• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106374 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

لجلسائه : لمن مثل هذا هل رأيتم مثل ما أنا فيه ، و هل أعطي أحد مثل ما أعطيت ؟ و كان عنده رجل من بقايا حملة الحجّة و المضيّ على أدب الحقّ و منهاجه و لم تخل الأرض من قائم للّه بحجّة في عباده فقال : أيّها الملك إنّك سألت عن أمر ، أفتأذن لي في الجواب عنه ؟ . . . ١ .

و قال منصور بن حازم من أصحاب أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام لقوم من العامّة : ألستم تعلمون أنّ رسول اللّه كان هو الحجّة من اللّه على خلقه ، فحين ذهب الرّسول من كان الحجّة بعده ؟ فقالوا : القرآن . قال : ننظر في القرآن فإذا يخاصم به المرجى‏ء و الحروري و الزّنديق الّذي لا يؤمن حتّى يغلب خصمه ،

فعرف أنّ القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم ما قال فيه كان حقّا ، فمن قيّم القرآن ؟

قالوا : كان عبد اللّه بن مسعود و فلان و فلان يعلمون . قال : يعلمون كلّه . قالوا :

لا . قال لهم : لم نجد أحدا يقال يعرف ذلك كلّه إلاّ علي ، و إذا كان الشّي‏ء بين قوم و قال هذا : لا أدري لمن هو ، و قال هذا : لا أدري ، و قال آخر : أدري أنّه لي ، فهو له ،

فأشهد أنّ عليّا عليه السّلام كان قيّم القرآن ، و كانت طاعته مفروضة ، و كان حجّة بعد النّبي صلى اللّه عليه و آله على النّاس كلّهم ، و أنّه ما قال في القرآن فهو حقّ ، و أشهد أنّ عليّا عليه السّلام لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك الرّسول حجّة من بعده ٢ .

قال ابن أبي الحديد بعد نقل العنوان : و هذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية ، إلاّ أنّ أصحابنا يحملونه على أنّ المراد به الأبدال الّذين وردت الأخبار النّبويّة عنهم أنّهم في الأرض سائحون ، فمنهم من يعرف و منهم من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ١٨٨ ح ١٥ ، و معرفة الرجال للكشي ، اختياره : ٤٢٠ ح ٧٩٥ ، و روى صدره الكليني في الكافي ١ : ١٦٨ ح ٢ و النقل بتصرف يسير .

٥٢١

لا يعرف ، و أنّهم لا يموتون حتّى يودعوا السرّ ، و هو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم . . . ١ .

قلت : قد عرفت أنّ الكلام كالمتواتر عنه عليه السّلام و دلالته أيضا صريحة ،

و هل حمل أصحابه إلاّ تحكّم ؟ و من هؤلاء الأبدال الذين قال ابن أبي الحديد هل جنّ أو ملك ؟ إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٢ . و لم لم يحملوا أخبار الأبدال على أهل بيته الأئمّة الاثني عشر عليه و عليهم السّلام ، كما هو القاعدة في حمل المجمل على المفصّل ،

و المشكوك على المتيقّن ؟ و ما يفعلون بقوله عليه السّلام بعد : « إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » ، فأيّ بدل من أبدالهم كان ظاهرا مشهورا ، و أيّهم كان خائفا مغمورا ، . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ٣ ؟

و كيف ، و كلامه عليه السّلام يشمل الأنبياء ؟ فإنّ تعبيره عليه السّلام : « لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة » ، و معلوم أنّ الأنبياء من القائمين للّه بحجّة بلا خلاف ، فلا بدّ أن يراد بالحجّة الأنبياء و من كان بمنزلتهم من أوصيائهم ، و لم يكن بعد نبيّنا صلى اللّه عليه و آله من يكون مثله في العصمة ، و من يقوم به الحجّة سوى الأئمّة الاثني عشر بإجماع الامّة .

و روى ابن قتيبة في ( عيونه ) مسندا عن إبراهيم بن عبد الرّحمن قال :

قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، و انتحال المبطلين ، و تأويل الجاهلين ٤ .

و قال محمّد بن علي بن بابويه في ( إكماله ) في قوله تعالى : . . . إنّما أنت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١٣ .

( ٢ ) النجم : ٢٣ .

( ٣ ) الحج : ٤٦ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١١٩ .

٥٢٢

منذر و لكلّ قوم هاد ١ : دليل على أنّه لم تخل الأرض من هداة في كلّ قوم ،

و كلّ عصر تلزم العباد الحجّة للّه تعالى من الأنبياء و الأوصياء ، فالهداة من الأنبياة و الأوصياء لا يجوز انقطاعهم ما دام التّكليف من اللّه تعالى لازما للعباد ٢ .

و قال أيضا في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٣ : دليل على أنّ الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ،

و ذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام ، حيث يقول : « الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق و بعد الخلق » ٤ . و لو خلق اللّه تعالى الخليفة خلوّا من الخليفة لكان قد عرّضهم للتّلف إلى أن قال : و من زعم أنّ الدّنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحّح مذهب البراهمة في إبطالهم الرّسالة ، و لو لا أنّ القرآن نزل بأنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء لوجب كون رسول في كلّ وقت ، فلمّا صحّ ذلك ارتفع معنى كون الرّسول بعده ، و بقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل ٥ .

هذا ، و في ( تاريخ خلفاء السيوطي ) في خلفائهم الذين ينصبونهم و يجعلونهم حجّة بينهم و بينه تعالى ، كما كان الوثنيّون ينحتون بأيديهم و ثنا ، ثمّ يجعلونه إلها يعبدونه ليقرّبهم إلى اللّه زلفى ، أو الّذين يغلبونهم بالسيف فيأخذون منهم البيعة ، و يخلعون من كان خليفتهم قبل ، و يأمرونهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٧ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٦٦٧ .

( ٣ ) البقرة : ٣٠ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و كمال الدين للصدوق : ٢٢١ ح ٥ ، و : ٢٣٢ ح ٣٦ .

( ٥ ) كمال الدين للصدوق : ٤ ، و الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ .

٥٢٣

بلعنه ، فيصير بعد ساعة وليّ اللّه لهم عدوّ اللّه و عدوّ اللّه حجّة اللّه . و قصة الخوارج مع أصحاب المهلّب بعد قتل ابن الزّبير و استيلاء عبد الملك على العراق في ذلك معروفة بعد ذكر قتل هولاكو في سنة ( ٦٥٦ ) للمستعصم آخر العبّاسيين في العراق : « ثمّ دخلت سنة سبع و خمسين بعد ستّمائة و الدّنيا بلا خليفة » ١ . و قال بعد ذكر نصبهم بمصر خليفة في سنة ( ٦٥٩ ) : « و كان مدّة انقطاع الخلافة ثلاث سنين و نصفا » ٢ .

قلت : و لم يبق حتّى يرى انقطاع خلافتهم إلى الأبد .

و فيه أيضا في عنوان ( في مدّة الخلافة في الاسلام ) بعد نقل خبر جابر بن سمرة عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناواهم عليه اثني عشر خليفة كلّهم من قريش أخرجه الشيخان و غيرهما و له طرق و ألفاظ إلى أن قال : قال القاضي عياض : لعلّ المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث و ما شابهها : أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة ، و قوّة الإسلام ،

و استقامة أموره ، و الاجتماع على من يقوم بالخلافة ، و قد وجد هذا في من اجتمع عليه النّاس إلى أن اضطرب أمر بني أميّة و وقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتّصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم .

ثمّ قال : قال شيخ الاسلام ابن حجر في شرح البخاري : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث و أرجحه لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : « كلّهم يجتمع عليه الناس » . و إيضاح ذلك أنّ المراد بالاجتماع : انقيادهم لبيعته ، و الّذي وقع أنّ الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٧٥ .

( ٢ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٧٦ .

٥٢٤

عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ ، إلى أنّ وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثمّ اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ، و لم ينتظر للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لمّا مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة : الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام ، و تخلّل بين سليمان و يزيد ، عمر بن عبد العزيز . فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين و الثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع النّاس عليه لمّا مات عمّه هشام ، فولّي نحو أربع سنين ، ثمّ قاموا عليه فقتلوه ، و انتشرت الفتن و تغيّرت الأحوال من يومئذ . و لم يتّفق أن يجتمع النّاس على خليفة بعد ذلك ، لأنّ يزيد بن الوليد الّذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عمّ أبيه مروان بن محمّد بن مروان ، و لمّا مات يزيد ولّي أخوه إبراهيم فقتله مروان ، ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل ، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ، و لم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه ، ثمّ ولي أخوه المنصور فطالت مدّته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيّين على الأندلس ، و استمرّت في أيديهم متغلّبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك ، و انفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلاّ الاسم في البلاد ، بعد أن كان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقا و غربا و يمينا و شمالا ممّا غلب عليه المسلمون ، و لا يتولّي أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شي‏ء منها إلاّ بأمر الخليفة . و من انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس و حدها ستّة أننفس كلّهم يتسمّى بالخلافة ، و معهم صاحب مصر العبيدي ،

و العبّاسي ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية و الخوارج إلى أن قال : و قيل : إنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ و إن لم تتوال أيّامهم ، و يؤيّد

٥٢٥

هذا ما أخرجه مسدّد في مسنده الكبير عن أبي ، الخلد أنّه قال : « لا تهلك هذه الامّة حتّى يكون منها اثنا عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى و دين الحقّ ، منهم رجلان من أهل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله » و على هذا فالمراد بقوله : « ثمّ يكون الهرج » أي : الفتن المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدّجّال و ما بعده .

و قال السيوطي بعد نقل كلامه : و على هذا فقد وجد من الاثني عشر خليفة : الخلفاء الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز ،

هؤلاء ثمانية ، و يحتمل أن يضمّ إليهم المهتدي من العباسيين ، لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أميّة ، و كذلك ( الظاهر ) لما أوتيه من العدل و بقي الاثنان المنتظران ، أحدهما المهدي لأنّه من آل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله ١ .

قلت : كذب شيخ إسلامهم في كون أمير المؤمنين عليه السّلام ممّن اجتمع عليه الناس كيزيد ، فكيف و خالفه أمّ مؤمنيهم و حواريهم و صاحبه و ابن عمرو و سعد و المغيرة و سعيد بن العاص و جمع آخر ، و سمّوا أيّامه عليه السّلام أيّام فتنة ؟

و أغرب صاحب الكتاب في جعل معاوية و ابن الزّبير من الّذين يعملون بالهدى و دين الحقّ ، فمحاربتهما و سبّهما لأمير المؤمنين عليه السّلام هل هو من الهدى و دين الحقّ ؟ و لعمر اللّه دين الدّهريّة و الوثنيّة أقرب إلى العقول من دين إخواننا السّنة .

« إمّا ظاهرا مشهورا » كأمير المؤمنين عليه السّلام و أبنائه العشرة من الحسن السبط إلى الحسن العسكري صلوات اللّه عليهم ، و ورد أنّ رجلا من أهل الشام ورد على جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام فقال : إنّي صاحب كلام وفقه و فرائض ، و قد جئتك لمناظرة أصحابك . فقال عليه السّلام له : كلامك من كلام النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أو من عندك ؟ فقال : بعضه من كلامه و بعضه من عندي . فقال عليه السّلام :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٠ ١٢ .

٥٢٦

فأنت إذن شريك النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . قال : فسمعت الوحي عن اللّه تعالى ؟ قال :

لا . قال : فتجب طاعتك كالنّبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . فقال : هذا خصم نفسه قبل أن يتكلّم . ثمّ أمره عليه السّلام أوّلا بالكلام مع حمران بن أعين و مؤمن الطاق و هشام بن سالم و قيس الماصر من أصحابه ، فكلّموه فغلبوا عليه . ثم قال عليه السّلام له : كلّم هذا الغلام مشيرا إلى هشام بن الحكم و كان أوّل ما اختطّت لحيته . فقال الشامي : سلني يا غلام في إمامة هذا يعني الصادق عليه السّلام فغضب هشام حتّى ارتعد . فقال له : أخبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ فقال الشامي :

بل ربّهم أنظر لهم . قال هشام : ففعل الربّ بنظره لخلقه في دينهم ماذا ؟ قال :

كلّفهم ، و أقام لهم حجّة و دليلا على ما كلّفهم ، و أزاح في ذلك عللهم . فقال هشام :

فما هذا الدّليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو النّبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال هشام : فبعده من ؟ قال الشّامي : الكتاب و السنّة . قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنّة في ما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف و يمكّننا من الاتّفاق ؟ قال : نعم . قال هشام : فلم اختلفنا نحن ، و أنت جئتنا من الشام و خالفتا و تزعم أنّ الرّأي طريق الدّين ، و أنت مقرّ بأنّ الرّأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين . فسكت الشامي كالمفكّر ، فقال له الصادق عليه السّلام : مالك لا تتكلّم ؟ قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، و إن قلت : إنّ الكتاب و السنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنّهما يحتملان الوجوه ، و إن قلت : قد اختلفنا و كلّ واحد منّا يدّعي الحق ، فلم ينفعنا إذن الكتاب و السّنّة ، و لكن لي عليه مثل ذلك . فقال عليه السّلام : سله تجده مليّا .

فقال لهشام : من أنظر للخلق ربّهم أم أنفسهم ؟ فقال : بل ربّهم . فقال : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ، و يرفع اختلافهم ، و يبيّن لهم حقّهم من باطلهم ؟ قال :

نعم . قال : من هو ؟ قال : أما في ابتداء الشريعة فالنّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أمّا بعده فغيره .

فقال الشامي : من غيره القائم مقامه في حجّته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا . قال هشام : هذا الجالس و أشار إلى

٥٢٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الصادق عليه السّلام الّذي تشدّ إليه الرحال ، و يخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ . فقال : و كيف لي بعلم ذلك ؟ قال : سله عمّا بدا لك . قال : قطعت عذري ،

فعليّ السؤال . فقال له الصادق عليه السّلام : أنا أكفيك المسألة يا شامي ، أخبرك عن سيرك و سفرك خرجت يوم كذا ، و كان في طريقك كذا ، و مررت على كذا ، و مرّ بك كذا . فأقبل الشامي يقول كلّما وصف له شيئا من أمره : صدقت و اللّه . ثمّ قال الشامي : أسلمت للّه السّاعة . فقال الصادق عليه السّلام : بل آمنت باللّه الساعة ، إنّ الاسلام قبل الايمان و عليه يتوارثون و يتناكحون ، و على الايمان يثابون . قال الشامي : صدقت ، فأنّا الساعة أشهد ألا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله رسوله و أنّك وصيّ الأوصياء ١ .

« أو خائفا مغمورا » كالقائم المنتظر عليه السّلام ، قال الصادق عليه السّلام كما في خبر إسحاق بن عمّار للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة ، و الاخرى طويلة ، و الغيبة الاولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة شيعته ، و الاخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه ٢ .

و قال عليه السّلام أيضا لسدير الصيرفي : إنّ في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف . فقال سدير : كأنّك تذكر حياته و غيبته ؟ فقال عليه السّلام : و ما تنكر من ذلك ؟

هذه الامّة أشباه الخنازير . إنّ إخوة يوسف عليه السّلام كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ،

تاجروا يوسف و بايعوه و خاطبوه و هم إخوته و هو أخوهم ، فلم يعرفوه حتّى قال : . . . أنا يوسف و هذا أخي . . . ٣ فما تنكر هذه الأمّة الملعونة أن يفعل اللّه تعالى بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف . إنّ يوسف كان إليه ملك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٠ ح ١٩ ، و الغيبة للنعماني : ١١٣ بطريقين .

( ٣ ) يوسف : ٩٠ .

٥٢٨

مصر ، و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك ، لقد سار يعقوب و ولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر ،

فما تنكر هذه الأمّة أنّ يفعل اللّه تعالى بحجّته كما فعل بيوسف ، أن يمشي في أسواقهم و يطأ بسطهم حتّى يأذن اللّه تعالى في ذلك له كما أذن ليوسف قالوا أإنّك لأنت يوسف قال أنا يوسف ١ .

و لما أنشد دعبل الخزاعي أبا الحسن الرضا قصيدته التي أوّلها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

إلى أن انتهى إلى قوله :

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل

و يجزي على النّعماء و النّقمات

بكى الرّضا عليه السّلام بكاء شديدا ، ثمّ رفع رأسه إليه ، و قال له : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم ؟

فقال : لا يا مولاي ، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ،

و يملؤها عدلا . فقال عليه السّلام : يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني ، و بعد محمّد ابنه علي ، و بعد عليّ ابنه الحسن ، و بعد الحسن ، و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ٢ .

و عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين عليه السّلام إلى أن قال : قلت له : روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ الأرض لا تخلو من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٦ ح ٤ ، و كمال الدين للصدوق : ٣٤١ ح ٢١ و علل الشرائع : ٢٤٤ ح ٣ ، و الغيبة للنعماني : ١٠٨ ، ١٠٩ ، و الآية ٩٠ من سورة يوسف .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٧٢ ح ٦ ، و عيون الأخبار ٢ : ٢٦٩ ح ٣٥ ، و كفاية الأثر للخراز : ٢٧١ .

٥٢٩

حجّة للّه جلّ و عزّ على عباده . فمن الحجة و الإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمّد ،

و اسمه في التوراة باقر ، إنّه يبقر العلم بقرا ، هو الحجّة و الإمام بعدي ، و من بعد محمّد ابنه جعفر ، و اسمه عند أهل السماء الصادق . فقلت له : يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق و كلّكم صادقون ؟ قال : فإنّ الخامس من ولده الّذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه و كذبا عليه ، فهو عنه اللّه جعفر الكذاب المغتري على اللّه المدعي لما ليس له بأهل ، المخالف لأبيه و الحاسد لأخيه ، ذاك الذي يكشف سرّ اللّه عند غيبة وليّ اللّه . ثمّ بكى عليه السّلام بكاء شديدا ، و ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي اللّه ، و المغيّب في حفظ اللّه ، و على التوكيل بحرم أخيه ، جهلا منه بولادته و حرصا على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه . . . ١ .

و في ( حلية أبي نعيم ) في محمّد بن الحنفيّة مسندا عنه عن أبيه عليه السّلام عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : المهدي منّا أهل البيت ، يصلحه اللّه تعالى في ليلة أو قال في يومين ٢ .

و روى ( الحلية ) أيضا عن عمرو بن ثابت قال : قال محمّد بن الحنفيّة :

ترون أمرنا لهو أبين من هذه الشمس ، فلا تعجلوا و لا تقتلوا أنفسكم ٣ .

و روى ( الحلية ) في محمّد بن عليّ الباقر مسندا عنه عليه السّلام قال : إنّ اللّه تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرّعب ، فإذا قام قائمنا و ظهر مهدينا كان الرّجل أجرأ من ليث ، و أمضى من سنان ٤ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) في عنوان الحسن بن عليّ عليه السّلام روى بأسانيد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣١٩ ح ٢ بطريقين ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣١٧ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٧٧ .

( ٣ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٧٥ .

( ٤ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٨٤ .

٥٣٠

عنه عليه السّلام عن أبيه عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّ الدّنيا تسع البرّ و الفاجر حتّى يبعث اللّه امام الحقّ من آل محمّد صلى اللّه عليه و آله ١ .

و ممّا يدل على أنّ مراده عليه السّلام بالخائف المغمور : القائم المنتظر صلوات اللّه عليه شهرة ذلك من أيّام الصحابة و التابعين ، قال الجاحظ في ( بيانه ) : كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلّب ( لمّا خرج على يزيد بن عبد الملك ) :

« إنّك و اللّه ما أنت بصاحب هذا الأمر ، صاحب هذا الأمر مغمور موتور ، و أنت مشهور غير موتور » ٢ .

و المغمور : المخفي في الجمع ، من قولهم : دخلت في غمار النّاس . أي :

كثرتهم و زحمتهم ، و هو في مقابل المشهور كما يفهم من كلام مسلمة .

« لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته » و في روايتي الكليني المتقدّمتين : « كيلا تبطل حججك و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم » ٣ .

« و كم ذا و أين أولئك » و في رواية ( العقد ) : « و كم رأينا » ٤ . و في روايتي الكليني المتقدّمتين « بل أين هم و كم هم » ٥ . و كيف كان فروى ( الكافي ) عن الأصبغ قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السّلام فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض ، فقلت :

يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكّرا تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها ؟ فقال : لا و اللّه ما رغبت فيها ، و لا في الدّنيا يوما قطّ ، و لكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الّذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما ، تكون له غيبة و حيرة يضلّ فيها أقوام و يهتدي فيها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٤ ضمن حديث .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٦٨ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٣٣٥ ، ٣٣٩ و لفظ الثانية « حجّتك » .

( ٤ ) لفظ العقد الفريد ٢ : ٦٩ مثل المصرية أيضا إلاّ أن « أولئك » لم يتكرّر فيه .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٥ ، ٣٣٩ و لفظ الاولى « أين هم و كم » .

٥٣١

آخرون إلى أن قال : و أنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ ؟ أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة ١ .

« أولئك و اللّه الأقلّون عددا و الأعظمون قدرا » هكذا في ( الخطية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٢ : « و الأعظمون عند اللّه قدرا » و مثله ( المصرية ) ، قال الرضا عليه السّلام : قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام : لا يحفظني فيك إلاّ الأتقياء الأبرار الأصفياء ، و ما هم في أمّتي إلاّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر ٣ .

« يحفظ اللّه بهم حججه و بيّناته » هكذا في ( المصرية ) ، و الثواب : ( بهم يحفظ اللّه حججه و بيّناته ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) و كذا ( إبن أبي الحديد ) ٤ .

« حتّى يودعوها نظراءهم و يزرعوها في قلوب أشباههم » و في رواية الكليني الاولى المتقدّمة بدل الكلام : « المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين الّذين يتأدّبون بآدابهم و ينهجون نهجهم » ٥ . لكن مقتضى المقام أنّ يكون ما في ( الكافي ) زائدا على نقل المصنّف لإتمامه ، و حينئذ فسقط من كلّ منهما إن صحّت النّسخ إحدى الجملتين .

و كيف كان فروى النعماني في ( غيبته ) عن عبد الملك بن أعين قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : إنّ احتمال أمرنا ليس معرفته و قبوله ، إنّ احتمال أمرنا هو صونه و ستره عمّن ليس من أهله فأقرئهم السّلام و رحمة اللّه يعني الشيعة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٨ ح ٧ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١١ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ أيضا .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ١٣٠ ح ١٧ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١١ « يحفظ اللّه بهم » .

( ٥ ) الكافي ١ : ٣٥٥ .

٥٣٢

و قل : قال لكم : رحم اللّه عبدا استجرّ مودّة الناس إلى نفسه و إلينا ، بأن يظهر لهم ما يعرفون ، و يكفّ عنهم ما يكرهون ١ .

و في رواية الصفار في ( بصائره ) عن معمّر بن خلاّد قال : سمعت الرّضا عليه السّلام يقول : أسرّ اللّه سرّه إلى جبرئيل و أسرّه جبرئيل إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله و أسرّه محمّد صلى اللّه عليه و آله إلى علي عليه السّلام و أسرّه علي عليه السّلام إلى من شاء واحدا بعد واحد صلوات اللّه عليهم ٢ .

« هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، و باشروا روح اليقين » روى الصدوق في ( إكماله ) أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لابنه الحسين عليه السّلام : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ المظهر للدّين ، و الباسط للعدل . فقال الحسين عليه السّلام : يا أمير المؤمنين و إنّ ذلك لكائن ؟ فقال عليه السّلام : إي و الّذي بعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالنبوّة و اصطفاه على جميع البرية ، و لكن بعد غيبة و حيرة ، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الّذين أخذ اللّه تعالى ميثاقهم بولايتنا و كتب في قلوبهم الايمان و أيّدهم بروح منه ٣ .

« و استلانوا » أي : عدوا ليّنا .

« ما استوعره » أي : وجده و عرا غليظا .

« المترفون » الّذين أطغتهم النعمة .

« و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون » قال الصادق عليه السّلام : أقرب ما يكون العباد من اللّه عزّ و جلّ و أرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة اللّه عزّ و جلّ فلم يظهر لهم و لم يعلموا بمكانه ، و هم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ، و قد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه النعماني في الغيبة : ٢١ عن عبد الأعلى بن أعين و عبد الملك خطأ .

( ٢ ) هذا حديث أبي بصير عن الباقر عليه السّلام أخرجه الصفار في البصائر : ٣٩٧ ح ٤ ، و أمّا حديث معمّر بن خلاّد فأخصر من هذا و قد أخرجه في : ٣٩٧ ح ٣ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٠٤ ح ١٦ .

٥٣٣

علم أنّ أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين ، و لا يكون ذلك إلاّ على رأس شرار النّاس ١ .

و قال السجاد عليه السّلام : تمتدّ الغيبة بولي اللّه إلى أن قال : إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته و المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان ، لأنّ اللّه أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالسيف ، أولئك المخلصون حقّا و شيعتنا صدقا ، و الدّعاة إلى دين اللّه تعالى سرّا و جهرا ٢ .

« و صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى » روى ( الكافي ) عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : في الأنبياء و الأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، و روح الايمان ، و روح الحياة ، و روح القوّة ، و روح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى . ثمّ قال : يا جابر إنّ هذه الأربعة الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس ، فإنّها لا تلهو و لا تلعب ٣ .

« أولئك خلفاء اللّه في أرضه و الدّعاة إلى دينه » قال ابن بابويه في قوله تعالى : . . . إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : إنّ القضيّة في الخليفة باقية إلى يوم القيامة ، و من زعم أنّ الخليفة أراد به النّبوّة فقد أخطأ من وجه ، و ذلك أنّ اللّه تعالى وعد أن يستخلف من هذه الأمّة خلفاء راشدين ، كما قال تعالى :

و عد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم و ليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٣٧ ، ٣٣٩ ح ١٠ ، ١٦ ، ١٧ بثلاث طرق ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣١٩ ح ٢ ضمن حديث .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٧٢ ح ٢ .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٥٣٤

بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا . . . ١ و لو كانت قضية الخلافة قضية النبوّة أوجب حكم الآية أن يبعث اللّه عزّ و جلّ نبيّا بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله ٢ .

و روى : أنّ أحمد بن إسحاق دخل على العسكري عليه السّلام يريد أن يسأله عن خلفه ، فقال عليه السّلام له مبتدئا : يا أحمد إنّ اللّه تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم و لا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، و به ينزّل الغيث ، و به يخرج بركات الأرض . . . ٣ .

« آه آه » قال الجوهري قولهم : أوه من كذا ، ساكنة الواو ، إنّما هو توجع ،

قال الشاعر :

فأوه لذاكر ما إذا ما ذكرتها

و من بعد أرض بيننا و سماء

و ربّما قلبوا الواو ألفا . فقالوا : آه من كذا ٤ .

« شوقا إلى رؤيتهم » لم ينحصر إظهار الاشتياق إليهم عليهم السّلام به عليه السّلام ، فقد أظهر جدّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أيضا الاشتياق إليهم ، حتّى إنّه أمر جابر الأنصاري بإبلاغه سلامه صلى اللّه عليه و آله إلى آخر من يدركه منهم ، ففي ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : ذكر المدائني عن جابر الأنصاري إنّه أتى أبا جعفر محمّد بن علي إلى الكتّاب و هو صغير ، فقال له : رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يسلّم عليك . فقيل لجابر :

و كيف هذا ؟ فقال : كنت جالسا عند النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و الحسين عليه السّلام في حجره و هو يداعبه ، فقال : يا جابر يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد :

ليقم سيّد العابدين . فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد فإن أدركته يا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النور : ٥٥ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٥ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٨٤ ح ١ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢٢٥ مادة ( اوه ) .

٥٣٥

جابر فأقرئه منّي السّلام ١ .

« انصرف إذا شئت » و في إسناد « إذا شئت فقم » و تعليق أمر الانصراف بمشيئة الطرف في مثله من جميل الخطاب ، و حسن الآداب ، و نظيره أنّ أبا العيناء و كان أعمى قال : ما رأيت أقوم على أدب من ابن أبي داود ، و ذلك أني ما خرجت من عنده قطّ فقال : يا غلام خذ بيده ، بل كان يقول : يا غلام اخرج معه .

و ممّا يناسب المقام في قوله عليه السّلام : « انصرف » ما في ( بيان الجاحظ ) : أنّ رجلا من العسكر عدا بين يدي المأمون ، فقال له بعض من يسير بقربه : يقول لك الخليفة : اركب . فقال المأمون : لا يقال لمثل هذا اركب . إنّما يقال لمثل هذا :

انصرف ٢ .

٢

الخطبة ( ٨٦ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَ رَخَاءٍ وَ لَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ اَلْأُمَمِ إِلاَّ بَعْدَ أَزْلٍ وَ بَلاَءٍ وَ فِي دُونِ مَا اِسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَ مَا اِسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ وَ مَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ وَ لاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ وَ لاَ كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ فَيَا عَجَباً وَ مَا لِيَ لاَ أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ اَلْفِرَقِ عَلَى اِخْتِلاَفِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا لاَ يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ وَ لاَ يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ وَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَ لاَ يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ يَعْمَلُونَ فِي اَلشُّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٣٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٨٥ .

٥٣٦

اَلشَّهَوَاتِ اَلْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا وَ اَلْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا .

مَفْزَعُهُمْ فِي اَلْمُعْضِلاَتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَ تَعْوِيلُهُمْ فِي اَلْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ كَأَنَّ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وَ أَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ أقول : رواه الكليني في ( روضته ) مسندا عن الصادق عليه السّلام قال : خطب أمير المؤمنين عليه السّلام بالمدينة ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : أمّا بعد ، فانّ اللّه تعالى لم يقصم جبّاري دهر إلاّ من بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم من الأمم إلاّ بعد أزل و بلاء . أيّها الناس في دون ما استقبلتم من عطب و استدبرتم من خطب معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير . عباد اللّه أحسنوا في ما يعنيكم النّظر فيه ، ثمّ انظروا إلى عرصات من قد أقاده اللّه بعمله ، كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون . و زروع و مقام كريم ١ ، ثمّ انظروا بما ختم اللّه لهم بعد النّضرة و السرور و الأمر و النّهي ، و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان و اللّه مخلّدون ، و للّه عاقبة الأمور . فيا عجبا و مالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتفون أثر نبيّ ، و لا يقتدون بعمل وصيّ ، و لا يؤمنون بغيب ، و لا يعفّون عن عيب . المعروف فيهم ما عرفوا ،

و المنكر عندهم ما أنكروا ، و كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، أخذ منها في ما يرى بعرى وثيقات ، و أسباب محكمات ، فلا يزالون بجور ، و لن يزدادوا إلاّ خطا ، لا ينالون تقرّبا ، و لن يزدادوا إلاّ من بعدا من اللّه عزّ و جلّ . أنس بعضهم ببعض ،

و تصديق بعضهم لبعض . كلّ ذلك و حشة ممّا ورث النّبيّ الاميّ صلى اللّه عليه و آله و نفورا ممّا أدّى إليهم من أخبار فاطر السّماوات و الأرض . أهل حسرات ، و كهوف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الدخان : ٢٥ ٢٦ .

٥٣٧

شبهات ، و أهل عشوات ، و ضلالة و ريبة . من و كله اللّه إلى نفسه و رأيه فهو مأمون عند من يجهله ، غير المتّهم عند من لا يعرفه . فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها . . . ١ .

و رواه المفيد في ( إرشاده ) عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام قال :

قال أمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا بعد ، فإنّ اللّه تعالى لم يقصم جبّارا قطّ إلاّ بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل و بلاء . أيّها الناس و في دون ما استقبلتم من خطب و استدبرتم من عصر معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير ، ألا فأحسنوا النظر عباد اللّه في ما يعنيكم ، ثمّ انظروا إلى عرصات من أباده اللّه بعمله ،

كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون . و زروع و مقام كريم .

فها هي عرصة المتوسّمين ، و إنّها لبسبيل مقيم ٢ ، تنذر من نابها من الثّبور بعد النّضرة و السرور ، و مقيل من الأمن و الحبور ، و لمن صبر منكم العاقبة ، و للّه عاقبة الأمور . فواها لأهل العقول ، كيف أقاموا بمدرجة السّيول ،

و استضافوا غير مأمون رئيسا لهذه الأمّة الجائرة في قصدها الراغبة عن رشدها ؟ لا يقتفون أثر نبي ، و لا يقتدون بعمل وصيّ ، و لا يؤمنون بغيب ، و لا يرعوون من عيب . كيف ، و مفزعهم في المبهمات إلى قلوبهم ، و كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، أخذ منها في ما يرى بعرى ثقات . لا يألون قصدا ، و لن يزدادوا إلاّ بعدا ، لشدّة انس بعضهم ببعض ، و تصديق بعضهم بعضا حيادا كلّ ذلك عمّا ورث الرّسول ، و نفورا عمّا أدّى إليه من فاطر السماوات و الأرضين العليم الخبير . فهم أهل عشوات كهوف شبهات ، قادة حيرة و ريبة . من و كل إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٦٣ ح ٢٢ كتاب الروضة .

( ٢ ) الحجر : ٧٦ .

٥٣٨

نفسه فاغرورق في الأضاليل . هذا و قد ضمن اللّه قصد السبيل . . . ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيا من حيّ عن بيّنة و إنّ اللّه لسميع عليهم ١ . فيا ما أشبهها أمّة صدّت عن ولادتها و رغبت عن رعاتها . . . ٢ .

و نقل الخوئي أيضا الأوّل و أشار إلى الثاني ٣ .

« امّا بعد ، فإنّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) و زاد ( ابن ميثم و الخطّية ) ٤ سبحانه .

« لم يقصم » قال الجوهري : قصمت الشي‏ء قصما : إذا كسرته حتّى يبين ٥ .

« جبّاري دهر قطّ إلاّ بعد تميل » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( تمهيل ) كما في ( إبن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و يصدّقه الرّوضة و الإرشاد ٦ .

« و رخاء » و هو ضدّ الشدّة ، و عدم قصمه تعالى للجبّارين إلاّ بعد تمهيل و رخاء هو سنّته عزّ و جلّ ، قال تعالى : فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ٧ .

و بتمهيله جلّ و علا يغترّ الجبّارون و يزيدون جبّاريتهم ، و في ( أغاني أبي الفرج ) قال أبو عبيدة : حدّثني أبو الهذيل العلاّف قال : صعد خالد القسري

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٤٢ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ١٥٥ .

( ٣ ) شرح الخوئي ٣ : ٦١ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و الكافي ٨ : ٦٤ ، و الإرشاد : ١٥٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « فإن اللّه » و « تميل » أيضا .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠١٣ مادة ( قصم ) .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و الكافي ٨ : ٦٤ ، و الإرشاد : ١٥٥ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « فإن اللّه » و « تميل » أيضا .

( ٧ ) الأنعام : ٤٤ .

٥٣٩

المنبر ، فقال : إلى كم يغلب باطلنا حقّكم ؟ أما آن لربّكم أن يغضب لكم ؟ و كان زنديقا أمّه نصرانية ، فكان يولّي النصارى و المجوس على المسلمين ،

و يأمرهم بامتهانهم و ضربهم ، و كان أهل الذمّة يشترون الجواري المسلمات و يطؤهنّ ، فيطلق لهم ذلك ، و لا يغيّر عليهم ١ .

« و لم يجبر » الجبر : إصلاح العظم المكسور ، و يعبّر عنه في الفارسيّة بقولهم : ( شكست و بست ) .

« عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل » أي : ضيق .

« و بلاء » فكما لم يهلك الجبّارين إلاّ بعد مدّة طويلة لم يقوّ المقهورين إلاّ بعد شدّة عريضة ، ما قال عليه السّلام ذلك أي : عدم قصم الجبّارين ، و عدم إغاثة المقهورين إلاّ بعد مدّة ، تمثيلا لحاله عليه السّلام و حال المتقدّمين عليه سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا ٢ .

و يشهد لكلامه عليه السّلام في الجبّارين و المستضعفين قوله تعالى في فرعون و أصحابه و موسى و قومه : و قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و آلهتك قال سنقتّل أبناءهم و نستحيي نساءهم و إنّا فوقهم قاهرون . قال موسى لقومه استعينوا باللّه و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين . قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا قال عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون . و لقد أخذنا آل فرعون بالسّنين و نقص من الثمرات لعلّهم يذّكّرون . فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه و إن تصبهم سيّئة يطّيّروا بموسى و من معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه و لكنّ أكثرهم لا يعلمون .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ٢٢ : ١٦ .

( ٢ ) الأحزاب : ٦٢ .

٥٤٠