بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113022 / تحميل: 6015
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كان يشكو دائما منه دلالة على بطلان سنّتهما ، و قبله ذو نوريهم ، و زاد في إيقاد نيرانهما بما أدّى إلى إحراقه ، و كذلك أنكر عليه السّلام سنّتهما لمّا عرض الخثعمي عند قيام الخوارج عليه ذلك في بيعة الناس الثانية إتماما للحجّة ١ .

« و بشير رحمته » . . . و بشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدق عند ربّهم . . . ٢ .

« و نذير نقمته » و أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع ٣ ، و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتّبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زال ٤ ، فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود ٥ ، إنّما تنذر من أتّبع الذّكر و خشي الرحمن بالغيب فبشّره بمغفرة و أجر كريم ٦ ، إنّا أنذر ناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه و يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ٧ .

١٥

من الخطبة ( ١٨٨ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَحْمَدُهُ شُكْراً لِإِنْعَامِهِ وَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ عَزِيزَ اَلْجُنْدِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الامامة و السياسة لليعقوبي ١ : ١٤٦ .

( ٢ ) يونس : ٢ .

( ٣ ) غافر : ١٨ .

( ٤ ) إبراهيم : ٤٤ .

( ٥ ) فصلت : ١٣ .

( ٦ ) يس : ١١ .

( ٧ ) النبأ : ٤٠ .

٢٤١

عَظِيمَ اَلْمَجْدِ . وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ وَ قَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَلَى دِينِهِ لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ اِجْتِمَاعٌ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَ اِلْتِمَاسٌ لِإِطْفَاءِ نُورِهِ . « أحمده شكرا لإنعامه » فإنّ شكر المنعم من الموجبات العقلية .

« و أستعينه على وظائف حقوقه » فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه ، فلا بدّ من الاستعانة به حتّى في اداء حقوقه .

« عزيز الجند » و إنّ جندنا لهم الغالبون ١ ، . . . إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها . . . ٢ .

« عظيم المجد » ذو العرش المجيد . فعّال لما يريد ٣ .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله » أشرف رسله .

« دعا إلى طاعته » صعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أوّل بعثته الصفا و قال : يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : مالك ؟ قال : أرأيتكم أن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ، ما كنتم تصدّقونني ؟ قالوا : بلى . قال : فانّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ٤ .

« و قاهر أعداءه جهادا » في بدر و أحد ، و غيرهما .

« على دينه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( عن دينه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٥ . قالوا : نزل جبرئيل بعد سبعة أشهر من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الصافات : ١٧٣ .

( ٢ ) الأحزاب : ٩ .

( ٣ ) البروج : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ١٣٣ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٦٢ ، و سعيد بن منصور و ابن مردويه و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عنهم الدر المنثور ٥ : ٩٦ ، و رواه ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٤٦ ، و الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٢٠٦ . و قد مرّ في العنوان ٦ من هذا الفصل .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢١٨ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٠١ « على » أيضا .

٢٤٢

هجرته ، و قلّد في عنقه سيفا لا غمد له ، و قال له : حارب بهذا قومك حتّى يقولوا :

لا إله إلاّ اللّه ١ .

« لا يثنيه » أي : لا يدفعه .

« عن ذلك » أي : الجهاد في الدين .

« اجتماع على تكذيبه و التماس لإطفاء نوره » قالوا : جاءت قريش إليه صلى اللّه عليه و آله و قالوا : شتمت آلهتنا ، و سفّهت أحلامنا ، و فرّقت جماعتنا ، فإن طلبت مالا أعطيناك ، أو الشرف سوّدناك ، أو كان بك علّة داويناك . فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

ليس شي‏ء من ذلك ، بل بعثني اللّه إليكم رسولا ، و أنزل عليكم كتابا ، فإن قبلتم ما جئت به فهو حظّكم في الدّنيا و الآخرة ، و إن تردّوه أصبر حتّى يحكم اللّه بيننا . فقالوا لعمّه أبي طالب : قل له : يكف عن سبّ آلهتنا أو ننازله في ذلك حتّى يهلك أحد الفريقين . قال : يا عمّاه لو وضعت الشمس في يميني و القمر في شمالي ، ما تركت هذا القول حتّى أنفذه أو اقتل دونه ٢ .

١٦

من الخطبة ( ١٨٩ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اِبْتَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ وَ يَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ اَلْحَيْنِ وَ اِسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ اَلرَّيْنِ « و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله » هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و لو كره المشركون ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ١٨٦ .

( ٢ ) سيرة لابن هشام ١ : ٢٤٠ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٦٧ و غير هما .

( ٣ ) التوبة : ٣٣ .

٢٤٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« ابتعثه » بالرسالة .

« و النّاس يضربون في غمرة » أي : شدّة ، قال ذو الرّمة :

ليالي اللّهو يطبيني فاتبعه

كأنّني ضارب في غمرة لعب

١ « و يموجون في حيرة » و لا يعرفون سبيلا للنجاة .

« قد قادتهم أزمّة الحين » بالفتح ، أي : الهلاك ، قال تعالى : . . . و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها . . . ٢ .

« و استغلقت على أفئدتهم أقفال الرين » أي : الطبع و الختم ، قال تعالى : كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ٣ ، . . . و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم . . . ٤ .

في ( سيرة ابن هشام ) عن ابن عبّاس دخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله مكّة يوم الفتح على راحلته فطاف عليه ، و حول البيت أصنام مشدودة بالرصاص ، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله يشير بقضيب في يده إلى الأصنام و يقول : . . . جاء الحق و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ٥ ، فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلاّ وقع لقفاه ، و لا أشار إلى قفاه إلاّ وقع لوجهه ، حتّى ما بقي منها صنم إلاّ وقع ، فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك :

و في الأصنام معتبر و علم

لمن يرجو الثواب أو العقابا

٦

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٣ مادة ( طبا ) .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٣ ) المطففين : ١٤ .

( ٤ ) النساء : ٩٤ .

( ٥ ) الإسراء : ٨١ .

( ٦ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٤٤ .

٢٤٤

و فيه : و حدّثني بعض أهل العلم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة و غيرهم ، فرأى إبراهيم عليه السّلام مصوّرا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال : قاتلهم اللّه جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ، ما شأن إبراهيم بالأزلام ما كان إبراهيم يهوديّا و لا نصرانيّا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين ١ ، ثمّ أمر بتلك الصّور كلّها فطمست ٢ .

و في ( صحيح مسلم ) عن ابن عبّاس كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض ، و يجعلون المحرّم صفر ، و يقولون : إذا برأ الدبر ، و عفا الأثر ، و انسلخ صفر ، حلّت العمرة لمن اعتمر . فقدم النبي صلى اللّه عليه و آله و أصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول اللّه أيّ الحلّ ؟ قال : الحلّ كلّه ٣ .

١٧

من الخطبة ( ١٨٣ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اَلصَّفِيُّ وَ أَمِينُهُ اَلرَّضِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ اَلْحُجَجِ وَ ظُهُورِ اَلْفَلَجِ وَ إِيضَاحِ اَلْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ اَلرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَ حَمَلَ عَلَى اَلْمَحَجَّةِ دَالاًّ عَلَيْهَا وَ أَقَامَ أَعْلاَمَ اَلاِهْتِدَاءِ وَ مَنَارَ اَلضِّيَاءِ وَ جَعَلَ أَمْرَاسَ اَلْإِسْلاَمِ مَتِينَةً وَ عُرَى اَلْإِيمَانِ وَثِيقَةً « و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله الصفّي » أي : المصطفى ، قال السروي : في الحساب سيّد النبيّين صلى اللّه عليه و آله ، وزنه المصطفى محمّد رسول اللّه ، لأنّ عدد كلّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦٧ .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٤١ .

( ٣ ) أخرجه مسلم في صحيحه ٢ : ٩٠٩ ح ١٩٨ ، و جمع سائر طرق أصحاب الصحاح و ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ٣ : ٤٧٤ ح ١٤١٤ .

٢٤٥

واحد منهما استويا في سبعمائة و أربعة عشر ١ .

« و أمينه الرضي صلّى اللّه عليه » قال تعالى : و الضّحى . و اللّيل إذا سجى . ما ودّعك ربّك و ما قلى . و للآخرة خير لك من الاولى . و لسوف يعطيك ربّك فترضى . . . و أمّا بنعمة ربّك فحدّث ٢ .

و روى الخطيب في محمّد بن أحمد بن الفرج عن أنس قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من كرامتي أنّي ولدت مختونا ، و لم ير أحد سوأتي ٣ .

و في ( دعاء فطر الصحيفة الثانية ) : و قلت جلّ قولك حين اختصصته بما سمّيته من الأسماء : طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ٤ ، و قلت جلّ قولك يس . و القرآن الحكيم ٥ ، و قلت تقدّست أسماؤك ص و القرآن ذي الذكر ٦ ، و قلت عظمت آلاؤك ق و القرآن المجيد ٧ ، فخصصته أن جعلته قسمك حين أسميته ، و قرنت القرآن به ، فما في كتابك من شاهد قسم و القرآن مردفه إلاّ و هو اسمه ، و ذلك شرف شرّفته به ، و فضل بعثته إليه ٨ .

و المفهوم من كلام السّجاد عليه السّلام هذا أنّ الفواتح الّتي بعدها لفظ القرآن كقوله تعالى : طه . ما أنزلنا عليك القرآن ، يس . و القرآن ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) قاله ابن شهر آشوب السروي في مناقبه ١ : ٢٣٣ ، أمّا على حساب الأبجد فلفظ « المصطفى محمّد رسول اللّه » يساوي العدد ٧١٤ لكن لفظ « سيد النبيّين صلى اللّه عليه و آله » يساوي العدد ٥٨٠ و إذا ألحقنا عليه « و سلم » يبلغ العدد ٧١٦ .

( ٢ ) الضحى : ١ ١١ .

( ٣ ) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١ : ٣٢٩ .

( ٤ ) طه : ١ ٢ .

( ٥ ) يس : ١ ٢ .

( ٦ ) ص : ١ .

( ٧ ) ق : ١ .

( ٨ ) الأمثال لابن طاووس ، و الاختيار لابن باقي ، و صاحب جنّة الأمان فيه عنهم البحار ٩١ : ٨ ح ٣ ، و البلد الأمين للكفعمي : ٢٣٨ عن السجاد عليه السّلام .

٢٤٦

ص و القرآن ، ق و القرآن كلّها أسماء للنبيّ صلى اللّه عليه و آله أقسم اللّه تعالى به أوّلا ثمّ بكتابه ، و يكفيه صلى اللّه عليه و آله ذلك شرفا و نبلا ، و إصطفاء و ارتضاء .

« أرسله بوجوب الحجج » في الخبر : أنّ قريشا نهوا طفيل بن عمرو عن قرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله فدخل المسجد محشوّا أذنيه بكرسف لكيلا يسمع صوته ،

فكان يسمع فأسلم ، و قال :

يحذّرني محمّدها قريش

و ما أنا بالهيوب لدى الخصام

فقام إلى المقام و قمت منه

بعيدا حيث أنحو من ملام

و أسمعت الهدى و سمعت قولا

كريما ليس من سجع الأنام

و صدّقت الرسول و هان قوم

عليّ و رموه بالبهت العظام

ثمّ قال : يا رسول اللّه إنّي امرؤ مطاع في قومي ، فادع اللّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا على ما أدعوهم إلى الاسلام . فقال : اللّهم اجعل له آية . فانصرف إلى قومه إذ رأى نورا في طرف سوطه كالقنديل ، فأنشاء :

ألا أبلغ لديك بني لؤي

على الشّنان و الغضب المردّ

بأنّ اللّه ربّ الناس فرد

تعالى جدّه عن كلّ جدّ

و أنّ محمّدا عبد رسول

دليل هدى و موضع كلّ رشد

رأيت له دلائل أنبأتني

بأنّ سبيله للفضل يهدي

١ « و ظهور الفلج » أي : الغلبة على الخصوم .

« و إيضاح المنهج » أي : الطريق ، في الخبر : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان يقول :

جاء الحقّ و زهق الباطل . . . ٢ و يرمي كفّا من حصى ، فتنكبّ الأصنام لوجهها ، فيقول أهل مكّة : ما رأينا أسحر من محمّد ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١١٨ .

( ٢ ) الإسراء : ٨١ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٠ .

٢٤٧

« فبلّغ الرسالة » من ربّه إلى عباده .

« صادعا بها » أي : مظهرا بها ، كما أمره ربّه في قوله : فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين ١ .

قال السروي : لمّا قالت قريش : إنّه ساحر . علمنا أنّه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله ، و قالوا : هذا مجنون . لما هجم منه على شي‏ء لم يفكّر في عاقبته منهم ، و قالوا : هو كاهن . لأنّه أنبأ بالغائبات ، و قالوا : معلّم . لأنّه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم ، فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه ٢ .

« و حمل على المحجّة » أي : الجادّة .

« دالا عليها » و أنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله . . . ٣ .

قال الجزري : لمّا كان من أمر أصحاب الفيل ما ذكرناه عظمت قريش عند العرب ، فقالوا لهم : أهل اللّه و قطنه يحامي عنهم . فاجتمعت قريش بينها ،

و قالوا : نحن بنو إبراهيم عليه السّلام و أهل الحرم ، و ولاة البيت ، و قاطنوا مكّة فليس لأحد من العرب مثل منزلتنا ، و لا يعرف العرب لأحد مثل ما يعرف لنا ، فهلمّوا فلنتّفق على ائتلاف أنّنا لا نعظّم شيئا من الحلّ كما يعظّم الحرم ، فانّنا إذا فعلنا ذلك استخفّت العرب بنا و بحرمنا . و قالوا : قد عظّمت قريش من الحلّ مثل ما عظّمت من الحرم . فتركوا الوقوف بعرفة ، و الإفاضة منها ، و هم يعرفون و يقرّون أنّها من المشاعر و الحجّ و دين إبراهيم عليه السّلام ، و يرى سائر العرب أن يقفوا عليها ، و أن يفيضوا منها ، و قالوا : نحن أهل الحرم فلا نعظّم غيره و نحن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٩٤ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٣ .

( ٣ ) الأنعام : ١٥٣ .

٢٤٨

الحمس و أصل الحماسة : الشدّة أنّهم تشدّدوا في دينهم ، و جعلوا لمن ولد واحدة من نسائهم من العرب ساكني الحلّ مثل مالهم بولادتهم ، و دخل معهم في ذلك كنانة و خزاعة و عامر ، لولادة لهم . ثمّ ابتدعوا فقالوا : لا ينبغي للحمس أن يعملوا الأقط ، و لا يسلؤوا السمن و هم حرم ، و لا يدخلوا بيتا من شعر ، و لا يستظلّوا إلاّ في بيوت الأدم ما كانوا حرما . و قالوا : و لا ينبغي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعام جاؤوا به معهم من الحلّ في الحرم ، إذا جاؤوا حجّاجا أو عمّارا ، و لا يطوفون بالبيت طوافهم إذا قدموا إلاّ في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة ، فإن أنف أحد من عظمائهم أن يطوف عريانا إذا لم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه ألقاها إذا فرغ من الطواف ، و لا يمسّها هو و لا أحد غيره ، و كانوا يسمّونها اللقى . فدانت العرب لهم بذلك ، فكانوا يطوفون كما شرعوا لهم ، و يتركون أزوادهم التي جاؤوا بها من الحلّ ، و يشترون من طعام الحرم و يأكلونه .

هذا في الرجال ، و أمّا النساء ، فكانت تضع ثيابها كلّها إلاّ درعها مفرّجا ،

ثمّ تطوف فيه و تقول :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

و ما بدا منه فلا أحلّه

فكانوا كذلك حتّي بعث اللّه محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلم فنسخه ، فأفاض من عرفات ،

و طاف الحجّاج بالثياب الّتي معهم من الحلّ ، و أكلوا من طعام الحلّ في الحرم أيّام الحجّ ، و أنزل اللّه إنّ اللّه تعالى في ذلك : ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس و استغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم ١ أراد بالناس العرب ، و أمر قريشا أن يفيضوا من عرفات ، و أنزل اللّه تعالى في اللباس و الطّعام الّذي من الحلّ و تركهم إيّاه في الحرم : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد و كلوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٩٩ .

٢٤٩

و اشربوا . . . لقوم يعلمون ١ .

و في خبر عن أمير المؤمنين عليه السّلام : أمرني النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن اللّه تعالى أنّه لا يطوف بالبيت عريان ، و لا يقرب المسجد الحرام مشرك ٢ .

« و أقام أعلام الاهتداء و منار الضياء » . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا . . . ٣ .

« و جعل أمراس » أي : حبال .

« الإسلام متينة » أي : محكمة صلبة .

« و عرى » جمع عروة .

« الإيمان وثيقة » أي : مستحكمة ، . . . فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . . . ٤ .

قال السروي : و من أوضح الدلالات على نبوته صلى اللّه عليه و آله استيقان كافّتهم بحدوده ، و تمكّن موجباتها في غوامض صدورهم ، حتّى إنّهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حدّ من حدوده ، و بالجهل من لم يعرفه ، و بالكفر من أعرض عنه ، و يقيمون الحدود ، و يحكمون بالقتل و الضرب و الأسر لمن خرج عن شريعته ، و يتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبّته ، و أنّه بقي في نبوّته نيفا و عشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلاّ جزيرة العرب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن الأثير الجزري في الكامل ١ : ٤٥١ ، و الآيتان ( ٣١ ٣٢ ) من سورة الأعراف .

( ٢ ) جاء هذا المعنى في ضمن حديث تبليغ على عليه السّلام البراءة ، أخرجه الترمذي في سننه ٥ : ٢٧٥ ح ٣٠٩١ ، و الحاكم و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عنهم الدر المنثور ٣ : ٢١٠ ، و غيرهم عن ابن عباس ، و أخرجه أحمد في مسنده ١ : ٣ ، و أبو يعلى في مسنده عنه الكاف الشاف ٢ : ٢٤٣ ، و ابن خزيمة و أبو عوانة و الدار قطني في الافراد عنهم منتخب كنز العمال ١ : ٤٤٤ ، و ابن عساكر في ترجمة على عليه السّلام ٢ : ٣٨٣ ح ٨٨٩ و غيرهم عن أبي بكر ، و في الباب عن علي و الباقر عليهما السلام و أبي سعيد و أبي هريرة و عروة و غيرهم .

( ٣ ) المائدة : ٣ .

( ٤ ) البقرة : ٢٥٦ .

٢٥٠

فاتّسقت دعوته برّا و بحرا منذ خمسمائة و سبعين سنة مقرونا باسم ربّه ،

ينادى بأقصى الصين و الهند و الترك و الخزر و الصقالبة و الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال في كلّ يوم خمس مرّات بالشهادتين بأعلى صوت بلا أجرة ، و خضعت الجبابرة لها و لا تبقى لملك نوبته بعد موته . . و من تمام قوّته أنّها تجذب العالم من أدنى الأرض و أقصى أطرافها في كلّ عام إلى الحجّ حتّى تخرج العذراء من خدرها ، و العجوز في ضعفها ، و من حضرته وفاته يوصي بأدائه ، و قد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهب عطشا حتّى يخوض الماء إلى حلقه ، و لا يستطيع أن يجرع منه جرعة ، و كلّ يوم خمس مرّات يسجدون خوفا و تضرّعا ١ .

و عن ( التوراة ) في وصفه صلى اللّه عليه و آله و سلم : « يضع سيفه على عاتقه و لا يبالي من لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ و الحافر » ٢ .

١٨

من الخطبة ( ١٩٣ ) وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَ إِيقَانٍ وَ إِخْلاَصٍ وَ إِذْعَانٍ وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَ أَعْلاَمُ اَلْهُدَى دَارِسَةٌ وَ مَنَاهِجُ اَلدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ وَ هَدَى إِلَى اَلرُّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ « و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه شهادة إيمان » بالقلب لا مجرّد إظهار لسان .

« و إيقان » لا عن شكّ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ١٢٧ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ١٩٨ ح ٤٠ عن ابن عباس عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن وصية ابن حواس الحبر ، و لم يصرح بكونه من التوراة .

٢٥١

« و إخلاص » لا ليرى الناس .

« و إذعان » أي : خضوع و تذلل .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله » بالحقّ .

« أرسله » ربّه .

« و أعلام » أي : علائم .

« الهدى » إلى صراط اللّه .

« دارسة » أي : مندرسة .

« و مناهج » أي : طرق .

« الدين طامسة » أي : ممحوّة ، قال السروي : في زبور داود : اللّهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة ١ .

و روى عن محمّد بن إسحاق : أنّ زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الأرض يطلب الدين الحنيف ، فقال له راهب بالشام : إنّك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه ، و لكنّك قد أظلّك خروج نبيّ يأتي ملّة إبراهيم الحنيفية ، و هذا زمانه ٢ .

« فصدع » أي : أعلن .

« بالحق » كما أمر ، و عن الصادق عليه السّلام : اكتتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله بمكّة مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره ، و عليّ عليه السّلام معه و خديجة ، ثمّ أمره اللّه أن يصدع بما أمر به ، فظهر رسول اللّه و أظهر أمره ٣ .

« و نصح للخلق » بما هو سعادتهم في دنياهم و عقباهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ١٤ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ بفرق يسير ، و الخرائج للراوندي ١ : ٦٦ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٤ ، و السيرة لابن هشام ١ : ٢١٤ ، و الطبقات لابن سعد ١ : ق ١ : ١٠٦ ، و الخرائج للراوندي ١ : ١٢٧ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ ، و الغيبة للطوسي : ٢٠١ .

٢٥٢

« و هدى إلى الرشد » . . . قد تبيّن الرشد من الغيّ . . . ١ .

« و أمر بالقصد » أي : العدل ، قال شاعر :

على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى

قضيّته ألاّ يجور و يقصد

٢ الّذين يتّبعون الرسول النبيّ الامّي الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و يناهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالّذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتّبعوا النور الّذي انزل معه أولئك هم المفلحون ٣ .

صلّى اللّه عليه و آله و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها . . . ٤ ،

إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ٥ .

١٩

الخطبة ( ١٩٤ ) و من خطبة له عليه السّلام :

بَعَثَهُ حِينَ لاَ عَلَمٌ قَائِمٌ وَ لاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ « بعثه حين لا علم » أي : معلما للطريق .

« قائم » لم ينف عليه السّلام المعلم رأسا ، بل مع كونه قائما ، حيث إنّه لم يخل زمان من حجّة لئلاّ يكون للناس في وقت على اللّه حجّة ، و كذا الكلام في الآيتين .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٢ ) لسان العرب ٣ : ٣٨٣ مادة ( قصد ) .

( ٣ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٤ ) طه : ١٣٢ .

( ٥ ) الأحزاب : ٣٣ .

٢٥٣

« و لا منار » قال الجوهري : المنار : علم الطريق ، و ذو المنار ملك من ملوك اليمن اسمه ابرهة بن الحارث الايش ، و إنّما قيل له : ذو المنار ، لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع ١ .

« ساطع » أي : مرتفع .

« و لا منهج » أي : طريق .

« واضح » مستبين ، قال :

و لقد أضاء لك الطريق و أنهجت

سبل المكارم و الهدى تعدى

٢

٢٠

من الخطبة ( ١٩٦ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ نَجِيبُ اَللَّهِ وَ سَفِيرُ وَحْيِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ « و أشهد أن محمّدا نجيب اللّه » أي : كريمه و نفيسه .

« و سفير » قال الجوهري : السفير الرّسول و المصلح بين القوم ٣ .

« وحيه » و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ٤ .

« و رسول رحمته » و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ٥ .

قال السروي : النبيّ صلى اللّه عليه و آله صبر في ذات اللّه ، و أعذر قومه إذ كذّب في ذات اللّه و شرّد و حصب بالحصاة و علاه أبو جهل بسلاشاة ، فأوحى اللّه إلى جاجائيل ملك الجبال أن شقّ الجبال و انته إلى أمر محمّد ، فأتاه فقال له : قد أمرت لك بالطاعة ، فإن أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها . قال : إنّما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٣٩ ، مادة ( نور ) .

( ٢ ) لسان العرب ٢ : ٣٨٣ مادة ( نهج ) ، و الشاعر : يزيد العبدي .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٨٦ مادة ( سفر ) .

( ٤ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٥ ) الأنبياء : ١٠٧ .

٢٥٤

بعثت رحمة ، اللّهم اهد قومي فانّهم لا يعلمون ١ .

٢١

من الخطبة ( ١٩٦ ) بعد وصف الإسلام :

ثُمَّ إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ بِالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ اَلدُّنْيَا اَلاِنْقِطَاعُ وَ أَقْبَلَ مِنَ اَلْآخِرَةِ اَلاِطِّلاَعُ وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ وَ خَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ وَ أَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ فِي اِنْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا وَ اِقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَ تَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَ اِنْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا وَ اِنْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا وَ عَفَاءٍ مِنْ أَعْلاَمِهَا وَ تَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَ قِصَرٍ مِنْ طُولِهَا جَعَلَهُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ وَ كَرَامَةً لِأُمَّتِهِ وَ رَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَةً لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ « ثمّ إنّ اللّه بعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالحقّ حين دنا من الدّنيا الانقطاع » أي : قرب الانقطاع و الفناء ، قالوا : من ألقاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله : العاقب و الحاشر ، لأنّه يحشر الناس على عقبه ٢ .

و قالوا : كانت اليهود إذا أصابتهم شدّة من الكفّار يقولون : اللّهم انصرنا بالنبيّ المبعوث في آخر الزمان الّذي نجد نعته في التوراة . و إن كانوا كفروا به لمّا جاءهم ٣ .

« و أقبل من الآخرة الاطّلاع » أي : الإشراف ، قال الجوهري : المطّلع موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار ، و في الحديث : من هول المطّلع . شبّه ما أشرف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن شهر آشوب السروي في مناقبه ١ : ٢١٥ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٥١ ، و في النقل خلط ، هذا لفظه : « العاقب و هو الذي يعقب الأنبياء » ثم قال : « الحاشر الّذي يحشر الناس على قدميه » .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٥١ و عدّة أخرى جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ١ : ٨٧ ، ٨٨ .

٢٥٥

عليه من أمر الآخرة بذلك ١ .

يشهد لما قاله عليه السّلام من دنوّ اطّلاع الآخرة قوله تعالى : اقترب للناس حسابهم و هم في غفلة معرضون ٢ ، و قوله تعالى : اقتربت الساعة و انشقّ القمر ٣ .

« و أظلمت بهجتها » أي : حسنها و مسرّتها ، قال :

كان الشباب رداء قد بهجت به

فقد تطاير منه للبلى خرق

٤ « بعد إشراق » أي : إنارة .

« و قامت بأهلها على ساق » أي : أقامهم على ساق واحدة ، و هو كناية عن الشدّة ، و من كلامه عليه السّلام أيضا : « حتّى تقوم الحرب بكم على ساق » ٥ .

« و خشن منها مهاد » أي : صار ذا خشونة ما ، كان منها ذو لينة .

« و أزف » أي : قرب .

« منها قياد » هكذا في النسخ ٦ ، و الظاهر كون ( قياد ) فيها مصحّف ( نفاد ) ،

فإنّها لا معنى لقرب الانقياد من الدنيا في المقام ، بل قرب النفاد و الزوال ،

و بعد ما قلنا لا تحتاج إلى تكلّف ابن أبي الحديد ٧ ، بأنّ المراد : قرب انقيادها إلى الزّوال ، فإنّه تأويل لا يحتمله اللفظ .

« في انقطاع من مدّتها » بانقضائها ، و الظرف متعلّق بقوله عليه السّلام : « حين دنا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٢٥٤ مادة ( طلع ) و الحديث نقله و شرحه ابن الأثير في النهاية ٣ : ١٣٢ مادة ( طلع ) .

( ٢ ) الأنبياء : ١ .

( ٣ ) القمر : ١ .

( ٤ ) لسان العرب ٢ : ٢١٦ مادة ( بهج ) .

( ٥ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٢ : ٢١ ضمن الخطبة ١٣٦ .

( ٦ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ١٧٦ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٤٤٥ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٨ و النقل بالمعنى .

٢٥٦

من الدنيا الانقطاع » .

« و اقتراب من أشراطها » أي : علائم الآخرة ، لأنّه متعلّق « و أقبل من الآخرة الاطّلاع » على اللفّ و النشر المرتّب ، قال في ( الأساس ) : طلع الشرطان : قرنا المحل ، و ذلك في أوّل الربيع ، ثم قال : و من ثمّ قيل لأوائل كلّ شي‏ء يقع :

أشراطه ، و منه أشراط الساعة ١ .

و بعد ما قلنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد ، أضاف عليه السّلام الأشراط ،

و هي علامات الساعة إلى الدّنيا لأنّها في الدّنيا تحدث ، و إن كانت علامات للآخرة ٢ .

« و تصرّم » أي : تقطّع .

« من أهلها ، و انفصام » أي : انكسار ، قال الجوهري : فصم الشي‏ء : كسره من غير أن يبيّن ٣ .

« من حلقتها » تصرّم من أهلها و انفصام من حلقتها متعلّقان بقوله عليه السّلام :

« و أظلمت بهجتها بعد إشراق » لكون مضمونها واحدا .

« و إنتشار من سببها » قال الجوهري : السّبب : الحبل ، و السّبب أيضا كلّ شي‏ء يتوصّل به إلى غيره ٤ .

« و عفاء » أي : اندراس .

« من أعلامها » أي : علائمها ، و ( انتشار ) و ( عفاء ) متعلّقان بقوله : « و قامت بأهلها على ساق » .

« و تكشّف من عوراتها » قال الجوهري : العورة : سوأة الإنسان ، و كلّ ما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٣٣ مادة ( شرط ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٨ و النقل بالمعنى .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠٠٢ مادة ( فصم ) .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ١٤٥ مادة ( سبب ) .

٢٥٧

يستحيى منه ، و كلّ خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب ١ . قال عليه السّلام ذلك لأنّ الواجب ستر العورة و سدّها ، ثمّ ( و تكشف ) متعلّق بقوله : « و خشن منها مهاد » .

« و قصر من طولها » متعلّق بقوله عليه السّلام : « أزف منها نفاد » على ما عرفت من استظهاره ، و هو أيضا شاهد لما قلنا .

« جعله » أي : النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم .

« اللّه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( اللّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« بلاغا لرسالته » أي : لرسالته تعالى إلى عباده ، و حيث إنّه تعالى أكمل بخاتم الأنبياء دينه ، و أتمّ به نعمته على عباده كان صلى اللّه عليه و آله بلاغا لرسالته تعالى الّتي كان إبلاغها واجبا عليه تعالى ، إتماما للحجّة و لطفا للبريّة ، و أمّا باقي رسله ، و إن أدّوا ما عليهم من الإبلاغ ، إلاّ أنّه لمّا كانت رسالاتهم موقّتة محدودة لم يحصل منهم بلاغ منه تعالى كاف .

« و كرامة لأمته » ورد في تفسير قوله تعالى : . . . كتب عليكم الصيام كما كتب على الّذين من قبلكم . . . ٣ إنّه لم يكتب صيام شهر رمضان على أمّة قبل هذه الأمّة بل على أنبياء الامم ، و كتب على هذه الامّة ما كتب على نفس الأنبياء كرامة لهذه الامّة ٤ .

« و ربيعا لأهل زمانه » كان صلى اللّه عليه و آله ربيعا معنويا و ظاهريا حتّى لغير المؤمنين ، و في ( تاريخ اليعقوبي ) : أنّه بلغ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعد فتح خيبر ما فيه أهل مكّة من الضرّ و الحاجة و الجدب و القحط ، فبعث إليهم بشعير ذهب ، و قيل نوى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٧٥٩ مادة ( عور ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٦ ، لكن لا يوجد « سبحانه » في شرح ابن ميثم ٣ : ٤٤٥ .

( ٣ ) البقرة : ١٨٣ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٦٥ و النقل بالمعنى .

٢٥٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ذهب ، مع عمرو بن أميّة الضمري إلى أن قال و أخذه أبو سفيان كلّه و فرّقه على فقراء قريش ، و قال : جزى اللّه ابن أخي خيرا فإنّه وصول الرّحمة ١ .

و من أبيات أبي طالب فيه صلى اللّه عليه و آله و سلم :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامي عصمة للأرامل

و لمّا استسقى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و نزل الغيث بحيث منعهم من السلوك ،

فشكوا إليه صلى اللّه عليه و آله ذلك فقال : اللّهم حوالينا و لا علينا . فانشقّ السحاب . فكان المطر خارج المدينة لا فيها ، قال صلى اللّه عليه و آله و سلم : للّه درّ أبي طالب لو كان حيّا لقرّت عيناه ، من ينشدنا شعره ٢ أراد صلى اللّه عليه و آله البيت المتقدّم و من أبياته فيه أيضا :

و تلقوا ربيع الأبطحين محمّدا

على ربوة في رأس عنقاء عيطل

و الشعراء و إن كانوا يقولون للأمراء : إنّهم ربيع للناس ، كما قال بعضهم في بعضهم :

بأنّك ربيع و غيث مريع

٣ إلاّ أنّه كلام زور و قول باطل ، و إنّما الحقيقة فيه صلى اللّه عليه و آله و سلم لأنّه كان سببا لحياة الدّنيا كالآخرة ، و النظام هذا العالم كقوام ذاك العالم .

« و رفعة لأعوانه و شرفا لأنصاره » روى ( طبقات كاتب الواقدي ) عن أبي ذر قال : لقد تركنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و ما يقلّب طائر جناحيه في السماء إلاّ ذكرنا منه علما ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٦ .

( ٢ ) أمالي المفيد : ٣٠١ ح ٣ المجلس ٣٦ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ٧٢ المجلس ٣ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) شرح شواهد المغني ١ : ١٠٦ ، و ذيله : و أنك هناك تكون الثمالا . و البيت منسوب إلى عمرة بنت العجلان .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ١١٢ .

٢٥٩

٢٢

من الخطبة ( ٢١١ ) منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ وَ قَدَّمَهُ فِي الاِصْطِفَاءِ فَرَتَقَ بِهِ اَلْمَفَاتِقَ وَ سَاوَرَ بِهِ اَلْمُغَالِبَ وَ ذَلَّلَ بِهِ اَلصُّعُوبَةَ وَ سَهَّلَ بِهِ اَلْحُزُونَةَ حَتَّى سَرَّحَ اَلضَّلاَلَ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمَالٍ « أرسله بالضياء » أي : القرآن ، قال تعالى : . . . كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور . . . ١ .

« و قدّمه في الاصطفاء » أي : الاختيار ، فالأنبياء و إن كانوا كلّهم مصطفين له تعالى كما قال سبحانه : إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ٢ ، إلاّ أنّه صلى اللّه عليه و آله كان مقدّما عليهم حتّى صار المصطفى علما له .

و روى الطبري في ( ذيله ) عن ميسرة قال : قلت : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله متى كتبت نبيّا ؟ قال : و آدم بين الرّوح و الجسد ٣ .

« فرتق به المفاتق » الظاهر كون ( المفاتق ) بضم الميم اسم فاعل : فاتق بقرينة ( المغالب ) في قرينته ، و يحتمل أن يكون بفتحة ، جمع المفتق أي : الفتوق ،

و هي الشقوق . و كيف كان ، قال ابن الزبعرى : لمّا أسلم و اعتذر عن هجائه في كفره :

يا رسول الإله إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

٤

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ١ .

( ٢ ) آل عمران : ٣٣ .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٦٦ ، و الحديث مشهور .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٨٦ مادة ( بور ) .

٢٦٠

« و ساور » من ساوره ، أي : وثب عليه .

« به المغالب » أي : من أراد الغلبة ، فصار عاليا على المغالب ، في ( الطبقات ) : لمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله فوقع إلى الأرض وقع على يديه رافعا رأسه إلى السّماء ، و قبض قبضة من التراب بيده ، فبلغ ذلك رجلا من لهب فقال لصاحب له : انجه لئن صدق الفأل ليغلبنّ هذا المولود أهل الأرض ١ .

و عن ابن عبّاس : اجتمع قريش في الحجر ، فتعاقدوا باللاّت و العزّي و مناة لو رأينا محمّدا لقمنا مقام رجل واحد ، و النقتلنّه . فدخلت فاطمة عليهما السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله باكية ، و حكمت مقالتهم ، فقال : يا بنيّة أدني وضوءا ، فتوّضأ و خرج إلى المسجد ، فلمّا رأوه قالوا : ها هو ذا ، و خفضت رؤوسهم ، و سقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه رجل منهم ، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قبضة من التراب فحصبهم بها و قال : شاهت الوجوه . فما أصاب رجلا منهم إلاّ قتل يوم بدر ٢ .

و روى الطّبري في ( ذيله ) عن يزيد بن عامر السوائي و كان مع المشركين يوم حنين ثمّ أسلم قال : لمّا كانت انكشافة المسلمين حين انكشفوا يوم حنين ، ضرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله يده إلى الأرض فأخذ منها قبضة من تراب ، فأقبل بها على المشركين و هم متبعون المسلمين ، فحثا بها في وجوههم ، و قال : ارجعوا شاهت الوجوه . قال : فانصرفنا ما يلقى منّا أحد أحدا إلاّ و هو يمسح القذى عن عينيه ٣ .

« و ذلّل به الصعوبة » . . . و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم . . . ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٩٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٧١ ، و غيره .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٦٧ ، و غيره .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٧ .

٢٦١

« و سهّل به الحزونة » و الحزونة : ضدّ السهولة ، و في ( الاستيعاب ) : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لحزن بن أبي وهب المخزومي جدّ سعيد بن المسيّب : ما اسمك ؟

قال : حزن . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنت سهل . فقال : اسم سمّاني به أبي . و يروى أنّه قال له : إنّما السهولة للحمار . قال سعيد بن المسيّب : فما زالت تلك الحزونة تعرف فينا حتّى اليوم ، و قال أهل النسب : في ولده حزونة ، و سوء خلق ،

معروف ذلك فيهم ، لا تكاد تعدم منهم ١ .

« حتّى سرّح » أي : أرسل سريعا .

« الضلال عن يمين و شمال » أي : أزاله رأسا ، في ( طبقات كاتب الواقدي ) عن مجاهد : حجّ أبو بكر ، و نادى عليّ بالأذان في ذي القعدة ، قال : فكانت الجاهلية يحجّون في كلّ شهر من شهور السنة عامين ، فوافق حجّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في ذي الحجّة ، فقال [ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ] : هذا يوم استدار الزمان كهيئته يوم خلق اللّه السماوات و الأرض ٢ .

و قال تعالى : هو الّذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٣ .

٢٣

الخطبة ( ٢٢٩ ) و من خطبة له عليه السّلام ، خطبها بذي قار و هو متوجّه إلى البصرة ، ذكرها الواقدي في كتاب ( الجمل ) :

فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَ بَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ فَلَمَّ اَللَّهُ بِهِ اَلصَّدْعَ وَ رَتَقَ بِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٣٨٦ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١٣٤ .

( ٣ ) الجمعة : ٢ .

٢٦٢

اَلْفَتْقَ وَ أَلَّفَ بِهِ اَلشَّمْلَ بَيْنَ ذَوِي اَلْأَرْحَامِ بَعْدَ اَلْعَدَاوَةِ اَلْوَاغِرَةِ فِي اَلصُّدُورِ وَ اَلضَّغَائِنِ اَلْقَادِحَةِ فِي اَلْقُلُوبِ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام خطبها بذي قار » في ( بلدان الحموي ) : ذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها و بين واسط ، و فيه كانت الواقعة المشهورة بينهم و بين الفرس ، و كسرت الفرس كسرة هائلة ،

و كانت الواقعة يوم ولادة النبيّ صلى اللّه عليه و آله . و قيل : عند منصرفه من بدر الكبرى ،

و كان أوّل يوم انتصف فيه العرب من العجم ، و بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم انتصفوا ، و هي من مفاخر بكر .

قال أبو تمام في أبي دلف :

فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم

عروش الّذين استرهنوا قوس حاجب

و قال في خالد بن يزيد الشيباني :

لهم يوم ذي قار مضى و هو مفرد

وحيد من الأشباه ليس له صحب

١ قلت : و قال العجيف في أمّه ذاكرا أنّها لا تروى و إن شربت ماء ذي قار ،

كما لا تشبع و إن أكلت نخيل هجر :

يا ليتنا أمّنا شالت نعامتها

أيما إلى جنّة أيما إلى نار

ليست بشعبى و إن أسكنتها هجرا

و لا بريّا و إن حلّت بذي قار

« و هو متوجّه إلى البصرة » أي : لقتال طلحة و الزبير .

« ذكرها الواقدي في كتاب الجمل » الواقدي : هو محمّد بن عمر بن واقد صاحب ( المغازي ) .

قوله عليه السّلام : « فصدع » أي : جهر .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، و المشترك و المفترق : ٣٣٧ أيضا .

٢٦٣

« بما أمر » في ( صحيح محمّد الحلبي ) عن الصادق عليه السّلام : اكتتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بمكة مختفيا خائفا خمس سنين ، ليس يظهر أمره و عليّ عليه السّلام معه و خديجة ، ثمّ أمره تعالى أن يصدع بما امر به ، فظهر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أظهر أمره ١ .

و في خبر آخر : أنّه صلى اللّه عليه و آله كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين ٢ .

« و بلّغ رسالات » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( رسالة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

« ربّه » و آخر ما بلّغه من رسالة ربّه ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام ، و هي الأصل في رسالته ، و لذا قال تعالى له : . . . و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته . . . ٤ ، و كان صلى اللّه عليه و آله و سلم في تبليغها خائفا من الناس حتّى قال تعالى له :

و اللّه يعصمك من النّاس . . . ٥ .

« فلمّ اللّه » أي : جمع و أصلح .

« به الصدع » أي : الشقّ .

« و رتق » أي : وصل .

« به الفتق » أي : الفصل ، قال السروي : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطا من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أحدّثكم . قالوا : بلى . فجلسوا إليه ، فدعاهم إلى اللّه تعالى ، و تلا عليهم القرآن ،

فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا ، و اللّه إنّه النبي الّذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنّكم إليه أحد . فأجابوه ، و قالوا له : إنّا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشرّ مثل ما بينهم ، و عسى أن يجمع اللّه بينهم بك ، فتقدم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ ، و الغيبة للطوسي : ٢٠١ ، و قد مرّ في العنوان ١٨ من هذا الفصل .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٨٣ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١٠٩ « رسالات » أيضا .

( ٤ ) المائدة : ٦٧ .

( ٥ ) المائدة : ٦٧ .

٢٦٤

عليهم ، و تدعوهم إلى أمرك . و كانوا ستّة نفر ، فلمّا قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر ، فما دار حول إلاّ و فيها حديث النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم . . . ١ .

« و ألّف به بين ذوي الأرحام » كالأوس و الخزرج ابني حارثة ، و يقال لهما :

ابني قيلة . نسبة إلى أمّهما .

« بعد العداوة الواغرة » أي : المتوقدة .

« في الصدور » قال شاعر :

دسّت رسولا بأنّ القوم ان قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير

٢ « و الضغائن » جمع الضغينة ، أي : الحقد .

« القادحة » أي : المشعلة .

« في القلوب » فكانت بين الأوس و الخزرج حروب كثيرة حصلت فيها قتلى كثيرة من الفريقين ، و كلّ منهما يجد في طلب ثاره ، فارتفع كلّ ذلك بسببه صلى اللّه عليه و آله و سلم ، قال تعالى : . . . و اذكروا نعمة اللّه عليهم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . . . ٣ ، و قال سبحانه : و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ٤ .

٢٤

من الخطبة ( ١٣١ ) منها :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ تَنَازُعٍ مِنَ اَلْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ اَلرُّسُلَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٨١ .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٥ : ٢٨٦ مادة ( و غر ) ، و البيت منسوب إلى الفرزدق .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) الأنفال : ٦٣ .

٢٦٥

وَ خَتَمَ بِهِ اَلْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اَللَّهِ اَلْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ اَلْعَادِلِينَ بِهِ « أرسله على حين فترة من الرّسل » في الخبر : أنّ أهل السماوات لم يسمعوا و حيا في ما بين أن بعث عيسى إلى أن بعث محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فلمّا بعث اللّه جبرئيل إليه فسمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا علموا أنّ اللّه بعث نبيّا ١ .

« و تنازع من الألسن » قال ابن أبي الحديد : معنى تنازع من الألسن : أنّ قوما في الجاهلية كانوا يعبدون الصنم ، و قوما يعبدون الشمس ، و قوما يعبدون الشيطان ، و قوما يعبدون المسيح ، فكلّ طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها ٢ .

قلت : الأظهر أنّ معناه : أنّ الناس كانوا قبل رسالته يتنازعون في ملل و نحل ، لم يكن لها معنى في القلوب ، بل مجرد ألفاظ على الألسن ، فيكون قوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » نظير قول يوسف عليه السّلام في ما حكى اللّه تعالى عنه : ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٣ ، أو المراد أنّهم كانوا يتنازعون في أنواع الكلام من القصائد و الخطب و الأراجيز هل هذه أحسن أو تلك ، فكانوا قبل بعثة النبيّ صلى اللّه عليه و آله يباهون بذلك ، و قصّة المعلّقات السبع معروفة ، قال امرؤ القيس لمّا احتضر في أنقرة في آخر شي‏ء تكلّم به : ربّ خطبة محبّرة ، و طعنة مسحنفرة ، و جفنة مثعنجرة ،

تبقى غدا بأنقرة .

و من السبع المعلّقات قصيدة عمرو بن كلثوم التغلبي ، التي كان قام بها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم له شاهد أخرجه الصدوق في كمال الدين : ١٦١ ح ٢٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٦٢ .

( ٣ ) يوسف : ٤٠ .

٢٦٦

خطيبا في ما كان بينه و بن عمرو بن هند ملك الحيرة ، و كان لقومه بها شغف كثير حتّى قالوا فيهم :

ألهى بني تغلب عن كلّ مكرمة

قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يفاخرون بها مذ كان أوّلهم

يا للرجال لشعر غير مسؤوم

و من السبع قصيدة عبيد بن الأبرص الّتي أوّلها :

أقفر من أهلها ملحوب

و لمّا لقيه ملك الحيرة في يوم بؤسه و أراد قتله ، استنشده القصيدة إعجابا بها ، فغيّر البيت و قال :

أقفر من أهلها عبيد

فاليوم لا يبدي و لا يعيد

و الكلّ مجرد ألفاظ .

و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد من مجادلتهم بألسنتهم ، فبارد ، فالمجادلة لا تكون بغير اللسان . و كيف كان ، فقال الجوهري : قد يكنى بها عن الكلمة فتؤنث حينئذ . قال أعشى باهلة :

إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها

من علو لا عجب منها و لا سخر

فمن ذكّره قال في الجمع : ثلاثة ألسنة ، مثل حمار و أحمرة ، و من أنّثه قال : ثلاث ألسن ١ .

قلت : الظاهر أنّ اللسان إذا كان بمعنى اللغة يكون مذكّرا ، لقوله تعالى :

و هذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا . . ٢ ، و قوله تعالى : . . . و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم . . . ٣ ، و إذا كان بمعنى التكلّم يكون مؤنثا كقوله :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢١٥٩ مادة ( لسن ) .

( ٢ ) الأحقاف : ١٢ .

( ٣ ) الروم : ٢٢ .

٢٦٧

أتتني لسان بني عامر

أحاديثها بعد قول نكر

١ و كقول طرفة :

و إذا تلسنني ألسنها

إنّني لست بموهون فقر

٢ و كقوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » لكن ينقضه قول ابن الزبعرى المتقدّم ٣ .

« فقفّى به الرّسل » قال الجوهري : قفّيت على أثره بفلان ، أي : أتبعته إيّاه .

و منه قوله تعالى : ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا . . . ٤ .

« و ختم به الوحي » فلا يوحى إلاّ إلى النبيّ ، و لا نبيّ بعده ، و أمّا الإمام فإنّما يلهم .

« فجاهد في اللّه المدبرين عنه » و أمّا قوله تعالى : فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ٥ فلا ينافيه .

« و العادلين به » أي : الجاعلين غير اللّه عديلا له تعالى ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : يا أيّها النبيّ جاهد الكفّار و المنافقين و اغلظ عليهم و مأواهم جهنّم و بئس المصير ٦ . ذكرت الآية في التحريم و التوبة ، و أمّا عدم جهاده المنافقين ، و إنّما جاهدهم أمير المؤمنين بعده صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث إنّه كان كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بنصّ قوله تعالى : . . . و أنفسنا و أنفسكم . . . ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب للجوهري ١٣ : ٣٨٥ ، ٣٨٦ مادة ( لسن ) .

( ٢ ) لسان العرب للجوهري ١٣ : ٣٨٥ ، ٣٨٦ مادة ( لسن ) .

( ٣ ) مرّ في العنوان ٢٢ من هذا الفصل ، و البيت :

يا رسول الإله إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٤٦٦ مادة ( قفى ) ، و الآية ٢٧ من سورة الحديد .

( ٥ ) النجم : ٢٩ .

( ٦ ) التوبة : ٧٣ .

( ٧ ) آل عمران : ٦١ .

٢٦٨

٢٥

من الخطبة ( ١١٤ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى اَلْحَقِّ وَ شَاهِداً عَلَى اَلْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَانٍ وَ لاَ مُقَصِّرٍ وَ جَاهَدَ فِي اَللَّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ وَ لاَ مُعَذِّرٍ إِمَامُ مَنِ اِتَّقَى وَ بَصَرُ مَنِ اِهْتَدَى « أرسله داعيا إلى الحقّ و شاهدا على الخلق » يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا منيرا ١ ، فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد و جئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يودّ الّذين كفروا و عصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض و لا يكتمون اللّه حديثا ٢ .

« فبلّغ رسالات ربّه غير وان » من : ونى يني ، أي : ضعف .

« و لا مقصّر » في التبليغ ، حتّى إنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حضر يوم وفاته مع شدّة مرضه كما روي المسجد و قال : و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ٣ أيّها الناس لا يدّعي مدّع و لا يتمنّى متمنّ أنّه ينجو إلاّ بعمل و رحمة ، و لو عصيت هويت ، اللّهم هل بلّغت ٤ .

و قالوا : خطب صلى اللّه عليه و آله و سلم بمنى في حجّة الوداع ، و قال في جملة ما قال : و كلّ مأترة أو بدع كانت في الجاهلية ، أو دم أو مال فهو تحت قدميّ هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلاّ بالتقوى ، ألا هل بلّغت . قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد .

ثمّ قال : ألا و كلّ ربا في الجاهلية موضوع ، و أوّل موضوع منه ربا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٥ ٤٦ .

( ٢ ) النساء : ٤١ ٤٢ .

( ٣ ) البقرة : ٢٨١ .

( ٤ ) ذكره بفرق يسير المفيد في الإرشاد : ٩٧ ، و الطبرسي في اعلام الورى : ١٣٤ .

٢٦٩

العبّاس بن عبد المطلب ، ألا و كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع ، و أوّل دم موضوع دم ربيعة ، ألا هل بلّغت . قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد .

ثمّ قال : ألا و إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، و لكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، إلاّ أنّه إذا أطيع فقد عبد ، ألا أيّها الناس إنّ المسلم أخو المسلم حقّا ، لا يحلّ لامرى‏ء مسلم ، و ماله إلاّ ما أعطاه بطيبة نفس منه ، و إنّي أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه . فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها ، و حسابهم على اللّه ، ألا هل بلّغت .

قالوا : نعم . قال اللّهم اشهد .

ثمّ قال : أيّها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي ، و افهموه تنعشوا ، ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدّنيا ، فإن أنتم فعلتم ذلك و لتفعلنّ لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل و ميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف قال : ثمّ التفت عن يمينه ، فسكت ثمّ قال : إن شاء اللّه أو عليّ بن أبي طالب ١ .

« و جاهد في اللّه أعداءه غير واهن » أي : ضعيف .

« و لا معذّر » و المعذّر بالتشديد : من يأتي بالعذر باطلا . و ضبطته ( المصرية ) بدون التشديد و هو غلط ، لأنّ المعذر بدونه من له عذر صحيح ،

و إنّما ينفى عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم التعذير لا الإعذار ، قال تعالى : و جاء المعذّرون من الأعراب . . . ٢ .

قالوا : وصف أحد أحبار أهل الكتاب لكعب بن أسد اليهودي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج هذه الخطبة باختلاف يسير بين الروايات ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨٥ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١٠٣ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٠٢ سنة ١٠ ، و الصدوق في الخصال : ٤٨٦ ح ٦٣ ، و غيرهم .

( ٢ ) التوبة : ٩٠ .

٢٧٠

النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّه يضع سيفه على عاتقه ، و لا يبالي من لاقى ، و لمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قتل كعب في أسراء بني النضير ذكّره قول ذاك الحبر ، فأقرّ به ،

و لكن قال : لا أسلم لئلاّ يقول الناس : إنّه جزع عند الموت ١ .

« إمام من اتّقى و بصر من اهتدى » مرّت الجملتان في طيّ الخطبة ( ٩٢ ) ٢ لكن ثمة : « و بصيرة من اهتدى » .

٢٦

من الخطبة ( ٩٨ ) و من خطبة له عليه السّلام أخرى :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلنَّاشِرِ فِي اَلْخَلْقِ فَضْلَهُ وَ اَلْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَ بِذِكْرِهِ نَاطِقاً فَأَدَّى أَمِيناً وَ مَضَى رَشِيداً من الخطبة ( ٨٢ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ من الخطبة ( ٨٩ ) بعد ذكر آدم و الأنبياء :

حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا ؟ مُحَمَّدٍ ص ؟ حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ اَلْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام أخرى » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ١٩٨ ح ٤ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) مرّ في العنوان ٥ من هذا الفصل .

٢٧١

و الخطّية ) ١ . و أيضا لا معنى لقوله : أخرى هنا .

قوله عليه السّلام في الأول : « الحمد للّه الناشر في الخلق فضله » قال تعالى :

و أنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ٢ ، . . . قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه واسع عليهم . يختصّ برحمته من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ٣ .

« و الباسط فيهم بالجود يده » قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت أيديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء . . . ٤ .

« نحمده في جميع أموره » لكن كلّها على وفق الحكمة و نهاية المصلحة .

« و نستعينه على رعاية حقوقه » فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه .

« و نشهد إلاّ إله غيره » لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا . . . ٥ .

« و أنّ محمّدا عبده و رسوله » إلى خلقه كافّة .

« أرسله بأمره صادعا » أي : مجاهرا ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين ٦ .

« و بذكره ناطقا » و لمّا رأت قريش ذلك منه قالوا له مرّتين : تعبد آلهتنا سنة ، و نعبد إلهك سنة . فأجابهم بما أمره تعالى به بمثل قولهم في قوله : قل يا أيّها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون . و لا أنتم عابدون ما أعبد . و لا أنا عابد ما عبدتم . و لا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم و لي دين ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٨ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٦ .

( ٢ ) الحديد : ٢٩ .

( ٣ ) آل عمران : ٧٣ ٧٤ .

( ٤ ) المائدة : ٦٤ .

( ٥ ) الأنبياء : ٢٢ .

( ٦ ) الحجر : ٩٤ .

( ٧ ) رواه الواحدي في أسباب النزول : ٣٠٧ ، و الطوسي في التبيان ١٠ : ٤٢٠ ، و الزمخشري في الكشاف ٤ : ٨٠٨ ، و عدة أخرى ، جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٤٠٤ ، و الآيات ( ١ ٦ ) من سورة ( الكافرون ) .

٢٧٢

« فأدّى أمينا » و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ١ .

« و مضى رشيدا » حيث أدّى ما كان عليه من قبل اللّه تعالى ، و نزل عليه أخيرا : إذا جاء نصر اللّه و الفتح . و رأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا .

فسبّح بحمد ربّك و استغفره إنّه كان توّابا ٢ .

قوله عليه السّلام في الثاني : « أرسله لإنفاذ أمره » كما قال تعالى : يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك . . . ٣ .

« و إنهاء » أي : إبلاغ .

« عذره » و لو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسول فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ و نخزى ٤ .

« و تقديم نذره » قال لا تختصموا لديّ و قد قدّمت إليكم بالوعيد ٥ .

كلّما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذّبنا و قلنا ما نزّل اللّه من شي‏ء إن أنتم إلاّ في ضلال كبير ٦ .

و في ( الأسد ) عن ابن أمّ مكتوم قال : خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما ارتفعت الشمس و ناس عند الحجرات ، فقال : يا أهل الحجرات سعّرت النار ، و جاءت الفتن كقطع الليل ، و لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا ٧ .

قوله عليه السّلام في الثالث : « حتى تمّت بنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم حجّته » . . . و لكن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٢ ) النصر : ١ ٤ .

( ٣ ) المائدة : ٦٧ .

( ٤ ) طه : ١٣٤ .

( ٥ ) ق : ٢٨ .

( ٦ ) الملك : ٨ ٩ .

( ٧ ) أسد الغابة لابن الأثير ٤ : ١٠٣ .

٢٧٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

رسول اللّه و خاتم النبييّن . . . ١ .

« و بلغ المقطع » بالكسر ، قال الجوهري : أي : ما يقطع به الشي‏ء ٢ .

« عذره و نذره » قل فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ ، رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل و كان اللّه عزيزا حكيما ٤ .

٢٧

من الخطبة ( ١٩٠ ) في القاصعة فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ ؟ إِسْمَاعِيلَ ؟ وَ ؟ بَنِي إِسْحَاقَ ؟ وَ ؟ بَنِي إِسْرَائِيلَ ع ؟ فَمَا أَشَدَّ اِعْتِدَالَ اَلْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اِشْتِبَاهَ اَلْأَمْثَالِ .

تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ اَلْأَكَاسِرَةُ وَ اَلْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ اَلْآفَاقِ وَ ؟ بَحْرِ اَلْعِرَاقِ ؟

وَ خُضْرَةِ اَلدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ اَلشِّيحِ وَ مَهَافِي اَلرِّيحِ وَ نَكَدِ اَلْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ اَلْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لاَ إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ اَلْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ اَلْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلاَءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ .

فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٢٦٧ مادة ( قطع ) .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) النساء : ١٦٥ .

٢٧٤

كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ اِلْتَفَّتِ اَلْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهِ غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ اَلْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ اَلْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ اَلْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى اَلْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ اَلْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ اَلْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ .

أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ اَلطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اَللَّهِ اَلْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ اَلْجَاهِلِيَّةِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِ اِمْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ اَلْأُلْفَةِ اَلَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ اَلْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ .

وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ اَلْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ اَلْإِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ تَقُولُونَ اَلنَّارَ وَ لاَ اَلْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا اَلْإِسْلاَمَ عَلَى وَجْهِهِ اِنْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ اَلَّذِي وَضَعَهُ اَللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ اَلْكُفْرِ ثُمَّ لاَ ؟ جَبْرَئِيلُ ؟ وَ لاَ ؟ مِيكَائِيلَ ؟ وَ لاَ وَ لاَ مُهَاجِرُونَ وَ لاَ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ اَلْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَكُمْ وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ اَلْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ يَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ اَلْقَرْنَ اَلْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ

٢٧٥

فَلَعَنَ اَللَّهُ اَلسُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ اَلْمَعَاصِي وَ اَلْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ اَلتَّنَاهِي .

أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ « و اعتبروا بحال ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل عليهم السلام » قال ابن أبي الحديد : إنّه ذكر عليه السّلام في هذه الكلمات المقهورين و القاهرين جميعا . أما المقهورون فبنو إسماعيل ، و أمّا القاهرون فبنو إسحاق و بنو إسرائيل ، لأنّ الأكاسرة من بني إسحاق ، ذكر كثير من أهل العلم أنّ فارس من ولد إسحاق و القياصرة من ولد إسحاق أيضا ، لأنّ الروم بنو العيص بن إسحاق ، و على هذا يكون الضمير في أمرهم و تشتتهم و تفريقهم يرجع إلى بني إسماعيل خاصة ،

فإن قلت : فبنو إسرائيل أيّ مدخل لهم هاهنا ؟ قلت : لأنّ بني إسرائيل لمّا كانوا ملوكا بالشام في أيّام أجاب الملك و غيره ، حاربوا العرب من بني إسماعيل غير مرّة و طردوهم عن الشام ، و ألجؤوهم على المقام ببادية الحجاز ، و يصير تقدير الكلام : فاعتبروا بحال ولد إسماعيل مع بني إسحاق و بني إسرائيل ١ .

قلت : ما ذكره خارج عن طريق المحاورة ، فإنّ مقتضى السّياق كون الأكاسرة و القياصرة مسلّطين على ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل ، و يفعلون بهم ما شاؤوا ، و كون الأكاسرة و القياصرة غير ولد إسماعيل ، و غير بني إسحاق و بني إسرائيل ، و كيف جعل بني إسرائيل من القاهرين ، و القرآن ناطق بمقهوريتهم مثل بني إسماعيل ، بل أشدّ ؟ و كيف لا و قد قال عزّ و جلّ فيهم : . . . و ضربت عليهم الذلّة و المسكنة و باؤوا بغضب من اللّه . . . ٢ ، و قال تعالى : و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين و لتعلنّ علوّا كبيرا . فاذا جاء و عد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤١ .

( ٢ ) البقرة : ٦١ .

٢٧٦

أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعدا مفعولا . . . . فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة و ليتبّروا ما علوا تتبيرا ١ ؟ و الأكاسرة جعلهم ابن قتيبة و الدينوري و الطبري من غير ولد إسحاق ،

بل من ولد الملوك الأوّلين قبل ملوك الطوائف ، قال الأوّل : كتب أردشير إلى ملوك الطوائف : من أردشير المستأثر دونه بحقّه ، المغلوب على تراث آبائه ٢ .

و قال الأخير : وثب أردشير بفارس طالبا بزعمه بدم ابن عمّه دارا بن دارا بن بهمن بن إسفنديار الذي حارب الإسكندر فقتله حاجباه مريدا في ما يقول : ردّ الملك إلى أهله ، و إلى ما لم يزل عليه أيّام سلفه ، و آبائه الّذين مضوا قبل ملوك الطوائف ، و جمعه لرئيس واحد و ملك واحد ٣ .

و قريبا منه قال الثاني رافعا نسبه إلى إسفنديار بن بشتاسف ٤ .

و إنّما نقل المسعودي أقوالا ضعيفة في كون الأكاسرة من ولد إسحاق ،

فقال : تنازع الناس في الفرس و أنسابهم ، فقال قوم : إنّ فارس بن ياسور بن سام بن نوح ، و كذلك النبط ، و هذا قول هشام بن محمّد في ما حكاه عن أبيه و غيره ، و منهم من زعم أنّه من ولد يوسف بن يعقوب ، و منهم من ذكر أنّه من ولد إرم بن ارفخش بن سام بن نوح ، و أنّه ولد له بضعة عشر رجلا كلّهم كان فارسا شجاعا فسمّوا الفرس بالفروسية ، و في ذلك يقول حطّان الفارسي :

و بنا سمّي الفوارس فرسا

نا و منّا مناجب الفرسان

و كهول طواهم الركض و الكرّ

كمثل الكرّات يوم الطّعان

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٤ ٧ .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٥٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٤١ .

( ٤ ) الأخبار الطوال للدينوري : ٤٤ .

٢٧٧

قال : و قد زعم قوم أنّ الفرس من ولد لوط من ابنتيه ، و ذكر آخرون أنّهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح الّذي ينسب إليه شعب بوّان ،

و منهم من رأى أنّ الفرس من ولد إيران بن أفريدون ، و لا تناكر بين الفرس جميعا في أنّها من ولد إيرج جميعا ، و إيرج هو إيران بن أفريدون . و من الناس من ذهب إلى أنّ سائر أجناس الفرس ، و أهل كور الأهواز من ولد عيلام ، و لا خلاف بين الفرس في أنّ الجميع منهم من ولد كيومرث ، و من الناس من ذهب إلى أنّ الفرس السّاسانية دون من سلف من الفرس الاولى من ولد منوشهر بن إيرج بن أفريدون ، و منهم من ذهب إلى أنّ منوشهر هو ابن مشجر بن فريقس بن ويرك ، و ويرك هو إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام ، و سار مشجر إلى أرض فارس ، و كان بها امرأة متملّكة يقال لها : كورك ابنة إيرج ، فتزوّجها ،

فولدت له منوشهر الملك ، و كثر ولده فملكوا الأرض ، و غلبوا عليها و هابتهم الملوك ، و دثرت الفرس الأولى كدثور الأمم الماضية ، و العرب العاربة ، و أكثر حكماء العرب من نزار بن معد . يقول هذا ، و يعمل عليه في بدء النسب ، و ينقاد إليه كثير من الفرس ، و قد ذكرته شعراء العرب من نزار ، و افتخرت على اليمن من قحطان بالفرس ، و أنّها من ولد إسحاق ، قال إسحاق بن سويد العدوي عدي قريش :

إذا افتخرت قحطان يوما بسؤدد

أتى فخرنا أعلى عليها و أسودا

ملكناهم بدءا بإسحاق عمّنا

و صاروا لنا غرما على الدهر أعبدا

فإن كان منهم تبّع و ابن تبّع

فأملاكهم كانوا لأملاكنا يدا

و يجمعنا و الغرّ أبناء سارة

أب لا يبالي بعده من تفرّدا

هم ملكوا شرقا و غربا ملوكهم

و هم منحوهم بعد ذلك سؤددا

و في ذلك يقول جرير بن الخطفي التميمي يفخر على قحطان بأنّ

٢٧٨

الفرس و الروم من أولاد إسحاق ، و الأنبياء من ولد يعقوب بن إسحاق من كلمة طويلة يقول فيها :

و أبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا

حمائل موت لا بسين السّنوّرا

إذا افتخروا عدّوا الصبهبذ منهم

و كسرى و عدّوا الهرمزان و قيصرا

و كان كتاب اللّه فيهم و نوره

و كانوا باصطخر الملوك و تسترا

و منهم سليمان النبيّ الّذي دعا

فأعطي بنيانا و ملكا مقدّرا

أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا

آب كان مهديّا نبيّا مطهّرا

بني قبلة اللّه التي يهتدي بها

فأورثنا عزّا و ملكا معمّرا

و موسى و عيسى و الّذي خرّ ساجدا

و أنبت زرعا دمع عينيه أخضرا

و يعقوب منهم زاده اللّه حكمة

و كان ابن يعقوب نبيّا مطهّرا

و يجمعا و الغرّ أبناء فارس

أب لا يبالي بعده من تأخّرا

أبونا خليل اللّه و اللّه ربّنا

رضينا بما أعطى الإله و قدّرا

و في ذلك يقول بشار بن برد :

نمتني الكرام بنو فارس

قريش و قومي قريش العجم

و قال أحد شعراء الفرس يذكر أنّه من ولد إسحاق ، و أنّ إسحاق هو المسمّى و يرك :

أبونا ويرك و به أسامي

إذا فخر المفاخر بالولاده

أبونا و يرك عبد رسول

له شرف الرّسالة و الزّهاده

فمن مثلي إذا افتخرت قرون

و بيتي مثل واسطة القلاده

قال : و قد افتخر بعض أبناء الفرس بعد التسعين و المائتين بجدّه إسحاق على ولد إسماعيل ، بأنّ الذبيح كان إسحاق ، فقال :

قل لبني هاجر أبيت لكم

ما هذه الكبرياء و العظمه

٢٧٩

ألم تكن في القديم أمّكم

لأمّنا سارة الجمال أمه

و الملك فينا و الأنبياء لنا

إن تنكروا ذلك توجدوا ظلمه

إسحاق كان الذّبيح قد أجمع ال

ناس عليه إلاّ ادّعاء لمه

و قد أجابه ابن المعتز ، فمن ذلك قوله :

أسمع صوتا و لا أرى أحدا

من ذا الشّقي الّذي أباح دمه

حاشا لإسحاق أن يكون لكم

أبا و إن كنتم بنيه فمه

و الفرس لا تنقاد إلى القول : بأنّ الملك كان فيها لأحد غير ولد أفريدون في عصر من الأعصار في ما سلف و خلف ، إلى أن زال عنهم الملك ، إلاّ أن يكون دخل عليهم داخل على طريق الغصب بغير حقّ .

قال : و قد كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام ، و تطوف به تعظيما له ، و لجدّها إبراهيم عليه السّلام ، و تمسّكا بهديه و حفظا لأنسابها ، و كان آخر من حجّ منهم ساسان جدّ أردشير ، فكان إذا أتى البيت طاف به و زمزم على بئر إسماعيل .

فقيل : إنّما سمّيت زمزم لزمزمته عليها هو و غيره من فارس ، و هذا يدلّ على ترادف كثرة هذا الفعل منهم على هذا البئر ، و في ذلك يقول الشاعر في قديم الزمان :

زمزمت الفرس على زمزم

و ذاك من سالفها الأقدم

و قد افتخر بعض شعراء الفرس بعد ظهور الإسلام بذلك ، فقال :

و ما زلنا نحج البيت قدما

و نلفى بالأباطح آمنينا

و ساسان بن بابك سار حتّى

أتى البيت العتيق يطوف دينا

فطاف به و زمزم عند بئر

لإسماعيل تروى الشاربينا

و كانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالا في صدر الزمان و جواهر ، و قد

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605