بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113128 / تحميل: 6030
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

أكله ، وليس بنجس إنّ مات فيما تولد فيه إجماعاً ، وإذا خرج فكذلك عندنا.

وللشافعي قولان ، وكذا في أكله عنده قولان : أظهرهما : التحريم مع الانفراد(1) .

الخامس : لو وقع الذباب وشبهه في ماءً قليل ومات فيه ، لم ينجسه عندنا ، وللشافعي قولان(2) .

ولو تغير الماء به فكذلك عندنا ، وللشافعي ـ على تقدير عدم النجاسة بالملاقاة ـ وجهان(3) ولو سلبه الاطلاق فمضاف طاهر.

السادس : حيوان الماء المحرم مما له نفس سائلة إذا مات في ماءً قليل نجسه عندنا ، لأنّفعال القليل بالنجاسة ، وبه قال الشافعي(4) .

وقال أبو حنيفة : لا ينجس ، لأنّه يعيش في الماء فلا ينجس بموته فيه ، كالسمك(5) . ويبطل بالفرق.

وما لا نفس له سائلة ـ كالضفدع ـ لا ينجس به الماء القليل ، وبه قال أبو حنيفة(6) ، خلافاً للشافعي(7) .

السابع : الجنين الذي يوجد ميتاً عند ذبح الاُم ـ إذا كان تاماً ـ حلال

__________________

1 ـ الوجيز 1 : 6 ، فتح العزيز 1 : 167 ـ 169 ، المجموع 1 : 131.

2 ـ الاُم 1 : 5 ، المجموع 1 : 129 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المبسوط للسرخسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 1 : 130.

4 ـ الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 131.

5 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، بدائع الصنائع 1 : 79.

7 ـ الاُم 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 163 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19.

٦١

طاهر ، وإن لم تتم خلقته كان حراماً نجساً.

الثامن : المتكون من النجاسات ـ كدود العذرة ـ طاهر ، للعموم ، وكذا الدود المتولد من الميتة ، وفي وجه للشافعي : أنّه نجس(1) .

التاسع : يكره ما مات فيه الوزغ والعقرب ، وقول ابن بابويه : إذا ماتت العضاء‌ة في اللبن حرم(2) ، لرواية عمار(3) ، ضعيف ، ويحمل على الكراهة ، أو على التحريم للتضرر ، لا للنجاسة.

العاشر : لو وقع الصيد المجروح الحلال في الماء فمات ، فإن كانت حياته مستقرة فالماء نجس ، والصيد حرام ، وإن كانت حياته غير مستقرة فالضد منهما ، وإن اشتبه حكم بالأصلين فيهما على إشكال ينشأ من تضادهما ، فالاحوط التحريم فيهما.

الحادي عشر : جلد الميتة نجس بإجماع العلماء ، إلّا الزهري ، والشافعي في وجه ، فإنه طاهر عندهما(4) .

الثاني عشر : عظم الحيوان وقرنه وظفره وسنه لا تحلها الحياة فهي طاهرة ، وبه وقال أبو حنيفة(5) ، وقال الشافعي : إنّها نجسة لنموها(6) .

الثالث عشر : الشعر والصوف والريش من الميتة طاهر ، إلّا من نجس العين على ما تقدم ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ في أحد القولين ـ لأنّها

__________________

1 ـ المجموع 1 : 131.

2 ـ الفقيه 1 : 15 ذيل الحديث 32 ، والمقنع : 11.

3 ـ التي رواها الشيخ كاملة في التهذيب 1 : 285 / 832.

4 ـ المجموع : 217.

5 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، اللباب 1 : 24.

6 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، شرح العناية 1 : 84.

٦٢

لا تحلها الحياة ، وفي الآخر : إنّها نجسة لنمائها(1) .

ولو جز من حيوان ـ لا يؤكل لحمه ـ حي فطاهر عندنا ، خلافاً له(2) ولو جز من مأكول فهو طاهر إجماعا.

ولو نتف منه حياًَ فكذلك عندنا ، وللشافعي وجهان : النجاسة لأنّه ترك طريق إباحته ، وهو الجز فصار كخنق الشاة ، والطهارة لكثرة الالم فهو كالتذكية(3) .

الرابع عشر : ما لا يؤكل لحمه إذا وقعت عليه الذكاة فذكي كان لحمه وجلده طاهرين ، عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : نجسان ، لأنّ التذكية لم تبح اللحم ، فلا تفيده الطهارة(4) .

وقال أبو حنيفة : الجلد طاهر ، وفي اللحم روايتان(5) .

الخامس عشر : البيضة في الميتة طاهرة إنّ اكتست الجلد الفوقاني ، وإلّا فلا ، وقال الشافعي : إنّها نجسة(6) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام (7) .

__________________

1 ـ المجموع 1 : 231 ـ 232 و 236 ، شرح العناية 1 : 84 ، بداية المجتهد 1 : 78.

2 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.

3 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242.

4 ـ المجموع 1 : 245 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.

5 ـ المجموع 1 : 245 ، اللباب 3 : 230 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21.

6 ـ المجموع 1 : 244.

7 ـ المجموع 1 : 245.

٦٣

والمشيمة نجسة.

السادس عشر : في لبن الشاة الميتة روايتان(1) ، أقواهما : التحريم والنجاسة ، لملاقاة النجاسة ، وللشافعي وجهان(2) .

مسألة 20 : الخمر نجسة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن بابويه ، وابن أبي عقيل(3) ، وقول عامة العلماء أيضاً إلّا داود ، وربيعة ، وأحد قولي الشافعي(4) . لقوله تعالى : (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس )(5) والرجس لغة : النجس ، ولأنّ ما حرم على الاطلاق كان نجساً كالدم والبول ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى تغسله »(6) .

وقولهمعليهم‌السلام : « إنّ الله حرم شربها ، ولم يحرم الصلاة فيها »(7) . لا يدل على الطهارة ، واستصحاب حال كونه عصيراً ـ كما قاله داود ـ(8) ضعيف.

__________________

1 ـ فالدالة على الحلية ما في الكافي 6 : 258 / 3 ، الفقيه 3 : 216 / 1006 و 219 / 1011 ، التهذيب 9 : 75 / 320 و 76 / 324 ، الاستبصار 4 : 88 / 328 و 89 / 339 ، الخصال 2 : 434 / 19 وغيرها ، ومن الدالة على التحريم ما روي في التهذيب 9 : 77 / 325 ، الاستبصار 4 : 89 / 340 ، قرب الاسناد : 64 ، وغيرها.

2 ـ المجموع 1 : 244.

3 ـ الفقيه 1 : 160 / 752 ، علل الشرائع : 357 باب 72 ، وحكى المحقق قول ابن ابي عقيل في المعتبر : 117.

4 ـ المجموع 2 : 563 ، فتح العزيز 1 : 156 ، تفسير القرطبي 6 : 288 ، الميزان 1 : 105 ، مغني المحتاج 1 : 77.

5 ـ المائدة : 90.

6 ـ التهذيب 1 : 278 / 817 ، الاستبصار 1 : 189 / 660.

7 ـ الفقيه : 160 / 752 ، علل الشرائع : 357 باب 72 ، قرب الاسناد : 16.

8 ـ المجموع 2 : 563 ، الميزان 1 : 105.

٦٤

فروع :

الأول : كلّ المسكرات كالخمر في التحريم والنجاسة ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « وما عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر »(1) وقول الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مسكر خمر »(2) .

وقال أبو حنيفة : النبيذ طاهر ، وهو أحد قولي الشافعي(3) .

الثاني : العصير إذا غلى حرم حتى يذهب ثلثاه ، وهل ينجس بالغليان أو يقف على الشدة؟ إشكال.

الثالث : الفقاع كالخمر عندنا في التحريم والنجاسة ـ خلافاً للجمهور(4) ـ لقول الرضاعليه‌السلام : « هو خمر مجهول »(5) .

الرابع : الخمر إذا انقلبت خلاً طهر إجماعاً ، ولو لاقته نجاسة ، أو عصره مشرك لم يطهر بالأنّقلاب.

الخامس : بواطن حبات العنقود إذا استحال ما فيها خمراً كان نجساً ، وهو أحد قولي الشافعي(6) .

السادس : المسكرات الجامدة ليست نجسة وإن حرمت ، ولو تجمّد الخمر ، أو ما مازجه لم يخرج عن نجاسته ، وكذا لو سال الجامد بغير

__________________

1 ـ الكافي 6 : 412 / 2 ، التهذيب 9 : 112 / 486.

2 ـ الكافي 6 : 408 / 3 ، التهذيب 9 : 111 / 482.

3 ـ المجموع 1 : 93 و 2 : 564 ، فتح العزيز 1 : 158 ، مغني المحتاج 1 : 77 ، تفسير القرطبي 13 : 51 ، بداية المجتهد 1 : 33.

4 ـ بدائع الصنائع 5 : 117 ، المبسوط للسرخسي 24 : 17 ، المغني 10 : 337 ، رحمة الامة 2 : 170 ، المنتقى للباجي 3 : 150.

5 ـ الكافي 6 : 422 / 1 ، التهذيب 9 : 124 / 539 ، الاستبصار 4 : 95 / 368.

6 ـ المجموع 2 : 564 ، مغني المحتاج 1 : 77.

٦٥

ممازجة لم يخرج عن طهارته.

مسألة 21 : الكلب والخنزير نجسان عيناً ولعاباً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعروة بن الزبير ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وأحمد(1) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات )(2) ، وقول الصادقعليه‌السلام عن الكلب : « رجس نجس »(3) .

وقال أبو حنيفة : الكلب طاهر ، والخنزير نجس ، لعدم وجوب غسل ما عضه الكلب من الصيد(4) ، وهو ممنوع.

وقال الزهري ، ومالك ، وداود : الكلب والخنزير طاهران(5) .

فروع :

الأول : الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقاًً ، واعتبار اسم أحدهما ، والمتولد من أحدهما وما غايرهما يتبع الاسم.

الثاني : كلّ أجزاء الكلب والخنزير وان لم تحلها الحياة نجسة ، خلافاً للمرتضى(6) .

__________________

1 ـ السراج الوهاج : 22 ، المجموع 2 : 567 ـ 568 ، الاشباه والنظائر للسيوطي : 431 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، المحلى 1 : 112 ، الاُم 1 : 5 ، نيل الأوطار 1 : 42.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 234 / 91 و 92 ، سنن أبي داود 1 : 19 / 71 ، مسند أحمد 2 : 427.

3 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.

4 ـ شرح فتح القدير 1 : 82 ، الهداية للمرغيناني 1 : 20 ، الكفاية 1 : 82 ، شرح العناية 1 : 82 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، بدائع الصنائع 1 : 63.

5 ـ المجموع 2 : 567 ـ 568 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، نيل الأوطار 1 : 43 ، الشرح الصغير 1 : 18 ، تفسير القرطبي 13 : 45 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، فتح العزيز 1 : 161 ، بداية المجتهد 1 : 29 ، المدونة الكبرى 1 : 5.

6 ـ الناصريات : 218 المسألة 19.

٦٦

الثالث : كلب الماء طاهر بالأصل ، خلافاً لابن ادريس(1) ، ولا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز بغير قرينة.

الرابع : الأقرب طهارة الثعلب ، والأرنب ، والفأرة ، والوزغة ـ وهو قول المرتضى ، وأحد قولي الشيخ(2) ـ عملاً بالأصل ، والنص الدال على طهارة سؤر ما عدا الكلب والخنزير(3) .

احتج الشيخ بأمر الكاظمعليه‌السلام بغسل أثر ما أصابته الفأرة الرطبة(4) ، وأمر الصادقعليه‌السلام بغسل اليد من مسّ الثعلب والأرنب(5) وهو محمول على الاستحباب.

مسألة 22 : الكافر عندنا نجس لقوله تعالى :( إنّما المشركون نجس ) (6) والحذف على خلاف الأصل ، والوصف بالمصدر جائز لشدة المعنى ، وقوله تعالى :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (7) ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سئل إنا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم؟ : ( لا تأكلوا فيها إلّا ان لا تجدوا غيرها ، فاغسلوها ثم كلوا فيها )(8) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن سؤر اليهودي والنصراني.

__________________

1 ـ السرائر : 208.

2 ـ الناصريات : 216 المسألة 9 ، جمل العلم والعمل : 49 ، الخلاف 1 : 187 مسألة 144.

3 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ـ 647 و 261 / 760 ، الاستبصار 1 : 19 / 40 ـ 41.

4 ـ التهذيب 1 : 261 / 761 ، الكافي 3 : 60 / 3.

5 ـ التهذيب 1 : 262 / 763 ، الكافي 3 : 61 / 4.

6 ـ التوبة : 28.

7 ـ الأنعام : 125.

8 ـ سنن البيهقي 1 : 33 ، مستدرك الحاكم 1 : 143.

٦٧

فقال : « لا »(1) .

فروع :

الأول : لا فرق بين أن يكون الكافر أصلياً أو مرتداً ، ولا بين أن يتدين بملة أو لا ، ولا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وبينة ، وكذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة.

الثاني : حكم الشيخ بنجاسة المجبرة والمجسمة(2) ، وقال ابن ادريس بنجاسة كلّ من لم يعتقد الحق إلّا المستضعف(3) ، لقوله تعالى :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (4) .

والأقرب طهارة غير الناصب لأنّ علياًعليه‌السلام لم يجتنب سؤر من باينه من الصحابة.

الثالث : الناصب ـ وهو من يتظاهر ببغضه أحد من الائمةعليهم‌السلام ـ نجس ، وقد جعله الصادقعليه‌السلام شراً من اليهود والنصارى(5) ، والسر فيه أنهما منعا لطف النبوة وهو خاص ، ومنع هو لطف الامامة وهو عام.

وكذا الخوارج لانكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، والغلاة أيضاً أنجاس لخروجهم عن الإسلام وان انتحلوه.

الرابع : أولاد الكفار حكمهم حكم آبائهم ، وهل يتبع المسبي السابي

__________________

1 ـ الكافي 3 : 11 / 5 ، التهذيب 1 : 223 / 638 ، الاستبصار 1 : 18 / 36.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 14.

3 ـ السرائر : 13.

4 ـ الأنعام : 125.

5 ـ الكافي 3 : 11 / 6 ، التهذيب 1 : 223 / 639 ، الاستبصار 1 : 18 / 37.

٦٨

في الإسلام؟ اشكال.

الخامس : قال ابن بابويه : لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا(1) ، وحكم ابن ادريس بنجاسته لأنّه كافر(2) ، وهو ممنوع ، والأقرب الطهارة.

تذنيب : ظهر مما قررناه أن النجاسات بالاصالة عشرة : البول ، والغائط ، والمني ، والدم ، والميتة ، والخمر ، والفقاع ، والكلب ، والخنزير ، والكافر ، وما عدا ذلك طاهر ، تعرض له النجاسة بملاقاة أحدها رطبا.

* * *

__________________

1 ـ الهداية : 14 ، الفقيه 1 : 8.

2 ـ السرائر : 81 ، 183 ، 241 ، 287.

٦٩
٧٠

الفصل الثاني : في أحكام النجاسات

مسألة 23 : النجاسات غير الدم يجب إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن ، سواء قلّت أو كثرت عند علمائنا أجمع ، إلّا ابن الجنيد(1) ، وبه قال الشافعي(2) ، لقوله تعالى :( وثيابك فطُهر ) (3) وقولهعليه‌السلام : ( تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه )(4) .

وقال ابن الجنيد : إن قلّت عن الدرهم فمعفو ، كالدم(5) . وبه قال أبو حنيفة(6) ، وهو قياس في معارضة النص ، فيرد.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 118.

2 ـ المجموع 3 : 131 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، كفاية الأخيار 1 : 55 ، الوجيز 1 : 8 ، الهداية للمرغيناني 1 : 35.

3 ـ المدثر : 4.

4 ـ سنن الدارقطني 1 : 127 و 128 / 2 و 7 و 9.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 118.

6 ـ اللباب 1 : 52 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، فتح القدير 1 : 177 ، المحلى 1 : 94 ، بدائع الصنائع 1 : 80.

٧١

وقال مالك : لا يجب إزالة النجاسة مطلقاًً ، قلت أو كثرت(1) لقول ابن عباس : ليس على الثوب جنابة(2) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة : النجاسة المغلظة يجب إزالة ما زاد على الدرهم ، والمخففة لا يجب إلّا أن يتفاحش(3) .

واختلف أصحابه في التفاحش ، قال الطحاوي : التفاحش أن يكون ربع الثوب(4) ، وقال بعضهم : ذراع في ذراع(5) ، وقال أبوبكر الرازي : شبر في شبر(6) ، وكل ذلك تخمين.

و أما الدم منها فإن كان حيضاً ، أو استحاضة ، أو نفاساً ، وجب ازالة قليله وكثيره ـ خلافاً لأحمد حيث عفى عن يسيره(7) ـ لقول الصادقعليه‌السلام عن الحائض : « تغسل ما أصاب ثيابها من الدم »(8) ولأنّه مقتضى الدليل.

وألحق به القطب الراوندي دم الكلب والخنزير ـ(9) ، واستبعده ابن ادريس(10) .

ــــــــــــــــــ

1 ـ الكافي في فقه أهل المدينة : 17 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، نيل الأوطار 2 : 119.

2 ـ مصنف عبدالرزاق 1 : 372 / 1450.

3 ـ اللباب 1 : 51 ـ 52 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، شرح فتح القدير 1 : 177 ـ 178.

4 ـ حلية العلماء 2 : 44.

5 ـ بدائع الصنائع 1 : 80 ، شرح فتح القدير 1 : 178 ، حلية العلماء 2 : 44.

6 ـ حلية العلماء 2 : 44.

7 ـ المغني 1 : 59 ، الشرح الكبير 1 : 61.

8 ـ الكافي 3 : 109 / 1 ، التهذيب 1 : 270 / 652 الاستبصار 1 : 186 / 652.

9 ـ حكاه ابن ادريس في السرائر : 35.

10 ـ السرائر : 35.

٧٢

والحق عندي اختيار القطب ، ويلحق به أيضاً دم الكافر ، والضابط دم نجس العين ، لحصول حكم طارئ للدم ، وهو ملاقاته لنجس العين ، وكذا كلّ دم أصابه نجاسة غيره.

وإن كان دم قرح أو جرح سائلا لازما لم تجب إزالته ـ وإن كثر مع نجاسته ، سواء الثوب والبدن في ذلك ـ للمشقة ، ولقولهمعليهم‌السلام عن دم القروح التي لا تزال تدمي : « يصلّي »(1) .

وان كانت الدماء تسيل ، فإن انقطع السيلان اعتبر بالدرهم ، لزوال حرج إزالته.

وإن كان مغايراً لهذين القسمين من المسفوح كدم الفصاد والبثور والذبيحة كان نجساً وتجب إزالته إنّ زاد على الدرهم البغلي إجماعاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « وان كان أكثر من قدر الدرهم ورآه ولم يغسله وصلّى فليعد صلاته »(2) .

وان نقص عنه لم تجب إزالته إجماعاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم »(3) وفي الدرهم قولان لعلمائنا(4) ، أحوطهما : الوجوب.

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 256 / 744 ، الاستبصار 1 : 177 / 615.

2 ـ التهذيب 1 : 255 / 739 ، الاستبصار 1 : 175 / 610.

3 ـ التهذيب 1 : 256 / 742 ، الاستبصار 1 : 176 / 612.

4 ـ ممن ذهب إلى الوجوب السيد المرتضى في الانتصار : 13 ، وابن أبي عقيل على ما حكاه المصنف عنه في مختلف الشيعة : 60 ، وسلار في المراسم : 55.

وإلى عدمه الشيخ في المبسوط 1 : 35 ، والمفيد في المقنعة : 10 ، والصدوق في الهداية : 15 ، وابن البراج في المهذب 1 : 51.

٧٣

فروع :

الأول : قسم الشافعي النجاسة إلى دم وغيره ، والأول : إن كان من ذي النفس السائلة ففي قول عنه : أنّه غير معفو عنه مطلقاً. وفي القديم : يعفى عما دون الكف ، وفي ثالث : يعفى عن قليله ، وهو ما لم يتفاحش.

وإن كان من غير ذي النفس فهو نجس يعفى عما قل ، دون المتفاحش ، وغير الدم لا يعفى عن قليله ولا كثيره(1) .

الثاني : الدرهم البغلي هو المضروب من درهم وثلث ، منسوب إلى قرية بالجامعين(2) ، وابن أبي عقيل قدّره بسعة الدينار(3) ، وابن الجنيد بأنملة الإبهام(4) .

الثالث : هذا التقدير في المجتمع ، والأقرب في المتفرق ذلك لو جمع ، فيجب إزالته ، أو ما يحصل معه القصور ، وقال الشيخ : ما لم يتفاحش(5) .

الرابع : لو لاقت نجاسة غير الدم ما عفي عنه منه لم يبق عفو ، سواء لاقت قبل الاتصال بالمحل أو بعده.

مسألة 24 : نجس العين لا يطهر بحال ، إلّا الخمر تتخلل ، والنطفة والعلقة [ والمضغة ](6) والدم في البيضة اذا صارت حيوانا إجماعاً ، ودخان

__________________

1 ـ المهذب للشيرازي 1 : 67 ، المجموع 3 : 133 ـ 135 ، حلية العلماء 2 : 42 ـ 43.

2 ـ الجامعين : هي حلة بني مزيد التي بأرض بابل على الفرات بين بغداد والكوفة. معجم البلدان 2 : 96. وللتوسعة في بحث الدرهم اُنظر : العقد المنير فيما يتعلق بالدراهم والدنانير.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر 119.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 119.

5 ـ النهاية : 52.

6 ـ الزيادة من النسخة « م ».

٧٤

الاعيان النجسة عندنا ـ وهو أحد وجهي الشافعي(1) ـ وما أحالته النار عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(2) ، فإن الاستحالة أبلغ في الإزالة من الغسل ، خلافاً للشافعي(3) ، لأنّها لم تنجس بالاستحالة فلم تطهر بها ، والملازمة ممنوعة.

ولو وقع في القدر ـ وهي تغلي على النار ـ دم ، قال بعض علمائنا : تطهر بالغليان ، لأنّ النار تحيل الدم(4) ، وفيه ضعف ، ولو كان غير الدم لم تطهر إجماعا.

ولو استحال الخنزير ـ وغيره من العينيات ـ ملحاً في المملحة ، أو الزبل الممتزج بالتراب ـ حتى طال عهده ـ ترابا ، قال أبو حنيفة : يطهر ، وللشافعي وجهان(5) ، وعندي في ذلك تردد ، وللشيخ قولان في تراب القبر بعد صيرورة الميت رميماً(6) .

و أما النجس بالملاقاة فعلى أقسام :

الأول : الحصر ، والبواري ، والارض ، والثابت(7) فيها ، والأبنية ، تطهر بتجفيف الشمس خاصة من البول وشبهه ، كالماء النجس ، وإن كان خمراً إذا ذهبت الآثار.

____________

1 ـ المجموع 2 : 579.

2 ـ المجموع 2 : 579 ، بدائع الصنائع 1 : 85.

3 ـ المجموع 2 : 579.

4 ـ الصدوق في المقنع : 12.

5 ـ المجموع 2 : 579 ، السراج الوهاج : 23 ، مغني المحتاج 1 : 81 ، بدائع الصنائع 1 : 85 ، حلية العلماء 1 : 245.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 32 و 93.

7 ـ في نسخة « ش » : والنابت ، والصحيح ظاهراً ما اثبت من نسخة « م ».

٧٥

وقال بعض علمائنا : لا يطهر ، وان جازت الصلاة عليها(1) .

ولو جفّ بغير الشمس أو بقيت عينه لم يطهر إجماعاً ، وللشيخ منع في غير البول(2) .

وما اخترناه قول أبي حنيفة وصاحبيه ، والشافعي في القديم(3) ، لأنّ الأرض والشمس من شأنهما الاحالة ، وهي أبلغ من تأثير الماء ، ولأنّ الشمس تفيد سخونة ، وهي تقتضي تصاعد أجزاء النجاسة ومفارقتها.

وقال مالك والشافعي ـ في الجديد ـ وأحمد وإسحاق : لا يطهر بتجفيف الشمس(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بصب الذنوب(5) ، ولو سلم لم يمنع.

وهل تطهر الأرض من بول الرجل بإلقاء ذنوب عليها ، بحيث يغمرها ، ويستهلك فيه البول ، فتذهب رائحته ولونه؟ قال الشيخ : نعم(6) ، وبه قال الشافعي(7) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بإراقة ذنوب من ماءً على بول

__________________

1 ـ ذهب إليه الشيخ في المبسوط 1 : 93 ، والمحقق في المعتبر : 124 ، وابن حمزة في الوسيلة : 79.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 93.

3 ـ المجموع 2 : 596 ، الاُم 1 : 52 ـ 53 ، النتف 1 : 33 ، البحر الزخار 2 : 25.

4 ـ الاُم 1 : 52 و 53 ، المجموع 2 : 596 ، القواعد في الفقه الاسلامي : 344 ، نيل الأوطار 1 : 52.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 380 ، صحيح مسلم 1 : 236 / 284 ، الموطأ 1 : 65 / 111.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 92.

7 ـ المجموع 2 : 591 ، الاُم 1 : 52 ، الوجيز 1 : 9 ، مغني المحتاج 1 : 85.

٧٦

الأعرابي(1) .

وقال أبو حنيفة : إنّ كانت رخوة ينزل فيها الماء كفاه الصب ، وإن كانت صلبة لم يجد فيها إلّا حفرها ونقل التراب ، لأنّ الماء المزال به النجاسة نجس ، فاذا لم يزل من الأرض كان على وجهها نجساً ، والأقرب أنها تطهر بتجفيف الشمس ، أو بإلقاء الكر ، أو الجاري ، أو المطر عليها(2) .

ولو سلم حديث الأعرابي حمل على الجفاف بالهواء ، فاعيدت الرطوبة لتجف بالشمس ، مع أن بعضهم روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بأخذ التراب الذي أصابه البول فيلقى ، ويصب على مكانه ماء‌اً(3) ، ونحن نقول بذلك.

فروع :

الأول : قال الشيخ : يحكم بطهارة الأرض التي يجري عليها وإليها(4) .

الثاني : قال الشيخ : لو بال اثنان وجب أن يطرح مثل ذلك ، وعلى هذا أبداً(5) .

__________________

1 ـ صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 380 ، سنن الترمذي 1 : 296 / 147 ، سنن الدارمي 1 : 189 ، صحيح مسلم 1 : 236 / 99 ، الموطأ 1 : 64 / 111 ، مسند أحمد 2 : 239 ، سنن ابن ماجة 1 : 176 / 529 و 530.

2 ـ المجموع 2 : 592 ، نيل الأوطار 1 : 52 ، فتح الباري 1 : 259 ، بدائع الصنائع 1 : 89.

3 ـ سنن أبي داود 1 : 103 / 381 ، سنن الدارقطني 1 : 132 / 4.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 93.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 92.

٧٧

الثالث : ليس للذنوب تقدير ، بل ما يقهر البول ويزيل لونه وريحه.

وقال الشافعي : يطرح سبعة أضعاف البول(1) .

الرابع : لو جفت هذه الاشياء بغير الشمس لم تطهر ، فإن رمي عليها ماءً طاهر ، أو نجس ، أو بول ، وجفت بالشمس طهرت باطناً وظاهراً.

وقال الشافعي في القديم : تطهر لو جفت بغير الشمس ـ كالريح ، وطول الزمان ـ ظاهرها ، وفي باطنها قولان(2) .

الخامس : ليس الثوب كالارض ، وهو أظهر وجهي الشافعي(3) ، لأنّ في أجزاء التراب فوة محيلة إلى صفة نفسها ، بخلاف الثوب ، فلا يطهر إلّا بالغسل بالماء.

الثاني : الجسم الصقيل كالمرآة والسيف ، قال المرتضى : يطهر بالمسح إذا أزال العين ، لأنّ المقتضي للنجاسة قد زال فيزول معلوله(4) ، وقال الشيخ : لا يطهر(5) . وهو الأقوى لأنّها حكم شرعي فيقف على مورده.

الثالث : العجين بالماء النجس لايطهر بالخبز ، لقول الصادقعليه‌السلام : « يدفن ولا يباع »(6) وللشيخ قولان(7) : أحدهما : الطهارة ، لقول

__________________

1 ـ الاُم 1 : 52 ، المجموع 2 : 592.

2 ـ اُنظر الاُم 1 : 52 ـ 53.

3 ـ الاُم 1 : 55 ، المجموع 2 : 596.

4 ـ حكاه عنه في الخلاف 1 : 479 مسألة 222 ، والمعتبر : 125.

5 ـ الخلاف 1 : 479 مسألة 222.

6 ـ الاستبصار 1 : 29 / 77 ، التهذيب 1 : 414 / 1306.

7 ـ قال بالطهارة في الاستبصار 1 : 29 ـ 30 حيث رجح في ذيل أخبار الباب القول بالطهارة ، والنهاية : 8. وبالنجاسة في التهذيب 1 : 414 ذيل الحديث 1306 والمبسوط 1 : 13.

٧٨

الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أكلت النار ما فيه »(1) وهو محمول على الاحالة ، إذ بدونها لم تأكل.

واللبن المضروب بماء نجس ، أو ببول يطهر بإحراقه آجراً ، قاله الشيخ(2) ، لأنّ النار أحالت الاجزاء الرطبة.

وقال الشافعي : لا يطهر ، إلّا أن يكاثره الماء فيطهر ظاهره ، أما باطنه فإن تفتت ترابا وكاثره الماء طهر ، ولا يطهر بالاحراق(3) .

الرابع : أسفل القدم والنعل ، وباطن الخف يطهر بالارض مع زوال النجاسة ، وبه قال أبو حنيفة(4) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فإن رأى في نعله أثرا ، أو أذى فليمسحها وليصل فيها )(5) .

وقالعليه‌السلام : ( إذا وطأ أحدكم الاذى بخفيه فإن التراب له طهور )(6) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس » وقد سئل عن وطئ العذرة بالخف ثم مسحت حتى لم ير شيئاً(7) .

ولا يشترط جفاف النجاسة ، ولا أن يكون لها جرم ، خلافاً لابي

__________________

1 ـ الاستبصار 1 : 29 / 75 ، التهذيب 1 : 414 / 1304 ، الفقيه 1 : 11 / 19.

2 ـ الخلاف 1 : 501 مسألة 241.

3 ـ المجموع 2 : 597 ، الاُم 1 : 53 ، فتح العزيز 1 : 251.

4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 82 ، اللباب 1 : 50 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، نيل الأوطار 1 : 54 ، المجموع 2 : 598 ، المحلى 1 : 94.

5 ـ سنن ابي داود 1 : 175 / 650.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 105 / 385 ، مستدرك الحاكم 1 : 166.

7 ـ التهذيب 1 : 274 / 808.

٧٩

حنيفة(1) ، للعموم والاولوية.

مسألة 25 : ما عدا هذه الاشياء على أقسام :

الأول : الثوب يغسل من النجاسة العينية حتى يذهب العين والاثر ، وإن بقيت الرائحة واللون لعسر الإزالة ، وكذا غيره ، والمستحب صبغ أثر الحيض مع المشقة ، بالمشق وشبهه ، ويجب في الغسل أن يورد الماء على النجاسة ويغلبه عليها ، فلو أدخل الثوب أو غيره على الإناء لم يطهر ، ونجس الماء.

وللشافعي قول بعدم الطهارة مع بقاء الرائحة أو اللون وإن عسر زواله(2) ، وهو مردود ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخولة وقد سألته عن دم الحيض يبقى أثره : ( لا بأس به يكفيك ولا يضرك أثره )(3) .

ولو كانت النجاسة حكمية ، وهي التي لا تدرك بالحواس ، كالبول إذا جفّ على الثوب ، ولم يوجد له أثر ، يجب غسلها أيضاً عن الثوب والبدن وغيرهما.

ولا بد في غسل الثوب من العصر ـ وهو أحد قولىّ الشافعي(4) ـ لأنّ الغسالة نجسة ، فلا يطهر مع بقائها فيه ، ولا يكفي صب الماء ، ولا بد من الغسل مرتين.

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 82 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، فتح القدير 1 : 172 ، اللباب 1 : 50 ، المحلى 1 : 94.

2 ـ فتح العزيز 1 : 240 ، مغني المحتاج 1 : 85.

3 ـ سنن ابي داود 1 : 100 / 365 ، مسند أحمد 2 : 364 و 380.

4 ـ السراج الوهاج : 24 ، مغني المحتاج 1 : 85 ، المجموع 2 : 593 ، فتح العزيز 1 : 244.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

و في ( السبائك ) : ديانات العرب كانت متباينة مختلفة ، فصنف منهم قالوا بالدهر ، و صنف أقرّوا بالمبدأ و أنكروا المعاد ، و قالوا : . . . من يحيي العظام و هي رميم ١ ، و صنف عبدوا الأصنام ، و صنف عبدوا الملائكة ،

و صنف عبدوا الجنّ ، و صنف يميل الى اليهودية ، و صنف إلى النصرانية ،

و صنف إلى الصابئة ، و يعتقدون أنّ الكواكب فعّالة بأنفسها ٢ .

و روى ( سنن أبي داود ) : أنّ النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء ،

فكان منها : نكاح اليوم .

و الثاني : كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فستبضعي منه ، و يعتزلها زوجها و لا يمسّها أبدا حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الّذي تستبضع منه ، فإذا تبيّن حملها أصابها زوجها إن أحبّ ، و إنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا النكاح يسمّى نكاح الاستبضاع .

و الثالث : يجتمع الرهط دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلّهم يصيبها ، فإذا حملت و وضعت و مرّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتّى يجتمعوا عندها ، فتقول لهم : قد عرفتم الّذي كان من أمركم ، و قد ولدت و هو ابنك يا فلان ، فتسمّي من أحبّت منهم باسمه ،

فيلحق به ولدها .

و الرابع : يجتمع الناس الكثير لا تمتنع ممّن جاءها ، و هنّ البغايا ، كنّ ينصبن على أبوابهنّ رايات يكن علما لمن أرادهنّ دخل عليهن ، فإذا حملت فوضعت ، جمعوا لها و دعوا لهم القافة ، ثمّ ألحقوا ولدها بالّذي يرون ، فالتاطه ،

و دعي ابنه لا يمتنع من ذلك .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يس : ٧٨ .

( ٢ ) سبائك الذهب للسويدي : ١٠١ ١٠٢ ، و النقل بتلخيص .

١٦١

فلمّا بعث اللّه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم هدم نكاح أهل الجاهلية كلّه إلاّ نكاح أهل الاسلام اليوم ١ .

قلت : و من الثالث كان تكوّن عمرو بن العاص ، و من الرابع تكوّن زياد بن أبيه ، لكن معاوية الحقه بأبيه أبي سفيان عن هواه لا بطريقة الجاهلية عن حكم القافة ، و لا بسنّة الاسلام بكونه للفراش عبيد .

« و في شرّ دار » قال المغيرة ليزد جرد : و أمّا منازلنا فإنّما هي ظهر الأرض ٢ .

« منيخون » أي : مقيمون ، و الأصل في الإناخة : إناخة الإبل على الأرض .

« بين حجارة خشن و حيّات صمّ » و في ( الصحاح ) : الصمّة : الذكر من الحيّات ٣ .

و في ( السير ) : قال رجل : كنت بالبادية ، فرأيت ناسا حول نار فسألت عنهم ، فقالوا : صادوا حيّات فهم يشتوونها ، فأتيتهم فرأيت رجلا منهم قد أخرج حيّة من الجمر ليأكلها ، فامتنعت عليه ، فجعل مدّها ، فما صرفت بصري عنه حتّى صرع ، فمات .

هذا ، و قال ابن قتيبة : جي‏ء إلى المتوكل بأسود من بعض البوادي ، يأكل الأفاعي و هي حيّة ، يتلقّاها بالنهش من جهة رؤوسها ، و يأكل ابن عرس و هو حيّ ، يتلقاه بالأكل من جهة الرأس ٤ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد : قوله عليه السّلام : « بين حجارة خشن و حيّات صمّ » يحتمل المجاز أيضا ، و هو أحسن ، يقال للأعداء : حيّات ، و يقال للعدو : إنّه حجر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سنن أبي داود ٢ : ٢٨١ ح ٢٢٧٢ ، و غيره .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ١٨ سنة ١٤ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٢٨ مادة ( صم ) .

( ٤ ) لم أجده في المعارف و لا عيون الأخبار .

١٦٢

خشن المسّ ، إذا كان ألدّ الخصام ١ .

قلت : المقام ليس بمقام مجاز ، فلا جواز له فضلا عن أحسنيته . ثمّ إطلاق الحيّة و الحجر ليس مختصّا بالعدو كما قال بل يطلقان على الولي أيضا ،

فيطلقان على الرجل الشديد و ليّا أو عدوّا .

« تشربون الكدر » فلم يكن عندهم صاف ، قال الجاحظ في ( بخلائه ) في عنوان شرب العرب : كان للعرب شرب مجدوح ، و هو إذا بلغ العطش منهم المجهود نحروا الإبل و تلقّوا دمائها بالجفان كيلا يضيع من دمائها شي‏ء ، فإذا برد الدم ضربوه بأيديهم ، وجدحوه بالعيدان جدحا ، حتّى ينقطع فيعتزل ماؤه من ثفله ، كما يخلص الزبد بالمخيض و الجبن بالأنفحة ، فيتصافنون ذلك الماء ،

و يبتلعون به حتّى يخرجوا من المفازة . قال : و لهم شرب غضّ و هو عصارة الفرث إذا أصابهم العطش في المفاوز ٢ .

و في ( بلدان الحموي ) : سلاح : ماء لبني كلاب شبكة ملحة لا يشرب منها أحد إلاّ سلح ٣ .

« و تأكلون الجشب » قال الجوهري : طعام جشب و مجشوب ، أي : غليظ و خشن ، و يقال : هو الّذي لا أدم معه ٤ .

سئل اعرابي : ما تأكلون و ما تعافون ؟ قال : نأكل ما دبّ وهبّ إلاّ أمّ حبين . فقال السائل : تهنئي أمّ حبين العافية .

و قال المغيرة الأسيدي ليزدجرد : كنّا نأكل الخنافس و الجعلان

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٢١ .

( ٢ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ٣ : ٢٣٣ ، و المشترك و المفترق : ٢٥٠ .

( ٤ ) صحاح اللغة ١ : ٩٩ مادة ( جشب ) .

١٦٣

و العقارب و الحيّات ١ .

قوله عليه السّلام في رواية الكليني : « تأكلون العلهز و الهبيد » ٢ ، قال الجاحظ :

العلهز : القردان ترضّ و تعجن بالدم ٣ .

و قال أبو عبيدة : الهبيد ، حبّ الحنظل زعموا أنّه يعالج حتّى يمكن أكله ٤ .

و الهبيد : كان طعام عمر في الجاهلية ، فقالوا : ذكر عمر خشونة مطعمه و ملبسه في صباه فقال : لقد رأيتني مرة و أختا لي نرعى على أبوينا ناضحا أي بعير السقي قد ألبستنا أمّنا نقبتها النقبة : قطعة من ثوب قدر السراويل ،

يجعل لها حجزة محيطة من غير نيفق ، و يشدّ حجزة السراويل و زوّدتنا من الهبيد فنخرج بناضحنا ، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي و خرجت أسعى عريانا ، فنرجع إلى أمّنا و قد جعل لنا لفيتة أي : ضربا من الطبيخ كالحساء من ذلك الهبيد فيا خصباه . ذكروا ذلك في غريب حديث عمر ٥ .

و لا بدّ أنّه عليه السّلام عرّض به حيث سألوه عنه و عن أخويه .

و عدّ الجاحظ في ( بخلائه ) في طعام العرب غير العلهز و الهبيد أطعمة أخرى مذمومة منها : الغثّ ، و الدعاع ، و القدّ ، و العسوم ، و منقع البرم ، و القصيد ،

و الحيّات ، و الستشهد لها بأبيات :

كقول الشاعر :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ١٨ سنة ١٤ .

( ٢ ) نقلا عن رسائل الكليني ، كشف المحجة : ١٧٤ .

( ٣ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٩ .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٣ : ٤٣١ مادة ( هبد ) ، و غيره ، لكن لم أجد من نقله عن أبي عبيد .

( ٥ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ٣٣٩ مادة ( هبد ) ، و غيره .

١٦٤

لم يأكل الغث و الدعاع و لم

و قول الشاعر :

و لا أقوات أهلهم العسوم

و قول الشاعر :

من المشتوين القدّ في كلّ شتوة

و قول الشاعر :

و أنتم حلول تشتوون الأفاعيا

١ .

و قال أيضا : القوامة : نحاتة القرون و الأظلاف ، و القرّة : الدقيق المختلط بالشعر ، كان الرجل منهم لا يحلق رأسه إلاّ و على رأسه قبضة من دقيق ،

ليكون صدقة على الضرائك و طهورا له ٢ .

و قال الحموي : كان لقضاعة و لخم و جذام و أهل الشام صنم يقال له :

الأقيصر ، و كانوا يحجّون إليه و يحلقون رؤوسهم عنده ، فكان كلّما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كلّ شعرة قرّة من دقيق و هي قبضة و كانت هوازن تنتابهم في ذلك الإبّان ، فإن أدركه الهوازني قبل أن يلقي القرّة على الشعر ،

قال : أعطنيه يعني الدقيق فإنّي من هوازن ضارع ، و إن فاته أخذ ذلك الشعر بما فيه من القمل و الدقيق فخبزه و أكله . فقال معاوية الجرمي في أبيات :

أ لم تر جرما أنجدت و أبوكم

مع القمل في حفر الأقيصر شارع

٣ هذا ، و في ( شعراء ابن قتيبة ) : قال أبو عبيدة : دخلت على رؤبة بن العجّاج و هو يجيل جرذانا على النار ، فقلت : أتأكلها ؟ قال : نعم ، انّها خير من دجاجكم ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٧ ٣٤٠ .

( ٢ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٩ .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ١ : ٢٣٨ ، و النقل بتقطيع .

١٦٥

إنّها تأكل البرّ و التمر ١ .

« و تسفكون دماءكم » بغير الحقّ .

« و تقتطعون أرحامكم » حتّى كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ، و يئدون بناتهم لئلاّ تصير إلى قبيلة أخرى .

« الأصنام » قال الجزري : قيل : الصنم ما كان له جسم أو صورة ، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن ٢ .

« فيكم منصوبة » لكلّ قبيلة منهم صنم ، و لابن الكلبي كتاب في أصنام العرب ، و في ( سيرة ابن هشام ) : اللاّت بيت لثقيف و يعظّمونه تعظيم الكعبة .

قال ضرار بن الخطاب الفهري :

و فرّت ثقيف إلى لاتها

بمنقلب الخائب الخاسر

٣ و فيه : قال ابن إسحاق : و اتّخذ أهل كلّ دار في دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسّح به حين يركب ، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجّه إلى سفره ، و إذا قدم من سفره تمسّح به ، فكان ذلك أوّل ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ، فلمّا بعث اللّه تعالى رسوله محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالتوحيد قالت قريش : أجعل الإلهة إلها واحدا إنّ هذا لشي‏ء عجاب ٤ .

و قالوا : لمّا ولّت خزاعة أمر البيت ، و كان أوّل من ولي عمرو بن لحي ،

بعث العرب على عبادة التماثيل ، و أكثر من نصب الأصنام حول الكعبة .

و قالوا : كان ودّ لكلب بدومة الجندل ، و سواع لهذيل برها ، و نسر لحمير ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٣٠ .

( ٢ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٥٦ مادة ( صنم ) .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ١ : ٤٢ بفرق يسير .

( ٤ ) سيرة ابن هشام ١ : ٧٨ ، و الآية ٥ من سورة ( ص ) .

١٦٦

و يغوث لهمدان ، و اللاّت لثقيف ، و العزّى لكنانة و قريش و مضر كلّها و بعض بني سليم ، و السعير لعنزة ، و عوص لبكر بن وائل . قال الأعشى :

حلفت بمائرات حول عوص

و أنصاب تركن لدى السعير

و مناة بالمشلّل لغسّان و الأوس و الخزرج ، و كان هبل لقريش خاصة على ظهر الكعبة ، و أساف و نائلة على الصفا و المروة .

و عن ( تهذيب الأزهري ) : الدوّار : صنم كانت العرب تنصبه يجعلون موضعا حوله يدورون به ، و اسم ذلك الصنم و الموضع الدوّار . و منه قول امرى‏ء القيس :

فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه

عذارى دوار في ملاء مذيّل

١ و في ( القاموس ) : الضمار ككتاب : صنم عبده العبّاس بن مرداس و رهطه ٢ ، و رضا : صنم كان لطيّ ، و به سمّي جدّ زيد الخيل : عبد رضا ٣ ،

و سواع : بالضم و الفتح و قرأ به الخليل صنم عبد في زمن نوح عليه السّلام ، فدفنه الطوفان ، فاستشاره إبليس فعبد و صار لهذيل ٤ .

و في ( المعجم ) : لمّا قتلت بنو أسد حجرا ، و خرج ابنه امرؤ القيس في طلب ثأره ، مرّ بتبالة و بها صنم للعرب تعظّمه يقال له : ذو الخلصة ، فاستقسم عنده بقداحه ، و هي ثلاثة : الأمر و الناهي و المتربّص ، فأجالها فخرج الناهي ،

فجمعها و كسرها و ضرب بها وجه الصنم ، و قال : مصصت بظر أمّك ، لو قتل أبوك ما نهيتني ، و قال :

لو كنت يا ذا الخلص الموتورا

مثلي و كان شيخك المقبورا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٢٩٧ مادة ( دور ) .

( ٢ ) القاموس المحيط ٢ : ٧٦ مادة ( ضمر ) .

( ٣ ) القاموس المحيط ٤ : ٣٣٥ مادة ( رضا ) و نص ما جاء فيه : « رضا : بيت صنم لربيعة » .

( ٤ ) القاموس المحيط ٣ : ٤٣ مادة ( سوع ) .

١٦٧

لم تنه عن قتل العداة زورا

ثم خرج فظفر ببني أسد ، و قتل قاتل أبيه و أهل بيته ، و ألبسهم الدروع البيض محماة و كحّلهم بالنار . و يقال : إنّه ما استقسم عند ذي الخلصة بعدها أحد بقدح حتّى جاء الاسلام و هدم .

و قالوا : كان لأهيب بن سماع صنم يقال له : راقب ، و استعان به الحرث المصطلقي في حربه ، فعقر له عقيرة ليستخيره في أمره ، فسمع منه صوتا هائلا ، فصار سبب هدايته ، و له قصّة طويلة .

و في ( أسد الغابة ) كان عمرو بن الجموح الأنصاري سيّدا من سادات بني سلمة ، و كان قد اتّخذ في داره صنما من خشب يقال له : مناف ، يعظّمه و يطهّره ، فلمّا أسلم فتيان بني سلمة ، كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيحملونه ، و يطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، و فيها عذر بني سلمة منكّسا على رأسه ، فإذا أصبح عمرو قال : و يلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثمّ يغدو فيلتمسه ، فإذا وجده غسله و طيّبه ، ثمّ يقول : و اللّه لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزينّه . يفعلون به ذلك كلّ ليلة ، فلمّا ألحّوا عليه جاء بسيفه فعلّقه عليه ، ثمّ قال له : إن كان فيك خير فهذا السيف معك . فلمّا أمسى عدوا عليه و أخذوا السيف من عنقه ، ثمّ أخذوا كلبا ميّتا فقرنوه معه بحبل ثمّ ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر الناس ، و غدا عمرو يبتغيه حتّى وجده مقرونا بكلب فأبصر رشده ، و كلّم من أسلم من قومه ، فأسلم و قال :

تاللّه لو كنت إلها لم تكن

أنت و كلب وسط بئر في قرن

١ و في ( حلية أبي نعيم ) عن أبي رجاء العطاردي : بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله و نحن على ماء لنا ، و كان لنا صنم مدوّر ، فحملناه على قتب ، و انتقلنا من ذلك الماء إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٢ : ٣٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

١٦٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

غيره ، فمررنا برملة ، فانسلّ الحجر فوقع في رمل فغاب فيه ، فلمّا رجعنا إلى الماء فقدنا الحجر ، فرجعنا في طلبه ، فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه . فقلت : إنّ إلها لم يمنع من تراب يغيب فيه لإله سوء ، و إنّ العنز لتمنع حياها بذنبها . فكان ذلك أوّل إسلامي ، فرجعت إلى المدينة ، و قد توفي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ١ .

و قالوا : كان لسعد العشيرة صنم يقال له : فرّاض ، و يقال لسادنه : ابن وقشة ، و كان له رئي يخبره بما يكون ، فأتاه فقال له : « اسمع العجب العجاب ،

بعث أحمد بالكتاب ، بمكّة لا يجاب » .

فحكى ابن وقشة ذلك لرجل من قومه ، فلمّا سمع الرجل بخروج النبيّ صلى اللّه عليه و آله قام الى الصنم فحطّمه ، ثمّ أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأسلم ، و قال :

تبعت رسول اللّه إذ جاء بالهدى

و خلّفت فرّاضا بأرض هوان

شددت عليه شدّة فتركته

كأن لم يكن و الدهر ذو حدثان

و لمّا رأيت اللّه أظهر دينه

أجبت رسول اللّه حين دعاني

فمن مبلغ سعد العشيرة أنّني

شريت الّذي يبقى بآخر فان

٢ و قالوا : كان لبني عذرة صنم يقال له : حمام ، و كان في بني هند بن حزام ، و سادنه رجل منهم يقال له : طارق . فلمّا بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمعوا منه صوتا يقول :

يا بني هند بن حزام ، ظهر الحقّ و أودى حمام ، و دفع الشرك الإسلام ،

ففزعوا .

ثم سمعوا بعد أيّام صوتا يقول : يا طارق بعث النبيّ الصادق بوحي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٥ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ٧٤ ، و النقل بتصرف .

١٦٩

ناطق . صدع صادع بأرض تهامه ، لناصريه السلامه ، و لخاذليه الندامه . هذا الوداع منّي إلى يوم القيامه . ثمّ وقع الصنم لوجهه . فأتى زمل العذري و نفر من قومه إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخبروه بما سمعوا . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ذاك كلام مؤمن من الجنّ . فأسلموا ١ ، و قال زمل :

إليك رسول اللّه أعملت نصّها

أكلّفها حزنا و فوزا من الرمل

و قالوا : كان لجهينة صنم ، فرأى سادنه في النوم من يقول : تقشّعت الظلماء ، و سطع الضياء ، و بعث خاتم الأنبياء . أقبل حقّ فسطع ، و دمغ باطل فانقمع . فكسر الصنم و لحق بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و قال :

شهدت بأنّ اللّه حقّ و أننّي

لآلهة الاحجار أوّل تارك

و شمّرت عن ساق الازار مهاجرا

إليك أجوب الوعث بعد الدكادك

فبعثه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى قومه ، فأسلموا إلاّ رجلا منهم كذّبه ، فقال له : أمرّ اللّه عيش الأكذب منّي و منك ، و أبكم لسانه ، و أكمه إنسانه . فما مات حتّى عمي و افتقر و أبكم ٢ .

و في ( الأسد ) : كان لأحمر بن سواء السدوسي صنم يعبده ، فألقاه في بئر ثمّ أتى النّبي صلى اللّه عليه و آله فبايعه ٣ .

و فيه : كان اسم راشد بن حفص ظالما ، و قيل : غاويا . فسمّاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله راشدا ، و كان سادن صنم بني سليم الّذي يدعى سواعا فكسره ٤ .

و في ( المناقب ) : أنّه لمّا فتح النبيّ صلى اللّه عليه و آله مكّة كان فيها ثلاثمائة و ستون صنما بعضها مشدود ببعض بالرصاص ، فأنفذ أبو سفيان من ليلة مناة إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر . آشوب ١ : ٨٧ ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ٦٨ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) أسد الغابة لابن الأثير ١ : ٥٤ .

( ٤ ) أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٤٩ .

١٧٠

الحبشة ، و منها إلى الهند فهيّؤوا لها دارا من مغناطيس ، فتعلّقت في الهواء إلى أيّام محمود بن سبكتكين ، فلمّا غزاها أخذها و كسرها ، و نقلها إلى اصفهان و جعلت تحت مارّة الطريق ١ .

و في ( كامل الجزري ) في فتح مكّة : و كان على الكعبة ثلاثمائة و ستّون صنما ، و كان بيد النّبي صلى اللّه عليه و آله قضيب ، فكان يشير به إلى الأصنام و هو يقرأ . . . جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ٢ ، فلا يشير إلى صنم منها إلاّ سقط لوجهه ٣ .

و في ( تاريخ بغداد ) للخطيب : عن أبي مريم قال : قال عليّ عليه السّلام : انطلق بي النّبي صلى اللّه عليه و آله إلى الأصنام ، فقال : اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، ثمّ صعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله على منكبي ، ثمّ قال : انهض بي إلى الصنم ، فنهضت به ، فلمّا رأى ضعفي تحته ، قال : اجلس ، فجلست و أنزلته عنّي ، و جلس لي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ قال لي : يا علي اصعد إلى منكبي ، فصعدت على منكبيه ، ثمّ نهض بي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

فلمّا نهض بي خيّل لي أنّي لو شئت نلت السماء ، و صعدت على الكعبة ، و تنحّي النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش ، و كان من نحاس موتّدا بأوتاد من حديد إلى الأرض ، فقال لي النبيّ صلى اللّه عليه و آله : عالجه ، فعالجته ، فما زلت أعالجه و النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : إيه إيه إيه ، فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه ، فقال : دقّه فدقتته ، و كسرته و نزلت ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٠٩ .

( ٢ ) الإسراء : ٨١ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٢٥٢ سنة ٨ .

( ٤ ) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٢ ، و أحمد في مسنده ١ : ٨٤ ، و النسائي في الخصائص : ١١٣ ، و الخوارزمي في مناقبه : ٧١ ، و ابن أخي تبوك في مسنده ( منتخبه ) : ٤٢٩ ح ٥ ، و الجويني في فرائط السمطين ١ :

٢٤٩ ح ١٩٣ ، عن أبي مريم ، و في الباب عن أبي هريرة و جابر بن عبد اللّه ، و جمع بعض طرقه الأخرى الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ : ٢٣ ، و ابن شهر آشوب في مناقبه ٢ : ١٣٥ .

١٧١

و في ( الطبقات ) : لمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله السير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه ، و أمره أن يستمدّ قومه و يوافيه بالطائف ، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين ، و جعل يحش النار في وجهه و يحرقه و يقول :

يا ذا الكفين لست من عبّادكا

ميلادنا أقدم من ميلادكا

إنّي حششت النار في فؤادكا

١ و فيه : لمّا و فد خولان على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أسلموا قال لهم : ما فعل عمّ أنس صنم لهم قالوا : بشرّ و عرّ ، أبدلنا اللّه به ما جئت به ، و لو قد رجعنا إليه هدمناه ، فلمّا رجعوا فلم يحلّوا عقدة حتّى هدموه ٢ .

و في ( انساب البلاذري ) : و من سرايا النبيّ صلى اللّه عليه و آله سرية خالد بن الوليد بعد فتح مكّة لهدم العزّى ببطن نخلة ، و سريّة عمرو بن العاص لهدم سواع برهاط من بلاد هذيل في شهر رمضان سنة ثمان ٣ .

و فيه : و من سرايا النبيّ صلى اللّه عليه و آله سريّة علي عليه السّلام لهدم الفلس صنم طيّ ،

و كان مقلّدا بسيفين أهداهما إليه الحارث بن أبي شمر ، و هما مخذم و رسوب ،

و فيهما يقول علقمة :

مظاهر سربالي حديد عليهما

عقيلا سيوف مخذم و رسوب

فأتى بهما النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ٤ .

هذا و في ( الطبري ) : أنّ جذيمة الأبرش اتّخذ صنمين يقال لهما :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١٣٥ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ٦١ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٣٨١ .

( ٤ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٥٢٢ ، و النقل بتصرف .

١٧٢

الضيزنان ، و مكانهما بالحيرة معروف ، و كان يستسقي بهما ، و يستنصر بهما على العدو ، فغزا أيادا ، فبعثوا قوما ، فسقوا سدنة الصنمين الخمر و سرقوهما ،

فبعثوا إلى جذيمة : إنّ صنميك أصبحا فينا ، زهدا فيك و رغبة فينا ، فإن أوثقت لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك . . . ١ .

و رووا عن هشام الكلبي في قصّة أساف و نائلة : أنّ أسافا كان رجلا من جرهم يقال له : أساف بن يعلى ، و أنّ نائلة كانت بنت زيد من جرهم ، و كان يتعشّقها بأرض اليمن ، فأقبلا حاجّين فدخلا الكعبة ، فوجدا غفلة من الناس و خلوة في البيت ، ففجر بها في البيت فمسخا ، فأصبحوا فوجدوهما مسخين فوضعا عند الكعبة ليتّعظ بهما الناس ، فلمّا طال مكثهما و عبدت الأصنام عبدا معها . فكانوا ينحرون و يذبحون عندهما إلى أن كسرهما النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوم الفتح في ما كسر من الأصنام . . . ٢ و لكن في خبر عن مسعدة أنّهما كانا شابّين صبيحين ، و كان بأحدهما تأنيث ، و كانا يطوفان بالبيت فصادفا من البيت خلوة ، فأراد أحدهما صاحبه ،

ففعل ، فسخهما اللّه تعالى ، فقالت قريش : لو لا أنّ اللّه رضي أن يعبد هذان معه ما حوّلهما عن حالهما ٣ .

« و الاثام بكم معصوبة » أي : مشدودة ، يقال : عصب رأسه بعصابة . كانوا يزنون ، و يشربون ، و يسرقون ، و يقامرون ، قال ابن قتيبة في ( شعرائه ) : إنّه لمّا رحل الأعشى و هو ابن قيس قتيل الجوع إلي النبيّ صلى اللّه عليه و آله في صلح الحديبية ،

فسأله أبو سفيان عن وجهه الّذي يريد ، فقال : أردت محمدا . قال : إنّه يحرم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٤٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) رواه عنه الحموي في معجم البلدان للحموي ١ : ١٧٠ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٦ ح ٢٩ .

١٧٣

عليكم الخمر ، و الزنا ، و القمار . قال : أمّا الزنا فقد تركني و لم أتركه ، و أمّا الخمر فقد قضيت منها و طرا ، و أمّا القمار فلعلّي أصيب منه عوضا . . . ١ .

و قالوا : ان عمرو بن كلثوم ، و زهير بن جناب ، و عامر ملاعب الأسنّة ممّن غضبوا فشربوا خمرهم صرفا حتّى ماتوا .

و قيل لحنظلة بن الشرقي : ما أدنى آثامك ليلة الدير ؟ قال : نزلت بديرانية ،

فأكلت عندها طفشليا أي : مرقا بلحم خنزير ، و شربت من خمرها ، و زنيت بها ، و سرقت كأسها و مضيت .

و جعل عمرو بن لحي الخزاعي فتح باب الكعبة و غلقه إلى أبي غبشان الخزاعي ، فباعه أبو غبشان من قصيّ ببعير و زقّ خمر ، فقال شاعر :

إذا افتخرت خزاعة في قديم

وجدنا فخرها شرب الخمور

و باعت كعبة الرحمن جهرا

بزقّ بئس مفتخر الفخور

و قالوا : كان سبب الفجار الثاني من الفجار الأربعة أنّ فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ ، و عليها برقع ، و هي في درع فضل ، فأعجبهم ما رأوا من هيئتها ، فسألوها أن تسفر عن وجهها ،

فأبت عليهم ، فأتى أحدهم من خلفها ، فشدّ ذيلها بشوكة إلى ظهرها ، و هي لا تدري ، فلمّا قامت تقلص الدرع عن دبرها ، فضحكوا و قالوا : منعتنا النظر إلى وجهها ، فقد رأينا دبرها . فنادت المرأة يا آل عامر فتثاور الناس ، و وقع يوم الفجار الثاني .

و قصة ذات النحيين التي يضرب بها المثل ، و يقال : أشغل من ذات النحيين . معروفة : كانت امرأة من تيم اللّه بن ثعلبة تبيع السمن ، فأتاها خوّات بن جبير الأنصاري ليبتاع منها سمنا ، فلم ير عندها أحدا فطمع فيها و ساومها ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٧٩ .

١٧٤

فحلّت نحيا ، فنظر إليه ، ثمّ قال : أمسكيه حتّى أنظر إلى غيره فأمسكته . و قال :

حلّي نحيا آخر ، ففعلت و نظر إليه ، فقال : أريد غير هذا ، امسكيه شرد بعيري .

ففعلت ، فلمّا شغلت يديها ساورها ، فلم تقدر على دفعه حتّى قضى ما أراد و هرب ، فقال :

شغلت يديها إذ أردت خلاطها

بنحيين من سمن ذوي عجرات

فأخرجته ريّان ينطف رأسه

من الرامل المذموم بالمقرات

ثمّ أسلم و شهد بدرا ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : كيف شراؤك يا خوّات ؟

و تبسّم . فقال : رزق اللّه خيرا ، و أعوذ باللّه من الحور بعد الكور ١ .

و في رواية قال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما فعل بعيرك أشرد عليك ؟ فقال : أمّا منذ عقله الإسلام فلا ٢ .

و خوّات هذا هو الّذي شهد حفر الخندق ، و كان في ذاك الوقت لم يحلّ الإفطار في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء و النوم فنام ليلة و لم يفطر ،

فانتبه و قد حرم عليه الأكل ، و لمّا أصبح و حفر غشي عليه ، فرقّ له النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و أنزل تعالى به : . . . و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . . . ٣ .

و لألفهم و اعتيادهم بالآثام سألت هذيل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يحلّ لهم الزنا ،

فقال حسّان :

سالت هذيل رسول اللّه فاحشة

ضلّت هذيل بما سالت و لم تصب

و سألت بنو عمرو بن عمير من ثقيف و بنو المغيرة من مخزوم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٤٤٥ ، و أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٢٥ و غيرهما .

( ٢ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٤٤٥ ، و أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٢٥ و غيرهما .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٦٦ ، لكن المشهور نزول هذه الآية في قيس بن صرمة الأنصاري ، أخرجه عدة ، جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ١ : ١٩٧ ، ١٩٨ ، و الآية ١٨٧ من سورة البقرة .

١٧٥

النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يحلّ لهم الربا ، فنزلت كما في ( أسباب نزول الواحدي ) آية :

و ذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه و رسوله . . . ١ .

هذا ، و في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام : إنّ ناسا أتوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعدما أسلموا ، فقالوا : يا رسول اللّه أيؤخذ الرجل منّا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه ؟ فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : من حسن إسلامه و صحّ يقين إيمانه لم يأخذه اللّه تعالى بما عمل في الجاهلية ، و من سخف إسلامه ، و لم يصحّ يقين إيمانه أخذه اللّه تعالى بالأوّل و الآخر ٢ .

قلت : و مصداق الأوّل خوّات المتقدّم صاحب ذات النحيين ، و مصداق الثاني المغيرة بن شعبة ، غدر في جاهليته بجمع فقتلهم و أخذ أموالهم ، و صار في إسلامه سببا لتصدي الرجلين الأجنبيين لخلافة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و صار سببا لا ستلحاق معاوية زيادا به ، و استخلافه ابنه السكّير القمّير ، كما أنّ جمعا أسلموا لو كانوا بقوا على شركهم كانوا أهون عذابا ، و هم الّذين عملوا مع أهل بيت نبيّهم ما عملوا . . . و لا يزيد الظالمين إلاّ خسارا ٣ .

٤

الخطبة ( ٨٧ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ وَ اِعْتِزَامٍ مِنَ اَلْفِتَنِ وَ اِنْتِشَارٍ مِنَ اَلْأُمُورِ وَ تَلَظٍّ مِنَ اَلْحُرُوبِ وَ اَلدُّنْيَا كَاسِفَةُ اَلنُّورِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أسباب النزول للواحدي : ٥٨ ، و جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ١ : ٣٦٦ ، و الآيتان ٢٧٨ ٢٧٩ من سورة البقرة .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٦١ ح ١ .

( ٣ ) الإسراء : ٨٢ .

١٧٦

ظَاهِرَةُ اَلْغُرُورِ عَلَى حِينِ اِصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا وَ إِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا وَ اِغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ اَلْهُدَى وَ ظَهَرَتْ أَعْلاَمُ اَلرَّدَى فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا ثَمَرُهَا اَلْفِتْنَةُ وَ طَعَامُهَا اَلْجِيفَةُ وَ شِعَارُهَا اَلْخَوْفُ وَ دِثَارُهَا اَلسَّيْفُ . و في ( ١٥٦ ) من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ وَ اِنْتِقَاضٍ مِنَ اَلْمُبْرَمِ . أقول : رواهما ( الكافي ) في باب : الرّد إلى الكتاب و السنّة من ( كتاب عقله ) مع زيادة هكذا : « يا أيّها الناس إنّ اللّه تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول ،

و أنزل إليه الكتاب بالحقّ ، و أنتم أميّون عن الكتاب و من أنزله ، و عن الرسول و من أرسله ، على حين فترة من الرسل ، و طول هجعة من الامم ، و انبساط من الجهل ، و اعتراض من الفتنة ، و انتقاض من المبرم ، و عمى عن الحقّ ، و اعتساف من الجور ، و امتحان من الدين ، و تلظّ من الحروب . على حين اصفرار من رياض جنّات الدّنيا ، و يبس من أغصانها ، و انتثار من ورقها ، و يأس من ثمرها ،

و اغورار من مائها . قد درست أعلام الهدى ، فظهرت أعلام الردى ، فالدّنيا متجهّمة في وجوه أهلها مكفهرّة ، مدبرة غير مقبلة ، ثمرتها الفتنة ،

و طعامها الجيفة ، و شعارها الخوف ، و دثارها السيف . مزّقتم كلّ ممزّق ، و قد أعمت عيون أهلها ، و أظلمت عليها أيّامها ، قد قطعوا أرحامهم ، و سفكوا دماءهم ، و دفنوا في التراب الموءودة بينهم من أولادهم . يجتاز دونهم طيب العيش ، و رفاهية خفوض الدنيا ، لا يرجون من اللّه ثوابا ، و لا يخافون و اللّه منه عقابا . حيّهم أعمى نجس ، و ميّتهم في النار مبلس . فجاءهم

١٧٧

بنسخة ما في الصحف الأولى . . . ١ .

و عن القمي روايتهما في أوّل ( تفسيره ) ٢ .

و يناسب كلامه عليه السّلام كلام سيّدة النساء صلوات اللّه عليها في خطبتها التي رواها أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغات نسائه ) ، فروى أنّها قالت :

ابتعثه اللّه تعالى إتماما لأمره ، و عزيمة على إمضاء حكمه ، فرأى الامم فرقا في أديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة للّه تعالى مع عرفانها ، فأنار اللّه عزّ و جلّ بمحمّد ظلمها ، و فرّج عن القلوب بهمها ، و جلّى عن الأبصار غممها . . . ٣ .

قوله عليه السّلام فيهما : « أرسله على حين فترة » في ( النهاية ) : الفترة ما بين الرسولين من رسل اللّه تعالى من الزمان الّذي انقطعت فيه الرسالة ، و منه فترة ما بين عيسى و محمّد صلى اللّه عليه و آله ٤ .

في ( أنساب البلاذري ) : كان كعب بن لؤي يخطب الناس في أيّام الحجّ ،

فيقول : أعظموا هذا الحرم ، و تمسّكوا به فسيكون له نبأ ، و يبعث منه خاتم الأنبياء ، بذلك جاء موسى و عيسى . ثمّ ينشد :

على فترة يأتي نبيّ مهيمن

يخبّر أخبارا عليها خبيرها

٥ « من الرسل » و لم يقل من الأنبياء لاتصال الأنبياء ، و هم أوصياء المسيح من المسيح إليه صلى اللّه عليه و آله ، كما مرّ في الفصل المتقدّم ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٦٠ ح ٧ في باب الردّ الى الكتاب و السنة ، لكن هذا الباب في كتاب فضل العلم لا كتاب العقل و الجهل .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٢ .

( ٣ ) بلاغات النساء للبغدادي : ٢٩ .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٠٨ مادة ( فتر ) .

( ٥ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤١ .

( ٦ ) مرّ في الفصل الخامس في العنوان ١ .

١٧٨

« و طول هجعة » قال الجوهري : الجوهري : الهجوع : النوم ليلا ١ .

« من الأمم » و عدم تنبّههم لرشدهم .

قوله عليه السّلام في الثاني : « و انتقاض من المبرم » أي : حلّ الحبلين اللذين فتلا فجعلا واحدا ، و المراد نقض الديانات الإلهية .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « و اعتزام من الفتن » قال : ابن أبي الحديد : كأنّه عليه السّلام جعل الفتن معتزمة ، أي : مريدة مصمّمة للشغب و الهرج . و يروى : « و اعتراض » و يروى : « و اعترام » بالراء المهملة من العرام ، و هي : الشّرّة ٢ .

قلت : الصحيح الأخير بتصديق ( الكافي ) ، و ( تفسير القمّي ) له نسخة واحدة مع أنّ ( الاعتزام ) بالزاي إنّما يتعدى ب ( على ) و ليس بل لم يذكر له مفعول ، ( و الاعترام ) بالراء لم يعلم استعماله مستقلا ، و إنّما يقال : صبي عارم .

« و انتشار من الأمور » و اختلالها ، و اغتشالها لعدم نظام لها .

« و تلظّ » أي : التهاب .

« من الحروب » الّتي كانت كالنار ، قال ابن قتيبة في ( معارفه ) : الأيّام المشهورة في الجاهلية يوم ذي قار : كان بين جيش أبرويز و هاني الشيباني ،

لما استودعه النعمان عياله و مائة درع ، و هرب فظفر بنو شيبان ، و يوم الفجار الأوّل : كاد أن يكون حرب و لم يقع ، و يوم الفجار الثاني : كان بين كنانة و قيس عيلان ، و يوم شويحط : كان بين اليمن و مضر . و كانت لهم في حرب بكر و تغلب ستّة أيّام مشهورة : يوم عنيزة ، و يوم واردات ، و يوم الحنو ، و يوم القصيبات ، و يوم قضة ، و يوم تحلاق اللمم ، و كانت هذه الحرب أربعين سنة ،

و حرب داحس و غبراء بين عبس و ذبيان ، تراهنوا فسبقت ( الغبراء ) فرس

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٣٠٥ مادة ( هجع ) ، و لفظ « ليلا » في بعض النسخ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٥ .

١٧٩

عبس ، فوضعت ذبيان كمينا فردّوها ، فهاجت الحرب بينهما ١ .

و في ( اشتقاق ابن دريد ) أنّه سمّي الحارث بن مالك من بني عجل و صّافا ، لأنّ المنذر الأكبر يوم أوارة قتل بكر بن وائل قتلا ذريعا ، و كان يذبحهم على جبل ، فآلى أن يذبحهم حتّى يبلغ الدم الأرض ، فقال له الوصّاف :

أبيت اللعن ، لو قتلت أهل الأرض هكذا لم يبلغ دمهم الحضيض ، و لكن تأمر بصبُّ الماء على الدم حتّى يبلغ الدم الأرض ٢ .

و فيه : و من رجال بني عكابة و قاء بن الأشعر ، و كان الأشعر سيّدا و هو لسان الحمّرة أحد البلغاء في الجاهلية ، ولد ( وقاء ) في حرب كانت بينهم ، و جاء الإسلام فاشتغلوا به ، فقال أبوه : و قانا اللّه به ، فسمّي وقاء ٣ .

و قد جمع ابن عبد ربّه في ( عقده ) ٤ ، و الجزري في ( كامله ) ٥ أيّام العرب و حروبها مبسوطة .

« و الدنيا كاسفة النور » مظلمة .

« ظاهرة الغرور » فلم يكن لأحد على معتمد .

« على حين اصفرار من ورقها » كالأشجار وقت الخريف .

« و إياس من ثمرها » بعد حصول العيب في أصلها ، حتّى يبس غصنها ،

و انتشر ورقها ، كما مرّ في رواية ( الكافي ) .

« و اغورار » كاحمرار من ( غار الماء ) : ذهب .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٠٣ و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الاشتقاق لابن دريد : ٣٤٥ .

( ٣ ) الاشتقاق لابن دريد : ٣٥٤ و النقل بتصرف .

( ٤ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٢ .

( ٥ ) الكامل لابن الأثير الجزري ١ : ٥٠٢ .

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605