• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106378 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

و ان ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس و قد علموا أنّك قرّبت قربانا فتقبّل منك ، و ردّ عليّ قرباني ، فلا و اللّه لا ينظر الناس إليّ و إليك و أنت خير منّي ، فقال :

لأقتلنّك . فقال له أخوه : ما ذنبي إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين ١ .

قلت : الصواب القول الأخير ، و في ( عرائس الثعلبي ) بعد ذكر تزويج قابيل و هابيل من رواياتهم و قال معاوية بن عمّار : سألت جعفرا الصادق أ كان آدم زوّج ابنته من ابنه ؟ فقال : معاذ اللّه لو فعل ذلك آدم لما رغب عنه النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لا كان دين آدم إلاّ دين نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم . . . فلمّا أدرك قابيل أظهر اللّه تعالى جنّية من الجنّ يقال لها : عمالة في صورة إنسية ، و خلق لها رحما ،

و أوحى اللّه إلى آدم أن زوّجها من قابيل . فزوّجها منه ، فلمّا أدرك هابيل أهبط اللّه إلى آدم حوراء في صورة إنسية ، و خلق لها رحما ، و كان اسمها تركة ، فلمّا نظر إليها هابيل و رمقها ، أوحى اللّه إلى آدم أن زوّجها من هابيل ففعل . فقال قابيل : يا أبت ألست أكبر من أخي و أحقّ بما فعلت به منه ؟ فقال : يا بني إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء ٢ . فقال : لا و لكنّك آثرته عليّ بهواك . فقال له :

إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقرّبا قربانا فأيّكما يقبل قربانه فهو أولى بها من صاحبه . . . ٣ و روى ( توحيد الصدوق ) عن الاصبغ عن أمير المؤمنين عليه السّلام : لمّا قال على المنبر في أوّل خلافته : سلوني قبل أن تفقدوني ، قام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم كتاب ، و لم يبعث إليهم نبي ؟ قال : بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٩٢ ٩٦ ، و الآية ٢٧ من سورة المائدة .

( ٢ ) الحديد : ٢٩

( ٣ ) العرائس للثعالبي : ٤٤ .

٢١

إليهم رسولا ، حتّى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه ، فقالوا : أيّها الملك دنّست علينا ديننا و أهلكته فاخرج نطهّرك و نقم عليك الحدّ . فقال لهم : اجتمعوا و اسمعوا كلامي فان يكن لي مخرج ممّا ارتكبت و إلاّ فشأنكم . فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أنّ اللّه تعالى لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم و أمّنا حوّاء ؟

قالوا : صدقت أيّها الملك . قال : أفليس قد زوّج بنيه من بناته ، و بناته من بنيه ؟

قالوا : صدقت هذا هو الدين . فتعاقدوا على ذلك ، فمحا اللّه ما في صدورهم من العلم ، و رفع عنهم الكتاب ، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب ، و المنافقون أشدّ حالا منهم . فقال الأشعث : و اللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب ، و اللّه لا عدت إلى مثلها أبدا ١ .

و روى ( تفسير العيّاشي ) عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك ، إنّ الناس يزعمون أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه ؟ فقال : أما علمت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال : لو علمت أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه لزوّجت زينب من القاسم ، و ما كنت لأرغب عن دين آدم . فقلت : إنّهم يزعمون أنّ قابيل إنّما قتل هابيل لأنّهما تغايرا على أختهما ؟ فقال : أما تستحيي أن تروي هذا على نبيّ اللّه آدم ؟ فقلت : ففيم قتل قابيل هابيل ؟ قال : في الوصية أنّ اللّه أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية و اسم اللّه الأعظم إلى هابيل ، و كان قابيل أكبر منه ، فغضب فقال :

أنا أولى بالوصية . فأمرهما أن يقرّبا قربانا ففعلا ، فقبل اللّه قربان هابيل فحسده قابيل ، فقتله . فقلت : فممن تناسل ولد آدم هل كانت أنثى غير حواء ،

و هل كان ذكر غير آدم عليه السّلام ؟ فقال : لمّا أدرك قابيل أظهر اللّه له جنيّة و أوحى إلى آدم أن يزوّجها من قابيل ، ففعل ذلك آدم و رضى بها قابيل ، فلمّا أدرك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٠٦ ح ١ .

٢٢

هابيل أظهر اللّه له حوراء و أوحى إلى آدم أن يزوّجها من هابيل ، فقتل هابيل و الحوراء حاملة ، فولدت غلاما فسمّاه آدم هبة اللّه ، فأوحى إلى آدم أن ادفع الوصية و اسم اللّه الأعظم ، و ولدت حواء غلاما فسمّاه آدم شيثا ، فلمّا أدرك أهبط تعالى له حوراء و أوحى إلى آدم أن يزوّجها من شيث ، فولدت جارية فسمّاها آدم حورة ، فلمّا أدركت زوّج آدم بنت شيث من هبة اللّه بن هابيل ،

فنسل آدم منهما ، فمات هبة اللّه ، فأوحى إلى آدم أن ادفع الوصية و اسم اللّه الأعظم إلى شيث ١ .

و في ( الفقيه ) روى زرارة عن الصادق عليه السّلام : أنّ آدم ولد له شيث و أنّ اسمه هبة اللّه ، و هو أوّل وصي أوصي إليه من الآدميّين في الأرض ، ثمّ ولد له بعد شيث يافث ، فلمّا أدركا أراد اللّه تعالى أن يبلغ بالنّسل ما ترون ، و أن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرّم اللّه عز و جل من الأخوات على الإخوة ،

أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر اللّه عزّ و جلّ آدم أن يزوّجها من شيث فزوّجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة و اسمها منزلة ، فأمر اللّه عزّ و جلّ آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه فولد لشيث غلام ، و ولدت ليافث جارية ، فأمر اللّه تعالى آدم حين أدركا أن يزوّج ابنة يافث من ابن شيث ، ففعل ، فولد الصفوة من النّبيين و المرسلين من نسلهما ، و معاذ اللّه أن يكون ذلك على ما قالوا من الإخوة و الأخوات ٢ .

و روى القاسم بن عروة عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : إنّ اللّه تعالى أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوّجها أحد ابنيه ، و تزوّج الآخر ابنة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير العياشي ١ : ٣١٢ ح ٨٣ و النقل بالتلخيص .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٢٤٠ ح ٤ ، و قد مرّ في آخر العنوان ١ : من هذا الفصل .

٢٣

الجان ، فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء ، و ما كان فيهم من سواء خلق فهو من ابنة الجان ١ هذا ، و روى المسعودي في ( إثباته ) خطبة عن أمير المؤمنين عليه السّلام في محالّ نور النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و في تلك الخطبة : « فأيّ بشر كان مثل آدم في ما سبقت به الأخبار ، و عرّفتنا كتبك في عطاياك ، أسجدت له ملائكتك ، و عرّفته ما حجبت عنهم من علمك إذ تناهت به قدرتك ، و تمّت فيه مشيئتك ، دعاك بما أكننت فيه ، فأجبته إجابة القبول » . . . ٢

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٢٤٠ ح ٥ .

( ٢ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠٦ .

٢٤

٢٥

الفصل الخامس في النبوّة العامّة

٢٦

٢٧

١

من الخطبة ( ١ ) وَ اِصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى اَلْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَ عَلَى تَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اَللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَ اِتَّخَذُوا اَلْأَنْدَادَ مَعَهُ وَ اِجْتَالَتْهُمُ اَلشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَ اِقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ اَلْعُقُولِ وَ يُرُوهُمْ اَلْآيَاتِ اَلْمُقَدِّرَةَ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَ مَعَائِشَ تُحْيِيهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَ أَحْدَاثٍ تَتَتَابَعُ عَلَيْهِمْ .

وَ لَمْ يُخْلِ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لاَ تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَ لاَ كَثْرَةُ اَلْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ .

٢٨

« و اصطفى » أي : اختار .

« سبحانه » أي : المنزّه من كلّ نقص .

« من ولده » أي : من ولد آدم .

« انبياء أخذ على الوحي ميثاقهم » في ( إثبات المسعودي ) : أوحى اللّه تعالى إلى آدم بعد قتل قابيل لهابيل : إنّي أهب لك مكانه غلاما اجعله خليفتك ،

و وارث علمك . فولد له شيث و هو هبة اللّه ، فأوحى اللّه إليه أن سمّه في اليوم السابع . فجرت سنة . فلمّا شبّ و كبر ، أوحى اللّه تعالى إليه أنّي متوفّيك و رافعك إلىّ يوم كذا و كذا ، فأوص إلى خير ولدك ( هبة اللّه ) و سلّم إليه الاسم الأعظم ،

و اجعل العلم في تابوت ، و سلّمه إليه ، فإنّي آليت ألاّ أخلي أرضي من عالم أجعله حجّة لي على خلقي . فجمع آدم ولده الرجال و النساء ، ثمّ قال : يا ولدي إنّ اللّه تعالى أوحى إليّ أنّه رافعي إليه ، و أمرني أن أوصي إلى خير ولدي هبة اللّه فإنّ اللّه قد اختاره لي و لكم من بعدي ، فاسمعوا له و أطيعوا أمره ، فإنّه وصيي و خليفتي . فقالوا : سمعنا و أطعنا . فأمر بتابوت فعمل ، و جعل فيه العلم و الأسماء و الوصية ، ثمّ دفعه إلى هبة اللّه ، و قال له : انظر يا هبة اللّه ، فإذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و صلّ عليّ ، و أدخلني حفرتي في تابوت تتّخذه لي ، فإذا حضرت و فاتك ، و أحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك ، فإنّ اللّه لا يدع الخلق بغير حجّة عالم منّا أهل البيت ، و قد جعلتك حجّة اللّه على خلقه ، فلا تخرج من الدّنيا حتى تدع للّه حجّة و وصيّا من بعدك على خلقه ، و تسلّم إليه التابوت و ما فيه كما سلّمته إليك ، و أعلمه أنّه سيكون نبيّ و اسمه نوح .

و مضى هبة اللّه و استخلف ريسان و عدّ بعده قينان ، ثمّ الحيلث ، ثمّ غنيمشا ، ثمّ إدريس و قال : هو هرمس و هو أخنوخ ، بأمر اللّه تعالى ، و جمع اللّه له علم المضامين ، و زاده ثلاثين صحيفة

٢٩

ثمّ عدّ بعده : بردا ، ثمّ اخنوخ ، ثمّ متوشلخ ، ثمّ لمك ، ثمّ نوح ، ثمّ سام ، ثمّ ارفخشد ، ثمّ شالح ، ثمّ هود ، ثمّ فالغ ، ثمّ يروغ ، ثمّ نوشا ، ثمّ صاروغ ، ثمّ تاجور ،

ثمّ تارخ ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ إسماعيل ، ثمّ إسحاق ، ثمّ يعقوب ، ثمّ يوسف ، ثمّ ببرز بن لاوي ، ثمّ أحرب ، ثمّ ميتاح ، ثمّ عاق ، ثمّ خيام ، ثمّ مادوم ، ثمّ شعيب ، ثمّ موسى ، ثمّ يوشع بن نون ، ثمّ فينحاس ، ثمّ بشير ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ أبلث ، ثمّ أحمر ، ثمّ محتان ، ثمّ عوق ، ثمّ طالوت ، ثمّ داود ، ثمّ سليمان ، ثمّ آصف بن برخيا ، ثمّ صفورا ، ثمّ منبه ، ثمّ هندوا ، ثمّ أسفر ، ثمّ رامن ، ثمّ إسحاق ، ثمّ ايم ، ثمّ زكريا ، ثمّ اليسابغ ، ثمّ روبيل ، ثمّ عيسى ، ثمّ شمعون ، ثمّ يحيى ، ثمّ منذر بن شمعون ، ثمّ دانيال ، ثمّ مكيخال بن دانيال ، ثمّ انشوا ، ثمّ رشيخا ، ثمّ نسطورس ، ثمّ مرعيد ، ثمّ بحيرا ، ثمّ منذر ، ثمّ سلمة ، ثمّ برزة ، ثمّ ابي ، ثمّ دوس ،

ثمّ اسيد ، ثمّ هوف ، ثمّ يحيى ، ثمّ نبيّنا ، ثمّ خاتم الأنبياء صلّي اللّه عليه و عليهم أجمعين ١ .

« و على تبليغ الرسالة أمانتهم » قال تعالى : ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم . . . ٢ .

« لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه » إظهارا لجلاله مع كون المقام مقام الإضمار كقول السلطان : السلطان يأمرك بكذا .

« إليهم » قال الخوئي : يعني عهده المأخوذ عليهم في الذّر ، كما في آية و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهور هم ذرّيّتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم . . . ٣ ، و الأخبار المتواترة ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصيّة : ١٣ ٧٦ ، و النقل بتقطيع كثير .

( ٢ ) الجن : ٢٨ .

( ٣ ) شرح الخوئي ١ : ١٨٢ ، و النقل بالمعنى ، و الآية ٧٢ من سورة الأعراف .

( ٤ ) أخرجه عدّة كثير جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ٣ : ١٤١ ١٤٥ ، و المجلسي في بحار الأنوار ٥ : ٢٢٥ الباب ١٠ يبلغ الطرق عندي إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ( ٤٨ ) طريقا و إلى الأئمة ( ٣٩ ) طريقا و إلى الصحابة و التابعين ( ٥٧ ) طريقا ، و سيجي‏ء أقوال العلماء فيها في هذا العنوان .

٣٠

قلت : بل الظاهر أنّ المراد عهده المأخوذ عليهم بتوسط رسله في الظاهر ، كما في آية ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان . . . ١ ، قال تعالى : و لقد ضل قبلهم أكثر الأوّلين . و لقد أرسلنا فيهم منذرين ٢ ،

و همّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق . . . ٣ .

« فجهلوا حقّه » و ما قدروا اللّه حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه . . . ٤ .

« و اتّخذوا الأنداد » أي : الأمثال .

« معه » ، قل أإنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين و تجعلون له أندادا . . . ٥ .

« و اجتالتهم الشّياطين عن معرفته » قال الجزري : أي استخفتهم فجالوا معهم في الضّلال . يقال : جال و اجتال ، إذا ذهب و جاء ، و منه الجولان في الحرب ، و اجتال الشّي‏ء : إذا ذهب به وساقه ، و الجائل الزائل عن مكانه ، و روي بالحاء المهملة ، أي : نقلتهم من حال إلى حال ٦ .

و قال ابن أبي الحديد : اجتال فلان فلانا ، و اجتاله عن كذا و على كذا ، أي :

أداره عليه ، كأنّه يصرفه تارة هكذا ، و تارة هكذا ، يحسن له فعله ، و يغريه به .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يس : ٦٠ .

( ٢ ) الصافات : ٧١ ٧٢ .

( ٣ ) غافر : ٥ .

( ٤ ) الزمر : ٦٧ .

( ٥ ) فصّلت : ٩ .

( ٦ ) هذا تلفيق كلام ابن الأثير في النهاية ١ : ٣٧١ مادة ( جول ) ، و فيه ١ : ٤٦٣ مادة ( حول ) .

٣١

و قال الراوندي : اجتالتهم : عدلت بهم ، و ليس بشي‏ء ١ .

قلت : بل قوله ليس بشي‏ء ، لعدم ذكره في لغة ، و قول الرّاوندي صحيح ،

ففي ( القاموس ) : اجتالهم : حوّلهم عن قصدهم ٢ .

« و اقتطعتهم » أي : قطعتهم ، و التعبير بالاقتطاع للدّلالة على أنّ قطعه لهم كان موافق هواهم .

« عن عبادته » و طاعته .

« فبعث فيهم رسله » قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي : بعث يونس قبل نوح . قال : و هذا خلاف إجماع المفسّرين ٣ .

قلت : لم أقف فيه على ما قاله .

« و واتر إليهم أنبياءه » قال ابن أبي الحديد : أي بعثهم ، و بين كلّ نبيين عليهم السّلام فترة ٤ . و قال : و هذا ممّا تغلط فيه العامّة ، فتظنّه كما ظنّ الراوندي أنّ المراد به المرادفة و المتابعة ٥ .

قلت : أيّ شي‏ء أنكر من قول الرّاوندي من أنّ المراد من الجملة : المرادفة و المتابعة ، و قد قال تعالى : ثمّ أرسلنا رسلنا تترى كلّما جاء أمّة رسولها كذّبوه فأتبعنا بعضهم بعضا . . . ٦ و قد كان أنبياؤه تعالى لم يكن لهم انقطاع ،

كلّما مضى سلف منهم ، قام بأمر اللّه تعالى خلف ، كما تواتر به الخبر ٧ ، و قد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٢ ) القاموس المحيط ٣ : ٣٥٢ مادة ( جول ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) المؤمنون : ٤٤ .

( ٧ ) الأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، جمع بعض طرقه المجلسي في بحار الأنوار ٢٣ : الباب ١ ، و ٢٣ : ٥٧ الباب ٢ .

٣٢

قال عليه السّلام ، كما يأتي بعد : « و لم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل » ١ .

و إنّ ابن أبي الحديد ( صحاح ) الجوهري قبلته ، يتّبعه في كلّ غثّ و سمين ، و قد قال : « و المواترة : المتابعة » ٢ و إنّما قال بعد « و لا تكون المواترة بين الأشياء إلاّ إذا وقعت بينها فترة ، و إلاّ فهي مداركة و مواصلة » ٣ مع أنّ ما ذكره أخيرا لم يعلم صحته ، فيكفي في صداق المواترة عدم كون بعثهم معا ،

و إن كان الآخر متّصلا بالأوّل ، لعدم جواز إبقائه الأرض بغير حجّة .

قال الجزري : إنّ في الحديث : ( ألف جمعهم و أوتر بين ميرهم ) ، أي : لا تقطع الميرة عنهم ، و اجعلها تصل إليهم مرّة بعدمرّة ٤ .

و إنّما حصلت بين عيسى عليه السّلام ، و نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم فترة من الرّسل ، لأنّه كان له أوصياء ، كما لم تنقطع الحجّة بعد نبيّنا بأوصيائه صلوات اللّه عليهم .

هذا ، و كما أنّ إثبات الصانع في مقابل الدهريين المنكرين لصانع العالم ،

و إثبات التوحيد في مقابل الثنويين و المشركين المقرّين بأصل الصانع دون توحيده ، كذلك أصل النبوّة العامّة هنا في مقابل البراهمة القائلين بعدم جواز بعثة اللّه تعالى للرّسل و إثبات وجوبها في مقابل فرق من السّنة .

أمّا الأوّلون و هم البراهمة ، فقالوا : لا يخلو أمر الرّسول من حالين : إمّا أن يأتي بما يدلّ عليه العقل أو بخلافه . فإن أتى بما في العقل كان من كمل عقله غنيّا عنه ، لأن الّذي يأتيه به مستقر عنده ، موجود في عقله ، و إن أتى بخلاف ما في العقل ، فالواجب ردّ ما يأتي به ، لأنّ اللّه تعالى إنّما خلق العقول للعباد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يأتي في تكملة هذا العنوان .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٤٣ مادة ( وتر ) .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٤٨ مادة ( وتر ) .

٣٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ليستحسنوا بها ما استحسنت ، و يقرّوا بما أقرّت ، و ينكروا ما أنكرت .

و أجاب أهل الحقّ عن شبهتهم : بأنّ الرّسول لا يأتي أبدا بما يخالف العقول ، غير أنّ الأمور في العقل على ثلاثة أقسام : واجب ، و ممتنع ، و جائز .

فالواجب في العقل يأتي السّمع بإيجابه تأكيدا له عند من علمه ، و تنبيها عليه عند من لم يعلمه .

و الجائز يمكن في العقل حسنه تارة و قبحه أخرى .

و من الأمور التي لا يصل العقل فيها إلى القطع العلم بأدوية الاعلال و مواضعها و طبائعها و خواصّها ، و مقادير ما يحتاج إليها و أوزانها ، فهذا ممّا لا سبيل للعقل فيه إلى حقيقة العلم ، و ليس يمكن امتحان كلّ ما في البرّ و البحر ،

و لا تحسن التجربة و السبر ، لما فيهما من الخطر المستقبح في العقل الاقدام عليه ، فعلم أنّ هذا ممّا لا غناء فيه عن طارق السّمع .

قالوا : و بعد فإنّ شكر المنعم عندنا ، و عند البراهمة ممّا هو واجب في العقل ، و ليس في وجوبه و وجوب تعظيم مبدأ النعمة بيننا خلاف ، و شكر اللّه و تعظيمه أوجب ما يلزمنا لعظيم أياديه لدينا ، و إحسانه إلينا ، و لسنا نعلم بمبلغ عقولنا أيّ نوع يريده من تعظيمه منّا و شكره ، فلا بد أن يرسل إلينا رسلا يعرّفنا ما يريده منّا ١ .

و أمّا الأخيرون ، فقال المفيد : اتّفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه و نتائجه إلى السّمع ، و أنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه الغافل على كيفية الاستدلال ، و أنّه لا بد في أوّل التكليف ، و ابتدائه في العالم من رسول ، و وافقهم في ذلك أصحاب الحديث ، و أجمعت المعتزلة و الخوارج و الزيدية على خلاف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإشكال و الجواب أوردهما بطولهما الكراجكي في كنز الفوائد : ١٠١ ، و أما قول البراهمة في النبوّة ، فنقله الشهرستاني في الملل و النحل ٢ : ٢٥٨ ، و الطوسي في تمهيد الأصول : ٣١٤ ، و الاقتصاد : ١٥٢ ، و غيرهما .

٣٤

ذلك ، و زعموا أنّ العقول بمجردها من السمع و التوقيف ، إلاّ أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون الرّسالة في أوّل التكليف ، و يخالفون الإمامية في علّتهم لذلك ، و يثبتون عللا يصحّحها الإمامية ، و يضيفونها إلى علّتهم في ما وصفناه ١ .

و لكن في ( شرح تجريد العلاّمة ) : قالت الأشاعرة بعدم وجوب النبوّة ٢ ،

و كيف كان فقد نبّه عليه السّلام على خمسة من أدلّة وجوب الرسالة :

الأوّل : « ليستأدوهم ميثاق » أي : عهد .

« فطرته » التي فطرهم عليها ، قال تعالى : . . . فطرة اللّه التي فطر الناس عليها . . . ٣ ، و قال عزّ و جلّ : و إذا أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ٤ .

و قد اختلف في معنى أخذ الميثاق من الناس ، فقال المرتضى : لمّا خلقهم و ركّبهم تركيبا يدلّ على معرفته ، و يشهد بقدرته ، و وجوب عبادته ، و أراهم العبر و الآيات و الدلائل في أنفسهم و في غيرهم ، كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم ، و كانوا في مشاهدة ذلك و معرفته و ظهوره على الوجه الذي أراده اللّه تعالى و تعذّر امتناعهم منه و انفكاكهم من دلالته ، بمنزلة المقرّ المعترف ، و إن لم يكن هناك إشهاد و لا اعتراف على الحقيقة ٥ .

و قال المفيد في ( مسائله السّروية ) : و أمّا الحديث في إخراج الذّريّة من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) قاله المفيد في أوائل المقالات : ٥٠ .

( ٢ ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٧٣ .

( ٣ ) الروم : ٣٠ .

( ٤ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٥ ) أمالي المرتضى ١ : ٢٣ المجلس ٣ الجواب الثاني .

٣٥

صلب آدم عليه السّلام على صورة الذّرّ ، فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه و معانيه ، و الصحيح أنّه أخرج الذرّيّة من ظهره كالذرّ ، فملأ بهم الأفق ، و جعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، و على بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، و على بعضهم نور و ظلمة ، فقال تعالى لأدم : أمّا الّذين عليهم النور بلا ظلمة ، فهم أصفيائي من ولدك الّذين يطيعوني و لا يعصوني في شي‏ء من أمري ، فأولئك سكّان الجنّة ، و أمّا الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور ، فهم الكفّار من ولدك الّذين يعصوني و لا يطيعوني في شي‏ء من أمري ، فهؤلاء حطب جهنّم ، و أمّا الّذين عليهم نور و ظلمة ، فأولئك الذين يطيعوني من ولدك و يعصوني ، يخلطون أعمالهم السيّئة بأعمالهم الحسنة ، فهؤلاء أمرهم إليّ : إن شئت عذّبتهم فبعدلي ، و إن شئت عفوت عنهم بتفضّلي . قال : فأنبأه اللّه تعالى بما يكون من ولده ، و شبّههم بالذرّ الّذي أخرجه من ظهره ، و جعلهم علامة على كثرة ولده ، قال : و يحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره أصول أجسام ذرّيته دون أرواحهم ، و إنّما فعل اللّه تعالى ذلك ليدلّ آدم على العاقبة منه ، و يظهر له من قدرته و سلطانه من عجائب صنعه ، و علمه بالكائن قبل كونه ليزداد آدم يقينا بربّه .

قال : و أمّا الأخبار التي جاءت بأنّ ذريّة آدم استنطقوا في الذرّ ، فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقرّوا ، فهي من أخبار التناسخية ، و قد خلطوا فيها و مزجوا الحقّ بالباطل .

قال : و المعتمد من إخراج الذريّة ما ذكرنا ، دون ما ينطق القول به على الدّلالة العقلية و الحجج السمعية ، و إنّما هو غلط لا يثبت به أثر على ما وصفناه .

قال : فإن تعلّق متعلّق بقوله تعالى : و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا ان

٣٦

تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ١ ، و ظنّ بظاهر هذا القول تحقّق ما رواه أهل التناسخ و الحشوية و العامة في إنطاق الذرّية و خطابهم ، و أنّهم كانوا أحياء ناطقين ، فالجواب عنه : أنّ هذه الآية من المجاز في اللّغة ، كنظائرها ممّا هو مجاز و استعارة و المعنى فيها : أنّ اللّه تعالى أخذ من كلّ مكلّف يخرج من صلب آدم و ظهور ذريّته العهد عليه بربوبيّته من حيث أكمل عقله ، و دلّه بآثار الصنعة فيه على حدثه ، و أنّ له محدثا أحدثه لا يشبهه أحد يستحقّ العبادة منه بنعمته عليه . فلذلك هو أخذ العهد منهم ، و آثار الصنعة فيهم ، و الإشهاد لهم على أنفسهم بأنّ اللّه تعالى ربّهم ، و قوله تعالى : . . . قالوا بلى . . . ٢ يريد أنّه لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، و دلائل حدوثهم اللازمة لهم ، و حجّة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأنّ سبحانه كما ألزمهم الحجّة بعقولهم على حدوثهم و وجود محدثهم ، قال لهم : . . . ألست بربّكم . . . ٣ . فلمّا لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدوث لهم ، كأنّهم قائلون : . . . بلى شهدنا . . . و قوله تعالى : . . . أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين . أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل و كنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ٤ . ألا ترى أنّه تعالى احتجّ عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة إن تناولوا في إنكاره ، و لا يستطيعون ، و قد قال سبحانه : . . . و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدوابّ و كثير من الناس و كثير حقّ عليه العذاب . . . ٥ ، و لم يروا أنّ المذكور يسجد سجود البشر في الصلاة ، و إنّما أراد أنّه غير ممتنع من فعل اللّه ، فهو كالمطيع للّه ، و هو يعبّر عنه بالساجد .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٣ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٤ ) الأعراف : ١٧٣ .

( ٥ ) الحج : ١٨ .

٣٧

قال الشاعر :

بجمع تظلّ البلق في حجراته

ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر

يريد أنّ الحوافر تذلّ الأكم بوطيها عليها .

و قال آخر :

سجود له نوقان يرجون فضله

و ترك و رهط الأعجمين و كابل

يريد أنّهم مطيعون له ، و عبّر عن طاعتهم بالسّجود ، و قوله تعالى : ثمّ استوى إلى السماء و هي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ١ ، و هو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ، و لا السّماء قالت قولا مسموعا ، و إنّما أراد أنّه عهد إلى السماء فخلقها ، فلم يتعذّر عليه صنعها .

قال : و لذلك أمثال كثيرة في منظوم كلام العرب و منثوره ، و هو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ٢ .

و الثاني : « و يذكّروهم منسيّ نعمته » قال تعالى حكاية عن هود في تذكير قومه بآلائه تعالى : . . . و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح و زادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون ٣ ، و عن صالح لقومه في ذلك : و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورا و تنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء اللّه و لا تعثوا في الأرض مفسدين ٤ ، و عن موسى لقومه في ذلك : . . . اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) فصّلت : ١١ .

( ٢ ) قاله المفيد في أجوبة المسائل السروية : ٢١٢ ، و النقل بتقطيع ، و أما قوله في عدم حمل الاية على ظاهر أحاديث الذرّ فذهب إليه المفيد أيضا في تصحيح الاعتقاد : ٣٣ ، و المرتضى في أماليه ١ : ٢٠ المجلس ٣ ، و الطوسي في التبيان ٥ : ٣٠ ، و الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٤٩٧ ، و العلاّمة الحلّي في المسائل الممنائية الثالثة : ١٤١ ، و غيرهم .

( ٣ ) الأعراف : ٦٩ .

( ٤ ) الأعراف : ٧٤ .

٣٨

فيكم أنبياء و جعلكم ملوكا و آتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ١ ، و قال عزّ و جلّ على لسان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله في ذلك : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم و أوفوا بعهدي أوف بعهدكم و إيّاي فارهبون . و آمنوا بما أنزلت مصدّقا لما معكم و لا تكونوا أوّل كافر به و لا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا و إيّاي فاتّقون . و لا تلبسوا الحقّ بالباطل و تكتموا الحقّ و أنتم تعلمون ٢ .

و الثالث : « و يحتجّوا عليهم بالتبليغ » لئلاّ يعتذروا في ترك طاعته ، قال تعالى : و إن تكذّبوا فقد كذّب أمم من قبلكم و ما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين ٣ .

و في الخبر : أنّ الأحلام لم تكن في ما مضى في أوّل الخلق و إنّما حدثت .

قيل : و ما العلّة في ذلك ؟ فقال : إنّ اللّه تعالى بعث رسولا إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة اللّه و طاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا ، فو اللّه ما أنت بأكثرنا مالا ،

و لا بأعزّنا عشيرة . فقال : إن أطعتموني أدخلكم اللّه الجنّة ، و إن عصيتموني أدخلكم اللّه النّار . فقالوا : و ما الجنّة و النّار ؟ فوصف لهم ذلك . فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متّم . فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا .

فازدادوا له تكذيبا ، و به استخفافا ، فأحدث اللّه تعالى فيهم الأحلام ،

فأتوه فأخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك ، فقال : إنّ اللّه تعالى أراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متّم ، و إذا بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان ٤ .

و الرابع : « و يثيروا » من أثار الأرض .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٢٠ .

( ٢ ) البقرة : ٤٠ ٤٢ .

( ٣ ) العنكبوت : ١٨ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٨ : ٩٠ ح ٥٧ .

٣٩

« لهم دفائن العقول » حتّى تكون في مرآهم قالت رسلهم أفي اللّه شكّ فاطر السماوات و الأرض . . . ١ .

و الخامس : « و يروهم » بالضّم من الإراءة .

« الآيات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( آيات ) كما في ( ابن أبي الحديد ،

و ابن ميثم ، و الخطّيّة ) ٢ ، و لأنّه مضاف .

« المقدرة » و في نسخة ابن ميثم ( القدرة ) .

« من سقف فوقهم مرفوع ، و مهاد تحتهم موضوع ، و معائش تحييهم ، و آجال تفنيهم » قال تعالى حكاية عن نوح في دعوته قومه : مالكم لا ترجون للّه و قارا . و قد خلقكم أطوارا . أ لم تروا كيف خلق اللّه سبع سماوات طباقا .

و جعل القمر فيهنّ نورا و جعل الشمس سراجا . و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا .

ثمّ يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا . و اللّه جعل لكم الأرض بساطا . لتسلكوا منها سبلا فجاجا ٣ .

« و أوصاب » أي : أوجاع و أمراض .

« تهرمهم » أي : تجعلهم هرمين ، قال عمرو بن معديكرب :

أشاب الرّأس أيّام طوال

و همّ ما تضمّنه الضّلوع

و قال الجاحظ : قال أبو عبيدة : قيل لشيخ مرة : ما بقي منك ؟ قال : يسبقني من بين يدي ، و يلحقني من خلفي ، و أنسى الحديث ، و أذكر القديم ، و أنعس في الملأ ، و أسهر في الخلأ ، و إذا قمت قربت الأرض منّي ، و إذا قعدت تباعدت عنّي ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ١٠ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٨ ، « الآيات » أيضا .

( ٣ ) نوح : ١٣ ٢٠ .

( ٤ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٩٦ .

٤٠