بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112829 / تحميل: 5993
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

لجلسائه : لمن مثل هذا هل رأيتم مثل ما أنا فيه ، و هل أعطي أحد مثل ما أعطيت ؟ و كان عنده رجل من بقايا حملة الحجّة و المضيّ على أدب الحقّ و منهاجه و لم تخل الأرض من قائم للّه بحجّة في عباده فقال : أيّها الملك إنّك سألت عن أمر ، أفتأذن لي في الجواب عنه ؟ . . . ١ .

و قال منصور بن حازم من أصحاب أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام لقوم من العامّة : ألستم تعلمون أنّ رسول اللّه كان هو الحجّة من اللّه على خلقه ، فحين ذهب الرّسول من كان الحجّة بعده ؟ فقالوا : القرآن . قال : ننظر في القرآن فإذا يخاصم به المرجى‏ء و الحروري و الزّنديق الّذي لا يؤمن حتّى يغلب خصمه ،

فعرف أنّ القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم ما قال فيه كان حقّا ، فمن قيّم القرآن ؟

قالوا : كان عبد اللّه بن مسعود و فلان و فلان يعلمون . قال : يعلمون كلّه . قالوا :

لا . قال لهم : لم نجد أحدا يقال يعرف ذلك كلّه إلاّ علي ، و إذا كان الشّي‏ء بين قوم و قال هذا : لا أدري لمن هو ، و قال هذا : لا أدري ، و قال آخر : أدري أنّه لي ، فهو له ،

فأشهد أنّ عليّا عليه السّلام كان قيّم القرآن ، و كانت طاعته مفروضة ، و كان حجّة بعد النّبي صلى اللّه عليه و آله على النّاس كلّهم ، و أنّه ما قال في القرآن فهو حقّ ، و أشهد أنّ عليّا عليه السّلام لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك الرّسول حجّة من بعده ٢ .

قال ابن أبي الحديد بعد نقل العنوان : و هذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية ، إلاّ أنّ أصحابنا يحملونه على أنّ المراد به الأبدال الّذين وردت الأخبار النّبويّة عنهم أنّهم في الأرض سائحون ، فمنهم من يعرف و منهم من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ١٨٨ ح ١٥ ، و معرفة الرجال للكشي ، اختياره : ٤٢٠ ح ٧٩٥ ، و روى صدره الكليني في الكافي ١ : ١٦٨ ح ٢ و النقل بتصرف يسير .

٥٢١

لا يعرف ، و أنّهم لا يموتون حتّى يودعوا السرّ ، و هو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم . . . ١ .

قلت : قد عرفت أنّ الكلام كالمتواتر عنه عليه السّلام و دلالته أيضا صريحة ،

و هل حمل أصحابه إلاّ تحكّم ؟ و من هؤلاء الأبدال الذين قال ابن أبي الحديد هل جنّ أو ملك ؟ إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٢ . و لم لم يحملوا أخبار الأبدال على أهل بيته الأئمّة الاثني عشر عليه و عليهم السّلام ، كما هو القاعدة في حمل المجمل على المفصّل ،

و المشكوك على المتيقّن ؟ و ما يفعلون بقوله عليه السّلام بعد : « إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » ، فأيّ بدل من أبدالهم كان ظاهرا مشهورا ، و أيّهم كان خائفا مغمورا ، . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ٣ ؟

و كيف ، و كلامه عليه السّلام يشمل الأنبياء ؟ فإنّ تعبيره عليه السّلام : « لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة » ، و معلوم أنّ الأنبياء من القائمين للّه بحجّة بلا خلاف ، فلا بدّ أن يراد بالحجّة الأنبياء و من كان بمنزلتهم من أوصيائهم ، و لم يكن بعد نبيّنا صلى اللّه عليه و آله من يكون مثله في العصمة ، و من يقوم به الحجّة سوى الأئمّة الاثني عشر بإجماع الامّة .

و روى ابن قتيبة في ( عيونه ) مسندا عن إبراهيم بن عبد الرّحمن قال :

قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، و انتحال المبطلين ، و تأويل الجاهلين ٤ .

و قال محمّد بن علي بن بابويه في ( إكماله ) في قوله تعالى : . . . إنّما أنت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١٣ .

( ٢ ) النجم : ٢٣ .

( ٣ ) الحج : ٤٦ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١١٩ .

٥٢٢

منذر و لكلّ قوم هاد ١ : دليل على أنّه لم تخل الأرض من هداة في كلّ قوم ،

و كلّ عصر تلزم العباد الحجّة للّه تعالى من الأنبياء و الأوصياء ، فالهداة من الأنبياة و الأوصياء لا يجوز انقطاعهم ما دام التّكليف من اللّه تعالى لازما للعباد ٢ .

و قال أيضا في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٣ : دليل على أنّ الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ،

و ذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام ، حيث يقول : « الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق و بعد الخلق » ٤ . و لو خلق اللّه تعالى الخليفة خلوّا من الخليفة لكان قد عرّضهم للتّلف إلى أن قال : و من زعم أنّ الدّنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحّح مذهب البراهمة في إبطالهم الرّسالة ، و لو لا أنّ القرآن نزل بأنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء لوجب كون رسول في كلّ وقت ، فلمّا صحّ ذلك ارتفع معنى كون الرّسول بعده ، و بقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل ٥ .

هذا ، و في ( تاريخ خلفاء السيوطي ) في خلفائهم الذين ينصبونهم و يجعلونهم حجّة بينهم و بينه تعالى ، كما كان الوثنيّون ينحتون بأيديهم و ثنا ، ثمّ يجعلونه إلها يعبدونه ليقرّبهم إلى اللّه زلفى ، أو الّذين يغلبونهم بالسيف فيأخذون منهم البيعة ، و يخلعون من كان خليفتهم قبل ، و يأمرونهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٧ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٦٦٧ .

( ٣ ) البقرة : ٣٠ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و كمال الدين للصدوق : ٢٢١ ح ٥ ، و : ٢٣٢ ح ٣٦ .

( ٥ ) كمال الدين للصدوق : ٤ ، و الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ .

٥٢٣

بلعنه ، فيصير بعد ساعة وليّ اللّه لهم عدوّ اللّه و عدوّ اللّه حجّة اللّه . و قصة الخوارج مع أصحاب المهلّب بعد قتل ابن الزّبير و استيلاء عبد الملك على العراق في ذلك معروفة بعد ذكر قتل هولاكو في سنة ( ٦٥٦ ) للمستعصم آخر العبّاسيين في العراق : « ثمّ دخلت سنة سبع و خمسين بعد ستّمائة و الدّنيا بلا خليفة » ١ . و قال بعد ذكر نصبهم بمصر خليفة في سنة ( ٦٥٩ ) : « و كان مدّة انقطاع الخلافة ثلاث سنين و نصفا » ٢ .

قلت : و لم يبق حتّى يرى انقطاع خلافتهم إلى الأبد .

و فيه أيضا في عنوان ( في مدّة الخلافة في الاسلام ) بعد نقل خبر جابر بن سمرة عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناواهم عليه اثني عشر خليفة كلّهم من قريش أخرجه الشيخان و غيرهما و له طرق و ألفاظ إلى أن قال : قال القاضي عياض : لعلّ المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث و ما شابهها : أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة ، و قوّة الإسلام ،

و استقامة أموره ، و الاجتماع على من يقوم بالخلافة ، و قد وجد هذا في من اجتمع عليه النّاس إلى أن اضطرب أمر بني أميّة و وقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتّصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم .

ثمّ قال : قال شيخ الاسلام ابن حجر في شرح البخاري : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث و أرجحه لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : « كلّهم يجتمع عليه الناس » . و إيضاح ذلك أنّ المراد بالاجتماع : انقيادهم لبيعته ، و الّذي وقع أنّ الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٧٥ .

( ٢ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٧٦ .

٥٢٤

عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ ، إلى أنّ وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثمّ اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ، و لم ينتظر للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لمّا مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة : الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام ، و تخلّل بين سليمان و يزيد ، عمر بن عبد العزيز . فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين و الثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع النّاس عليه لمّا مات عمّه هشام ، فولّي نحو أربع سنين ، ثمّ قاموا عليه فقتلوه ، و انتشرت الفتن و تغيّرت الأحوال من يومئذ . و لم يتّفق أن يجتمع النّاس على خليفة بعد ذلك ، لأنّ يزيد بن الوليد الّذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عمّ أبيه مروان بن محمّد بن مروان ، و لمّا مات يزيد ولّي أخوه إبراهيم فقتله مروان ، ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل ، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ، و لم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه ، ثمّ ولي أخوه المنصور فطالت مدّته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيّين على الأندلس ، و استمرّت في أيديهم متغلّبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك ، و انفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلاّ الاسم في البلاد ، بعد أن كان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقا و غربا و يمينا و شمالا ممّا غلب عليه المسلمون ، و لا يتولّي أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شي‏ء منها إلاّ بأمر الخليفة . و من انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس و حدها ستّة أننفس كلّهم يتسمّى بالخلافة ، و معهم صاحب مصر العبيدي ،

و العبّاسي ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية و الخوارج إلى أن قال : و قيل : إنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ و إن لم تتوال أيّامهم ، و يؤيّد

٥٢٥

هذا ما أخرجه مسدّد في مسنده الكبير عن أبي ، الخلد أنّه قال : « لا تهلك هذه الامّة حتّى يكون منها اثنا عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى و دين الحقّ ، منهم رجلان من أهل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله » و على هذا فالمراد بقوله : « ثمّ يكون الهرج » أي : الفتن المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدّجّال و ما بعده .

و قال السيوطي بعد نقل كلامه : و على هذا فقد وجد من الاثني عشر خليفة : الخلفاء الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز ،

هؤلاء ثمانية ، و يحتمل أن يضمّ إليهم المهتدي من العباسيين ، لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أميّة ، و كذلك ( الظاهر ) لما أوتيه من العدل و بقي الاثنان المنتظران ، أحدهما المهدي لأنّه من آل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله ١ .

قلت : كذب شيخ إسلامهم في كون أمير المؤمنين عليه السّلام ممّن اجتمع عليه الناس كيزيد ، فكيف و خالفه أمّ مؤمنيهم و حواريهم و صاحبه و ابن عمرو و سعد و المغيرة و سعيد بن العاص و جمع آخر ، و سمّوا أيّامه عليه السّلام أيّام فتنة ؟

و أغرب صاحب الكتاب في جعل معاوية و ابن الزّبير من الّذين يعملون بالهدى و دين الحقّ ، فمحاربتهما و سبّهما لأمير المؤمنين عليه السّلام هل هو من الهدى و دين الحقّ ؟ و لعمر اللّه دين الدّهريّة و الوثنيّة أقرب إلى العقول من دين إخواننا السّنة .

« إمّا ظاهرا مشهورا » كأمير المؤمنين عليه السّلام و أبنائه العشرة من الحسن السبط إلى الحسن العسكري صلوات اللّه عليهم ، و ورد أنّ رجلا من أهل الشام ورد على جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام فقال : إنّي صاحب كلام وفقه و فرائض ، و قد جئتك لمناظرة أصحابك . فقال عليه السّلام له : كلامك من كلام النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أو من عندك ؟ فقال : بعضه من كلامه و بعضه من عندي . فقال عليه السّلام :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٠ ١٢ .

٥٢٦

فأنت إذن شريك النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . قال : فسمعت الوحي عن اللّه تعالى ؟ قال :

لا . قال : فتجب طاعتك كالنّبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . فقال : هذا خصم نفسه قبل أن يتكلّم . ثمّ أمره عليه السّلام أوّلا بالكلام مع حمران بن أعين و مؤمن الطاق و هشام بن سالم و قيس الماصر من أصحابه ، فكلّموه فغلبوا عليه . ثم قال عليه السّلام له : كلّم هذا الغلام مشيرا إلى هشام بن الحكم و كان أوّل ما اختطّت لحيته . فقال الشامي : سلني يا غلام في إمامة هذا يعني الصادق عليه السّلام فغضب هشام حتّى ارتعد . فقال له : أخبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ فقال الشامي :

بل ربّهم أنظر لهم . قال هشام : ففعل الربّ بنظره لخلقه في دينهم ماذا ؟ قال :

كلّفهم ، و أقام لهم حجّة و دليلا على ما كلّفهم ، و أزاح في ذلك عللهم . فقال هشام :

فما هذا الدّليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو النّبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال هشام : فبعده من ؟ قال الشّامي : الكتاب و السنّة . قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنّة في ما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف و يمكّننا من الاتّفاق ؟ قال : نعم . قال هشام : فلم اختلفنا نحن ، و أنت جئتنا من الشام و خالفتا و تزعم أنّ الرّأي طريق الدّين ، و أنت مقرّ بأنّ الرّأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين . فسكت الشامي كالمفكّر ، فقال له الصادق عليه السّلام : مالك لا تتكلّم ؟ قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، و إن قلت : إنّ الكتاب و السنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنّهما يحتملان الوجوه ، و إن قلت : قد اختلفنا و كلّ واحد منّا يدّعي الحق ، فلم ينفعنا إذن الكتاب و السّنّة ، و لكن لي عليه مثل ذلك . فقال عليه السّلام : سله تجده مليّا .

فقال لهشام : من أنظر للخلق ربّهم أم أنفسهم ؟ فقال : بل ربّهم . فقال : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ، و يرفع اختلافهم ، و يبيّن لهم حقّهم من باطلهم ؟ قال :

نعم . قال : من هو ؟ قال : أما في ابتداء الشريعة فالنّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أمّا بعده فغيره .

فقال الشامي : من غيره القائم مقامه في حجّته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا . قال هشام : هذا الجالس و أشار إلى

٥٢٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الصادق عليه السّلام الّذي تشدّ إليه الرحال ، و يخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ . فقال : و كيف لي بعلم ذلك ؟ قال : سله عمّا بدا لك . قال : قطعت عذري ،

فعليّ السؤال . فقال له الصادق عليه السّلام : أنا أكفيك المسألة يا شامي ، أخبرك عن سيرك و سفرك خرجت يوم كذا ، و كان في طريقك كذا ، و مررت على كذا ، و مرّ بك كذا . فأقبل الشامي يقول كلّما وصف له شيئا من أمره : صدقت و اللّه . ثمّ قال الشامي : أسلمت للّه السّاعة . فقال الصادق عليه السّلام : بل آمنت باللّه الساعة ، إنّ الاسلام قبل الايمان و عليه يتوارثون و يتناكحون ، و على الايمان يثابون . قال الشامي : صدقت ، فأنّا الساعة أشهد ألا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله رسوله و أنّك وصيّ الأوصياء ١ .

« أو خائفا مغمورا » كالقائم المنتظر عليه السّلام ، قال الصادق عليه السّلام كما في خبر إسحاق بن عمّار للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة ، و الاخرى طويلة ، و الغيبة الاولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة شيعته ، و الاخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه ٢ .

و قال عليه السّلام أيضا لسدير الصيرفي : إنّ في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف . فقال سدير : كأنّك تذكر حياته و غيبته ؟ فقال عليه السّلام : و ما تنكر من ذلك ؟

هذه الامّة أشباه الخنازير . إنّ إخوة يوسف عليه السّلام كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ،

تاجروا يوسف و بايعوه و خاطبوه و هم إخوته و هو أخوهم ، فلم يعرفوه حتّى قال : . . . أنا يوسف و هذا أخي . . . ٣ فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل اللّه تعالى بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف . إنّ يوسف كان إليه ملك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٠ ح ١٩ ، و الغيبة للنعماني : ١١٣ بطريقين .

( ٣ ) يوسف : ٩٠ .

٥٢٨

مصر ، و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك ، لقد سار يعقوب و ولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر ،

فما تنكر هذه الأمّة أنّ يفعل اللّه تعالى بحجّته كما فعل بيوسف ، أن يمشي في أسواقهم و يطأ بسطهم حتّى يأذن اللّه تعالى في ذلك له كما أذن ليوسف قالوا أإنّك لأنت يوسف قال أنا يوسف ١ .

و لما أنشد دعبل الخزاعي أبا الحسن الرضا قصيدته التي أوّلها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

إلى أن انتهى إلى قوله :

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل

و يجزي على النّعماء و النّقمات

بكى الرّضا عليه السّلام بكاء شديدا ، ثمّ رفع رأسه إليه ، و قال له : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم ؟

فقال : لا يا مولاي ، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ،

و يملؤها عدلا . فقال عليه السّلام : يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني ، و بعد محمّد ابنه علي ، و بعد عليّ ابنه الحسن ، و بعد الحسن ، و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ٢ .

و عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين عليه السّلام إلى أن قال : قلت له : روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ الأرض لا تخلو من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٦ ح ٤ ، و كمال الدين للصدوق : ٣٤١ ح ٢١ و علل الشرائع : ٢٤٤ ح ٣ ، و الغيبة للنعماني : ١٠٨ ، ١٠٩ ، و الآية ٩٠ من سورة يوسف .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٧٢ ح ٦ ، و عيون الأخبار ٢ : ٢٦٩ ح ٣٥ ، و كفاية الأثر للخراز : ٢٧١ .

٥٢٩

حجّة للّه جلّ و عزّ على عباده . فمن الحجة و الإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمّد ،

و اسمه في التوراة باقر ، إنّه يبقر العلم بقرا ، هو الحجّة و الإمام بعدي ، و من بعد محمّد ابنه جعفر ، و اسمه عند أهل السماء الصادق . فقلت له : يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق و كلّكم صادقون ؟ قال : فإنّ الخامس من ولده الّذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه و كذبا عليه ، فهو عنه اللّه جعفر الكذاب المغتري على اللّه المدعي لما ليس له بأهل ، المخالف لأبيه و الحاسد لأخيه ، ذاك الذي يكشف سرّ اللّه عند غيبة وليّ اللّه . ثمّ بكى عليه السّلام بكاء شديدا ، و ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي اللّه ، و المغيّب في حفظ اللّه ، و على التوكيل بحرم أخيه ، جهلا منه بولادته و حرصا على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه . . . ١ .

و في ( حلية أبي نعيم ) في محمّد بن الحنفيّة مسندا عنه عن أبيه عليه السّلام عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : المهدي منّا أهل البيت ، يصلحه اللّه تعالى في ليلة أو قال في يومين ٢ .

و روى ( الحلية ) أيضا عن عمرو بن ثابت قال : قال محمّد بن الحنفيّة :

ترون أمرنا لهو أبين من هذه الشمس ، فلا تعجلوا و لا تقتلوا أنفسكم ٣ .

و روى ( الحلية ) في محمّد بن عليّ الباقر مسندا عنه عليه السّلام قال : إنّ اللّه تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرّعب ، فإذا قام قائمنا و ظهر مهدينا كان الرّجل أجرأ من ليث ، و أمضى من سنان ٤ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) في عنوان الحسن بن عليّ عليه السّلام روى بأسانيد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣١٩ ح ٢ بطريقين ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣١٧ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٧٧ .

( ٣ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٧٥ .

( ٤ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٨٤ .

٥٣٠

عنه عليه السّلام عن أبيه عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّ الدّنيا تسع البرّ و الفاجر حتّى يبعث اللّه امام الحقّ من آل محمّد صلى اللّه عليه و آله ١ .

و ممّا يدل على أنّ مراده عليه السّلام بالخائف المغمور : القائم المنتظر صلوات اللّه عليه شهرة ذلك من أيّام الصحابة و التابعين ، قال الجاحظ في ( بيانه ) : كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلّب ( لمّا خرج على يزيد بن عبد الملك ) :

« إنّك و اللّه ما أنت بصاحب هذا الأمر ، صاحب هذا الأمر مغمور موتور ، و أنت مشهور غير موتور » ٢ .

و المغمور : المخفي في الجمع ، من قولهم : دخلت في غمار النّاس . أي :

كثرتهم و زحمتهم ، و هو في مقابل المشهور كما يفهم من كلام مسلمة .

« لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته » و في روايتي الكليني المتقدّمتين : « كيلا تبطل حججك و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم » ٣ .

« و كم ذا و أين أولئك » و في رواية ( العقد ) : « و كم رأينا » ٤ . و في روايتي الكليني المتقدّمتين « بل أين هم و كم هم » ٥ . و كيف كان فروى ( الكافي ) عن الأصبغ قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السّلام فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض ، فقلت :

يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكّرا تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها ؟ فقال : لا و اللّه ما رغبت فيها ، و لا في الدّنيا يوما قطّ ، و لكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الّذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما ، تكون له غيبة و حيرة يضلّ فيها أقوام و يهتدي فيها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٤ ضمن حديث .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٦٨ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٣٣٥ ، ٣٣٩ و لفظ الثانية « حجّتك » .

( ٤ ) لفظ العقد الفريد ٢ : ٦٩ مثل المصرية أيضا إلاّ أن « أولئك » لم يتكرّر فيه .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٥ ، ٣٣٩ و لفظ الاولى « أين هم و كم » .

٥٣١

آخرون إلى أن قال : و أنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ ؟ أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة ١ .

« أولئك و اللّه الأقلّون عددا و الأعظمون قدرا » هكذا في ( الخطية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٢ : « و الأعظمون عند اللّه قدرا » و مثله ( المصرية ) ، قال الرضا عليه السّلام : قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام : لا يحفظني فيك إلاّ الأتقياء الأبرار الأصفياء ، و ما هم في أمّتي إلاّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر ٣ .

« يحفظ اللّه بهم حججه و بيّناته » هكذا في ( المصرية ) ، و الثواب : ( بهم يحفظ اللّه حججه و بيّناته ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) و كذا ( إبن أبي الحديد ) ٤ .

« حتّى يودعوها نظراءهم و يزرعوها في قلوب أشباههم » و في رواية الكليني الاولى المتقدّمة بدل الكلام : « المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين الّذين يتأدّبون بآدابهم و ينهجون نهجهم » ٥ . لكن مقتضى المقام أنّ يكون ما في ( الكافي ) زائدا على نقل المصنّف لإتمامه ، و حينئذ فسقط من كلّ منهما إن صحّت النّسخ إحدى الجملتين .

و كيف كان فروى النعماني في ( غيبته ) عن عبد الملك بن أعين قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : إنّ احتمال أمرنا ليس معرفته و قبوله ، إنّ احتمال أمرنا هو صونه و ستره عمّن ليس من أهله فأقرئهم السّلام و رحمة اللّه يعني الشيعة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٨ ح ٧ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١١ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ أيضا .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ١٣٠ ح ١٧ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١١ « يحفظ اللّه بهم » .

( ٥ ) الكافي ١ : ٣٥٥ .

٥٣٢

و قل : قال لكم : رحم اللّه عبدا استجرّ مودّة الناس إلى نفسه و إلينا ، بأن يظهر لهم ما يعرفون ، و يكفّ عنهم ما يكرهون ١ .

و في رواية الصفار في ( بصائره ) عن معمّر بن خلاّد قال : سمعت الرّضا عليه السّلام يقول : أسرّ اللّه سرّه إلى جبرئيل و أسرّه جبرئيل إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و أسرّه محمّد صلى اللّه عليه و آله إلى علي عليه السّلام و أسرّه علي عليه السّلام إلى من شاء واحدا بعد واحد صلوات اللّه عليهم ٢ .

« هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، و باشروا روح اليقين » روى الصدوق في ( إكماله ) أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابنه الحسين عليه السّلام : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ المظهر للدّين ، و الباسط للعدل . فقال الحسين عليه السّلام : يا أمير المؤمنين و إنّ ذلك لكائن ؟ فقال عليه السّلام : إي و الّذي بعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالنبوّة و اصطفاه على جميع البرية ، و لكن بعد غيبة و حيرة ، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الّذين أخذ اللّه تعالى ميثاقهم بولايتنا و كتب في قلوبهم الايمان و أيّدهم بروح منه ٣ .

« و استلانوا » أي : عدوا ليّنا .

« ما استوعره » أي : وجده و عرا غليظا .

« المترفون » الّذين أطغتهم النعمة .

« و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون » قال الصادق عليه السّلام : أقرب ما يكون العباد من اللّه عزّ و جلّ و أرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة اللّه عزّ و جلّ فلم يظهر لهم و لم يعلموا بمكانه ، و هم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ، و قد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه النعماني في الغيبة : ٢١ عن عبد الأعلى بن أعين و عبد الملك خطأ .

( ٢ ) هذا حديث أبي بصير عن الباقر عليه السّلام أخرجه الصفار في البصائر : ٣٩٧ ح ٤ ، و أمّا حديث معمّر بن خلاّد فأخصر من هذا و قد أخرجه في : ٣٩٧ ح ٣ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٠٤ ح ١٦ .

٥٣٣

علم أنّ أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين ، و لا يكون ذلك إلاّ على رأس شرار النّاس ١ .

و قال السجاد عليه السّلام : تمتدّ الغيبة بولي اللّه إلى أن قال : إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته و المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان ، لأنّ اللّه أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالسيف ، أولئك المخلصون حقّا و شيعتنا صدقا ، و الدّعاة إلى دين اللّه تعالى سرّا و جهرا ٢ .

« و صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى » روى ( الكافي ) عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : في الأنبياء و الأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، و روح الايمان ، و روح الحياة ، و روح القوّة ، و روح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى . ثمّ قال : يا جابر إنّ هذه الأربعة الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس ، فإنّها لا تلهو و لا تلعب ٣ .

« أولئك خلفاء اللّه في أرضه و الدّعاة إلى دينه » قال ابن بابويه في قوله تعالى : . . . إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : إنّ القضيّة في الخليفة باقية إلى يوم القيامة ، و من زعم أنّ الخليفة أراد به النّبوّة فقد أخطأ من وجه ، و ذلك أنّ اللّه تعالى وعد أن يستخلف من هذه الأمّة خلفاء راشدين ، كما قال تعالى :

و عد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم و ليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٣٧ ، ٣٣٩ ح ١٠ ، ١٦ ، ١٧ بثلاث طرق ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣١٩ ح ٢ ضمن حديث .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٧٢ ح ٢ .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٥٣٤

بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا . . . ١ و لو كانت قضية الخلافة قضية النبوّة أوجب حكم الآية أن يبعث اللّه عزّ و جلّ نبيّا بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله ٢ .

و روى : أنّ أحمد بن إسحاق دخل على العسكري عليه السّلام يريد أن يسأله عن خلفه ، فقال عليه السّلام له مبتدئا : يا أحمد إنّ اللّه تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم و لا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، و به ينزّل الغيث ، و به يخرج بركات الأرض . . . ٣ .

« آه آه » قال الجوهري قولهم : أوه من كذا ، ساكنة الواو ، إنّما هو توجع ،

قال الشاعر :

فأوه لذاكر ما إذا ما ذكرتها

و من بعد أرض بيننا و سماء

و ربّما قلبوا الواو ألفا . فقالوا : آه من كذا ٤ .

« شوقا إلى رؤيتهم » لم ينحصر إظهار الاشتياق إليهم عليهم السّلام به عليه السّلام ، فقد أظهر جدّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أيضا الاشتياق إليهم ، حتّى إنّه أمر جابر الأنصاري بإبلاغه سلامه صلى اللّه عليه و آله إلى آخر من يدركه منهم ، ففي ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : ذكر المدائني عن جابر الأنصاري إنّه أتى أبا جعفر محمّد بن علي إلى الكتّاب و هو صغير ، فقال له : رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يسلّم عليك . فقيل لجابر :

و كيف هذا ؟ فقال : كنت جالسا عند النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و الحسين عليه السّلام في حجره و هو يداعبه ، فقال : يا جابر يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد :

ليقم سيّد العابدين . فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد فإن أدركته يا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النور : ٥٥ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٥ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٨٤ ح ١ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢٢٥ مادة ( اوه ) .

٥٣٥

جابر فأقرئه منّي السّلام ١ .

« انصرف إذا شئت » و في إسناد « إذا شئت فقم » و تعليق أمر الانصراف بمشيئة الطرف في مثله من جميل الخطاب ، و حسن الآداب ، و نظيره أنّ أبا العيناء و كان أعمى قال : ما رأيت أقوم على أدب من ابن أبي داود ، و ذلك أني ما خرجت من عنده قطّ فقال : يا غلام خذ بيده ، بل كان يقول : يا غلام اخرج معه .

و ممّا يناسب المقام في قوله عليه السّلام : « انصرف » ما في ( بيان الجاحظ ) : أنّ رجلا من العسكر عدا بين يدي المأمون ، فقال له بعض من يسير بقربه : يقول لك الخليفة : اركب . فقال المأمون : لا يقال لمثل هذا اركب . إنّما يقال لمثل هذا :

انصرف ٢ .

٢

الخطبة ( ٨٦ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَ رَخَاءٍ وَ لَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ اَلْأُمَمِ إِلاَّ بَعْدَ أَزْلٍ وَ بَلاَءٍ وَ فِي دُونِ مَا اِسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَ مَا اِسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ وَ مَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ وَ لاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ وَ لاَ كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ فَيَا عَجَباً وَ مَا لِيَ لاَ أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ اَلْفِرَقِ عَلَى اِخْتِلاَفِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا لاَ يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ وَ لاَ يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ وَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَ لاَ يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ يَعْمَلُونَ فِي اَلشُّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٣٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٨٥ .

٥٣٦

اَلشَّهَوَاتِ اَلْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا وَ اَلْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا .

مَفْزَعُهُمْ فِي اَلْمُعْضِلاَتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَ تَعْوِيلُهُمْ فِي اَلْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ كَأَنَّ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وَ أَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ أقول : رواه الكليني في ( روضته ) مسندا عن الصادق عليه السّلام قال : خطب أمير المؤمنين عليه السّلام بالمدينة ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : أمّا بعد ، فانّ اللّه تعالى لم يقصم جبّاري دهر إلاّ من بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم من الأمم إلاّ بعد أزل و بلاء . أيّها الناس في دون ما استقبلتم من عطب و استدبرتم من خطب معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير . عباد اللّه أحسنوا في ما يعنيكم النّظر فيه ، ثمّ انظروا إلى عرصات من قد أقاده اللّه بعمله ، كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون . و زروع و مقام كريم ١ ، ثمّ انظروا بما ختم اللّه لهم بعد النّضرة و السرور و الأمر و النّهي ، و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان و اللّه مخلّدون ، و للّه عاقبة الأمور . فيا عجبا و مالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتفون أثر نبيّ ، و لا يقتدون بعمل وصيّ ، و لا يؤمنون بغيب ، و لا يعفّون عن عيب . المعروف فيهم ما عرفوا ،

و المنكر عندهم ما أنكروا ، و كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، أخذ منها في ما يرى بعرى وثيقات ، و أسباب محكمات ، فلا يزالون بجور ، و لن يزدادوا إلاّ خطا ، لا ينالون تقرّبا ، و لن يزدادوا إلاّ من بعدا من اللّه عزّ و جلّ . أنس بعضهم ببعض ،

و تصديق بعضهم لبعض . كلّ ذلك و حشة ممّا ورث النّبيّ الاميّ صلى اللّه عليه و آله و نفورا ممّا أدّى إليهم من أخبار فاطر السّماوات و الأرض . أهل حسرات ، و كهوف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الدخان : ٢٥ ٢٦ .

٥٣٧

شبهات ، و أهل عشوات ، و ضلالة و ريبة . من و كله اللّه إلى نفسه و رأيه فهو مأمون عند من يجهله ، غير المتّهم عند من لا يعرفه . فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها . . . ١ .

و رواه المفيد في ( إرشاده ) عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام قال :

قال أمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا بعد ، فإنّ اللّه تعالى لم يقصم جبّارا قطّ إلاّ بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل و بلاء . أيّها الناس و في دون ما استقبلتم من خطب و استدبرتم من عصر معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير ، ألا فأحسنوا النظر عباد اللّه في ما يعنيكم ، ثمّ انظروا إلى عرصات من أباده اللّه بعمله ،

كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون . و زروع و مقام كريم .

فها هي عرصة المتوسّمين ، و إنّها لبسبيل مقيم ٢ ، تنذر من نابها من الثّبور بعد النّضرة و السرور ، و مقيل من الأمن و الحبور ، و لمن صبر منكم العاقبة ، و للّه عاقبة الأمور . فواها لأهل العقول ، كيف أقاموا بمدرجة السّيول ،

و استضافوا غير مأمون رئيسا لهذه الأمّة الجائرة في قصدها الراغبة عن رشدها ؟ لا يقتفون أثر نبي ، و لا يقتدون بعمل وصيّ ، و لا يؤمنون بغيب ، و لا يرعوون من عيب . كيف ، و مفزعهم في المبهمات إلى قلوبهم ، و كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، أخذ منها في ما يرى بعرى ثقات . لا يألون قصدا ، و لن يزدادوا إلاّ بعدا ، لشدّة انس بعضهم ببعض ، و تصديق بعضهم بعضا حيادا كلّ ذلك عمّا ورث الرّسول ، و نفورا عمّا أدّى إليه من فاطر السماوات و الأرضين العليم الخبير . فهم أهل عشوات كهوف شبهات ، قادة حيرة و ريبة . من و كل إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٦٣ ح ٢٢ كتاب الروضة .

( ٢ ) الحجر : ٧٦ .

٥٣٨

نفسه فاغرورق في الأضاليل . هذا و قد ضمن اللّه قصد السبيل . . . ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيا من حيّ عن بيّنة و إنّ اللّه لسميع عليهم ١ . فيا ما أشبهها أمّة صدّت عن ولادتها و رغبت عن رعاتها . . . ٢ .

و نقل الخوئي أيضا الأوّل و أشار إلى الثاني ٣ .

« امّا بعد ، فإنّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) و زاد ( ابن ميثم و الخطّية ) ٤ سبحانه .

« لم يقصم » قال الجوهري : قصمت الشي‏ء قصما : إذا كسرته حتّى يبين ٥ .

« جبّاري دهر قطّ إلاّ بعد تميل » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( تمهيل ) كما في ( إبن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و يصدّقه الرّوضة و الإرشاد ٦ .

« و رخاء » و هو ضدّ الشدّة ، و عدم قصمه تعالى للجبّارين إلاّ بعد تمهيل و رخاء هو سنّته عزّ و جلّ ، قال تعالى : فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ٧ .

و بتمهيله جلّ و علا يغترّ الجبّارون و يزيدون جبّاريتهم ، و في ( أغاني أبي الفرج ) قال أبو عبيدة : حدّثني أبو الهذيل العلاّف قال : صعد خالد القسري

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٤٢ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ١٥٥ .

( ٣ ) شرح الخوئي ٣ : ٦١ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و الكافي ٨ : ٦٤ ، و الإرشاد : ١٥٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « فإن اللّه » و « تميل » أيضا .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠١٣ مادة ( قصم ) .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و الكافي ٨ : ٦٤ ، و الإرشاد : ١٥٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « فإن اللّه » و « تميل » أيضا .

( ٧ ) الأنعام : ٤٤ .

٥٣٩

المنبر ، فقال : إلى كم يغلب باطلنا حقّكم ؟ أما آن لربّكم أن يغضب لكم ؟ و كان زنديقا أمّه نصرانية ، فكان يولّي النصارى و المجوس على المسلمين ،

و يأمرهم بامتهانهم و ضربهم ، و كان أهل الذمّة يشترون الجواري المسلمات و يطؤهنّ ، فيطلق لهم ذلك ، و لا يغيّر عليهم ١ .

« و لم يجبر » الجبر : إصلاح العظم المكسور ، و يعبّر عنه في الفارسيّة بقولهم : ( شكست و بست ) .

« عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل » أي : ضيق .

« و بلاء » فكما لم يهلك الجبّارين إلاّ بعد مدّة طويلة لم يقوّ المقهورين إلاّ بعد شدّة عريضة ، ما قال عليه السّلام ذلك أي : عدم قصم الجبّارين ، و عدم إغاثة المقهورين إلاّ بعد مدّة ، تمثيلا لحاله عليه السّلام و حال المتقدّمين عليه سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا ٢ .

و يشهد لكلامه عليه السّلام في الجبّارين و المستضعفين قوله تعالى في فرعون و أصحابه و موسى و قومه : و قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و آلهتك قال سنقتّل أبناءهم و نستحيي نساءهم و إنّا فوقهم قاهرون . قال موسى لقومه استعينوا باللّه و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين . قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا قال عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون . و لقد أخذنا آل فرعون بالسّنين و نقص من الثمرات لعلّهم يذّكّرون . فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه و إن تصبهم سيّئة يطّيّروا بموسى و من معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه و لكنّ أكثرهم لا يعلمون .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ٢٢ : ١٦ .

( ٢ ) الأحزاب : ٦٢ .

٥٤٠

و قالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين . فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدّم آيات مفصّلات فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين . و لمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك و لنرسلنّ معك بني إسرائيل .

فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون . فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليّم بأنّهم كذّبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين . و أورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها و تمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا و دمّرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون ١ .

« و في دون » أي : أقلّ .

« ما استقبلتم من عتب » أي : العتاب .

« و ما استدبرتم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و استدبرتم ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« من خطب » أي : الامور العظيمة .

« معتبر » مبتدأ لقوله : « و في دون » . يقال لك : في هذا الأمر عبرة و معتبر .

و مراده عليه السّلام أنّ في الأقلّ ممّا استقبلهم هو عليه السّلام و زوجته سيّدة النساء صلوات اللّه عليها و باقي بني هاشم ، من العبّاس و الفضل بن عبّاس و غيرهما ، و شيعته من سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و نظرائهم من عتابهم في ما فعلوا ، من تقديم الثلاثة عليه عليه السّلام و تركهم لمن هو بمنزلة نفس الرّسول صلى اللّه عليه و آله في العصمة و الطهارة و العلم بالكتاب و السنّة كما هو حقّه و الإرشاد إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ١٢٧ ١٣٧ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ مثل المصرية أيضا .

٥٤١

أحكام الشريعة كما شرعها النّبيّ صلى اللّه عليه و آله من اللّه تعالى ، و رفعهم للأجانب الّذين بالضدّ من ذلك ، و ممّا استدبرهم من مفاسد تقديم أولئك ، لا سيّما في أيّام ثالثهم ما يوجب عبرتهم و اعترافهم بخطئهم و رجوعهم عن عملهم .

« و ما كلّ ذي قلب بلبيب » صاحب لبّ يميّز بين القشر و اللبّ ، و لذا قال تعالى : . . . قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب ١ .

« و لا كلّ ذي سمع بسميع » يعمل بما سمع ، قال تعالى : و منهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصمّ و لو كانوا لا يعقلون ٢ ، أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا ٣ .

« و لا كلّ ناظر » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لا كلّ ذي ناظر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ .

« ببصير » يفرّق بين الحقائق و غيرها ، قال تعالى : . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصّدور ٥ . و مراده عليه السّلام أنّه و إن كان في دون ما استقبلوه و ما استدبروه ما يوجب اعتبارهم و فهمهم خطأهم ، في تركهم أهل بيت نبيّهم صلى اللّه عليه و آله إلاّ أنّه لمّا كان أكثر النّاس لا يعقلون و لا يميّزون بين الحقّ و الباطل كما قال تعالى : و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولنّ اللّه قال الحمد للّه بل أكثر هم لا يعلمون ٦ ، و قال عزّ و جلّ في موضع :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزمر : ٩ .

( ٢ ) يونس : ٤٢ .

( ٣ ) الفرقان : ٤٤ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « لا كل ناظر » أيضا .

( ٥ ) الحج : ٤٦ .

( ٦ ) لقمان : ٢٥ .

٥٤٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لكنّ أكثرهم لا يعلمون ١ ، و في آخر : . . . و هم لا يشعرون ٢ بقي أكثرهم في تيههم و لم يهتدوا لسبيلهم ، و إنّما رجع إليه عليه السّلام جمع معدود .

قال الكشي : قال الفضل بن شاذان : إنّ من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أبا الهيثم بن التيهان ، و أبا أيّوب ، و خزيمة بن ثابت ( أي : ذو الشهادتين ) و جابر بن عبد اللّه ، و زيد بن أرقم ، و أبا سعيد الخدري ، و سهل بن حنيف ، و البراء بن مالك ، و عثمان بن حنيف ، و عبادة بن الصامت . ثمّ ممّن دونهم قيس بن سعد بن عبادة ، و عدي بن حاتم ، و عمرو بن الحمق ، و عمران بن الحصين ، و بريدة الأسلمي ، و بشر كثير ٣ .

« فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون » قال الجوهري : قصّ أثره : أي تتبّعه ٤ .

قال تعالى : . . . فارتدّا على آثارهما قصصا ٥ . و كذلك : ( اقتص أثره ،

و تقصص أثره ) .

« أثر نبيّ و لا يقتدون بعمل وصيّ » بل يتّبعون أهواءهم و آراءهم ، روى الأصبغ عنه عليه السّلام قال : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عدلوا عن وصيّة ، لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثمّ تلا هذه الاية : ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و أحلّوا قومهم دار البوار . . . ٦ . ثمّ قال عليه السّلام : نحن النّعمة التي أنعم اللّه بها على عباده ، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ٣٧ .

( ٢ ) الزخرف : ٦٦ .

( ٣ ) معرفة الرجال للكشي اختياره : ٣٨ ح ٧٨ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٠٥١ مادة ( قصّ ) .

( ٥ ) الكهف : ٦٤ .

( ٦ ) إبراهيم : ٢٨ .

( ٧ ) الكافي للكليني ١ : ٢١٧ ح ١ .

٥٤٣

و روى أبو هارون عن أبي عقيل قال : كنّا عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال : لتفترقنّ هذه الأمّة على ثلاث و سبعين فرقة ، و الّذي نفسي بيده ، إنّ الفرق كلّها ضالّة إلاّ من اتّبعني و كان من شيعتي ١ .

و عن الصادق عليه السّلام قال لأحد أصحابه : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟ قال : لا . قال : إنى عليّا عليه السّلام لم يكن يدين اللّه بدين إلاّ خالف عليه الأمّة إلى غيره إرادة لابطال أمره ، و كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السّلام عن الشي‏ء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عند أنفسهم ليلبسوا على النّاس ٢ .

و عن الكاظم عليه السّلام قال : ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين عليهما السّلام إلاّ الصلاة بعد العصر و بعد الغلاة في طواف الفريضة ٣ .

و عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال ابن عبّاس : و ايم اللّه ، أن لو قدّم من قدّم اللّه ، و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة ٤ .

و عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي : كنت مع ابن أبي ليلى مزامله حتّى جئنا إلى المدينة ، فبينا نحن في مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله إذ دخل جعفر بن محمّد ،

فقلت لابن أبي ليلى : أما تقوم بنا إليه ؟ فقال : و ما نصنع عنده ؟ قلت : نسائله و نحدّثه . فقال : نعم . فقمنا إليه فسألني عن نفسي و أهلي ، ثمّ قال : من هذا معك ؟

فقلت : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين . فقال له : تأخذ مال هذا فتعطيه هذا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأمالي للمفيد : ٢١٢ ح ٣ المجلس ٢٤ ، و الغارات للثقفي ٢ : ٥٨٥ ، و يأتي تخريجه من طرق أخرى في العنوان ١٧ من هذا الفصل .

( ٢ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٣١ ح ١ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٤٢٤ ح ٥ ، و التهذيب للطوسي ٥ : ١٤٢ ح ١٤٤ ، و الاستبصار ٢ : ٢٣٦ ح ٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٧ : ٧٩ ح ٣ ، و الفقيه للصدوق ٤ : ١٨٧ ح ٣ ، و علل الشرائع : ٥٦٨ ح ٤ ، و التهذيب للطوسي ٩ : ٢٤٨ ح ٦ ، و الفرائض لأبي الشيخ ، و سنن البيهقي عنهما منتخب كنز العمال ٤ : ٢٠٧ ضمن حديث طويل .

٥٤٤

و تقتل ، و تفرّق بين المرء و زوجه ، لا تخاف في ذلك أحدا ؟ قال : نعم . قال : فبأيّ شي‏ء تقضي ؟ قال : بما بلغني عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و عن عليّ ، و عن أبي بكر و عمر .

قال : فبلغك عن النّبي صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّ أقضاكم عليّ ؟ قال : نعم . قال : فكيف تقضي بغير قضاء علي ، و قد بلغك هذا ؟ فما تقول إذا جي‏ء بأرض من فضة و سماء من فضّة ، ثمّ أخذ النّبي صلى اللّه عليه و آله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك فقال : يا رب إنّ هذا قضى بغير ما قضيت . قال : فاصفرّ وجه ابن أبي ليلى حتّى عاد مثل الزّعفران ، ثمّ قال لي : التمس لنفسك زميلا ، و اللّه لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا ١ .

و ورد أنّ سفيان الثوري مع قرشي مكّي ذهبا إلى الصادق عليه السّلام فوجداه ركب دابّته ، فقال سفيان : يا أبا عبد اللّه حدّثنا بحديث خطبة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في مسجد الخيف . قال : دعني حتّى أذهب في حاجتي ، فإنّي قد ركبت ، فإذا جئت حدّثتك . فقال : أسألك بقرابتك من النّبي صلى اللّه عليه و آله لما حدّثتني . فنزل ، فقال سفيان :

مرلي بدواة و قرطاس حتى أثبته . فدعا به ، ثمّ قال : اكتب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مسجد الخيف .

نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها ، و بلّغها من لم تبلغه . يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرى‏ء مسلم : إخلاص العمل للّه ، و النصيحة لأئمّة المسلمين ، و اللزوم لجماعتهم ، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم المؤمنون إخوة تتكافا دماؤهم ، و هم يد على من سواهم ، و يسعى بذمّتهم أدناهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ٣٥٣ .

٥٤٥

فكتبه سفيان و عرضه على أبي عبد اللّه عليه السّلام . قال القرشي : فركب أبو عبد اللّه ، و جئت أنا و سفيان ، فلمّا كنّا في بعض الطريق قال لي سفيان : كما أنت حتّى أنظر في هذا الحديث ، فقلت له : قد و اللّه ألزم أبو عبد اللّه رقبتك شيئا لا يذهب أبدا . فقال : و أيّ شي‏ء ذلك ؟ فقلت له : ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرى‏ء مسلم . . . « إخلاص العمل للّه » قد عرفناه ، « و النصيحة لأئمّة المسلمين » من هؤلاء الأئمّة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان و يزيد بن معاوية و مروان بن الحكم ؟ و قوله « و اللزوم لجماعتهم » . فأي الجماعة ؟

مرجى‏ء يقول : من لم يصلّ ، و لم يصمّ ، و لم يغتسل من جنابة ، و هدم الكعبة و نكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل و ميكائيل ، أو قدريّ يقول : لا يكون ما شاء اللّه تعالى و يكون ما شاء إبليس ، أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب و يشهد عليه بالكفر ، أو جهمي يقول : إنّما هي معرفة اللّه وحده ليس الإيمان شي‏ء غيرها ؟ قال سفيان : و يحك ، فأيّ شي‏ء يقولون ؟ قلت : يقولون : إنّ عليّ ابن أبي طالب و اللّه الإمام الذي يجب علينا نصيحته ، و يقولون : « و لزوم جماعتهم » أهل بيته . قال : فأخذ سفيان الكتاب فخرقه . قال : لا تخبر به أحدا ١ .

و عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد ، و واصل بن عطاء ، و حفص ابن سالم مولى ابن هبيرة ، و ناس من رؤسائهم ، و ذلك حدثان قتل الوليد و اختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلّموا و أكثروا و خبطوا فأطالوا ، فقال أبو عبد اللّه : قد أكثرتم عليّ فأسندوا أمركم إلى رجل منكم يتكلّم بحجّتكم و يوجز .

فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد ، فتكلّم فأبلغ و أطال ، فكان في ما قال : إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٠٣ ح ٢ ، و أخرج الخطبة بلا ذكر قصّة الكليني في الكافي ١ : ٤٠٣ ح ١ ، و القمي في تفسيره ٢ : ٤٤٧ ، و الصدوق في الخصال : ١٤٩ ح ١٨٢ باب الثلاثة ، و المفيد في أماليه : ١٨٦ ح ١٣ المجلس ٢٣ .

٥٤٦

أهل الشام قتلوا خليفتهم ، و ضرب اللّه بعضهم ببعض ، و شتّت أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاله دين و عقل و مروّة و موضع و معدن للخلافة ، و هو محمّد بن عبد اللّه بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ثمّ نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منّا و كنّا معه ، و من اعتزلنا كففنا عنه ، و من نصب لنا جاهدناه ،

و نصبنا له على بغيه ، و ردّه إلى الحقّ و أهله ، و قد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا ، فإنّه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك و كثرة شيعتك .

قال : فلمّا فرغ عمرو قال أبو عبد اللّه لهم : أكلّكم على مثل ما قال عمرو ؟

قالوا : نعم . فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه ، و صلّي على النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : إنّما نسخط إذا عصي اللّه ، فأمّا إذا أطيع رضينا . أخبرني يا عمرو لو أنّ هذه الأمّة قلّدتك أمرها ، و ولّتكه بغير قتال و لا مؤونة ، و قيل لك : ولّها من شئت فمن كنت تولّيها ؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين . قال : بين كلّهم ؟ قال : نعم . قال :

بين فقهائهم و خيارهم ؟ قال : نعم . قال : قريش و غيرهم ؟ قال : نعم . قال :

و العرب و العجم ؟ قال : نعم . قال : اخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر و عمر أم تتبرأ منهما ؟ قال : أتولاّهما . قال : فقد خالفتهما ، فإن كنت تتبرّأ منهما فإنّه يجوز لك الخلاف عليهما ، و إن كنت تتولاّهما فقد خالفتهما ، قد عمد عمر إلى أبي بكر فبايعه ، و لم يشاور فيه أحدا ، ثمّ ردّها أبو بكر عليه و لم يشاور فيه أحدا ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة و أخرج منها جميع المهاجرين و الأنصار غير أولئك الستّة من قريش ، و أوصى فيهم شيئا لا أراك ترضى به أنت و لا أصحابك ، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين . قال : و ما صنع ؟ قال : أمر صهيبا أن يصلّي بالنّاس ثلاثة أيّام ، و ان يشاور أولئك الستّة ليس معهم أحد إلاّ ابن عمر يشاورونه ، و ليس له من الأمر شي‏ء ، و أوصى من بحضرته من المهاجرين و الأنصار: إن مضت ثلاثة أيّام قبل أن يبايعوا رجلا منهم أن يضربوا أعناق أولئك الستّة جميعا ، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيّام

٥٤٧

و خالف اثنان أن يضربوا أعناق الاثنين . أفترضون بهذا أنتم في ما تجعلون من الشورى في جماعة المسلمين ؟ قالوا : لا .

ثمّ قال : يا عمرو دع ذا . أرأيت لو بايعت صاحبك الّذي تدعوني إلى بيعته ، ثمّ اجتمعت لكم الامّة فلم يختلف عليكم رجلان ، فأفضيتم إلى المشركين الذين لا يسلمون و لا يؤدّون الجزية ، أكان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في المشركين في حروبه ؟ قال :

نعم . قال : فتصنع ماذا ؟ قال : ندعوهم إلى الاسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية . قال : و إن كانوا مجوسا ليسوا بأهل كتاب ؟ قال : سواء . قال : و إن كانوا مشركي العرب و عبدة الأوثان ؟ قال : سواء .

قال : أخبرني عن القرآن هل تقرؤه ؟ قال : نعم . قال : اقرأ قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم اللّه و رسوله و لا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون ١ ، فاستثناء اللّه تعالى و اشتراطه من الذين أوتوا الكتاب ، فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء ؟ قال : نعم . قال : عمّن أخذت ذا . قال : سمعت النّاس يقولون .

قال : فدع ذا . فإنّ هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظفرت عليهم ، كيف تصنع بالغنيمة ؟ قال : أخرج الخمس ، و أقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه . قال :

فأخبرني عن الخمس من تعطيه ؟ فقرأ و اعلموا انّما غنمتم من شي‏ء فإنّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي و اليتامى و المساكين و ابن السبيل . . . ٢ . قال :

الّذي للرسول من تعطيه ؟ و من ذو القربى ؟ قال : قد اختلف فيه الفقهاء ، فقال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٢٩ .

( ٢ ) الأنفال : ٤١ .

٥٤٨

بعضهم : قرابة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أهل بيته ، و قال بعضهم : الخليفة . و قال بعضهم :

قرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين . قال : فأيّ ذلك تقول أنت ؟ قال : لا أدري .

قال : فأراك لا تدري ، فدع ذا . أرأيت الأربعة الأخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في سيرته ، بيني و بينك فقهاء المدينة و مشيختهم ، فسلهم فإنّهم لا يختلفون في أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم و لا يهاجروا على أن دهمه من عدوّهم أن يستفزّهم فيقاتل بهم ، و ليس لهم في الغنيمة نصيب ، و أنت تقول : بين جميعهم . فقد خالفت النّبي صلى اللّه عليه و آله في كلّ ما قلت في سيرته من المشركين .

و مع هذا ما تقول في الصدقات ؟ فقرأ : إنّما الصّدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها . . . ١ إلى آخر الآية . قال : فكيف تقسّمها ؟ قال :

أقسّمها على ثمانية أجزاء ، فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا . قال : و إن كان صنف منهم عشرة آلاف ، و صنف رجلا أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف ؟ قال : نعم . قال : و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في سيرته ،

فكان يقسّم صدقة أهل البوادي ، في أهل البوادي ، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، و لا يقسّمه بينهم بالسّوية ، و إنّما يقسّمه على قدر ما يحضره منهم .

فإن كان في نفسك شي‏ء فالق فقهاء المدينة فإنّهم لا يختلفون في أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله كان كذا يفعل.

ثمّ أقبل عليه السّلام على عمرو فقال له : اتّق اللّه يا عمرو ، و أنتم أيّها الرّهط فاتّقوا اللّه ، فإنّ أبي حدّثني و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : من ضرب النّاس بسيفه ، و دعاهم إلى نفسه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٦٠ .

٥٤٩

و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف ١ .

و روى الخطيب في ليث بن الفرج عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : ليضربنّ النّاس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة . . . ٢ و مراده صلى اللّه عليه و آله بعالم المدينة الأئمّة من أهل بيته ، و الدّليل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله : « عالم المدينة » دون علماء المدينة ، و في كلّ زمان لم يكن أكثر من إمام .

و شاهد عدم اقتفائهم أثر النبي كما ذكره عليه السّلام ما قالوه في أبي الغادية الجهني قاتل عمّار ، قال ابن عبد البرّ في ( استيعابه ) : سمع من النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قوله :

لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض . و كان محبّا في عثمان ،

و هو قاتل عمّار بن ياسر . و كان إذا استأذن على معاوية و غيره يقول : قاتل عمّار بالباب و كان يصف قتله له إذا سئل عنه لا يباليه ، و في قصّته عجب عند أهل العلم ، روى عن النّبي صلى اللّه عليه و آله ما ذكرنا أنّه سمعه منه ، ثمّ قتل عمّارا ٣ .

قلت : و أعجب من أمر أبي الغادية أمر جميع هؤلاء المدّعين للدّين ،

و العلم و اليقين ، يجمعون بين القول بجلالة عمّار ، و ولاية عثمان ، فالرّجل و إن اتّبع هواه إلاّ أنّه حمله محبّته لعثمان على ترك قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله سلما من الجمع من التّضاد و القول بالمحال .

و كذلك من قدّم منهم فعل عمر على قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فرأى رجل منهم معاوية على منبر النّبي صلى اللّه عليه و آله يخطب فسلّ سيفه و ذهب إليه ليقتله ، فقيل له : لم ؟

قال : لأنّي سمعت النّبي صلى اللّه عليه و آله يقول : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » ٤ .

فقالوا له : أتدري من ولاّه ؟ قال : لا . قالوا : عمر . قال : سمعا و طاعة لعمر .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٢٣ ح ١ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب ١٣ : ١٦ .

( ٣ ) الاستيعاب ٤ : ١٥١ .

( ٤ ) حديث النّبي صلى اللّه عليه و آله أورده من عدّة طرق الفيروز آبادي في السبعة من السلف : ١٩٩ ٢٠١ .

٥٥٠

و إذا كانوا لا يتّبعون أثر نبيّهم ، فلا غرو أن لا يقتدوا بعمل وصيّه و كونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله و أوّل مؤمن باللّه أمر متواتر ، و حاجّ به ابنه الحسين عليه السّلام يوم الطّف ففي ( الطبري ) قال الحسين عليه السّلام لهم : ألست ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أوّل المؤمنين باللّه و المصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه ؟ ١ .

و مع تواتره أنكرته أمّهم ، روى مسلم و البخاري أنّه ذكر عند عايشة أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ ، قالت : و متى أوصى ، و من يقول ذلك ؟ قيل : إنّهم يقولون . قالت : من يقوله ؟ لقد دعا بطست ليبول ، و أنّه بين سحري و نحري فمات و ما شعرت ٢ .

فتراها تدّعي موت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله مكشوف العورة حين البول لتنكر جعله له وصيّا و يقال لها : و قولك : « متى أوصى أنّه مات بين سحري و نحري » هل يلزم أن تكون الوصاية حين خروج الرّوح حتّى يستلزم ما ادّعيت عدم وصايته ؟ مع أنّ قولها بموت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله بين سحرها و نحرها من أكاذيبها و بهتانها ، فكون رأسه صلى اللّه عليه و آله حين موته في حجر أمير المؤمنين عليه السّلام متواتر ٣ ،

و لقد صرّح ابن عبّاس بافتراء عايشة في ادّعائها ذلك ٤ .

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : لو استطاعوا أن ينكروا قرابتي من النّبي صلى اللّه عليه و آله لأنكروها إلاّ أنّهم لا يستطيعون ذلك ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٢ سنة ٦١ ضمن خطبة .

( ٢ ) صحيح البخاري بطريقين ٢ : ١٢٥ و ٣ : ٩٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ح ١٩ ، و سنن النسائي ٦ : ٢٤٠ ، و مسند أحمد ٦ : ٣٢ ، و طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٤٩ بطريقين .

( ٣ ) مسند أحمد ٦ : ٣٠٠ و خصائص النسائي : ١٣٠ بطريقين ، و أخرجه ابن عساكر بثلاث طرق في ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٨ ، ١٩ ح ١٠٣٨ ٤٠ ه ١ عن أمّ سلمة ، و روى أيضا عن عائشة و علي عليه السّلام و ابن عباس و غيرهم .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .

( ٥ ) أخرجه الكليني في الرسائل عنه كشف المحجّة : ١٨٠ ضمن كتاب طويل له عليه السّلام ، و النقل بتصرف .

٥٥١

و أقول : إنّهم و إن لم يستطيعوا أن ينكروا ذلك تصريحا إلاّ أنّهم عبّروا عنه عليه السّلام و عن عترته بما جعلوهم كالأجنبي عنه صلى اللّه عليه و آله ، فقال أبو حمزة الخارجي و الخوارج إحدى الفرق التاركة للوصيّ تبعا للأوّل و الثاني في ذمّ شيعته و شيعة عترته في خطبته : « قد قلّدوا أهل بيت من العرب و زعموا أنّ موالاتهم تغنيهم » .

« و لا يؤمنون بغيب » في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : . . . هدى للمتّقين . الّذين يؤمنون بالغيب . . . ١ أي : بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد ٢ .

و روى يحيى بن أبي القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : الغيب هو الحجّة الغائب ٣ .

و شاهد ذلك قوله تعالى : و يقولون لو لا أنزل عليه آية من ربّه فقل إنّما الغيب للّه فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين ٤ .

« و لا يعفّون عن عيب » قال ابن أبي الحديد : روي « يعفون » من العفو ،

و « يعفّون » من العفّة ٥ .

قلت : الصواب الثاني ، فإنّ عدم العفو ترك فضل ، و هو عليه السّلام في مقام بيان أنّ كلّ عملهم رذل ، فلا بدّ أن يراد أنّهم لا يكفّون عن الفحص عن العيوب .

و روى محمّد بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ أبا بكر و عمر أتيا أمّ سلمة فقالا لها : إنّك قد كنت عند رجل قبل النّبي ، فكيف هو من ذلك في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢ ٣ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٠ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٠ ح ٢٠ في ذيل حديث .

( ٤ ) يونس : ٢٠ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ .

٥٥٢

الخلوة ؟ فقالت : ما هو إلاّ كسائر الرّجال . ثمّ خرجا عنها ، فقامت إليه مبادرة فرقا أن ينزل أمر من السماء فأخبرته ، فغضب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى تربّد وجهه و التوى عرق الغضب بين عينيه ، و خرج و هو يجرّ رداءه حتى صعد المنبر ،

و بادرت الأنصار بالسّلاح ، و أمر بخيلهم أن تحضر ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثمّ قال : ما بال أقوام يتّبعون عيبي ؟ و اللّه لأكرمكم حسبا ، و أطهركم مولدا ، لا يسألني أحد منكم عن أبيه إلاّ أخبرته . فقال إليه رجل فقال : من أبي ؟ فقال : فلان الراعي . . . ١ .

« يعملون في الشّبهات » كما قال تعالى : . . . فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله . . . ٢ .

« و يسيرون في الشّهوات » روى ( الكافي ) أنّه عليه السّلام قال : إنّ الناس آلوا بعد النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى ثلاثة إلى أن قال : و جاهل مدّع للعلم لا علم له ، معجب بما عنده ، قد فتنته الدّنيا . . . ٣ .

و قال تعالى : . . . أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا ٤ .

« المعروف عندهم » و الصواب : ( فيهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٥ .

« ما عرفوا ، و المنكر عندهم ما أنكروا » عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال النّبي صلى اللّه عليه و آله :

كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، و فسق شبابكم ، و لم تأمروا بالمعروف ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٦٥ ح ٤١ .

( ٢ ) آل عمران : ٧ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣ ح ١ .

( ٤ ) مريم : ٥٩ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « عندهم » أيضا .

٥٥٣

و لم تنهوا عن المنكر ؟ فقيل له : و يكون ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : نعم ، و شرّ من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف ؟ قيل : يا رسول اللّه و يكون ذلك ؟ قال : نعم ، و شرّ من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا ؟ ١ .

« مفزعهم في المعضلات » أي : المشكلات .

« إلى أنفسهم ، و تعويلهم » أى : اعتمادهم .

« في المهمّات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( في المبهمات ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« إلى آرائهم » الباطلة ، و نظرياتهم الخاطئة ، و مع أنّهم رأوا فاروقهم يقول مرارا : « معضلة و لا أبا حسن لها » ٣ . حتّى صار كالمثل السائر ، و أقرّ عند وفاته بأنّه عليه السّلام لو ولّيها ليحملنّهم علي المحجّة البيضاء ٤ ، يعرضون عنه و يجعلون أنفسهم في قباله ، بل يسعون في اضمحلال أمره .

« كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه » كان عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام جماعة فيهم هشام بن الحكم و هو شاب ، فقال عليه السّلام : ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته ؟ قال : جعلت فداك ، إنّي أجلّك و لا يعمل لساني بين يديك . فقال عليه السّلام : إذا أمرتكم بشي‏ء فافعلوه . قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة ، و عظم ذلك عليّ ، فخرجت إليه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الحميري في قرب الاسناد : ٢٦ عن الصادق عن أبيه عن الباقر عليه السّلام عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه رزين في الجمع عنه جامع الاصول ١٠ : ٤١٢ ح ٧٤٨٥ عن عليّ عليه السّلام عن النّبي صلى اللّه عليه و آله .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) هذا حديث مشهور أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٥١ ، و مقتل الحسين ١ : ٤٥ ، و جمع آخر بفرق بين الألفاظ مرّ تخريجه في شرح فقرة « و الفضائل الجمّة » من خطبة الرضي .

( ٤ ) رواه ابن عساكر بطريقين في ترجمة عليّ عليه السّلام ٣ : ١٠٦ ح ١١٣٦ ، ١١٣٧ و غيره بفرق بين الألفاظ .

٥٥٤

و دخلت البصرة في يوم الجمعة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة ، و إذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متّزربها من صوف ، و شملة مرتديا بها ، و الناس يسألونه ،

فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثمّ قلت :

أيّها العالم أنا رجل غريب أتأذن لي أسألك عن مسألة ؟ فقال : نعم . قلت : ألك عين ؟ قال : أي شي‏ء هذا من السؤال ؟ فقلت : هكذا مسألتي . فقال : يا بني سل ،

و إن كانت مسألتك حمقاء . فقلت : أجبني فيها . فقال لي : سل . فقلت : ألك عين ؟

قال : نعم . قلت : فما ترى بها ؟ قال : الألوان و الأشخاص . فقلت : ألك أنف ؟ قال :

نعم . قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أشمّ بها الرائحة . قلت : ألك فم ؟ قال : نعم . قلت :

و ما تصنع به ؟ قال : أعرف به طعم الأشياء . قلت : ألك لسان ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع به ؟ قال : أتكلّم به . قلت : ألك أذن ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع بها ؟ قال :

أسمع بها الأصوات . قلت : ألك يد ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع بها ؟ قال : أبطش بها . قلت : ألك قلب ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع به ؟ قال : أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح . قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ قال : لا . قلت : و كيف ذلك ، و هي صحيحة سليمة ؟ قال : يا بني إنّ الجوارح إذا شكّكت في شي‏ء شمّمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردّته إلى القلب فيصحّح اليقين ،

و يبطل الشك . فقلت : إنّما أقام اللّه القلب لشك الجوارح ؟ قال : نعم . قلت : فلا بدّ من القلب ، و إلاّ لم تستقم الجوارح ؟ قال : نعم . فقلت : يا أبا مروان إنّ اللّه تعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح الصحيح ، و ييقن ما شك فيه ،

و يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم و حيرتهم ؟ قال : فسكت و لم يقل شيئا . ثمّ التفت إليّ ، فقال :

أنت هشام ؟ قلت : لا . قال : أجالسته ؟ قلت : لا . قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من الكوفة .

قال : فأنت إذن هو . ثمّ ضمّني إليه و أقعدني في مجلسه ، و ما نطق حتّى قمت .

فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال : من علّمك هذا ؟ فقال : شي‏ء جرى على لساني .

٥٥٥

فقال : هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسى ١ .

و قال أبو الحسن الرّفا لابن رامين الفقيه : إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله لمّا خرج من المدينة ما استخلف عليها أحدا ؟ قال : بلى ، استخلف عليّا . قال : و كيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فإنّكم لا تجتمعون على الضلال ؟ قال : خاف عليهم الخلف و الفتنة . قال : فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته ؟ قال : هذا أوثق .

قال : أفاستخلف أحدا بعد موته ؟ قال : لا . قال : فموته أعظم من سفره ، فكيف أمن على الأمّة بعد موته ما خافه في سفره و هو حيّ عليهم ؟ فقطعه ٢ .

و سأل بعض الإمامية يحيى بن أكثم عن قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله حيث أخذ بيد علي عليه السّلام و أقامه للنّاس ، فقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٣ أبأمر من اللّه تعالى ذلك أم برأيه ؟ فسكت عنه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن قلت : برأيه نصبه للناس خالفت قوله تعالى : و ما ينطق عن الهوى ٤ و إن قلت : بأمر اللّه تعالى ثبتت إقامته . قال : فلم خالفوه و اتّخذوا وليّا غيره ٥ .

و قال أبو عليّ المحمودي لأبي الهذيل : أليس من دينك أنّ العصمة و التوفيق لا يكونان لك من اللّه إلاّ بعمل تستحقه به ؟ قال : نعم . قال : فقوله تعالى : . . . اليوم أكملت لكم دينكم . . . ٦ ؟ قال : قد أكمل لنا الدّين . فقال : ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب و السنّة ، و قول الصحابة ، و حيلة الفقهاء ؟

قال : هات . قال : خبّرني عن عشيرة كلّهم عنّين و قعوا في طهر واحد بامرأة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ١٦٩ ح ٣ و الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٥٨ .

( ٣ ) هذا حديث الغدير ، يأتي تخريجه في شرح فقرة « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل.

( ٤ ) النجم : ٣ .

( ٥ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٥٢ ، و السائل هو حمران بن أعين .

( ٦ ) المائدة : ٣ .

٥٥٦

و هم مختلفو العنّة ، فمنهم من وصل إلى بعض حاجته ، و منهم من قارب بحسب الإمكان منه ، أفي خلق اللّه اليوم من يعرف حدّ اللّه في كلّ رجل منهم و مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحدّ في الدّنيا و يطهّره منه في الآخرة ؟ فأفحم ١ .

« قد أخذ منها بعرى ثقات و أسباب محكمات » الأصل فيه قوله تعالى :

فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . . . ٢ .

٣

من الخطبة ( ١٢٩ ) وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَ اَلدِّمَاءِ وَ اَلْمَغَانِمِ وَ اَلْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَ لاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَ لاَ اَلْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَ لاَ اَلْمُرْتَشِي فِي اَلْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ اَلْمَقَاطِعِ وَ لاَ اَلْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ اَلْأُمَّةَ أقول : رواه ابن الجوزي في ( مناقبه ) و سمّاه الخطبة المنبريّة ، نقله البحار و في آخره : « و لا المعطّل للسّنن فيؤدّي ذلك إلى الفجور ، و لا الباغي فيدحض الحقّ ، و لا الفاسق فيشين الشّرع » ٣ . و كلامه عليه السّلام هذا دالّ على اشتراط العصمة في الإمام كما عليه الإماميّة ، قال المسعودي : قال أهل الإمامة : نعت الإمام في نفسه أن يكون معصوما من الذنوب ، لأنّه إن لم يكن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٤٩ .

( ٢ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٣ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٧ : ٢٩٤ ح ٣ .

٥٥٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

معصوما لم يؤمن أن يدخل في ما يدخل فيه غيره من الذّنوب ، فيحتاج إلى أن يقام عليه الحدّ كما يقيمه هو على غيره ، فيحتاج الإمام إلى إمام إلى غير نهاية ،

و لم يؤمن عليه أيضا أن يكون في الباطن فاسقا فاجرا كافرا . و أن يكون أعلم الخليفة ، لأنّه إن لم يكن عالما لم يؤمن عليه أن يقلب شرائع اللّه و أحكامه ،

فيقطع من يجب عليه الحدّ و يحدّ من يجب عليه القطع ، و يضع الأحكام في غير المواضع التي وضعها اللّه تعالى . و أن يكون أشجع الخلق ، لأنّهم يرجعون إليه في الحرب ، فإن جبن و هرب يكون قد باء بغضب من اللّه . و أن يكون أسخى الخلق ، لأنّه خازن المسلمين و أمينهم ، فان لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم و شرهت إلى ما في أيديهم ، و في ذلك الوعيد الشديد بالنار . و ذكروا خصالا كثيرة ينال بها أعلى درجات الفضل لا يشاركه فيها أحد ، و أنّ ذلك كلّه وجد في عليّ بن أبي طالب و ولده ، في السّبق إلى الايمان و الهجرة و القرابة و الحكم بالعدل و الجهاد في سبيل اللّه و الورع و الزّهد ، و أنّ اللّه قد أخبر عن بواطنهم و موافقتها لظواهرهم بقوله عزّ و جلّ و وصفه لهم في ما صنعوه من الإطعام للمسكين و اليتيم و الأسير ، و إنّ ذلك لوجهه خالصا لا أنّهم أبدوه بألسنتهم فقط ، و أخبر عن أمرهم في المنقلب و حسن الموئل في المحشر ، ثمّ في إخباره عزّ و جلّ عمّا أذهب عنهم من الرّجس و فعل بهم من التطهير . . . ١ .

و قال هشام بن الحكم لمحمّد بن أبي عمير لمّا سأله عن وجه اشتراط عصمة الإمام : إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص و الحسد و الغضب و الشهوة ، فهذه منفيّة عنه لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدّنيا و هي تحت خاتمه ، لأنّه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص ؟ و لا يجوز أن يكون حسودا ، لأنّ الإنسان إنّما يحسد من فوقه ، و ليس فوقه أحد ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودى ٣ : ٢٢٤ .

٥٥٨

فكيف يحسد من هو دونه ؟ و لا يجوز أن يغضب لشي‏ء من أمور الدّنيا إلاّ أن يكون غضبه للّه عزّ و جلّ ، فإنّ اللّه تعالى قد فرض عليه إقامة الحدود و أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، و لا رأفة في دينه حتّى يقيم حدود اللّه تعالى . و لا يجوز أن يتّبع الشهوات و يؤثر الدّنيا على الآخرة ، لأنّ اللّه عزّ و جلّ حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدّنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدّنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح ، و طعاما طيّبا لطعام مرّ ، و ثوبا ليّنا لثوب خشن ،

و نعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية ؟ ١ « و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدّماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل » إنّما قال عليه السّلام : قد علمتم أنّه لا ينبغي ما ذكر مع كون أكثر أصحابه غير مستبصر ، و غير متعبّد بطريقته و طريقة أهل بيته ،

من كون الإمام كالنّبيّ ، إحالة لهم على الفطرة التي فطر الناس عليها ، فقد كانوا قد يقرّون بمقتضى الفطرة اضطرارا ، ففي ( الأغاني ) عن حبيب المهلّبي عن عمر بن شبّة عن خلاّد الأرقط قال : كان الشّراة و المسلمون يتوافقون و يتساءلون بينهم عن أمر الدين و غير ذلك على أمان و سكون ، فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكري و أبو حزابة التّميمي و هما في الحرب ، فقال عبيدة : يا أبا حزابة إنّي سائلك عن أشياء ، أفتصدّقني في الجواب عنها ؟ قال : نعم ، إن تضمّنت لي مثل ذلك . قال : قد فعلت . قال : سل عمّا بدا لك . قال : ما تقول في أئمّتكم ؟ قال : يبيحون الدّم الحرام و الفرج الحرام . قال : فكيف فعلهم في المال ؟

قال : يجبونه من غير حلّه و ينفقونه في غير حقّه . قال : فكيف فعلهم في اليتيم ؟

قال : يظلمونه ماله و ينيكون أمّه . قال : و يلك يا أبا حزابة ، أفمثل هؤلاء تتّبع ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في الخصال : ٢١٥ ح ٣٦ باب الأربعة ، و معاني الأخبار : ١٣٣ ح ٣ ، و علل الشرائع : ٢٠٤ ح ٢ و الأمالي : ٥٠٥ ح ٥ المجلس ٩٢ .

٥٥٩

قال : قد أجبت ، فاسمع سؤالي و دع عنك عتابي على رأيي . قال : قل . قال : أيّ الخمر أطيب ، خمر السّهل أم الجبل ؟ قال : ويلك أ تسأل مثلي عن هذا ؟ قال :

أوجبت على نفسك أن تجيب . . . ١ .

و قال المبرّد في ( كامله ) بعد ذكر قتال المهلّب للخوارج من قبل ابن الزّبير و قتل عبد الملك لمصعب بن الزبير : ثمّ أتى الخوارج خبر قتله بمسكن ،

و لم يأتى المهلّب و أصحابه ، فتوافقوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا :

ضالّ مضلّ . فلمّا كان بعد يومين أتى المهلّب قتل مصعب ، و أنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلمّا توافقوا ناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم . قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا : يا أعداء اللّه ، بالأمس ضالّ مضلّ و اليوم مام هدى يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللّه . . . ٢ .

فيقال للخوارج : إنّ ما فعله أصحاب المهلّب و إن كان خلاف الفطرة التي فطر النّاس عليها إلاّ أنّه لازم تولّيكم صدّيقكم و فاروقكم ، فأنتم السفهاء حيث تجمعون بين ولايتهما و إنكار مثل ذلك .

و في ( كامل المبرّد ) كتب نافع إلى عبد اللّه بن الزّبير يدعوه إلى أمره : أمّا بعد ، فإنّي أحذّرك من اللّه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذّركم اللّه نفسه . . . ٣ .

إلى أن قال : و قد حضرت عثمان يوم قتل ، فلعمري لئن كان قتل مظلوما فقد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

( ٢ ) الكامل للمبرد ٨ : ٥٢ .

( ٣ ) آل عمران : ٣٠ .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605