بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113195 / تحميل: 6045
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

هتكه ، ثمّ قال : إنّ اللّه لم يأمرنا في ما رزقنا أن نكسو الحجارة و اللبن . فقطعته ، و جعلته و سادتين و حشوتهما ليفا ، فلم ينكر ذلك عليّ ١ .

« فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها » قال تعالى له : و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدّنيا لنفتنهم و رزق ربّك خير و أبقى ٢ .

« فأعرض عن الدّنيا بقلبه ، و أمات ذكرها عن نفسه » عنه عليه السّلام : كان فراش النبيّ صلى اللّه عليه و آله عباءة ، و كانت مرفقته أدم حشوها ليف ، فثنيت له ذات ليلة ، فلمّا أصبح قال : لقد منعني الفراش الليلة من الصلاة فأمر أن يجعل بطاق واحد ٣ .

« و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه لكيلا يتّخذ منها رياشا » أي : زينة و تجمّلا ،

و الأصل فيه ريش الطائر ، قال جرير :

فريشي منكم و هواي معكم

و إن كانت زيارتكم لماما

٤ « و لا يعتقدها قرارا » قال مؤمن آل فرعون : يا قوم إنّما هذه الحياة الدّنيا متاع و إنّ الاخرة هي دار القرار ٥ .

« و لا يرجو فيها مقاما » روى ( الكافي ) عنه صلى اللّه عليه و آله قال : ما لي و للدنيا ، إنّما مثلي و مثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها ثمّ راح و تركها ٦ .

قوله صلى اللّه عليه و آله « فقال » أي : أتى بالقيلولة من : قال يقيل .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سنن أبي داود ٤ : ٧٣ ح ٤١٥٣ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٦ ح ٨٧ ، و روي معناه كثيرا .

( ٢ ) طه : ١٣١ .

( ٣ ) أخرج هذا المعنى بطرق كثيرة ابن سعد في الطبقات ١ ق ٢ : ١٥٧ .

( ٤ ) أساس البلاغة : ١٨٦ مادة ( ريش ) .

( ٥ ) غافر : ٣٩ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ١٣٤ ح ١٩ ، و الروضة للفتال ٢ : ٤٤٠ ، و رواه الطبرسي بطريقين في مشكاة الأنوار : ٢٦٤ ، ٢٦٥ .

٤٤١

« فأخرجها من النفس و أشخصها » أي : أذهبها .

« عن القلب » اللام في القلب بدل عن المضاف إليه . أي : قلبه كالنفس و البصر في ما مضى ، و يأتي .

« و غيّبها عن البصر » و المراد إعراضه عنها ظاهرا و باطنا ، فبعض يمكن ألاّ تكون الدّنيا متمكّنة من قلوبهم ، لكن أوضاع الدنيا لهم منبسطة ، و هو غير مذموم ، و بعض بالعكس و هو مذموم ، و الأوّل كالغنيّ الزاهد ، و الثاني كالفقير الحريص . و الممدوح إذهابها عن القلب و البصر ، كما فعل صلى اللّه عليه و آله ، و قد قال تعالى له : فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ١ .

« و كذا من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه و أن يذكر عنده » قالوا : اجتمعت عدّة من الفقهاء و الزهاد عند رابعة العدوية فذمّوا الدّنيا و هي ساكتة ، فلمّا فرغوا قالت : من أحبّ شيئا أكثر من ذكره إمّا بحمد ، و إمّا بذمّ . فانّ كانت الدّنيا في قلوبكم لا شي‏ء فلم تذكرونها ؟

« و لقد كان في رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما يدلّك على مساوي الدّنيا و عيوبها » كما أنّ في عمل الدّنيا مع المنقطعين عن اللّه أيضا ما يدلّ على نقائصها ، إذ يكونون فيها مرفّهين .

« إذ جاع فيها مع خاصّته » و يطعمون الطعام على حبّه مسكينا و يتيما و أسيرا ٢ .

« و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته » أي : قربته إلى اللّه تعالى و درجته عنده .

« فلينظر ناظر بعقله » الّذي يحكم بالحقّ ، و لا ينظر بهواه الّذي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٢٩ .

( ٢ ) الانسان : ٨ .

٤٤٢

يحبّ الباطل .

« أكرم اللّه محمّدا صلى اللّه عليه و آله بذلك أم أهانه » ناظر إلى قوله تعالى : فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه و نعّمه فيقول ربّي أكرمن . و أمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربّي أهانن ١ .

« فإن قال : أهانه » بأخذ الدّنيا عنه .

« فقد كذب » في قوله .

« و أتى بالإفك العظيم ، و إن قال : أكرمه » بذلك .

« فليعلم أنّ اللّه أهان غيره حيث بسط الدّنيا له و زواها » أي : عدل بها .

« عن أقرب الناس منه » في الخبر : استسقى النبيّ صلى اللّه عليه و آله اللبن من راع فمنعه ،

و من راع آخر ، فبعث إليه بموجوده من اللبن ، و ما قدر عليه من الحلب مع شاة .

فدعا للأوّل بكثرة ماله و ولده ، و للثاني بالكفاف ، فعجب النّاس ، و قالوا : دعوت للّذي ردّك بدعاء تحبّه عامّتنا ، و دعوت للّذي أسعفك بحاجتك بدعاء جميعنا نكرهه ؟ فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ ما قلّ و كفى خير ممّا كثر و ألهى ، اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف ٢ .

و في ( تاريخ الجزرى ) : لمّا فرغ عبد الرحمن الناصر الأموي صاحب الأندلس من بناء [ الزهراء ] و قصورها و قد قعد في قبّة مزخرفة بالذهب و البناء البديع الّذي لم يسبق إليه ، فقال لمن معه من الأعيان : هل بلغكم أنّ أحدا بنى مثل هذا البناء ؟ فأثنى الجميع بأنّهم لم يروا ، و لم يسمعوا بمثله إلاّ القاضي منذر بن سعيد فإنّه سكت . فقال له الناصر : لم لا تنطق أنت ؟ فبكى و قال : ما كنت أظنّ أنّ الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ حتّى أنزلك منازل الكافرين ، قال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفجر : ١٥ ١٦ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ ح ٤ عن السجاد عليه السّلام و النقل بتلخيص .

٤٤٣

تعالى : و لو لا أن يكون الناس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضّة و معارج عليها يظهرون . و لبيوتهم أبوابا و سررا عليها يتّكئون . و زخرفا و إن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا و الآخرة عند ربّك للمتّقين ١ .

« فتأسّى متأسّ بنبيّه » أمر بصورة الخبر ، أي : ليقتد مقتد بنبيّه ، قال مصعب بن الزبير :

و إنّ الالى بالطف من آل هاشم

تأسّوا فسنّوا للكرام التآسيا

٢ « و اقتصّ » أي : اتّبع .

« أثره » في ترجيح الآخرة .

« و ولج مولجه » أي : دخل مدخله .

« و إلاّ فلا يأمن الهلكة » لانحصار النجاة باتّباعه .

« فإنّ اللّه جعل محمّدا علما للساعة » مأخوذ من قوله تعالى : و إنّه لعلم للساعة . . . ٣ و إن قالوا : إنّ المراد بالآية نزول عيسى عليه السّلام من السماء .

« و مبشّرا بالجنّة ، و منذرا بالعقوبة » نبّى‏ء عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم .

و أنّ عذابي هو العذاب الأليم ٤ .

« خرج من الدنيا خميصا » ضامر البطن .

« و ورد الآخر سليما » كما قال تعالى : يوم لا ينفع مال و لا بنون . إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٨ : ٦٧٤ سنة ٣٦٦ و النقل بتلخيص ، و الآيات ٣٣ ٣٥ من سورة الزخرف .

( ٢ ) لسان العرب ١٤ : ٣٥ مادة ( أسا ) .

( ٣ ) الزخرف : ٦١ .

( ٤ ) الحجر : ٤٩ ٥٠ .

( ٥ ) الشعراء : ٨٨ ٨٩ .

٤٤٤

« لم يضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله ، و أجاب داعي ربّه » بارتحاله ،

روى كاتب الواقدي عن عطاء الخراساني قال : أدركت حجر أزواج النبيّ صلى اللّه عليه و آله من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود . فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ ، يأمر بإدخال حجر أزواج النبيّ صلى اللّه عليه و آله في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم . قال عطاء : فسمعت سعيد بن المسيّب يقول يومئذ : و اللّه لوددت أنّهم تركوها على حالها ينشأ ناشى‏ء من أهل المدينة و يقدم القادم من الأفق ، فيرى ما اكتفى به النبيّ صلى اللّه عليه و آله في حياته ، فيكون ذلك مما يزهّد الناس في التكاثر و التفاخر . فلمّا فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمر بن أبي أنس : كان منها أربعة أبيات بلبن لها حجر من جريد ،

و كانت خمسة أبيات من جريد مطيّنة لا حجر لها ، على أبوابها مسوح الشعر ذرعت الستر ، فوجدته ثلاث أذرع في ذراع ١ .

« فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم به » أي : بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله .

« علينا سلفا نتّبعه و قائدا نطأ عقبه » لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٢ .

٤٠

من الخطبة ( ١٠٧ ) و منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

قَدْ حَقَّرَ اَلدُّنْيَا وَ صَغَّرَهَا وَ أَهْوَنَهَا وَ هَوَّنَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اَللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اِخْتِيَاراً وَ بَسَطَهَا لِغَيْرِهِ اِحْتِقَاراً فَأَعْرَضَ عَنْهَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ١٨١ .

( ٢ ) آل عمران : ١٦٤ .

٤٤٥

نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَ دَعَا إِلَى اَلْجَنَّةِ مُبَشِّراً قول المصنّف « و منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ١ .

« قوله عليه السّلام : قد حقّر الدّنيا و صغّرها » أي : عدّها حقيرة صغيرة .

« و أهونها » لم يقل عليه السّلام و أهانها للازدواج بينه و بين قوله عليه السّلام :

« و هوّنها » كما في ( ما زورات ) مع ( ماجورات ) و إلاّ فالواجب ( موزورات ) أي : عدّها هونا ، و جمعه عليه السّلام بينهما للمبالغة ، قال ابن قتيبة في ( أدب كاتبه ) :

و تدخل فعّلت على أفعلت إذا أردت تكثير العمل و المبالغة تقول : أجدت و جوّدت ، و أغلقت الأبواب و غلّقت ، و أقفلت و قفّلت ٢ ، و في مثل : [ هان على الأملس ما لاقى الدبر ] ٣ و في آخر : [ أهون من قعيس عمّته ] ٤ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد في قوله عليه السّلام : و صغّرها : المراد عند غيره ليكون قوله [ و أهون بها و هوّنها ] مطابقا له ، أي : أهون هو بها و هوّنها عند غيره ٥ ، و هو كما ترى ، فلم يعلم صحّة ما نقل أوّلا و صحّة استعمال ( أهون بها ) ثانيا ، و كون المراد ما ذكر ثالثا ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و إن صغّر الدّنيا عند غيره ، إلاّ أنّ المراد هنا تصغيره لها عند نفسه كتحقيره لها ، لأنّه عليه السّلام في مقام

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٣٥ لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٧١ مثل المصرية .

( ٢ ) أدب الكاتب لابن قتيبة : ٣٥٤ .

( ٣ ) المستقصى للزمخشري ٢ : ٣٨٩ .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٤٠٧ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٤٤٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٣٥ .

٤٤٦

بيان صفة زهده صلى اللّه عليه و آله في الدنيا ، كما يشهد به قوله عليه السّلام هنا : « و علم أنّ اللّه زواها عنه اختيارا و بسطها لغيره احتقارا » و قوله عليه السّلام الّذي سبق شرحه :

« و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ، و حقّر شيئا فحقّره ، و صغّر شيئا فصغّره » ١ .

« و علم أنّ اللّه زواها » أي : عدل بها .

« عنه اختيارا » مفعول له لقوله « زوى » أي : زواها عنه باختياره تعالى له الأصلح ، لا منصوب بنزع الخافض لقوله « و علم » ، كما يفهم من ابن أبي الحديد حيث قال : « اختيارا » ، أي : باختيار من النبيّ صلى اللّه عليه و آله ٢ .

« و بسطها لغيره احتقارا » قال تعالى : فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا و تزهق أنفسهم و هم كافرون ٣ ،

و قال جلّ و علا و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدّنيا لنفتنهم فيه و رزق ربّك خير و أبقى ٤ ، و قال عزّ اسمه : و لو لا أن يكون الناس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضّة و معارج عليها يظهرون . و لبيوتهم أبوابا و سررا عليها يتّكئون . و زخرفا و إن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا ٥ .

« فأعرض عنها » هكذا في ( المصريّة ) و الصواب : فأعرض عن الدّنيا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة ) ٦ ، و إعادة الاسلام الظاهر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٣٥ .

( ٢ ) مرّ في العنوان ٣٩ من هذا الفصل .

( ٣ ) التوبة : ٥٥ .

( ٤ ) طه : ١٣١ .

( ٥ ) الزخرف : ٣٣ ٣٥ .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٣٥ لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٧١ مثل المصرية أيضا .

٤٤٧

لبيان الأهميّة .

« بقلبه و أمات ذكرها عن نفسه ، و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه » الفقرات الثلاث من قوله : « فأعرض إلى عن عينه » مرّت في سابقه ، بل و الفقرتان بعدها أيضا كما يأتي ١ ، و كيف كان ، عن السجّاد عليه السّلام : ما من عمل بعد معرفة اللّه تعالى ، و معرفة رسوله أفضل من بغض الدّنيا ، فإنّ لذلك شعبا كثيرة ،

و للمعاصي شعبا . . . فاجتمعن كلهنّ في حبّ الدّنيا ، فقال الأنبياء و العلماء بعد ذلك : حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة ٢ .

و عن الصادق عليه السّلام : قال تعالى لموسى عليه السّلام : إنّ الدّنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عليه السّلام عند خطيئته ، و جعلتها ملعونة ، ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي يا موسى إنّ عبادي الصالحين زهدوا في الدّنيا بقدر علمهم و سائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم ٣ .

« لكيلا يتّخذ منها رياشا أو يرجو فيها مقاما » مرّ في سابقه : « لكيلا يتّخذ منها رياشا ، و لا يعتقدها قرارا ، و لا يرجو فيها مقاما » ٤ .

« بلّغ عن ربّه معذرا » حتّى لم يبق لأحد عذر في المخالفة .

« و نصح لأمته منذرا » لهم من عذاب اللّه بالمعصية .

« و دعا إلى الجنّة مبشّرا » بنعمه العالية بالإطاعة ، قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام خطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع ، فقال : أيّها الناس و اللّه ما من شي‏ء يقرّبكم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مرّ في العنوان ٣٩ من هذا الفصل إلاّ أنّ فيه « فاعرض عن الدنيا » .

( ٢ ) مشكاة الأنوار للطبرسي : ٢٦٦ و امّا حديث « حب الدّنيا رأس كلّ خطيئة » فروي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و الصادق عليه السّلام . مرّ تخريجه في العنوان ٣٩ من هذا الفصل .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٧ ح ٩ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ١ و أمالي الصدوق : ٥٣١ ح ٢ المجلس ( ٩٥ ) ، و مشكاة الأنوار للطبرسي : ٢٧٠ .

( ٤ ) مرّ في العنوان ٣٩ من هذا الفصل .

٤٤٨

من الجنّة و يباعدكم من النار إلاّ و قد أمرتكم به ، و ما من شي‏ء بقرّبكم من النار و يباعدكم من الجنّة إلاّ و قد نهيتكم عنه ، ألا و إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها فاتّقوا اللّه و أجملوا في الطلب ، و لا يحمل أحدكم استبطاء شي‏ء من الرزق أن يطلبه بغير حلّه فانّه لا يدرك ما عند اللّه إلاّ بطاعته ١ .

و قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام : وقف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بمعنى حين قضى مناسكه في حجّة الوداع ، فقال : أيّها الناس اسمعوا ما أقول لكم ، و اعقلوه عنّي ،

لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا . ثمّ قال : أيّ يوم أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا اليوم . فقال : أيّ شهر أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا الشهر . قال : أيّ بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا البلد . قال : إنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ، فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلّغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد ، ألا و من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنّه لا يحلّ دم امرى‏ء مسلم ، و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه ، و لا ترجعوا بعدي كفّارا ٢ .

و في الخبر : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله حضر يوم وفاته مع شدّة مرضه المسجد ،

و قال : و اتّقوا يوما ترجعون فيه الى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ٣ أيّها الناس لا يدعّ مدّع و لا يتمنّى متمنّ أنّه ينجو إلاّ بعمل ، و رحمة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٧٤ ح ٢ ، و عاصم بن حميد في أصله : ٢٣ ، و رواه الديلمي في أعلام الدين عنه البحار ٧٧ : ١٨٥ ح ٣١ ، و أبو القاسم الكوفي في الأخلاق عنه المستدرك ٢ : ٤١٩ ح ١٣ .

( ٢ ) أخرجه ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨٥ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١١١ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١٣٣ ، و الصدوق في الخصال : ٤٨٦ ح ٦٣ و النقل بتصرف .

( ٣ ) البقرة : ٢٨١ .

٤٤٩

من اللّه . و قال : لو عصيت لهويت . و قال : اللّهمّ هل بلّغت ١ ؟

٤١

من الخطبة ( ١٩٠ ) وَ لَقَدْ قَرَنَ اَللَّهُ بِهِ ص مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ اَلْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلاَقِ اَلْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ . أقول : ما نقله المصنّف جزء الخطبة القاصعة ٢ ، و روى ابن طاووس في ( طرائفه ) عن صدر الأئمة موفّق بن أحمد باسناده عن أبي ذر كونه جزء مناشداته يوم الشورى ٣ .

« و لقد قرن اللّه به صلى اللّه عليه و آله من لدن أن كان فطيما » أي : منقطعا عن الرضاع .

« أعظم ملك من ملائكته » قال ابن أبي الحديد : روي أنّ بعض أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر سأله عن قوله تعالى : إلاّ من ارتضى من رسول فإنّه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا ٤ ، فقال : يوكّل اللّه بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم و يؤدّون إليه تبليغهم الرسالة ، و وكّل بمحمّد صلى اللّه عليه و آله ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات ، و مكارم الأخلاق ، و يصدّه عن الشرّ ، و مساوي الأخلاق ، و هو الّذي كان يناديه : السّلام عليك يا محمّد يا رسول اللّه ، و هو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد ، فيظنّ أنّ ذلك من الحجر و الأرض ، فيتأمل و لا يرى شيئا ٥ .

قلت : و روى الكليني عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام : أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ٩٧ بفرق يسير ، و اعلام الورى للطبرسي : ١٣٤ و قد مرّ في العنوان ٢٥ من هذا الفصل .

( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ١٥٧ الخطبة ١٩٠ .

( ٣ ) رواه عنه ابن طاووس في الطرائف ٢ : ٤١٥ .

( ٤ ) الجن : ٢٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٣ .

٤٥٠

عبد المطلب كان يفرش له بفناء الكعبة ، لا يفرش لأحد غيره ، و كان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه ، فجاء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو طفل يدرج حتّى جلس على فخذيه ، فأهوى بعضهم إليه لينحّيه عنه ، فقال له عبد المطلب :

دع ابني ، فانّ الملك قد أتاه ١ .

و ورد في تفسير قوله تعالى : و كذلك أو حينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان . . . ٢ ، عنهم عليهم السّلام أنّ ذاك الروح الّذي قال تعالى كان خلقا للّه أعظم من جبرئيل و ميكائيل و كان مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله يخبره و يسدّده ، و هو مع الأئمّة من بعده ٣ .

« يسلك به طريق المكارم » قال الصادق عليه السّلام : خصّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بمكارم الأخلاق ، فامتحنوا أنفسكم ، فإن كانت فيكم فاحمدوه تعالى و ارغبوا إليه في الزيادة منها . فذكرها عشرة : اليقين ، و القناعة ، و الصبر ، و الشكر ، و الحلم ،

و حسن الخلق ، و السخاء ، و الغيرة و الشجاعة ، و المروّة ٤ .

و في ( المناقب ) : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الأنبياء ، لو انفرد واحد بأحدها لدلّ على جلاله ، فكيف من اجتمعت فيه ؟ كان أمينا صادقا حاذقا أصيلا نبيلا مكينا فصيحا عاقلا فاضلا عابدا زاهدا سخيّا كميّا قانعا متواضعا حليما رحيما غيورا صبورا موافقا مرافقا ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤٨ ح ٢٦ ، و السيرة لابن هشام ١ : ١٥٦ ، و الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٧٤ ، و غيرهم .

( ٢ ) الشورى : ٥٢ .

( ٣ ) أخرج هذا المعنى الكليني في الكافي ١ : ٢٧٣ ح ١ ، و الصفار بخمس طرق في البصائر : ٤٧٥ ، ٤٧٦ ح ١ ، ٢ ، ٦ ، ٨ ، ٩ و القمي في تفسيره ٢ : ٢٧٩ و جاء نحو ذلك في تفسير آية و يسألونك عن الروح . . . ( الاسراء : ٨٥ ) و بصورة مستقلة أيضا .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٥٦ ح ٢ ، و غيره ، و النقل بتصرف .

( ٥ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٣ .

٤٥١

قلت : و من بعث لتتميم مكارم الأخلاق كما قال صلى اللّه عليه و آله لا بدّ أن يكون شخصه في المكارم وحيد الآفاق ، قال المسعودي : روى جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال : إنّ اللّه تعالى أدّب محمّدا صلى اللّه عليه و آله فأحسن تأديبه ، فقال :

خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين ١ ، فلمّا كان كذلك قال اللّه تعالى و إنّك لعلى خلق عظيم ٢ فلمّا قبل من اللّه فوّض إليه ، فقال : . . . و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا . . . ٣ و كان يضمن على اللّه الجنّة فأجيز له ذلك ٤ .

و لو لم يكن في شريعته سوى ما ورد عنه صلى اللّه عليه و آله و عن أوصيائه عليهم السّلام من الترغيب على التحلية بالمكارم ، و التخلية عن الذمائم لكفى في حقّية طريقته .

فلو اجتمع أهل العالم على أن يبيّنوا محاسن الأخلاق كما بيّنها عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام من أوصيائه في دعائه في طلب المكارم لما استطاعوا ٥ .

كما أنّه لو لم يكن له معجزة سوى ما كان صلى اللّه عليه و آله متصفا به من الصفات الحسنة ، و الأخلاق المستحسنة لو في بصادقية بنوّته ، قال السروي : كان يتيما فقيرا ضعيفا وحيدا غريبا بلا حصار و لا شوكة ، كثير الأعداء ، و مع جميع ذلك تعالى مكانه ، و ارتفع شأنه . ثمّ قال : و كان ثابتا في الشدائد ، و هو مطلوب ، و صابرا على البأساء و الضراء ، و هو مكروب محروب ، و كان زاهدا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ١٩٩ .

( ٢ ) القلم : ٤ .

( ٣ ) الحشر : ٧ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٨٣ .

( ٥ ) الصحيفة السجادية : ٩٩ الدعاء ٢٠ .

٤٥٢

في الدنيا ، راغبا في الآخرة فثبت له الملك ١ .

« و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره » روى الجزري في ( أسده ) عن عبد اللّه بن أبي الحمساء قال : بايعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببيع قبل أن يبعث ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، فنسيت يومي هذا و الغد ، فأتيته في اليوم الثالث ، و هو في مكانه فقال لي : يا فتى لقد شققت عليّ ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك ٢ .

و كانت أعداؤه معترفين بكماله في محاسن الأخلاق و في أمانته ، فكانوا يسمّونه الأمين قبل نزول الوحي عليه ، و رضيت مشائخ قريش بحكميته في وضع الحجر لأمانته و صادقيته .

و لمّا قال تعالى : فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين ٣ صعد على الصفا و هتف : يا صباحاه فاجتمعوا ، فقال لهم : أرأيتكم أنّ خيلا تخرج بسفح الجبل أكنتم مصدّقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربّنا عليك كذبا . قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ٤ .

و كان صلى اللّه عليه و آله يوم فتح مكّة أهدر دم عبد اللّه بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة فأتى عثمان به إليه صلى اللّه عليه و آله مستشفعا ، و جعل يكلّمه فيه و هو ساكت ،

حتّى اضطرّه إلحاحه إلى العفو عنه ، فذهب به ، فقال صلى اللّه عليه و آله لأصحابه : هلاّ قتلتموه إذ سكتّ ، و قد كنت أمرتكم قبل بقتله ، و لو كان متعلّقا بأستار الكعبة ؟

فقالوا : انتظرنا أن تومي بمؤخر عينك . فقال : إنّ الأنبياء لا يقتلون بالإيماء ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أسد الغابة لابن الأثير الجزري ٣ : ١٤٦ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٣ .

( ٣ ) الحجر : ٩٤ .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ١٣٣ و غيره ، مرّ الحديث و تخريجه في العنوان ٦ و ١٥ من هذا الفصل ، و الآية ٤٦ من سوره سبأ .

( ٥ ) السيرة لابن هشام ٤ : ٣٩ و المغازي للواقدي ٢ : ٨٥٥ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٣٣٥ سنة ٨ و غيرهم .

٤٥٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لمّا انهزمت قريش يوم الأحزاب ، و دخل حيّ بن أخطب حصن بني قريظة ، و جاء أمير المؤمنين عليه السّلام فأحاط بالحصن أشرف عليهم كعب بن أشرف يشتمهم و يشتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فأقبل صلى اللّه عليه و آله فاستقبله عليه السّلام و قال له : بأبي أنت و أمي لا تدن من الحصن . فقال صلى اللّه عليه و آله : لعلّهم شتموني ؟ ثمّ دنا منهم ، و قال :

يا إخوان القردة و الخنازير ، و عبيد الطاغوت أتشتموني ؟ إنّا إذا نزلنا بساحة قوم ساء صباحهم . فأشرف كعب ، و قال : يا أبا القاسم ما كنت و اللّه جهولا .

فاستحيى النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى سقط الرداء من ظهره حياء ، و رجع وراءه ١ .

و كان صلى اللّه عليه و آله يقول في تعليماته : أن يجعل الإنسان نفسه ميزانا بينه و بين غيره ، فيحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه و يكره لغيره ما يكره لنفسه ، و أنّه يجب على المسلم أن يجعل الأكبر بمنزلة والده ، و الأصغر بمنزلة ولده ، و تربه بمنزلة أخيه .

٤٢

من الخطبة ( ١٩٠ ) وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ ص لَمَّا أَتَاهُ اَلْمَلَأُ مِنْ ؟ قُرَيْشٍ ؟ فَقَالُوا لَهُ يَا ؟ مُحَمَّدُ ؟

إِنَّكَ قَدِ اِدَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لاَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ أَرَيْتَنَا عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ ص وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ اَلشَّجَرَةَ حَتَّى تَقْلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ ص إِنَّ اَللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٢ : ٢٠ فَإِنْ فَعَلَ اَللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَ أَنَّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السيرة لابن هشام ٣ : ١٤١ ، و المغازي للواقدي ١ : ٤٤٩ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٢٤٥ سنة ٥ .

٤٥٤

فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي اَلْقَلِيبِ وَ مَنْ يُحَزِّبُ اَلْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ ص يَا أَيَّتُهَا اَلشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ وَ اَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَ قَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ اَلطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ مُرَفْرِفَةً وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا اَلْأَعْلَى عَلَى ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ ص فَلَمَّا نَظَرَ اَلْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اِسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ ؟ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص ؟

فَقَالُوا كُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا اَلنِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ ص فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ فَإِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ ؟ يَا رَسُولَ اَللَّهِ ؟ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اَلشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَ إِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ فَقَالَ اَلْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ ساحِرٌ كَذَّابٌ ٣٨ : ٤ عَجِيبُ اَلسِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَ هَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي . أقول : هذا العنوان راجع إلى معجزاته ، و قد تضمّن أربعا منها ، أحدها :

مجي‏ء الشجرة إليه ، و الثانية : إخباره عليه السّلام بعدم تصديقهم له بعد رؤية الآية ،

و الثالثة : من يقتل منهم في بدر ، و يطرح في بئره ، و الرابعة : أنّ فيهم من يحزّب الأحزاب عليه .

و قال السروي في ( مناقبه ) : إنّه ذكر للنبيّ صلى اللّه عليه و آله أربعة آلاف و أربعمائة و أربعين معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف ، تتنوع أربعة أنواع : نوع قبل ميلاده ،

٤٥٥

و نوع قبل بعثته ، و نوع بعدها ، و نوع بعد وفاته ١ .

و قال الجزري : و قد صنّف العلماء في معجزات النبيّ صلى اللّه عليه و آله كتبا كثيرة ذكروا فيها كلّ عجيبة ٢ .

قلت : و آحادها و إن كان مستند بعضها أخبارا آحادا إلاّ أنّ بعضها سنده متواتر كما يأتي مع أنّه في ذاك البعض الّذي مستنده آحاد تواتر إجمالي ،

و هو كالتفصيلي يأتي في ثبوت نبوّته .

« و لقد كنت معه لمّا أتاه الملأ من قريش فقالوا له : يا محمّد إنّك قد ادّعيت عظيما لم يدّعه آباؤك و لا أحد من بيتك » نظيره ما رواه الطبرسي في ( احتجاجه ) عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام ، قال : قلت لأبي : هل كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يناظر اليهود و النصارى و المشركين إذا عانتوه ؟ قال : بلى ، مرارا كثيرة ، منها ما حكى اللّه تعالى من قولهم : و قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لو لا أنزل إليه ملك . . رجلا مسحورا ٣ ، و قولهم : و قالوا لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ٤ ، و قولهم : و قالوا لن نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا . . . كتابا نقرؤه . . . ٥ ، ثمّ قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبيّا كموسى لنزّلت علينا الصاعقة في مسألتنا إيّاك ، لأنّ مسألتنا أشدّ من مسألة قوم موسى ؟ قال : و ذلك أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان ذات يوم بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش ، منهم الوليد بن المغيرة المخزومي ، و أبو البختري بن هشام ، و أبو جهل بن هشام ، و العاص بن وائل السهمي ، و عبد اللّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ١٤٤ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٤٧ .

( ٣ ) الفرقان : ٧ ٨ .

( ٤ ) الزخرف : ٣١ .

( ٥ ) الإسراء : ٩٠ ٩٣ .

٤٥٦

ابن أبي أمية المخزومي ، و كان معهم جمع ممّن يليهم كثير ، و النبيّ صلى اللّه عليه و آله في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب اللّه ، و يؤدّي إليهم عن اللّه أمره و نهيه ، فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمّد و عظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه و تبكيته و توبيخه ، و الاحتجاج عليه ، و إبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ، و يصغر قدره ، فلعلّه ينزع عمّا هو فيه من غيّه . فإن انتهى ، و إلاّ عاملناه بالسيف الباتر .

قال أبو جهل : فمن الّذي يلي كلامه و مجادلته ؟ قال عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي : أنا . فأتوه فابتدأهم عبد اللّه ، فقال : لقد ادّعيت دعوى عظيمة ، و قلت مقالا هائلا ، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين ، و ما ينبغي لربّ العالمين و خالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله ، بشر مثلنا يأكل كما نأكل ، و يمشي في الأسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم ، و هذا ملك فارس لا يبعثان إلاّ رسولا كثير المال عظيم الحال له قصور و خيام و عبيد و خدّام ، و ربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده ، و لو كانت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك نشاهده ، بل لو أراد أن يبعث نبيّا إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت يا محمّد إلاّ مسحور ، و ما أنت بنبيّ .

فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : هل بقي من كلامك شي‏ء ؟ فقال : بلى ، لو أراد اللّه أن يبعث نبيّا إلينا لبعث إلينا أجل في ما بيننا ، و أحسننا حالا ، فهلاّ أنزل هذا القرآن الّذي تزعم أنّه أنزله عليك على رجل من القريتين عظيم ١ ، إمّا الوليد بن المغيرة بمكّة ، و إمّا عروة بن مسعود الثقفي بالطائف .

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : هل بقي من كلامك شي‏ء ؟ فقال : بلى لن نؤمن لك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ٣١ .

٤٥٧

حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا ١ بمكّة هذه . فإنّها ذات أحجار وعرة ،

و جبال تكسح أرضها و تحفرها ، و تجري فيها العيون ، فإنّا محتاجون إلى ذلك ،

أو تكون لك جنّة من نخيل و عنب ٢ ، فتأكل منها و تطعمنا ، و تفجّر الأنهار خلال تلك النخيل و الأعناب تفجيرا ، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ٣ ، فإنّك قلت : و إن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ٤ فلعلّنا نقول ذلك . ثمّ قال : أو تأتي باللّه و الملائكة قبيلا ٥ تأتي به و بهم ، و هم لنا مقابلون ، أو يكون لك بيت من زخرف ٦ تعطينا منه و تغنينا به ، فلعلّنا نطغى ، فإنّك قلت لنا : . . . إنّ الإنسان ليطغى . أن رآه استغنى ٧ ، أو ترقى ( أي : تصعد في السماء و لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزل علينا كتابا نقرؤه ٨ من اللّه العزيز الحكيم ٩ إلى عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي ، و من معه آمنوا بمحمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب فانّه رسولي ،

و صدّقوه في مقاله ، فإنّه من عندي . ثمّ لا أدري يا محمّد إذا فعلت ذلك كلّه أو من بك أو لا ، بل لو رفعتنا إلى السماء ، و فتحت أبوابها ، و أدخلتنا فيها لقلنا : إنّما سكّرت أبصارنا و سحرنا .

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أبقي من كلامك شي‏ء ؟ قال : أوليس في ما أوردته عليك كفاية و بلاغ ؟ فقل ما بدا لك .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٠ ٩١ .

( ٢ ) الإسراء : ٩٠ ٩١ .

( ٣ ) الإسراء : ٩٢ .

( ٤ ) الطور : ٤٤ .

( ٥ ) الإسراء : ٩٢ .

( ٦ ) الإسراء : ٩٣ .

( ٧ ) العلق : ٦ ٧ .

( ٨ ) الإسراء : ٩٣ .

( ٩ ) الزمر : ١ .

٤٥٨

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اللّهمّ أنت السامع لكلّ صوت ، و العالم بكلّ شي‏ء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل تعالى عليه : و قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق . . . رجلا مسحورا ١ ، ثمّ قال تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا ٢ ، ثم قال : تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنّات تجري من تحتها الأنهار و يجعل لك قصورا ٣ ،

و أنزل عليه : فلعلّك تارك بعض ما يوحى إليك و ضائق به صدرك . . . ٤ ،

و أنزل : و قالوا لو لا أنزل عليه ملك و لو أنزلنا ملكا لقضي الأمر . . . و للبسنا عليهم ما يلبسون ٥ .

فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أمّا ما ذكرت من أنّي آكل كما تأكلون و زعمت أنّه لا يجوز لرجل هكذا أن يكون للّه رسولا ، فإنّما الأمر للّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و هو محمود ، و ليس لك و لا لأحد الاعتراض عليه بلم و كيف ، فإنّ اللّه أفقر بعضا ، و أغنى بعضا ، و أعزّ بعضا ، و أذلّ بعضا ، و أصحّ بعضا ، و أسقم بعضا ،

و شرّف بعضا ، و وضع بعضا ، و كلّهم ممّن يأكل الطعام . ثمّ ليس للفقراء أن يقولوا : لم أفقرتنا ، و أغنيتهم ، و لا للوضعاء أن يقولوا : لم وضعتنا و شرّفتهم ،

و لا للزمنى و الضعفاء أن يقولوا : لم أزمنتنا و أضعفتنا و صحّحتهم ، و لا للأذلاّء أن يقولوا : لم أذللتنا ، و أعززتهم ، و لا لقباح الصور أن يقولوا : لم قبّحتنا و جمّلتهم ، بل إن قالوا ذلك كانوا على ربّهم رادّين ، و له في أحكامه منازعين ،

و به كافرين ، و لكان جوابه لهم : أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعزّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفرقان : ٧ ٨ .

( ٢ ) الاسراء : ٤٨ .

( ٣ ) الفرقان : ١٠ .

( ٤ ) هود : ١٢ .

( ٥ ) الأنعام : ٨ ٩ .

٤٥٩

المذلّ المصحّح المسقم ، و أنتم العبيد لي ليس لكم إلاّ التسليم ، و الانقياد لحكمي ، فإن سلّمتم كنتم عبادا مؤمنين ، و إن أبيتم كنتم بي كافرين ،

و بعقوباتي من الهالكين . ثمّ أنزل عليه : قل إنّما أنا بشر مثلكم يعني آكل الطعام يوحي إليّ أنّما إلهكم إله واحد ١ ، يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ، و لكن ربّي خصّني بالنبوّة دونكم كما يختص بعض البشر بالغني و الصحّة و الجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أيضا أن يختصّني بالنّبوّة .

ثمّ قال : و أمّا قولك : هذا ملك الروم . . . فإنّ اللّه له التدبير و الحكم لا يفعل على ظنّك و حسبانك و لا باقتراحك ، بل يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و هو محمود ، إنّما بعث نبيّه ليعلّم الناس دينهم ، و يدعوهم إلى ربّهم ، و يكدّ نفسه في ذلك آناء الليل و النهار ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها و عبيده يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع ، و الأمور تتباطى‏ء ، أو ما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و القبايح من حيث لا يعلمون و لا يشعرون ؟ إنّما بعثني اللّه ، و لا مال لي ليعرفكم قدرته و قوّته ، و أنّه هو الناصر لرسوله ، و لا تقدرون على قتله ، و لا منعه من رسالته ، فهذا أبين في قدرته و في عجزكم ،

و سوف يظفرني اللّه بكم و أوسعكم قتلا و أسرا ، ثمّ يظفرني اللّه ببلادكم ،

و يستولي عليها المؤمنون دونكم .

و أمّا قولك لي : لو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك و نشاهده ، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا لكان يبعث ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لا تشاهده حواسّكم لأنّه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، و لو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم : ليس هذا ملكا بل هذا بشر لأنّه إنّما كان يظهر بصورة البشر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكهف : ١١٠ و فصّلت : ٦ .

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

المعروف له الطلب إليهم و حظر عليهم قضاءه كما يحرّم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها(١) .

و قال ابن أبي الحديد رأى العباس بن مأمون يوما بحضرة المعتصم خاتما في يد إبراهيم بن المهدي ، فاستحسنه فقال له : ما فص هذا الخاتم و من أين حصلته ؟ قال : هذا خاتم رهنته في دولة أبيك و افتككته في دولة الخليفة .

فقال له العباس : إن لم تشكر أبي على حقنه دمك ، فأنت لا تشكر الخليفة على فكّه خاتمك و قال الشاعر :

لعمرك ما المعروف في غير أهله

و في أهله إلاّ كبعض الودائع

فمستودع ضاع الذي كان عنده

و مستودع ما عنده غير ضائع

و ما النّاس في شكر الصنيعة عندهم

و في كفرها إلاّ كبعض المزارع

فمزرعة طابت و أضعف نبتها

و مزرعة أكدت على كلّ زارع(٢)

٥٩ الحكمة ( ٢٠٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ وَ مَنِ اِعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ « من حاسب نفسه ربح » في ( الكافي ) عن الكاظمعليه‌السلام : ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسنة استزاد اللَّه تعالى ، و إن عمل سيّئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٥ ح ٢ ، عن أبي حمزة الثمالي .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٥٣ .

٥٤١

« و من غفل عنها خسر » عن الباقرعليه‌السلام : لا يغرّنّك الناس من نفسك ، فإنّ الأمر يصل إليك دونهم ، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا ، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك .(١) .

« و من خاف أمن » و أمّا من خافَ مقامَ ربِّه و نهى النّفس عن الهوى .

( فإنّ الجنَّةَ هي المأوى ) (٢) .

« و من اعتبر أبصر » الاعتبار سبب لابصار جديد ، و إن كان هو بإبصار تليد ، قال تعالى :( فاعتبروا يا اُولي الأَبصار ) (٣) .

« و من أبصر فهم و من فهم علم » حمل الفهم على معرفة المقدّمات ، و العلم على معرفة النتيجة الّتي هي الثمرة الشريفة .

٦٠ الحكمة ( ٢٤٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْحَجَرُ اَلْغَصِيبُ فِي اَلدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا أقول هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « الغصيب »(٤) و الصواب :

( الغصب ) كما في ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم(٦) و النسخة الخطية(٧) ، و الغصب هنا بمعنى المغصوب كما في قولهم : « شي‏ء غصب » .

____________________

( ١ ) الاختصاص للمفيد : ٢٣١ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٣ ) الحشر : ٢ .

( ٤ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٧١٠ رقم ( ٢٤٢ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ رقم ( ٢٣٧ ) بلفظ « الغصب » .

( ٦ ) شرح ابن ميثم النسخة المنقحة ٥ : ٣٦١ رقم ( ٢٢٦ ) بلفظ « الغصيب » .

( ٧ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٤٢

في ( كامل الجزري ) : و في سنة ( ٥٠٠ ) عزل الوزير أبو القاسم عليّ بن جهير و أمر الخليفة بنقض داره التي بباب العامّة و فيها عبرة ، فإنّ أباه أبا نصر بن جهير بناها بأنقاض أملاك الناس و أخذ بسببها أكثر ما دخل فيها فخربت عن قريب(١) .

و قال ابن أبي الحديد : قال ابن بسّام لابن مقلة لمّا بنى داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعية :

بجنبك داران مهدومتان

و دارك ثالثة تهدم

و أشار بالدارين المهدومتين إلى دار ابن الفرات و دار ابن الجرّاح أي :

الوزيرين و قال أيضا :

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا

فإنّما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور النّاس مجتهدا

دارا ستنقض أيضا بعد أيّام

و صار كما قال ، فنقضت داره في أيام الراضي حتى سوّيت بالأرض(٢) .

« قال الرضي و يروى هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) لكن في ابن أبي الحديد « قال الرضي : و قد روي ما يناسب هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) و في ابن ميثم : « و نحو هذا الكلام قول الرسول : اتقوا الحرام في البنيان فإنّه أسباب الخراب »(٥) .

« و لا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب » أي : بئر واحدة ، قال أبو عبيد « قليب » البئر العادية القديمة .

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ١٠ : ٤٣٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ .

( ٣ ) النسخة المصرية المنقحة : ٧١٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٧٢ ٧٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٦٢ .

٥٤٣

« و مفرغهما » من فرغ الماء بالكسر ، أي : انصبّ « من ذنوب » بالفتح ، قال ابن السّكّيت : ذنوب ، دلو فيها ماء قريب من الملا تؤنث و تذكر(١) ، و لا يقال لها ذنوب و هي فارغة .

و في معنى قول المصنف قول البحتري :

عودهما من نبعة و ثراهما

من تربة و صفاهما من مقطع(٢)

٦١ الحكمة ( ٢٤١ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا كَثُرَتِ اَلْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ اَلشَّهْوَةُ عشق رجل جارية و كان يتحرّق في ذلك ، فقيل له : لم لا تشتريها فإنّها ليست كالحرّة عسرة المطلب ؟ قال : إنّي إن ملكتها تذهب شهوتها و في ذلك أجد لذّة .

٦٢ الحكمة ( ٢٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ اَلرَّحِمِ قال البحتري في إبراهيم بن الحسن بن سهل :

بنعمتكم يا آل سهل تسهّلت

عليّ نواحي دهري المتوعّر

شكرتكم حتى استكان عدوّكم

و من يول ما أوليتموني يشكر

____________________

( ١ ) اصلاح المنطق لابن السكيت : ١٦٤ .

( ٢ ) ديوان البحتري ٢ : ٢١٩ .

٥٤٤

ألست ابنكم دون البنين و أنتم

أحباء أهلي دون معن و بحتر(١)

و كانت خنساء إلى أخيها من أبيها صخر أعطف منها إلى أخيها من أبويها معاوية لكرم صخر إليها(٢) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : لم تزل خنساء تبكي صخرا حتى عميت و دخلت على عائشة و عليها صدار من شعر ، فقالت لها : ما هذا فو اللَّه لقد مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ألبس عليه صدارا قالت لها : إن له حديثا ، إنّ أبي زوّجني سيّدا من سادات قومي متلافا معطافا ، فأنفد ماله فقال لي : إلى أين يا خنساء ، فقلت :

إلى أخي صخر ، فأتيناه فقاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين ، فأقبل زوجي يعطي و يهب و يحمل حتى أنفده ثم قال لي : إلى أين يا خنساء ؟ قلت : إلى أخي صخر ، فأتيناه و قاسمنا ماله و أعطانا خير النصفين إلى الثالثة ، فقالت له امرأته : أما ترضى أن تقاسمهم مالك حتى تعطيهم خير النصفين فقال لها :

و اللَّه لا أمنحها شرارها

و لو هلكت قدّدت خمارها

و اتّخذت من شعرها صدارها

فذلك الّذي دعاني إلى لبس الصدار(٣) .

ثم كما أن الكرم أعطف من الرحم كذلك المودّة أعطف منها ، قال العتابي :

إنّي بلوت الناس في حالاتهم

و خبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا

و إذا المودة أقرب الأنساب(٤)

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ١ : ١٨٥ .

( ٢ ) أعلام النساء لعمر رضا كحالة : ٣٦٥ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٢٤ ١٢٥ .

( ٤ ) الأغاني للأصفهاني ١٧ : ١١٧ .

٥٤٥

٦٣ الحكمة ( ٢٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَ اِعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(١) ، و لفظ « في مالك » زائدة ، فليس في ابن أبي الحديد(٢) و ابن ميثم(٣) و النسخة الخطية(٤) ، و لا يحتاج المعنى إليه .

« و اعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في الثلاثة ( و اعمل في مالك ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك ) فبعد عدم وجود « في مالك » أوّلا كما عرفت ، لا بدّ من ذكره هنا ، يعني أن أغلب الأوصياء لا يعملون و يبدلون ، فإن كنت ناصح نفسك فكن أنت المتصدّي لنفسك .

و في ( سبب وقف غيبة الشيخ ) عن الحسين بن أحمد بن فضّال قال :

كنت أرى عند عمّي علي بن فضّال شيخا من أهل بغداد و كان يهازل عمي فقال له يوما : ليس شرّا منكم يا معشر الشيعة قال له : لم لعنك اللَّه ؟ قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السرّاج قال لي لمّا حضرته الوفاة : كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفرعليه‌السلام فدفعت ابنه عنها بعد موته و شهدت أنّه لم يمت ، فاللَّه اللَّه خلّصوني من النار و سلّموها إلى الرّضا قال :

____________________

( ١ ) النسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٩٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٥٦٣ رقم ( ٢٤٠ ) النسخة المنقحة مطابقة للنسخة المصرية : ٧١٣ رقم ( ٢٥٦ ) .

( ٤ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

( ٥ ) راجع المصدرين السابقين فهما متطابقين أيضا في التكملة .

٥٤٦

فو اللَّه ما أخرجنا حبة و لقد تركناه يصلى في نار جهنم(١) .

و كان السجادعليه‌السلام : كلّما مرض أوصى بوصية فإذا برى‏ء أجرىعليه‌السلام بنفسه ما أوصى به(٢) .

هذا ، و في كنز الكراجكي قال المفيد : دخل رجل صحيح على مريض فقال له : أوص فقال له : بم أوصي و انّما يرثني زوجتاك و اختاك و خالتاك و عمتاك و جدتاك .

و قال في شرح الكلام : إنّ ذاك المريض كان تزوج جدّتي ذاك الصحيح امّ أمّه و امّ أبيه ، فأولد كلّ واحدة منهما ابنتين فابنتاه من جدته امّ أمّه خالتا ذاك الصحيح و ابنتاه من جدّته امّ أبيه عمتا ذاك ، و تزوج الصحيح جدتي المريض و تزوج أبو المريض ام الصحيح فأولدها ابنتين ، و حينئذ فقد ترك المريض إذا مات أربع بنات هما عمتا الصحيح و خالتاه و ترك جدتيه زوجتي الصحيح و ترك زوجتيه جدتي الصحيح و ترك اختيه لأبيه و هما اختا الصحيح لامه ، فلبناته الثلثان و لزوجتيه الثمن و لجدتيه السدس و لاختيه لأبيه ما بقي .

و هذه القسمة على مذهب العامة دون الخاصة(٣) .

____________________

( ١ ) الغيبة للطوسي : ٦٦ و ٦٧ ، و نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ٤٨ : ٢٥٥ ح ٩ .

( ٢ ) ورد في وسائل الشيعة ٦ : ٣٨٥ في باب جواز رجوع الموصي في الوصية قال علي بن الحسين : لرجل ان يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه و يملك من كان أمر بعتقه و يعطي من كان حرمه ، و يحرم من كان اعطاء ما لم يمت ، لم نعثر على ما ذكر المؤلف في تراجم الإمام السجادعليه‌السلام .

( ٣ ) كنز الفوائد للكراجكي ١ : ١٠٢ ١٠٣ ، لم يورد العلاّمة التستري الأبيات الشعرية على لسان المريض و هي :

٥٤٧

اتيت الوليد ضحى عائدا

و قد خامر اللكب منه السقاما

فقلت له أوحي فيما تركت

فقال الا قد كفيت الكلاما

ففي عمتيك و في جدتيك

و في خالتيك تركت السواما

و زوجاك حقهما ثابت

و اختاك منه تجوز التماما

هنالك يا ابن أبي خالد

ظفرت بعشر حديث السهاما

٥٤٨

و في ( شعراء القتيبي ) : قيل للحطيئة حين احتضاره : أوص ، فقال : مالي للذكور من ولدي دون الإناث قالوا : فإنّ اللَّه لم يأمر بذلك قال : فإنّي آمر به .

قيل له : قل « لا إله إلاّ اللَّه » قال : ويل للشعر من راوية السوء قيل له : ألا توصي بشي‏ء للمساكين قال : أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنّها تجارة لن تبور قيل له : أعتق عبدك يسارا قال : هو مملوك ما بقي عبسي قيل له : فلان اليتيم ما توصي له بشي‏ء ؟ قال : أوصيكم أن تأخذوا ماله و تنيكوا امه قيل له : ليس إلاّ هذا قال : إحملوني على حمار فإنّه لم يمت عليه كريم لعلّي أنجو ، ثم قال :

لكلّ جديد لذّة غير أنّني

وجدت جديد الموت غير لذيذ

له خبطة في الحلق ليس بسكّر

و لا طعم راح يشتهى و نبيذ

و مات مكانه(١) .

٦٤ من غريب كلامه رقم ( ٢ ) و في حديثهعليه‌السلام :

هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ أقول : قال ابن أبي الحديد(٢) قال ابن ميثم(٣) : هذه الكلمة لصعصعة بن صوحان العبدي ، و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل عليعليه‌السلام يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان ، و كان صعصعة من أفصح الناس ذكر ذلك الجاحظ(٤) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١١٠ ١١١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧١ رقم « ٢ » .

( ٤ ) نقل الجاحظ في البيان و التبيين ١ : ٣٢٧ قول عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان لأشيم بن شقيق بن ثور : أنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت الخوارج ، ثم يقول الجاحظ : فما ظنك ببلاغة رجل عبيد اللَّه بن زياد

٥٤٩

قلت : بل قالعليه‌السلام هذه الكلمة ان صح كونها كلامهعليه‌السلام في شاب من قيس غير معروف ، ففي تاريخ الطبري بعد ذكره خبرا عن كليب الجرمي في أصحاب الجمل إلى أن قال قال كليب و نادىعليه‌السلام بعد ظفره : ألا لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تدخلوا الدور ثم بعث إليهم ان أخرجوا للبيعة ، فبايعهم على الرايات و قال : من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شي‏ء إلاّ قبض ، فانتهى إليه قوم من قيس شبان فخطب خطيبهم فقال عليعليه‌السلام :

أين امراؤكم ؟ فقال الخطيب : أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال عليعليه‌السلام أما ان هذا لهو الخطيب الشحشح .(١) .

و ممّا يشهد انّهعليه‌السلام قال ذلك في خطيب غير معروف الاسم ان الجاحظ قال في الجزء الثاني من بيانه : في حديث عليعليه‌السلام حين رأى فلانا يخطب قال هذا الخطيب الشحشح(٢) .

و قال ابن الأثير في نهايته : في حديث عليعليه‌السلام انّه رأى رجلا يخطب فقال « هذا الخطيب الشحشح » أي : الماهر الماضي في الكلام .(٣) .

و لو كانعليه‌السلام قال هذا الكلام في معروف مثل صعصعة لقالا : رأى صعصعة ، و ابن الأثير رأى كتب جميع من صنف في الغريب و ذكر هذا الحديث فيه فيعلم انّه لم يعينه أحد .

و أما ما قاله ابن أبي الحديد من قوله « ذكر ذلك الجاحظ » مشيرا إلى يضرب به المثل ، ثم قال : و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة ، الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري : كان في سيرة على أن لا يقتل مدبرا و لا يذفف على جريح و لا يكشف سترا و لا يأخذ مالا . إلى آخره ٣ : ٢٢٣ ، و ذكر في ٣ : ٢٢٢ قول الإمام عليعليه‌السلام أن من عرف شيئا فليأخذه الاّ سلاحا . إلى آخره أما بقية ما أورده العلاّمة التستري فهو زيادة على النصّ المذكور راجع الطبري ٣ : ٢٢٢ ٢٢٣ .

( ٢ ) لم يوجد في الهوامش يراجع : ٢٦٧ في الأصل .

( ٣ ) نهاية ابن الأثير ٢ : ٤٤٩ .

٥٥٠

جميع ما قاله(١) ، فإنّما يصح منه ان الجاحظ قال : ان صعصعة كان من أفصح الناس و كفاه فخرا ان يكون مثل عليعليه‌السلام يثنى عليه بالمهارة ، دون كون الجاحظ قال إنّهعليه‌السلام قال تلك الكلمة لصعصعة ، و هذا نص الجاحظ في بيانه في الجزء الأول : قال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان : ما أنت قائل لربّك و قد حملت رأس مصعب إلى عبد الملك ؟ قال : اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة إذا تكلمت الخوارج ، فما ظنّك ببلاغة رجل مثل عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان يضرب به المثل(٢) ، و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة في الخطب ، و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له .

فترى الجاحظ إنّما قال : إن قاتل مصعب ضرب المثل بخطيبية صعصعة ثم قال أولى من كلّ دلالة على خطيبية صعصعة استنطاقهعليه‌السلام له لا أنّهعليه‌السلام قال فيه « هو خطيب شحشح » ، و قد روى قول قاتل مصعب ( الأغاني ) أيضا فقال : قال رجل لعبيد اللَّه : بما ذا تحتجّ عند ربك من قتلك لمصعب فقال :

ان تركت أحتجّ رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان(٣) .

ثم الظاهر أصحية رواية ( الأغاني ) أن يكون قاتل مصعب قال : أنا أخطب من صعصعة ، من رواية البيان : أنت أخطب من صعصعة ، بشهادة السياق .

ثم الظاهر أن مراد الجاحظ من قوله : « و أولى من كلّ دلالة استنطاق عليعليه‌السلام له » ما رواه ( المروج ) أنّهعليه‌السلام بعد الجمل قال لصعصعة و نفرين

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٦ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ١ : ٣٢٧ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥١

آخرين معه : أشيروا عليّ في أمر معاوية فقال صعصعة : الرأي أن ترسل إليه عينا من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك ، فإن أجاب و إلاّ جاهدته فقال عليعليه‌السلام : عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك و توجّهت به إلى معاوية و اجعل صدر الكتاب تحذيرا و تخويفا و عجزه استتابة و استنابة إلى أن قال ثم اكتب ما أشرت به عليّ و اجعل عنوان الكتاب( ألا إلى اللَّه تصير الاُمور ) (١) قال : اعفني من ذلك قال : عزمت عليك لتفعلن قال : أفعل ، فخرج بالكتاب إلى أن قال فقال معاوية لشي‏ء ما سوّده قومه ، وددت و اللَّه أنّي من صلبه ثم التفت إلى بني اميّة فقال هكذا فلتكن الرجال(٢) .

و بالجملة لا ريب في أنّ هذا الكلام إنّما قالهعليه‌السلام إن ثبت صحّة نسبته إليهعليه‌السلام في خطيب من أعدائه من أصحاب الجمل كما عرفت ، كما لا ريب في أنّ الجاحظ إنّما قال بتقديم صعصعة في الخطب لضرب المثل به و لأنّهعليه‌السلام استنطقه و استكتبه دون أن يقول : إنّهعليه‌السلام قال ذلك الكلام فيه .

و ممّا يشهد لمسلّميّة مقام صعصعة في الخطابة ما في ( الطبري ) في قصة خروج المستورد الخارجي على المغيرة أيام امارته على الكوفة من قبل معاوية و تعيين المغيرة أوّلا معقل بن قيس من الشيعة لحربه قال مرّة بن منقذ فقال صعصعة بعد معقل و قال : إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا و اللَّه لدمائهم مستحل و بحملها مستقل فقال المغيرة : إجلس فإنّما أنت خطيب فكان أحفظه ذلك و إنّما قال المغيرة ذلك لأنّه بلغه أن صعصعة يعيب عثمان و يكثر ذكر عليعليه‌السلام و يفضّله و قد كان دعاه و قال له : إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب

____________________

( ١ ) الشورى : ٥٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٨ .

٥٥٢

عثمان عند أحد من الناس ، و إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به و نذكر الشي‏ء الذي لا نجد بدا منه ندفع هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة ، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرّا ، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا فيه .

فكان صعصعة يقول : نعم افعل ، ثم يبلغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه ، فلمّا قام إليه و قال له : إبعثني إليهم ، و جد المغيرة قد حقد عليه خلافه إيّاه ، فقال له ما قال « إجلس ، فإنّما أنت خطيب » فقال له صعصعة : أو ما أنا إلاّ خطيب ، أجل و اللَّه أنا الخطيب الصليب الرئيس ، أما و اللَّه لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلف القنا فشؤن تفرى و هامة تختلى لعلمت أنّي أنا اللّيث الهزبر فقال له المغيرة : حسبك الآن ، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا(١) .

و في ( ديوان معاني العسكري ) : تكلّم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه ، فحسده عمرو بن العاص فقال : هذا بالتمر أبصر منه بالكلام فقال صعصعة ، أجل أجوده ما دق نواه و رق سحاؤه و عظم لحاؤه و الريح تنفجه و الشمس تنضجه و البرد يدمجه ، و لكنك يابن العاص لا تمرا تصف و لا الخير تعرف بل تحسد فتقرف(٢) فقال معاوية لعمرو : رغما لك فقال عمرو :

و أضعاف الرغم لك و ما بي إلاّ بعض ما بك(٣) .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال عبد الملك في عبد القيس : أشد الناس

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٢ ) أي تقذف .

( ٣ ) ديوان المعاني للعسكري ٢ : ٤١ .

٥٥٣

و أسخى الناس و أطوع الناس في قومه و أحلم الناس و أحضرهم جوابا و أخطب الناس ، أمّا أحضرهم جوابا فصعصعة .(١) .

و فيه دخل صعصعة على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره فقال له : وسع له على ترابيّة فيه فقال صعصعة : إني و اللَّه لترابي ، منه خلقت و إليه أعود و منه ابعث ، و إنّك لمارج من نار فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال ، فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى يختمر في صدري ثم أذهب و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و ان أفضل المال لبرة سمراء في برية غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال : حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا(٢) .

و في ( المروج ) : حبس معاوية صعصعة و ابن الكوّاء و رجالا من أصحاب عليعليه‌السلام مع رجال من قريش ، فدخل عليهم يوما فقال : نشدتكم باللَّه إلاّ ما قلتم حقّا و صدقا ، أيّ الخلفاء رأيتموني إلى أن قال فقال صعصعة :

تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت و لم تقصر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت ، أنّى يكون خليفة من ملك الناس قهرا و دانهم كبرا و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا ، أما و اللَّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى ، و ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل « لا حلّي و لا سيري » ، و لقد كنت و أبوك في العير و النفير ممّن أجلب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و إنّما أنت طليق ابن طليق أطلقكما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٣٦٧ ، أما أشد الناس فحكم بن جبل ، و أمّا أسخى الناس فعبد اللَّه بن سوار و أمّا أطوع الناس فالجارود بشر بن العلاء .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ١١٥ ( دار الكتب العلمية ) .

٥٥٤

و أنّى تصلح الخلافة لطليق(١) .

( و فيه ) قال معاوية يوما و عنده صعصعة و كان قدم عليه بكتاب عليعليه‌السلام و عنده وجوه الناس : الأرض للَّه و أنا خليفة اللَّه ، فما آخذ من مال اللَّه فهو لي و ما تركت منه كان جايزا لي فقال صعصعة :

تمنيّك نفسك ما لا يكون

جهلا معاوي لا تأثم

فقال معاوية : يا صعصعة تعلمت الكلام قال صعصعة : العلم بالتعلّم و من لا يعلم يجهل قال معاوية : ما أحوجك إلى أن اذيقك و بال أمرك قال : ليس ذلك بيدك ، ذاك بيد الذي لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها قال : و من يحول بيني و بينك ؟ قال : الذي يحول بين المرء و قلبه قال معاوية : إتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير قال صعصعة : إتّسع بطن من لا يشبع و دعا عليه من لا يجمع(٢) .

( و فيه ) إن معاوية قال لابن عباس : ميّز لي أصحاب عليّعليه‌السلام و ابدأ بآل صوحان فإنّهم مخاريق الكلام قال : أمّا صعصعة فعظيم الشأن عضب اللّسان قائد فرسان قاتل أقران ، يرتق ما فتق و يفتق ما رتق قليل النظير(٣) .

و يكفيه أنّ مثل ابن عباس مع مقامه في الخطابة و الأدب كان يسأله عن أمور كثيرة و يجيبه ، فقال له : أنت يا ابن صوحان باقر علم العرب و لمّا سأله عن السؤدد و المروة فأجابه و أنشده أبياتا في ذلك من مرّة بن ذهل بن شيبان قال ابن عباس : لو أنّ رجلا ضرب آباط الإبل مشرقا و مغربا لفائدة هذه الأبيات ما عنّقته(٤) .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٦ .

٥٥٥

هذا و في ( بيان الجاحظ ) ذكر عليعليه‌السلام أكتل(١) فقال : « الصبيح الفصيح »(٢) .

و في ( الاستيعاب ) : أكتل من شماخ ، نسبه ابن الكلبي إلى عوف بن عبد مناة بن طابخة ، و قال : كان عليعليه‌السلام إذا نظر إليه قال : من أحبّ أن ينظر إلى الصبيح الفصيح فلينظر إلى أكتل بن شماخ(٣) .

قال المصنف ( يريد : الماهر بالخطبة الماضي فيها ، و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح ) قلت : أو في طيران فيقال قطاة شحشح أي سريع الطيران .

( و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك ) .

قلت : و الفيروز آبادي ذكر للشحشح غير ما ذكر معاني اخر ، فقال :

الشحشح الفلاة الواسعة و السيّ‏ء الخلق و الشجاع و الغيور ، و من الغربان :

الكثير الصوت ، و من الأرض : ما لا تسيل إلاّ من مطر كثير و التي تسيل من أدنى مطر ضد ، و من الحمير : الخفيف ، و من القطا السريعة و الطويل(٤) .

٦٥ من غريب كلامه رقم ( ٣ ) و في حديثهعليه‌السلام :

إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً أقول : قال ابن أبي الحديد : هذه الكلمة قالهاعليه‌السلام حين وكّل عبد اللَّه بن

____________________

( ١ ) و هو أكتل بن شماخ بن زيد بن شداد العكلي ، شهد الجسر مع أبي عبيدة ، و أسر يومئذ و ضرب عنقه ، و شهد القادسية ، الإصابة في تمييز الصحابة ١ : ٤٨١ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ١٧٢ .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البرّ ١ : ٤٣ ، الترجمة رقم ( ١٥٨ ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ٢٣٠ .

٥٥٦

جعفر في الخصومة عنه(١) .

و قال ابن ميثم : يروى أنّهعليه‌السلام وكّل أخاه في خصومة و قال : إن لها تقحّما و إنّ الشيطان يحضرها(٢) .

و في ( المستجاد ) دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه ، فقام رجل فقال للمنصور : مظلوم قال : من ظلمك قال عمارة :

غصبني ضيعتي فقال المنصور : قم يا عمارة فاقعد مع خصمك فقال : ما هو لي بخصم قال : و كيف ذلك ؟ قال : ان كانت الضيعة له فلست انازعه و ان كانت لي فهي له ، و لا أقوم من مجلس قد شرّفني به الخليفة أمير المؤمنين و أقعد في أدنى منه بسبب ضيعة(٣) .

قال المصنف : ( يريد بالقحم المهالك لأنّها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر ) في ( النهاية ) : اقتحم الأمر العظيم و تقحّمه ، إذا رمى نفسه فيه من غير رويّة ، و القحمة الورطة و الهلكه ، و منه حديث عليعليه‌السلام « ان للخصومة قحما »(٤) .

« و من ذلك قحمة الاعراب و هو ان تصيبهم السنة » أي : سنة القحط .

« فتتعرق أموالهم » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٥) و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٦) و ابن ميثم(٧) ( فتتقرف أموالهم ) .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣٧٢ .

( ٣ ) المستجاد للتنوخي : ١٩٣ ١٩٤ .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ١ : ١٨ .

( ٥ ) النسخة المصرية : ٧١٥ شرح محمّد عبده .

( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٠٧ بلفظ « فتتفرق » .

( ٧ ) نسخة ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية ٥ : ٣٧٢ .

٥٥٧

« فذلك تقحمها » أي : تقحّم السنة .

« فيهم » أي : في الاعراب .

« و قيل فيه » أي : في قول قحمة الاعراب .

« وجه آخر و هو أنّها تقحمهم » أي : تدخلهم .

« بلاد الريف » أي : الخصب .

« أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو » أي : قحط البادية .

قلت : و يشهد لكونه هو الوجه قولهم : « أقحمت السنة نابغة بني جعدة » أي : أخرجته من البادية و أدخلته الحضر .

٦٦ الحكمة ( ٢٩٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ بَالَغَ فِي اَلْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اَللَّهَ مَنْ خَاصَمَ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا مثل قولهعليه‌السلام في موضع آخر : « الغالب بالشرّ مغلوب »(١) و كان يقال : ما تسابّ اثنان إلاّ غلب ألامهما(٢) .

قلت : و أين ما ذكره ممّا قالهعليه‌السلام و إنّما كلامه هنا مثل قوله قبل : « إنّ للخصومة قحما » ، و كأنّ هذا تفصيل لإجمال ذاك ، و المراد بالخصومات التي ترفع إلى القضاة لا التسابّ الخارجي و يصير الرجل في خصومات القضاة موهونا اضافة إلى ما ذكره ، و لذا كان بعض الشرفاء يتركون حقّهم مع كون ادعائهم حقّا و يخسرون مع كون الادعاء باطلا حتى يخلصوا من الخصومة .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٤ ، و هو من الكلمات القصار .

( ٢ ) المصدر نفسه .

٥٥٨

٦٧ الحكمة ( ٢٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ كَلاَمَ اَلْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً أي : إن صواب كلامهم دواء لباقي الناس من أمراضهم الباطنية ، كما أنّ خطأ كلامهم يولّد فيهم أمراضا حادثة ، فإنّ عامة الناس ينظرون إلى القائل و ليسوا هم أهل التمييز .

و مثل قول الحكماء علم العلماء ، فإنّه إذا كان مقرونا بالعمل يكون دواء و إذا كان عاريا عنه كان داء(١) .

و في ( الكافي ) قال عيسىعليه‌السلام للحواريين : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل(٢) ، و قالت الحواريون لعيسىعليه‌السلام : من نجالس ؟ قال : من يذكّركم اللَّه رؤيته و يزيدكم في علمكم منطقه ، و يرغّبكم في الآخرة عمله(٣) .

و أوحى اللَّه تعالى إلى داودعليه‌السلام : لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبتي ، فإنّ اولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم(٤) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدّنيا باتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ١٩ : ٢٠٤ ما يشابه ذلك .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٩ ح ٣ و هو عن أبي عبد اللَّه عن الرسول صلّى اللَّه عليه و آله .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ٤ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦ ح ١ .

٥٥٩

و عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا(١) .

٦٨ الحكمة ( ٢٩٦ ) وَ قَالَ ع لِرَجُلٍ يَسْعَى

 عَلَى عَدُوٍّ لَهُ بِمَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ أقول : الظاهر أنّ الأصل في هذا الكلام ما رواه الطبري عن سيف باسناده : أنّ الناس كانوا في الوليد فرقتين : العامة معه و الخاصة عليه ، حتى كانت صفّين فولّى معاوية فجعلوا يقولون : عيب عثمان بالباطل ، فقال لهم علي : إنّكم و ما تعيّرون به عثمان كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه ، و ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقوله و عزله عن عمله ، و ما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا(٢) .

و الخبر كما ترى محرّف لا يفهم منه محصل ، ثم جميع ما يرويه الطبري عن سيف أمور منكرة خلاف ما يرويه الخاصة و العامّة(٣) ، و منها هذا الخبر فإنّ ضرب عثمان الوليد بن عقبة أخاه الرضاعي لمّا شكا أهل الكوفة صلاته بهم سكران و صلاته بهم الصبح أربعا و تغنّيه في الصّلاة إنّما كان بإجبار أمير المؤمنينعليه‌السلام له ، و كيف يعقل أن يعيب أحد عثمان بضربه الحدّ حتى ينكرعليه‌السلام ذلك ، و إنّما عابوا عثمان بتوليته مثل الوليد و آبائه عن إجراء الحد عليه حتى أنّبهعليه‌السلام بتضييعه حد اللَّه ، و تصدّىعليه‌السلام لضربه رغما لعثمان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤ ح ٣ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٢ : ٦١٢ .

( ٣ ) للسيد مرتضى العسكري بحث مطولة في هذا المضمار راجع كتابه « عبد اللَّه بن سبأ » .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605