بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112159 / تحميل: 5913
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني

الشيخ محمد تقي التّستري

١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الثاني

تتمة الفصل الرابع في خلق آدم

٣

من الخطبة ( ١٩٠ ) و من خطبة له عليه السّلام تسمى القاصعة ، و هي تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره ، و تركه السّجود لآدم ، و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحميّة ، و تحذير النّاس من سلوك طريقته : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَبِسَ اَلْعِزَّ وَ اَلْكِبْرِيَاءَ وَ اِخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمَا حِمًى وَ حَرَماً عَلَى غَيْرِهِ وَ اِصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ وَ جَعَلَ اَللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ اِخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلاَئِكَتَهُ اَلْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ اَلْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُيُوبِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ . فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ . فَسَجَدَ اَلْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ

٤

أَجْمَعُونَ إِلاَّ ؟ إِبْلِيسَ ٣٨ : ٧١ ٧٤ ١ اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى ؟ آدَمَ ؟

بِخَلْقِهِ وَ تَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اَللَّهِ إِمَامُ اَلْمُتَعَصِّبِينَ وَ سَلَفُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ اَلَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ نَازَعَ اَللَّهَ رِدَاءَ اَلْجَبَرِيَّةِ وَ اِدَّرَعَ لِبَاسَ اَلتَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ اَلتَّذَلُّلِ أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اَللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي اَلدُّنْيَا مَدْحُوراً وَ أَعَدَّ لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ سَعِيراً .

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ ؟ آدَمَ ؟ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ اَلْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ وَ يَبْهَرُ اَلْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِيبٍ يَأْخُذُ اَلْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ اَلْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَ لَخَفَّتِ اَلْبَلْوَى فِيهِ عَلَى اَلْمَلاَئِكَةِ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ اَبْتَلَي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْياً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ أقول : قد عرفت في المقدّمة ٢ أنّ هذه الخطبة من ثماني خطب اختلفت نسخنا مع نسخة ابن أبي الحديد في موضعها .

قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام تسمّى القاصعة » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ : و من خطبة له عليه السّلام ، و من النّاس من يسمّي هذه الخطبة بالقاصعة .

قال ابن ميثم : نقل في سبب هذه الخطبة أنّ أهل الكوفة كانوا في آخر خلافته عليه السّلام قد فسدوا ، و كانوا قبائل متعدّدة ، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته ، فيمرّ بمنازل قبيلة أخرى فيقع به أدنى مكروه ، فيستعدي قبيلته ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) ص : ٧١ ٧٤ .

( ٢ ) مرّ في مقدّمة المؤلف .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٢ ، نحو المصرية .

٥

و ينادي باسمها ، مثلاً يا للنّخع أو يا لكندة نداء عالياً يقصد به الفتنة و إثارة الشرّ ، فيتألّب عليه فتيان القبيلة التي قد مرّ بها ، و ينادون يا لتميم و يا لربيعة ،

فيضربونه فيمرّ إلى قبيلته ، و يستصرخ بها و تسلّ بينهم السيوف ، و تثور الفتنة ، و لا يكون لها أصل في الحقيقة ، و لا سبب يعرف إلاّ تعرّض الفتيان بعضهم ببعض ، و كثر ذلك منهم ، فخرج عليه السّلام إليهم على ناقة فخطبهم هذه الخطبة ١ .

ثم قال : و قد ذكر الشّارحون في تسمية هذه الخطبة القاصعة وجوهاً :

أحدها و هو أقربها أنّه عليه السّلام كان يخطبها على ناقته ، و هي تقصع بجرّتها ، فجاز أن يقال : إنّ هذه الحال لما نقلت عنه في اسناد هذه الخطبة نسبت الخطبة إلى الناقة القاصعة ، فقيل : خطبة القاصعة ثم كثر استعمالها ، فجعلت من صفات الخطبة نفسها ، أو لأنّ الخطبة عرفت بهذه الصفة لملازمة قصع الناقة لانشائها ، و العرب تسمّي الشي‏ء باسم لازمه ٢ .

قلت : قال الجزريّ في ( نهايته ) في الحديث « خطبهم على راحلته و أنّها لتقصع بجرّتها » أراد شدّة المضغ و ضمّ بعض الأسنان على البعض ، و قيل :

قصع الجرّة : خروجها من الجوف إلى الشّدق ، و متابعة بعضها بعضاً ، و إنّما تفعل النّاقة ذلك إذا كانت مطمئنة و إذا خافت شيئاً لم تخرجها ، و أصله من تقصيع اليربوع ، و هو : إخراجه تراب قاصعائه و هو : جحره ٣ ، و يمكن أن يكون وجه التّسمية كون القاصعة من : قصع العطشان غلّته بالماء ، إذا سكّنها أو من : قصع الغلام قصعاً : ضربه ببسط كفّه على رأسه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٣ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٤ .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٤ : ٧٢ مادة ( قصع ) .

٦

« و هي تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره و تركه السّجود لأدم عليه السّلام » قال تعالى : . . . فسجدوا إلاّ إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين ١ .

« و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحمية » في ( الأمالي ) عن النبي صلى اللّه عليه و آله من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من عصبية ، بعثه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ٢ .

و في ( عقاب الأعمال ) عنه صلى اللّه عليه و آله : من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ٣ .

عن الصادق عليه السّلام : من تعصّب عمّمه اللّه بعمامة من نار ٤ .

و قال تعالى : إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية . . . ٥ .

« و تحذير الناس من سلوك طريقته » يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان و من يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء و المنكر . . . ٦ .

« الحمد للّه الذي لبس العزّ و الكبرياء » . . . فإنّ العزّة للّه جميعاً ٧ .

« و اختارهما لنفسه دون خلقه » في آخر الجاثية : و له الكبرياء في السّماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم ٨ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٤ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٨٦ ح ١٢ المجلس ٨٨ ، و عقاب الأعمال : ٢٦٤ ح ٥ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٣ .

( ٣ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٢ عن النبي صلى اللّه عليه و آله ، و الكافي للكليني أيضاً ٢ : ٣٠٧ ح ١ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٢ عن الصادق عليه السّلام .

( ٤ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٣ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٤ ، و لفظهما : « عصبه اللّه بعصابة من نار » .

( ٥ ) الفتح : ٢٦ .

( ٦ ) النور : ٢١ .

( ٧ ) النساء : ١٣٩ .

( ٨ ) الجاثية : ٣٧ .

٧

« و جعلهما حمى » أي : محظوراً على غيره لا يقر بهما أحد .

« و حرماً » أي : حراماً .

« على غيره » حتّى ملائكته و أنبيائه .

« و اصطفاهما » أي : اختارهما .

« لجلاله » أي : عظمته .

« و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده » روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام قال : العزّ رداء اللّه و الكبرياء إزاره ، فمن تناول شيئاً منه كبّه اللّه في جهنّم ١ .

« ثمّ اختبر » أي : امتحن .

« بذلك ملائكته المقرّبين » في منزلتهم عنده .

« ليميز » بالتّخفيف و التّشديد .

« المتواضعين منهم من المستكبرين » و لقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين ٢ .

« فقال سبحانه » أي : اللّه المنزّه عن النّقائص .

« و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب » جملة معترضة بين ( فقال ) و مقوله . . . إنّي خالق بشراً من طين ٣ لدفع توهم أنّ اختباره ليس لعدم عرفانه مثلنا في اختباراتنا لغيرنا ، بل ليظهر حاله على الآخرين من نوعه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٤ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ٣ ، ٤ عن الباقر عليه السّلام ، و صحيح مسلم ٤ : ٢٠٢٣ ح ١٣٦ ، و سنن ابن ماجه بطريقين ٢ : ١٣٩٧ ح ٤١٧٤ و ٤١٧٥ ، و مسند أحمد بأربع طرق ٢ : ٣٧٦ و ٤١٤ و ٤٢٧ و ٤٤٢ ، و المجازات النبوية للشريف الرضي : ٤٤٠ ح ٣٥٨ ، و جمع آخر عن النبي صلى اللّه عليه و آله و في الباب عن علي و الصادق و الكاظم عليهم السّلام .

( ٢ ) العنكبوت : ٣ .

( ٣ ) ص : ٧١ .

٨

يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ١ . . . ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون ٢ .

« . . إنّي خالق بشراً من طين . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . » ٣ باللفظ الذي ذكره عليه السّلام في سورة ( ص ) ، و أمّا في سورة الحجر فهكذا . . . إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فاذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . ٤ .

و في ( تفسير القمي ) مسنداً : سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّا ندب اللّه الخلق إليه أدخل فيه الضّلالة ؟ قال : نعم و الكافرون دخلوا فيه لأنّ اللّه تعالى أمر الملائكة بالسّجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة و إبليس ، فإنّ إبليس كان مع الملائكة في السّماء يعبد اللّه ، و كانت الملائكة تظنّ أنّه منهم ، و لم يكن منهم ، فلمّا أمر اللّه الملائكة بالسّجود لأدم اخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد ، فعلم الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن منهم ، فقيل له : فكيف و قع الأمر على إبليس و إنّما أمر اللّه الملائكة بالسّجود لأدم ؟ فقال : كان إبليس منهم بالولاء ، و لم يكن من جنس الملائكة ، و ذلك أنّ اللّه تعالى خلق خلقاً قبل آدم ، و كان إبليس فيهم حاكماً في الأرض ، فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدّماء ، فبعث اللّه الملائكة ، فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السّماء ، و كان مع الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق اللّه آدم عليه السّلام ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) غافر : ١٩ .

( ٢ ) البقرة : ٣٣ .

( ٣ ) ص : ٧١ ٧٤ .

( ٤ ) الحجر : ٢٨ ٣١ .

( ٥ ) تفسير القمي ١ : ٣٥ .

٩

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : أنّ اللّه تعالى أراد أن يخلق خلقاً بيده ، و ذلك بعد ما مضى من الجنّ و النّسناس في الأرض سبعة آلاف سنة . و كان من شأن خلق آدم أن كشط عن أطباق السماوات و قال للملائكة : انظروا إلى الأرض من خلقي من الجنّ و النّسناس فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الأرض بغير الحق ، عظم ذلك عليهم و غضبوا و تأسفوا على أهل الأرض و لم يملكوا غضبهم . قالوا : ربّنا إنّك أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن ، و هذا خلقك الضعيف الذليل يتقلّبون في قبضتك و يعيشون برزقك و يتمتّعون بعافيتك ، و هم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام ، لا تأسف عليهم و لا تغضب و لا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى ،

و قد عظم ذلك علينا و أكبرناه فيك . قال : فلمّا سمع ذلك من الملائكة قال :

إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ١ يكون حجّة لي في الأرض على خلقي .

فقالت الملائكة : سبحانك . . . أتجعل فيها من يفسد فيها . . . ٢ كما أفسد بنو الجانّ ، و يسفكون الدّماء كما سفك بنو الجانّ ، و يتحاسدون و يتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد و لا نتباغض ، و لا نسفك الدّماء و . . . نسبّح بحمدك و نقدّس لك . . . ٣ قال تعالى : إنّي أعلم ما لا تعلمون ٤ إنّي أريد أن أخلق خلقاً بيدي ، و أجعل من ذرّيّته أنبياء و مرسلين ، و عباداً صالحين أئمّة مهتدين ، و أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي ، و ينذرونهم من عذابي ، و يهدونهم إلى طاعتي ، و يسلكون بهم طريق سبيلي ، و أجعلهم لي عليهم حجّة عليهم ، و أبيد النّسناس من أرضي و أطهّرها منهم ، و أنقل مردة الجن العصاة من بريتي و خلقي و خيرتي و أسكنهم في الهواء في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي و اجعل بين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٠ .

( ٢ ) البقرة : ٣٠ .

( ٣ ) البقرة : ٣٠ .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

١٠

الجن و بين خلقي حجاباً ، فلا يرى نسل خلقي الجن ، و لا يجالسونهم ، و لا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم و أسكنهم مساكن العصاة أوردتهم مواردهم و لا أبالي قال : فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت . . . لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ١ . . . فقال اللّه تعالى ( للملائكة ) : . . . إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ٢ .

قال : و كان ذلك من اللّه تعالى في آدم قبل أن يخلقه ، و احتجاجاً منه عليهم . . . فخلق اللّه آدم عليه السّلام ، فبقي أربعين سنة مصوّراً ، فكان يمرّ به إبليس اللّعين فيقول : لأمر ما خلقت . فقال العالم عليه السّلام ، فقال إبليس : لئن أمرني اللّه بالسجود لهذا لأعصينّه قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الرّوح إلى دماغه عطس عطسة جنس منها فقال : الحمد للّه . فقال اللّه تعالى : يرحمك اللّه . قال الصادق عليه السّلام : فسبقت له من اللّه الرحمة . ثمّ قال تعالى للملائكة : اسجدوا لأدم .

فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد ٣ .

« اعترضته الحميّة » أي : الأنفة .

« فافتخر على آدم بخلقه و تعصّب عليه لأصله » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم ، و كان في علم اللّه أنّه ليس منهم ، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة و الغضب ، فقال : . . . خلقتني من نار و خلقته من طين ٤ .

« فعدوّ اللّه إمام المتعصّبين و سلف المستكبرين » و في ( تفسير القمي ) : أوّل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٢ .

( ٢ ) الحجر : ٢٨ ٢٩ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٣٦ ، و روى حديث علي عليه السّلام أيضاً علل الشرائع للصدوق : ١٠٤ ح ١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٦ ، و تفسير العياشي ٢ : ٩ ح ٥ ، و الآية ( ١٢ ) من سورة الأعراف ، و ( ٧٦ ) من ( ص ) .

١١

من قاس إبليس و استكبر ، و الاستكبار هو أوّل معصية عصي اللّه بها ١ .

« الّذي وضع أساس العصبية » عن الصادق عليه السّلام من تعصّب عصبه اللّه بعمامة من نار ٢ .

« و نازع اللّه رداء الجبريّة » الّذي مختص به تعالى ، و الجبرية الكبر و العظمة ، في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : الكبر قد يكون في شرار الناس من كلّ جنس ، و الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه تعالى رداءه لم يزده اللّه تعالى إلاّ سفالا ، إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ في بعض طرق المدينة ، و سوداء تلقط السرقين ، فقيل لها :

تنحي عن طريق النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت : إنّ الطريق لمعرض . فهمّ بها بعض القوم أن يتناولها . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : دعوها فإنّها جبّارة ٣ .

و عنه عليه السّلام : إذا خلق اللّه العبد في أصل الخلقة كافراً لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ فيقرب منه ، فابتلاه بالكبر و الجبريّة ، فقسا قلبه و ساء خلقه ، و غلظ وجهه و ظهر فحشه ، و قلّ حياؤه ، و كشف اللّه ستره ، و ركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، ثمّ ركب معاصي اللّه و أبغض طاعته ، و وثب على الناس لا يشبع من الخصومات ، فاسألوا اللّه العافية و اطلبوها منه ٤ .

و عنه عليه السّلام : أدنى الإلحاد الكبر ٥ .

« و أدّرع » أي : جعل درعاً له .

« لباس التعزّز » فحسب نفسه عزيزاً .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤٢ في صدر حديث ، و مضمون : « أول من قاس إبليس » كثير الرواية .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٤ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٣ ، و لفظهما « بعصابة من نار » و مرّ نقله في أوائل هذا العنوان .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٠ ح ٢ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ١ ، و معاني الأخبار للصدوق : ٣٩٤ ح ٤٧ .

١٢

« و خلع قناع التذلّل » للّه تعالى عن رأسه و نسي أنّه عبد للّه ، و في ( الصحاح ) : القناع أوسع من المقنعة . قال عنترة :

إن تغد في دوني القناع فإنّني

طبّ بأخذ الفارس المستلئم

١ « ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره » قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصاغرين ٢ .

« و وضعه اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و وضعه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ و لأنّه لا وجه لتكرار لفظ الجلالة .

« بترفعه » أي : ادعائه الرفعة .

« فجعله في الدّنيا مدحوراً » أي : مطروداً مبعداً ، قال تعالى : . . . اخرج منها مذؤوماً مدحوراً . . . ٤ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما من عبد إلاّ و في رأسه حكمة ، و ملك يمسكها ، فإذا تكبّر قال له : اتضع وضعك اللّه . فلا يزال أعظم الناس في نفسه و أصغر الناس في أعين الناس . . . ٥ .

« و أعدّ له في الآخرة سعيراً » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له سقر ، فشكا إلى اللّه شدّة حرّه ، و سأله أن يأذن له أن يتنفّس . فتنفّس فأحرق جهنّم ٦ .

و عنه عليه السّلام : إنّ المتكبّرين يجعلون في صور الذّر يتوطّأهم الناس حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٧٣ مادة ( قنع ) .

( ٢ ) الأعراف : ١٣ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٥ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٣ « وضعه اللّه » أيضاً .

( ٤ ) الأعراف : ١٨ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٢ ح ١٦ ، و ثواب الأعمال للصدوق : ٢١١ ح ١ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٨٢ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٠ ح ١٠ ، و المحاسن للبرقي : ١٢٣ ح ١٣٨ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٥ ح ٧ .

١٣

يفرغ اللّه من الحساب ١ .

« و لو أراد اللّه » هكذا في ( المصرية ) و في ( ابن ميثم ) ٢ : « و لو أراد سبحانه » ، و في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة ) ٣ : « و لو أراد اللّه سبحانه » .

« أن يخلق آدم من نور يخطف » أي : يستلب .

« الأبصار ضياؤه ، و يبهر » أي : يغلب .

« العقول » بالنصب .

« رواؤه » بالضم ، أي : منظره .

« و طيب يأخذ الأنفاس عرفه » بالفتح ، أي : ريحه .

« لفعل » جواب ( و لو أراد ) .

« ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة » الجملة مأخوذة من قوله تعالى : إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ٤ .

« و لخفّت البلوى » أي : الابتلاء و الامتحان .

« فيه على الملائكة ، و لكنّ اللّه سبحانه ابتلى خلقه » حتّى الملائكة و الأنبياء .

« ببعض ما يجهلون أصله » كما امتحن الملائكة بخلق آدم ٥ ، و امتحن موسى عليه السّلام بأعمال الخضر ٦ .

« تمييزاً » لمؤمنهم عن كافرهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١١ ح ١١ ، و المحاسن للبرقي : ١٢٣ ح ١٣٧ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٥ ح ٨ و ١٠ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٨٢ .

( ٢ ) لفظ ابن ميثم في شرحه ٤ : ٢٣٣ مثل المصرية أيضاً .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٦ .

( ٤ ) الشعراء : ٤ .

( ٥ ) البقرة : ٣٠ ٣٤ .

( ٦ ) الكهف : ٦٠ ٨٢ .

١٤

« بالاختبار لهم » كما تميّز إبليس من الملائكة .

« و نفياً للاستكبار عنهم » في ( تفسير القمّي ) : قال إبليس : يا ربّ اعفني من السجود لأدم ، و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل . قال اللّه تعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك ، إنّما أريد أن أعبد من حيث أُريد ، لا من حيث تريد . فأبى أن يسجد . فقال اللّه تعالى : . . . فاخرج منها فإنّك رجيم . و إنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين ١ .

« و إبعاداً للخيلاء » بالضمّ و الكسر ، أي : الكبر .

« عنهم » .

٤

من الخطبة ( ١٩٠ ) وَ لاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى اِبْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اَللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ اَلْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ وَ قَدَحَتِ اَلْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ اَلْغَضَبِ وَ نَفَخَ اَلشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ اَلْكِبْرِ اَلَّذِي أَعْقَبَهُ اَللَّهُ بِهِ اَلنَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ اَلْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ .

أقول : نقلناه هنا ، و إن كان بفصل ذمائهم الصفات ألصق ، لأنّه تضمّن حكم ابنيّ آدم فجعلناه كالتتميم للفصل .

« و لا تكونوا كالمتكبّر » و الأصل : كالأخ المتكبر ، و المراد قابيل .

« على ابن أُمّه » و المراد هابيل ، قال معقل بن عيسى لأخيه أبي دلف في عتب عتبه عليه :

أخي ما لك مجبولاً على تِرتي

كأنّ أجسادنا لم تغذ من جسد

قال ابن أبي الحديد : نهاهم أن يكونوا كقابيل الّذي حسد أخاه هابيل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤٢ ، و الآية ٧٧ ٧٨ من سورة ( ص ) .

١٥

فقتله ، و هما أخوان لأب و أُمّ ، و إنّما قال عليه السّلام « ابن أُمّه » فذكر الأُم دون الأب ، لأنّ الأخوين من الأُمّ أشدّ حنواً و محبّة و التصاقاً من الأخوين من الأب ١ ، و تبعه الخوئي ٢ ، و قال ابن ميثم : قال الثعلبي : إنّما أضافه إلى الأُمّ دون الأب لأنّ الولد في الحقيقة من الأمّ ، أي : الولد بالفعل . فإنّ النطفة في الحقيقة ليست ولداً بل جزء مادي ٣ .

قلت : الصواب هنا أن يقال : نكتة تعبيره عليه السّلام بابن الأُمّ أنّ الأخوين من الأب قد يتكبّر أحدهما على الآخر بأُمّه إذا كانت اُمّه حرّة و أمّ أخيه أمّة ، أو أُمّه شريفة و أُمّ أخيه و ضيعة ، و أمّا إذا كانا من أُمّ واحدة و الفرض وحدة أبيهما فتكبّره عليه كالتكبّر على نفسه ، فيكون حاله حال من قال :

أتيه على إنس البلاد و جنّها

و لو لم أجد خلقاً لتهت على نفسي

أتيه فلا أردي من التّيه من أنا

سوى ما يقول الناس فيّ و في جنسي

فان صدقوا أنّي من الإنس مثلهم

فما فيّ عيب غير أنّي من الإنس

و إنّما قالوا في قوله تعالى حكاية عن هارون لموسى : . . . يابن أُمّ لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي . . . ٤ : نكتة التعبير بابن أُمّ لكونه أشد حنواً ، كما أنّ النكتة في شكايته عليه السّلام من قريش في قوله عليه السّلام : « و سلبوني سلطان ابن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣١ .

( ٢ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٤٤ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٥٨ .

( ٤ ) طه : ٩٤ .

١٦

أُمّي » ١ أحقيّته عليه السّلام بمقامه صلى اللّه عليه و آله من كلّ أحد حتّى عمّه العبّاس ، لأنّ الميراث يكون للأخ للأب و الأمّ دون الأخ للأب فقط ، و كان أبوه عليه السّلام و أبو النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم من أمّ واحدة دون العبّاس .

و أمّا ما قاله ابن ميثم ففي غاية السقوط ، فإنّ من الواضحات شرعا و عرفا كون الولد في الانسان مال الأب ، و كون الامّ و عاء ، حتّى إنّ تعالى قال :

و على المولود له رزقهنّ . . . ٢ ، و إنّما في الحيوان الولد تابع للامّ لأنّه في الحقيقة منها ، و النطفة جزء مادّي ، و أيضا لو كان ما ذكره صحيحا للزم أن يكون : إذا ولد رجلان من امرأة واحدة و أبو أحدهما ملك الملوك ، و أبو الآخر عبد العبيد ، عدم صحّة تفاخر الأوّل على الثاني بأبيه ، و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد فتخليط .

« من غير ما فضل » أي : من غير فضل ، و ( ما ) لتأكيد الكلام ، مثل ( ما ) في فبما رحمة من اللّه . . . ٣ .

و في قول الشاعر :

أ علاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثغام المخلس

٤ و في قوله :

و ننصر مولانا و نعلم أنّه

كما الناس مجروم عليه و جارم

٥ « جعله اللّه فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد » بمعنى : أنّ المتكبّر على ابن أمّه إذا كان لفضل فيه دون ابن أمّه يقبل و يعقل ، و أمّا بدونه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ٦١ ، الكتاب ٣٦ ضمن كتاب علي عليه السّلام إلى أخيه عقيل .

( ٢ ) البقرة : ٢٣٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٥٩ .

( ٤ ) شرح شواهد المغني ٢ : ٧٢٢ ، و الشاعر : المرار الفقعسي .

( ٥ ) شواهد المغني ١ : ٥٠٠ ، و الشاعر : عمرو بن براقة الهمداني .

١٧

سوى مجرّد الحسد فسفه ، و لا سيّما إذا كان أخوه أفضل ، كما في ابني آدم .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : أصول الكفر ثلاثة : الحرص و الاستكبار و الحسد . فامّا الحرص فإنّ آدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها . و أمّا الاستكبار ، فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى . و أمّا الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه ١ .

« و قدحت » من : قدحت النار ، إذا أو قدتها .

« الحميّة في قلبه من نار الغضب » في ( الخصال ) عن الصادق عليه السّلام : الغضب مفتاح كلّ شرّ ٢ .

و عنه : قال الحواريون لعيسى : يا معلّم الخير أعلمنا أيّ الأشياء أشدّ ؟

قال : أشدّ الأشياء غضب اللّه تعالى . قالوا : فبم يتّقى غضب اللّه ؟ قال : بأن لا تغضبوا . قالوا : و ما بدء الغضب ؟ قال : الكبر و التجبّر و محقرة النّاس ٣ .

« و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر » الكلام استعارة ، و يمكن أن يكون حقيقة ، و نظيره ما عن الصادق عليه السّلام : أنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من اللّيل ، فان لم يقم أتاه الشيطان ، فبال في أذنه ٤ .

و كيف كان ، قال عليه السّلام هذه الكلمة هنا عموما ، و قالها في طلحة خصوصا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٨٩ ح ١ ، و الخصال للصدوق : ٩٠ ح ٢٨ ، و أماليه : ٣٤١ ح ٧ ، المجلس ٦٥ ، و روى صدره الفتال في الروضة ٢ : ٣٨١ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٧ ح ٢٢ باب الواحد ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٣ ح ٣ ، و الزهد للأهوازي : ٢٧ ح ٦١ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٧٩ ، و الورام في التنبيه ١ : ١٢٢ ، و الشعيري في جامع الأخبار : ١٦٠ .

( ٣ ) الخصال للصدوق : ٦ ح ١٧ باب الواحد ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٧٩ ، و المجلسي عن كتاب الغايات في بحار الأنوار ٧٣ : ٢٦٣ ح ٥ .

( ٤ ) أخرجه البرقي بطريقين في المحاسن : ٨٦ ح ٢٤ و ٢٥ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٢١ ، عن الصادق عليه السّلام ، و أخرجه البرقي في المحاسن : ٨٦ ح ٢٤ ، و الفتال بطريقين في الروضة ٢ : ٣٢١ عن الباقر عليه السّلام ، و في الباب طرق كثيرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و النقل بالمعنى .

١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فرووا أنّه عليه السّلام وقف على طلحة يوم الجمل و هو صريع ، و قال له في كلام :

« و لكن الشيطان نفخ في أنفه » ١ .

« الّذي » وصف للمتكبّر على ابن أمّه ، أي : قابيل .

« أعقبه اللّه به الندامة و ألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة » إشارة إلى قوله تعالى في قابيل و هابيل : و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما و لم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين .

لئن بسطت إليّ يدك التقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين . إنّي أريد أن تبوء بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار و ذلك جزاء الظالمين . فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ٢ .

و قلنا : إنّ المراد بابني آدم في الآية هابيل و قابيل ، و لكن روى الطبري عن الحسن البصري قال : كان الرجلان اللّذان في القرآن و قال اللّه تعالى فيهما و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق . . . ٣ من بني إسرائيل و لم يكونا ابني آدم لصلبه ، و إنّما كان القربان في بني إسرائيل و كان آدم أوّل من مات .

ثمّ ردّه الطبري بما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال : ما من نفس تقتل ظلماإلاّ كان عن ابن آدم الأول كفل منها ، و ذلك لأنّه أوّل من سنّ القتل ٤ .

قلت : و أوضح منه في ردّه قوله تعالى بعد ما مرّ فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ١٦٣ ، بلفظ « لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار » ، و روى المفيد في الجمل : ٢٠٩ ، نحوه في الزبير .

( ٢ ) المائدة : ٢٧ ٣٠ .

( ٣ ) المائدة : ٢٧ .

( ٤ ) و رواه الطبري في تاريخه ١ : ٩٦ ٩٧ ، اما حديث الحسن فأخرجه أيضا عبد بن حميد في مستنده عنه الدرّ المنثور ٢ : ٢٧٣ ، و اما الحديث النبوي فأخرجه عدّة جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ٢ : ٢٧٦ .

١٩

هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ١ فلو كانا من بني اسرائيل لم يحتج القاتل إلى أن يرى غرابا ، لأنّ الدفن في الأرض كان أمرا شائعا من أوّل الدّنيا ، و أمّا الخبر فحيث لم يكن قطعيّ السّند ، يمكن الخصم ردّه .

و لعل الحسن توهمه من قوله تعالى بعد : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا . . . ٢ إلاّ أنّه كما ترى .

و نقل الطبري في سبب قتل قابيل لهابيل أقوالا ، منها : أنّه لم تكن التوأمة محرّمة ، فقرّب قابيل و هابيل قرباناً أيّهما أحقّ بتوأمة قابيل التي كانت أحسن من توأمة هابيل ، و روى في ذلك خبرا عن السّدي عن جمع ، و منها : أنّ السبب كان مجرّد قبول فدية هابيل دونه ، و روى عن عبد اللّه بن عمر قال : إنّ ابني آدم اللّذين قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما و لم يتقبّل من الآخر ٣ كان أحدهما صاحب حرث ، و الآخر صاحب غنم ، و أنّهم أمرا أن يقرّبا قرباناً ، و أنّ صاحب الغنم قرّب أكرم غنمه و أسمنها و أحسنها طيبة بها نفسه ، و أنّ صاحب الحرث قرّب شرّ حرثه الكوذر و الزوان غير طيبة بها نفسه ، و أنّ اللّه تعالى تقبّل قربان صاحب الغنم ، و لم يتقبّل قربان صاحب الحرث . و روى عن ابن عبّاس قال :

كان من شأنهما أنّه لم يكن مسكين يتصدّق عليه ، و إنّما كان القربان يقرّبه الرجل فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا : لو قرّبنا قربانا . و كان الرجل إذا قرّب قربانا فرضيه تعالى أرسل إليه نارا فأكلته ، و إن لم يكن رضيه اللّه خبت النار ، فقرّبا قربانا ، و كان أحدهما راعيا و الآخر حرّاثا . . . فنزلت فأكلت الشاة و تركت الزرع ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٣١ .

( ٢ ) المائدة : ٣٢ .

( ٣ ) المائدة : ٢٧ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سند حديث مدينة العلم

٦١

٦٢

(١)

رواية الامام الرضا عليه‌السلام

لقد روى سيدنا الامام الرضاعليه‌السلام حديث مدينة العلم في ( الصحيفة ) المباركة عن آبائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وهذا نصها:

« وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن قاتل الحسين في تابوت من نار، وعليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شدّ يداه ورجلاه بسلاسل من النار حتى يقع في قعر جهنم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله لهم الجلود، لا يفتّر عنهم ساعة، ويسقون من حميم جهنم، فالويل من عذاب الله عز وجلّ.

وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب.

وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك ابراهيم ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب ».

٦٣

صحيفة الرضا من الأصول المعتبرة

و ( صحيفة الرضاعليه‌السلام ) من الكتب المعروفة المعتمدة والأصول المشهورة المعتبرة، لدى العلماء الأعلام من أهل السنة، فقد قال أبو شجاع شيرويه ابن شهردار الديلمي ما نصه: « أما بعد فإني رأيت أهل زماننا هذا خاصة أهل بلدنا أعرضوا عن الحديث وأسانيده، وجهلوا معرفة الصحيح والسقيم، وتركوا الكتب التي صنفها أئمة الدين قديماً وحديثاً، والمسانيد التي جمعوها في الفرائض والسنن، والحلال والحرام، والآداب والوصايا، والأمثال والمواعظ، وفضائل الأعمال، واشتغلوا بالقصص والأحاديث المحذوفة أسانيدها، التي لم يعرفها نقله الحديث، ولم تقرأ على احد من أصحاب الحديث، وطلبوا الموضوعات التي وضعها القصاص لينالوا بها للقطعيات في المجالس على الطرق، ثبت في كتابي هذا اثني عشر ألف حديث ونيفاً من الأحاديث الصغار على سبيل الاختصار، من الصحاح والغرائب والأفراد والصحف المروية عن النبي لعلي بن موسى الرضا وعمر بن شعيب »(١) .

وقال جار لله الزمخشري: « كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا: لو قرئ هذا الإِسناد على أذن مجنون لأفاق »(٢) .

وقال السمعاني: « الرّضوي بفتح الراء والضاد وفي آخرها الواو، هذه النسبة إلى الرضا وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي الحسن المعروف بالرضا المدفون بطوس، يروي صحيفة عن آبائه، وجماعة من أولاده نسبوا إليه يقال لكلّ واحد منهم الرضوي »(٣) .

وقال سبط ابن الجوزي بترجمة الامامعليه‌السلام : « وذكر عبد الله بن أحمد

____________________

(١). مسند الفردوس - خطبة الكتاب - مخطوط.

(٢). ربيع الأبرار ٣ / ٢٧٨.

(٣). الأنساب - الرضوي.

٦٤

المقدسي في كتاب أنساب القرشيين نسخة يرويها علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إسناد لو قرئ على مجنون برئ »(١) .

وقال المزي « روى عنه ابنه محمد، وعثمان بن المثاور، والنحوي علي بن علي الدعبلي، وأيوب بن منصور النيسابوري، وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، والمأمون بن الرشيد، وعلي بن مهدي بن صدقة له عنه نسخة، وأبو أحمد داود بن سليمان بن سيف الغازي القزويني له عنه نسخة، وأحمد بن عامر ابن سليمان الطائي له عنه نسخة كبيرة »(٢) .

وقد عدّها المحبّ الطبري من مآخذ كتابه معبراً عنها بـ ( مسند الرضا )، ونقل عنها في مواضع منه، منها: قوله في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام « ذكر أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، إنك أول من يقرع باب الجنة فيدخله بغير حساب بعدي. خرّجه الامام علي بن موسى الرضا في مسنده »(٣) .

ومنها قوله « ذكر إخبار جبرئيل عن الله تعالى أن علياً من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى: عن أسماء بنت عميس قالت: هبط جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. خرّجه الإِمام علي بن موسى الرضا »(٤) .

ومنها قوله « عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنك سيّد

____________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٣٥٢.

(٢). تهذيب الكمال ٢١ / ١٤٨.

(٣). الرياض النضرة في مناقب العشرة ٢ / ٢١١.

(٤). المصدر نفسه ٢ / ٢١٦

٦٥

المسلمين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين. خرّجه علي بن موسى الرضا »(١) .

كما نقل عنها المحب الطبري في كتابه الآخر ( ذخائر العقبى ) جملةً من فضائل أهل البيتعليهم‌السلام (٢) .

وروى عن الصحيفة إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني في مواضع من كتابه ( الاكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء ) في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام معبّراً عنها بـ ( مسند الرضا ) كذلك، فليراجع.

وقال ابن باكثير المكي: « وعن سيدنا علي كرّم الله وجهه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أسري بي إلى السماء، أخذ جبرئيل بيدي وأقعدني على درنوك من درانيك الجنة وناولني سفرجلة، فكنت أقلّبها إذْ انفلقت وخرجت منها حوراء لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد، فقلت: وعليك السلام من أنت؟ قالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أعلاي من عنبر، ووسطي من كافور، وأسفلي من مسك، عجنني بماء الحيوان ثم قال لي: كوني فكنت، خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب. أخرجه الامام علي بن موسى الرضا »(٣) .

بل عدّها محمد عابد السندي في الكتب المعتبرة التي يرويها بأسانيده الصحيحة حيث قال في ( حصر الشارد ) « وأما الأربعون من نسخة علي بن موسى الرضا عن آبائه فأرويها بالسند المتقدّم إلى الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن أبي المقدسي، عن سليمان بن حمزة، أنا محمود بن إبراهيم، أنا الحسن بن محمد بن عباس الراسمي، أنا أبوبكر أحمد بن علي بن خلف، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب، أنا أبوبكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ».

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ٢٣٤.

(٢). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، أنظر: ٢٦، ٣٢، ٣٩، ٤٤، ٤٧، ٤٨

(٣). وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط.

٦٦

ترجمة السندي

والسندي من أعلام علماء القوم، وقد ترجم الصديق حسن القنوجي للشيخ محمد عابد السندي في ( أبجد العلوم ) وأثنى عليه قائلاً: « الشيخ محمد عابد السندي ابن أحمد علي بن يعقوب، الحافظ، من بني أبي أيوب الأنصاري، ولد ببلدة سيون وهي على شاطئ النهر شمالي حيدرآباد السند مما يلي بلدة بويك، هاجر جدّه الملقب بشيخ الإسلام إلى أرض العرب، وكان من أهل العلم والصلاح.

وأقام الشيخ محمد عابد بزبيد دارة علم باليمن معروفة، واستفاد من علمائها واقتبس من أشعة عظمائها، حتى عدّ من أهلها، ودخل صنعاء اليمن يتطبب لامامهم وتزوج ابنة وزيره، وذهب مرة سفيراً من إمام صنعاء إلى مصر، وكان شديد التحنن إلى ربوع طابة، وعاود مرة أرض قومه فدخل نواري بلدة بأرض السند مما يلي بندر كراجي وأقام بها ليالي معدودات، ثم عاد إلى المدينة الطيبة، وولي رئاسة علمائها من قبل والي مصر، وخلّف من مصنفاته كتبا مبسوطة ومختصرة وكان ذا عصبية للمذهب الحنفي »

من رواة الصحيفة

لقد ظهر من عبارة السندي أن جماعة من حفاظ أهل السنة - أمثال ابن حجر العسقلاني - يروون صحيفة الامام الرضاعليه‌السلام .

ويوجد ( في المكتبة الناصرية ) نسختان من الصحيفة يروى إحداهما: أبو الفتح عبيد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري النيشابوري الشافعي، المترجم في ( طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ٢٠٧ ) والأخرى يرويها: صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني المتوفى سنة ٧٢٢، والمترجم في ( تذكرة الحفاظ ٤ / ٢٩٨ ) و ( مرآة الجنان - حوادث ٧٢٢ ) و ( العبر حوادث ٧٩٥ ) و ( الدرر

٦٧

الكامنة ١ / ٦٧ ) وغيرها.

هذا، وسيعلم في محلّه إخراج العاصمي وابن النجار حديث مدينة العلم من حديث سيدنا الامام الرضاعليه‌السلام بعين لفظ ( الصحيفة ).

ولا ريب أن رواية هذا الامام المعصومعليه‌السلام كافية لمن رام الحق، ولا يجحدها إلّا من أضمر البغض والعداء.

(٢)

رواية الامام الرضا عليه‌السلام بلفظ آخر

وروى الامامعليه‌السلام حديث مدينة العلم، عن آبائه الكرام عن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين بلفظ آخر، فقد قال ابن المغازلي ما نصه: « أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحويرحمه‌الله تعالى فيما أذن لي في روايته عنه: أن أبا طاهر إبراهيم بن عمر بن يحيى يحدّثهم قال: نا محمد بن المطلب، نا أحمد بن محمد بن عيسى - سنة عشر وثلاثمائة - نا محمد بن عبد الله بن عمر بن مسلم اللاحقي الصفار بالبصرة - سنة أربع وأربعين ومائتين - نا أبو الحسن علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من [ قبل ] الباب »(١) .

شأن هذا الاسناد

وهذا إسناد يمتنع الوصول إلى كنه عظمته وجلالته، إنه إسناد التمس كبار

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٥.

٦٨

الأئمة والحفاظ أن يحدّثهم الامام الرضاعليه‌السلام بحديث به. وقال أحمد بن حنبل: لو قرئ هذا الإِسناد على مجنون لبرء من جنونه فقد ذكر أبو سعيد منصور ابن الحسين الآبي الوزير ما نصه: « حدّث أبو الصّلت قال: كنت مع علي بن موسى - وقد دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء - فغدا إلى طلبه علماء البلد: أحمد بن حرب، وياسين بن النضر، ويحيى بن يحيى، وعدة من أهل العلم. فتعلّقوا بلجامه في المربعة فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك. قال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي، قال حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، قال سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

قال قال أحمد بن حنبل: لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرء من جنونه.

وروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثل ذلك يحكيه عن أبيه وأنه قرأه على مصروع فأفاق »(١) .

وقال ابن الصباغ « وروى المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعيد بن عبد الكريم الوزان - في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة - قال: أورد صاحب صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه: أن علي بن موسى الرضا لمـّا دخل إلى نيسابور في السفرة التي خص فيها بفضيلة الشهادة، كان في قبة مستورة بالسقلاط على بغلة شهباء، وقد شق سوق نيسابور، فعرض له الامامان الحافظان للأحاديث النبوية، والمثابران على السنّة المحمدية: أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي، ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم والحديث وأهل الرواية والدراية فقالا له: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة، بحق آبائك الطاهرين

____________________

(١). نثر الدر ١ / ٣٦٢.

٦٩

وأسلافك الأكرمين إلّا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذكرك به، فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبة، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة، فكانت له ذؤابتان مدليتان على عاتقه، والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه، وهم ما بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبّل لحافر بغلته، وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة والفقهاء والعلماء: معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتوا لسماع ما ينفعكم ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم، وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي.

قال علي بن موسى الرضا: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه الحسين الشهيد بكربلا، عن أبيه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه أنّه قال: حدّثني جبرئيل قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلّا الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي.

ثم أرخى الستر على القبة وسار، فعدّ أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا.

قال الاستاذ أبو القاسم القشيري: إتصل هذا الحديث ببعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب، وأوصى أنْ يدفن معه في قبره، فرأى في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي بلا إله إلّا الله وتصديقي بأن محمداً رسول الله »(١) .

وفي ( جواهر العقدين ) عن الجمال الزرندي في كتابه معراج الوصول: « وزاد - عقب قوله وتصديقي بأن محمداً رسول الله - وكتابتي هذا الحديث بالذهب تعظيماً له واحتراماً »(٢) .

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة ٢٤١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٧٠

وإنْ شئت المزيد من مراجع القضية فراجع ( المقاصد الحسنة ) و ( مفتاح النجا ) و ( الحق المبين ) و ( فصل الخطاب ). وممن رواها أيضاً سبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ٣٥٢ ) وابن حجر المكي في ( الصواعق ١٢٢ ).

وقد أضاف بعضهم في الرواية: « فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها » قال خواجه بارسا « قيل: من شروطها الاقرار له بأنه إمام مفترض الطاعة ».

الامام الرضاعليه‌السلام معصوم من الخطأ

وبالرغم من ثبوت عصمة الإِمام الرضاعليه‌السلام بالأدلة العامة والخاصة غير الخاضة للحصر والإحصاء، فإنا نذكر هنا دليلين من الأدلة الخاصة به من كتب أهل السنة بالمناسبة:

١ - ما رواه خواجه بارسا في ( فصل الخطاب ) وعبد الحق الدهلوي في ( رسالة مناقب الأئمة ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة ) والجامي في ( شواهد النبوة ) ورشيد الدين الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) وولي الله اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين ) عن موسى الكاظمعليه‌السلام أنه قال « رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام - وأمير المؤمنينرضي‌الله‌عنه معه - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي ابنك ينظر بنور الله عز وجل وينطق بحكمة، يصيب ولا يخطى، ويعلم ولا يجهل، قد ملئ حكماً وعلماً ».

٢ - ما رواه الجامي في ( شواهد النبوة ) والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( رسالة مناقب الأئمة ) وخواجه بارسا في ( فصل الخطاب ) والمولوي محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) والمولوي ولي الله في ( مرآة المؤمنين ) أنه « قيل لأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما: إن أباك سمّاه المأمون الرضا ورضيه لولاية عهده، فقال: بل الله سبحانه سمّاه الرضا، لأنه كان رضا الله عز وجل في سمائه ورضا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أرضه، وخص من بين آبائه الماضين بذلك، لأنه رضي به

٧١

المخالفون كما رضي به الموافقون، وكان أبوه موسى الكاظمرضي‌الله‌عنه يقول: أدعوا لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال يا أبا الحسن ».

وغير خفي أن رواية هذا الامام المعصوم هذا الحديث بهذا السند عن جدّه الأعظم عليه وآله السلام كاف للإذعان بأنه حديث قطعي، لا يشوبه ريب ولا يعتريه شك، والحمد لله رب العالمين.

(٣)

رواية عبد الرزاق الصّنعاني

قال الحاكم بعد أن أخرج الحديث من حديث ابن عباس وصححه ما نصه:

« ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح: حدثني أبوبكر محمد بن علي الفقيه الامام الشاشي القفال ببخارى - وأنا سألته - حدثني النعمان بن هارون البلدي ببلد من أصل كتابه، ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

كما سيعلم روايته من ( المناقب لابن المغازلي ) و ( تاريخ دمشق ) و ( تاريخ بغداد ) و ( كفاية الطالب ).

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٧.

٧٢

رجال الحديث

ولنذكر بعض كلماتهم في توثيق رجال هذا السند، تأكيداً لتصحيح الحاكم إيّاه فنقول:

أمّا سفيان الثوري

فهو من رجال الصحاح الستة، وقد وثّقه ابن حبان(١) ، ترجم له:

١ - السمعاني بقوله: « وأما نسب ثور ابن عبد مناة فالإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد وكان من سادات أهل زمانه فقهاً وورعاً وحفظاً وإتقاناً، شمائله في الصلاح والورع أشهر من أن يحتاج إلى الإِغراق في ذكرها »(٢) .

٢ - ابن الأثير: « إمام المسلمين وحجة الله على خلقه، يفوت فضائله الإحصاء وتعجز العادين، جمع في زمنه بين الفقه والاجتهاد فيه والحديث والزهد والعبادة والورع والثقة، وإليه المنتهى في علم الحديث وغيره من العلوم، أجمع الناس على دينه وزهده وورعه وثقته، ولم يختلفوا في ذلك، وهو أحد الأئمة المجتهدين وأحد أقطاب الاسلام وأركان الدين »(٣) .

٣ - الذهبي « أحد الأعلام علماً وزهداً »(٤) .

٤ - ابن حجر: « قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان، فقال له رجل: يا أبا عبد الله رأيت سعيد ابن جبير وغيره وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان.

____________________

(١). الثقات ٦ / ٤٠١.

(٢). الانساب - الثوري.

(٣). جامع الاُصول لابن الأثير - مخطوط.

(٤). الكاشف ١ / ٣٧٨.

٧٣

وقال وكيع عن شعبة: سفيان أحفظ مني. وقال ابن مهدي كان وهب يقدّم سفيان في الحفظ على مالك. وقال يحيى القطان: ليس أحد أحب إليّ من شعبة ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان. وقال الدوري: رأيت يحيى بن معين لا يقدّم على سفيان في زمانه أحداً في الفقه والحديث والزهد وكل شيء. وقال الآجري عن أبي داود: ليس يختلف سفيان وشعبة في شيء إلّا يظفر سفيان. وقال أبو داود: بلغني عن ابن معين قال: ما خالف أحد سفيان في شيء إلّا كان القول قول سفيان. وقال العجلي: أحسن أسناد الكوفة سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وقال المروزي عن أحمد: لا يتقدّم في قلبي أحد سفيان. وقال عبد الله بن داود: ما رأيت أفقه من سفيان. وقال أبو قطن: قال لي شعبة إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم.

قال الخطيب: كان إماماً من أئمة المسلمين وعلماً من أعلام الدين، مجمعاً على أمانته بحيث يستغني عن تزكيته، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد. وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً وكان عابداً ثبتاً. وقال النسائي: هو أجلّ من أن يقال فيه ثقة، وهو أحد الأئمة الذين أرجوا أن يكون ممن جعله الله للمتقين إماماً. وقال ابن أبي حاتم: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان. وقال زائدة: كان أعلم الناس في أنفسنا. وقال ابن حبان: كان من سادات الناس فقهاً وورعاً وإتقاناً »(١) .

وأما عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري

فقد ترجم له

١ - ابن حبان قائلاً: « عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي، يروي عن سعيد ابن جبير، روى عنه ابن جريج، روى عنه أهل الحجاز. مات سنة ١٣٢ »(٢) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٤ / ١١٣.

(٢). الثقات ٥ / ٣٤.

٧٤

٢ - السمعاني: « وابو عثمان عبد الله بن عثمان بن خثيم من القارة، يروي عن أبي الطفيل، عداده في أهل مكة، روى عنه معمر، مات سنة ١٤٤، وقد قيل سنة ١٣٥ »(١) .

٣ - ابن حجر: « قال ابن أبي مريم عن ابن معين: ثقة حجة. وقال العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: ما به بأس صالح الحديث. وقال النسائي: ثقة. وقال مرة ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث حسنة »(٢) .

وأما عبد الرحمن بن بهمان المدني

الذي عبّر عنه الحاكم في المستدرك بـ « عبد الرحمن بن عثمان التيمي » فقد.

ترجم له

١ - ابن حبان في ( الثقات ) .

٢ - الذهبي وقال: « وثق »(٣) .

٣ - ابن حجر ووثقه(٤) .

وروى عبد الرزاق بن همام حديث مدينة العلم بسند آخر، فقد جاء في ( المناقب ) ما نصه: « أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت القرشي، نا علي بن محمد المصري، نا محمد بن عيسى بن شيبة البزار، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدّب، نا عبد الرزاق، أنا معمر عن عبد الله

____________________

(١). الأنساب - القاري.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣١٤.

(٣). الكاشف ٢ / ١٥٨.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٧٤، تهذيب التهذيب ٦ / ١٤٩.

٧٥

ابن عثمان عن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية - وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب - هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

رجال السند

ورجال هذا الحديث ثقات. فأما معمر فقد أخرج له أصحاب الصحاح الستة وترجم له بكل ثناء وتعظيم في ( الثقات ) و ( تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٠٧ ) و ( تذكرة الحفاظ ١ / ١٩٠ ) و ( تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٣ ) و ( العبر ١ / ٢٢٠ ) و ( الكاشف ٢ / ٢٦٦ ) و ( مرآة الجنان ١ / ٣٢٣ ) و ( طبقات الحفاظ ٨٢ ) وغيرها.

وأما عبد الله بن عثمان، وعبد الرحمن بن بهمان، فقد مرّ طرف من كلمات الثناء عليهما.

وأما عبد الرزاق بن همام

نفسه، فقد ترجمنا له بالتفصيل في مجلّد ( حديث التشبيه ) عن طائفة من معاجم التراجم المعتبرة(٢) .

(٤)

تصحيح يحيى بن معين

على صحة حديث مدينة العلم، قال المزيّ والعسقلاني بترجمة أبي الصلت

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٤.

(٢). أنظر: الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، الأنساب: الصنعاني، دول الاسلام: حوادث ٢١١، مرآة الجنان حوادث: ٢١١، تذكرة الحفاظ ١ / ٣٣٤

٧٦

عبد السلام بن صالح الهروي: « قال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه.

عبد الرحمن الأنباري: حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه.

قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: صحيح.

قال أبوبكر ابن ثابت الحافظ: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه »(١) .

وقال السيوطي: « روى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح »(٢) .

وقال المناوي: « ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المذكور من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس. ثم قال: قال القاسم سألت ابن معين عنه فقال: هو صحيح. قال الخطيب: قلت: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ رواه غير واحد عنه »(٣) .

وقال الشوكاني في مقام الجواب عن القدح فيه: « وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثّقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثقه ابن معين والحاكم، وقد سئل يحيى عن هذا الحديث فقال: صحيح »(٤) .

____________________

(١). تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، تهذيب التهذيب ٦ / ٣١٩.

(٢). جمع الجوامع ١ / ٣٨٣.

(٣). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٤٧.

(٤). الفوائد المجموعة للقاضي الشوكاني ٣٤٩.

٧٧

وقال الأمير: « وروى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح »(١) .

هذا، وأما دعوى أنه أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية فعارية عن الدليل، ومن هنا نقل السيوطي والشوكاني وغيرهما تصحيحه إياه مطلقاً، ولو سلّم فإن أبا معاوية والأعمش ومجاهد ثقات، فالحديث صحيح بلا كلام، وسيأتي لذلك مزيد تأييد وتحقيق من كلام الحافظ العلائي والعلامة الفيروزآبادي، كما ستعلم عند نقض كلمات ( الدهلوي ) إثبات يحيى بن معين لهذا الحديث مرة بعد أخرى فانتظر.

ترجمته

١ - ابن جزلة: « كان إماماً حافظاً متقناً قال علي بن المديني: إنتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة، وعلم الكوفة إلى إسحاق والأعمش، وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار، وصار علم هؤلاء الستة بالبصرة إلى سعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمر وحماد بن سلمة وأبي عوانة، ومن أهل الكوفة إلى سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، ومن أهل الحجاز إلى مالك بن أنس، ومن أهل الشام إلى الأوزاعي، فانتهى علم هؤلاء إلى محمد بن إسحاق وهشيم ويحيى بن سعيد وابن أبي زائدة ووكيع وابن المبارك - وهو أوسع هؤلاء علماً - وابن مهدي وابن آدم، وصار علم هؤلاء جميعاً إلى يحيى بن معين.

وقال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث.

وقال ابن الرومي: ما سمعت أحداً قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى بن معين، وغيره كان يتحامل بالقول »(٢) .

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

(٢). مختار مختصر تاريخ بغداد - مخطوط.

٧٨

٢ - السمعاني: « كان إماماً ربّانياً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً مرجوعاً إليه في الجرح والتعديل إنتهى علم العلماء إليه حتى قال أحمد بن حنبل: هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن وأظهر كذب الكذابين - يعني يحيى بن معين - وقال علي بن المديني: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذّاب »(١) .

٣ - النووي: « هو إمام أهل الحديث في زمنه والمعوّل عليه فيه أجمعوا على إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدّمه في هذا الشأن واضطلاعه منه وأحواله وفضائلهرضي‌الله‌عنه غير منحصرة »(٢) .

٤ - ابن خلكان: « الحافظ المشهور، كان إماماً عالماً حافظاً متقناً وهو صاحب الجرح والتعديل، روى عنه كبار الأئمة منهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم من الحفاظ، وكان بينه وبين الامام أحمد بن حنبلرضي‌الله‌عنه من الصحبة والألفة والاشتراك في الاشتغال بعلوم الحديث ما هو مشهور، لا حاجة إلى الاطالة فيه »(٣) .

٥ - أبو الفداء الأيوبي: « كان إماماً حافظاً »(٤) .

٦ - الذهبي: « يحيى بن معين هو الامام الحافظ الجهبذ شيخ المحدثين قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيى فقال: إمام. وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث، ثقة مأمون. »(٥) .

____________________

(١). الانساب - المري.

(٢). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٥٦.

(٣). وفيات الأعيان ٦ / ١٣٩.

(٤). المختصر في أحوال البشر ٢ / ٣٧.

(٥). سير أعلام النبلاء ١١ / ٧١.

٧٩

٧ - الذهبي: « يحيى بن معين الامام الفرد سيد الحفّاظ قال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال.

قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بمناقبه. قال خنيس بن مبشر أحد الثقات: رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال أعطاني وحباني وزوّجني ثلاث مائة حوراء، ومهّد لي بين الناس. توفي في ذي القعدة غريباً بمدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة ٢٣٣ »(١) .

٨ - الذهبي أيضاً: « الامام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ، أحد الأعلام وحجة الإسلام حديثه في الكتب الستة »(٢) .

٩ - الذهبي أيضاً: « إمام المحدثين، فضائله كثيرة، مولده سنة ١٥٨، ومات طالب الحج بالمدينة في ذي القعدة ٢٣٣، وحمل على أعواد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

١٠ - اليافعي بنحو ما تقدم(٤) .

١١ - القنوجي في ( التاج المكلل: ١٤١ ).

(٥)

رواية سويد بن سعيد الحدثاني

من مشايخ مسلم وابن ماجة. قال ابن كثير - بعد أن روى حديث أنا دار

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٢٩.

(٢). العبر في خبر من غبر ١ / ٤١٥.

(٣). الكاشف ٢ / ٣٥٨.

(٤). مرآة الجنان ٢ / ١٠٨.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605