بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113149 / تحميل: 6035
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160


ما يشترط في الإمام

قال(٢٢٤) :

( يشترط في الإمام أن يكون : مكلفاً ، حراً ، ذكراً ، عدلاً وزاد الجمهور : إشتراط أن يكون شجاعاً مجتهداً ذا رأي واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشياً ، أي : من أولاد نضر بن كنانة ، خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة. لنا : السنّة والاجماع ).

أقول :

قد عرفت في التعريف أن ( الامام ) إنّما هو ( خليفة النّبي ) والقوم لم يشترطوا فيه بالاتفاق إلاّ :

التكليف والحريّة والذّكورة والعدالة.

واختلفوا في شروط هي :

الشجاعة والاجتهاد والرأي

قال :

( واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشياً ) فادّعى الاتّفاق ، لكن قال :

( خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة )!!

ثمّ استدل لإشتراط القرشيّة بالكتاب والسنة وأصرّ عليها إصراراً

أقول :

أمّا التكليف والحريّة والذكورة فالواجدون لها من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالآلاف ، وكذا ( العدالة ) لا سيّما بناء على المشهور بينهم من أصالة العدالة في الصّحابة ، وكذا ( الشجاعة ) و ( الرأي ) فإنهما ـ على القول باعتبارهما ـ كانا في كثير من الصحابة ، وكذا ( الاجتهاد في الأصول والفروع ) عند القوم ، وبه يوجّهون المخالفات الصريحة من الصّحابة فما الذي رجّح أبابكر وعمر وعثمان على غيرهم من الصّحابة فكانوا خلفاء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم


١٦١


وسلّم دونهم؟

بل في الصّحابة من هو خير منهم في ما عدا الصفات الثلاثة الأولى ، ولذا وقع الاختلاف بين القوم في اشتراط ما عداها!!

ثم إنّ الواجدين لهذه الصفات كلّها في قرش جمع غفير فما الذي ميّز الثلاثة عن غيرهم؟

على أنّ اعتبار القرشيّة ينافي مذهب عمر بن الخطّاب فإنّه تمنى حياة بعض الموالي ليجعل فيه الخلافة من بعده! فقد قال : « لو كان سالم حيّاً ما جعلتها شورى ) يعنى : سالم بن معقل مولى أبي حذيفة وكان من أهل فارس من اصطخر ، وقيل : إنّه من عجم الفرس من كرمد ، ذكر ذلك ابن عبدالبرّ ، وقال : كان من فضلاء الموالي ، ثمّ حمل كلام عمر على أنّه كان يصدر فيها عن رأيه(١) ولا يخفى بعده عن الكلام كلّ البعد ، وقد رووا كلامه بلفظ : « لو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك » وعنه « لو استخلفت سالماً مولى أبي حذيفة فسألني عنه ربي ما حملك على ذلك لقلت ربي سمعت نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول إنّه يجبّ الله تعالى حقاً من قبله »(٢) .

بل رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما ينافي اعتبار القرشية بصراحة ، فقد أخرج أحمد بسنده عن عائشة قالت : « ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلاّ أمرّه عليهم ولو بقى بعده استخلفه »(٣) .

والواقع أنّهم يسعون في تقليل شرائط الإمامة وتهوينها كي يتمكنوا من إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وإلاً فقد عرفت أنّ ( الامامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبي ) فيعتبر في الإمام أن يكون كالنّبي ، أي إنّ الله ما نصب للإمامة أحداً إلاّ كان واجداً لصفات من نصبه نبياً ، بأن كان أفضل الناس

__________________

(١) الاستيعاب ٢/٥٦٧.

(٢) حلية الأولياء ١/١٧٧.

(٣) المسند ٦/٢٢٦.


١٦٢


وأعلمهم ، معصوماً من الخطأ والنسيان مطلقاً فما كان للقاضي العضد من جواب عن هذا إلاّ أن قال : « إنا ندلّ على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء ممّا ذكر » و « إنّ أبابكر لا تجب عصمته إتفاقاً »(١) .

قال(٢٤٦) :

( واشترط الشيّعة أن يكون هاشمياً بل علوياً ، وعالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ، قولاً بلا حجة ، مع مخالفة الاجماع. وأن يكون أفضل أهل زمانه ، لأنّ تقديم المفضول قبيح عقلاً ، ونقل عن الأشعري ، تحصيلاً لغرض نصبه وقياساً على النبوة. وردّ بالقدح في قاعدة القبح وأن يكون معصوماً ).

أقول :

مذهب أصحابنا أن الصّفات المعتبرة في الإمام ، والتي لأجلها يكون النصب من الحكيم العلاّم ، لم تتوفّر إلاّ في أمير المؤمنين وأبنائه الأحد عشر عليهم الصلاة والسّلام ، فكانوا هو الأئمّة ، دون غيرهم من أفراد الأمة فإن أراد من قوله :( اشترطت الشيعة أن يكون هاشمياً بل علويّاً ) هذا المعنى فهو صحيح.

وأمّا كونه( عالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ).

فهو لازم مقام الامامة التي هي النيابة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوراثة له في كلّ شيء إلاّ الوحي ، فان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالماً بكلّ أمرٍ حتّى المغيّبات ، كما هو صريح القرآن الكريم في غير واحدة من الآيات.

بل لقد ادّعى القوم العلم بالغيب لبعض الصحابة ، من ذلك ما رووه في صحاحهم في حذيفة بن اليمان أنّه : « أعلمه رسول الله بما كان وما يكون إلى يوم القيامة »(٢)

__________________

(١) المواقف في علم الكلام ٨/٣٥٠.

(٢) مسند أحمد ٥/٣٨٦ ، صحيح مسلم ـ كتاب الفتن ، الاصابة ١/٢١٨.


١٦٣


وبعد :

فإنّ الأئمّة الأثني عشرعليهم‌السلام كانوا كذلك ، وتلك خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام الدالّة على إحاطة علمه موجودة في الكتب ، وقد أذعن بها القاضي العضد والشريف الجرجاني(١) وبذلك تعرف ما في قول السّعد : « وهذه جهالة تفرد بها بعضهم ».

وأمّا كونهم أفضل أهل زمانهم فسيذكر بعض الأدلة على ذلك وتقديم المفضول قبيح عندنا وعند الأشعري وأتباعه ن بل جاء في الكتاب ٢٩٠ :( ذهب معظم أهل السنّه وكثير من الفرقّ إلى أنه يتعيّن للامامة أفضل أهل العصر ).

ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة صاحب المواقف وشارحها القول بجواز تقديم المفضول إلى الأكثرين(٢) .

ومنها ومن قول ابن تيمية : « تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم »(٣) يظهر أيضاً ما في ردّ بعضهم( بالقدح في قاعدة القبح ).

هذا ، وإنّ عمدة الصّفات المستلزمة للأفضلية هي ( الأعلميّة ) و ( التقوى ) فقد قال الله تعالى :( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (٤) وقال :( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (٥) وكذا دلّت الأحاديث النّبوية ، ودلّ عليه العقل وقام الإجماع كما نص في الكتاب ٣٠١ وسيذكر بعض الأدلة على أنّ عليّاًعليه‌السلام أعلم الأمة وأتقاها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وعلى الجملة فإنّ الإمام منصوب من العليم الحكيم ، كما أنّ النبي مبعوث منه ، وكما يدلّ اختياره للنبوة على الأفضلية قطعاً كما نص عليه في الكتاب ٢٤٧

__________________

(١) شرح المواقف ٨/٣٧٠.

(٢) شرح المواقف ٨/٣٧٣.

(٣) منهاج السنة ٣/٢٧٧.

(٤) سورة الحجرات : ١٣.

(٥) سورة الزمر : ٩.


١٦٤


كذلك يدل اختياره للإمامة على الأفضلية ، ومن هنا أجاب في الكتاب عن وجوه القول بجواز تقديم المفضول بقوله ٢٤٧ : بأنّها لا تصلح للاحتجاج على الشيعة( فإن الإمام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق ).

وأمّا العصمة فلا حاجة إلى إقامة الدليل على اشتراطها في الامام ، بعد أن عرفت أنّ ( الامامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبي ) فيعتبر في الامام كلّ ما يعتبر في ( النبّي ) إلاّ النبوة ، ومنه العصمة ، وأنّه لمّا كانت العصمة أمراً خفيّاً لا يطّلع عليه أحد كان النص من الله تعالى هو الطّريق إلى معرفة الإمام وتعيينه ، بل كان على الخصم إقامة الدّليل على عدم وجوب العصمة ، فلذا جاء في الكتاب ٢٤٩ :

( إحتجّ أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالاجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم...وقد يحتج كثير بأن العصمة ممّا لا سبيل للعباد إلى الإطّلاع عليه ، فإيجاب نصب إمامٍ معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع ).

أقول :

ولا يخفى سقوط الوجهين ، أمّا الأول فالاجماع على إمامة القوم غير واقع. وأمّا الثاني ، فالأنّه موقوف على أن يكون النصب بيد الخلق وهوباطل ولذا اضطر السّعد إلى أن يقول ٢٤٩ :

( وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر ).

ومع ذلك فقد استدل أصحابنا لا شتراط العصمة بوجوهٍ من الكتاب والسنة والعقل وقد ذكر بعضها :

قال(٢٤٩) :

( احتجّوا بوجوه : الأوّل : القياس على النبّوة وردّ بأنّ النبّي مبعوث من الله ، مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته ولا كذلك الإمام فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سيبل لهم إلى معرفة عصمته ).

أقول :


١٦٥


ليس أمر الامامة مقيساً على النبوة ، بل هي من توابع النبوة وشئونها كما عرفت ، وكما أنّ النبي مبعوث من الله فكذلك الامام منصوب منه. وكما أنّ دعوى النّبي مقرونة بالمعجزات ، فكذلك الامام تظهر المعجزة على يده متى اقتضت المصلحة ، ولذا كان ظهور المعجزة على يده قائماً مقام النص ، كما نص عليه علماؤنا(١) والعجب من السّعد كيف يقول : « فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته » فانّه ليس إلاّ مصادرة ، مع أنّه يناقض كلامه السابق حيث اعترض على الاحتجاج بجواز تقديم المفضول بأنّ ( الأفضليّة أمر خفي ) قائلاً : بأنّ( هذا وأمثاله لا يصلح للاحتجاج على الشيعة ، فإنّ الامام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق )!!

قال :(٢٥٠) :

( الثّاني : إنّ الامام واجب الطاعة. قال الله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (٢) والجواب : إنّ وجوب طاعته إنّما هو فيما لا يخالف الشّرع ) .

أقول :

إن الأمر المطلق بالإطاعة المطلقة دليل العصمة ، لا سيّما في هذه الآية حيث عطف ( أولي الأمر ) على ( الرّسول ) ، ولذا اعترف إمامهم الفخر الرازي بدلالة الآية على العصمة(٣) وأمّا حمله ( أولي الأمر ) على غير ( الإمام ) فيردّه عدم إنكار السّعد الاستدلال من هذه الناحية.

قال :(٢٥٠) :

( الثالث : إنّ غير المعصوم ظالم والجواب ).

__________________

(١) تلخيص الشافي ١/٢٧٤ ، الباب الحادي عشر : ٤٨.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) تفسير الفخر الرازي ١٠/١٤٤.


١٦٦


أقول :

قال تعالى :( وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (١) .

وإذا عرفنا ( الظالم ) و ( العهد ) ظهر وجه الاستدلال.

فأمّا ( الظالم ) فهو عند أهل اللغة وكثير من العلماء : واضع الشيء في غير موضعه(٢) وغير المعصوم كذلك كما هو واضح.

وأمّا ( العهد ) فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون ـ(٣) هو ( الامامة ).

فمعنى الآية : إن غير المعصوم لايناله الإمامة.

هذا وجه الاستدلال ، ولا يخفى الإضطراب في كلمات السّعد لدى الجواب.

قال( ٢٥١) :

( الرّابع : إنّ الأمة إنما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل ، ولذلك يكون الإمام لطفاً لهم والجواب : إنّ وجوب الإمام شرعي ، بمعنى أنه أوجب علينا نصبه )

أقول :

وفيه ، إنّه مصادرة وهذا أيضاً منه تناقض ظاهر.

قال :(٢٥١) :

( الخامس : إنه حافظ للشّريعة ، فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضاً لها والجواب : إنه ليس حافظاً لها بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الامة واجتهاده الصحيح ، فإن أخطأ في إجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردّون

__________________

(١) سورة البقرة : ١١٨.

(٢) قاله الراغب في المفردات ٣١٥.

(٣) الرازي ٣/٤٠ ، البيضاوي ٢٦ ، أبو السعود العمادي ١/١٥٦.


١٦٧


والآمرون بالمعروف يصدّون ).

أقول :

إنه حافظ للشريعة ـ أي ما في الكتاب والسنة ـ بذاته ، بأنْ يعلّمها المؤمنين بها ، ويدعو الآخرين إليها ، وينفي تحريفات المبطلين عنها كما أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك. وأمّا الكتاب والسنّة فلا يخفظان الشّريعة لأنّهما محتاجان إلى الإمام المبيّن لهما.

ثم إنّ الإمام ليس مجتهداً ، بل شأنه شأن النبي ووظيفته وظيفته كما ذكرنا ، فلا يجوز عليه الخطأ ألبتة فضلاً عن المعصية حتى يردّه المجتهدون ويصدّه الآمرون بالمعروف.

ثم من أين يؤمن المجتهدون والآمرون عن الخطأ والمعصية؟ ومن يكون الرّاد والصادّ لهم عن ذلك؟ وانْ كانوا لا يخطأون ولا يعصون كانوا هو الآئمّة ووجب على الإمام إطاعتهم!

قال(٢٥٢) :

( السادس : إنه لو أقدم على المعصية فإمّا أن يجب الإنكار عليه ، وهو مضاد لوجوب إطاعته والجواب : إن وجوب الطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشّرع ).

أقول :

ومن المشخّص للمخالف للشّرع عن غير المخالف؟ إنْ كان غير معصوم فهو كالأول ، وإنْ كان معصوماً فهو الإمام.

قال :(٢٥٢) :

( السّابع : إنّه لابدّ للشرّيعة من ناقل ، ولا يوجد في كلّ حكمٍ حكم أهل التواتر معنعناً إلى إنقراض العصر ، فلم يبق إلاّ أن يكون إماماً معصوماً عن الخطأ. والجواب : إنّ الظنّ كافٍ في البعض...وأمّا القطعي فإلى أهل التواتر أو جميع الأمة ، وهم أهل عصمة عن الخطأ فلا حاجة إلى معصوم بالمعنى الذي


١٦٨


قصد. ثمّ ـ وليت شعري ـ بأيّ طريق نقلت الشّريعة إلى الشيعة من الإمام الذي لا يوجد منه إلاّ الاسم ).

أقول :

لو سلّمنا كفاية الظن في البعض ، فالرجوع في القطعي إلى أهل التواتر مع احتمال السّهو عليهم لا يفيد ، سلّمنا أنه لا يجوز عليهم السّهو فما المانع من عدولهم من النقل تعمّداً لبعض الأغراض والدواعي؟ وكذا الكلام في الرجوع إلى جميع الأمة ، ودعوى عصمتهم عن الخطأ ممنوعة ، لانّ ما جاز على آحاد الأمة جائز على جميعها.

وأمّا الشّريعة فقد انتقلت إلى الشّيعة عن الأئمّة السابقين على الغائبعليه‌السلام ، وهو حي موجود ينتفع به كالانتفاع بالشمس خلف السحاب.

هذا ، واعلم أنّ جميع هذه الشبهات التي طرحها السّعد حول هذه الأدلة إنّما هي مأخوذة من كتاب ( المغني في الإمامة ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي ، فالقوم في الردّ على الشّيعة عيال على المعتزلة ، لكن أصحابنا أجابوا عنها بأجوبة كافية شافية ، كما لا يخفى على من راجع ( الشافي ) و ( تلخيصه ) وغيرهما.

ثم إنّه يدل على اعتبار العصمة في الإمام من السنّة أحاديث ، منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، وحديث : « علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض »(١) فإنّه يفيد ثلاثة أمور : أحدها : معنى العصمة وهو عدم التخطّي عن القرآن. والثاني : اشتراط هذا المعنى في الامام. والثالث : وجوده في عليعليه‌السلام .

قال(٢٥٢) :

( وأمّا اشتراط المعجزة والعلم بالمغيّبات فمن الخرافات ).

أقول :

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/١٢٤ والذهبي في تلخيصه وصحّحاه.


١٦٩


دعوى أنّ ذلك كله خرافات لا دليل عليها ، والأصل في إنكار ظهور المعجزة على يد الامام هو القاضي عبدالجبار المعتزلي أيضاً ، وقد أجاب عنه الشريف المرتضى الموسوي في كتاب ( الشّافي ) فليت السّعد لاحظ كلامه

وممّا قالرحمه‌الله : « إنّ المعجزة هو الدال على صدق من يظهر على يده فيما يدّعيه ، أو يكون كالمدعي له ، لأنّه يقع موقع التصديق ، ويجري مجرى قول الله تعالى له : صدقت فيما تدّعيه عليّ. وإذا كان هذا هو حكم المعجز لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على يد من يدّعي الإمامة ليدّل به على عصمته ووجوب طاعته والانقياد له ، كما لا يمتنع أن يظهره على يد من يدّعي نبوّته »(١) .

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : « فصل في إيجاب النص على الامام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدال على إمامته »(٢) .

وقال العلامة الحلّي : « الامام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه »(٣) .

وأمّا أحاطة علمه فلم ينكره القاضي العضد والشريف الجرجاني.

وأمّا علمه باللّغات وغير ذلك فلا دليل على منعه ، بل الدليل على ثبوته كما هو الحال في النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

طريق ثبوت الإمامة

مذهب أصحابنا أن لا طريق إلى ثبوت الإمامة إلاّ النّص أو ما يقوم مقامه وهو ظهور المعجز على يد المدّعي لها ، وذهب القوم إلى ثبوتها بالنصّ والبيعة.

__________________

(١) الشافي في الإمامة ١/١٩٦.

(٢) تلخيص الشافي ١/٢٧٥.

(٣) الباب الحادي عشر : ٤٨.


١٧٠


قال(٢٥٥) :

( لنا على كون البيعة والاختيار طريقاً : إنّ الطريق إمّا النص وإما الاختيار ، والنص منتف في حق أبي بكر مع كونه إماماً بالاجماع ، وكذا في حق علي على التحقيق. وأيضاً : إشتغل الصّحابة بعد وفاة النبي فكان إجماعاً على كونه طريقاً ، ولا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ).

أقول :

لقد أقرّ بانتفاء النص في حق أبي بكر.

وكونه إماماً دعوى تحتاج إلى إثبات ، والاجماع غير متحقق.

ونفي النص في حق عليعليه‌السلام لا يسمع ، لأنّ المثبت مقدّم على النافي.

ولا يخفى إختلاف تعبيره بين النّفيين.

هذا في الوجه الأول.

وفي الثاني : إنّ اشتغال ( الصحابة ) بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير حاصل ، بل المشتغلون بعضهم ، والاجماع بين هذا البعض غير حاصل فكيف بالكلّ؟ وإذ لم يتحقق الإجماع فلا عبرة بقوله( لا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .

هذا كلّه بغضّ النّظر عن المفاسد المترتبة على الإختيار ، وبغض النظر عن عدم الدليل على اعتبار إجماع الصحابة بل الأمة ما لم يكن بينهم معصوم.

ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى ( الأمّة ) ويزعمون أن إمامة أبي بكر كانت بالاجماع ، ثم يقولون بأنّه يتحقق( باختيار أهل الحلّ والعقد وبيعتهم ) و( من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ) ٢٥٤ ، ثم يقولون بأنّه( ينعقد بعقد واحد منهم ) ٢٥٤!

فانظر كيف نزلوا من ( الخلق ) و ( الأمة ) و ( الإجماع ) إلى ( أهل الحلّ والعقد ) إلى ( الواحد )!

وكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب إتباع من لم ينص الله عليه ولا


١٧١


رسوله ، ولا اجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق ، في شرق الدّنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد؟!

قال(٢٥٥) :

( احتجت الشيعة بوجوه :

الأول : إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً أفضل من رعيّته وردّ بمنع المقدمتين ).

أقول :

قد ثبت تماميّة المقدّمتين ، وتقدّم أنّه لولا العصمة والأفضلية بالأعلمية وأمثالها من الصّفات لم يبق فرق بين الإمام والمأموم ، فالأمران معتبران في الإمام ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار ، فانحصر الطريق في النص.

قال(٢٥٥) :

( الثاني : إنّ أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء وردّ بمنع الصغرى ولو سلّم فذلك لوجود من إليه التّولية وهو الإمام ).

أقول :

أمّا ما ذكره أوّلاً فلا يخفى ما فيه ، إذ لا ولاية لقاضي التحكيم وللشاهد على القاضي.

وأمّا ما ذكره ثانياً ـ ولعلّه إنّما ذكره لالتفاته إلى المغالطة في كلامه ـ ففيه : أنه خروج عن الكلام ، فإنّه في طريق تعيين الإمام

قال(٢٥٥) :

( الثالث : إنّ الإمامة لإزالة الفتن ، وإثباتها بالبيعة مظنّة إثارة الفتن ، لاختلاف الآراء وردّ بأنّه لا فتنة عند الانقياد للحق ).

أقول :

ولكنّ المشخّص للحق ما هو؟ هل البيعة أو النصّ؟ إن كان الأول ففيه المحذور ، فلا مناص من الثاني.


١٧٢


وقوله :( نزاع معاوية لم يكن في إمامة علي بل في أنه هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان؟ ) باطل جداً :

أمّا أوّلاً : فلأنّه أخذ البيعة من أهل الشام لنفسه بالامامة.

وأما ثانياً : فلأنّه وصف هو وأتباعه بالفئة الباغية ، فلو كان توقفه عن البيعة للإمامعليه‌السلام لما ذكره لما وصفوا بذلك.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الإمامعليه‌السلام بايعه فضلاء الصحابة وعظماء المسلمين من غير منازعة في شيء ، ومَن معاوية لينفرد بمنازعة الامامعليه‌السلام بما ذكر؟

لقد كان الأولى بالسّعد أن يجلّ نفسه عن الدفاع عن البغاة!!

وكذا قوله( ولو سلّم فالكلام فيما إذا لم يوجد النص ) لأنّ الكلام في طريق ثبوت الإمامة ، وهو إمّا النص كما هو الحق وإمّا الاختيار كما يقولون ، وإذ كان الاختيار منشأ المفاسد فالرجوع إلى النصّ هو المتعيّن ، وفرض عدمه أوّل الكلام

قال(٢٥٦) :

( الرابع : إنّ الإمامة خلافة الله ورسوله وردّ بأنّه لمّا قام الدليل من قبل الشارع ـ وهو الاجماع ـ على انّ من اختاره الأمة خليفة الله ورسوله كان خليفة سقط ما ذكرتم ).

أقول :

أولاّ : إنّه لم تتحقّق صغرى هذا الإجماع.

وثانياً : لو سلّمنا تحقّقه ، فأين قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التام سنداً ودلالةً عنه الكلّ على أنّ الأمّة إذا أجمعت على اختيار شخص خليفة لله ورسوله كان خليفة؟

وثالثاً : لو سلّمنا وجود هكذا قول فقد عاد الأمر إلى النص.

ورابعاً : لو سلّمنا قيام الاجماع المذكور وكفايته عن النص فهو قائم ـ


١٧٣


بالفرض على أنّ من اختاره ( الأمة ) لا من اختاره ( الواحد ).

وهذا من موارد تناقضاتهم

قال( ٢٥٦) :

( الخامس : إنّ القول بالاختيار يؤدّي إلى خلوّ الزمان عن الإمام وردّ بأنّه ).

أقول :

نعم إنّ القول بالاختيار يؤدّى إلى خلوّ الزمان عن الامام ، فيتسلّط الجبابرة الأشرار ويستولي الظلمة والكفّار ولمّا كانت هذه المفسدة مترتبة على الاختيار فانّه يسقط عن الطريقية ويتعيّن النّص. وهنا يلتجأ القوم إلى تقييد الاختيار بحال ( الاقتدار ) ويقولون بوجوب إطاعة الكفّار والفجّار عند ( العجز والاضطرار ) ولم يعبأ حينئذٍ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ٢٤٥ ...!

وهذا كلّه للفرار عن الرجوع إلى النّص والإنكار له!!

قال(٢٥٦) :

( السّادس : إنّ سيرة النبّي وطريقته على أنّه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ...؟ والجواب : إنّ ذلك مجرّد استبعاد. على أن التفويض إلى اختيار أهل الحلّ والعقد واجتهاد أرباب الألباب نوع استخلاف ).

أقول :

هل إنّ ذلك مجرّد استبعاد حقاً؟ ليته لم يقله واكتفى بما ادّعاه من التفويض لكن فيه :

أولاً : أين الدليل التام المقبول على هذا التفويض؟

وثانياً : على فرض ثبوته فإنّه إلى ( إختيار أهل الحلّ والعقد ) كما ذكر ، لا إلى ( واحد ) منهم إن كان منهم.

وثالثاً : إنّ تفويض الأمر إلى الأصحاب محال ، لأنّه لا يخلو صلّى الله عليه


١٧٤


وآله وسلّم من أن يكون عالماً بما سيقع بين الأصحاب وسائر الأمة من الافتراق الاختلاف أو يكون جاهلاً بذلك ، فإن كان عالماً ففوّض الأمر إليهم مع ذلك فقد خان الله والاسلام والمسلمين ـ والعياذ بالله من ذلك ، وإن كان جاهلاً بما سيكون فهذا نقص كبير والعياذ بالله من نسبته إليه وإذا كان اللازم من الخيانة والجهل محالاً فالملزوم وهو التفويض محال.

قال( ٢٥٧) :

( السابع : إنّ النبي كان لأمّته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصّغار وهو لا يترك الوصيّة في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك ، فكذا النبي في حق الأمة.

الثامن : قوله تعالى :( اليوم أكملت لكم دينكم ) (١) . ولا خفاء في أنّ الإمامة من معظمات أمر الدين ، فيكون قد بيّنها وأكملها

والجواب عنهما بمثل ما سبق ).

أقول :

توضيح الوجه السّابع هو : إن نسبة عدم الوصيّة إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيئة كبيرة لا تغفر أبداً ، فالوصيّة ممّا ندب إليه الكتاب والسنة والعقل والاجماع ، قال الله تعالى :( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة ) (٢) وقال رسول الله : « ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده »(٣) .

وإذا كان هذا حكم الرّجل بالنسبة إلى أولاده ، وأمواله ، فالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يريد مفارقة أمّته وهو بالنسبة إليهم كالأب الشفيق كذلك بل أولى.

وهل هذا مجرّد استبعاد؟

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

(٢) سورة البقرة : ١٧٦.

(٣) راجع صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الوصايا.


١٧٥


وتوضيح الوجه الثامن هو : إنّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم ، بعد أن خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصّ فيها على إمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وأوصى الأمة بالتمسّك بالثقلين وهما الكتاب والعترة وقد روى ذلك كبار الحفّاظ وأئمة الحديث والتفسير من أهل السنة في كتبهم فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما مات بلا وصية ، بل أوصى ، وكانت وصيته بالكتاب وعترته أهل بيته(١) وكان النص ولا تفويض إلى الإختيار

قال(٢٥٧) :

( خاتمة ـ عقد الإمامة ينحلّ بما يخلّ بمقصودها كالرّدة ).

أقول :

هذه أحكام إمامة البيعة والاختيار ولا يخفى أنهم يقولون بانحلاله في حال ( الاقتدار ) وأما في حال ( الاضطرار ) فيقولون بإمامة ( المرتد ) ولكن ما هو ملاك ( الاقتدار ) و ( الاضطرار )؟ ومن المرجع في تشخيصه؟ ومن العجب أنّهم يشترطون في الامامة ( العدالة ) كما عرفت ، ثم يختلفون في انعزاله بالقسق ، قال :( والأكثرون على أنّه ينعزل ، وهو المختار من مذهب الشّافعي وأبي حنيفة ، وعن محمد روايتان. ويستحق العزل بالاتفاق ).

وأيضاً : يشترطون العقل ثم يجوّزون إمامة المجنون غير المطبق كما هو مفاد التقييد بالمطبق.

ثم إنّ المتسلّط بالقهر والغلبة إمام عندهم ولذا ذكروا حكمه( ومن صار إماماً بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه ) . ولكن هل المراد من هذه الإمامة ( الخلافة عن النّبي )؟

__________________

(١) ذكر حديث الغدير وحديث الثقلين في الكتاب وتوضيح الاستدلال بكلّ منهما في موضعه. وأما نزول الآية المباركة يوم الغدير فرواه من أئمّة أهل السنة جماعة كما ستعلم.


١٧٦


هل نصّ النّبي على إمام بعده؟

أقول :

قد عرفت أن نصب الإمام بيد الله لا بيد الأنام

والطريق إلى العلم بنصبه منحصر في النّص عليه أو إظهار المعجز على يده

فلا بدّ من أن يوجد النّص عليه في الكتاب أو السنة المعتبرة أو كليهما فيجب النظر في الكتاب والسنّة المعتبرة.

أمّا النّص على أبي بكر فقد نصّ السّعد ٢٥٥ كالقاضي العضد(١) وغيره على أنه منتف في حق أبي بكر وامّا على عليعليه‌السلام فموجود في الكتاب والسنّة المعتبرة كليهما.

أمّا السنّة النبوية المعتبرة عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام فلا تعدّ وتحصى أخبارها في هذا الباب كما لا يخفى على من راجع كتب أصحابنا وبها الكفاية عندنا لكنّا لا نستدلّ في مقام البحث بتلك الأخبار بل نرجع إلى كتب أهل السنّة القائلين بإمامة أبي بكر فإنّ أدلّة مذهبنا موجودة في كتبهم أيضاً في التفسير والحديث والسّيرة ، فبها نستدلّ عليهم وبها نلزمهم وقد أورد السّعد في الكتاب شيئاً يسيراً من تلك النصوص والأدلة وتكلّم عليها ونحن نكتفي بدفع شبهاته عنها وإثبات دليليّتها ودلالتها والله المستعان.

قال(٢٥٩) :

( ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة والخوارج إلى أنّ النبي لم ينص على إمام بعده. وقيل : نص على أبي بكر وقيل : نص على علي وهو مذهب الشيعة )

__________________

(١) شرح المواقف ٨/٣٥٤.


١٧٧


أقول :

قد عرفت تنصيصه على أنّ النّص منتف في حقّ أبي بكر ، أمّا هنا فلم ينص على ذلك ، ولعلّه لئلاً يورد عليه في استدلاله ببعض النّصوص المزعومة في أبي بكر.

وهذه النصوص التي قد يستدلّ بها على إمامة أبي بكر هي من موضوعات شرذمةٍ من الناس عرفوا بـ ( البكرية ) ، وضعوا أحاديث في فضل أبي بكر نصّ على وضعها علماء أهل السنّة حتى المتعصّب منهم كابن الجوزي في كتابه ( الموضوعات ).

لكن لا يخفى أنها حتى لو تمّت سنداً ودلالةً لا تكون حجة على أصحابنا ، لانفراد أولئك بنقلها بخلاف اصحابنا فإنّهم لا يستدلّون إلاّ بما جاء في كتب أهل السنّة ، بالاضافة إلى وجوده عندنا بطرقنا.

وعلى الجملة فالقوم معترفون بعدم النّص على أبي بكر ، لكنهم يستدلّون لعدم النصّ من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقاً بعمل الأصحاب بناء على حسن الظّن بهم.

قال( ٢٥٩) :

( ثمّ استدلّ أهل الحق بطريقين :

أحدهما : ـ إنّه لو كان نص جلّي ظاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير المتعلّق بمصالح الدين والدنيا لعامّة الخلق لتواتر واشتهر فيما بين الصّحابة فإن قيل : علموا ذلك وكتموه لأغراضٍ لهم في ذلك كحبّ الرياسة والحقد على علي لقتله آباءهم وعشائرهم وحسدهم إيّاه. وترك علي المحاجّة به تقيةً وخوفاً قلنا : من كان له حظ من الديانة والإنصاف علم قطعاً براءة أصحاب رسول الله وجلالة أقدارهم عن مخالفة أمره في مثل هذا الخطب الجليل ، ومتابعة الهوى وترك الدّليل

الثاني : ـ روايات وأمارات تفيد باجتماعها القطع بعدم النص ، وهي كثيرة


١٧٨


جدّاً ، كقول العبّاس لعلي : أمدد يدك أبايعك ).

أقول :

النصّ الجلي الظّاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير موجود ، وقد رواه الرواة الثقات والعلماء الاثبات من القوم أنفسهم كما ستعلم ، حتى أنّ ظاهر السّعد نفسه الإقرار بالدلالة وعدم تمامية ما قيل في الجواب في بعض الموارد لو لا حسن الظن بالصّحابة ، فيقول في موضع مثلاً :( ثم لا عبرة بالآحاد في مقابلة الاجماع ، وترك عظماء الصّحابة الاحتجاج بهما آية عدم الدلالة ، والحمل على العناد غاية الغواية ) ٢٧٢.

ويقول في آخر :( لو كانت في الآية دلالة على إمامة علي لما خفيت على الصّحابه عامّة وعلى عليّ خاصة ، ولما تركوا الانقياد لها والاحتجاج بها ) ٢٧٢

ويقول في ثالث :( لو صحّت لما خفيت على الصحابة والتابعين ) ٢٧٦.

لكن في الكتاب والسنّة الصحيحة وأخبار الصّحابة الموثوق بها وكلمات العلماء الكبار ما يدعو ـ في الأقل ـ إلى عدم حسن الظنّ بالصحابة ونحن نكتفي هنا بآيات من كلام الله وببعض الأحاديث الثابتة عن رسول الله ، وبكلمات بعض الأصحاب ، وبعبارة السّعد التفتازاني نفسه

قال الله تعالى :

( ومنهم الذين يؤذون النّبي ... ) (١) .

( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ... ) (٢) .

( منكم من يريد الدنيا ... ) (٣) .

( واذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً ...) (٤) .

__________________

(١) سورة التوبة : ٦١.

(٢) سورة الاحزاب : ٥٣.

(٣) سورة آل عمران : ١٣٦.

(٤) سورة الجمعة : ١١.


١٧٩


( ومنهم من يلمزك في الصدقات ... ) (١) .

( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ... ) (٢) .

( وما محمد إلاّ رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإنْ مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... ) (٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« أنا فرطكم على الحوض وليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول : يا رب أصحابي : فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٤) .

وقال :

« إنّي فرطكم على الحوض ، من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول إنهم مني. فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي »(٥) .

وقال :

« يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلّون عن الحوض ، فأقول : يا رب ، أصحابي. فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى »(٦) .

وقال :

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٨.

(٢) سورة التوبة : ١٠٢.

(٣) سورة آل عمران : ١٣٨.

(٤) صحيح البخاري باب الحوض ٤/٩٦.

(٥) صحيح البخاري ـ باب الحوض ٤/٩٦.

(٦) صحيح البخاري ـ باب الحوض ٤/٩٧.


١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فجمع أبو طالب بني هاشم و بني عبد المطّلب في شعبه ، و كانوا أربعين رجلا مؤمنهم و كافرهم ما خلا أبا لهب ، و أبا سفيان ( الهاشمي فكانا مع قريش ) ثمّ قال : و كان أبو جهل و العاص بن وائل ، و النضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات ، فمن رأوا معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، و يحذّرونه من النهب . فأنفقت خديجة عليهما السّلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه مالا كثيرا . ثمّ قال : و كانوا لا يأمنون إلاّ في موسم العمرة في رجب ، و موسم الحجّ في ذي الحجّة ، فيشترون و يبيعون فيهما . ثمّ قال : فكان أبو العاص بن الربيع ، و هو ختن النبي صلى اللّه عليه و آله يجي‏ء بالعير بالليل عليها البرّ و التمر ١ .

« فعزم اللّه لنا على الذبّ عن حوزته و الرمي من وراء حرمته » روى السروي عن مقاتل : لمّا رأت قريش يعلو أمره صلى اللّه عليه و آله قالوا : لا نرى محمّدا يزداد إلاّ كبرا و تكبّرا ، و إن هو إلاّ ساحر أو مجنون . و توعّدوه ، و تعاقدوا : لئن مات أبو طالب ليجمعنّ قبائل قريش كلّها على قتله ، و بلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم و أحلافهم من قريش ، فوصّاهم بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : إنّ ابن أخي كما يقول :

أخبرنا بذلك آباؤونا و علماؤنا أنّ محمّدا نبيّ صادق ، و أمين ناطق ، و أنّ شأنه أعظم شأن ، و مكانه من ربّه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، و اجتمعوا على نصرته ، و راموا عدوّه من وراء حوزته ، فإنّه الشرف الباقي لكم الدهر ٢ .

فمكثوا بذلك أربع سنين ، و قال ابن سيرين ثلاث سنين .

و في كتاب ( شرف المصطفى ) : فبعث اللّه على صحيفتهم الأرضة فلحستها ، فنزل جبرئيل عليه السّلام فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بذلك ، فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله أبا طالب ، فدخل أبو طالب على قريش في المسجد فعظّموه و قالوا : أردت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ٦٣ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ٦١ .

٣٦١

مواصلتنا ، و أن تسلم ابن أخيك إلينا ؟ قال : و اللّه ما جئت لهذا ، و لكن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني : إنّ اللّه تعالى قد أخبره بحال صحيفتكم ، فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقّا فاتّقوا اللّه ، و ارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم و قطيعة الرحم ، و إن كان باطلا دفعته إليكم . فأتوا بها و فكّوا الخواتيم ، فإذا فيها ( باسمك اللّهم ) و اسم ( محمّد ) فقط . فقال لهم أبو طالب : اتّقوا اللّه و كفّوا عمّا أنتم عليه . فسكتوا و تفرّقوا . فنزل : ادع إلى سبيل ربّك . . . ١ . قال : كيف أدعوهم و قد صالحوا على ترك الدعوة ؟ فنزل : يمحو اللّه ما يشاء و يثبت . . . ٢ . فسأل النبيّ صلى اللّه عليه و آله أبا طالب الخروج من الشعب ، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها ، و هم مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف الّذي أجار النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا انصرف من الطائف ، و زهير بن أميّة المخزومي ختن أبي طالب على ابنته عاتكة ، و هشام بن عمرو بن لؤي بن غالب و أبو البختري بن هاشم ، و زمعة بن الأسود بن المطلب ، و قال هؤلاء الخمسة : أخرقها اللّه ، و عزموا أن يقطعوا يمين كاتبها ، و هو منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ،

فوجدوها شلاّ قد قطعها اللّه ، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الدعوة ، و في ذلك يقول أبو طالب :

و قد كان من أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبّر غائب القوم يعجب

محا اللّه منها كفرهم و عقوقهم

و ما نقموا من ناطق الحقّ معرب

و أصبح ما قالوا من الأمر باطلا

و من يختلق ما ليس بالحقّ يكذب

فأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا

على سخط من قومنا غير معتب

٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٥ .

( ٢ ) الرعد : ٣٩ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٥ .

٣٦٢

« مؤمننا يبغي » أي : يطلب .

« بذلك » أي : الجدّ في حفظ النبيّ صلى اللّه عليه و آله .

« الأجر » من اللّه تعالى .

« و كافرنا » من بني هاشم ، حتّى مثل أبي لهب .

« يحامي » بدفاعه .

« عن الأصل » أي : عشيرته ، روى ( روضة الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ، قال :

لمّا أرادت قريش قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله قالت : كيف لنا بأبي لهب . فقالت أمّ جميل : أنا أكفيكموه ، أنا أقول له : إنّي أحبّ أن تقعد اليوم في البيت نصطبح . فلمّا أن كان من الغد ، و تهيّأ المشركون للنبيّ صلى اللّه عليه و آله قعد أبو لهب و امرأته يشربان ، فدعا أبو طالب عليّا عليه السّلام فقال له : يا بنيّ اذهب إلى عمّك أبي لهب فاستفتح عليه ، فإن فتح لك فادخل ، و إن لم يفتح لك فتحامل على الباب و اكسره و ادخل عليه ، فاذا دخلت عليه فقل له : يقول لك أبي : إنّ امرأ عمّه عين في القوم ، فليس بذليل .

فدخل عليه ، و قال له ذلك ، فقال : صدق أبوك ، فماذا يابن أخي ؟ فقال : يقتل ابن أخيك ، و أنت تأكل و تشرب ؟ فوثب و أخذ سيفه ، فتعلّقت به أمّ جميل ، فرفع يده و لطم و جهها لطمة ففقأ عينها ، فماتت و هي عوراء ، و خرج أبو لهب و معه السيف ، فلمّا رأته قريش عرفت الغضب في وجهه ، فقالت : مالك يا أبا لهب ؟

فقال : أبايعكم على ابن أخي ، ثمّ تريدون قتله ؟ و اللات و العزّى لقد هممت أن أسلم ، ثمّ تنظرون ما أصنع . فاعتذروا إليه و رجع ١ .

و في ( كامل الجزري ) : عمد عقبة بن أبي معيط و كان من أشدّ الناس أذى للنبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى مكتل فجعل فيه عذرة و جعله على باب النبيّ صلى اللّه عليه و آله فبصر به طليب بن عمير بن وهب بن عبد مناف بن قصي و أمّه أروى بنت عبد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٧٦ ح ٤١٨ و النقل بتلخيص .

٣٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

المطلب و أخذ المكتل منه و ضرب به رأسه ، و أخذ بأذنيه ، فشكاه عقبة إلى أمّه . فقال : قد صار ابنك ينصر محمّدا . فقالت : و من أولى به منّا ، أموالنا و أنفسنا دون محمّد ١ .

« و من أسلم من قريش خلو ممّا نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن » في ( الكامل ) : بلغ من بالحبشة من المسلمين أنّ قريشا أسلمت ، فعاد منهم قوم و تخلّف قوم ، فلمّا قربوا من مكّة بلغهم أنّ إسلام أهل مكّة باطل ، فلم يدخل أحد منهم إلاّ بجوار أو مستخفيا ، فدخل عثمان في جوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أميّة فأمن بذلك ، و دخل أبو حذيفة بن عتبة ( بن ربيعة بن عبد شمس ) بجوار أبيه ٢ ، و كان الحصر في الشعب مختصا ببني هاشم و بني عبد المطلب .

« و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أحمرّ البأس » أي : اشتدّ القتال .

« و أحجم الناس » جعل الجوهري ( أجحم ) بتقديم الجيم ( و أحجم ) بتقديم الحاء بمعنى واحد ، أي : كفّ الناس ٣ .

« قدّم أهل بيته » في الحرب .

« فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة و السيوف » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( حرّ السيوف و الأسنّة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، و إنّما قدّمهم ليظهر على العالم أنّهم السّابقون في كلّ خير ، و قد تأدّب بذلك من اللّه تعالى حيث قال له أوّلا : و أنذر عشيرتك الأقربين ٥ ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٧٤ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٧ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ١٨٨٣ مادة ( حجم ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٠٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٣٥٩ مثل المصرية أيضا .

( ٥ ) الشعراء : ٢١٤ .

٣٦٤

فجمع بني عبد المطّلب و أنذرهم باللّه ، و أنّه أرسله إليهم ، و قال له ثانيا : و أمر أهلك بالصّلاة و اصطبر عليها . . . ١ فكان يجي‏ء كلّ يوم على باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام و يقول : الصّلاة أهل البيت إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ .

كما أنّه صلى اللّه عليه و آله أخّر المدّعين في قبال أهل بيته للأمر عن سائر أصحابه ليعلم الناس تأخّرهم .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كانت قريش يوم أحد في ثلاثة آلاف ،

و النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سبعمائة ، فظاهر يومئذ بين در عين ، و أخذ سيفا فهزّه ، و قال :

من يأخذه بحقّه ؟ فقال عمر : أنا . فأعرض عنه ، و قال الزبير : أنا فأعرض عنه ،

فوجدا في أنفسهما . فقام أبو دجانة فأعطاه إيّاه ٣ مع أنّه لم يكن من المدعين جدّ باقي أصحابه .

و في ( كامل الجزري ) و انتهى أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك إلى عمر و طلحة ( يوم أحد ) في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال : ما يحبسكم ؟ قالوا : قد قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا على ما مات عليه . ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل ، فوجد به سبعون ضربة و طعنة ، و ما عرفته إلاّ أخته ، عرفته بحسن بنانه ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ١٣٢ .

( ٢ ) أمّا الأول فمن مسلمات التاريخ ، جمع كثيرا من طرقه السيوطي في الدر المنثور ٥ : ٩٥ ٩٨ ، و أمّا الثاني فأخرجه ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ٢٧٢ ح ٣٢٠ ، و تفسير القمي ٢ : ٦٧ ، و الحسكاني بثلاث طرق في شواهد التنزيل ١ : ٣٨١ ح ٥٢٦ ، و ٢ : ٢٨ ح ٦٦٧ ، ٦٦٨ ، و ابن مردويه و ابن النجار عنهما الدرّ المنثور ٤ : ٣١٣ و رواه الطبرسي بطرق في مجمع البيان ٧ : ٣٧ ، و غيرهم ، و الآية ٣٣ من سورة الأحزاب .

( ٣ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٩ .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٥٦ ، ١٥٨ سنة ٣ .

٣٦٥

و انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين فيهم عثمان بن عفان و غيره إلى الأعوص ، فأقاموا به ثلاثا ، ثمّ أتوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال لهم حين رآهم : لقد ذهبتم فيها عريضة ١ .

هذا ، و نظير كلامه عليه السّلام في هذا الكتاب كتاب أنشأه المعتضد الخليفة العبّاسي في لعن معاوية رواه الطبري ، فقال : قال المعتضد في كتابه : إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا ابتعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بدينه ، و أمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله و عشيرته ، فدعاهم إلى ربّه و أنذرهم و بشّرهم و نصح لهم و أرشدهم ، فكان من استجاب له و صدّق قوله و اتّبع أمره نفر يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربّه و بين ناصر له ، و إن لم يتّبع دينه إعزازا له و إشفاقا عليه ،

لماضي علم اللّه فيمن اختار منهم ، و نفذت مشيئته فيما يستودعه إيّاه من خلافته و إرث نبيّه ، فمؤمنهم مجاهد بنصرته و حميّته يدفعون من نابذه ،

و ينهرون من عازّه و عانده ، و يتوثقون له ممّن كانفه و عاضده ، و يبايعون له من سمح بنصرته ، و يتجسّسون له أخبار أعدائه ، و يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين ، حتّى بلغ المدى و حان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين اللّه و طاعته و تصديق رسوله ، و الايمان به بأثبت بصيرة ، و أحسن هدى و رغبة ، فجعلهم اللّه أهل بيت الرّحمة ، و أهل البيت الذين أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ٢ .

« فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر » إنّما عدّ صلى اللّه عليه و آله عبيدة في أهل بيت النبيّ مع كونه مطّلبيا فإنّه عبيدة بن الحارث بن المطلب ، و اجتماعه مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله في عبد مناف ، كبني عبد شمس ، لأنّ بني المطّلب كانوا مع بني هاشم متّفقين ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٥٦ ، ١٥٨ سنة ٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٨ : ١٨٤ سنة ٢٨٤ .

٣٦٦

كبني نوفل مع بني عبد شمس ، و لأنّ الأصل في النسبة إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الايمان و العمل ، فصار سلمان بذلك مع عجمته من أهل بيته ١ ، و صار أبو لهب مع كونه لبابا في الهاشمية أجنبيا عنه صلى اللّه عليه و آله .

و اختلفت الإمامية في جواز إعطائهم الخمس ، فالمشهور بينهم المنع ،

و اختصاص الخمس بالهاشمي . و ذهب الإسكافي ، و المفيد في الغريّة إلى الجواز ، استنادا إلى ما روي عن الصادق عليه السّلام : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة » ٢ .

و اختلف في قاتل عبيدة ، فقال المفيد ٣ و الواقدي ٤ و البلاذري ٥ : قاتله شيبة . و قال ابن إسحاق ٦ ، و ابن قتيبة ٧ ، و عليّ بن إبراهيم القمي ٨ : قاتله عتبة . فروى المفيد مسندا عن أبي رافع ، قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش ، و أمامها عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة و ابنه الوليد ، فنادى عتبة : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . فبدر إليهم ثلاثة من شبّان الأنصار ، فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجة لنا إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا إشارة إلى حديث النبي صلى اللّه عليه و آله : « سلمان منّا أهل البيت » ، و أخرجه الحاكم في المستدرك و الطبراني في معجمه الكبير عنهما الجامع الصغير ٢ : ٣٣ و أبو يعلي في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٨٣ ح ٤٠٢٥ و الواقدي في المغازي ١ : ٤٤٦ ، و ابن سعد بطريقين في الطبقات ٤ : ق ١ : ٥٩ و ٧ : ق ٢ : ٦٥ ، و غيرهم ، و أما سياق فلان منّا أهل البيت فقد جاء في أفراد آخرين ، منهم : أبو ذر و المقداد و عمار و جابر بن عبد اللّه و غيرهم .

( ٢ ) الاستبصار للطوسي ٢ : ٣٦ ح ٦ ، و التهذيب ٤ : ٥٩ ح ٦ و نقل هذه الأقوال العلاّمة الحلّي في المختلف ١ : ٢٠٥ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ٤١ .

( ٤ ) المغازي للواقدي ١ : ٦٩ .

( ٥ ) أنساب الاشراف للبلاذري ١ : ٢٩٧ .

( ٦ ) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥١ ، و الظاهر انه نقل عن ابن اسحاق لكن لم يصرح به .

( ٧ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٧ .

( ٨ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٤ .

٣٦٧

مبارزتكم ، إنّما طلبنا بني عمّنا . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للأنصار : ارجعوا إلى مواقفكم . ثمّ قال : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقّكم الّذي بعث اللّه به نبيّكم ، إذا جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه ١ . فقاموا فصفّوا للقوم ، و كان عليهم البيض فلم يعرفوا ، فقال لهم عتبة : تكلّموا ، فإن كنتم أكفاء قاتلناكم . فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلّب أسد اللّه ، و أسد رسوله . فقال عتبة : كفو كريم . و قال أمير المؤمنين : أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ،

و قال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب . فقال عتبة لابنه الوليد : قم .

فبرز إليه أمير المؤمنين و كانا إذ ذاك أصغر الجماعة سنّأ فأختلفا ضربتين ،

أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين عليه السّلام ، و اتّقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأبانتها فروي أنّه عليه السّلام كان يذكر بدرا و قتله الوليد ، فقال :

« كأنّي إلى وميض خاتمه في شماله ثمّ ضربته ضربة أخرى فصرعته ،

و سلبته ، فرأيت به درعا من خلوق ، فعلمت أنّه قريب عهد بعرس » ثم بارز عتبة حمزة فقتله حمزة ، و مشى عبيدة و كان أسنّ القوم إلى شيبة فاختلفا ضربتين ، فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة ، فمات بالصفراء ، و في قتل عتبة و شيبة و الوليد تقول هند بنت عتبة :

أيا عين جودي بدمع سرب

على خير خندف لم ينقلب

تداعي له رهطه غدوة

بنو هاشم و بنو المطلب

يذيقونه حدّ أسيافهم

يعرّونه بعد ما قد شجب

٢ و قال القمّي : نظر عتبة إلى أخيه شيبة و إلى ابنه الوليد ، فقال : قم يا بنيّ .

و طلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتجر بعمامته ، ثمّ أخذ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الصف : ٨ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٤٠ و النقل بتصرف يسير .

٣٦٨

سيفه ، و تقدّم هو و أخوه و ابنه ، و نادي : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . . .

قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : يا عبيدة ، عليك بعتبة . و قال لحمزة : عليك بشيبة . و قال لعليّ عليه السّلام : عليك بالوليد . فمرّوا حتّى انتهوا إلى القوم ، فقال عتبة : من أنتم ؟ قال عبيدة : أنا عبيدة . قال : كفو كريم . فمن هذان ؟ قال : حمزة و عليّ . فقال : كفوان كريمان ، لعن اللّه من أوقفنا و إيّاكم هذا الموقف قال الشارح : و مراده أبو جهل فقال شيبة لحمزة : من أنت ؟ قال : حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه و أسد رسوله . فقال له شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء ، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد اللّه ؟ فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته ، و ضرب عتبة عبيدة على ساقه ، فقطعها و سقطا جميعا . و حمل حمزة على شيبة ،

فتضاربا بالسيفين حتّى تثلما ، و كلّ واحد يتقي بدرقته ، و حمل أمير المؤمنين على الوليد ، فضربه على حبل عاتقه ، فأخرج السيف من أبطه . ثمّ اعتنق حمزة و شيبة ، فقال المسلمون لأمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا ترى الكلب قد بهر عمّك ؟ .

فحمل عليه عليّ عليه السّلام ثمّ قال : يا عمّ طأطي‏ء رأسك . و كان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه على رأسه فطنّ نصفه . ثمّ جاء إلى عتبة ، و به رمق فأجهز عليه ، و حمل علي عليه السّلام و حمزة عبيدة حتّى أتيا به النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فنظر إليه و استعبر ، فقال عبيدة للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : بأبي أنت و أمي ألست شهيدا ؟ قال : بلى ، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي . فقال : لو أنّ عمّك كان حيّا لعلم أنّي أولى بما قال منه . قال : و أيّ أعمامي تعني ؟ قال : أبو طالب حيث يقول :

كذبتم و بيت اللّه نبزي محمّدا

و لمّا نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرّع حوله

و نذهل عن أبنائنا و الحائل

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أما ترى ابنه عليّا كالليث العادي بين يدي اللّه و رسوله ،

و ابنه الآخر جعفر في جهاد اللّه بأرض الحبشة ؟ فقال : أسخطت عليّ يا رسول

٣٦٩

اللّه في هذه الحالة ؟ قال : لا ، و لكن ذكرت عمّي فانقبضت لذلك ١ .

و الصحيح القول الأخير ، لبيت هند بنت عتبة في قتل أبيها ( بنو هاشم و بنو المطلب ) على ما مر في أبياتها ، فإنّه لا ينطبق إلاّ على القول الأخير المشتمل على أنّ عبيدة صرع عتبة و عبيدة من بني المطلب و أجهز عليه أمير المؤمنين عليه السلام و هو من بني هاشم .

و يشهد له قول هند بنت أثاثة المطلبية في جواب هند بنت عتبة ، كما في ( سيرة ابن هشام ) :

حمزة ليثي و عليّ صقري

إذ رام شيب و أبوك غدري

فخضّبا منه ضواحي النحر

٢ و يشهد له قول أمير المؤمنين عليه السّلام إلى معاوية : « أنا قاتل جدّك » ، ففي ( النهج ) في العاشر من باب كتبه : « فأنا أبو حسن قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر » ٣ ، و في ( ٢٨ ) منها : « و سيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك و أهلك » ٤ ، و في ( ٦٤ ) منها : « و عندي السيف الّذي أعضضته بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد » ٥ .

و ممّا ذكرنا من اختلاف روايات الشيعة في قاتل عبيدة كروايات العامّة ، يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد : إنّ الشيعة رووا كون قرن عبيدة شيبة ٦ ، فالقمي من قدماء الشيعة ، و قد روى أنّ قرنه عتبة كما عرفت .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٤ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٧ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١١ .

( ٤ ) نهج البلاغة ٣ : ٣٥ .

( ٥ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٣ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٣٨ نقلا عن إرشاد المفيد .

٣٧٠

هذا ، و روى ( طبقات ابن سعد ) أنّ قوله تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربّهم . . . ١ نزل في عليّ و حمزة و عبيدة ، و في عتبة و شيبة و الوليد ٢ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : بدر : كان اسم رجل من غفار رهط أبي ذر من بطن يقال لهم : بنو النار ٣ .

« و قتل حمزة يوم أحد » قال القمّي : كان حمزة يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له أحد ، و كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا : لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لأعتقنّك . و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا ، فقال : أمّا محمّد فلا أقدر عليه ، و أمّا عليّ فرأيته رجلا كثير الالتفات حذرا . فكمن لحمزة ، فرآه يهذّ الناس هذّا ، فمرّ به ، فوطأ على حرف نهر ، فسقط ،

فأخذ وحشي حربته ، فهزّها و رماها ، فوقعت في خاصرته ، و خرجت من مثانته منغمسة بالدم ، فسقط فأتاه ، فشقّ بطنه و أخذ كبده و أتى إلى هند ، فقال لها : كبد حمزة . فأخذتها في فيها فلاكتها . فجعلها اللّه في فيها مثل الفضة .

فلفظتها ، و رمت بها . فبعث اللّه تعالى ملكا فردّها إلى موضعها ، أبي اللّه أن يدخل شيئا من حمزة النار . فجاءت إليه هند ، فقطعت مذاكيره و قطعت أذنيه و جعلتهما خرصين ، و شدّتهما في عنقها ، و قطعت يديه و رجليه . . . قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من له علم بعمّي حمزة ؟ فقال الحرث بن الصمّة : أنا أعرف موضعه . فجاء حتّى وقف عليه ، فكره أن يرجع إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيخبره بذلك .

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام : أطلب عمّك . فجاء حتّى وقف عليه ، فكره

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ١٩ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١١ و ٣ ق ١ : ١٠ .

( ٣ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٢ .

٣٧١

أن يرجع ، فجاء النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فلمّا رأى ما فعل به بكى ، ثمّ قال : ما وقفت موقفا قطّ أغيظ عليّ من هذا المكان ، لئن أمكنني اللّه من قريش لأمثّلن بسبعين رجلا منهم . فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام بهذا : و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين ١ . فقال : بل أصبر ٢ .

« و قتل جعفر يوم مؤتة » قال الجوهري : مؤتة بالهمزة : اسم أرض قتل بها جعفر ابن أبي طالب رضى اللّه عنه ، و أمّا موتة بالضمّ : فجنس من الجنون و الصّرع يعتري الإنسان ، فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله ، كالنائم و السكران ٣ .

و في ( البلدان ) : مؤتة من قرى البقاء في حدود الشام ، و قيل : من مشارف الشام الّتي تنسب إليها المشرفيه من السيوف ، كما فسّر به ابن السكّيت قول كثير :

أبى اللّه للشمّ الأنوف كأنّهم

صوارم يجلوها بمؤتة صيقل

٤ و في ( كامل الجزري ) : كانت غزوة مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان ، تجهز الناس و هم ثلاثة آلاف حتّى نزلوا ( معان ) ، فبلغهم أنّ هرقل سار إليهم في مائة ألف من الروم ، و مائة ألف من المستعربة من لخم و جذام و بلقين و بلى ، عليهم رجل من بلى يقال له : مالك بن رافلة ، و نزلوا ( مآب ) من أرض البلقاء . فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم ، و قالوا : نكتب إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله نخبره الخبر و ننتظر أمره ، فشجّعهم عبد اللّه بن رواحة و قال : يا قوم و اللّه إنّ الذي تكرهون للّذي خرجتم تطلبون الشهادة ، و ما نقاتل الناس بعدد و لا قوّة ، و لا نقاتلهم إلاّ بهذا الدين ، فانطلقوا فما هي إلاّ إحدى الحسنيين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٦ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ١١٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٢٦٨ مادة ( مأت ) .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٥ : ٢٢٠ و النقل بالمعنى .

٣٧٢

( إمّا ظهور ، و إمّا شهادة ) . فالتقتهم جموع الروم و العرب بقرية من البلقاء يقال لها : مشارف ، و انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة . فالتقى الناس عندها ،

و كان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري ، و على ميسرتهم عباية بن مالك الأنصاري ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقاتل زيد بن حارثة براية النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى شاط في رماح القوم ، ثمّ أخذها جعفر بن أبي طالب ، فقاتل و هو يقول :

يا حبذا الجنّة و اقترابها

طيّبة و باردا شرابها

و الروم روم قد دنا عذابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

فلما اشتدّ القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل ، و كان جعفر أوّل من عقر فرسه في الاسلام ، فوجدوا به بضعا و ثمانين بين رمية و ضربة و طعنة ، فلمّا قتل أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة . . . ١ قال ابن أبي الحديد : اتّفق المحدّثون على أنّ زيد بن حارثة هو كان الأمير الأوّل ، و أنكرت الشيعة ذلك ، و قالوا : كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأوّل ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد اللّه بن رواحة . و رووا في ذلك روايات ، و قد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمّد بن إسحاق في كتاب ( المغازي ) ما يشهد لقولهم ، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت و هو :

و لا يبعدنّ اللّه قتلي تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

و زيد و عبد اللّه حين تتابعوا

جميعا و أسياف المنيّة تخطر

رأيت خيار المؤمنين تواردوا

شعوب و خلق بعدهم يتأخّر

غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم

إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغرّ كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سيم الظلامة أصعر

فطاعن حتّى مال غير موسّد

بمعترك فيه القنا متكسر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٢٣٤ سنة ٨ و النقل بتقطيع .

٣٧٣

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان و ملتفّ الحديقة أخضر

و كنّا نرى في جعفر من محمّد

وقارا و أمرا حازما حين يأمر

و منها قول كعب بن مالك الأنصاري :

نام العيون و دمع عينك يهمل

سحّا كما و كف الرباب المسبل

وجدا على النفر الّذين تتابعوا

قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

ساروا أمام المسلمين كأنّهم

طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر و لوائه

قدام ، أوّلهم و نعم الأوّل

حتّى تقوّضت الصفوف و جعفر

حيث التقى جمع الغواة مجدّل

فتغيّر القمر المنير لفقده

و الشمس قد كسفت و كادت تأفل

١ قلت : لم يختصّ كون جعفر أمير الكل و الأمير الأوّل روايته بالشيعة ، فقد روى ذلك كاتب الواقدي في ( طبقاته ) مع كونه ناصبيا شديد النصب ، فقال :

أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة ، قال : أخبرنا عيسى بن المختار عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سالم بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر قال : بعثني النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى الشام ، فلمّا رجعت مررت على أصحابي و هم يقاتلون المشركين بمؤتة قلت : و اللّه لا أبرح اليوم حتّى انظر إلى ما يصير إليه أمرهم . فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ، و لبس السلاح ثمّ حمل جعفر حتّى إذا همّ أن يخالط العدو رجع ، فوحش بالسلاح ثمّ حمل على العدو و طاعن حتّى قتل ، ثمّ أخذ اللواء زيد بن حارثة ، و طاعن حتّى قتل ، ثمّ أخذ اللواء عبد اللّه ابن رواحة و طاعن حتى قتل ، ثمّ انهزم المسلمون أسوأ هزيمة ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن ابن اسحاق ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨ بتفاوت في ترتيب الأبيات ، و قاله ابن ابي الحديد في شرحه ٣ : ٤١١ و النقل بإسقاط بعض الأبيات .

( ٢ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ٩٤ ، و فيه بعد قوله في جعفر « و ليس السلاح » ما لفظه : « و قال غيره أخذ زيد اللواء ، و كان رأس القوم » .

٣٧٤

فظهر أنّ ما قاله من كون الأمير الأوّل زيد مشهوري بين محدّثيهم لا اتّفاقي ، و كأنّهم شهّروا تقدّم زيد على جعفر دفعا لعار تأمير النبيّ صلى اللّه عليه و آله زيدا ،

و ذاك على صدّيقهم و فاروقهم في سرايا قبل ذلك ، و تأمير ابنه أسامة في مرض وفاته صلى اللّه عليه و آله أيضا على الصدّيق و الفاروق ، و قد طعنا في النبيّ صلى اللّه عليه و آله في تأميرهما عليهما ، حتّى خطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في مرض وفاته لمّا أمّر أسامة عليهما ، و حثّ على شخوصهما في جيشه حتّى لعن المتخلّف عن جيشه ، كما رواه ( سقيفة الجوهري ) ١ ،

و صرّح به ( ملل الشهرستاني ) ٢ . فقال صلى اللّه عليه و آله لهم ،

كما في ( طبقات كاتب الواقدي ) : إن طعنتم في أسامة بن زيد فقد طعنتم قبل على أبيه زيد بن حارثة ، و حقّ لهما الإمارة ٣ .

و من الطرائف أنّ الجزريّ قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أخبر عن تلك الواقعة ،

فقال : فقتل زيد شهيدا فاستغفر له ، ثمّ أخذ اللواء جعفر ، فشدّ على القوم حتّى قتل شهيدا فاستغفر له . . . قال : ثمّ أخذ الراية سيف من سيوف اللّه خالد بن الوليد ، فعاد بالناس . فمن يومئذ سمّي خالد سيف اللّه . . . فلمّا رجع الجيش لقيهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخذ عبد اللّه بن جعفر فحمله بين يديه ، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ، و يقولون : يا فرّار يا فرّار . . . ٤ .

فإذا كان خالد من سيوف اللّه ، كيف يحثو المسلمون التراب عليه ، و على

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة للجوهري : ٧٤ .

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ١ : ٢٩ .

( ٣ ) أخرجه ابن سعد بسبع طرق في الطبقات ٢ ق ١ : ١٣٦ ، و ٢ ق ٢ : ٤١ ، و ٤ ق ١ : ٤٥ و ٤٦ و ٤٧ ، و أخرجه أيضا مسلم بطريقين في صحيحة ٤ : ١٨٨٤ ح ٦٣ و ٦٤ ، و الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٧٦ ح ٣٨١٦ ، و أحمد بطرق في مسنده ٢ : ٨٩ ، و غيره ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١١٩ ، و الطبري بطريقين في تاريخه ٢ : ٤٢٩ ، و ٤٣١ سنة ١١ بفرق يسير لفظي .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٣٧ سنة ٨ ، و سيأتي حديث ابي سعيد الخدري في الباب و ذيل الحديث .

٣٧٥

جيشه ، و يقولون لهم : يا فرّار يا فرّار ؟ فهذا يدلّ على أنّه كان من البائين بغضب اللّه حسب قوله تعالى : و من يولّهم يومئذ دبره إلاّ متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه . . . ١ لا من سيوف اللّه .

و قد روى الواقديّ عن ثعلبة بن أبي مالك ، قال : انكشف خالد بن الوليد يومئذ حتّى عيّروا بالفرار ، و تشاءم الناس به ٢ .

و روى عن أبي سعيد الخدري ، قال : أقبل خالد بن الوليد بالناس منهزما ،

فلمّا سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم بالجرف ، فجعل الناس يحثون في وجوههم التراب ، و يقولون : يا فرّار أفررتم في سبيل اللّه ٣ ؟

إنّ إخواننا يدّعون الكمال و يأتون بالتناقض ، و أغلب تواريخهم هكذا مختلطة بأحاديثهم الموضوعة ، فهل صار خالد بن الوليد بانهزامه يوم مؤتة بالمسلمين أو بهزيمة أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أحد حتّى قتل منهم سبعون ،

و منهم حمزة سيّد الشهداء عمّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، أو بإرادة قتله لأمير المؤمنين عليه السّلام للأوّل ، أو بغدره ببني جذيمة بعد فتح مكّة بعد أمانهم ، فلمّا انتهى الخبر إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله رفع يديه إلى السماء ، كما في الطبري ٤ ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد . ثمّ بعث أمير المؤمنين عليه السّلام فأعطاهم الدية ، و عوض أموالهم حتّى ميلغة كلابهم ، و أعطاهم زيادة على ما عيّنوا احتياطا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ١٦ .

( ٢ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ .

( ٣ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ ، و عن أبي سعيد الخدري ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ١٦ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٣٢٣ سنة ٨ ، و رواه الطبرسي في اعلام الورى : ١٠٤ ، عن عروة بن الزبير و أخرجه رزين عنه جامع الأصول ٩ : ٢٥٢ ح ٦١٢٩ ، عن النعمان بن بشير ، و للحديث ذيل نصفه : « فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليسوا بفرّار و لكنهم كرّار ان شاء اللّه » .

( ٤ ) أخرجه الطبري في تاريخه ٢ : ٣٤١ سنة ٨ ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ٥٤ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ٨٨١ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١٠٦ ، و النسائي في سننه ٨ : ٢٣٧ ، و أحمد في مسنده ٢ : ١٥٠ .

٣٧٦

ثمّ رجع و أخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بما فعل . فقال : أصبت و أحسنت ، ثمّ قام و استقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتّى أنّه ليرى بياض ما تحت منكبيه ، و هو يقول :

« اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد » ثلاث مرّات ، أو بغدره بمالك بن نويرة و قتله له بغير حقّ و زناه بإمرأته ، حتّى أنكر ذلك عمر على أبي بكر و على خالد غاية الإنكار من سيوف اللّه ؟ فلو كانوا لقّبوه لأعماله سيف الشيطان كان لعمر اللّه أصدق و أقرب إلى الحقّ و الحقيقة . و لم لم يقتد أبو بكر بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله في تبرّئه من خالد مع قتله لطائفة من المشركين كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله آمنهم ، و نفسه كان آمنهم حتّى وضعوا أسلحتهم ، فكيف لم يتبرأ منه أبو بكر مع قتله لمؤمن آمنه ؟ و لعمر اللّه ما لقّبه سيف اللّه إلاّ صدّيقهم لمّا طلب عمر منه أن يقيد من خالد لقتله مسلما ، و يجري عليه الحدّ لزناه بامرأته ،

فقال : ما كانت لأغمد سيفا سلّه اللّه ١ .

فإن كان إخواننا و ضعوا أحاديث لتصحيح عمل صدّيقهم ، فما يفعلون باستهزاء فاروقهم لصدّيقهم بتسميته لخالد : سيف اللّه ، بأنّ في سيف اللّه هذا رهقا و طغيانا ٢ ؟

سبحان اللّه من تناقضاتهم ، و الحمد للّه على فضحه للكاذب . فقالوا : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمّاه سيف اللّه في انهزامه بالمسلمين ، مع أنّ المسلمين تشأموا به و كانوا يحثون التراب في وجهه لمّا رجع ، كما مرّ من الواقدي .

و من العجب أنّهم سمّوا خالدا مع أعماله تلك : سيف اللّه ، و لا يسمّون الأشتر به ، مع مقاماته في الجمل و صفّين و النهروان و جهاده مع الناكثين و القاسطين و المارقين ، و عدم كون أحد أظهر آثارا منه حتّى مثل عمّار ، مع أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تأريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ بلفظ : « يا عمر لم أكن لأشيم سيفا سلّه اللّه على الكافرين » .

( ٢ ) تأريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ بلفظ : « قال عمر لأبي بكر : انّ في سيف خالد رهقا » .

٣٧٧

أمير المؤمنين عليه السّلام وصفه به محقّقا ، فكتب إلى أهل مصر لمّا بعثه إليهم : « فإنّه سيف من سيوف اللّه لا كليل الظبّة ، و لا نابي الضريبة » ١ مع كون أمير المؤمنين عليه السّلام كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله بنص القرآن ٢ ، و بالوجدان و العيان ؟ و هل كلّ ذلك إلاّ لعداوتهم مع أهل بيت نبيّهم عليهم السّلام ؟ ثمّ لم يختص أشعار ( مغازي محمّد بن إسحاق ) الدالة على كون جعفر الأمير الأوّل بما قال ابن أبي الحديد ، فيدلّ عليه أيضا ما نقله عنه ابن هشام في ( سيرته ) عمّن رجع من غزوة مؤتة :

كفى حزنا أنّي رجعت و جعفر

و زيد و عبد اللّه في رمس أقبر

قضوا نحبهم لمّا مضوا لسبيلهم

و خلّفت للبلوى مع المتغير

ثلاثة رهط قدّموا فتقدّموا

إلى ورد مكروه من الموت أحمر

٣ و أيضا فلا ريب أنّ جعفرا كان أفضل من زيد ، فكيف يقدّم النبي صلى اللّه عليه و آله عليه المفضول ؟ هل كان دين النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، أو عمل النبيّ صلى اللّه عليه و آله على خلاف مقتضى العقول ؟

هذا ، و كما كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقدّم أهل بيته في اشتداد الحروب ، كذلك أهل بيته كانوا هم الباقين معه صلى اللّه عليه و آله وقت انهزام الناس عنه صلى اللّه عليه و آله . ففي ( معارف ابن قتيبة ) : كان الّذين ثبتوا يوم حنين مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعد هزيمة الناس عليّ عليه السّلام و العبّاس و هو آخذ بحكمة بغلته و ابنه الفضل ، و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و أيمن بن أمّ أيمن مولاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قتل يومئذ و ربيعة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ٦٣ الكتاب ( ٣٨ ) .

( ٢ ) انظر آية المباهلة ٦١ من سورة آل عمران : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ، فمع الرجوع إلى سبب النزول يظهر أن المراد بأنفسنا : علي عليه السّلام .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٢١ .

٣٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حارث بن عبد المطلب ، و أسامة بن زيد مولى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو و أخوه لأمّه أيمن ، و إن لم يكونا من نفس بني هاشم ، بل من مواليهم ، إلاّ أنّ مولى القوم منهم ، قال العباس :

نصرنا رسول اللّه في الحرب سبعة

و قد فرّ من فرّ منهم فأقشعوا

و ثامننا لاقى الحمام بسيفه

بما مسّه في اللّه لا يتوجع

١ و أمّا هو عليه السّلام ، فمواساته مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و وقايته له بنفسه لا يحتاج إلى بيان ، ففي أحد لمّا انهزم المسلمون ، و قصد المشركون لقتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال الطبري : أبصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعليّ عليه السّلام : احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جمعهم ، و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ، ثمّ أبصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي عليه السّلام : احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جماعتهم ، و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي . فقال جبرئيل : يا رسول اللّه إنّ هذه للمواساة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّه منّي و أنا منه .

فقال جبرئيل : و أنا منكما . فسمعوا صوتا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

و لا فتى إلاّ عليّ

٢

٣٣

في آخر فصل اختيار غريب كلامه عليه السّلام من الباب الثّالث ) و في حديثه عليه السّلام :

كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ اِتَّقَيْنَا ؟ بِرَسُولِ اَللَّهِ ؟ ص فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى اَلْعَدُوِّ مِنْهُ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ١٦٤ و النقل بتصرف .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ سنة ٣ ، و أما حديث « لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي » فقد مرّ تخريجه عن طرق كثيرة في شرح فقرة « و الفضائل الجمّة » من شرح خطبة الرضي .

٣٧٩

« و معنى ذلك انّه اذا عظم الخوف من العدو ، و اشتد عضاض الحرب ،

فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فينزل اللّه عليهم النصر به ، و يأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه ، و قوله عليه السّلام : إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر و الحرب ، و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها : إنّه عليه السّلام شبّه حمي الحرب بالنّار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها ، و مما يقوي ذلك قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و قد رأى مجتلف الناس يوم حنين ، و هي حرب هوازن : « الآن حمي الوطيس » و الوطيس : مستوقد النار . فشبّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار ، و شدّة التهابها . انقضى هذا الفصل ، و رجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب » .

أقول : رواه الطبري مع اختلاف يسير ، فروى عن جعفر بن محمّد البزوري ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي اسحاق ، عن حارثة ،

عن علي عليه السّلام ، قال : لمّا أن كان يوم بدر ، و حضر الناس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فكان من أشدّ الناس بأسا ، و ما كان منّا أحد أقرب إلى العدوّ منه ١ .

و رواه أبو عبيد مثل نقل المصنّف ، فنقله كتاب ( لسان العرب ) عنه ،

هكذا : كنّا إذا احمرّ البأس اتّقيناه برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فلم يكن أحد أقرب إليه منه ٢ .

« كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » في ( تفسير القمي ) : لمّا رأى النبيّ انهزم أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ( يوم أحد ) هزيمة قبيحة ، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كلّ وجه فلمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه و قال : إنّي أنا رسول اللّه . إلى أين تفرّون عن اللّه و عن رسوله ؟ ٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٣٥ سنة ٢ .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٢١٠ ، ٢١١ مادة ( حمر ) .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١١٤ .

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605