• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106383 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

السّعير . يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب و قدور راسيات اعملوا آل داود شكرا و قليل من عبادي الشكور ١ ، و حشر لسليمان جنوده من الجنّ و الإنس و الطير فهم يوزعون . حتّى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون . فتبسّم ضاحكا من قولها و قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ و على والديّ و أن أعمل صالحا ترضاه و ادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ٢ ، و لقد فتنّا سليمان و ألقينا على كرسيه جسدا ثمّ أناب . قال ربّ اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنّك أنت الوهّاب . فسخّرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب . و الشياطين كلّ بنّاء و غوّاص . و آخرين مقرّنين في الأصفاد . هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب . و إنّ له عندنا لزلفى و حسن مآب ٣ .

و في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : و لقد فتنّا سليمان و ألقينا على كرسيّه جسدا : أنّ سليمان لمّا تزوّج باليمانية ولد منها ابن و كان يحبّه ، فنزل ملك الموت على سليمان ، و كان كثيرا ما ينزل عليه ، فنظر إلى ابنه نظرا حديدا ، ففزع سليمان من ذلك ، فقال لأمّه : إنّ ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنّه قد أمر بقبض روحه . فقال للجنّ و الشياطين : هل لكم حيلة في أن تفرّوه من الموت . فقال واحد منهم : أنا أضعه تحت عين الشّمس في المشرق . فقال سليمان : إنّ ملك الموت يخرج ما بين المشرق و المغرب . فقال واحد منهم : أنا أضعه في السحاب و الهواء فرفعه و وضعه في السحاب ، فجاء ملك الموت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سبأ : ١٢ ١٣ .

( ٢ ) النمل : ١٧ ١٩ .

( ٣ ) ص : ٣٤ ٤٠ .

١٠١

فقبض روحه في السحاب ، فوقع جسده ميّتا على كرسيّ سليمان ، فعلم أنّه قد أخطأ ١ .

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال : ملك الأرض كلّها مؤمنان : سليمان و ذو القرنين ، و كافران : نمرود و بخت النصر ٢ ، و لو أنّ أحدا كان ناجيا من الموت لكان أبوه داود عليه السّلام الّذي قال تعالى فيه : و اذكر عبدنا داود ذا الأيد إنّه أوّاب إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ و الإشراق و الطير محشورة كلّ له أوّاب و شددنا ملكه و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب ٣ .

و روى ( الكافي ) عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : مات داود النبيّ عليه السّلام يوم السبت مفجوءا ، فأظلّته الطير بأجنحتها ، و كذا لو كان نجا أحد لكان موسى كليم اللّه ٤ .

و في الخبر : و مات موسى كليم اللّه عليه السّلام في التّيه ، فصاح صائح من السماء : مات موسى ، و أيّ نفس لا تموت ٥ .

« مع النبوّة و عظيم الزّلفة » أي : التقرّب إليه تعالى ، قال تعالى : و ورث سليمان داود و قال يا أيّها الناس علّمنا منطق الطير و أوتينا من كلّ شي‏ء إنّ هذا لهو الفضل المبين ٦ ، و تفقّد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين . لأعذّبنّه عذابا شديدا أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبين . فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين . إنّي وجدت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ٢٣٥ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٢٥٥ ح ١٣٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) ص : ١٧ ٢٠ .

( ٤ ) هاتان قطعتان من حديث واحد الكافي للكليني ٣ : ١١١ ح ٤ ، و الأهوازي في الزهد : ٨٠ ح ٢١٥ ، و جملة « و كذا لو كان نجا أحد لكان موسى كليم اللّه » من كلام الشارح .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) النمل : ١٦ .

١٠٢

امرأة تملكهم و أوتيت من كلّ شي‏ء و لها عرش عظيم . وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون اللّه و زيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون . ألاّ يسجدوا للّه الذي يخرج الخب‏ء في السماوات و الأرض و يعلم ما تخفون و ما تعلنون . اللّه لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم .

قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . أذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون . قالت يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتاب كريم .

إنّه من سليمان و إنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم . ألاّ تعلوا عليّ و أتوني مسلمين . قالت يا أيّها الملا افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتىّ تشهدون قالوا نحن أولو قوّة و أولو بأس شديد و الأمر إليك فانظري ماذا تأمرين . قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزّة أهلها أذلّة و كذلك يفعلون . و إنّي مرسلة إليهم بهديّة فناظرة بم يرجع المرسلون . فلمّا جاء سليمان قال أ تمدّونن بمال فما آتاني اللّه خير ممّا آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون . ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها و لنخرجنّهم منها أذلّة و هم صاغرون . قال يا أيّها الملأ أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجنّ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و إنّي عليه لقويّ أمين . قال الّذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقرّا عنده قال هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر و من شكر فإنّما يشكر لنفسه و من كفر فإنّ ربّي غنيّ كريم . قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الّذين لا يهتدون . فلمّا جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنّه هو و أوتينا العلم من قبلها و كنّا مسلمين . و صدّها ما كانت تعبد من دون اللّه إنّها كانت من قوم كافرين . قيل لها ادخلي الصرح فلمّا رأته حسبته لجّة و كشفت عن ساقيها قال إنّه صرح ممرّد من قوارير قالت ربّ إنّي ظلمت نفسي

١٠٣

و أسلمت مع سليمان للّه ربّ العالمين ١ .

« فلمّا استوفى طعمته » فما دام لم يأكل الإنسان اللقمة الأخيرة ، و لم يشرب الجرعة الأخيرة من رزقه من الدّنيا لا يموت .

« و استكمل مدّته » و أجله المسمّى عند ربّه ، روى ( الإكمال ) : أنّه عاش ( ٧١٢ ) سنة ٢ .

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّ ملك الموت قال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّي أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله . فأقوم في ناحية من دارهم ، فأقول : ما هذا الجزع فو اللّه ما تعجّلناه قبل أجله ، و ما كان لنا في قبضه من ذنب ، فإن تحتسبوا و تصبروا تؤجروا ، و إن تجزعوا تأثموا و توزروا ، و اعلموا أنّ لنا فيكم عودة ثمّ عودة ،

فالحذر الحذر إنّه ليس في شرقها و لا في غربها أهل بيت مدر و لا و بر إلاّ و أنا اتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات ، و لأنا أعلم بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم ، و لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتّى يأمرني ربّي ٣ .

« رمته قسيّ » قال الجوهري : قسيّ و أقواس : جمع القوس يذكّر و يؤنّث ،

و أصل قسيّ قؤوس لأنّه فعول ، إلاّ أنّهم قدّموا اللام ، و صيّروه ( قسوّ ) على ( فللوع ) ثمّ قلبوا الواوياء و كسروا القاف ، كما كسروا عين ( عصيّ ) فصارت ( قسيّ ) على ( فليع ) ٤ .

« الفناء » و الارتحال من الدّنيا .

« بنبال » قال الجوهري : النبل : السهام العربية ، و هي مؤنّثة لا واحد لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النمل : ٢٠ ٤٤ .

( ٢ ) كمال الدين ( إكمال الدين ) للصدوق : ٥٢٤ ح ٣ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٥ : ١٨٢٢ مادة ( نبل ) .

( ٤ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٢٤ مادة ( قوس ) .

١٠٤

من لفظها ، و قد جمعوها على نبال ، و أنبالع ١ .

« الموت » فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلاّ دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ٢ .

و أخذ معنى كلامه عليه السّلام : « رمته قسيّ الفناء بنبال الموت » في سليمان عليه السّلام ضيائي الدزفولي في الناس عموما ، فقال بالفارسية ، مزيدا حال كونهم في القبور :

چه شد كز يك كماندار فنا اين لشكر بى حد

بسر دارند از لوح مزار خود سپرها را

« و أصبحت الديار منه خالية و المساكن معطّلة ، و ورثها قوم آخرون » شأن باقي الناس من الملوك إلى السوقة ، روى ( روضة الكافي ) عن الصادق أنّ اللّه تعالى أوحى إلى سليمان بن داود عليه السّلام : إنّ آية موتك أنّ شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها : الخرنوبة . قال : فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخرنوبة . قال : فولّى سليمان مدبرا إلى محرابه . فقام فيه متّكئا على عصاه ، فقبض روحه من ساعته . قال : فجعلت الجنّ و الإنس يخدمونه ، و يسعون في أمره كما كانوا ،

و هم يظنّون أنّه حيّ لم يمت ، يغدون و يروحون و هو قائم ثابت حتّى دبّت الأرضة من عصاه ، فأكلت منسأته فانكسرت ، و خرّ سليمان إلى الأرض . . . ٣ و روى ( العيون ) عن الرضا عليه السّلام : أنّ سليمان عليه السّلام قال ذات يوم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ١٣٦ ح ٢ و ٣ ، و تفسير القمي ٢ : ٦ ، و رواه الديلمي في أعلام الدين عنه البحار ٨٢ : ١٨٤ ح ٣٠ .

( ٢ ) سبأ : ١٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٨ : ١١٤ ح ١١٤ كتاب الروضة ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٤ : ١٤٠ ، و أخرج معناه الثعلبي في العرائس : ٣٢٧ ، و غيره .

١٠٥

لأصحابه : إنّ اللّه تعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي : سخّر لي الرّيح و الإنس و الجنّ و الطير و الوحوش ، و علّمني منطق الطير ، و آتاني من كلّ شي‏ء ، و مع جميع ما أوتيت من الملك ما تمّ لي سرور يوم إلى الليل ، و قد أحببت أن أدخل إلى قصري في غد فأصعد أعلاه ، و أنظر إلى ممالكي ، فلا تأذنوا لأحد عليّ بالدخول ، لئلاّ أجد عليّ ما ينغص عليّ يومي . فقالوا : نعم . فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده و صعد إلى أعلى موضع من قصره و وقف متّكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه سرورا بما أوتي فرحا بما أعطي ، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه و اللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره ، فلمّا أبصر به سليمان قال له : من أدخلك إلى هذا القصر و قد أردت أن أخلو فيه اليوم ، فبإذن من دخلت ؟ فقال الشاب : أدخلني هذا القصر ربّه ، و بإذنه دخلت . فقال : ربّه أحقّ به منّي ، فمن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت . قال : فيم جئت ؟ قال : لأقبض روحك .

فقال : امض بما أمرت به ، في هذا اليوم سروري و أبى اللّه أن يكون لي سرور دون لقائك ١ .

و في ( تفسير القمي ) : لمّا أوحى اللّه إلى سليمان أنّك ميّت أمر الشياطين أن يتّخذوا له بيتا من قوارير ، و وضعوه في لجّة البحر ، و دخله سليمان عليه السّلام فأتّكأ على عصاه و كان يقرأ الزبور ، و الشياطين حوله ينظرون إليه لا يجسرون أن يبرحوا ، فبينا هو كذلك إذ حان منه التفاتة ، فإذا هو برجل معه في القبّة ففزع منه . فقال له : من أنّت ؟ فقال له : أنا الّذي لا أقبل الرشي ، و لا أهاب الملوك . فقبضه و هو متّكى‏ء على عصاه سنة ، و الجنّ يعملون له و لا يعلمون بموته ، حتّى بعث اللّه الأرضة ، فأكلت منسأته فلمّا خرّ [ على وجهه ] تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ٢ فكذا نزلت هذه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ٢٠٦ ح ٢٤ .

( ٢ ) سبأ : ١٤ .

١٠٦

الآية ، و ذلك لأنّ الإنس كانوا يقولون : إنّ الجن يعلمون الغيب . فلمّا سقط سليمان على وجهه ، علم الإنس أن لو علم الجنّ الغيب لم يعملوا سنة لسليمان و هو ميّت و يتوهمونه حيّا . قال : فالجنّ تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان . قال : فلمّا هلك سليمان وضع إبليس السّحر ، و كتبه في كتاب ثمّ طواه،

و كتب على ظهره : « هذا ما وضعه آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز الملك و العلم ، من أراد كذا و كذا فليفعل كذا و كذا » ثمّ دفنه تحت السرير ثمّ استثاره لهم ، فقال الكافرون : ما كان يغلبنا سليمان إلاّ بهذا . و قال المؤمنون : ما هو إلاّ عبد اللّه و نبيّه ١ . فقال جلّ ذكره : و اتّبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان و ما كفر سليمان و لكنّ الشياطين كفروا يعلّمون الناس السّحر . . . ٢ .

هذا ، و قال البحتري في سليمان بن وهب :

هذا سليمان بن وهب بعد ما

طالت مساعيه النجوم سموكا

و تنصّف الدّنيا يدبّر أهلها

سبعين حولا قد تممن دكيكا

أغرت به الأقدار بغت ملمّة

ما كان رسم حديثها مأفوكا

فكأنّما خضد الحمام بيومه

غصنا بمنخرق الرياح نهيكا

« و إنّ لكم في القرون السالفة لعبرة » قال تعالى في فرعون : فأخذه اللّه نكال الآخرة و الأولى . إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى ٣ .

و روى ( أمالي الصّدوق ) عن الصادق عليه السّلام قال : إنّ داود عليه السّلام خرج ذات يوم يقرأ الزبور ، و كان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل و لا حجر و لا طائر و لا سبع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٩ ، و معناه في تفسيره ١ : ٥٤ .

( ٢ ) البقرة : ١٠٢ .

( ٣ ) النازعات : ٢٥ ٢٦ .

١٠٧

إلاّ جاوبه ، فمازال يمرّ حتّى انتهى إلى جبل ، فإذا على ذلك الجبل نبيّ عابد يقال له حزقيل ، فلمّا سمع دويّ الجبال و أصوات السباع و الطير علم أنّ داود عليه السّلام فقال داود : يا حزقيل أ تأذن لي فأصعد إليك ؟ قال : لا . فبكى داود عليه السّلام . فأوحى اللّه إليه : يا حزقيل لا تعيّر داود ، و سلني العافية . فقام حزقيل فأخذ بيد داود عليه السّلام فرفعه إليه ، فقال داود : يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط ؟ قال : لا .

فقال : فهل دخلت العجب ممّا أنت فيه من عبادة اللّه تعالى ؟ قال : لا . قال : فهل ركنت إلى الدّنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها و لذّتها ؟ قال : بلى ، ربّما عرض بقلبي . قال : فماذا تصنع إذا كان ذلك ؟ قال : أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه .

قال : فدخل داود النبيّ عليه السّلام الشعب ، فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية و عظام فانية ، و إذا لوح من حديد فيه كتابة ، فقرأها داود عليه السّلام فإذا هي : أنا أروى بن أسلم ملكت ألف سنة ، و بنيت ألف مدينة ، و افتضضت ألف بكر ، فإذا كان آخر عمري أن صار التراب فراشي ، و الحجارة و سادتي ، و الديدان و الحيّات جيراني ، فمن رآني فلا يغترّ بالدّنيا ١ .

« أين العمالقة و أبناء العمالقة » قال الجوهري : العمالقة قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام ، و هم أمم تفرّقوا في البلاد ٢ .

و في ( الأغاني ) : إنّ عمليقا ملك طسم و جديس ابني لاوذبن إرم بن سام بن نوح ، و كان في أوّل ملكه قد تمادى في الظلم و الغشم ، و أنّ امرأة من جديس طلّقها زوجها ، و أراد أخذ ولدها منها ، فخاصمته إلى عمليق . . . فأمر عمليق بأن تباع هي و زوجها ، و أمر بالغلام بأن ينزع منهما ، و يجعل في غلمانه ، فقالت :

أتينا أخا طسم ليحكم بيننا

فأنفذ حكما في هزيلة ظالما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٨٨ ح ٨ المجلس ( ٢١ ) ، و كمال الدين : ٥٢٤ ح ٦ ، و تفسير القمي ٢ : ٢٣١.

( ٢ ) صحاح اللغة ٤ : ١٥٣٣ مادة ( عملق ) .

١٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

لعمري لقد حكّمت لا متورّعا

و لا كنت في ما يبرم الحكم عالما

فلمّا سمع عمليق قولها ، أمر أن لا تزوّج بكر من جديس ، فتهدى إلى زوجها ، حتّى يفترعها هو قبل زوجها ، فلقوا من ذلك بلاء و جهدا و ذلاّ ، فلم يزل يفعل ذلك حتّى زوّجت الشموس و هي عفيرة أخت الأسود الّذي وقع إلى جبل طيّ ، فقتله طيّ و سكنوا الجبل من بعده فانطلقوا بها إليه فافترعها ،

فخرجت إلى قومها في دمائها شاقّة درعها من قبل و من دبر و الدم يسيل ،

و هي في أقبح منظر و هي تقول :

لا أحد أذلّ من جديس

أهكذا يفعل بالعروس

و قالت تحرّض قومها :

أ يجمل ما يؤتى إلى فتياتكم

و أنتم رجال فيكم عدد النمل

و لو أنّنا كنّا رجالا و كنتم

نساء لكنّا لا نقرّ بذا الفعل

و إن أنتم لم تغضبوا بعد هذه

فكونوا نساء لا تعاب من الكحل

و دونكم طيب العروس فإنّما

خلقتم لأثواب العروس و للغسل

فلمّا سمع أخوها ذلك ، و كان سيّدا مطاعا قال لقومه : يا معشر جديس إنّ هؤلاء ليسوا بأعزّ منكم في داركم إلاّ بما كان من ملك صاحبهم علينا ،

و لو لا إدهاننا ما كان له فضل علينا . قالوا : نطيعك ، و لكنّ القوم أكثر . قال : فإنّي أصنع للملك طعاما ثمّ أدعوهم جميعا ، فإذا جاؤوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفهم ، و هم غارّون فأهمدناهم بها . قالوا : نفعل . ففعل ذلك فلما مدّوا أيديهم إلى الطعام أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم ، فشدّ الأسود على عمليق فقتله ،

و شدّ كلّ رجل منهم على جليسه فما توهم ، فلمّا فرغوا من الأشراف شدّوا على السّفلة ، فلم يدعوا أحدا منهم . ثمّ إنّ بقيّة طسم لجؤوا إلى حسّان بن تبّع ،

فغزا جديسا فقتلها و أخرب بلادها ، فهرب الأسود قاتل عمليق ، فأقام بجبل

١٠٩

طيّ قبل نزول طيّ إياه .

« أين الفراعنة و أبناء الفراعنة » قال الجوهري : فرعون لقب الوليد بن مصعب ملك مصر ، و كلّ عات متمرّد فرعون ، و العتادة الفراعنة ١ .

و قال عدي بن زيد العبادي :

أين كسرى خير الملوك أنوشروان

أم أين قبله سابور

لم يهبه ريب المنون فولّى

الملك عنه فبابه مهجور

حين ولّوا كأنّهم ورق جفّ

تذري به الصبا و الدبور

و بنو الأصفر الكرام ملوك الرّوم

، لم يبق منهم مذكور

و في ( المروج ) بعد ذكر ملوك مصر الأوّلين : و كثر ولد بيصر بن حام بأرض مصر ، فتشعّبوا و ملّكوا النساء ، فطمعت فيهم ملوك الأرض ، فسار إليهم من الشام ملك من ملوك العماليق يقال له : الوليد بن دومع ، فكانت له حروب بها و غلب على الملك ، فانقادوا إليه و استقام له الأمر إلى أن هلك ، ثمّ ملك بعده الرّيان بن الوليد العملاقي ، و هو فرعون يوسف ، و قد ذكر اللّه تعالى خبره مع يوسف و ما كان من أمرهما في كتابه العزيز ، ثمّ قال : ثمّ ملك بعده دارم بن الريان العملاقي ، ثمّ ملك بعده كامس بن معدان العملاقي ، ثمّ ملك بعده الوليد بن مصعب ، و هو فرعون موسى عليه السّلام و قد تنوزع فيه : فمن الناس من رأى أنّه من العماليق ، و منهم من رأى أنّه من لخم من بلاد الشام ، و منهم من رأى أنّه من الأقباط من ولد مصر بن بيصر . . . و لمّا غرق فرعون و من كان معه من الجنود ، و خشي من بقي بأرض مصر من الذراري و النساء و العبيد أن يغزوهم ملوك الشام و المغرب ، فملّكوا عليهم امرأة ذات رأي و حزم يقال لها : دلوكة ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢١٧٧ مادة ( فرعن ) .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٣٩٧ .

١١٠

و الّذي اتفقت عليه التواريخ مع تباين ما فيها أنّ عدّة ملوك مصر من الفراعنة و غيرها اثنان و ثلاثون فرعونا ، و من ملوك بابل ممّن تملك على مصر خمسة ، و من ملوك بابل و هم العماليق الّذين طرؤوا اليها من بلاد الشام أربعة ،

و من الروم سبعة ، و من اليونانيين عشرة ، و ذلك قبل ظهور السّيّد المسيح عليه السّلام ، و ملكها أناس من الفرس من قبل الأكاسرة ، و كان مدّة من ملك مصر من الفراعنة و الفرس و الروم و العماليق و اليونانيين ألف سنة و ثلاثمائة سنة ١ .

قال تعالى : و فرعون ذي الأوتاد . الّذين طغوا في البلاد . فأكثروا فيها الفساد . فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب . إنّ ربّك لبالمرصاد ٢ ، و قال تعالى لبني إسرائيل : و إذا نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم و يستحيون نساءكم و في ذلكم بلاء من ربّكم عظيم ٣ .

« أين أصحاب مدائن الرسّ » في ( الصحاح ) : الرسّ : اسم بئر كانت لبقيّة من ثمود ٤ . و يأتي وجه آخر في الخبر ٥ ، قال تعالى : كذّبت قبلهم قوم نوح و أصحاب الرّس و ثمود . و عاد و فرعون و إخوان لوط . و أصحاب الأيكة و قوم تبّع كلّ كذّب الرّسل فحقّ وعيد ٦ ، و عادا و ثمود و أصحاب الرّس و قرونا بين ذلك كثيرا و كلاّ ضربنا له الأمثال و كلاّ تبّرنا تتبيرا ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٤٠٦ .

( ٢ ) الفجر : ١٠ ١٤ .

( ٣ ) البقرة : ٤٩ .

( ٤ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٣١ مادة ( رسس ) .

( ٥ ) يأتي في تكملة هذا العنوان .

( ٦ ) ق : ١٢ ١٤ .

( ٧ ) الفرقان : ٣٨ ٣٩ .

١١١

و روى ( العيون و العلل ) : أنّ أصحاب الرس كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها ( شاه درخت ) كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها ( روشاب ) كانت استنبطت لنوح بعد الطوفان و إنّما سمّوا أصحاب الرسّ لأنّهم رسّوا نبيّهم في الأرض و ذلك بعد سليمان ، و كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطى‏ء نهر يقال له ( الرسّ ) من بلاد المشرق ، و بهم سمّي ذلك النهر ، و لم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه و لا أعذب منه ، و لا قرى أكثر و لا أعمر منها ، تسمّى إحداهنّ ( أبان ) و الثانية ( آذر ) و الثالثة ( دي ) و الرابعة ( بهمن ) و الخامسة ( اسفندار ) و السادسة ( فروردين ) و السابعة ( ارديبهشت ) و الثامنة ( خرداد ) و التاسعة ( مرداد ) و العاشرة ( تير ) و الحادية عشرة ( مهر ) و الثانية عشرة ( شهريور ) ، و كانت أعظم مدنهم ( اسفندار ) ، و هي التي كان ينزلها ملكهم ، و كان يسمّى تركوذ بن عابور بن يارش بن ساذن بن نمرود بن كنعان و نمرود فرعون إبراهيم و بها العين و الصنوبرة ، و قد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة ، و أجروا إليها نهرا من العين التي عنده الصنوبرة ، فنبتت الحبّة و صارت شجرة عظيمة ، و حرّموا ماء العين و الأنهار ، فلا يشربون منها و لا أنعامهم ، و من فعل ذلك قتلوه ، و يقولون : هو حياة آلهتنا ، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها . و يشربون هم و أنعامهم من نهر الرّس الّذي عليه قراهم .

و قد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيدا يجتمع إليه أهلها ،

فيضربون على الشجرة التي بها كلّة من حرير فيها من أنواع الصور ، ثمّ يأتون بشاة و بقر ، فيذبحونها قربانا للشجرة ، و يشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطع دخان تلك الذبائح و قتارها في الهواء ، و حال بينهم و بين النظر إلى السماء خرّوا للشجرة سجّدا يبكون و يتضرّعون إليها أن ترضى

١١٢

عنهم ، فكان الشيطان يجي‏ء فيحرّك أغصانها ، و يصيح من ساقها صياح الصبي : أن قد رضيت عنكم عبادي ، فطيبوا نفسا ، و قرّوا عينا . فيرفعون عند ذلك رؤوسهم و يشربون الخمر ، و يضربون بالمعازف ، و يأخذون الدستنبد ،

فيكونون على ذلك يومهم و ليلتهم ثمّ ينصرفون .

و إنّما سمّت العجم شهورهم ( آبانماه ) و ( آذر ماه ) و غيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى ، لقول بعضهم لبعض : هذا عيد شهر كذا ، و عيد شهر كذا .

حتّى إذا كان عيد قريتهم اجتمع إليها صغيرهم و كبيرهم فضربوا عند الصنوبرة و العين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور ، و جعلوا له إثنتي عشرة بابا كلّ باب لأهل قرية منهم ، و يسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ، و يقرّبون لها الذبائح أضعاف ما قرّبوا للشجرة التي في قراهم ،

فيجي‏ء إبليس عند ذلك ، فيحرّك الصنوبرة تحريكا شديدا ، و يتكلّم من جوفها كلاما جهوريا ، و يعدهم و يمنّيهم بأكثر ممّا و عدتهم و منّتهم الشياطين كلّها ،

فيرفعون رؤوسهم من السجود ، و بهم من الفرح و النشاط ما لا يفيقون و لا يتكلّمون من الشرب و العزف ، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما و لياليهم بعدد أعيادهم سائر السنة ، ثمّ ينصرفون .

فلمّا طال كفرهم باللّه تعالى بعث اللّه تعالى إليهم نبيّا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب ، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة اللّه تعالى فلا يتّبعونه ، فلمّا رأى شدّة تماديهم في الغيّ و الضلال ، و تركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد ، و حضر عيد قريتهم العظمى ، قال : يا ربّ إنّ عبادك أبوا إلاّ تكذيبي و الكفر بك ، و غدوا يعبدون شجرة لا تنفع و لا تضرّ ، فأيبس شجرهم أجمع ، و أرهم قدرتك و سلطانك . فأصبح القوم و قد يبس شجرهم ،

فهالهم ذلك و صاروا فرقتين : فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الّذي زعم أنّه

١١٣

رسول ربّ السماء و الأرض إليكم ، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه .

و فرقة قالت : بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ، و يدعوكم إلى عبادة غيرها ، فحجبت حسنها و بهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه .

فأجمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرانج ،

و نزحوا ما فيها من الماء ، ثمّ حفروا في قرارها بئرا ضيّقة المدخل عميقة ،

و أرسوا فيها نبيّهم ، و ألقموا فاهها صخرة عظيمة ، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، و قالوا : الآن نرجو أن ترضى عنّا آلهتنا إذا رأت أنّا قتلنا من كان يقع فيها و يصدّ عن عبادتها ، و دفنّاه تحت كبيرها يتشفى منه ، فيعود لنا نورها و نضرتها كما كان . فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيّهم و هو يقول : يا سيّدي قد ترى ضيق مكاني ، و شدّة كربي ، فارحم ضعف ركني ، و قلّة حيلتي ،

و عجّل قبض روحي ، و لا تؤخّر إجابة دعوتي . حتّى مات .

فقال جلّ جلاله لجبريل : أيظنّ عبادي هؤلاء الّذين غرّهم حلمي ، و آمنوا مكري و عبدوا غيري ، و قتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني ؟ كيف و أنا المنتقم ممّن عصاني و لم يخش عقابي ، و إنّي حلفت بعزّتي و جلالي لأجعلنّهم عبرة للعالمين .

فلم يرعهم و هم في عيدهم ذلك إلاّ بريح عاصف شديدة الحمرة ،

فتحيّروا و ذعروا منها و تصامّ بعضهم إلى بعض ، ثمّ صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقّد ، و أظلّتهم سحابة سوداء ، فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار ١ .

و في ( معاني الأخبار ) : معنى أصحاب الرسّ أنّهم نسبوا إلى نهر يقال له

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٦٣ ح ١ ، و علل الشرائع : ٤٠ ح ١ ، و النقل بتصرف .

١١٤

الرّس من بلاد المشرق ، و قد قيل : إنّ الرّس هو البئر ، و أنّ أصحابه رسّوا نبيّهم بعد سليمان بن داود عليه السّلام و كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، كان غرسها يافث بن نوح فأنبتت لنوح بعد الطوفان ، و كان نساؤهم يشتغلن بالنساء عن الرجال ، فعذّبهم اللّه عزّ و جلّ بريح عاصف شديدة الحمرة ، و جعل الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقّد ، و أظلّتهم سحابة سوداء مظلمة ، فانكفّت عليهم كالقبة جمرة تلتهب ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار ١ .

و في ( عقاب الأعمال ) عن الصادق عليه السّلام : سألته امرأة عن السحق ، فقال :

حدّها حدّ الزاني . فقيل : ما ذكر اللّه عزّ و جلّ ذلك في القرآن . قال : بلى . قالت :

و أين هو ؟ قال : هو أصحاب الرسّ ٢ .

و عن ( تفسير الثعلبي ) : اختلف في أصحاب الرّس ، فقال سعيد بن جبير و الكلبي و الخليل بن أحمد : دخل كلام بعضهم في بعض ، و كلّ أخبر بطائفة من حديث أصحاب الرّسّ أنّ أصحاب الرّس بقيّة ثمود قوم صالح ، و هم أصحاب البئر التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه في قوله تعالى : . . . و بئر معطّلة و قصر مشيد ٣ ، و كانوا بفلج اليمامة نزولا على تلك البئر ، و كلّ ركيّة لم تطو بالحجارة و الآجرّ فهي رسّ ، و كان لهم نبيّ يقال له : حنظلة بن صفوان ، و كان بأرضهم جبل يقال له : فتج مصعدا في السماء ميلا ، و كانت العنقاء تبيت به ،

و هي كأعظم ما يكون من الطير و فيها من كلّ لون ، و سمّوها العنقاء لطول عنقها ، و كانت في ذلك الجبل تنقضّ على الطير فتأكلها ، فجاعت ذات يوم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معاني الأخبار للصدوق : ٤٨ .

( ٢ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٣١٨ ح ١٤ ، و الفقيه ٤ : ٣١ ح ٢٠٢ ح ١ ، و الكافي للكليني ٧ : ٢٠٢ ح ١ ، و المحاسن البرقي : ١١٤ ح ١١٤ ، و التهذيب للطوسي ١٠ : ٥٨ ح ٣ .

( ٣ ) الحج : ٤٥ .

١١٥

و أعوزها الطير فانقضّت على صبيّ فذهبت به ، فسمّيت عنقاء مغرب لأنّها تغرب بما تأخذه ، ثمّ انقضّت على جارية حين ترعرعت ، فأخذتها فضمّتها إلى جناحين صغيرين لها سوى الجناحين الكبيرين ، فشكوا ذلك إلى نبيّهم . . .

فأهلكهم اللّه تعالى .

و قال بعض العلماء : بلغني أنّه كان رسّان ، أمّا أحدهما فكان أهله أهل بدو و عمود و أصحاب غنم و مواش ، فبعث اللّه تعالى إليهم نبيّا فقتلوه ، ثمّ بعث إليهم رسول آخر ، و عضده بوليّ فقتلوا الرسول ، و جاهدهم الوليّ حتّى أفحمهم ، و كانوا يقولون : إلهنا في البحر . و كانوا على شفيره ، و كان يخرج إليهم من البحر شيطان في كلّ شهر خرجة ، فيذبحون عنده و يتّخذونه عيدا ،

فقال لهم الوليّ : أرأيتم إن خرج إلهكم الّذي تدعونه و تعبدونه إليّ و أطاعني أتجيبونني إلى ما دعوتكم إليه ؟ قالوا : بلى . فأعطوه على ذلك العهود و المواثيق ، فانتظر حتّى خرج ذلك الشيطان على صورة حوت راكبا أربعة أحوات ، و له عنق مستعلية على رأسه مثل التاج ، فلمّا نظروا إليه خرّوا له سجّدا ، فخرج الوليّ إليه و قال له : ائتني طوعا أو كرها باسم اللّه الكريم . فنزل عند ذلك من على إخوته . فقال له الولي : ائتني راكبا عليهنّ لئلاّ يكون القوم من أمرهم على شكّ . فأتى الحوت و أتت به الحيتان حتى أفضوا به إلى البريّة يجرونه و يجرهن . فلمّا رأوا ذلك سخروا به و كذّبوه و نقضوا العهود ، فبعث اللّه إليهم ريحا فألقتهم في البحر و مواشيهم جميعا ، و ما كانوا يملكون من ذهب و فضّة و آنية . فأتى الوليّ الصالح إلى البحر و أخذ الذّهب و الفضّة و الأواني ، فقسّمها على أصحابه بالسوية الصغير و الكبير ، و انقطع ذلك النسل .

و أمّا الآخر فإنّهم قوم كان لهم نهر يدعى الرسّ ينسبون إليه ، و كان

١١٦

فيهم أنبياء كثيرة لا يقوم فيهم نبي إلاّ قتلوه ، و ذلك النهر بمنقطع آذربيجان ،

فإذا قطعته مدبرا دخلت في حدّ أرمينية ، و إذا قطعته مقبلا دخلت في حدّ آذربيجان ، و كان من حولهم من أهل أرمينية يعبدون الأوثان ، و من قدّامهم من آذربيجان يعبدون النيران ، و هم كانوا يعبدون الجواري العذارى ، فإذا تمّت لإحداهنّ ثلاثون سنة قتلوها و استبدلوا غيرها ، و كان عرض نهرهم ثلاثة فراسخ ، و كان يرتفع في كلّ يوم و ليلة حتّى يبلغ أنصاف الجبال التي حوله ، و كان لا ينصبّ في بحر و لا برّ ، فإذا خرج من حدّهم يقف و يدور ثمّ يرجع إليهم ، فبعث اللّه تعالى إليهم ثلاثين نبيّا في شهر واحد فقتلوهم جميعا .

فبعث اللّه تعالى إليهم نبيّا و أيّده بنصره ، و بعث معه و ليّا فجاهدهم . . . ١ « الذين قتلوا النبيّين » قال تعالى حكاية عن اليهود : . . . قالوا نؤمن بما أنزل علينا و يكفرون بما وراءه و هو الحقّ مصدّقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين ٢ ، . . . أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذّبتم و فريقا تقتلون ٣ .

و في ( لهوف عليّ بن طاووس ) : أنّه لمّا أراد الحسين عليه السّلام الشخوص من مكّة إلى العراق جاء ابن عمر ، فأشار عليه بصلح أهل الضلال و حذّره من القتل و القتال ، فقال عليه السّلام له : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أنّ من هو ان الدّنيا على اللّه أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ من بغيا بني إسرائيل ؟ أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّا ،

ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجّل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عرائس المجالس للثعالبي : ١٤٩ ، و لا في تفسيره للقرآن المسمّى بالكشف و البيان .

( ٢ ) البقرة : ٩١ .

( ٣ ) البقرة : ٨٧ .

١١٧

اللّه عليهم ، بل امهلهم و أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام ، اتق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدعن نصرتي ١ .

« و أطفؤوا » من قولهم : اطفى‏ء المصباح .

« سنن المرسلين » التي كانت في إراءة الناس لسبل اللّه كالسراج .

« و أحيوا سنن الجبّارين » الّذين لا يراعون شريعة ، و يأتون بكلّ فجيعة .

هذا ، و في ( المروج ) : أنّه كان المعتضد إذا غضب على القائد النبيل و الّذي يختصّه من غلمانه ، أمر أن تحفر له حفيرة بحضرته ، ثمّ يدلى رأسه فيها و يطرح التراب عليه ، و نصفه الأسفل ظاهر على التراب ، و يداس التراب فلا يزال كذلك حتى تخرج روحه من دبره . و ذكر من عذابه أنّه كان يأخذ الرجل فيكتّف و يقيّد ، فيؤخذ القطن فيحشى في أذنه و خيشومه و فمه ، و توضع المنافخ في دبره حتّى ينتفخ و يعظم جسمه ، ثمّ يسدّ الدبر بشي‏ء من القطن ، ثمّ يفصد و قد صار كالجمل العظيم من العرقين اللّذين فوق الحاجبين ، فتخرج النفس من ذلك الموضع . و ربّما كان يقام الرجل في أعلى القصر مجردا موثقا ،

و يرمى بالنشاب حتّى يموت . و اتخذ المطامير و جعل فيها صنوف العذاب ،

و جعل عليها نجاح الحرمي المتولّي لعذاب الناس ٢ .

« و أين الّذين ساروا بالجيوش و هزموا الألوف و عسكروا العساكر » من الملوك و الأمراء ، في ( كامل الجزري ) : توفّي السلطان محمّد بن محمود بن محمّد بن ملكشاه السلجوقي في سنة ( ٥٥٤ ) و هو الذي حاصر بغداد طالبا السلطنة ، و عاد عنها فأصابه سلّ و طال به ، فمات بباب همذان ، و كان مولده في ربيع الآخر سنة ( ٥٢٢ ) فلما حضره الموت أمر العساكر ، فركبت و أحضر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) اللهوف لابن طاووس : ١٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١٤٤ .

١١٨

أمواله و جواهره و حظاياه و مماليكه ، فنظر إلى الجميع من طيّارة تشرف على ما تحتها ، فلمّا رآه بكى و قال : هذه العساكر و الأموال و المماليك و السراري ما أرى يدفعون عنّي مقدار ذرّة ، و لا يزيدون في أجلي لحظة . و أمر بالجميع ،

فرفع بعد أن فرّق منه شيئا كثيرا ١ .

و في ( المروج ) : كانت سياسة يعقوب بن الليث لمن معه من الجيوش سياسة لم يسمع بمثلها في من سلف من الملوك في الأمم ، و من ذلك أنّه كان بأرض فارس و قد أباح الناس أن يرتعوا ثمّ حدث أمر أراد النقطة ، فنادى مناديه بقطع الدواب عن الرتع ، فرئي رجل من أصحابه أخرج الحشيش من فم دابته مخافة أن تلوكه بعد سماع النداء ، و أقبل على الدابة مخاطبا : « دواب را از تر بريدند » يعني : أقطعوا الدواب عن الرطبة ، و رئي رجل من قوّاده ذو مرتبة ،

و الدرع الحديد على بدنه لا ثوب بينه و بين بشرته ، فقيل له في ذلك ، فقال : نادى منادي الأمير : البسوا السلاح . و كنت أغتسل من جنابة ، فلم يسعني التشاغل بلبس الثياب عن السلاح . توفّي بجند يسابور و خلّف في بيت ماله خمسين ألف ألف درهم و ثمانمائة ألف دينار ٢ .

و فيه : سعي بأبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السّلام إلى المتوكّل ، و قيل له : إنّ في منزله سلاحها و كتبا و غيرها من شيعته . فوجّه إليه ليلا من الأتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله غفلة ممّن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، و عليه مدرعة من شعر ، و لا بساط في البيت إلاّ الرمل و الحصى ، و على رأسه ملحفة من الصوف متوجّها إلى ربّه يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد ، فأخذ على ما وجد عليه ، و حمل إلى المتوكّل في جوف الليل ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ١١ : ٢٥٠ سنة ٥٥٤ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١١٤ ، بتلخيص و تقطيع .

١١٩

فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه و أجلسه إلى جنبه ، و لم يكن في منزله شي‏ء ممّا قيل فيه ، و لا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الّذي في يده ، فقال عليه السّلام : يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي و دمي قطّ ، فاعفني منه . فأعفاه و قال : أنشدني شعرا استحسنه . فقال : إنّي لقليل الرواية للأشعار . قال : لا بدّ أن تنشدني . فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل

و استنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم

فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرّة و التيجان و الحلل

أين الوجوه التي كانت منعّمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

و طالما عمّروا دورا لتحصنهم

ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا

و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا

فخلّفوها على الأعداء و ارتحلوا

أضحت منازلهم قفرا معطّلة

و ساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

قال : فأشفق كلّ من حضر على عليّ عليه السّلام ، و ظنّ أنّ بادرة تبدر منه إليه .

قال : و اللّه لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتّى بلّت دموعه لحيته ، و بكى من حضره . ثمّ أمر برفع الشراب . . . و ردّه إلى منزله من ساعته مكرّما ١ .

« و مدّنوا المدائن » و منها المدائن التي مدّنها كسرى .

هذا ، و في ( القاموس ) : المنصورة بلد بالسند إسلامية ، و بلد بنواحي واسط ، و اسم خوارزم القديمة التي كانت شرقي جيجون ، و بلد قرب القيروان و يقال لها : المنصورية أيضا ، و بلد ببلاد الديلم ، و بلد بين القاهرة و دمياط .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١١ .

١٢٠