• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106354 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

معبدا لنبيّك . . . » ١ .

« في معادن الكرامة » الظاهر رجوعه إلى ( مستقرّه ) على اللفّ و النشر المرتّب ، قال الحميري :

فاحتلّ دار كرامة في معشر

آووه في سعة المحلّ الأرحب

« و مماهد » جمع ممهد : اسم مكان .

« السلامة » الظاهر رجوع ( مماهد السلامة ) إلى ( منبته ) ، قال تعالى :

و من دخله كان آمنا . . . ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : مماهد : جمع مهاد ، و هو ازدواج بقرينة ( معادن ) كقولهم : الغدايا و العشايا . و يعني ب ( السلامة ) : البراءة من العيوب ، أي : في نسب طاهر ٣ .

و هو كما ترى ، و وجه ما قاله أنّه لم ير ( ممهد ) في ( الصحاح ) . فقال :

مماهد : جمع مهاد ، مع أنّه لا يلزم أن يذكر ( الصحاح ) جميع الاستقاقات ، مع أنّه لا معنى للازدواج بما قاله ، كما أنّ وجه قوله : « يعني بالسلامة البراءة من العيوب » أنّه حمل المستقرّ ، و المنبت في كلامه عليه السّلام على الأرحام و الأصلاب ،

و هو أيضا كما ترى .

« قد صرفت نحوه أفئدة الأبرار » فصاروا مصدّقيه و ملازميه ، و في ( الطبري ) : و قد الأسود بن ربيعة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : جئت لأقترب إلى اللّه تعالى بصحبتك . فسمّاه صلى اللّه عليه و آله المقترب ٤ .

و قال : أبو طالب فيه :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإثبات للمسعودي : ١٠٨ .

( ٢ ) آل عمران : ٩٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٢ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ١٨٢ سنة ١٧ .

٢٠١

و إنّ عليه في العباد محبّة

و لا حيف في من خصّه اللّه بالحبّ

و قال أيضا :

لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمد

و أحببته حبّ الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه فحميته

و دافعت عنه بالذرى و الكواهل

قال بعضهم : إذا تفكّرت في أشعار أبي طالب في مدائح النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أنّها أشعار ذاك الشيخ المبجّل في ابن أخيه ، و هو شابّ مستجير به معتصم بظلّه من قريش ، قد ربّاه في حجره غلاما ، و على عاتقه طفلا ، و بين يديه شابّا ،

يأكل من زاده ، و يأوي إلى داره علمت موضع خاصّية النبوّة و سرّها ، و أنّ أمره كان عظيما ، و أنّ اللّه تعالى أوقع له في القلوب و الأنفس منزلة رفيعة ،

و مكانا جليلا .

« و ثنيت » أي : رفعت ، من ثاني عطفه . . . ١ .

« إليه أزمّة الأبصار » فلا تخفض إلى غيره ، كان الجلف البدوي يرى وجهه ، فيقول : و اللّه ما هذا وجه كذّاب ٢ . و كان عظيما مهيبا في النفوس حتّى ارتاعت منه رسل كسرى ، مع أنّه كان بالتواضع موصوفا ٣ .

و قال عروة بن مسعود الثقفي لقريش : و اللّه لقد وفدت على كسرى و قيصر و النجاشي ، و اللّه ما رأيت ملكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد محمّدا : يقتتلون على وضوئه ، و يتبادرون لأمره ، و يخفضون أصواتهم عنده ، و ما يحدّدون النظر إليه تعظيما . و لمّا دخل أبو سفيان عام الفتح عليه ،

و رأى أيدي المسلمين تحت شعره يستشفون بالقطرات من وضوئه ، قال : تاللّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ٩ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٣ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٦ .

٢٠٢

إن رأيت كاليوم كسرى و قيصر ١ .

و في ( الاستيعاب ) : دخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله على كبشة الأنصارية ، فشرب من فم قربة معلّقة ، فقطعت فمها فرفعته . ( أي : تبرّكا به ) ٢ .

و في ( الأغاني ) : أنّ زيد بن الدثنة لمّا أسره المشركون ، فاجتمع رهط من قريش ليقتلوه و فيهم أبو سفيان ، قال له : أتحبّ أن تكون في أهلك ، و يكون محمّد عندنا مكانك ، فنضرب عنقه ؟ فقال : و اللّه ما أحبّ أنّ محمّدا تصيبه شوكة في مكانه الّذي فيه ، و أنا في أهلي . فتعجّب أبو سفيان ٣ .

« دفن به الضغائن » كان بين الأوس و الخزرج ضغائن من حروب كانت بينهما ، و قتلى كثيرة منهما ، فأماتها اللّه به صلى اللّه عليه و آله .

« و أطفأ به الثوائر » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( النوائر ) جمع النار ،

كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، و لأنّ الإطفاء إنّما ينسب إلى النار لا إلى الثار ، قال تعالى : . . . و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم . . . ٥ .

« ألّف به إخوانا » قال تعالى : . . . لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ٦ ، . . . و اذكروا نعمة اللّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المغازي للواقدي ٢ : ٨١٦ ، و فتوح البلدان للبلاذري : ٥١ .

( ٢ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٤ : ٣٩٥ .

( ٣ ) لم أجده في الأغاني ، لكن رواه أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ٢٣٠ .

( ٤ ) أورد ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ١٨٢ ، و ابن ميثم في شرحه ٢ : ٤٠١ في متن الخطبة « الثوائر » ، لكن أورده ابن ميثم عند شرح اللغات بلفظ « النوائر » .

( ٥ ) النساء : ٩٤ .

( ٦ ) الأنفال : ٦٣ .

٢٠٣

عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها . . . ١ ، إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم . . . ٢ .

و قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمّتهم أدناهم ، و هم يد على من سواهم ٣ .

« و فرّق به أقرانا » بواسطة مخالفتهم في الدين ، فكم ابن و أخ ترك أباه و أخاه به ، و كم امرأة تركت زوجها به .

و قالوا : أتى الوليد بن المغيرة قريشا ، فقال لهم : إنّ الناس غدا يجتمعون بالموسم ، و قد فشا أمر هذا الرجل ، فيسألونكم فما تقولون لهم ؟ فقال أبو جهل : أنا أقول : إنّه مجنون . و قال أبو لهب : أنا أقول : إنّه شاعر . و قال عقبة بن أبي معيط : أنا أقول : إنّه كاهن . فقال الوليد : و أنا أقول : إنّه ساحر يفرّق بين الرجل و المرأة و بين الرجل و أخيه و أبيه ٤ .

« أعزّ به الذلّة » فكم من أذلاّء صاروا أعزّاء بالايمان به .

« و أذلّ به العزّة » و كم من جبابرة أعزّاء صاروا أذلاّء بالكفر به .

« كلامه بيان » قال تعالى فيه : و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ٥ ، و لكنّ الثاني قال لمّا قال صلى اللّه عليه و آله في مرض وفاته : « ايتوني بدواة و صحيفة أكتب لكم ما لا تضلّون بعدي » : إنّ الرجل ليهجر ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٢ ) الحجرات : ١٠ .

( ٣ ) سنن ابن ماجه ٢ : ٨٩٥ ح ٢٦٨٣ ، ٢٦٨٥ بثلاث طرق ، و المعجم الأوسط للطبراني ، و عنه مجمع الزوائد ٦ : ٢٨٣ ، و بين الألفاظ فرق يسير .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧١ ، و غيره .

( ٥ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٠٤

حسبنا كتاب اللّه ١ .

و روى ( أسد الغابة ) عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : كان ليهودي عليه أربعة دراهم ، فاستعدى عليه فقال : يا محمّد إنّ لي على هذا أربعة دراهم ، و قد غلبني عليها . فقال : أعطه حقّه . قال : و الّذي بعثك بالحقّ ما أقدر عليها . قال :

أعطه حقّه . قال : و الّذي نفسي بيده ما أقدر عليها ، قد أخبرته إنّك تبعثنا إلى خيبر ، فأرجو أن تغنمنا شيئا ، فأرجع فأقضيه . قال : فاعطه حقّه . قال : و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا قال ثلاثا لا يراجع ، فخرج بابن أبي حدرد إلى السوق ، و على رأسه عصابة ، و هو متّزر ببردة ، فنزع العمامة من رأسه ، فاتّزر بها ، و نزع البردة ، فقال : اشتر منّي هذه البردة . فباعها منه بأربعة دراهم . . ٢ .

و في ( الطبقات ) جاء مجوسي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد أعفى شاربه ،

و أحفى لحيته ، فقال : من أمرك بهذا ؟ قال ربّي . قال : لكن ربّي أمرني أن أخفي شاربي ، و أعفي لحيتي ٣ .

« و صمته لسان » حيث إنّ تقريره صلى اللّه عليه و آله أيضا حجّة كقوله و فعله ، و في ( الطبري ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله عهد إلى أمرائه في فتح مكّة أن لا يقتلوا أحدا إلاّ من قاتلهم ، إلاّ أنّه قد عهد في نفر سمّاهم أمر بقتلهم ، منهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ، لأنّه أسلم فارتدّ ، ففرّ إلى عثمان ، و كان أخاه من الرضاعة ، فغيّبه حتّى أتى به النبيّ صلى اللّه عليه و آله فاستأمنه له ، فذكر أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله صمت طويلا ، ثمّ قال : نعم .

فلمّا انصرف به عثمان ، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمن حوله من أصحابه : أما و اللّه لقد صمتّ ليقوم إليه بعضكم ، فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلاّ أو مأت .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا الحديث كثير الطرق مختلف اللفظ ، أقرب الألفاظ ما في صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٩ ح ٢١ ، و مسند أحمد ١ : ٣٥٥ ، و طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٣٧ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .

( ٢ ) أسد الغابة لابن الأثير ٣ : ١٤٢ .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ١٤٧ .

٢٠٥

قال : إنّ النبيّ لا يقتل بالإشارة ١ .

هذا ، و يناسب كلامه عليه السّلام في وصفه صلى اللّه عليه و آله كلام أبي الفضل الهمداني في بعض ( أعيان دهره ) : له من الصدور ما ليس للفؤاد ، و من القلوب ما ليس للأولاد ، فكأنّما اشتق من جميع الأكباد ، و ولد بجميع البلاد ، سواء الحاضر فيه و الباد ، و كلّ أفعاله غرّة في ناصية الأيّام ، و زهرة في جنح الظلام .

و ذكر أعرابي رجلا ، فقال : و اللّه لكأنّ القلوب و الألسن ريّضت له ، فما تعقد إلاّ على ودّه ، و لا تنطق إلاّ بحمده .

٨

من الخطبة ( ١٠٣ ) و من خطبة له عليه السّلام :

حَتَّى بَعَثَ اَللَّهُ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ شَهِيداً وَ بَشِيراً وَ نَذِيراً خَيْرَ اَلْبَرِيَّةِ طِفْلاً وَ أَنْجَبَهَا كَهْلاً أَطْهَرَ اَلْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً وَ أَمْطَرُ اَلْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً « حتّى بعث اللّه محمّدا شهيدا و بشيرا و نذيرا » عن ( تفسير الواحدي ) عن الحسن عليه السّلام في قوله تعالى : و شاهد و مشهود ٢ الشاهد : النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

و المشهود يوم القيامة . قال تعالى : يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا ٣ ، و قال تعالى : . . . ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود ٤ .

« خير البريّة طفلا » في ( المناقب ) عن ابن عبّاس : أنّه كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقرب إلى الصبيان يصحبهم ، فيختلسون و يكفّ ، و يصبح الصبيان غمصا و رمصا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٣٥ سنة ٨ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) البروج : ٣ .

( ٣ ) الأحزاب : ٤٥ .

( ٤ ) الوسيط للواحدي ، و هو كتاب تفسير القرآن ، و عنه كشف الغمة ٢ : ١٦٩ ، و الآية ١٠٣ من سورة هود .

٢٠٦

و يصبح صقيلا دهنيا ١ .

و عن عكرمة : كان يوضع فراش لعبد المطّلب في ظلّ الكعبة ، و لا يجلس عليه أحد إلاّ هو إجلالا له ، و كان بنوه يجلسون حوله حتّى يخرج ، فكان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخّروه ، فقال لهم عبد المطلب : دعوا ابني ، فو اللّه إنّ له لشأنا عظيما ٢ .

و فيه : قال أبو طالب لأخيه : يا عبّاس أخبرك عن محمّد ، إنّي ضممته فلم أفارقه ساعة من ليل أو نهار ، فلم أأتمن أحدا حتّى نؤمته في فراشي ، فأمرته أن يخلع ثيابه و ينام معي ، فرأيت في وجهه الكراهية ، فقال : يا عمّاه اصرف بوجهك عنّي حتّى أخلع ثيابي ، و أدخل فراشي . فقلت له : و لم ذاك ؟ فقال : لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي . فتعجبت من قوله و صرفت بصري عنه حتّى دخل فراشه ، فإذا دخلت أنا الفراش إذا بينه و بيني ثوب ، و اللّه ما أدخلته في فراشي فأمسه فاذا هو ألين ثوب ، ثمّ شممته كأنّه غمس في مسك ٣ .

و فيه أيضا عن أبي طالب : لم أرمنه كذبة قط ، و لا جاهلية قطّ ، و لا رأيته يضحك في غير موضع الضحك ، و لا يدخل مع الصبيان في لعب ، و لا التفت إليهم ، و كان الوحدة أحبّ إليه و التواضع ٤ .

و قال المسعودي : قال عبد اللّه أبوه فيه :

الحمد للّه الّذي أعطاني

هذا الغلام الطيّب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

أعيذه بالبيت ذي الأركان

٥

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٣٤ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٣٥ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٣٦ .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٣٧ .

( ٥ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٤ ، لكن نسب البيتين إلى أبي عبد اللّه .

٢٠٧

و قال أبو طالب عمّه فيه :

و لقد عهدتك صادقا

في القول لا تتزيّد

ما زلت تنطق بالصواب

و أنت طفل أمرد

« و أنجبها كهلا » قال الجوهري : الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ١ ،

و لمّا بنت قريش الكعبة ، و تنازعوا في رفع الحجر و وضعه في محلّه ، و حكّموا النبيّ صلى اللّه عليه و آله فحكم بينهم بما ارتضوه ، قال قائل متعجّبا من انقياد شيوخ قريش لشابّ و كان يومئذ ابن خمس و ثلاثين : أما و اللات و العزّى ليفوقنّهم سبقا ،

و ليقسمنّ بينهم حظوظا و جدودا ، و ليكوننّ له بعد هذا اليوم شأن و نبأ عظيم ٢ .

و قال بعضهم : و لو لا خاصّيّة النبوّة و سرّها لما كان مثل أبي طالب و هو شيخ قريش و ذو سنّها و ذو شرفها يمدحه و هو شابّ قد ربّي في حجره ، و هو يتيمه و مكفوله و جار مجرى أولاده بمثل قوله :

و تلقوا ربيع الأبطحين محمّدا

و مثل قوله :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

فإنّ مثل هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع و الذنابي من الناس ،

و إنّما هو من مديح الملوك و العظماء .

« أطهر المطهّرين شيمة » أي : خلقا و طبيعة ، قالوا : كان صلى اللّه عليه و آله يكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، و يتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلاّ بما أمر اللّه ، و لا يجفو على أحد . يقبل معذرة المعتذر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ١٨١٣ مادة ( كهل ) .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٣ ، و الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٩٤ .

٢٠٨

إليه ، و كان أكثر الناس تبسّما ما لم ينزّل عليه قرآن ، و لا يرتفع على عبيده و إمائه في مأكل و لا في ملبس ، و ما شتم أحدا بشتمه ، و لا لعن امرأة و لا خادما بلعنة ، و لا يأتيه حرّ و لا عبد أو أمة إلاّ قام معه في حاجته ١ .

« و أمطر » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و أجود ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« المستمطرين » بلفظ اسم المفعول .

« ديمة » في ( الصحاح ) الديمة : المطهر الّذي ليس فيه رعد و لا برق ، و أقلّه ثلث النهار أو ثلث الليل ، و أكثر ما بلغ من العدة . و الجمع : ديم . قال لبيد :

باتت و أسبل و اكف من ديمة

يروي الخمائل دائما تساجمها

ثمّ يشبّه به غيره . و في الحديث : « كان عمله ديمة » ٣ .

قالوا : كان صلى اللّه عليه و آله أسخى الناس لا يثبت عنده دينار و لا درهم ، فإن فضل و لم يجد من يعطيه و يجنّه الليل لم يأو إلى منزله حتّى يتبرّأ منه إلى من يحتاج إليه ، و لا يسئل شيئا إلاّ أعطاه ، ثمّ يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتّى ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شي‏ء ، و كان لا يجلس إليه أحد و هو يصلّي إلاّ خفّف صلاته ، و أقبل عليه ، و قال : ألك حاجة ؟ و كان يكرم من يدخل عليه حتّى ربما بسط ثوبه ، و يؤثر الداخل بالوسادة الّتي تحته ٤ .

و قال أبو طالب فيه :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة للأرامل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب ابن شهر آشوب ١ : ١٤٦ ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠٠ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٣ « أمطر » أيضا .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ١٩٢٤ مادة ( ديم ) ، و الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ١ : ٥٤١ ح ٢١٧ ، و غيره عن عائشة .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٤٥ ، و النقل بتقطيع .

٢٠٩

يطيف به الهلاّك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة و فواضل

٩

من الخطبة ( ٣٣ ) إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَ لاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ اَلنَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَ بَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَ اِطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ من الخطبة ( ١٠٢ ) و من خطبة له عليه السّلام ( و قد تقدم مختارها بخلاف هذه الرواية ) :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى بَعَثَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَ لاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَ لاَ وَحْياً فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ يَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِمْ وَ يُبَادِرُ بِهِمُ اَلسَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ .

يَحْسِرُ اَلْحَسِيرُ وَ يَقِفُ اَلْكَسِيرُ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ إِلاَّ هَالِكاً لاَ خَيْرَ فِيهِ حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ وَ بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ وَ اِسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ قوله عليه السّلام في الأوّل : « إنّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) و زاد ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ١ « سبحانه » كما في الثاني بالاتّفاق .

« فإنّ اللّه سبحانه » قوله عليه السّلام فيهما .

« بعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا » قال تعالى : هو الّذي بعث في الأمّيين رسولا منهم . . . ٢ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) قال الأصمعي : ذكروا أنّ قريشا سئلوا من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٧٦ ، و لكن لفظ ابن ميثم ٢ : ٧٢ مثل المصرية .

( ٢ ) الجمعة : ٢ .

٢١٠

أين لكم الكتاب ؟

قالوا : من أهل الحيرة . و قيل لأهل الحيرة : من أين لكم الكتاب ؟ قالوا : من الأنبار .

و روي : أنّ بشر بن عبد اللّه العبادي علّم أبا سفيان بن أمية ، و أبا قيس بن عبد مناف بن زهرة الكتاب ، فعلّما أهل مكّة .

و روى عن سهل : أنّ أوّل من كتب بالعربيّة مرامر بن مرة من أهل الأنبار ، و من الأنبار انتشرت في الناس .

و قال وهب : أوّل من خطّ بالقلم إدريس عليه السّلام ١ .

« و لا يدّعي نبوّة » و زاد في الثاني « و لا وحيا » .

و إنّما كان أمية بن أبي الصلت لرغبته عن عبادة الأوثان و قراءته كتب السلف ، يخبر أنّ نبيّا يبعث قد أظلّ زمانه ، فلمّا سمع بخروج النبيّ صلى اللّه عليه و آله كفر حسدا له ، و كان يطمع أن يكونه ٢ .

و لشياع خبر بعثته و قرب ظهوره ، سمّى قوم أبناءهم محمّدا رجاء أن يكونوه لما سمعوا أنّ اسم النبيّ الاتي محمّد ، و المسمّون هم : محمّد بن مسلمة ، و محمّد بن احيحة ، و محمّد بن برء البكري ، و محمّد بن سفيان بن مجاشع ، و محمّد بن حمران الجعفي ، و محمّد بن خزاعة السلمي ٣ . و قد وقع نظير ذلك قبله صلى اللّه عليه و آله لموسى عليه السّلام و بعده صلى اللّه عليه و آله للمهدي عليه السّلام .

و روى الطبري عن الزهري : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لمّا كان يعرض نفسه على القبائل في المواسم ، عرض نفسه على بني عامر ، فاشترطوا أن يكون الأمر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٥٥٢ ٥٥٣ ، و النقل بتقديم و تأخير .

( ٢ ) التهذيب للنووي ١ ق ١ ١٢٦ ، و غيره .

( ٣ ) فتح ابن سعد في الطبقات ١ ق ١ : ١١١ بابا بهذا العنوان ، و ذكر فيه من سمّي في الجاهلية بمحمّد.

٢١١

لهم بعده ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : الأمر إلى اللّه . فأعرضوا عنه ، و رجعوا إلى شيخ كبير لهم ، فأخبروه خبره و نسبه ، فوضع يده على رأسه ، ثمّ قال : يا بني عامر هل من تلاف : و الّذي نفسي بيده ، و ما تقوّلها إسماعيليّ قطّ ، و إنّها لحقّ ، و أين كان رأيكم عنه ؟ ١ .

و ادّعي النبوّة كذبا بعد بعثته صلى اللّه عليه و آله و سلم جمع : مسيلمة من حنيفة ، و سجاح الّتي تزوّجها مسيلمة من بني يربوع ، و أسود بن كعب من عنس ، و طلحة بن خويلد من أسد بن خزيمة لكنّه رجع إلى الاسلام بعد ، و أمّا خالد بن سنان العبسي الّذي قالوا : أتت ابنته إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فسمعته يقرأ قل هو اللّه أحد ٢ فقالت : كان أبي يقول هذا . فغير محقّق ، و إنّ قالوا : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال :

« ذلك نبيّ أضاعه قومه » ٣ .

هذا ، و في الخبر : أنّ خمسة من الأنبياء كانوا سريانيين و هم : آدم و شيث و إدريس و نوح و إبراهيم ، و خمسة منهم عبرانيين : إسحاق و يعقوب و موسى و داود و عيسى ، و خمسة منهم من العرب : هود و صالح و إسماعيل و شعيب و محمّد عليه و على آله و عليهم السلام ٤ .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فسّاق الناس حتّى بوّأهم » أي : مكّنهم .

« محلّتهم » التي ينبغي لهم أن يحلّوها ، و هي الإسلام ، ذاك الدين الحنيف .

قوله عليه السّلام في الثاني : « فقاتل بمن أطاعه » و هم أهل المدينة .

« من عصاه » و هم أهل مكّة و اليهود و غيرهم ، و في ( المناقب ) : لما كان بعد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٨٤ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الاخلاص : ١ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٨١ ، ٨٢ ، و أمّا حديث : « ذلك نبي أضاعه قومه » فرواه ابن سعد في الطبقات ١ ق ٢ : ٤٢ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٢١٤ ، و الصدوق في كمال الدين : ٦٥٩ ، و غيرهم .

( ٤ ) الاختصاص للمفيد : ٢٦٤ .

٢١٢

سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليه السّلام بقوله : أذن للذين يقاتلون . . . ١ ،

و قلّد في عنقه سيفا ، و في رواية : لم يكن له غمد ، فقال له : حارب بهذا قومك حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه .

و عن أهل السير : أنّ جميع ما غزا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بنفسه ستّ و عشرون غزوة على هذا النسق : البواط ، العشيرة ، بدر الأولى ، بدر الكبرى ، السويق ، ذو امرة ، أحد ، نجران ، بنو سليم ، الأسد ، بنو النضير ، ذات الرقاع ، بدر الآخرة ،

دومة الجندل ، الخندق ، بنو قريظة ، بنو لحيان ، ذو قرد ، بنو المصطلق ،

الحديبية ، خيبر ، الفتح ، حنين ، الطائف ، تبوك ، و يلحق بها بنو قينقاع . قاتل في تسع و هي : بدر الكبرى و أحد و الخندق و بني قريظة و بني المصطلق و بني لحيان و خيبر و الفتح و حنين و الطائف .

و أمّا سراياه صلى اللّه عليه و آله فستّ و ثلاثون : أوّلها سريّة حمزة لقي أبا جهل بسيف البحر في ثلاثين من المهاجرين ، و في ذي القعدة بعث سعد بن أبي و قّاص في طلب عير ، ثمّ عبيدة بن الحارث بعد سبعة أشهر في ستين من المهاجرين نحو الجحفة إلى أبي سفيان . . . ٢ .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « و بلّغهم منجاتهم » و في الثاني : « يسوقهم إلى منجاتهم » أي : محلّ نجاتهم ، قال تعالى : . . . عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ٣ .

« و يبادر بهم الساعة » أي : القيامة .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ٣٩ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٨٦ ، و نقل عدد غزواته و سراياه صلى اللّه عليه و آله الواقدي في المغازي ١ : ٧ ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨٩ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٠٤ ، ٤٠٥ سنة ١٠ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٢٨٠ ، ٢٨٢ و غيرهم ، و اختلف في تعدادها و ترتيبها اختلافا يسيرا .

( ٣ ) التوبة : ١٢٨ .

٢١٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« أن تنزل بهم » و لم يستعدّوا لها ، و في ( ارشاد المفيد ) لمّا عاد النبيّ صلى اللّه عليه و آله من تبوك إلى المدينة قدم إليه عمرو بن معديكرب ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أسلم يا عمرو يؤمنك اللّه من الفزع الأكبر . قال : يا محمّد و ما الفزع الأكبر فإنّي لا أفزع ؟

فقال : يا عمرو إنّه ليس كما تظنّ و تحسب ، إنّ الناس يصاح بهم صيحة واحدة ،

فلا يبقى ميّت إلاّ نشر ، و لا حيّ إلاّ ما شاء اللّه ، ثمّ يصاح بهم صيحة أخرى ، فينشر من مات ، و يصفّون جميعا ، و ينشقّ السماء ، و تهدّ الأرض ،

و تخرّ الجبال هدّا ، و ترمي النار بمثل الجبال شررا ، فلا يبقى ذو روح إلاّ انخلع قلبه و ذكر ذنبه و شغل بنفسه ، إلاّ ما شاء اللّه . فأين أنت يا عمرو من هذا ؟ قال :

إلا إنّي أسمع أمرا عظيما . فآمن باللّه و رسوله ، و من آمن معه من قومه ناس و رجعوا إلى قومهم ١ .

« يحسر الحسير » أي : يعجز العاجز ، قال الجوهري : حسر البعير : أعيا ،

فهو حسير ٢ .

« و يقف الكسير » أي : من كسر رجله .

« فيقيم عليه » أي : على كلّ من الحسير و الكسير ، و يحسن في مثله توحيد الضمير لرجوع الحسير و الكسير إلى معنى واحد ، و هو من لم يقدر على السير المتعارف .

« حتّى يلحقه غايته » و مقصده ، و الضميران أيضا كالضمير في ( عليه ) ،

و المراد أنّه لمّا لم يكن كلّ الناس صاحب معرفة قويّة يسلم حين يدعوه ، بل كثير منهم كانوا آبين أوّلا ، يداريهم و يدعوهم مرّة بعد مرّة ، حتّى يعرفوا الحقّ بالتأمّل و يهتدوا .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ٨٤ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٢٩ مادة ( حسر ) .

٢١٤

« إلاّ هالكا لا خير فيه . . . » و لا تفيده الدّعوة ، كالّذين قال تعالى فيهم : ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة و كلّمهم الموتى و حشرنا عليهم كلّ شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا . . . ١ .

و منهم المستهزئون به صلى اللّه عليه و آله الّذين قال تعالى فيهم : إنّا كفيناك المستهزئين ٢ . و هم الوليد بن المغيرة ، و الأسود بن عبد يغوث ، و أبو زمعة ،

و العاص بن وائل ، و الحرث بن قيس ، و عقبة بن أبي معيط ، و الأسود بن الحرث ، و أبو أحيحة ، و النضر بن الحرث ، و الحكم بن العاص ، و عتبة ، و شيبة ،

و طعيمة بن عدي ، و الحرث بن عامر ، و أبو البحتري ، و أبو جهل ، و أبو لهب ،

و نظراؤهم ، فدلّهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله على سبيل نجاتهم ، فأبوا إلاّ سلوك طريق الهلكة ،

و كانوا قد هدّدوه بالقتل ، فأهلكهم اللّه ، بعضهم بالقتل في غزوة بدر ، و بعضهم بأسقام و أوجاع .

قالوا : مرّ الأسود بن عبد يغوث على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأومأ صلى اللّه عليه و آله إلى بطنه ،

فاستسقى و مات حبنا .

و مرّ عليه أبو زمعة ، فأشار صلى اللّه عليه و آله إلى عينه ، فعمي ، و كان يضرب رأسه على الجدار حتّى هلك .

و مرّ عليه الوليد بن المغيرة ، فأومأ صلى اللّه عليه و آله إلى جرح اندمل في بطن رجله من نبل ، فتعلّقت به شوكة فنن فخدشت ساقه ، و لم يزل مريضا حتّى مات .

و خرج العاص بن وائل من بيته ، فلحقته السموم ، فلما انصرف إلى داره لم يعرفوه ، فباعدوه فمات غمّا ، و في خبر فقتلوه ، و في آخر وطأ على شبرقة فدخلت في أخمص رجله ، فقال : لدغت ، فلم يزل يحكّها حتّى مات .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١١١ .

( ٢ ) الحجر : ٩٥ .

٢١٥

و مرّ عليه صلى اللّه عليه و آله الحرث فأومأ صلى اللّه عليه و آله إلى رأسه فتقيّأ قيحا ، و في خبر لدغته حيّة ، و في آخر تدهده عليه حجر من جبل فتقطّع .

و أكل الأسود بن الحارث حوتا فأصابه عطش ، فلم يزل يشرب الماء حتّي إنشقّ بطنه .

و رمى اللّه أبا لهب بالعدسة ، فتركه ابناه ثلاثا لا يدفنانه ، و كانوا يتّقون العدسة ، فقذفوا عليه الحجارة حتّى و اروه ١ .

و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله مثل ما بعثني اللّه به من الهدى و العلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ، فكان منها نقيّة فثبت الماء ، فأنبتت الكلأ و العشب الكثير ،

و كان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع اللّه بها الناس فشربوا و سقوا و زرعوا ،

و كان منها قيعان لا تمسك ماء ، و لا تنبت كلا ٢ .

و في ( الأغاني ) : نظر النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى زهير بن أبي سلمى ، و له مائة سنة ،

فقال : اللّهم أعذني من شيطانه . فما لاك بيتا حتّى مات ٣ .

قوله عليه السّلام في الأول و كذا الثاني : « فاستقامت قناتهم » أي : رمحهم ،

و استقامة القناة كناية عن تمكّنهم ، كقوله عليه السّلام في الثاني .

« فاستدارت رحاهم » فإنّه كناية عن نفوذ أمرهم .

١٠

من الخطبة ( ١٠٦ ) منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

اِخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ مِشْكَاةِ اَلضِّيَاءِ وَ ذُؤَابَةِ اَلْعَلْيَاءِ وَ سُرَّةِ ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا تلخيص كلام ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٧٣ ٧٥ ، و أخرجه أيضا أبو نعيم بطرق في الدلائل عنه الدر المنثور ٤ : ١٠٧ ، و ابن هشام في السيرة ٢ : ٤٠ ، و رواه ابن الأثير في الكامل ٢ : ٧٠ .

( ٢ ) صحيح مسلم ٤ : ١٧٨٧ ح ١٥ ، و غيره ، و بين الألفاظ اختلاف يسير .

( ٣ ) الأغاني لأبي الفرج ١٠ : ٢٩١ .

٢١٦

اَلْبَطْحَاءِ ؟ وَ مَصَابِيحِ اَلظُّلْمَةِ وَ يَنَابِيعِ اَلْحِكْمَةِ « إختاره من شجرة الأنبياء » روى ( طبقات كاتب الواقدي ) عن ابن عباس في قوله تعالى : و تقلّبك في الساجدين ١ قال : من نبيّ إلى نبيّ و من نبيّ إلى نبيّ حتّى أخرجك نبيّا ٢ .

« و مشكاة الضياء » عن الفرّاء المشكاة : الكوّة التي ليست بنافذة .

« و ذؤابة العلياء » تستعار الذؤابة كالمشكاة للنقاوة ، قال حسّان في بئر معونة :

بني أمّ البنين ألم يرعكم

و أنتم من ذوائب أهل نجد

٣ قال الشاعر في كونه صلى اللّه عليه و آله و سلم من شجرة الأنبياء ، و مشكاة الضياء :

ورث الشرف جامعا عن جامع

و شهد له نداء نداء الصوامع

هو من مضر في سويداء قلبها

و من هاشم في سواد طرفها

و عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنّ اللّه تعالى قسّم الخلق قسمين ،

فجعلني في خيرهما قسما ، فذلك قوله و أصحاب اليمين و أصحاب الشمال ٤ .

فأنا من أصحاب اليمين ، و أنا خير أصحاب اليمين ، ثمّ جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا ، فذلك قوله : و أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة و أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة و السابقون السابقون ٥ ، فأنا من السابقين ، و أنا خير السابقين ، ثمّ جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني في خيرها قبيلة ، و ذلك قوله : و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٩ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٥ .

( ٣ ) السيرة لابن هشام ٣ : ١٠٦ .

( ٤ ) جاء ذكر أصحاب اليمين في الواقعة : ٢٧ ، ٣٨ ، ٩٠ ، ٩١ ، و المدثّر : ٣٩ ، و ذكر أصحاب الشمال في الواقعة : ٤١ .

( ٥ ) الواقعة : ٨ ١٠ .

٢١٧

أتقاكم ١ ، و أنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على اللّه تعالى و لا فخر ، ثمّ جعل القبائل بيوتا ، فجعلني في خيرها بيتا ، فذلك قوله : إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، فأنا و أهل بيتي مطهرون من الذنوب ٣ .

« و سرّة البطحاء » قال المسعودي : إنّ قريشا : قريش الظواهر ، و قريش الأباطح ، و الظواهر : بنو محارب ، و الحارث بن فهر ، و بنو الادرم بن غالب بن فهر ، و بنو هصيص بن عامر بن لؤي . و البطائح : بنو عبد مناف ، و بنو عبد الدار ، و بنو عبد العزّى ، و زهرة ، و مخزوم ، و تيم ، و جمح ، و سهم ، و عدي ،

و قصي ، و الفخر للبطاح .

قال ذكوان مولى عبد الدار للضحاك الفهري :

تطاولت للضحاك حتّى رددته

إلى نسب في قومه متقاصر

فلو شاهدتني من قريش عصابة

قريش البطاح لا قريش الظواهر

و قال أبو طالب في النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

من القوم مفضال أبيّ على العدى

تمكّن في الفرعين من آل هاشم

و كان قصيّ أبو عبد مناف هو الأصل في قريش البطاح ، و سمّي مجمّعا ،

لأنّه جمع قومه من الشعاب و الأودية و الجبال إلى مكّة ، فلمّا تركهم بمكّة ملّكوه عليهم ، فكان أوّل ولد كعب بن لؤيّ أصاب ملكا أطاعه به قومه ، و كان إليه الحجابة و السقاية و الرفادة و الندوة و اللواء ، فحاز شرف قريش كلّه ،

و قسّم مكّة أرباعا بين قومه فبنوا المساكن ، و تيمّنت قريش بأمره ، فما ينكح

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ١٣ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) أخرجه الحكيم الترمذي و الطبراني و ابن مردويه و أبو نعيم و البيهقي في الدلائل عنهم الدر المنثور ٥ : ١٩٩ ، و الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ : ٢٩ ح ٦٦٩ عن ابن عباس .

٢١٨

رجل و لا امرأة إلاّ في داره ، و كان أمره في قومه كالدين المتّبع في حياته و بعد موته .

و أمّا قول قريش للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : ابن أبي كبشة . ففي ( أنساب قريش مصعب الزبيري ) : أنّ قريشا كانت تنسب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى أبي كبشة ، و حر بن غالب الخزاعي جدّ وهب أبي آمنة أمّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لأمّه و لم يعيّروا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في نسبته إليه من تقصير كان فيه ، فكان سيّد قومه ، و إنّما كان أبو كبشة أوّل من عبد الشعرى لأنّها تقطع السماء عرضا بخلاف الشمس و القمر و باقي الكواكب ، و العرب تظنّ أنّ أحدا لا يعمل شيئا إلاّ بعرق ينزعه ،

فلمّا خالف النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم دين قريش قالت قريش : نزعه أبو كبشة ١ .

هذا ، و قالوا : يكون موضعا آخران مسمّيان بالبطحاء غير بطحاء مكّة :

أحدهما : بطحاء الجزيرة ، و ثانيهما : بطحاء ذي قار .

و قالوا : رأى قرشي رجلا له هيئة رثّة فسأل عنه ، فقالوا : من تغلب .

فوقف عليه و هو يطوف بالبيت ، فقال له : أرى رجلين قلّما وطئتا البطحاء . فقال الرجل : البطحاوات ثلاث : بطحاء الجزيرة و هي لي دونك ، و بطحاء ذي قار ،

و أنا أحقّ بها منك ، و هذه البطحاء ، و سواء العاكف فيه و الباد ٢ .

هذا ، و في ( سيرة ابن هشام ) عن الزهري : لمّا وفد الأشعث بن قيس على النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : يا رسول اللّه نحن بنو آكل المرار كان من ولده من قبل النساء و أنت ابن آكل المرار . قال : فتبسّم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : ناسبوا بهذا النسب العبّاس بن عبد المطلب و ربيعة بن الحارث و كان العبّاس و ربيعة رجلين تاجرين ، و كانا إذا شاعا في بعض العرب فسئلا ممّن هما قالا : نحن بنو

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نسب قريش للزبيري : ٢٦١ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ١ : ٤٤٦ ، و المشترك و المفترق : ٥٩ ، و الآية ٢٥ من سورة الحجّ .

٢١٩

آكل المرار يتعزّزان بذلك ، و ذلك أنّ كندة كانوا ملوكا ثمّ قال لهم : لا ، بل نحن النضر بن كنانة ، لا نقفو أمّنا ، و لا ننتفي من أبينا ١ .

« و مصابيح الظلمة » أي : اختاره منها .

« و ينابيع الحكمة » أي : الأنبياء و الحكماء الّذين كانوا آباءه صلى اللّه عليه و آله و سلم .

١١

من الخطبة ( ١٤٩ ) و من خطبة له عليه السّلام :

وَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ اَلشَّيْطَانِ وَ مَزَاجِرِهِ وَ اَلاِعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَ مَخَاتِلِهِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَجِيبُهُ وَ صَفْوَتُهُ لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ وَ لاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ أَضَاءَتْ بِهِ اَلْبِلاَدُ بَعْدَ اَلضَّلاَلَةِ اَلْمُظْلِمَةِ وَ اَلْجَهَالَةِ اَلْغَالِبَةِ وَ اَلْجَفْوَةِ اَلْجَافِيَةِ وَ اَلنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ اَلْحَرِيمَ وَ يَسْتَذِلُّونَ اَلْحَكِيمَ يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ وَ يَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ « و استعينه على مداحر » أي : ما يوجب الطرد و الإبعاد ، قال تعالى :

اخرج منها مذؤوما مدحورا . . . ٢ .

« الشيطان و مزاجره » أي : ما يوجب منعه ، و مداحر الشيطان و مزاجره :

العبادات و الطاعات ، من الصلاة و الصيام و باقي القربات .

قال الصادق عليه السّلام : إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويلاه أطاع و عصيت ، و سجد و أبيت ٣ .

و قال النبيّ لأصحابه : ألا أخبركم بشي‏ء إن أنتم فعلتموه تباعد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٤ : ١٧٢ و غيره .

( ٢ ) الأعراف : ١٨ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٤ ح ٢ ، و المحاسن للبرقي ١٨ ح ٥٠ ، و الفقيه للصدوق ١ : ١٣٦ ح ١٧ ، و ثواب الأعمال : ٥٦ ح ١ عن الصادق عليه السّلام ، و دعائم الإسلام للقاضي النعمان ١ : ١٣٦ عن علي عليه السّلام ، و المقنع للصدوق : ٤٥ بلا عزو .

٢٢٠