بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113135 / تحميل: 6032
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

هذا ، و قال لبيد في خيه لأمّه أربد :

فودّع بالسلام أبا حريز

و قل وداع أربد بالسلام

و قال البحتري في رثاء أبي سعيد :

نستقصر الأكباد و هي قريحة

و نذمّ فيض الدمع و هو سجام

« و لكنّه » أي : الموت .

« ما لا يملك ردّه ، و لا يستطاع دفعه » و عنه عليه السّلام :

الموت لا والدا يبقي و لا ولدا

هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا

كانّ النبيّ و لم يخلد لامتّه

لو خلّد اللّه خلقا قبله خلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة

من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

١ « بأبي أنت و أمّي اذكرنا عند ربّك ، و اجعلنا من بالك » أي : ممّن تبالي به و يكون عندك مهمّا ، أو ممّن يكون في خاطرك لا منسيّا ، و في ( تاريخ اليعقوبي ) : سمعوا صوتا من البيت ، يسمعون الصوت و لا يرون الشخص ، فقال : السّلام و رحمة اللّه و بركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٣ ، لتبلون في أموالكم و أنفسكم و لتسمعنّ من الّدين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الّذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور ٤ إنّ في اللّه خلفا من كلّ هالك ، و عزاء من كلّ مصيبة ، عظّم اللّه أجوركم ، و السّلام و رحمة اللّه . فقيل لجعفر بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل الأبيات صاحب ديوان علي عليه السّلام فيه : ٤٨ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٤ ) آل عمران : ١٨٦ .

٥٠١

محمّد عليه السّلام : من كنتم ترونه ؟ فقال : جبرئيل عليه السّلام ١ .

و مرّ في قوله عليه السّلام « خصصت حتّى صرت مسليا عن سواك » نظيره عن ( الكافي ) ٢ ، و يأتي في فصل الإمامة الخاصّة قوله عليه السّلام : لقد قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لعلى صدري ، و لقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ، و لقد وليت غسله ، و الملائكة أعواني فضجّت الدار و الأفنية ملأ يهبط ،

و ملأ يعرج ، و ما فارقت سمعي هينمة منهم ، يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه » ٣ .

و أمّا شرح وفاته صلى اللّه عليه و آله ففي ( المناقب ) : قال ابن عباس و السدي ، لمّا نزل قوله تعالى : إنّك ميّت و إنّهم ميّتون ٤ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ليتني أعلم متى يكون ذلك ؟ فنزلت سورة النصر ، فكان ( النبيّ صلى اللّه عليه و آله ) يسكت بين التكبير و القراءة بعد نزولها فيقول : « سبحان اللّه ، و بحمده استغفر اللّه و أتوب إليه » فقيل له في ذلك ؟ فقال : أما إنّ نفسي نعت إليّ إلى أن قال ثمّ نزلت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم . . . ٥ ثمّ نزلت عليه بعرفة :

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام . دينا . . . ٦ ثمّ نزلت عليه بعد أحد و ثمانين يوما آيات الربا ٧ ثمّ نزلت بعدها :

و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه . . . ٨ و هي آخر آية نزلت من السماء ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٤ .

( ٢ ) مرّ في أوائل هذا العنوان .

( ٣ ) يأتي في العنوان ٤ من الفصل الثامن .

( ٤ ) الزمر : ٣٠ .

( ٥ ) التوبة : ١٢٨ .

( ٦ ) المائدة : ٣ .

( ٧ ) انظر الآيات ٢٧٥ ٢٨١ من سورة البقرة .

( ٨ ) البقرة : ٢٨١ .

٥٠٢

فعاش بعدها أحد و عشرين يوما .

قال ابن جريح : تسع ليال . و قال ابن جبير و مقاتل : سبع ليال . و لمّا مرض مرضه الّذي توفي فيه ، و ذلك يوم السبت أو الأحد من صفر أخذ بيد علي عليه السّلام و تبعه جماعة من أصحابه ، و توجّه إلى البقيع ، ثمّ قال : السّلام عليكم أهل القبور و ليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، إنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، و قد عرضه العام عليّ مرّتين ، و لا أراه إلاّ لحضور أجلي ١ .

و رواية تهنية النبيّ لموتى البقيع بعدم بقائم بعده حتّى يبتلوا بفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها بمعنى كون الفتن الأخرى نتيجة الفتن الأولى حين وفاته رواية قطعية رواها المؤالف و المخالف ، و هي دالّة على أنّ الباقين بعده لم يكونوا مذعنين لما يأمرهم بعده في أمر خلافته ، و كيف لا ،

و قد صدّوه عن وصيّته ، و قد أكّد في خروجهم في جيش أسامة مرّة بعد مرّة ،

و كلّما أفاق من الغشوة حتّى لعن المتخلّف عن ذلك ، و قد تخلّفوا ، و دالّة على أنّ ما فعلوه يوم السقيفة كان خطأ عظيما ، و خبطا جسيما لا تعدّ مفاسده ، و لا تنقضي و خاماته .

و مرّت رواية محمّد بن حبيب في ( أماليه ) في نجوى أمير المؤمنين عليه السّلام للنبيّ صلى اللّه عليه و آله وقت تغسيله ، و قوله له : أشكو إليك كمدا و إدبارا مخالفين ، و داء الفتنة فإنّها قد استعرت نارها ، و داؤها الداء الأعظم ٢ .

هذا ، و من المراثي الجيّدة رثاء أبي محمّد التميمي ليزيد بن مزيد الشيباني ابن أخي معن بن زائدة ، و كان هارون الرشيد يستجيدها ، و إذا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٣٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مرّ في بدء هذا العنوان .

٥٠٣

سمعها بكى ، و هي :

أحقا أنّه أودى يزيد

تبيّن أيّها الناعي المشيد

أ تدري من نعيت و كيف فاهت

به شفتاك كان بها الصعيد

أحامي المجد و الإسلام أودى

فما للأرض ويحك لا تميد

تأمّل هل ترى الإسلام مالت

دعائمه و هل شاب الوليد

و هل مالت سيوف بني نزار

و هل وضعت عن الخيل اللبود

و هل تسقى البلاد عشار مزن

بدرّتها و هل يخضّر عود

أما هدّت لمصرعه نزار

بلى و تقوّض المجد المشيد

و حلّ ضريحه إذ حلّ فيه

طريف المجد ذي حسب جمود

أبعد يزيد تختزن البواكي

دموعا أو تصان لها خدود

لتبكك قبّة الإسلام لمّا و هت أطنابها و وهى العمود

و يبك شاعر لم يبق دهر

له نسبا و قد كسد القصيد

فمن يدعو الإمام لكلّ خطب

ينوب و كلّ معضلة تؤود

و من يحمي الخميس إذا تعايا

بحيلة نفسه البطل النجيد

فإن يهلك يزيد فكلّ حيّ

فريس للمنية أو طريد

ألم يعجب له أنّ المنايا

فتكن به وهن له جنود

قصدن له و كنّ يحدن عنه

إذا ما الحرب شبّ له وقود

لقد عزّى ربيعة أنّ يوما

عليها مثل يومك لا يعود

إلاّ أنّها إغراقات و جزافات شعرية ، فالرجل إن كان شجاعا كان قاتلا للناس بغير الحقّ ، و إن كان جوادا كان باذلا للمال في غير الحقّ ، و إنّما الكلام الحقّ ما قاله عليه السّلام فيه صلى اللّه عليه و آله .

٥٠٤

٤٥

الحكمة ( ٢٩٢ ) و قال عليه السّلام على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ساعة دفن :

إِنَّ اَلصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلاَّ عَنْكَ وَ إِنَّ اَلْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلاَّ عَلَيْكَ وَ إِنَّ اَلْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وَ إِنَّهُ قَبْلَكَ وَ بَعْدَكَ لَجَلَلٌ أقول : في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) قال الشعبي : بلغني أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام وقف على قبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : إنّ الجزع ليقبح إلاّ عليك ، و إنّ الصبر ليجمل إلاّ عنك ، ثمّ قال :

ما فاض دمعي عند نازلة

إلاّ جعلتك للبكا سببا

و إذا ذكرتك سامحتك به

مني الجفون ففاض و انسكبا

إنّي أجلّ ثرى حللت به

أن لا أرى بثراه مكتئبا

١ « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك » عنه عليه السّلام كما في ( المناقب ) في رثائه :

نفسي على زفراتها محبوسة

ياليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة و إنّما

أخشى مخافة أن تطول حياتي

٢ و عن عمّته عاتكة فيه :

أعينيّ من ذا بعد ما فجعتما به

تبكّيان الدهر من ولد آدم

« و إن الجزع لقبيح إلاّ عليك » قال السروي : روي أنّ الصديقة عليها السّلام ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة ، و تقول لولديها : أين أبوكما الّذي كان يكرمكما ، و يحملكما مرّة بعد مرّة ؟ أين أبو كما الّذي كان أشدّ الناس شفقة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٦٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٤٠ ، و صاحب ديوان علي عليه السّلام فيه : ٤٠ .

٥٠٥

عليكما ، فلا يدعكما تمشيان على الأرض ؟ و لا أراه يفتح هذا الباب أبدا و لا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما . ثمّ مرضت . . . ١ .

و في الخبر : أنّها بكت حتّى تأذّي بها أهل المدينة ، فقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك . فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء ، فتبكي حتّى تقضي حاجتها ، ثمّ تنصرف ٢ .

و مثله الحسين عليه السلام ، الصبر جميل إلاّ عنه ، و الجزع قبيح ، إلاّ عليه ، بل في الخبر : و على مثل الحسين عليه السّلام فلتلطم الخدود ، و لتشقّ الجيوب ، فإنّ الفاطميات لطمن عليه ، و شققن عليه ٣ .

و روي أنّ السجاد عليه السّلام بكى عليه حتّى خيف على عينيه ، و كان إذا أخذ إناء ماء ليشرب بكى حتّى يملأها دما ، و قال : و كيف لا أبكي ، و قد منع أبي من الماء الّذي كان مطلقا للسباع و الوحوش ٤ .

و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال حين نظر إلى الحسين عليه السّلام : يا عبرة كلّ مؤمن ٥ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : لمّا قتل الحسين عليه السّلام أقامت إمرأته الكلبية عليه مأتما ، و بكت و بكت النساء حتّى جفّت دموعهن و ذهبت ، فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل ، فسألتها عن ذلك ،

فقالت : شربت شربة سويق . قال فأمرت بالطعام و الأسوقة ، و قالت : إنّما نريد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٣٦٢ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٢٧٢ ح ١٥ باب الخمسة .

( ٣ ) التهذيب للطوسي ٨ : ٣٢٥ ح ٢٣ ، و النقل بتصرف .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ١٦٦ .

( ٥ ) كامل الزيارات لابن قولويه : ١٠٨ ح ١ .

٥٠٦

بذلك أن نتقوّى على البكاء ١ .

« و إنّ المصاب بك لجليل » عنه صلى اللّه عليه و آله : من أصيب بمصيبة ، فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب .

هذا ، و في ( عيون ابن قتيبة ) قال ابن الكلبي : لمّا قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمع بموته نساء من كندة و حضر موت ، فخضبن أيديهن و ضربن بالدفوف ، فقال رجل منهم لأبي بكر في أيّامه :

أبلغ أبا بكر إذا ما جئته

إنّ البغايا رمن أي مرام

أظهرن من موت النبي شماتة

و خضبن أيديهنّ بالعلام

فاقطع هديت أكفهن بصارم

كالبرق أومض من متون غمام

فكتب أبو بكر إلى عامله ثمّة فأخذهن ، و قطّع أيديهن ٢ .

هذا ، و مما يدخل في الباب قول بعض الأدباء نثرا : لقد رزئنا من فلان عالما في شخص ، و أمّة في نفس ، مضى و المحاسن تبكيه ، و المناقب تعزّى فيه ، و العيون لما قرّت به أسخنها ريب المنون ، و الصدور لمّا شرحت به قبضها فقد المقدور . فاح فتيت المسك من مآثره ، كما يفوح العبير من محابره .

هذه المكارم تبدي شجوها لفقده ، و تلبس حدادها من بعده ، و هذه المحاسن قامت نوادبها مع نوادبه ، و اقترنت مصائبها بمصائبه .

« و إنّه قبلك و بعدك لجلل » أي : هيّن ، قال امرؤ القيس لمّا قتل أبوه :

ألا كلّ شي‏ء سواه جلل ٣ .

قالوا : نعي في أحد إلى امرأة من الأنصار أخوها و أبوها و زوجها ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦٦ ح ٩ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ١١٦ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ١١ : ١١٧ مادة ( جلل ) و صدره : بقتل بني أسد ربّهم .

٥٠٧

فسألت عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقالوا : كما تحبّين . قالت : أرونيه . فلمّا نظرت إليه قالت :

كلّ مصيبة بعدك جلل ١ .

و يأتي جلل بمعني : الجليل أيضا ، قال ابن و علة الجرمي :

فلئن عفوت لأعفون جللا

و لئن سطوت لأوهنن عظمي

و في معنى كلامه عليه السّلام « و إنّه قبلك و بعدك لجلل » قول حسّان أيضا في رثاء النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

و ما فقد الماضون مثل محمّد

و لا مثله حتّى القيامة يفقد

هذا ، و قالت الخنساء في أخيها صخر :

فلست أرزى بعده برزية

فأذكره إلاّ سلّت و تجلّت

و قال متمّم في أخيه مالك الّذي قيل فيه : فتى و لا كمالك .

لعمري و ما دهري بتأبين هالك

و لا جزع مما أصاب فأوجعا

قال في شواهد ( الكتاب ) لسيبويه ، أي : لا أرثي ، و لا أبكي بعده هالكا ، و لا أجزع بعده من شي‏ء ٢ .

و قال اعرابي : إنّها و اللّه مصيبة جعلت سواد الرؤوس بيضا ، و بياض الوجوه سودا ، و هوّنت المصائب ، و شيّبت الذوائب .

و لبعضهم :

ألا ليمت من شاء بعدك إنّما

عليك من الأقدار كنت أحاذر

أيضا :

و كنت عليه أحذر الموت وحده

فلم يبق لي شي‏ء عليه أحاذر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السيرة لابن هشام ٣ : ٤٣ و المغازي للواقدي ١ : ٣١٥ و تاريخ الطبري ٢ : ٢١٠ سنة ٣ و المرأة : أمّ عامر الأشهلية .

( ٢ ) المعروف أنّ كتاب شرح شواهد الكتاب تأليف أبي جعفر النحاس ، و لم أجد البيت فيه .

٥٠٨

٤٦

الحكمة ( ٤٧٣ ) و قيل له عليه السّلام : لو غيّرت شيبتك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السّلام :

اَلْخِضَابُ زِينَةٌ وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ يريد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله .

قول المصنّف : « و قيل له عليه السّلام : لو غيّرت شيبتك يا أمير المؤمنين » و كأنّه عليه السّلام لم يغيّر شيبته إلى آخر عمره ابتداء لما ذكر هنا ، و أخيرا لما روى عبد اللّه بن سنان أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله خضب و الحسين عليه السّلام قد خضب ، و أبو جعفر عليه السّلام ، و لم يمنع عليّا عليه السّلام إلاّ قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : تخضب هذه من هذه ١ .

و ممّا قيل في الاعتذار عن ترك الخضاب قول شاعر :

و قائلة أتخضب فالغواني

تطير من ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير عمري

و لست مسودّا وجه النذير

و قيل لحكيم : شبت و أنت شاب ، فلم لا تعالجه بالخضاب ؟ فقال : إنّ الثكلي لا تحتاج إلى الماشطة ( أراد ثكله بعمره ) .

« فقال عليه السّلام : الخضاب زينة و نحن قوم في مصيبة » و في الخبر : أنّ الحسين عليه السّلام لمّا وضع الحسن عليه السّلام في اللحد قال :

أ أدهن رأسي أم أطيب محاسني

و رأسك معفور و أنت سليب

٢ و لا بدّ أنّ السجاد عليه السّلام ترك الخضاب دائما ، لأنّه كان في مصيبة أبيه إلى آخر عمره .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٨١ ح ٨ و له شاهد أخرجه الصدوق في علل الشرائع : ١٧٣ ح ١ و قوله « تخضب هذه من هذه » إخبار النبيّ صلى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام بشهادته ، و هو حديث مشهور مرّ تخريجه في العنوان ٨ من الفصل الخامس .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥ ، و في النسخ

« أ أدهن رأسي أم أطيب محاسني »

٥٠٩

« يريد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ١ بدل الجملة « برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » و في ( ابن ميثم ) ٢ « يعني برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » و في ( الخطّية ) « يريد برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » و على نقل ابن أبي الحديد يكون « برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » جزء كلامه عليه السّلام ، و على نقل الآخرين من كلام الرواة الرضي رضوان اللّه عليه أو غيره ، و كأنّ نقل ابن ابي الحديد أصحّ ، و يكون تنكير ( مصيبة ) للتعظيم ، و على نقل ( ابن ميثم و الخطّية ) الصفة مقدّرة ، و كيف كان فما في المصرية ليس بصحيح لأنّه كخلاف الإجماع المركّب .

٤٧

الحكمة ( ٨٨ ) و حكى عنه أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام أنّه قال :

كَانَ فِي اَلْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اَللَّهِ وَ قَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ اَلْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ أَمَّا اَلْأَمَانُ اَلَّذِي رُفِعَ فَهُوَ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ وَ أَمَّا اَلْأَمَانُ اَلْبَاقِي فَالاِسْتِغْفَارُ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى وَ ما كانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٨ : ٣٣ ٣ و هذا من محاسن الاستخراج و لطائف الاستنباط .

قول المصنف : « و حكى عنه أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام » و قريب ممّا حكى عنه عليه السّلام الباقر عليه السّلام ما حكى الصادق عليه السّلام لكن عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّ لكم في حياتي خيرا ، و في مماتي خيرا ، أمّا في حياتي فقد قال تعالى : و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم ٤ و أمّا في مماتي فتعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٥٢٢ لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٤٦٦ مثل المصريّة .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٥٢٢ لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٤٦٦ مثل المصريّة .

( ٣ ) الأنفال : ٣٣ .

( ٤ ) الأنفال : ٣٣ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥٤ ح ٣٦١ عن الصادق عليه السّلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و تفسير العياشي ٢ : ٥٤ ح ٤٥ و تفسير القمي : ٢٧٧ عن الباقر عليه السّلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله .

٥١٠

« أنّه قال كان في الأرض أمانان . . . فهو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » عن أبي سعيد الخدري أنّ عمارا قال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : وددت أنّك عمّرت فينا عمر نوح عليه السّلام .

فقال صلى اللّه عليه و آله : يا عمّار حياتي خير لكم ، و وفاتي ليس بشرّ لكم ، أمّا في حياتي فتحدّثون و أستغفر اللّه لكم ، و أمّا بعد وفاتي فاتّقوا اللّه و أحسنوا الصلاة عليّ و على أهل بيتي فإنّكم تعرضون عليّ بأسمائكم و أسماء آبائكم و قبائلكم ، و إن يكن خيرا حمدت اللّه تعالى ، و إن يكن سوءا أستغفر اللّه لذنوبكم . فقال المنافقون و الشكّاك و الّذين في قلوبهم مرض : يزعم أنّ الأعمال تعرض عليه بعد وفاته بأسماء الرجال ، و أسماء آبائهم و أنسابهم إلى قبائلهم ، إنّ هذا لهو الافك . فأنزل اللّه تعالى : و قل اعملوا فسيرى اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون ١ فقيل له : و من المؤمنون ؟ فقال : عامة و خاصّة ، أمّا الّذين قال اللّه تعالى و المؤمنون فهم آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و الأئمة منهم عليهم السّلام ٢ .

و روى ابن ديزيل عن الحسن بن الربيع البجلي ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك في قوله تعالى : فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون . أو نرينّك الّذي و عدناهم فإنّا عليهم مقتدرون ٣ قال :

أكرم اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن يريه في أمّته ما يكره ، رفعه إليه و بقيت النقمة ٤ .

« و أمّا الأمان الباقي فالاستغفار » قال تعالى : و لو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّابا رحيما ٥ ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١٠٥ .

( ٢ ) محاسبة النفس لابن طاووس : ١٨ .

( ٣ ) الزخرف : ٤١ ٤٢ .

( ٤ ) أخرجه ابن ديزيل عنه شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٥٥ و ابن مردويه و البيهقي في الشعب عنهما الدر المنثور ٦ : ١٨ عن حميد عن أنس .

( ٥ ) النساء : ٦٤ .

٥١١

و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما ١ .

« قال اللّه تعالى » في الأنفال في الآية ( ٣٣ ) .

و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون و قبل الآية : و إذ قالوا اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٢ و بعد الآية : و ما لهم الاّ يعذّبهم اللّه و هم يصدّون عن المسجد الحرام ٣ .

و في تفسير الآية روايات ، إحداها : ما أشار إليه المصنّف ، و الثانية : ما في ( تفسير القميّ ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال لقريش : إنّ اللّه بعثني أن أقتل جميع ملوك الدّنيا ، و أجرّ الملك اليم ، فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب و تدين لكم بها العجم ، و تكونوا ملوكا في الجنّة . فقال أبو جهل : اللّهمّ إن كان هذا الّذي يقوله محمّد هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٤ حسدا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : كنّا و بنو هاشم كفرسي رهان نحمل إذا حملوا ، و نطعن إذا طعنوا ، و نوقد إذا أوقدوا . فلمّا استوى بنا و بهم الركب قال قائل منهم : منّا نبيّ ، لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم ، و لا يكون في بني مخزوم . ثمّ قال : غفرانك اللّهم . فأنزل اللّه تعالى في ذلك : و ما كان اللّه . . .

و هم يستغفرون ٥ حين قال : « غفرانك اللّهمّ » فلّما همّوا بقتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخرجوه من مكّة قال اللّه تعالى : و ما لهم ألاّ يعذّبهم اللّه و هم يصدّون عن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١١٠ .

( ٢ ) الأنفال : ٣٢ .

( ٣ ) الأنفال : ٣٤ .

( ٤ ) الأنفال : ٣٢ .

( ٥ ) الأنفال : ٣٣ .

٥١٢

المسجد الحرام و ما كانوا أولياءه . . . ١ يعني قريشا ما كانوا أولياء مكّة إن أولياؤه إلاّ المتّقون ٢ أنت و أصحابك يا محمّد . فعذّبهم اللّه بالسيف يوم بدر فقتلوا ٣ .

و الثالثة : ما رواه ( الكافي ) في خبر مضمونه : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا بيّن مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام غضب الحارث الفهري ، و قال : اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فأنزل تعالى مقالته ، و أنزل آية : و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون ( فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : و إمّا تبت و إمّا رحلت ؟ فقال : بل أرحل . فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة ، فرضت هامته ، ثمّ أنزل : سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع ٤ .

و روى قريبا منه الثعلبي في ( تفسيره ) كما نقله عنه سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) إلاّ أنّه روى أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا قال يوم الغدير للناس : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال الحارث : اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا . . . إلى آخره مثله ٥ .

هذا ، و روى ( الكافي ) في خطب التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اصطفاه بالتّفضيل ، و هدى به من التّضليل ، اختصّه لنفسه ،

و بعثه إلى خلقه برسالاته و بكلامه ، يدعوهم إلى عبادته و توحيده ، و الإقرار

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٣٤ .

( ٢ ) الأنفال : ٣٤ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٢٧٦ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٨ : ٥٨ ح ١٨ ، و الآيتان ( ١ ٢ ) من سورة المعارج .

( ٥ ) أخرجه الثعلبي في تفسيره عنه تذكرة الخواص : ٣٠ و فرات الكوفي بثلاث طرق في تفسيره : ١٨٩ ، ١٩٠ و الحسكاني بثلاث طرق في شواهد التنزيل ٢ : ٢٨٦ ، ٢٨٨ ح ١٠٣٠ ، ١٠٣٣ ، ١٠٣٤ و رواه الطبرسي في مجمع البيان ١٠ : ٣٥٢ .

٥١٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بربوبيّته ، و التّصديق بنبيّه ، بعثه على حين فترة من الرسل ، و صدف عن الحقّ ، و جهالة بالربّ ، و كفر بالبعث و الوعيد ، فبلّغ رسالاته ، و جاهد في سبيله ،

و نصح لامّته ، و عبده حتّى أتاه اليقين ١ .

و روى الخطيب في عبد الوهاب كاتب عيسى بن المقتدر مسندا عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : لم يكن بالطّويل الممعط و لا القصير المتردد ، و كان ربعة و لم يكن بالجعد القطط ، و لا السبط ، كان جعدا رجلا و لم يكن بالمطهمّ ، و لا المكلثم كأنّ في الوجه تدويرا ، أبيض مشربا ،

أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاش و الكتد ، ذا مسربة ، شثن الكفّين و القدمين ، إذا مشى تقلّع كأنّما يمشي في صبب ، و إذا التفت التفت جميعا ، بين كتفيه خاتم النبوّة ، و هو خاتم النّبيين ، أجرأ الناس صدرا ، و أصدق الناس لهجة ، و أوفاهم بذمة ، و ألينهم عريكة ، من رآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبّه ، يقول ناعته : لم أر قبله و لا بعده مثله صلى اللّه عليه و آله ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أعثر عليها في كتاب التوحيد من الكافي ، و قريب منه ضمن خطبة في الكافي ٨ : ١٧٤ كتاب الروضة .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١١ : ٣٠ و مرّ تخريجه من طرق أخرى في العنوان ٥ من هذا الفصل .

٥١٤

٥١٥

الفصل السابع في الامامة العامّة

٥١٦

١

من الحكمة ( ١٤٧ ) في جزء كلامه عليه السّلام لكميل :

اَللَّهُمَّ بَلَى لاَ تَخْلُو اَلْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اَللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ .

وَ كَمْ ذَا وَ أَيْنَ أُولَئِكَ وَ اَللَّهِ اَلْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ اَلْأَعْظَمُونَ قَدْراً يَحْفَظُ اَللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَ يَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ اَلْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ اَلْبَصِيرَةِ وَ بَاشَرُوا رُوحَ اَلْيَقِينِ وَ اِسْتَلاَنُوا مَا اِسْتَوْعَرَهُ اَلْمُتْرَفُونَ وَ أَنِسُوا بِمَا اِسْتَوْحَشَ مِنْهُ اَلْجَاهِلُونَ وَ صَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ اَلدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ .

اِنْصَرِفْ يَا ؟ كُمَيْلُ ؟ إِذَا شِئْتَ . أقول : كلامه عليه السّلام هذا لكميل متواتر ، رواه من العامّة ابن عبد ربّه في

٥١٧

( عقده ) عن أيّوب بن سليمان ، عن عامر بن معاوية ، عن أحمد بن عمران الأخفش ، عن الوليد بن صالح الهاشمي ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الكوفي ،

عن أبي مخنف ، عن كميل عنه عليه السّلام ١ ، و أبو هلال العسكري في ( ديوان معانيه ) ، عن أبي أحمد العسكري ، عن الهيثم بن أحمد ، عن علي بن حكيم الآذري ، عن الرّبيع بن عبد اللّه المدني ، عن عبد اللّه بن الحسن ، عن محمّد بن علي ، عن آبائه ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ٢ ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) مسندا عن أبي حمزة ، عن عبد الرحمن بن محمّد ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ٣ .

و من الخاصّة الكليني ، و الصدوق ، و ابن أبي شعبة الحلبي ، و الشيخان ،

و النعماني ، روى الأوّل من ( الكافي ) بإسنادين عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أسامة و هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق عمّن يثق به من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام : أنّه عليه السّلام قال : اللهمّ إنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ٤ .

و روى مسندا عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق ، عن الثقة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام سمعوه يقول في خطبة له : اللهمّ و إنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ، و لا ينقطع موادّه ، و أنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع ، أو خائف مغفور كيلا تبطل حججك ، و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم ، بل أين هم و كم أولئك الأقلّون عددا ، و الأعظمون عند اللّه جلّ ذكره قدرا ، المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين ، الذين يتأدّبون بآدابهم ، و ينهجون نهجهم ؟ فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان ، فتستجيب أرواحهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢ : ٦٩ .

( ٢ ) ديوان المعاني للعسكري ١ : ١٤٦ .

( ٣ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٨ ح ٧ .

٥١٨

لقادة العلم ، و يستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ، يأنسون بما استوحش منه المكذّبون ، و أباه المسرفون . أولئك أتباع العلماء ، صحبوا أهل الدّنيا بطاعة اللّه تبارك و تعالى ، أولياؤه ، و دانوا بالتّقية عن دينهم و الخوف من عدوّهم ، فأرواحهم معلّقة بالمحل الأعلى ، فعلماؤهم و أتباعهم خرس صمت في دولة الباطل ، منتظرون لدولة الحقّ ، و سيحقّ اللّه الحقّ بكلماته و يمحق الباطل . هاها طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم ، و يا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم ، و سيجمعنا اللّه و إيّاهم في جنّات عدن ،

و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذريّاتهم ١ .

و روى أيضا بالأسناد أنّه عليه السّلام خطب على منبر الكوفة ، و حفظ عنه فقال :

اللهمّ إنّه لا بدّلك من حجج في أرضك ، حجّة بعد حجّة على خلقك ، يهدونهم إلى دينك و يعلّمونهم علمك ، كيلا يتفرّق أتباع أوليائك ، ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقّب ، إن غاب عن النّاس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم ، و آدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة ، فهم بها عاملون .

و يقول عليه السّلام في هذه الخطبة في موضع آخر : في من هذا ولهذا يأرز العلم ، إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ، و يروونه كما سمعوه من العلماء و يصدّقون عليهم فيه ، اللهمّ فإنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ، و لا ينقطع موادّه ، و أنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور ، كيلا تبطل حججك و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم ، بل أين هم ، و كم هم أولئك الأقلّون عددا الأعظمون عند اللّه قدرا ٢ ؟

و رواه الثاني في ( إكماله ) بأحد عشر إسنادا عن عبد الرّحمن بن جندب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٥ ح ٣ ، و الآية ٢٣ من سورة الرعد .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٩ ح ١٣ .

٥١٩

عن كميل ، عنه عليه السّلام ، و بإسنادين عن فضيل بن خديج ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ،

و بإسناد عن أبي صالح ، عن كميل ، عنه ، و بآخر عن أبي إسحاق عن الثقة ،

عنه صلى اللّه عليه و آله ، و قال : و لهذا الحديث طرق كثيرة ١ .

و رواه الثّالث في ( تحفه ) ، و الرابع في ( إرشاده ) ، و الخامس في ( أماليه ) ،

و إسناده عن المفيد ، عن الصدوق ، عن أبيه ، عن ماجيلويه ، عن محمّد بن علي الصيرفي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن فضيل بن خديج ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ٢ .

و رواه الأخير في ( غيبته ) مثل خبر شيخه الكليني ، و زاد قبل قوله : « فمن هذا و لهذا يأرز العلم ، إذا لم يوجد له حملة . . . » يأنسون بما يستوحش منه المكذّبون ، و يأباه المسرفون باللّه . كلام يكال بلا ثمن ، من كان يسمعه بعقله فيعرفه و يؤمن به و يتّبعه و ينهج نهجه فيصلح به . ثمّ يقول . . . ٣ « اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة » قال البحتري :

و هل خلا الدّهر أولاه و آخره

من قائم بهدى مذكوّن البشر

في ( الأغاني ) قال خالد بن صفوان : أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك إلى أن قال : قال خالد بن صفوان لهشام : إنّ ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق و السدير في عام قد بكر و سميّه و تتابع وليّه ، و أخذت الأرض زينتها على اختلاف ألوان نبتها في ربيع مونق ، فهو في أحسن محضر ، و أحسن مختبر ، بصعيد كأنّ ترابه قطع ، و قد كان أعطى فتاء السنّ ، مع الكثرة و الغلبة و القهر ، فنظر فأبعد النّظر ، ثمّ قال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق بأحد عشر طريقا عن عبد الرحمن ، و بطريقين عن فضيل ، و بطريق واحد عن أبي صالح ، و بطريق واحد عن أبي إسحاق عن ثقة من أصحابنا في كمال الدين : ٢٨٩ ح ٢ ، و : ٣٠٢ ح ١٠ .

( ٢ ) تحف العقول لابن شعبة : ١٧٠ ، و الارشاد للمفيد : ١٢٢ ، و الأمالي لأبي علي الطوسي : ٢٠ .

( ٣ ) الغيبة للنعماني : ٨٧ .

٥٢٠

لجلسائه : لمن مثل هذا هل رأيتم مثل ما أنا فيه ، و هل أعطي أحد مثل ما أعطيت ؟ و كان عنده رجل من بقايا حملة الحجّة و المضيّ على أدب الحقّ و منهاجه و لم تخل الأرض من قائم للّه بحجّة في عباده فقال : أيّها الملك إنّك سألت عن أمر ، أفتأذن لي في الجواب عنه ؟ . . . ١ .

و قال منصور بن حازم من أصحاب أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام لقوم من العامّة : ألستم تعلمون أنّ رسول اللّه كان هو الحجّة من اللّه على خلقه ، فحين ذهب الرّسول من كان الحجّة بعده ؟ فقالوا : القرآن . قال : ننظر في القرآن فإذا يخاصم به المرجى‏ء و الحروري و الزّنديق الّذي لا يؤمن حتّى يغلب خصمه ،

فعرف أنّ القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم ما قال فيه كان حقّا ، فمن قيّم القرآن ؟

قالوا : كان عبد اللّه بن مسعود و فلان و فلان يعلمون . قال : يعلمون كلّه . قالوا :

لا . قال لهم : لم نجد أحدا يقال يعرف ذلك كلّه إلاّ علي ، و إذا كان الشّي‏ء بين قوم و قال هذا : لا أدري لمن هو ، و قال هذا : لا أدري ، و قال آخر : أدري أنّه لي ، فهو له ،

فأشهد أنّ عليّا عليه السّلام كان قيّم القرآن ، و كانت طاعته مفروضة ، و كان حجّة بعد النّبي صلى اللّه عليه و آله على النّاس كلّهم ، و أنّه ما قال في القرآن فهو حقّ ، و أشهد أنّ عليّا عليه السّلام لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك الرّسول حجّة من بعده ٢ .

قال ابن أبي الحديد بعد نقل العنوان : و هذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية ، إلاّ أنّ أصحابنا يحملونه على أنّ المراد به الأبدال الّذين وردت الأخبار النّبويّة عنهم أنّهم في الأرض سائحون ، فمنهم من يعرف و منهم من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ١٨٨ ح ١٥ ، و معرفة الرجال للكشي ، اختياره : ٤٢٠ ح ٧٩٥ ، و روى صدره الكليني في الكافي ١ : ١٦٨ ح ٢ و النقل بتصرف يسير .

٥٢١

لا يعرف ، و أنّهم لا يموتون حتّى يودعوا السرّ ، و هو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم . . . ١ .

قلت : قد عرفت أنّ الكلام كالمتواتر عنه عليه السّلام و دلالته أيضا صريحة ،

و هل حمل أصحابه إلاّ تحكّم ؟ و من هؤلاء الأبدال الذين قال ابن أبي الحديد هل جنّ أو ملك ؟ إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٢ . و لم لم يحملوا أخبار الأبدال على أهل بيته الأئمّة الاثني عشر عليه و عليهم السّلام ، كما هو القاعدة في حمل المجمل على المفصّل ،

و المشكوك على المتيقّن ؟ و ما يفعلون بقوله عليه السّلام بعد : « إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » ، فأيّ بدل من أبدالهم كان ظاهرا مشهورا ، و أيّهم كان خائفا مغمورا ، . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ٣ ؟

و كيف ، و كلامه عليه السّلام يشمل الأنبياء ؟ فإنّ تعبيره عليه السّلام : « لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة » ، و معلوم أنّ الأنبياء من القائمين للّه بحجّة بلا خلاف ، فلا بدّ أن يراد بالحجّة الأنبياء و من كان بمنزلتهم من أوصيائهم ، و لم يكن بعد نبيّنا صلى اللّه عليه و آله من يكون مثله في العصمة ، و من يقوم به الحجّة سوى الأئمّة الاثني عشر بإجماع الامّة .

و روى ابن قتيبة في ( عيونه ) مسندا عن إبراهيم بن عبد الرّحمن قال :

قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، و انتحال المبطلين ، و تأويل الجاهلين ٤ .

و قال محمّد بن علي بن بابويه في ( إكماله ) في قوله تعالى : . . . إنّما أنت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١٣ .

( ٢ ) النجم : ٢٣ .

( ٣ ) الحج : ٤٦ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١١٩ .

٥٢٢

منذر و لكلّ قوم هاد ١ : دليل على أنّه لم تخل الأرض من هداة في كلّ قوم ،

و كلّ عصر تلزم العباد الحجّة للّه تعالى من الأنبياء و الأوصياء ، فالهداة من الأنبياة و الأوصياء لا يجوز انقطاعهم ما دام التّكليف من اللّه تعالى لازما للعباد ٢ .

و قال أيضا في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٣ : دليل على أنّ الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ،

و ذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام ، حيث يقول : « الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق و بعد الخلق » ٤ . و لو خلق اللّه تعالى الخليفة خلوّا من الخليفة لكان قد عرّضهم للتّلف إلى أن قال : و من زعم أنّ الدّنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحّح مذهب البراهمة في إبطالهم الرّسالة ، و لو لا أنّ القرآن نزل بأنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء لوجب كون رسول في كلّ وقت ، فلمّا صحّ ذلك ارتفع معنى كون الرّسول بعده ، و بقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل ٥ .

هذا ، و في ( تاريخ خلفاء السيوطي ) في خلفائهم الذين ينصبونهم و يجعلونهم حجّة بينهم و بينه تعالى ، كما كان الوثنيّون ينحتون بأيديهم و ثنا ، ثمّ يجعلونه إلها يعبدونه ليقرّبهم إلى اللّه زلفى ، أو الّذين يغلبونهم بالسيف فيأخذون منهم البيعة ، و يخلعون من كان خليفتهم قبل ، و يأمرونهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٧ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٦٦٧ .

( ٣ ) البقرة : ٣٠ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و كمال الدين للصدوق : ٢٢١ ح ٥ ، و : ٢٣٢ ح ٣٦ .

( ٥ ) كمال الدين للصدوق : ٤ ، و الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ .

٥٢٣

بلعنه ، فيصير بعد ساعة وليّ اللّه لهم عدوّ اللّه و عدوّ اللّه حجّة اللّه . و قصة الخوارج مع أصحاب المهلّب بعد قتل ابن الزّبير و استيلاء عبد الملك على العراق في ذلك معروفة بعد ذكر قتل هولاكو في سنة ( ٦٥٦ ) للمستعصم آخر العبّاسيين في العراق : « ثمّ دخلت سنة سبع و خمسين بعد ستّمائة و الدّنيا بلا خليفة » ١ . و قال بعد ذكر نصبهم بمصر خليفة في سنة ( ٦٥٩ ) : « و كان مدّة انقطاع الخلافة ثلاث سنين و نصفا » ٢ .

قلت : و لم يبق حتّى يرى انقطاع خلافتهم إلى الأبد .

و فيه أيضا في عنوان ( في مدّة الخلافة في الاسلام ) بعد نقل خبر جابر بن سمرة عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناواهم عليه اثني عشر خليفة كلّهم من قريش أخرجه الشيخان و غيرهما و له طرق و ألفاظ إلى أن قال : قال القاضي عياض : لعلّ المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث و ما شابهها : أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة ، و قوّة الإسلام ،

و استقامة أموره ، و الاجتماع على من يقوم بالخلافة ، و قد وجد هذا في من اجتمع عليه النّاس إلى أن اضطرب أمر بني أميّة و وقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتّصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم .

ثمّ قال : قال شيخ الاسلام ابن حجر في شرح البخاري : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث و أرجحه لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : « كلّهم يجتمع عليه الناس » . و إيضاح ذلك أنّ المراد بالاجتماع : انقيادهم لبيعته ، و الّذي وقع أنّ الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٧٥ .

( ٢ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٧٦ .

٥٢٤

عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ ، إلى أنّ وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثمّ اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ، و لم ينتظر للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لمّا مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة : الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام ، و تخلّل بين سليمان و يزيد ، عمر بن عبد العزيز . فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين و الثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع النّاس عليه لمّا مات عمّه هشام ، فولّي نحو أربع سنين ، ثمّ قاموا عليه فقتلوه ، و انتشرت الفتن و تغيّرت الأحوال من يومئذ . و لم يتّفق أن يجتمع النّاس على خليفة بعد ذلك ، لأنّ يزيد بن الوليد الّذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عمّ أبيه مروان بن محمّد بن مروان ، و لمّا مات يزيد ولّي أخوه إبراهيم فقتله مروان ، ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل ، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ، و لم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه ، ثمّ ولي أخوه المنصور فطالت مدّته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيّين على الأندلس ، و استمرّت في أيديهم متغلّبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك ، و انفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلاّ الاسم في البلاد ، بعد أن كان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقا و غربا و يمينا و شمالا ممّا غلب عليه المسلمون ، و لا يتولّي أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شي‏ء منها إلاّ بأمر الخليفة . و من انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس و حدها ستّة أننفس كلّهم يتسمّى بالخلافة ، و معهم صاحب مصر العبيدي ،

و العبّاسي ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية و الخوارج إلى أن قال : و قيل : إنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ و إن لم تتوال أيّامهم ، و يؤيّد

٥٢٥

هذا ما أخرجه مسدّد في مسنده الكبير عن أبي ، الخلد أنّه قال : « لا تهلك هذه الامّة حتّى يكون منها اثنا عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى و دين الحقّ ، منهم رجلان من أهل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله » و على هذا فالمراد بقوله : « ثمّ يكون الهرج » أي : الفتن المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدّجّال و ما بعده .

و قال السيوطي بعد نقل كلامه : و على هذا فقد وجد من الاثني عشر خليفة : الخلفاء الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز ،

هؤلاء ثمانية ، و يحتمل أن يضمّ إليهم المهتدي من العباسيين ، لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أميّة ، و كذلك ( الظاهر ) لما أوتيه من العدل و بقي الاثنان المنتظران ، أحدهما المهدي لأنّه من آل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله ١ .

قلت : كذب شيخ إسلامهم في كون أمير المؤمنين عليه السّلام ممّن اجتمع عليه الناس كيزيد ، فكيف و خالفه أمّ مؤمنيهم و حواريهم و صاحبه و ابن عمرو و سعد و المغيرة و سعيد بن العاص و جمع آخر ، و سمّوا أيّامه عليه السّلام أيّام فتنة ؟

و أغرب صاحب الكتاب في جعل معاوية و ابن الزّبير من الّذين يعملون بالهدى و دين الحقّ ، فمحاربتهما و سبّهما لأمير المؤمنين عليه السّلام هل هو من الهدى و دين الحقّ ؟ و لعمر اللّه دين الدّهريّة و الوثنيّة أقرب إلى العقول من دين إخواننا السّنة .

« إمّا ظاهرا مشهورا » كأمير المؤمنين عليه السّلام و أبنائه العشرة من الحسن السبط إلى الحسن العسكري صلوات اللّه عليهم ، و ورد أنّ رجلا من أهل الشام ورد على جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام فقال : إنّي صاحب كلام وفقه و فرائض ، و قد جئتك لمناظرة أصحابك . فقال عليه السّلام له : كلامك من كلام النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أو من عندك ؟ فقال : بعضه من كلامه و بعضه من عندي . فقال عليه السّلام :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٠ ١٢ .

٥٢٦

فأنت إذن شريك النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . قال : فسمعت الوحي عن اللّه تعالى ؟ قال :

لا . قال : فتجب طاعتك كالنّبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . فقال : هذا خصم نفسه قبل أن يتكلّم . ثمّ أمره عليه السّلام أوّلا بالكلام مع حمران بن أعين و مؤمن الطاق و هشام بن سالم و قيس الماصر من أصحابه ، فكلّموه فغلبوا عليه . ثم قال عليه السّلام له : كلّم هذا الغلام مشيرا إلى هشام بن الحكم و كان أوّل ما اختطّت لحيته . فقال الشامي : سلني يا غلام في إمامة هذا يعني الصادق عليه السّلام فغضب هشام حتّى ارتعد . فقال له : أخبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ فقال الشامي :

بل ربّهم أنظر لهم . قال هشام : ففعل الربّ بنظره لخلقه في دينهم ماذا ؟ قال :

كلّفهم ، و أقام لهم حجّة و دليلا على ما كلّفهم ، و أزاح في ذلك عللهم . فقال هشام :

فما هذا الدّليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو النّبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال هشام : فبعده من ؟ قال الشّامي : الكتاب و السنّة . قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنّة في ما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف و يمكّننا من الاتّفاق ؟ قال : نعم . قال هشام : فلم اختلفنا نحن ، و أنت جئتنا من الشام و خالفتا و تزعم أنّ الرّأي طريق الدّين ، و أنت مقرّ بأنّ الرّأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين . فسكت الشامي كالمفكّر ، فقال له الصادق عليه السّلام : مالك لا تتكلّم ؟ قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، و إن قلت : إنّ الكتاب و السنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنّهما يحتملان الوجوه ، و إن قلت : قد اختلفنا و كلّ واحد منّا يدّعي الحق ، فلم ينفعنا إذن الكتاب و السّنّة ، و لكن لي عليه مثل ذلك . فقال عليه السّلام : سله تجده مليّا .

فقال لهشام : من أنظر للخلق ربّهم أم أنفسهم ؟ فقال : بل ربّهم . فقال : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ، و يرفع اختلافهم ، و يبيّن لهم حقّهم من باطلهم ؟ قال :

نعم . قال : من هو ؟ قال : أما في ابتداء الشريعة فالنّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أمّا بعده فغيره .

فقال الشامي : من غيره القائم مقامه في حجّته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا . قال هشام : هذا الجالس و أشار إلى

٥٢٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الصادق عليه السّلام الّذي تشدّ إليه الرحال ، و يخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ . فقال : و كيف لي بعلم ذلك ؟ قال : سله عمّا بدا لك . قال : قطعت عذري ،

فعليّ السؤال . فقال له الصادق عليه السّلام : أنا أكفيك المسألة يا شامي ، أخبرك عن سيرك و سفرك خرجت يوم كذا ، و كان في طريقك كذا ، و مررت على كذا ، و مرّ بك كذا . فأقبل الشامي يقول كلّما وصف له شيئا من أمره : صدقت و اللّه . ثمّ قال الشامي : أسلمت للّه السّاعة . فقال الصادق عليه السّلام : بل آمنت باللّه الساعة ، إنّ الاسلام قبل الايمان و عليه يتوارثون و يتناكحون ، و على الايمان يثابون . قال الشامي : صدقت ، فأنّا الساعة أشهد ألا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله رسوله و أنّك وصيّ الأوصياء ١ .

« أو خائفا مغمورا » كالقائم المنتظر عليه السّلام ، قال الصادق عليه السّلام كما في خبر إسحاق بن عمّار للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة ، و الاخرى طويلة ، و الغيبة الاولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة شيعته ، و الاخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه ٢ .

و قال عليه السّلام أيضا لسدير الصيرفي : إنّ في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف . فقال سدير : كأنّك تذكر حياته و غيبته ؟ فقال عليه السّلام : و ما تنكر من ذلك ؟

هذه الامّة أشباه الخنازير . إنّ إخوة يوسف عليه السّلام كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ،

تاجروا يوسف و بايعوه و خاطبوه و هم إخوته و هو أخوهم ، فلم يعرفوه حتّى قال : . . . أنا يوسف و هذا أخي . . . ٣ فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل اللّه تعالى بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف . إنّ يوسف كان إليه ملك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٠ ح ١٩ ، و الغيبة للنعماني : ١١٣ بطريقين .

( ٣ ) يوسف : ٩٠ .

٥٢٨

مصر ، و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك ، لقد سار يعقوب و ولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر ،

فما تنكر هذه الأمّة أنّ يفعل اللّه تعالى بحجّته كما فعل بيوسف ، أن يمشي في أسواقهم و يطأ بسطهم حتّى يأذن اللّه تعالى في ذلك له كما أذن ليوسف قالوا أإنّك لأنت يوسف قال أنا يوسف ١ .

و لما أنشد دعبل الخزاعي أبا الحسن الرضا قصيدته التي أوّلها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

إلى أن انتهى إلى قوله :

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل

و يجزي على النّعماء و النّقمات

بكى الرّضا عليه السّلام بكاء شديدا ، ثمّ رفع رأسه إليه ، و قال له : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم ؟

فقال : لا يا مولاي ، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ،

و يملؤها عدلا . فقال عليه السّلام : يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني ، و بعد محمّد ابنه علي ، و بعد عليّ ابنه الحسن ، و بعد الحسن ، و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ٢ .

و عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين عليه السّلام إلى أن قال : قلت له : روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ الأرض لا تخلو من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٦ ح ٤ ، و كمال الدين للصدوق : ٣٤١ ح ٢١ و علل الشرائع : ٢٤٤ ح ٣ ، و الغيبة للنعماني : ١٠٨ ، ١٠٩ ، و الآية ٩٠ من سورة يوسف .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٧٢ ح ٦ ، و عيون الأخبار ٢ : ٢٦٩ ح ٣٥ ، و كفاية الأثر للخراز : ٢٧١ .

٥٢٩

حجّة للّه جلّ و عزّ على عباده . فمن الحجة و الإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمّد ،

و اسمه في التوراة باقر ، إنّه يبقر العلم بقرا ، هو الحجّة و الإمام بعدي ، و من بعد محمّد ابنه جعفر ، و اسمه عند أهل السماء الصادق . فقلت له : يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق و كلّكم صادقون ؟ قال : فإنّ الخامس من ولده الّذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه و كذبا عليه ، فهو عنه اللّه جعفر الكذاب المغتري على اللّه المدعي لما ليس له بأهل ، المخالف لأبيه و الحاسد لأخيه ، ذاك الذي يكشف سرّ اللّه عند غيبة وليّ اللّه . ثمّ بكى عليه السّلام بكاء شديدا ، و ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي اللّه ، و المغيّب في حفظ اللّه ، و على التوكيل بحرم أخيه ، جهلا منه بولادته و حرصا على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه . . . ١ .

و في ( حلية أبي نعيم ) في محمّد بن الحنفيّة مسندا عنه عن أبيه عليه السّلام عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : المهدي منّا أهل البيت ، يصلحه اللّه تعالى في ليلة أو قال في يومين ٢ .

و روى ( الحلية ) أيضا عن عمرو بن ثابت قال : قال محمّد بن الحنفيّة :

ترون أمرنا لهو أبين من هذه الشمس ، فلا تعجلوا و لا تقتلوا أنفسكم ٣ .

و روى ( الحلية ) في محمّد بن عليّ الباقر مسندا عنه عليه السّلام قال : إنّ اللّه تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرّعب ، فإذا قام قائمنا و ظهر مهدينا كان الرّجل أجرأ من ليث ، و أمضى من سنان ٤ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) في عنوان الحسن بن عليّ عليه السّلام روى بأسانيد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣١٩ ح ٢ بطريقين ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣١٧ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٧٧ .

( ٣ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٧٥ .

( ٤ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٨٤ .

٥٣٠

عنه عليه السّلام عن أبيه عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّ الدّنيا تسع البرّ و الفاجر حتّى يبعث اللّه امام الحقّ من آل محمّد صلى اللّه عليه و آله ١ .

و ممّا يدل على أنّ مراده عليه السّلام بالخائف المغمور : القائم المنتظر صلوات اللّه عليه شهرة ذلك من أيّام الصحابة و التابعين ، قال الجاحظ في ( بيانه ) : كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلّب ( لمّا خرج على يزيد بن عبد الملك ) :

« إنّك و اللّه ما أنت بصاحب هذا الأمر ، صاحب هذا الأمر مغمور موتور ، و أنت مشهور غير موتور » ٢ .

و المغمور : المخفي في الجمع ، من قولهم : دخلت في غمار النّاس . أي :

كثرتهم و زحمتهم ، و هو في مقابل المشهور كما يفهم من كلام مسلمة .

« لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته » و في روايتي الكليني المتقدّمتين : « كيلا تبطل حججك و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم » ٣ .

« و كم ذا و أين أولئك » و في رواية ( العقد ) : « و كم رأينا » ٤ . و في روايتي الكليني المتقدّمتين « بل أين هم و كم هم » ٥ . و كيف كان فروى ( الكافي ) عن الأصبغ قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السّلام فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض ، فقلت :

يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكّرا تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها ؟ فقال : لا و اللّه ما رغبت فيها ، و لا في الدّنيا يوما قطّ ، و لكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الّذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما ، تكون له غيبة و حيرة يضلّ فيها أقوام و يهتدي فيها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٤ ضمن حديث .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٦٨ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٣٣٥ ، ٣٣٩ و لفظ الثانية « حجّتك » .

( ٤ ) لفظ العقد الفريد ٢ : ٦٩ مثل المصرية أيضا إلاّ أن « أولئك » لم يتكرّر فيه .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٥ ، ٣٣٩ و لفظ الاولى « أين هم و كم » .

٥٣١

آخرون إلى أن قال : و أنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ ؟ أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة ١ .

« أولئك و اللّه الأقلّون عددا و الأعظمون قدرا » هكذا في ( الخطية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٢ : « و الأعظمون عند اللّه قدرا » و مثله ( المصرية ) ، قال الرضا عليه السّلام : قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام : لا يحفظني فيك إلاّ الأتقياء الأبرار الأصفياء ، و ما هم في أمّتي إلاّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر ٣ .

« يحفظ اللّه بهم حججه و بيّناته » هكذا في ( المصرية ) ، و الثواب : ( بهم يحفظ اللّه حججه و بيّناته ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) و كذا ( إبن أبي الحديد ) ٤ .

« حتّى يودعوها نظراءهم و يزرعوها في قلوب أشباههم » و في رواية الكليني الاولى المتقدّمة بدل الكلام : « المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين الّذين يتأدّبون بآدابهم و ينهجون نهجهم » ٥ . لكن مقتضى المقام أنّ يكون ما في ( الكافي ) زائدا على نقل المصنّف لإتمامه ، و حينئذ فسقط من كلّ منهما إن صحّت النّسخ إحدى الجملتين .

و كيف كان فروى النعماني في ( غيبته ) عن عبد الملك بن أعين قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : إنّ احتمال أمرنا ليس معرفته و قبوله ، إنّ احتمال أمرنا هو صونه و ستره عمّن ليس من أهله فأقرئهم السّلام و رحمة اللّه يعني الشيعة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٨ ح ٧ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١١ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ أيضا .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ١٣٠ ح ١٧ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١١ « يحفظ اللّه بهم » .

( ٥ ) الكافي ١ : ٣٥٥ .

٥٣٢

و قل : قال لكم : رحم اللّه عبدا استجرّ مودّة الناس إلى نفسه و إلينا ، بأن يظهر لهم ما يعرفون ، و يكفّ عنهم ما يكرهون ١ .

و في رواية الصفار في ( بصائره ) عن معمّر بن خلاّد قال : سمعت الرّضا عليه السّلام يقول : أسرّ اللّه سرّه إلى جبرئيل و أسرّه جبرئيل إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و أسرّه محمّد صلى اللّه عليه و آله إلى علي عليه السّلام و أسرّه علي عليه السّلام إلى من شاء واحدا بعد واحد صلوات اللّه عليهم ٢ .

« هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، و باشروا روح اليقين » روى الصدوق في ( إكماله ) أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابنه الحسين عليه السّلام : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ المظهر للدّين ، و الباسط للعدل . فقال الحسين عليه السّلام : يا أمير المؤمنين و إنّ ذلك لكائن ؟ فقال عليه السّلام : إي و الّذي بعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالنبوّة و اصطفاه على جميع البرية ، و لكن بعد غيبة و حيرة ، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الّذين أخذ اللّه تعالى ميثاقهم بولايتنا و كتب في قلوبهم الايمان و أيّدهم بروح منه ٣ .

« و استلانوا » أي : عدوا ليّنا .

« ما استوعره » أي : وجده و عرا غليظا .

« المترفون » الّذين أطغتهم النعمة .

« و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون » قال الصادق عليه السّلام : أقرب ما يكون العباد من اللّه عزّ و جلّ و أرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة اللّه عزّ و جلّ فلم يظهر لهم و لم يعلموا بمكانه ، و هم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ، و قد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه النعماني في الغيبة : ٢١ عن عبد الأعلى بن أعين و عبد الملك خطأ .

( ٢ ) هذا حديث أبي بصير عن الباقر عليه السّلام أخرجه الصفار في البصائر : ٣٩٧ ح ٤ ، و أمّا حديث معمّر بن خلاّد فأخصر من هذا و قد أخرجه في : ٣٩٧ ح ٣ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٠٤ ح ١٦ .

٥٣٣

علم أنّ أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين ، و لا يكون ذلك إلاّ على رأس شرار النّاس ١ .

و قال السجاد عليه السّلام : تمتدّ الغيبة بولي اللّه إلى أن قال : إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته و المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان ، لأنّ اللّه أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالسيف ، أولئك المخلصون حقّا و شيعتنا صدقا ، و الدّعاة إلى دين اللّه تعالى سرّا و جهرا ٢ .

« و صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى » روى ( الكافي ) عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : في الأنبياء و الأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، و روح الايمان ، و روح الحياة ، و روح القوّة ، و روح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى . ثمّ قال : يا جابر إنّ هذه الأربعة الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس ، فإنّها لا تلهو و لا تلعب ٣ .

« أولئك خلفاء اللّه في أرضه و الدّعاة إلى دينه » قال ابن بابويه في قوله تعالى : . . . إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : إنّ القضيّة في الخليفة باقية إلى يوم القيامة ، و من زعم أنّ الخليفة أراد به النّبوّة فقد أخطأ من وجه ، و ذلك أنّ اللّه تعالى وعد أن يستخلف من هذه الأمّة خلفاء راشدين ، كما قال تعالى :

و عد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم و ليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٣٧ ، ٣٣٩ ح ١٠ ، ١٦ ، ١٧ بثلاث طرق ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣١٩ ح ٢ ضمن حديث .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٧٢ ح ٢ .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٥٣٤

بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا . . . ١ و لو كانت قضية الخلافة قضية النبوّة أوجب حكم الآية أن يبعث اللّه عزّ و جلّ نبيّا بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله ٢ .

و روى : أنّ أحمد بن إسحاق دخل على العسكري عليه السّلام يريد أن يسأله عن خلفه ، فقال عليه السّلام له مبتدئا : يا أحمد إنّ اللّه تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم و لا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، و به ينزّل الغيث ، و به يخرج بركات الأرض . . . ٣ .

« آه آه » قال الجوهري قولهم : أوه من كذا ، ساكنة الواو ، إنّما هو توجع ،

قال الشاعر :

فأوه لذاكر ما إذا ما ذكرتها

و من بعد أرض بيننا و سماء

و ربّما قلبوا الواو ألفا . فقالوا : آه من كذا ٤ .

« شوقا إلى رؤيتهم » لم ينحصر إظهار الاشتياق إليهم عليهم السّلام به عليه السّلام ، فقد أظهر جدّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أيضا الاشتياق إليهم ، حتّى إنّه أمر جابر الأنصاري بإبلاغه سلامه صلى اللّه عليه و آله إلى آخر من يدركه منهم ، ففي ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : ذكر المدائني عن جابر الأنصاري إنّه أتى أبا جعفر محمّد بن علي إلى الكتّاب و هو صغير ، فقال له : رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يسلّم عليك . فقيل لجابر :

و كيف هذا ؟ فقال : كنت جالسا عند النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و الحسين عليه السّلام في حجره و هو يداعبه ، فقال : يا جابر يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد :

ليقم سيّد العابدين . فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد فإن أدركته يا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النور : ٥٥ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٥ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٨٤ ح ١ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢٢٥ مادة ( اوه ) .

٥٣٥

جابر فأقرئه منّي السّلام ١ .

« انصرف إذا شئت » و في إسناد « إذا شئت فقم » و تعليق أمر الانصراف بمشيئة الطرف في مثله من جميل الخطاب ، و حسن الآداب ، و نظيره أنّ أبا العيناء و كان أعمى قال : ما رأيت أقوم على أدب من ابن أبي داود ، و ذلك أني ما خرجت من عنده قطّ فقال : يا غلام خذ بيده ، بل كان يقول : يا غلام اخرج معه .

و ممّا يناسب المقام في قوله عليه السّلام : « انصرف » ما في ( بيان الجاحظ ) : أنّ رجلا من العسكر عدا بين يدي المأمون ، فقال له بعض من يسير بقربه : يقول لك الخليفة : اركب . فقال المأمون : لا يقال لمثل هذا اركب . إنّما يقال لمثل هذا :

انصرف ٢ .

٢

الخطبة ( ٨٦ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَ رَخَاءٍ وَ لَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ اَلْأُمَمِ إِلاَّ بَعْدَ أَزْلٍ وَ بَلاَءٍ وَ فِي دُونِ مَا اِسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَ مَا اِسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ وَ مَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ وَ لاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ وَ لاَ كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ فَيَا عَجَباً وَ مَا لِيَ لاَ أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ اَلْفِرَقِ عَلَى اِخْتِلاَفِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا لاَ يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ وَ لاَ يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ وَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَ لاَ يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ يَعْمَلُونَ فِي اَلشُّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٣٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٨٥ .

٥٣٦

اَلشَّهَوَاتِ اَلْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا وَ اَلْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا .

مَفْزَعُهُمْ فِي اَلْمُعْضِلاَتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَ تَعْوِيلُهُمْ فِي اَلْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ كَأَنَّ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وَ أَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ أقول : رواه الكليني في ( روضته ) مسندا عن الصادق عليه السّلام قال : خطب أمير المؤمنين عليه السّلام بالمدينة ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : أمّا بعد ، فانّ اللّه تعالى لم يقصم جبّاري دهر إلاّ من بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم من الأمم إلاّ بعد أزل و بلاء . أيّها الناس في دون ما استقبلتم من عطب و استدبرتم من خطب معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير . عباد اللّه أحسنوا في ما يعنيكم النّظر فيه ، ثمّ انظروا إلى عرصات من قد أقاده اللّه بعمله ، كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون . و زروع و مقام كريم ١ ، ثمّ انظروا بما ختم اللّه لهم بعد النّضرة و السرور و الأمر و النّهي ، و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان و اللّه مخلّدون ، و للّه عاقبة الأمور . فيا عجبا و مالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتفون أثر نبيّ ، و لا يقتدون بعمل وصيّ ، و لا يؤمنون بغيب ، و لا يعفّون عن عيب . المعروف فيهم ما عرفوا ،

و المنكر عندهم ما أنكروا ، و كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، أخذ منها في ما يرى بعرى وثيقات ، و أسباب محكمات ، فلا يزالون بجور ، و لن يزدادوا إلاّ خطا ، لا ينالون تقرّبا ، و لن يزدادوا إلاّ من بعدا من اللّه عزّ و جلّ . أنس بعضهم ببعض ،

و تصديق بعضهم لبعض . كلّ ذلك و حشة ممّا ورث النّبيّ الاميّ صلى اللّه عليه و آله و نفورا ممّا أدّى إليهم من أخبار فاطر السّماوات و الأرض . أهل حسرات ، و كهوف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الدخان : ٢٥ ٢٦ .

٥٣٧

شبهات ، و أهل عشوات ، و ضلالة و ريبة . من و كله اللّه إلى نفسه و رأيه فهو مأمون عند من يجهله ، غير المتّهم عند من لا يعرفه . فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها . . . ١ .

و رواه المفيد في ( إرشاده ) عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام قال :

قال أمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا بعد ، فإنّ اللّه تعالى لم يقصم جبّارا قطّ إلاّ بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل و بلاء . أيّها الناس و في دون ما استقبلتم من خطب و استدبرتم من عصر معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير ، ألا فأحسنوا النظر عباد اللّه في ما يعنيكم ، ثمّ انظروا إلى عرصات من أباده اللّه بعمله ،

كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون . و زروع و مقام كريم .

فها هي عرصة المتوسّمين ، و إنّها لبسبيل مقيم ٢ ، تنذر من نابها من الثّبور بعد النّضرة و السرور ، و مقيل من الأمن و الحبور ، و لمن صبر منكم العاقبة ، و للّه عاقبة الأمور . فواها لأهل العقول ، كيف أقاموا بمدرجة السّيول ،

و استضافوا غير مأمون رئيسا لهذه الأمّة الجائرة في قصدها الراغبة عن رشدها ؟ لا يقتفون أثر نبي ، و لا يقتدون بعمل وصيّ ، و لا يؤمنون بغيب ، و لا يرعوون من عيب . كيف ، و مفزعهم في المبهمات إلى قلوبهم ، و كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، أخذ منها في ما يرى بعرى ثقات . لا يألون قصدا ، و لن يزدادوا إلاّ بعدا ، لشدّة انس بعضهم ببعض ، و تصديق بعضهم بعضا حيادا كلّ ذلك عمّا ورث الرّسول ، و نفورا عمّا أدّى إليه من فاطر السماوات و الأرضين العليم الخبير . فهم أهل عشوات كهوف شبهات ، قادة حيرة و ريبة . من و كل إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٦٣ ح ٢٢ كتاب الروضة .

( ٢ ) الحجر : ٧٦ .

٥٣٨

نفسه فاغرورق في الأضاليل . هذا و قد ضمن اللّه قصد السبيل . . . ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيا من حيّ عن بيّنة و إنّ اللّه لسميع عليهم ١ . فيا ما أشبهها أمّة صدّت عن ولادتها و رغبت عن رعاتها . . . ٢ .

و نقل الخوئي أيضا الأوّل و أشار إلى الثاني ٣ .

« امّا بعد ، فإنّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) و زاد ( ابن ميثم و الخطّية ) ٤ سبحانه .

« لم يقصم » قال الجوهري : قصمت الشي‏ء قصما : إذا كسرته حتّى يبين ٥ .

« جبّاري دهر قطّ إلاّ بعد تميل » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( تمهيل ) كما في ( إبن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و يصدّقه الرّوضة و الإرشاد ٦ .

« و رخاء » و هو ضدّ الشدّة ، و عدم قصمه تعالى للجبّارين إلاّ بعد تمهيل و رخاء هو سنّته عزّ و جلّ ، قال تعالى : فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ٧ .

و بتمهيله جلّ و علا يغترّ الجبّارون و يزيدون جبّاريتهم ، و في ( أغاني أبي الفرج ) قال أبو عبيدة : حدّثني أبو الهذيل العلاّف قال : صعد خالد القسري

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٤٢ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ١٥٥ .

( ٣ ) شرح الخوئي ٣ : ٦١ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و الكافي ٨ : ٦٤ ، و الإرشاد : ١٥٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « فإن اللّه » و « تميل » أيضا .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠١٣ مادة ( قصم ) .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و الكافي ٨ : ٦٤ ، و الإرشاد : ١٥٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « فإن اللّه » و « تميل » أيضا .

( ٧ ) الأنعام : ٤٤ .

٥٣٩

المنبر ، فقال : إلى كم يغلب باطلنا حقّكم ؟ أما آن لربّكم أن يغضب لكم ؟ و كان زنديقا أمّه نصرانية ، فكان يولّي النصارى و المجوس على المسلمين ،

و يأمرهم بامتهانهم و ضربهم ، و كان أهل الذمّة يشترون الجواري المسلمات و يطؤهنّ ، فيطلق لهم ذلك ، و لا يغيّر عليهم ١ .

« و لم يجبر » الجبر : إصلاح العظم المكسور ، و يعبّر عنه في الفارسيّة بقولهم : ( شكست و بست ) .

« عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل » أي : ضيق .

« و بلاء » فكما لم يهلك الجبّارين إلاّ بعد مدّة طويلة لم يقوّ المقهورين إلاّ بعد شدّة عريضة ، ما قال عليه السّلام ذلك أي : عدم قصم الجبّارين ، و عدم إغاثة المقهورين إلاّ بعد مدّة ، تمثيلا لحاله عليه السّلام و حال المتقدّمين عليه سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا ٢ .

و يشهد لكلامه عليه السّلام في الجبّارين و المستضعفين قوله تعالى في فرعون و أصحابه و موسى و قومه : و قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و آلهتك قال سنقتّل أبناءهم و نستحيي نساءهم و إنّا فوقهم قاهرون . قال موسى لقومه استعينوا باللّه و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين . قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا قال عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون . و لقد أخذنا آل فرعون بالسّنين و نقص من الثمرات لعلّهم يذّكّرون . فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه و إن تصبهم سيّئة يطّيّروا بموسى و من معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه و لكنّ أكثرهم لا يعلمون .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ٢٢ : ١٦ .

( ٢ ) الأحزاب : ٦٢ .

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605