ينافيان الأمانة ، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعى أنّه تلف أو ردّه قبل الإقرار ، لم يُصدَّق ؛ لأنّ التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني ، وإن ادّعى أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق(٣) .

مسألة ٩٧٢ : لو قال : له عندي ألف درهم وديعة دَيْناً ، أو : ألف درهم مضاربة دَيْنا ، فالذي يحتمل ذلك أن تكون الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّى‌ فيها ، وكذا مال المضاربة ، فإن فسّر بذلك قُبِل منه ، وإن قال : أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل ؛ لأنّها لا تكون دَيْناً بذلك.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

٤١٩

فإن قال : عندي ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها ، كانت وديعةً ، ولم تكن مضمونةً بالشرط ؛ لأنّ ما أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً ، وكذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً ، ألا ترى أنّه لو دفع مالاً على وجه المساومة وشرط أن يكون أمانةً ، لم يصر بذلك أمانةً.

ولو قال : لفلان علَيَّ ألف درهم في ذمّتي ، فجاءه بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً وتلفت وهذه بدلها ، قُبِل ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ ، فيكون بدلها في ذمّته.

ولو جاء بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها هذه وهي وديعة لك ، فللشافعيّة وجهان على ما تقدّم(١) .

ولو قال : لك علَيَّ ألف ، ثمّ قال : كانت وديعةً وكانت تلفت قبل إقراري وكنت أظنّ أنّها باقية ، لم يُقبل منه ؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره ، فلم يُقبل منه.

فإن قال : ما أقررتُ به كان وديعةً وتلفت بعد إقراري ، قُبِل منه.

ولو قال : له علَيَّ ألف درهم وديعة ، وفسّر إقراره بوديعةٍ موجودة ، قُبِل.

وكذا إذا قال : أقررتُ بوديعةٍ وقد هلكت بعد إقراري ، فالقول قوله مع اليمين. وإن قال : كانت هالكةً حين أقررتُ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه ، فيكون قد أكذب إقراره ، إلّا أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ ، فيكون إقراره صحيحاً.

____________________

(١) في ص ٤١٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722