• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106370 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى . قال الصوم يسوّد وجهه ، و الصدقة تكسر ظهره ، و الحبّ في اللّه و الموازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، و الاستغفار يقطع و تينه . . . ١ .

و عن الصادق عليه السّلام : لا يزال إبليس فرحا ما اهتجر المسلمان ، فاذا التقيا اصطكّت ركبتاه ، و تخلّعت أوصاله ، و نادى يا ويله ما لقي من الثبور ٢ .

و عنهم عليهم السلام : ليس شي‏ء أنكأ لإبليس و جنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض ، و إنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت ، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلاّ تخدّد ، حتّى أنّ روحه لتستغيث من شدّة ما يجد من الألم ، فتحسّ ملائكة السماء و خزّان الجنان ،

فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلاّ لعنه ، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا ٣ .

« و الاعتصام » عطف على ( مداحر ) أي : الاحتفاظ .

« من حبائله » جمع الحبالة ، أي : الّتي يصيد بها الصائد .

« و مخاتله » أي : مخادعه ، و حبائله و مخاتله : الخمر و الميسر و النساء و زخارف الدّنيا ، قال تعالى : يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون . إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدّكم عن ذكر اللّه و عن الصلاة فهل أنتم منتهون ٤ .

و عنهم عليهم السّلام : الفتن ثلاث : حبّ النساء ، و هو سيف الشيطان ، و شرب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٦٢ ح ٢ ، و الفقيه للصدوق ٢ : ٤٥ ح ٤ ، و أماليه : ٥٩ ح ١ المجلس ١٥ ، و في فضائل رمضان عنه الوسائل ٧ : ٢٩٦ ح ٣٥ ، و التهذيب للطوسي ٤ : ١٩١ ح ٦ ، و الأشعثيات لابن الأشعث : ٥٨ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٤٦ ح ٧ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ١٨٨ ح ٧ عن الكاظم عليه السّلام .

( ٤ ) المائدة : ٩٠ ٩١ .

٢٢١

الخمر ، و هو فخّ الشيطان ، وحبّ الدينار و الدرهم ، و هو سهم الشيطان ١ .

و عنهم عليهم السّلام : إنّ إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليه السّلام و إذا عليه معاليق من كلّ شي‏ء ، فقال له يحيى : ما هذه المعاليق يا إبليس ؟ فقال : هذه الشهوات التي أصبتها من ابن آدم . قال : فهل لي منها شي‏ء ؟ قال : ربّما شبعت فثقّلتك عن الصلاة و الذكر . قال يحيى : للّه عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبدا . . . ٢ .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله » قدّمت العبودية ، لأنّه لولاها لما حصلت الرسالة .

« و نجيبه و صفوته » . . . اللّه أعلم حيث يجعل رسالته . . . ٣ .

« لا يوازى » أي : لا يحاذى ، و أصل الواو الهمز : من الإزاء ، و قول الجوهري :

« آزيته : إذا حاذيته ، و لا تقل وازيته » ٤ خطأ ، حيث إنّ غيره أجازه ، و يشهد له كلامه عليه السّلام .

« فضله » من أحد ، قال أبو طالب لمّا خطب للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم خديجة : ثمّ ابن أخي هذا محمّد بن عبد اللّه لا يوازن برجل من قريش إلاّ رجح به ، و لا يقاس بأحد منهم إلاّ عظم عنه ، و لا عدل له في الخلق .

و قالوا : لمّا تلجلج ورقة عمّ خديجة في الجواب في قبال أبي طالب مع كونه من القسّيسين ، و قالت خديجة نفسها : قد زوّجتك نفسي و المهر عليّ في مالي ، و قال بعض قريش : وا عجباه المهر على النساء للرجال غضب أبو طالب غضبا شديدا و قام على قدميه و كان ممّن تهابه الرجال و تكره غضبه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الخصال للصدوق : ١١٣ ح ٩١ باب الثلاثة ، عن علي عليه السّلام .

( ٢ ) المحاسن للبرقي : ٤٣٩ ح ٢٩٧ عن الصادق عليه السّلام ، و جاءت القصة في ضمن حديث طويل أخرجه الترمذي في غور الأمور عنه البحار ٦٣ : ٢٢٦ ح ٧١ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ٣٤٨ المجلس ١٢ .

( ٣ ) الأنعام : ١٢٤ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢٦٨ مادة ( أزي ) .

٢٢٢

و قال : إذا كان الرجال مثل ابن أخي هذا طلبوا بأغلى الأثمان و أعظم المهر ، و إذا كانوا أمثالكم لا يزوّجون إلاّ بالمهر الغالي ١ .

و قال كعب بن نمط في النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم :

و ما حملت من ناقة فوق رحلها

أبرّ و أوفى ذمّة من محمّد

و لا وضعت أنثى لأحمد مشبها

من الناس في التقوى و لا في التعبّد

و قال مالك بن عوف :

ما إن رأيت و لا سمعت بواحد

في الناس كلّهم شبيه محمّد

« و لا يجبر فقده » قال الباقر عليه السّلام : إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك ، فاذكر مصابك بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله قط ٢ .

« أضاءت به البلاد بعد الضلالة المظلمة » الغاشية لها من الجاهلية ، قال العبّاس بن مرداس فيه :

سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا

عن الحقّ لمّا أصبح الحقّ مظلما

و نوّرت بالبرهان أمرا مدمّما

و أطفأت بالقرآن جمرا تضرّما

« و الجهالة الغالبة » على جميع الفرق ، في ( سنن أبي داود ) عن ابن عبّاس :

كان النضير من اليهود أشرف من قريظتهم ، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النصير قتل به ، و إذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فودي بمائة و سق من تمر ، فلمّا بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله قتل نضيريّ قريظيّا ، فقالوا : ادفعوه إلينا نقتله . فقالوا : بيننا و بينكم محمّد . فأتوه ، فنزلت : . . . و إن حكمت فاحكم بينهم بالقسط . . . ٣ أي : النفس ، بالنفس ، ثمّ نزلت : أفحكم الجاهلية يبغون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٤٢ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٢٠ ح ٢ ، و في الباب أحاديث أخرى جمع بعض طرقها الشيخ الحرّ في وسائل الشيعة ٢ : ٩١١ الباب ٧٩ ، و المحدث النوري في المستدرك الوسائل ١ : ١٤٢ الباب ٦٧ .

( ٣ ) المائدة : ٤٢ .

٢٢٣

و من أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون ١ .

« و الجفوة الجافية » أي الغليظة ، فكانوا يفعلون أفعالا في غاية الشناعة ،

و منها و أد البنات ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : إنّي قد ولدت بنتا و ربّتها ، حتّى إذا بلغت ، فألبستها و حلّيتها ثمّ جئت بها إلى قليب ، فدفعتها في جوفه ، و كان آخر ما سمعت منها ، و هي تقول : يا أبتاه .

فما كفّارة ذلك ؟ قال : ألك أمّ حيّة ؟ قال : لا . قال : فلك خالة حيّة ؟ قال : نعم . قال :

فابررها ، فإنّها بمنزلة الامّ تكفّر عنك ما صنعت . قيل : متى كان هذا ؟ فقال : كان في الجاهلية ، و كانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين ٢ .

« و الناس يستحلّون الحريم » أي : الحرام ، فيرتكبونه بلا مبالاة .

« و يستذلّون الحكيم » فضلا عن أن لا يعظّموه ، في ( الأغاني ) خرج قيسبة بن كلثوم السكوني ، و كان ملكا يريد الحجّ و كانت العرب تحجّ في الجاهلية فلا يعرض بعضها لبعض فمرّ ببني عامر بن عقيل ، فوثبوا عليه ، فأسروه و أخذوا ماله و ما كان معه ، و ألقوه في القدّ ، فمكث فيه ثلاث سنين ، و شاع باليمن أنّ الجنّ استطارته . . . فتمشّى يوما في أغلاله و قيوده حتّى صعد أكمة ثمّ أقبل يضرب ببصره نحو اليمن و تغشاه عبرة ، فبكى ثمّ رفع طرفه الى السماء و قال : اللّهم ساكن السماء فرّج لي ممّا أصبحت فيه ، إذ عرض له راكب ،

فأشار إليه أن أقبل ، فكتب تحت خشبة رحله بالمسند أمره ، فجاء قومه فاستنقذوه ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سنن أبي داود ٤ : ١٦٨ ح ٤٤٩٤ ، و سنن النسائي ٨ : ١٨ ، و ابن أبي شيبة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و المستدرك للحاكم ، و سنن البيهقي عنهم الدر المنثور ٢ : ٢٨٥ و النقل بتصرف يسير ، و الآية ٥٠ من سورة المائدة .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٦٢ ح ١٨ .

( ٣ ) لم أجده في الأغاني .

٢٢٤

« يحيون على فترة » غافلين عن ربّهم الّذي خلقهم و رزقهم .

« و يموتون على كفرة » بالههم ، و ما أراد منهم من عبادته ، قال حسّان فيه صلى اللّه عليه و آله .

رسول أتانا بعد يأس و فترة

من الرسل و الأوثان في الأرض تعبد

و لمّا بعثت قريش عمرو بن العاص إلى ملك الحبشة لردّ جعفر الطيّار و من معه لمّا هاجروا إليه تخلّصا من أذاهم ، و قال عمرو للملك : « إنّهم خالفونا في ديننا ، و سبّوا آلهتنا ، و أفسدوا شبابنا ، و فرّقوا جماعتنا ، و فردّهم إلينا لنجمع أمرنا » ، قال جعفر للملك : خالفناهم بأنّه بعث اللّه تعالى فينا نبيّا أمر بخلع الأنداد ، و ترك الاستقسام بالأزلام ، و أمرنا بالصلاة و الزكاة ، و حرّم الظلم و الجور و سفك الدماء بغير حقّها و الزنا و الربا و الميتة و الدم ، و أمرنا بالعدل و الإحسان و ايتاء ذي القربى ، و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي . فقال الملك :

فبهذا بعث اللّه تعالى عيسى بن مريم ١ .

١٢

من الخطبة ( ١٥٩ ) و من خطبة له عليه السّلام :

بَعَثَهُ بِالنُّورِ اَلْمُضِي‏ءِ وَ اَلْبُرْهَانِ اَلْجَلِيِّ وَ اَلْمِنْهَاجِ اَلْبَادِي وَ اَلْكِتَابِ اَلْهَادِي أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ وَ ثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ مَوْلِدُهُ ؟ بِمَكَّةَ ؟ وَ هِجْرَتُهُ ؟ بِطَيْبَةَ ؟ عَلاَ بِهَا ذِكْرُهُ وَ اِمْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ وَ مَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ وَ دَعْوَةٍ مُتَلاَفِيَةٍ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه بهذا اللفظ القمي في تفسيره ١ : ١٧٧ ، و الطبرسي في أعلام الورى : ٤٣ ، و أمّا الحوار بين جعفر و النجاشي فحديث مشهور أخرجه أحمد بطريقين في مسنده ١ : ٢٠١ ، و ٥ : ٢٩٠ ، و الطبراني بطرق في معجمه عنه مجمع الزوائد ٦ : ٢٤ ٣٢ ، و ابن هشام في السيرة ١ : ٢٨٩ و غيرهم .

٢٢٥

أَظْهَرَ بِهِ اَلشَّرَائِعَ اَلْمَجْهُولَةَ وَ قَمَعَ بِهِ اَلْبِدَعَ اَلْمَدْخُولَةَ وَ بَيَّنَ بِهِ اَلْأَحْكَامَ اَلْمَفْصُولَةَ فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاَمِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ وَ تَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ وَ تَعْظُمْ كَبْوَتُهُ ثُمَّ يَكُونُ مَآبُهُ إِلَى اَلْحُزْنِ اَلطَّوِيلِ وَ اَلْعَذَابِ اَلْوَبِيلِ « بعثه بالنور المضي‏ء » أي : القرآن ، قال تعالى : . . . فالّذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و أتبعوا النور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ٢ .

« و البرهان الجلي » قال تعالى : . . . قد جاءكم برهان من ربّكم و أنزلنا إليكم نورا مبينا ٣ .

« و المنهاج » أي : الطريق الواضح .

« البادي » أي : الظاهر المستبين ، من : بدا يبدو ، لا بادى بدى الّذي أصله الهمز بمعنى الابتداء ، قال تعالى : . . . قد تبيّن الرشد من الغيّ . . . ٤ .

« و الكتاب الهادي » إلى اللّه تعالى ، قال تعالى : . . . و كتاب مبين . يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السلام . . . ٥ .

« أسرته » أي : عشيرته ، و هم بنو هاشم .

« خير أسرة » قالت قتيلة ابنة النضر الداري الّذي قتله أمير المؤمنين عليه السّلام صبرا بأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أبيات :

أ محمّد و لأنت صنو نجيبة

من قومها و الفحل فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت و لربّما

منّ الفتى و هو المغيظ المحنق

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٢ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٣ ) النساء : ١٧٤ .

( ٤ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٥ ) المائدة : ١٥ ١٦ .

٢٢٦

« و شجرته خير شجرة » و المراد أصله الّذي خلق صلى اللّه عليه و آله منه ، كما يشهد له قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنا و عليّ من شجرة واحدة ، و الناس من أشجار شتّى ١ .

« أغصانها معتدلة » ليس فيها زيغ و اعوجاج .

« و ثمارها متهدّلة » أي : نازلة لا تمتنع من قطفها ، و المراد من أغصانها و ثمارها خلفاؤه الحقّة ، و عن الباقر عليه السّلام سئل عن قوله تعالى : . . . كشجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السماء . تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها . . . ٢ ،

فقال : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنا أصل تلك الشجرة و عليّ ، و الأئمّة عليهم السلام أغصانها ،

و علمنا ثمرها ، و ما يخرج من الإمام من الحلال و الحرام في كلّ سنة إلى شيعته هو إيتاء أكلها كلّ حين ٣ .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : نحن شجرة النبوّة ، و محطّ الرسالة ،

و مختلف الملائكة ، و معادن العلم ، و ينابيع الحكم ٤ .

« مولده بمكّة » حرم اللّه .

« و هجرته بطيبة » أي : المدينة ، فطيبة أحد أسمائها ، ففي ( شرح المرتضى لقصيدة الحميري ) : أنّ للمدينة اثني عشر اسما : طيبة ، و يثرب ، و الدار ،

و السكينة ، و جابرة ، و المجبورة ، و المحبّة ، و المحبوبة ، و العذراء ، و الرعبوبة ،

و القاصمة ، و بندد ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الحاكم و ابن مردويه و الذهبي عنهم الدر المنثور ٤ : ٤٤ ، و ابن عساكر بطريقين في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ١٤٢ ، ١٤٧ ح ١٧٨ ، ١٨١ ، و الخوارزمي في مناقبة : ٨٧ ، و ابن المغازلي في مناقبه : ٤٠٠ ح ٤٥٣ ، و الحسكاني بطريقين في شواهد التنزيل ١ : ٢٨٨ ح ٣٩٥ ، ٣٩٦ ، و الجويني في فرائد السمطين ١ : ٥٢ ح ١٧ و غيرهم .

( ٢ ) إبراهيم : ٢٤ ٢٥ .

( ٣ ) هذا المعنى روي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام كليهما ، بعضه مرفوع إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و بعضه لم يرفع . أقرب الألفاظ ما أخرجه الصفار في بصائر الدرجات : ٧٨ ح ١ ، و جمع بعض طرقه المجلسي في بحار الأنوار ٢٤ : ١٣٦ الباب ٤٤ .

( ٤ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ١ : ٢٠٩ ضمن الخطبة ١٠٧ .

( ٥ ) شرح القصيدة الذهبية للشريف المرتضى : ٨ .

٢٢٧

و قال سيف بن ذي يزن لجدّه عبد المطلب لما بشّره به : أجد في الكتاب الناطق و العلم السابق أنّ يثرب دار هجرته و بيت نصرته ١ .

« علا بها » أي : بطيبة .

« ذكره ، و امتدّ بها » في الآفاق .

« صوته » قال قيس بن صرمة من بني النجار فيه صلى اللّه عليه و آله :

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

يذكّر من يلقى صديقا مواليا

و يعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوي و لم ير داعيا

فلمّا أتانا أظهر اللّه دينه

فأصبح مسرورا بطيبة راضيا

و قال الأعشى :

نبي يرى ما لا يرون و ذكره

أغار لعمري في البلاد و أنجدا

هذا ، و في ( الفقيه ) عن الصادق عليه السّلام : كان اسم النبيّ صلى اللّه عليه و آله يكرّر في الأذان ، فأوّل من حذفه ابن أروى ٢ .

قلت : أي : عثمان ، و كان معاوية يتلهف على عدم استطاعته رفع اسمه صلى اللّه عليه و آله رأسا من الأذان .

« أرسله بحجّة كافية » و هي القرآن ، قال تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس و الجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ٣ ، و قال عزّ و جلّ : و إن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) حديث سيف بن ذي يزن أخرجه البيهقي في الدلائل عنه أعلام الورى : ١٧ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٥٨ و الصدوق في كمال الدين : ١٧٦ ح ٣٢ ، و الكراجكي في كنز الفوائد : ٨٢ ، و رواه شاذان بن جبرئيل في الفضائل : ٣٨ ، و الطبرسي في أعلام الورى : ١٥ باختلاف بين الروايات .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ١ : ١٩٥ ح ٥١ .

( ٣ ) الإسراء : ٨٨ .

٢٢٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بسورة من مثله . . . ١ .

« و موعظة شافية » . . . و جاءك في هذه الحقّ و موعظة و ذكرى للمؤمنين ٢ ، يا أيّها الناس قد جاءتكم موعظه من ربّكم و شفاء لما في الصدور و هدى و رحمة للمؤمنين ٣ . و لو لم يكن في القرآن إلاّ قوله تعالى :

فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره . و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره ٤ ، أو قوله تعالى : . . . يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون ٥ ، إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء . . . ٦ ، أو قوله تعالى : قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فانّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون ٧ ، إلى غير ذلك من نظائرها ، لكفى في كونها موعظة شافية .

« و دعوة » إلى اللّه .

« متلافية » أي : متداركة ، قال تعالى : . . . إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا . و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا منيرا ٨ .

« أظهر به الشرائع المجهولة » يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيرا ممّا كنتم تخفون من الكتاب و يعفو عن كثير . . . ٩ ، في ( سنن أبي داود )

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٣ .

( ٢ ) هود : ١٢٠ .

( ٣ ) يونس : ٥٧ .

( ٤ ) الزلزلة : ٧ .

( ٥ ) يونس : ٢٣ .

( ٦ ) يونس : ٢٤ .

( ٧ ) الجمعة : ٨ .

( ٨ ) الأحزاب : ٤٥ ٤٦ .

( ٩ ) المائدة : ١٥ .

٢٢٩

عن البراء بن عازب : مرّوا على النبيّ صلى اللّه عليه و آله بيهودي قد حمّم وجهه ( أي : سوّد ) و هو يطاف به ، فناشدهم ما حدّ الزاني في كتابهم ، فأحالوه على رجل منهم ،

فنشده النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما حدّ الزّنا في كتابكم ؟ فقال : الرّجم ، و لكن ظهر الزّنا في أشرافنا فكرهنا أن يترك الشريف و يقام على من دونه ، فوضعنا هذا عنّا ، فأمر به النبيّ صلى اللّه عليه و آله فرجم . ثمّ قال : اللّهم إنّي أوّل من أحيا ما أماتوا من كتابك ١ .

« و قمع به البدع المدخولة » في الدين ، ما جعل اللّه من بحيرة و لا سائبة و لا وصيلة و لا حام . . ٢ .

و في ( النهاية ) كانوا إذا ولدت إبلهم سقبا بحروا أذنه أي : شقّوها و قالوا : اللّهم إن عاش ففتيّ و إن مات فذكيّ . فإذا مات أكلوه و سمّوه : البحيرة .

و قيل : البحيرة : بنت السائبة ، كانوا إذا تابعت الناقة بين عشر أناث لم يركب ظهرها و لم يجزّ و برها ، و لم يشرب لبنها إلاّ ولدها أو ضيف ، و تركوها مسيبة لسبيلها و سمّوها السائبة ، فما ولدت بعد ذلك من أنثى شقّوا أذنها و خلّوا سبيلها ، و حرم منها ما حرم من أمّها و سمّوها البحيرة ٣ .

و الوصيلة : هي الشاة إذا ولدت ستّة أبطن اثنيين أثنيين ، و ولدت في السابعة ذكرا و أنثى . قالوا : وصلت أخاها . فأحلّوا لبنها للرجال ، و حرّموه على النساء . و قيل : إن كان السابع ذكرا ذبح و أكل منه الرجال و النساء ، و إن كانت أنثى تركت في الغنم ، و إن كان ذكرا و أنثى قالوا : وصلت أخاها و لم تذبح ، و كان لبنها حراما على النساء ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سنن أبي داود ٤ : ١٥٤ ح ٤٤٤٧ ، ٤٤٤٨ .

( ٢ ) المائدة : ١٠٣ .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ١ : ١٠٠ مادة ( بحر ) .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٩٢ مادة ( وصل ) .

٢٣٠

و في ( الصحاح ) الحامي : الفحل من الإبل الذي طال مكثه عندهم ١ .

قال الفرّاء : إذا لقح ولد ولده ، فقد حمى ظهره ، و لا يجزّ له وبر ، و لا يمنع من مرعى ٢ .

و عن ( البخاري ) البحيرة التي يمنع درّها للطواغيت ، فلا يحلبها أحد من الناس ، و السائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شي‏ء ، و الوصيلة الناقة البكر تبكّر في أوّل نتاج الإبل ثمّ تثنّي بعد بأنثى ، و كانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينهما ذكر ، و الحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ، فإذا قضى ضرابه و دعوه للطواغيت و أعفوه من الحمل فلا يحمل عليه شي‏ء و سمّوه الحامي ٣ .

و قال تعالى : و قالوا هذه أنعام و حرث حجر لا يطعمها إلاّ من نشاء بزعمهم و أنعام حرّمت ظهورها و أنعام لا يذكرون اسم اللّه عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون . و قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا و محرّم على أزواجنا و إن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم و صفهم إنّه حكيم عليم ٤ .

و قالوا : كانت تلبية قريش و العرب تلبية إبراهيم و الأنبياء عليهم السلام : « لبّيك اللّهم لبّيك لا شريك لك لبّيك » فجاءهم إبليس في صورة شيخ و قال : ما هذا تلبية أسلافكم و إنّما تلبيتهم ( لا شريك لك إلاّ شريك هو لك ) فنفرت قريش من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٣٢٠ مادة ( حمى ) .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ١٤ : ٢٠٢ مادة ( حما ) .

( ٣ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٣ : ١٢٦ ، و مسلم في صحيحه ٤ : ٢١٩٢ ح ٥١ ، و عبد الرزاق و عبد ابن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه عنهم الدر المنثور ٢ : ٣٣٧ كلّهم عن سعيد بن المسيب موقوفا .

( ٤ ) الأنعام : ١٣٨ ١٣٩ .

٢٣١

هذا القول ، فقال لهم إبليس : على رسلكم حتّى آتي على آخر كلامي . فقالوا : و ما هو ؟ قال : ( إلاّ شريك هو لك تملكه و ما ملك ) ألا ترون أنّه يملك الشريك و ما ملكه . فرضوا بذلك ، و كانت قريش خاصّة يلبّون به ، فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله : هذا شرك ، و أنزل تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم ممّا ملكت من أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ١ .

« و بيّن به الأحكام المفصولة » . . . و قد فصّل لكم ما حرّم عليكم . . . ٢ ،

و هو الذي أنزل اليكم الكتاب مفصّلا . . ٣ .

« فمن يبتغ غير الاسلام دينا تحقّق شقوته » قال تعالى : و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ٤ .

« و تنفصم » أي : تنقطع .

« عروته » فإنّ العروة الوثقى التي لا انفصام لها هي دين الاسلام .

« و تعظم كبوته » بحيث لا يرجى نعشه .

« ثمّ يكون مآبه » أي : مرجعه .

« إلى الحزن الطويل » الذي لا انقضاء له .

« و العذاب الوبيل » أي : الوخيم ، قال أبو طالب فيه :

نبيّ أتاه الوحي من عند ربّه

و من قال : لا . يقرع بسنّ نادم

هذا ، و للبحتري في أحمد بن محمّد الطائي :

و لو تناهت بنو شيبان عنه إذن

لم يجشموا غير ذي حدّين مذروب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله كذلك عبد الرؤوف سعد في هامش السيرة النبوية ١ : ٧٣ ، و نقله مختصرا ابن هشام في السيرة ١ : ٧٣ ، و الطبراني و ابن مردويه عنهما الدار المنثور ٥ : ١٥٥ ، و اليعقوبي في تاريخه ١ : ٢٥٥ ، و الآية ٢٨ من سورة الروم .

( ٢ ) الأنعام : ١١٩ .

( ٣ ) الأنعام : ١١٤ .

( ٤ ) آل عمران : ٨٥ .

٢٣٢

ما زادها النفر عنه غير تغوية

و بعدها من رضاه غير تتبيب

١٣

من الخطبة ( ١٧٦ ) وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ وَ لاَ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَ لاَ مَكْفُورٍ دِينُهُ وَ لاَ مَجْحُودٍ تَكْوِينُهُ شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ وَ صَفَتْ دِخْلَتُهُ وَ خَلَصَ يَقِينُهُ وَ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اَلَمْجُتْبَىَ مِنْ خَلاَئِقِهِ وَ اَلْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ وَ اَلْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ وَ اَلْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالاَتِهِ وَ اَلْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ اَلْهُدَى وَ اَلْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ اَلْعَمَى « و أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه » فقد قال تعالى : لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا . . . ١ .

« غير معدول به » أحد ، و كيف يعدل المخلوق بالخالق ، و كيف يعدل من هو في غالية النقص بمن هو في نهاية الكمال ؟

« و لا مشكوك فيه » و كيف و هو أظهر من الشمس ، كف لا و الشمس أحد آثاره ؟ . . . أفي اللّه شكّ فاطر السماوات و الأرض . . . ٢ .

« و لا مكفور دينه » و كيف و هو دين قيّم غير ذي عوج جامع لسعادة الدارين ، فقد قال سفراؤه تعالى : اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا ، و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا ؟

« و لا مجحود تكوينه » حتّى من الّذين جعلوا الأصنام له شركاء في العبادة و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولنّ اللّه . . . ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنبياء : ٢٢ .

( ٢ ) إبراهيم : ١٠ .

( ٣ ) لقمان : ٢٥ .

٢٣٣

« شهادة من صدقت نيّته » من الكذب .

« و صفت دخلته » من الكدر .

« و خلص يقينه » من الريب .

« و ثقلت موازينه » بالأعمال الصالحة ، و إنّما قيّد عليه السّلام شهادته بما قيّده ،

لأنّ الشهادة إذا لم تكن كذلك لم تكن بمفيدة ، كشهادة المنافقين .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله » إلى خلقه .

« المجتبى » أي : المصطفى .

« من خلائقه » من الأوّلين و الآخرين ، و عن ابن عبّاس في حديث المعراج :

أنّ جبرئيل أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : إنّ ربّي بعثني إليك و أمرني أن آتيه بك فقم ،

فإنّ اللّه تعالى يكرمك كرامة لم يكرم بها أحد قبلك و لا بعدك ١ .

و في خبر آخر : فلمّا بلغ إلى سدرة المنتهى فانتهى الى الحجب فقال جبرئيل : تقدّم يا رسول اللّه ليس لي أن أجوز هذا المكان ، ولو دنوت أنملة لا حترقت ٢ .

و في خبر آخر : قال له جبرئيل : ما وطأ نبيّ قطّ مكانك ٣ .

« و المعتام » أي : المختار ، و لفظ اسمي الفاعل و المفعول في مثله ، و إن كان واحدا إلاّ أنّه هنا اسم مفعول كلفظ ( المختص ) بعده . و قول الخوئي : « إنّه اسم فاعل » ٤ وهم .

« لشرح حقائقه » جمع حقيقة ، قال ابن أبي الحديد : أي لشرح حقائق توحيده و عدله ، و معنى حقائق توحيده الأمور المحقّقة اليقينية الّتي لا تعتريها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٧٧ ، ١٧٩ ضمن حديثين عن ابن عباس .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٧٩ ضمن حديث عن أبي بصير .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) شرح الخوئي ٥ : ٦٢ .

٢٣٤

الشكوك ، و لا تتخالجها الشبه ، و هي أدلّة أصحابنا المعتزلة الّتي استنبطوها بعقولهم بعد أن دلّهم إليها و نبّههم على طرق استنباطها النبيّ صلى اللّه عليه و آله بواسطة أمير المؤمنين عليه السّلام ، لأنّه إمام المتكلّمين الّذي لم يعرف علم الكلام من أحد قبله ١ .

قلت : بل المراد بشرح حقائقه مطلق الأصول و الفروع ، فانّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم كما شرح التوحيد و العدل شرح المعاد و الثواب و العقاب ، و شرح الحلال و الحرام ، و لا سيّما بعض الأحكام التي بيّنها صلى اللّه عليه و آله و سلم بواسطة أهل بيته عليهم السّلام ،

فقال رجل للكاظم عليه السّلام : إنّ رجلا من مواليك تزوّج جارية معصرا لم تطمث ،

فلمّا افتضّها سال الدّم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام ، و إنّ القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهنّ : دم الحيض ، و قال بعضهنّ : دم العذرة . فما ينبغي لها أن تصنع ؟ إلى أن قال قال عليه السّلام له : سرّ اللّه فلا تذيعوه ، و لا تعلّموا هذا الخلق أصول دين اللّه ، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال . ثمّ قال :

تستدخل القطنة ثمّ تدعها مليّا ، ثمّ تخرجها إخراجا رفيقا ، فان كان الدّم مطوّقا في القطنة فهو من العذرة ، و إن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض . فبكى الرجل و قال له عليه السّلام : من كان يحسن هذا غيرك ؟ فرفع الكاظم عليه السّلام يده إلى السماء و قال : و اللّه إنّي ما أخبرك إلاّ عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن جبرئيل عليه السّلام عن اللّه عزّ و جلّ ٢ .

و في خبر عن الصادق عليه السّلام في اشتباه دم الحيض و القرحة : فان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، و ان خرج من الجانب الأيمن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٣ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٩٢ ح ١ ، و المحاسن للبرقي : ٣٠٧ ح ٢٢ و النقل بتقطيع ، و قريب منه التهذيب للطوسي ١ : ٣٨٥ ح ٧ .

٢٣٥

فهو من القرحة ١ .

و قد شرح النبيّ صلى اللّه عليه و آله الحقائق في ما نسبه أهل الكتاب إلى التوراة و الإنجيل افتراء منهم ، فقالوا : لحم الإبل كان محرّما في ملّة إبراهيم عليه السّلام .

فكذّبهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في ما أنزل تعالى في قوله : كلّ الطعام كان حلاّ لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ٢ .

و شرح النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قصص الأنبياء بحقائقها في ما أنزل تعالى عليه ،

فقال في ( هود ) بعد ذكر قصّة نوح : تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت و لا قومك من قبل هذا . . . ٣ ، و شرح خبر ذي القرنين ٤ ، و خبر أصحاب الكهف ٥ ، إلى غير ذلك .

و كان في الأنصار تيه و تكرّم فيتحرّجون من مؤاكلة الأعمى و الأعرج و المريض ، و يتحرّجون هم من مؤاكلة الأصحّاء ، فسألوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن ذلك فنزلت : ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج و لا على أنفسكم . . . ٦ ، و توهّم غير الأصحّاء وجوب الجهاد عليهم كالأصحّاء

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه كذلك التهذيب للطوسي ١ : ٣٨٥ ح ٨ ، و صاحب فقه الرضا فيه ، عنه البحار ٨١ : ٩٣ ، و به أفتى الفقيه للصدوق ١ : ٥٤ و المقنع : ٥ و الطوسي في المبسوط ١ : ٤٣ و النهاية : ٢٣١ ، و أخرجه بالعكس أي الحيض من الأيمن و القرحة من الأيسر الكافي للكليني ٣ : ٩٤ ح ٣ ، و رواه العلاّمة الحلي نقلا عن تهذيب الطوسي في المختلف ١ : ٣٦ و المنتهى ١ : ٩٥ ، و به أفتى ابن الجنيد كما في المنتهى ١ : ٩٥ ، و للفقهاء بحث حول هذا الحديث .

( ٢ ) آل عمران : ٩٣ .

( ٣ ) هود : ٤٩ .

( ٤ ) جاءت القصة في سورة الكهف الآيات : ٨٣ ٩٨ .

( ٥ ) جاءت القصة في سورة الكهف الآيات : ١٠ ٢٦ .

( ٦ ) هذا الشأن تفسير القمي ٢ : ١٠٨ عن الباقر عليه السّلام و الواحدي في أسباب النزول : ٢٢٣ عن ابن عباس ، و في الباب عن غيره ، جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ٥ : ٥٨ و الآية من سورة النور : ٦١ .

٢٣٦

فنزلت : ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج و من يطع اللّه و رسوله . . . ١ .

ثمّ لم خصّ ابن أبي الحديد شرح النبيّ صلى اللّه عليه و آله للحقائق بالتوحيد و العدل من الأصول ؟ و لم لم يذكر المعاد ؟ و قد شرحه في كتابه ، فقال : و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم . قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة و هو بكلّ خلق عليهم ٢ .

و لم لم يذكر شرح النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم للإمامة الّتي هي أهمّ الحقائق إذ بها تكميل الدين ، و لو لم يشرحها كأن لم يبلّغ رسالته ، كما نصّ على ذلك في الكتاب ؟ و قد شرحها في كتابه في قوله تعالى : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٣ ، و في قوله تعالى : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ٤ ، و في قوله تعالى : . . . إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٥ ، و في قوله صلى اللّه عليه و آله بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه ٦ . و في قوله صلى اللّه عليه و آله : أنت منّي يا عليّ بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الطبراني في معجمه عنه الدر المنثور ٦ : ٧٣ عن زيد بن ثابت ، و الآية ١٧ من سورة الفتح و طرفاها يدلاّن على ذلك لا حاجة إلى الرواية .

( ٢ ) يس : ٧٨ ٧٩ .

( ٣ ) المائدة : ٥٥ .

( ٤ ) آل عمران : ٦١ .

( ٥ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٦ ) هذا الحديث المعروف بحديث الولاء و حديث الغدير من الأحاديث المتواترة ، أخرجه كثير من أهل الحديث و روي على ما أحصيته عن مائة و عشرين من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و منهم : علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و ابن عباس و الزبير و طلحة و أبو بكر و عمر و عثمان ، رواه من الطرق كثيرة ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ٢ : ٣٥ ٩٠ ح ٥٣٥ ٥٩٢ ، و جمع بعض طرقه المجلسي في البحار ٣٧ : ١٠٨ الباب ٥٢ .

٢٣٧

نبيّ بعدي ١ . إلى غير ذلك .

« و المختصّ بعقائل » جمع عقيلة ، أي : نفائس .

« كراماته » قال تعالى له صلى اللّه عليه و آله و سلم : ألم نشرح لك صدرك . و وضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك . و رفعنا لك ذكرك ٢ ، و قال عزّ و جلّ له :

و الضّحى . و اللّيل إذا سجى . ما ودّعك ربّك و ما قلى . و للآخرة خير لك من الأولى . و لسوف يعطيك ربّك فترضى . أ لم يجدك يتيما فآوى . و وجدك ضالاّ فهدى . و وجدك عائلا فأغنى . . . و أمّا بنعمة ربّك فحدّث ٣ ، و قال عزّ اسمه : سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا . . . ٤ ، و قال سبحانه : و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ٥ ، و قد جعل عزّ و جلّ ذكره صلى اللّه عليه و آله مقرونا بذكره في كلّ يوم خمس مرّات على المنائر ، و جعل الشهادة برسالته موصولة بالشّهادة بتوحيده جلّ و علا على المنائر .

و في خبر المعراج : أنا المحمود و أنت محمّد شققت اسمك من اسمي ،

فمن وصلك وصلته ، و من قطعك بتلته ، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا الحديث المعروف بحديث المنزلة من الأحاديث المتواترة ، أخرجه كثير من أهل الحديث و روي على ما أحصيته عن اثنين و أربعين من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، منهم : علي و فاطمة و الحسن عليهم السلام و ابن عباس و الزبير و طلحة و أبوبكر و عمر و عثمان ، رواه من طرق كثيرة ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ٣٠٦ ٣٩٤ ح ٣٣٦ ٤٥٦ ، و جمع بعض طرقه المجلسي في البحار ٣٧ : ٢٥٤ الباب ٥٣ .

( ٢ ) الانشراح : ١ ٤ .

( ٣ ) الضحى : ١ ١١ .

( ٤ ) الإسراء : ١ .

( ٥ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٣٨

إيّاك ، و إنّي لم أبعث نبيّا إلاّ جعلت له وزيرا ، و أنّك رسولي ، و أنّ عليّا وزيرك ١ .

« و المصطفى » أي : المختار .

« لكرائم رسالاته » إلى بريّته ثمّ دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى ٢ . و قال صلى اللّه عليه و آله : إنّما بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق ٣ .

« و الموضّحة به » صلى اللّه عليه و آله .

« أشراط » جمع شرط بفتحتين ، أي : علائم .

« الهدى » قال ابن الزبعرى فيه صلى اللّه عليه و آله :

هادي العباد إلى الرشاد و قائد

للمؤمنين بضوء نور ثاقب

« و المجلّو به غربيب » عطف على اشراط ، أي : شدائد سواد .

« العمى » فرفع به صلى اللّه عليه و آله المنكرات و الشنائع ، فصار الناس به بصيرين ،

و في الخبر : سأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السلام عن مسائل ، منها : ما الأعمى باللّيل بصير بالنّهار ؟ فقال عليه السّلام : ذلك رجل جحد الأنبياء الّذين مضوا ، ثمّ أدرك النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فأمن به ، فعمي باللّيل و أبصر بالنّهار ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٧٩ .

( ٢ ) النجم : ٨ ١٠ .

( ٣ ) رواه المناوي في كنوز الحقائق ١ : ٧٦ ، و الطبرسي في مكارم الأخلاق : ٨ ، و البخاري في الأدب ، و الحاكم في المستدرك ، و البيهقي في الشعب عنهم الجامع الصغير ١ : ١٠٣ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٢٠٩ المجلس ٨ و غيرهم .

( ٤ ) أخرجه الطبرسي في الاحتجاج : ٢٢٩ ، و محمد بن علي بن إبراهيم في عجائب الأحكام : ١٠٦ ح ١٧٤ ، ضمن الحديث .

٢٣٩

١٤

الخطبة ( ١٧١ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمِينُ وَحْيِهِ وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ وَ بَشِيرُ رَحْمَتِهِ وَ نَذِيرُ نِقْمَتِهِ « أمين وحيه » قال حسّان فيه صلى اللّه عليه و آله و سلم :

أمين اللّه شيمته الوفاء

و قال عمّه أبو طالب فيه :

أنت الأمين أمين اللّه لا كذب

و الصّادق القول لا لهو و لا لعب

أنت الرّسول رسول اللّه نعلمه

عليك ينزل من ذي العزّة الكتب

« و خاتم رسله » قال تعالى : . . . و لكن رسول اللّه و خاتم النبييّن . . . ١ .

و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم لأمير المؤمنين عليه السّلام : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ٢ . و هو من الأخبار المتواترة .

و حلاله حلال إلى يوم القيامة ، و حرامه حرام إلى يوم القيامة ، فمن ادّعى بعده نبوّة ، أو أتى بعد كتابه بكتاب ، أو جاء بعد سنّته بسنّة ، فكافر و دمه مباح ، و مع ذلك فقد قال فاروقهم : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنا أحرّمهما و أعاقب عليهما ٣ . و زاد هو و صدّيقهم على سنّة خاتم الرسل سننا أثبتها التاريخ ، و لما قال أمينهم ابن عوف لأمير المؤمنين عليه السّلام يوم الدار :

أبايعك على سنّة أبي بكر و عمر أنكر عليه السّلام ذلك ٤ . و رضي بغصب حقّه الّذي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٢ ) هذا الحديث المتواتر المعروف بحديث المنزلة مرّ تخريجه في العنوان ١٣ من هذا الفصل .

( ٣ ) أخرجه الطحاوي في معاني الآثار ، و أبو صالح في نسخته عنهما منتخب كنز العمال ٦ : ٤٠٤ ، و رواه أبو القاسم الكوفي في الاستغاثة : ٤٤ بلفظ : « أنا أنهى عنهما و اعاقب عليهما » و أمّا لفظ الكتاب فرواه ابن عطية في المؤتمر : ٤٩ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٠١ سنة ٢٣ ، و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٢٦ ، و تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٢ و غيرهم .

٢٤٠