• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106358 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

الّذي ألفتموه ، و لتفهموا عنه مقالته و تفهموا خطابه و مراده ، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك ، و أنّ ما يقوله حقّ بل إنّما بعث بشرا ، و أظهر على يده المعجزات الّتي ليست في طبائع البشر الّذين قد علمتم ؟ فتعلمون بعجزكم عمّا جاءكم به أنّه معجزة ، و أنّ ذلك شهادة من اللّه بالصدق ، و لو ظهر لكم ملك و ظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلّكم أنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه حتّى يصير ذلك معجزا ، ألا ترى أنّ الطيور تطير ، و ليس ذلك منها بمعجز لأنّ لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، و لو أنّ آدميّا طار كطيرانها أكان ذلك معجزا إلى أن قال :

و أمّا قولك : . . . لن نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا ١ فإنّك اقترحت أشياء ، منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا ، و منها مالو جاءك به كان معه هلاكك ، و منها المحال الّذي لا يصحّ ، و لا يجوز كونه ، و منها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرّد .

فأمّا قولك : تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة هذه ، أرأيت لو فعلت هكذا أكنت من أجل هذا نبيّا ؟ قال : لا . قال : أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصّلتها و ذلّلتها و كسحتها و أجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال : بلى . قال : فكذلك لا يصير هذا حجّة لمحمّد لو فعله على نبوّته . فما هو إلاّ كقولك : لن نؤمن لك حتّى تقوم ، و تمشي على الأرض أو حتّى تأكل الطعام كما يأكل الناس .

و أمّا قولك : أو تكون لك جنّة من عنب فتأكل و تطعمنا ، و تفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، أو ليس لك و لأصحابك جنّات من نخيل ، و عنب بالطائف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٠ .

٤٦١

تأكلون و تطعمون منها ، و تفجّرون الأنهار خلالها تفجيرا ، أفصرتم أنبياء لهذا ؟ قال : لا . قال : و أمّا قولك : أو تسقط السماء . . . فإنّ في سقوط السماء عليكم هلاككم و موتكم ، و رسول ربّ العالمين أرحم من ذلك ، لا يهلك لكنّه يقيم حجج اللّه ، و ليس حججه على حسب اقتراح عباده ، لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح ، و ما لا يجوز منه من الفساد ، و قد يختلف اقتراحهم و يتضادّ حتّى يستحيل و قوعه ، و هل رأيت طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم ؟

و أمّا قولك : أو تأتي باللّه و الملائكة قبيلا ١ نقابلهم و نعاملهم ، فإنّ هذا من المحال الّذي لا خفاء به ، لأنّ ربّنا عزّ و جلّ ليس كالمخلوقين يجي‏ء ،

و يذهب ، و يتحرّك ، و يقابل شيئا حتّى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، و إنّما هذا الّذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع و لا تبصر ، و لا تغني عنكم شيئا . و قال له : أو ليس لك ضياع ، و جنان بالطائف ،

و عقار بمكّة ، و قوّام لك عليها ؟ قال : بلى . قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك و بين معامليك ؟ قال : بل بسفراء . قال : أرأيت لو قال لك معاملوك و أكرتك و خدمك لسفرائك : لا نصدّقكم في هذه السفارة إلاّ أن تأتونا بعبد اللّه بن أبي أميّة لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها ، كنت تسوّغهم هذا أو كان يجوز لهم عند ذلك ؟ قال : لا . قال : فما الّذي يجب على سفرائك ؟

أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلّ على صدقهم يجب عليهم أن يصدّقوهم ؟ قال : بلى . قال : أرأيت سفيرك لو عاد إليك ، و قال : قم معي فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي ، أليس يكون لك مخالفا ، و تقول له : إنّما أنت رسول لا مشير و آمر ؟ قال : بلى . قال : فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٢ .

٤٦٢

ما لا تسوّغ أكرتك و معامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟ و كيف أردت من رسول ربّ العالمين أن يستذمّ إلى ربّه بأن يأمر عليه ، و ينهى ، و أنت لا تسوّغ مثل هذا على رسولك و أكرتّك .

و أمّا قولك : أو يكون لك بيت من زخرف ١ أي : الذهب أما بلغك أنّ لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال : بلى . قال : أفصار بذلك نبيّا ؟ قال : لا . قال :

فكذلك لا يوجب لمحمّد لو كان له نبوّة .

و أمّا قولك : حتّى ترقى . . . فإنّك مقرّ بأنّك تعاند حجّة اللّه عليك ، فلا دواء لك إلاّ تأديبك على يد أوليائه البشر أو ملائكته الزبانية ، و قد أنزل تعالى عليّ حكمة جامعة لبطلان كلّ ما اقترحته ، فقال : قل يا محمّد : . . . سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشرا رسولا ٢ ما أبعد ربّي أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهّال بما يجوز و ما لا يجوز ، و هل كنت إلاّ بشرا لا تلزمني إلاّ إقامة حجّة اللّه التي أعطاني ، و ليس لي أن آمر على ربّي و لا أنهى ، و لا أشير ، فأكون كالرّسول الّذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه ، فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوا عليه إلى أن قال قيل : لأمير المؤمنين عليه السّلام : هل كان للنبيّ صلى اللّه عليه و آله آية مثل آية موسى عليه السّلام في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به ؟

فقال : أي و الّذي بعثه بالحقّ ، و ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمّد إلاّ و قد كان لمحمّد مثلها أو أفضل منها ٣ .

« و نحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه ، و أريتنا علمنا أنّك نبيّ و رسول ، و إن لم تفعل علمنا أنّك ساحر كذّاب . فقال صلى اللّه عليه و آله : و ما تسألون ؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتّى تقلع بعروقها و تقف بين يديك » و نظير اقتراحهم دعوة الشجرة الواردة في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٣ .

( ٢ ) الإسراء : ٩٣ .

( ٣ ) الاحتجاج للطبري : ٢٩ و تفسير العسكري : ٢٢٩ و النقل بتصرف يسير .

٤٦٣

هذه الخطبة اقتراحهم شقّ القمر الوارد في القرآن في قوله عزّ و جلّ : اقتربت الساعة و انشقّ القمر . و إنّ يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمرّ .

و كذّبوا اتّبعوا أهواءهم و كلّ أمر مستقرّ ١ قالوا : رواه ابن مسعود و ابن عبّاس و حذيفة ، و أنس ، و جبير بن مطعم و ابن عمر ٢ .

و روى القمي عن الصادق عليه السّلام قال : اجتمع أربعة عشر رجلا أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة من ذي الحجّة فقالوا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما من نبيّ إلاّ و له آية فما آيتك في ليلتك هذه ؟ فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما الّذي تريدون ؟ فقالوا : إن يكن لك عند ربّك قدر ، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين . فهبط جبرئيل و قال : يا محمّدا إنّ اللّه يقرئك السّلام و يقول لك : إنّي قد أمرت كلّ شي‏ء بطاعتك . فرفع رأسه ، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين ، فانقطع قطعتين ، فسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله شكرا للّه ، و سجد شيعتنا ، ثمّ رفع النبيّ صلى اللّه عليه و آله رأسه و رفعوا رؤوسهم ، ثمّ قالوا : يعود كما كان .

فعاد كما كان ، ثمّ قالوا : ينشق رأسه . فأمره فانشقّ ، فسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سجد شيعتنا ، فقالوا : يا محمّد حين يقدم سفّارنا من الشام و اليمن فنسألهم ما رأوا في هذه الليلة ، فإنّ يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنّه من ربّك ، و إن لم يروا مثل ما رأينا علمنا أنّه سحر سحرتنا به ، فأنزل تعالى : اقتربت الساعة . . . ٣ إلى آخر السورة ٤ .

« فقال صلى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير فإن فعل اللّه لكم » هكذا في ( المصرية )

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القمر : ١ ٣ .

( ٢ ) حديث شقّ القمر كثير الطرق جمع بعضها السيوطي في الدر المنثور ٦ : ١٣٢ ١٣٤ بثلاث و عشرين طريقا عن ابن مسعود و ثلاث عشرة طريقا عن ابن عباس و ست طرق عن حذيفة بن ايمان و اثنتي عشرة طريقا عن أنس بن مالك و سبع طرق عن جبير بن مطعم و ثماني طرق عن ابن عمر ، و في الباب عن علي و الصادق عليهما السّلام .

( ٣ ) القمر : ١ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ٣٤١ .

٤٦٤

و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ : « بكم » .

« ذلك أتؤمنون و تشهدون بالحقّ ؟ قالوا : نعم . قال : فإنّي سأريكم ما تطلبون ،

و إنّي لأعلم أنّكم لا تفيئون » أي : لا ترجعون .

« إلى خير » و لا تكون لكم عاقبة حسنى ، فيقتل منهم طائفة ، و يطرحون في بئر بدر ، و طائفة تبقى ، و تحزّب الأحزاب عليه كما يأتي .

هو من معجزاته الإخباريّة ، أخبرهم أنّهم مع إراءته صلى اللّه عليه و آله لهم البيّنات لا يذعنون للإيمان ، و يقاتلون معه ، و هي كثيرة يعقد لها باب بل يصنّف لها كتاب ، و منها قوله صلى اللّه عليه و آله لمّا قال لعمّه العبّاس بعد أسره : افد نفسك و ابني أخويك ، يعني : عقيلا و نوفلا ، فقال : ليس لي مال : أين المال الّذي وضعته عند أمرأتك أمّ الفضل حين خرجت ، و ليس معكما أحد ، ثمّ قلت لها : إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ، و لعبد اللّه كذا ؟ فقال : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما علم بهذا أحد غيرها ، و إنّي لأعلم أنّك رسول اللّه . ففدى نفسه بمائة أوقية و كل واحد بمائة أوقية ٢ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) : قالت عائشة : خطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله امرأة من كلب ،

فبعثني أنظر إليها ، فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا . فقال : بل رأيت بخدّها خالا ، اقشعرّ منه كلّ شعرة منك على حده . فقلت : ما دونك ستر ٣ .

و من تلك الأخبار أخبار قطعية سمّوها أعلام النبوّة ، منها قوله صلى اللّه عليه و آله في أمر الجمل لعايشة : « تنبحك كلاب الحوأب » ٤ ، و للزبير : « تقاتل عليّا و أنت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٥ و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٨ « لكم » أيضا .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٠٧ و غيره .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ .

( ٤ ) حديث كلاب الحوأب رواه أحمد في مسنده ٦ : ٩٧ ، و الحاكم في المستدرك عنه منتخب كنز العمال ٥ : ٤٤٠ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٤٧٥ سنة ٣٦ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٥٧ ، و الاسكافي في المعيار و الموازنة : ٥٥ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ٦٣ ، و الخوارزمي في المناقبه : ١١٤ و غيرهم بفرق بين الألفاظ .

٤٦٥

ظالم » ١ ، و في أمر صفين لعمّار : « تقتلك الفئة الباغية » ٢ .

و خبر عمّار صار سببا لتزلزل أهل الشام و لا سيما لذي الكلاع الحميري عن رؤسائهم ، لأنّه سمعه من عمرو بن العاص في أيّام عمر بن الخطاب ، فزجر معاوية عمرا لروايته الخبر ، فقال له عمرو : أنا يوم رويت الخبر أيّام عمر لم أعلم بحدوث صفين ، و أنّ عمارا يقاتلنا . فاضطرّ معاوية إلى خدعة أهل الشام لخفّة عقولهم بأن قال لهم : إنّما قتل عمّارا عليّ حيث جاء به إلى حربنا ، و قال لذي الكلاع حيث جدّ في ذلك ، و جمع بين عمرو و عمّار : إنّ عمّارا يرجع إلينا أخيرا فقتل ذو الكلاع قبل عمّار ، فسرّ معاوية بذلك كثيرا ،

و قال : لو كان ذو الكلاع حيّا ، و يقتل عمّار لأفسد عليّ كثير من أهل الشام ٣ .

ثمّ من الغريب في هذا الخبر أنّ قاتل عمار أبا الغادية أيضا رواه فقال :

سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإنّ الحقّ يومئذ لمع عمّار . رواه لكلثوم بن جبير فتعجّب كلثوم من قتله له مع نقله ما نقل . فقال كلثوم : ما رأيت شيخا أضلّ منه ، قتله لأنّه سمعه يقع في عثمان مع سماعه من النبيّ صلى اللّه عليه و آله ما سمع .

نقل ذلك ابن قتيبة في ( معارفه ) و ابن عبد البرّ في ( استيعابه )

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الطبري في تاريخه ٣ : ٥١٩ سنة ٣٦ ، و الحاكم في المستدرك عنه منتخب كنز العمال ٥ : ٤٤٠ ، و ابن راهويه بطريقين ، و ابن منيع ، و ابن أبي شيبة ، و أبو يعلى في مسانيدهم عنهم المطالب العالية ٤ : ٣٠١ ٣٠٣ ح ٤٤٦٨ ٤٤٧٦ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٧٢ ، و الخوارزمي في مناقبه : ١١٣ و غيرهم ، و أخرج نحوه في طلحة أبو سعيد الواعظ في شرف المصطفى عنه مناقب ابن شهر آشوب ١ : ١٠٩ ، و هو غريب .

( ٢ ) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة يحضرني منه أكثر من سبعين طريقا ، منه ما أخرجه بخمس طرق مسلم في صحيحه ٤ : ٢٢٣٥ ، ٢٢٣٦ ح ٧٠ ٧٣ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٦٦٩ ح ٣٨٠٠ ، و النسائي بثماني طرق في الخصائص : ١٣٢ ١٣٥ ، و الكشي في معرفة الرجال اختياره : ٣٠ ح ٥٧ .

( ٣ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ٣٤١ ، و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٩٣ .

٤٦٦

و غيرهما ١ .

و العجب من عجبهم من تناقض مذهبهم و ثباتهم فيه ، فانّ لازم كون عثمان إمامهم الثالث ، و عدم إباحة دمه مع اعتقاد جمهور المسلمين غير الأموية يوم قتله إباحته وجوب قتل عمّار لنسبته عثمان إلى اليهودية ،

و تحريضه على قتله ، و إن كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال ما قال .

ثمّ إنّ عايشة و الزبير و إن كان علما بالفطرة الإنسانية بطلان أمرهما ،

و حقّية أمير المؤمنين عليه السّلام و سمعا ما لا يحصى من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فيه عليه السّلام من المناقب ، إلاّ أنّه لم يكن لهما اعتقاد قلبي بكلام النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى رأيا هاتين الآيتين البينتين ، فتأثرا قهرا ، فأرادت عايشة الرجوع ، فمنعها ابن أختها ابن الزبير ، و رجع الزبير و لم يبال بتعنيفات ابنه ٢ .

« و إنّ فيكم من يطرح في القليب » أي : البئر ، و المراد بئر بدر ، قال أبو عبيد :

القليب : البئر العادية القديمة ٣ .

قال الجزري : لمّا ألقوا ( يوم بدر ) في القليب وقف عليهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : يا أهل القليب بئس عشيرة النبيّ كنتم لنبيّكم ، كذّبتموني و صدّقني الناس . ثمّ قال : يا عتبة ، يا شيبة ، يا أمية بن خلف ، يا أبا جهل بن هشام و عدّد من كان في القليب هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا ، فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقّا ؟ فقال له أصحابه : أتكلّم قوما موتى ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن قتيبة في المعارف : ٢٥٧ ، و ابن عبد البر في الاستيعاب ٤ : ١٥١ ، و ابن سعد في الطبقات ٣ ق ١ : ١٨٦ ، و أبو يعلى في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٣٠٦ ح ٤٤٨٥ و غيرهم .

( ٢ ) ندم الزبير مشهور ، نقله الطبري في تاريخه ٣ : ٥٢١ سنة ٣٦ و المفيد في الجمل : ٢٠٧ و كثير من أهل الآثار . و أما ندم عائشة و كلام ابن الزبير معها فأخرجه الطبري في تاريخه ٣ : ٤٧٥ سنة ٣٦ و المسعودي في مروج الذهب ٢ :

٣٥٧ ، و الاسكافي في المعيار و الموازنة : ٥٥ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ٦٣ ، و الخوارزمي في مناقبه : ١١٤ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٢٠٦ مادة ( قلب ) و نقله عن الأزهري الفيومي في المصباح المنير ٢ : ١٩٦ .

٤٦٧

منهم ، و لكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني ١ .

ثمّ إنّ ابن ميثم ٢ لعدم علمه بالتاريخ خبط فعدّ في من طرح في القليب منهم أميّة بن عبد شمس و الوليد بن المغيرة ، و تبعه الخوئي ٣ ، مع أنّ الأوّل إنّما هو جدّ أبي سفيان ، و لم يكن في ذاك الوقت أبوه حرب بن أميّة حيّا ، فضلا عن جدّه أميّة بن عبد شمس ، و إنّما كان في القتلى أمّية بن خلف الجمحي ، و لم يطرح في القتلى هو فانّه انتفخ في درعه ، فملأها ، فذهبوا به ليخرجوه فتقطع ،

و طرحوا عليه من التراب و الحجارة ما غيّبه ، و باقي القتلى السبعين طرحوا فيه ٤ ، و أمّا الثاني فلم يكن يوم بدر حيّا فإنّه مات بمكّة بعد ثلاثة أشهر من هجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله ٥ و بدر كانت في السنة الثانية من هجرته ، و كان من المستهزئين الّذين كفى اللّه تعالى شرّهم عن رسوله ، كما وعده في قوله : إنّا كفيناك المستهزئين ٦ .

قال الجزري : مرّ الوليد برجل من خزاعة يريش نبلا له فوطى‏ء على سهم منها فخدشه ثمّ أومأ جبرئيل عليه السّلام إلى ذلك الخدش بيده فانتقض و مات منه ،

فأوصى إلى بنيه أن يأخذوا ديته من خزاعة ، فأعطت خزاعة ديته ٧ .

« و من يحزّب الأحزاب » و المراد أبو سفيان . و قال ابن ميثم ٨ و تبعه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٢٩ سنة ٢ و تاريخ الطبري ٢ : ١٥٦ سنة ٢ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٢٠ .

( ٣ ) شرح الخوئي ٥ : ٣٣٠ .

( ٤ ) السيرة لابن هشام ٢ : ٢٠٤ ، و تاريخ الطبري ٢ : ١٥٥ سنة ٢ .

( ٥ ) نقله ابن الأثير الجزري في الكامل ٢ : ٧٢ .

( ٦ ) الحجر : ٩٥ .

( ٧ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٧٢ .

( ٨ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٢٠ .

٤٦٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الخوئي ١ : المراد ممّن يحزب الأحزاب أبو سفيان ، و عمرو بن عبدود ، و صفوان بن أمّية ، و عكرمة بن أبي جهل ، و سهيل بن عمرو ، مع أنّه ليس لصفوان ذكر في قائدي ذاك اليوم ، و لا في مبارزيهم ، و الباقون لم يكونوا من القائدين بل من المبارزين ، و لو كان المراد كلّ من بارز فلم لم يعدّ هبيرة المخزومي ، و مرداس الفهري ، و ضرارا ؟ و إنّما المحزّب المؤسس ، و لم يكن غير أبي سفيان ، قال ابن الزبعرى مفتخرا بأبي سفيان في الخندق :

جيش عيينة قاصد بلوائه

فيه و صخر قائد الأحزاب

و قال محمّد بن محمّد بن النعمان في ( إرشاده ) في سبب غزوة الأحزاب : أنّ جماعة من اليهود ، منهم : سلام بن أبي الحقيق النضيري ، و حيّ بن أخطب ، و كنانة بن الربيع ، و هوذة بن قيس الوابلي ، و أبو عمارة الوابلي في نفر من بني وابلة خرجوا حتّى قدموا مكّة فصاروا إلى أبي سفيان صخر بن حرب لعلمهم بعداوته للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و تسرّعه إلى قتاله ، فذكروا له ما نالهم منه ،

و سألوه المعونة لهم على قتاله . فقال لهم أبو سفيان : أنا لكم حيث تحبّون ،

فاخرجوا إلى قريش فادعوهم إلى أن قال : و خرجت قريش ، و قائدها إذ ذاك أبو سفيان صخر بن حرب ، و خرجت غطفان ، و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، و الحرث بن عوف في بني مرة ، و وبرة بن طريف في قومه من أشجع إلى أن قال : فانتدبت فوارس من قريش للبراز ، منهم : عمرو بن عبدودّ بن أبي قبيس بن عامر بن لؤي بن غالب ، و عكرمة بن أبي جهل ، و هبيرة بن أبي وهب المخزوميان . . . ٢ .

« ثمّ قال صلى اللّه عليه و آله : يا أيّتها الشجرة إن كنت تؤمنين باللّه و اليوم الآخر و تعلمين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ٥ : ٣٣٠ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٥٠ .

٤٦٩

أنّي رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن اللّه » و روى ( إثبات المسعودي ) حديثا له صلى اللّه عليه و آله آخر في خفض الشجرة له صلى اللّه عليه و آله حتّى لقط من ثمارها ما أراد ، فقال : كانت في دار أبي طالب نخلة منعوتة بكثرة الحمل موصوفة بالرقة و عذوبة الطعم ، شهيّة المضغ ، يعقب طعمها رائحة طيّبة عطرية كرائحة الزعفران المذاب بالعسل ، كثيرة اللّحا ، قليلة السّحا ، دقيقة النّوى . فكان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يأتي إليها كلّ غداة مع أتراب له ، منهم : أبو سفيان ابن الحرث بن عبد المطلب ابن عمه ، و أبو سلمة بن عبد الأسد ، و مشروح بن ثويبة ،

فيلتقطون ما يتساقط تحتها من ثمرها بهبوب الرياح و وقوع الطير و نقره ،

و كانت فاطمة بنت أسد لا ترى النبيّ صلى اللّه عليه و آله يسابق أترابه على البسر و البلح و الرطب في أوانه ، و كان الغلمة يبادرون لذلك و هو يمشي بينهم و عليه السكينة و الوقار بتواضع و ابتسام ، و يتعجّب من حرصهم و عجلتهم ، فكان إن وجد شيئا ساقطا بعدهم أخذه ، و إلاّ انصرف بوجه منبسط طلق و بشر حسن .

فكانت فاطمة تعجب من شدّة حيائه و طيب شأنه و رقّة قلبه و سرعة دمعته و كثرة رحمته ، فربّما جمعت له من ثمر النخلة قبل مجيئهم ، فإذا أقبل قدمته إليه ، فيحب أن يأكله معها . قالت فاطمة : و دخل عليّ أترابه يوما و أنا مضطجعة ، و لم أره معهم . فقلت : أين محمّد ؟ قالوا : مع عمّه أبي طالب و راءنا ،

فسكنت نفسي قليلا ، و لقط الغلمان ما كان تحت النخلة ، و جاء بعدهم محمّد صلى اللّه عليه و آله فلم يرتحتها شيئا ، فصار إليها و وقف تحتها و كانت باسقة فأومأ بيده إليها ، فانثنت بعراجينها حتّى كادت تلحق بثمارها الأرض ، فلقط منها ما أراد ، ثمّ رفع يده و أومأ إليها فرجعت ، و حسبني راقدة . قالت : و كنت مضطجعة . فلمّا رأيت ذلك استطير في روعي ، و لم أملك نفسي ، فأتيت أبا طالب فخلوت به ، فقلت له : كان من أمر محمّد كيت و كيت . فقال : مهلا يا فاطمة

٤٧٠

لا تذكري من هذا شيئا فإنّه حلم و أضغاث . فقلت : كلاّ و اللّه بل هو يقين في يقظة لا في نوم ١ .

« و الّذي » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فو الّذي ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها ، و جاءت و لها دويّ » في ( النهاية ) الدويّ :

صوت ليس بالعالي ، كصوت النحل و نحوه ٣ .

« شديد و قصف كقصف » أي : صوت كصوت .

« أجنحة الطير حتّى وقفت بين يدي » أي : قدّام .

« رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مرفوفة » قال الجوهري : رفرف الطائر : إذا حرّك جناحيه حول الشي‏ء يريد أن يقع عليه ٤ .

« و ألقت بغضنها الأعلى على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و بعض أغصانها على منكبي و كنت عن يمينه صلى اللّه عليه و آله » و كان ذلك شاهد إمامته عليه السّلام ، كما لنبوّته صلى اللّه عليه و آله ، و لمّا قال عليه السّلام : ما أحد من قريش جرت عليه المواسي إلاّ نزلت فيه آية . قيل له : فأيّ آية نزلت فيك ؟ قال : قوله تعالى : أفمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه . . . ٥ محمّد على بيّنة من ربّه ، و أنا شاهد منه تاليه ٦ .

و قد قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله له في المتواتر : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاثبات للمسعودي : ١١٤ .

( ٢ ) لا توجد ( الفاء ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٦ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٨ .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ١٤٣ مادة ( دوا ) .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٤ : ١٣٦٧ مادة ( رفرف ) .

( ٥ ) هود : ١٧ .

( ٦ ) أخرجه ابن أبي خاتم و ابن مردويه و أبو نعيم في المعرفة عنهم الدّر المنثور ٣ : ٣٢٤ ، و الفرات الكوفي في تفسيره : ٦٤ ، و العياشي في تفسيره ٢ : ١٤٢ ح ١٣ ، و الحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٢٨٠ ح ٣٨٤ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٣٨١ المجلس ١٣ ، و معناه روي كثيرا .

٤٧١

إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ١ . و قد حكى اللّه تعالى منازل هارون من موسى في قوله جلّ إسمه : هارون أخي . أشدد به أزري . و أشركه في أمري . كي نسبّحك كثيرا . و نذكرك كثيرا . إنّك كنت بنا بصيرا ٢ .

« فلمّا نظر القوم إلى ذلك » أي : مجي‏ء الشجرة إليه .

« قالوا علوّا و استكبارا » عن قبول الحقّ .

« فمرها فليأتك نصفها ، و يبقى نصفها » هكذا في النسخ ٣ ، و كأنّ فيها سقطا ، و أنّ الأصل : فمرها فلترجع إلى مكانها . فأمرها فرجعت ، فقالوا : فمرها فليأتك نصفها و يبقى نصفها . كما لا يخفى .

« فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال ، و أشدّه دوّيا » و صوتا ٤ .

« فقالوا كفرا و عتوا فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه » في مكانه الأوّل .

« كما كان » منضما بنصفه الآخر .

« فأمره صلى اللّه عليه و آله فرجع » كما كان ، و روى الجزري في ( كامله ) و في ( أسده ) ،

و البلاذري في ( أنسابه ) ، و الكراجكي في ( كنزه ) ٥ حديث الشجرة بطريق آخر أخصر ، و الظاهر كونه قضيّة أخرى ، قال الأوّل في ( كامله ) : و من المستهزئين بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، كان شديد العداوة ، لقي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال : يابن أخي ، بلغني عنك أمر ، و لست بكذاب ، فان صرعتني ،

علمت أنّك صادق ولم يكن يصرعه أحد فصرعه النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثلاث مرّات و دعاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى الإسلام ، فقال : لا أسلم حتّى تدعو هذه الشجرة . فقال لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا الحديث المتواتر المعروف بحديث المنزلة مرّ تخريجه في العنوان ١٣ من هذا الفصل .

( ٢ ) طه : ٣٠ ٣٥ .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ١٥٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٦ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٨ .

( ٤ ) أسقط الشارح هنا شرح فقرة « فكادت تلتّف برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » .

( ٥ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٥ ، و أسد الغابة ٢ : ١٨٨ ، و أنساب الأشراف الأشراف ١ : ١٥٥ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ٩٤ .

٤٧٢

النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أقبلي ، فأقبلت تخدّ الأرض . فقال ركانة : ما رأيت سحرا أعظم من هذا ، مرها فلترجع فأمرها ، فعادت ، فقال : هذا سحر عظيم ١ .

و رواه البلاذري ، و الكراجكي مثله ، و زادا : فذهب ركانة إلى قوله فقال :

يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فو اللّه ما رأيت أسحر منه قط . ثمّ أخبرهم بالّذي رأى و الّذي صنع ٢ .

و قال في ( أسده ) : إنّ ركانة طلب من النبيّ صلى اللّه عليه و آله أن يريه آية ليسلم ،

و قريب منهما شجرة ذات فروع و أغصان ، فأشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال لها :

أقبلي بإذن اللّه . فإنشقت باثنتين ، فأقبلت على نصف شقّها و قضبانها حتّى كانت بين يديّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال له ركانة : أريتني عظيما ، فمرها فلترجع . فأخذ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله العهد لئن أمرها فرجعت ليسلمن . فأمرها ، فرجعت حتّى التأمت مع شقّها الآخر ، فلم يسلم ثمّ أسلم بعد . قال : و كان يقال لأبيه عبد يزيد :

المحض لا قذى فيه لأنّ أمّه الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف ، و أباه هاشم بن المطلب ٣ .

و لعترته عليهم السّلام أحاديث في الشجرة قريبة من حديثه صلى اللّه عليه و آله ، منها ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ ابن إبراهيم بن هاشم القمّي ، عن أبيه ، عن محمّد بن فلان الواقفي ، قال : كان لي إبن عمّ يقال له : الحسن بن عبد اللّه ، كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه ، و كان يتّقيه السلطان لجدّه في الدين و اجتهاده ، و ربّما استقبل السلطان بكلام صعب يعظه ، و يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر ، و كان السلطان يحتمله لصلاحه ، و لم تزل هذه حالته حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٥ .

( ٢ ) أنساب الأشراف ١ : ١٥٥ ، و كنز الفوائد : ٩٤ .

( ٣ ) أسد الغابة ٢ : ١٨٧ ، ١٨٨ .

٤٧٣

كان يوم من الأيّام ، إذ دخل عليه أبو الحسن موسى عليه السّلام و هو في المسجد ،

فرآه فأومأ إليه ، فأتاه ، فقال له : يا أبا عليّ ما أحبّ إليّ ما أنت فيه و أسرّني إلاّ أنّه ليست لك معرفة ، فاطلب المعرفة . قال : جعلت فداك ، و ما المعرفة ؟ قال : اذهب فتفقّه ، و اطلب الحديث . قال : عمّن ؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث . قال : فذهب فكتب ، ثمّ جاءه فقرأه عليه فأسقطه كلّه ، ثمّ قال له : اذهب فاعرف المعرفة . و كان الرجل معيّنا بدينه ، فلم يزل يترصّد أبا الحسن عليه السّلام حتّى خرج إلى ضيعة له فلقيه في الطريق ، فقال له : جعلت فداك إنّي أحتجّ عليك بين يدي اللّه فدلّني على المعرفة . فأخبره بأمر أمير المؤمنين عليه السّلام و ما كان بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخبره بأمر الرجلين ، فقبل منه ثم قال له : فمن كان بعد أمير المؤمنين عليه السّلام ؟ قال : الحسن عليه السّلام ثمّ الحسين عليه السّلام حتّى انتهى إلى نفسه ، ثمّ سكت . قال : فقال له : جعلت فداك فمن هو اليوم ؟ قال : إن أخبرتك تقبل . قال : بلى جعلت فداك . قال : أنا هو . قال : فشي‏ء استدلّ به . قال : اذهب إلى تلك الشجرة و أشار بيده إلى أم غيلان فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي . قال :

فأتيتها فرأيتها و اللّه تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه . ثمّ أشار إليها ،

فرجعت . قال : فأقرّ به عليه السّلام ثمّ لزم الصمت و العبادة . فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك ١ .

و روي مسندا عن الصادق عليه السّلام : أنّ الحسن عليه السّلام خرج في بعض عمره ،

و معه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته ، فنزلوا في منهل من تلك المناهل تحت نخل يابس قد يبس من العطش ، ففرش للحسن عليه السّلام تحت نخلة ، و فرش

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٥٢ ح ٧ و البصائر للصفار : ٢٧٤ ح ٦ ، و الإرشاد للمفيد : ٢٩٢ ، و اعلام الورى للطبرسي : ٣٠١ ، و رواية الأخيرين من طريق الكليني لكن اسناد الكليني علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد عن محمّد بن فلان الواقفي ، و محمّد الذي يروي إبراهيم عنه هو ابن أبي عمير . و روى الكليني الحديث من طريق آخر . قال محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن هاشم مثله .

٤٧٤

للزبيري بحذاه تحت نخلة أخرى . قال : فقال الزبيري ، و رفع رأسه : لو كان في هذه النخل رطب لأكلنا منه . فقال له الحسن عليه السّلام : و إنّك لتشتهي الرطب . فقال الزبيري : نعم . قال : فرفع عليه السّلام يده إلى السماء ، فدعا بكلام لم يفهمه ، فاخضرّت النخلة ثمّ صارت إلى حالها فأورقت و حملت رطبا . فقال الجمّال الّذي اكتروا منه : سحر و اللّه . قال : فقال الحسن عليه السّلام : و يلك ليس بسحر ، و لكن دعوة ابن نبي مستجابة . قال : فصعدوا إلى النخلة فصرموا ما كان فيه فكفاهم ١ .

و روى مسندا عن أبي هاشم الجعفري قال : صلّيت مع أبي جعفر الجواد عليه السّلام في مسجد المسيّب ، و صلّى بنا في موضع القبلة سواء ، و ذكر أنّ السدرة الّتي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق ، فدعا بماء ، و تهيأ تحت السدرة ، فعاشت السدرة و أورقت و حملت من عامها ٢ .

« فقلت أنا : لا إله إلاّ اللّه فانّي أوّل مؤمن بك يا رسول اللّه ، و أوّل من أقرّ بأنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تعالى تصديقا بنبوّتك » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( لنبوّتك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة ) ٣ .

« و إجلالا لكلمتك » يا أيّتها الشجرة ، إن كنت تؤمنين باللّه و اليوم الآخر فتعلمين أنّي رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يدي بإذن اللّه .

« فقال القوم كلّهم : بل ساحر كذّاب عجيب السحر خفيف فيه » يأتي بالسحر سريعا ، قال الكراجكي في ( كنزه ) : اعلم أنّ المتمحّلين من الكفّار في إبطال نبوّة نبيّنا قد أدّاهم الحرص في الإنكار إلى وجوب الإذعان و الإقرار ، و ساقهم الجبر و القضاء إلى لزوم التسليم و الرضا ، فلا خلاص لهم من ثبوت الحجّة عليهم ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦٢ ح ٤ ، و الصفار في البصائر : ٢٧٦ ح ١٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٩٧ ح ١٠ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٣٩٦ .

( ٣ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٦ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٩ « بنبوتك » أيضا .

٤٧٥

و هم راغمون ، و لا محيص لهم من وجوب تصديقه و هم صاغرون ، و ذلك أنّهم لم يجدوا طريقا يسلكون في إنكار حقّه من النبوّة ، و الدفع لما أتى به من الرسالة إلاّ بأن أقرّوا له ببلوغه من كلّ درجة في الفضل منيفة ، و مرتبة في الكمال و العقل شريفة ، ما قد قصّر عنه جميع خلق اللّه ، و بدون ذلك تجب له الرياسة ، و التقدّم على الكافّة ، و لا يجوز أن تتوجّه التهمة لمنافاتها لما أقرّوا به في موجب العقل و الحكمة . و بيان ذلك : أنّهم إذا سمعوا القرآن الوارد على يده الّذي قد جعله علما على صدقه ، و رأوا قصور العرب عن معارضته و عجزهم من الإتيان بمثله ، قالوا : إنّه كان قد فاق جميع البلغاء في البلاغة ، و زاد على سائر الفصحاء في قصّر عن مساواته في ذلك الناس كافّة ، ففضّلوه بهذا على الخلق أجمعين و قدّموه على العالمين .

و إذا تأمّلوا ما في القرآن من أخبار الماضين ، و أعاجيب السالفين ، و ذكر شرائع الأنبياء المتقدّمين ، قالوا : قد كان أعرف الناس بأخبار الناس ، و أعلمهم بجميع ما حدث ، و كان في سالف الأزمان قد أحاط بنبأ الغابرين ، و حفظ جميع علوم الماضين . ففضّلوه بهذه الرتبة على الخلق أجمعين .

و إذا رأوا ما تضمّنه القرآن من عجيب الفقه و الدين ، و بديع عبادات المكلّفين ، و ترتيب الفرائض و انتظامها ، و حدود الشريعة و أحكامها ، قالوا : قد كان أحكم أهل زمانه ، و أفضلهم و أبصرهم بأنواع الحكمة ، و أعملهم ، و لم يكن خلق في ذلك يساويه ، و لا بشر يدانيه . ففضّلوه بذلك أيضا على الخلق أجمعين ، و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

و إذا علموا ما في القرآن من الأخبار بالغائبات و تقديم الأعلام بمستقبل الكائنات و سمعوا ما تواترت به الأخبار من إنبائه لكثير من الناس بما في نفوسهم و إظهاره في الأوقات لمغيّب مستورهم ، قالوا : قد كان أعرف الناس

٤٧٦

بأحكام النجوم ، و أبصرهم بما تدلّ عليه في مستأنف الأمور ، و إن لم يظهر معرفته بها لأمّته و نهاهم عن الاطلاع فيها لينتظم له حال نبوّته ، و إنّه كان معوّلا عليها ، مستندا في أموره إليها و قوله لا يخرم ، و إخباره بالشي‏ء لا يختلف ، يعلم الحوادث و الضمائر ، و يطّلع على الخبايا و السرائر ، و لا تخفى عنه أوقات المساعد و المناحس ، و لم يكن أحد يعثّره في ذلك ، ففضّلوه بهذا على الخلق أجمعين ، و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

فإذا قيل لهم : ما تقولون في المأثور من معجزاته ، و المنقول من آياته الخارقة للعادة الّتي أقام بها الحجّة ؟ قال المسلمون منهم لذلك ، المتعاطون لإخراج معناه : كان أعرف الناس بخواصّ الموجودات و أسرار الطبائع ، الحيوان و الحوادث ، فينظهر من ذلك للناس ما يتحيّر له من رآه لقصوره عن إدراك سببه و معناه ، ففضّلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين ، و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

و قد سمعنا في بعض الأحاديث : أنّ أحد السحرة قال لموسى عليه السّلام : إنّ هذه العصا من طبعها أن تسعى إذا ألقيت ، و تتشكل حيوانا إذا رميت خاصية لها بسبب فيها . فقال له موسى عليه السّلام : فخذها أنت وارمها ، فأخذها الساحر ، و رماها ، فما تغيّرت عن حالها ، فأخذها موسى و رماها ، فصارت حيّة تسعى .

فقال الساحر : ليس في العصا سرّ و إنّما السرّ في من ألقاها ، آمنت بإله موسى .

أفترى ، لو أخذ أحد من المشركين الحصى الّذي سبّح في كفّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله فتركه في يده أكان يسبّح أيضا فيها ؟ أترى أحدهم لو أشار بيده إلى الشجرة الّتي أشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأتت لكانت تأتيه أيضا إذا أومأ إليها ؟

و إنّ هذه الأشياء تفعل بالطبع كما يفعل حجر المغناطيس في الحديد الجذب ،

كلاّ ما يتصوّر هذا عاقل .

٤٧٧

و إذا نظروا إلى حسن تمام أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و انتظام مراده الّذي قصده ،

و أنّه نشأ بين قوم يتجاذبون العزّ و المنعة ، و يتنافسون في التقدمة و الرفعة ،

و يأنفون من العار و الشنعة ، و لا يعطون لأحد إمرة و طاعة ، فلم يزل بهم حتّى قادهم إلى أمره و ساقهم إلى طاعته ، و استعبدهم بما لم يكونوا عرفوه ،

و أمرهم بهجران ما ألفوه ، إلى أن صاروا يبذلون أنفسهم دون نفسه و يسلّمون لقوله ، و يأتمرون لأمره من غير أن كان له ملك خافوه ، و لا مال أمّلوه ، ففتح بهم البلاد ، و أذعن له ملوك العباد ، و نفذ أمره في الأنفس و الأموال ،

و الحائل و الأولاد .

قالوا : إنّما تمّ له ذلك لأنّه فاق العالمين بكمال عقله ، و حسن تدبيره و رأيه ، و لم يكن ذلك في أحد غيره ، ففضّلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين ،

و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

و إذا سمعوا المشتهر من عدله و نصفته ، و حسن سيرته في أمّته و رعيّته ، و أنّه لا يكلّف أحدا شيئا في ماله ، و إذا حصلت المغانم فرّقها في أمّته ،

و قنع من عيشه بدون كفايته ، هذا مع سخاوته و كرمه ، و إيثاره على نفسه ،

و وفائه بوعده ، و صدق لهجته ، و اشتهاره منذكان بأمانته ، و شريف طريقته ،

و حسن عفوه و مسامحته ، و جميل صبره و حلمه ، قالوا : كان أزهد الناس ،

و أعلاهم قدرا في العدل و الإنصاف ، و لا طريق إلى انكار إحاطته بالفضائل الكرام ، و المناقب التوام ، ففضّلوه في جميع هذه الأمور على الخلق أجمعين ،

و أوجبوا له التقدم على العالمين .

فإذا قيل لهم : فهذه العلوم العظيمة متى أدركها ، و في أيّ زمان جمعها و تلقّطها ، و أيّ قلب يعيها و يحفظها ، و هل رئي بشر قط يحيط بجميع الفضائل ،

و يتقدّم العالمين كافة في سائر المناقب ، و يكون أوحد الخلق في كمال العقل

٤٧٨

و التميز ، و ثاقب الرأي و التدبير مع نزاهة النفس و جلالتها ، و شرفها و زهدها ،

و فضلها و جودها و بذلها ؟ قالوا : كانت له سعادات فلكية ، و عطايا نجومية ،

فأفاق بها على جميع البريّة . قيل لهم : فمن كان بهذا الوصف العظيم ، و المحلّ الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته ، و بمن يقتدى أفضل منه ، و متى يكون مصيبا في الانصراف عنه ، بل كيف لا يرضى بعقل أعقل الناس ، و يأخذ العلم من أعلم الناس ، و يقتبس الحكمة من أحكم الناس ؟ و ما الفرق بينكم في قولكم : إنّ هذه العطايا التي حصلت له إنّما كانت فلكية و نجومية و بيننا إذ قلنا : إلهية ربّانيتة ؟ و بعد فكيف يستجيز من يكون بهذا العقل الكامل ، و الفضل الشامل ، و الورع الظاهر ، و الزهد البارع ، و الشرف العريق ، و اللسان الصدوق أن يكذب على خالق السماوات و الأرضين ، فيقول للناس : أنا رسول ربّ العالمين ، و يدّعي هذا المقام الجليل ، و يكون الأمر بخلاف ما يقول ؟ و كيف تلائم صفاته التي سلّمتموها لهذه الحال التي ادّعيتموها ؟ فدعوا المناقضة و المكابرة ، و اثبتوا على ما أقررتم به في المناظرة ، فكلامكم لازم لكم ، و قولكم حجّة عليكم ، قد أقررتم بالحقّ و أنتم راغمون و التجأتم إلى ما هربتم منه و أنتم صاغرون .

و اعلموا أنّ من باين المسعود كان منحوسا ، و من خالف العاقل العالم كان جاهلا غبيا ، و من كذّب الصادق كان هو في الحقيقة كاذبا ، و الحمد للّه مقيم الحجّة على من أنكرها ، و موضع الحقّ لمن آثرها ١.

« و هل يصدّقك في أمرك إلاّ مثل هذا ؟ يعنوني » أي : يقصدونني ، استخفافا به عليه السّلام ، و نظيره : ما رواه الطبري عن ابن عبّاس ، عنه عليه السّلام قال : لمّا نزلت هذه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٨٨ ٩١ و النقل بتصرف لفظي يسير .

٤٧٩

الآية : و انذر عشيرتك الأقربين ١ ، دعاني النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : يا عليّ إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، و عرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرمنهم ما أكره ، فصمتّ عليه حتّى جاءني جبرئيل ، فقال :

« يا محمّد الاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك » . فاصنع لنا صاعا من طعام ، و اجعل عليه رجل شاة ، و املأ لنا عسّا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى اكلمهم ، و أبلّغهم ما أمرت به . ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم له ، و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا فيهم أو ينقصونه ، و فيهم أعمامه أبو طالب ،

و حمزة ، و العبّاس ، و أبو لهب . فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلمّا وضعته تناول النبيّ صلى اللّه عليه و آله حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ،

ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثمّ قال : خذوا بسم اللّه . فأكل القوم حتّى مالهم بشي‏ء حاجة ، و ما أرى إلاّ موضع أيديهم ، و ايم اللّه الّذي نفس عليّ بيده ، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم . ثمّ قال : اسق القوم . فجئتهم بذلك العسّ فشربوا منه حتّى رووا منه جميعا ، و ايم اللّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله أن يكلّمهم ، بدره أبو لهب إلى الكلام ،

فقال : لقد سحركم صاحبكم . فتفرّق القوم ، و لم يكلّمهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال : الغد يا عليّ إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم ، فعدلنا بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم إليّ . ففعلت ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى مالهم بشي‏ء حاجة ،

ثمّ قال : اسقهم . فجئتهم بذلك العسّ فشربوا منه . ثمّ تكلّم النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : يا بني عبد المطلب إنّي و اللّه ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

٤٨٠