بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113088 / تحميل: 6025
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وبين من يحتسب تطوّعاً ( أي يقوم بالقسم الفرديّ من تلك الوظيفة »(١) .

وقد أشار ابن الاخوة في مقدّمة كتابه إلى أنّ الحسبة منصب سياسيّ حكوميّ، فالمحتسب يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من موقع الحكم فقال: « لقد رأيت أن أجمع ـ في هذا الكتاب ـ أقاويل العلماء مستنداً به إلى الأحاديث النبويّة ما ينتفع به من استند لمنصب الحسبة وقلّد النظر في مصالح الرّعية وكشف أحوال السوقة، واُمور المتعيّشين على الوجه المشروع ليكون ذلك عماداً لسياسته وقواماً لرئاسته »(٢) .

وممّا يدلّ على أنّ القسم الاجتماعيّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ المصطلح عليه في لسان الفقهاء بالحسبة لا يختصّ بمجرّد بيان المحرّمات والواجبات بل يقع على عاتق المحتسبين ما يتعدّى الوعظ والإرشاد إلى إستعمال القوّة والسلطة، ما ذكره الفقهاء للمحتسبين من وظائف كثيرة تشمل كافّة مناحي الحياة الاجتماعيّة وتقترن ـ في الأغلب ـ باستخدام الردع العمليّ والإشراف القاطع والمؤاخذة والعقاب. وإليك نماذج من وظائف المحتسب(٣) التي توزّعت اليوم في وزارات ومديريّات مختلفة :

١. الحسبة على الآلات المحرّمة والخمر، فإذا جاهر رجل بإظهار الخمر أراقه المحتسب، وأدّبه إن كان ذلك الرجل مسلماً، أو أدّبه على إظهاره إن كان ذميّاً وهكذا بالنسبة إلى الالات المحرّمة، فإنّ المحتسب يفصلها حتى تعود خشباً، ويؤدّب صاحبها.

ويمكن أن يدخل هذا في شؤون وزارة الداخليّة.

٢. الحسبة على أهل الذمة ومراقبة أحوالهم وتصرّفاتهم، ومدى التزامهم بعهودهم، ومراعاتهم لشروطها، ويدخل هذا في شؤون وصلاحيّات وزارة الداخليّة.

__________________

(١) معالم القربة في أحكام الحسبة: ١١.

(٢) معالم القربة: ٣.

(٣) لقد وردت كلمة الحسبة في مجمع البحرين هكذا: الحسبة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختلف في وجوبها عيناً أو كفاية. راجع باب حسب ص ١٠٦.

٣٠١

٣. الحسبة على أهل الجنائز، ومراقبة شؤونها من جهة الاُمور الصحيّة والحقوقيّة ويدخل في شؤون وزارة الداخليّة، ووزارة الصحّة.

٤. الإشراف على المعاملات التجاريّة لمنع المعاملات الفاسدة كالبيوع الفاسدة وتعاطي الربا، والمسلم الفاسد، والإجارة الفاسدة وهي تدخل في شؤون وزارة العدل.

٥. الإشراف على العلاقات الاجتماعيّة والأخلاقيّة ومنع الناس من مواقف الريب ومظانّ التهم ممّا يدخل في شؤون وزارة الداخليّة.

٦. مراقبة شؤون النقد ومنع التعامل بالنقود الزائفة، بعد تحديدها وتعيينها وهو يدخل في شؤون وزارة المال والدوائر التابعة لها.

٧. الحسبة على منكرات الأسواق كمنع بعض السوقة من سدّ طرقات المارّة بمتاعهم وما شابه مما يدخل في صلاحيات الدوائر التابعة للاُمور البلديّة. وكمنع الحمّالين من أشياء بنحو يلحق الضرر بالمارّة، إمّا بتمزيق ثيابهم أو تلويثها.

٨. ضبط المكاييل والمقاييس والأوزان المستعملة في الأسواق، وتعيينها والمنع من التلاعب فيها ممّا يدخل في شؤون البلديّة.

٩. مراقبة تجّار الغلاّت للحيلولة دون احتكارها، أو التلاعب فيها وتعيين أسعارها عند الضرورة ممّا يدخل في صلاحيّات وزارة التجارة والاقتصاد.

١٠. مراقبة الخبّازين وأصحاب الأفران من الناحية الصحيّة منعاً من إصابة الناس بالأمراض والأوبئة، وهو يدخل في شؤون وزارة الصحة وكذا مراقبة كلّ باعة الأغذية، والحلويّات والشرابت لنفس الغرض وأيضاً من ناحية الأسعار.

١١. ملاحظة القصّابين واللحّامين لمنعهم من فعل ما يوجب التلوث كذبح الحيوانات في الأسواق أو بيع اللحوم الفاسدة، وتحديد أسعارها وإعطائهم التعليمات الصحيّة وهو يدخل في صلاحيّات وزارتي الصحة والتجارة. والدوائر التابعة لها.

١٢. مراقبة البزّازين وبيّاع الألبسة وما يتعلّق بهذه المهن من شؤون لمنع أي تلاعب

٣٠٢

في هذا المجال، أو تلاعب في الأسعار والقيم، وكذا مراقبة الخيّاطين وصنّاع الثياب.

١٣. مراقبة كلّ المشاغل والمهن وأصحاب الحرف كالصاغة والحدّادين، والنحاسين، والصبّاغين، والبياطرة، والحمّامات وأصحابها والفصّادين والحجّامين والأطبّاء والمجبّرين والجرّاحين مراقبة شاملة من ناحية الأسعار والمبالغ التي يتقاضونها، أو شروط العمل، أو مواصفاته الصحيّة ممّا يدخل بعضها في شؤون وزارة التجارة والاقتصاد، وبعضها الآخر في شؤون وزارتي الصحّة والداخليّة.

١٤. مراقبة المساجد والمؤذنيين والوعّاظ والقرّاء، وعدم السماح لتصدّي هذه المشاغل إلّا لمن اشتهر بين الناس بالدين والخير والفضيلة ويكون عالماً بالاُمور والعلوم الشرعيّة ممّا يدخل الآن في نطاق صلاحيّات وزارة الأوقاف.

١٥. الحسبة على مؤدّبي الصبيان ومعلّمي الأولاد، ومراقبة شروط الدراسة ومكانها وكيفيتها وما يرتبط بذلك ممّا يدخل في مسؤوليّات وزارة التربية والتعليم.

١٦. الحسبة على كتّاب الرسائل لمنع تصدّي من لا أهليّة له لذلك لما في هذا الأمر من خطر على أسرار الناس وأعراضهم.

١٧. القيام ببعض التعزيرات والتأديبات لمن يتخلّف عن القوانين الإسلاميّة المقرّرة.

١٨. الحسبة على أصحاب السفن والمراكب ومراقبة الطرق ووسائط النقل ممّا يكون من شؤون وزارة الطرق والمواصلات.

١٩. الحسبة على شؤون العمل والعمّال ومراقبة شؤونهم وحقوقهم وظروف عملهم ممّا يدخل في شؤون ومسؤوليّات وزارة العمل، والشؤون الاجتماعيّة و ( الضمان الاجتماعي ).

وغير ذلك(١) .

__________________

(١) راجع هذه التفاصيل في كتاب معالم القربة تصفّح كلّ الأبواب.

٣٠٣

وللوقوف على وظائف المحتسب باختصار ؛ نذكر لك ما كتبه ابن خلدون في مقدمته: « أمّا الحسبة فهي وظيفة دينيّة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم باُمور المسلمين يعيّن لذلك من يراه أهلاً له فيتعيّن فرضه عليه ويتّخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويعزّر ويؤدّب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامّة في المدينة، مثل المنع من المضايقة في الطرقات ومنع الحمّالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقّع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلّمين في المكاتب وغيرها في الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلّمين، ولا يتوقّف حكمه على تنازع واستعداء بل له النظر فيما يصل إلى علمه من ذلك بل فيما يتعلّق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها في المكاييل والموازين، وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك »(١) .

إنّ من يلاحظ هذه المهام الموكلة إلى المحتسب والمحتسبين يرى أنّها نفس الصلاحيّات والمهام التي تقوم بها أجهزة السلطة التنفيذيّة المتمثّلة في الوزارات وما يتبعها من دوائر ومديريّات بتنظيم دقيق وعلى نطاق أوسع، غاية ما هنالك أنّ الحياة الإسلاميّة في العصور الغابرة والعهود الإسلاميّة الاُولى لم تستلزم التوسّع في الأجهزة والتشكيلات على غرار ما نلاحظ اليوم، بل اكتفي بالمحتسب أو المحتسبين ولكن التطوّر الحضاريّ، واتّساع البلاد، وتزايد الحاجات تطلّبت إحالة تلك المهام والمسؤوليّات والصلاحيّات إلى وزارات وأجهزة ومديريات هذا مضافاً إلى أنّ الإسلام اهتمّ ببيان الخطوط العريضة للحكم والولاية، واعتنى ببيان جوهر الوظائف، تاركاً اختيار الظواهر والشكليّات للزمن والحاجة، ما دامت تتّفق مع ما رسمه من خطوط ووظائف وغايات.

إنّ الإسلام وإن أوكل الكثير من القضايا الاجتماعيّة إلى الحاكم كما مرّ عليك باختصار ؛ ولكن هل يمكن للحاكم، وهو يواجه كلّ يوم آلاف المشاكل والقضايا أن

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون المتوفّي ( ٨٠٨ ه‍ ): ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٣٠٤

يقوم بكلّ أعباء الولاية والحكومة لوحده دون معاونين ووزراء، ودون أجهزة وتشكيلات ؟ الجواب لا قطعاً.

هذا ولقد ورد ذكر الوزير والوزراء في عهد الإمام عليّعليه‌السلام لمالك الأشتر النخعيّ لـمّا ولاّه على مصر حيث قال: « إنّ شرَّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً ومن شركهم في الآثام فلا يكونّن لك بطانة فإنّهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة »(١) .

وهذا يعني أنّ على الحاكم الإسلاميّ الأعلى للبلاد أن يتّخذ لنفسه ( وزراء ) يعينونه على إدارة البلاد، وتنفيذ القوانيين، وأنّ عليه ـ وراء ذلك ـ أن يختار بدقّة وعناية اُولئك الوزراء وأفراد السلطة التنفيذيّة ؛ لما لهم من أثر حسّاس في الأحوال الاجتماعيّة والسياسيّة.

وربمّا عبّر في الإسلام عن الوزير بالكاتب كما جاء في عهد الإمام عليّعليه‌السلام لمالك الأشتر، قال الاُستاذ توفيق الفكيكي في كتابه « الراعي والرعية »: « قال الإمام عليّ: « ثمَّ انظر في حال كتّابك »، ولم يقل ( كاتبك ) علمنا أنّ معنى الكاتب يراد به الوزير في عرف اليوم فقد جوّزعليه‌السلام تعدّد الوزراء على قدر الحاجة التي تدعو إليها المصلحة العامّة ويؤكّد هذا ما جاء في آخر كلامه المتقدّم: ( و اجعل لرأس كلّ أمر من أُمورك رأساً منهم لا يقهره كبيره ولا يتشتَّت عليه كثيرها ) »(٢) .

ثمّ إنّ السلطة التنفيذيّة اجتمعت في القرآن تحت كلمة ( اُولي الأمر ) وقد وردت هذه الكلمة في القرآن في عدّة مواضع:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ( النساء: ٥٩ ).

( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ( النساء: ٨٣ ).

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة ٥٣.

(٢) الراعي والرعيّة: ١٦٢ ـ ١٦٣ وهو شرح وتحليل سياسيّ لعهد الإمام عليّعليه‌السلام للأشتر النخعيّ.

٣٠٥

وغير خفيّ على المتتبّع في الآثار النبويّة أنّ المراد من اُولي الأمر حين نزول الآية هو الذي نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أسمائهم من أوّلهم إلى آخرهم، بيد أنّهم كانوا مصاديق كاملة لهذا العنوان وكان الإشارة إليهم من باب أظهر المصاديق فعندما لا تتمكّن الاُمّة الإسلاميّة من هؤلاء المنصوص عليهم تتمثّل هذه القضية الكليّة في ( العدول ) من أئمّة المسلمين الذين يديرون دفّة البلاد.

ثمّ قد سبق القرآن الكريم إلى هذا بصورة ضمنيّة عند حكايته لقول موسىعليه‌السلام وطلبه من الله تعالى إذ قال:( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) ( طه: ٢٩ ـ ٣١ ).

وهو يكشف عن وجود الوزراء للحاكم الأعلى في النظام السياسيّ الإسلاميّ ليشدّوا أزره، ويعينوه على الإدارة والولاية.

ولقد أقرّ الإسلام وجود السلطة التنفيذيّة وأخذ بها عمليّاً حيث كان النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسّم المسؤوليّات الإداريّة والسياسيّة على الأفراد، وإن لم يكن هذا التقسيم تحت عنوان إلاستيزار، واتّخاذ الوزراء، كما ستعرف.

وخلاصة القول ؛ أنّ القارئ الكريم إذا لاحظ برامج الحكومة الإسلاميّة التي يجب أن يقوم بها النظام الإسلاميّ، يقف على أنّها لا يمكن تطبيقها بدون أجهزة كاملة، وسلطة تنفيذيّة في مجالات الاقتصاد والزراعة والماليّة والدفاع والمواصلات وغير ذلك من البرامج وستقف عليها بإذن الله سبحانه في فصلها الخاصّ، وكلّ من يقوم على هذه البرامج يعدّ جزء من السلطة التنفيذيّة.

السلطة التنفيذيّة على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

لا شكّ أنّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إلى جانب مهامه الرساليّة، يتولّى القسم الأكبر من إدارة شؤون المسلمين السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ولا شكّ أنّ رقعة البلاد الإسلاميّة ـ آنذاك ـ لم تبلغ من السعة والانتشار بحيث تتطلّب إنشاء تشكيلات

٣٠٦

تنفيذيّة واسعة الأطراف والأبعاد، ولذلك لم يكن في ( العهد النبوي ) سلطة باسم السلطة التنفيذيّة، ولا وزارة ولا وزارات(١) ولا مديريّات مركزيّة ومحليّة على غرار ما يوجد الآن، بل كان هناك فيما وقفنا عليه من خلال مطالعة ذلك العهد ـ تقسيم بعض المسؤوليّات الإداريّة والمهامّ السياسيّة على الأفراد القادرين على تحمّلها، والصالحين للقيام بها، وهذا هو المهمّ معرفته في هذا المقام، فإنّ المهمّ هو معرفة كيفيّة إدارة المجتمع على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والاطّلاع على ما إذا اتّخذ النبيّ الأكرم وهو أوّل حاكم إسلاميّ أعلى للاُمّة الإسلاميّة من وازروه وعاونوه في مسألة الإدارة، وتدبير شؤون الاُمّة في مجالات السياسة والعسكريّة والقضاء وما شابه أم لا، لنرى ما إذا كان يتعيّن على الدولة الإسلاميّة أن تتّخذ مثل هذه السلطة أم لا، وكيف ؟

إنّ المراجع لتاريخ الحكومة النبويّة يرى بوضوح ؛ أنّ النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمارس حكومته على المسلمين من خلال توزيع بعض المسؤوليّات على أفراد صالحين، وكان ذلك يمثّل التشكيلات الإداريّة في ذلك العهد والتي تعادل الوزارات في هذا العصر ونحن لا ننكر أنّها كانت تشكيلات إداريّة بسيطة، ولكنّها توسّعت فيما بعد واتّخذت أشكالاً أكثر تنظيماً وسعة باتّساع رقعة البلاد الإسلاميّة، وتطوّر الحاجات الاجتماعيّة وتشعّبها، واتّساع نطاقها الذي اقتضى ـ بدوره ـ التوسّع في التشكيلات الإداريّة وإحداث الوزارات والدواوين والدوائر والأجهزة التنفيذيّة المتعدّدة.

إنّ من يراجع تاريخ الحكومة النبويّة يجد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيّن الاُمراء العامّين على النواحي ويقيم الولاة على البلاد ويعيّن رجالاً للقضاء، وآخرين لجباية الصدقات وجلب الزكوات، وآخرين للكتابة، وربّما أمّر الرجل على قومه لأنّه أيقظ عيناً وأدرى بفنون الحرب من غيره، أو خلّف أحداً مكانه عند غيابه، كما كان يخلّف ابن اُمّ مكتوم في بعض الأحيان عند غيابه عن المدينة(٢) . وكما خلف عليّاًعليه‌السلام عند خروجه لغزوة

__________________

(١) نعم اتّخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام وزيراً لنفسه كما يدلّ عليه حديث بدء الدعوة، لاحظ الصفحة ٨٣ من هذا الكتاب.

(٢) الكنى والألقاب ( للقمّي ) ١: ٢٠٨.

٣٠٧

تبوك(١) وأمّر عتّاب بن أسيد على مكّة وأوكل إليه إقامة المواسم والحجّ للمسلمين عام الفتح.

النبيّ يعيّن الولاة ويحدّد مسؤوليّاتهم

وكان يعيّن الولاة ( الذين هم الآن بمثابة المحافظين ) وكان يرسم لهم منهجهم في الحكم وسياستهم الداخليّة

فقد بعث معاذ بن جبل إلى اليمن ووصّاه بما يلي :

« يا معاذ علّمهم كتاب الله، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة وأنزل النّاس منازلهم خيرهم وشرّهم وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاش في أمره. ولا ماله أحداً، فإنّها ليست بولايتك ولا مالك وأدّ إليهم الأمانة في كلّ قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحقّ، يقول الجاهل قد تركت من حقّ الله، واعتذر إلى أهل عملك من كلّ أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتّى يعذروك، وأمت أمر الجاهلية إلّا ما سنّه الإسلام.

وأظهر أمر الإسلام صغيره وكبيره، وليكن أكثر همّك الصّلاة فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدّين وذكّر النّاس بالله واليوم الآخر، واتبع الموعظة فإنّه أقوى لهم على العمل بمّا يحبُّ الله، ثمّ بثّ فيهم المعلّمين وأعبد الله الذّي إليه ترجع ولا تخف في الله لومة لائم.

وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ولين الكلام وبذل السلام وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل وقصر الأمل وحبّ الآخرة والجزع من الحساب ولزوم الإيمان والفقه في القرآن، وكظم الغيظ، وخفض الجناح.

وإيّاك أن تشتم مسلماً، أو تطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً أو تكذّب صادقاً، أو

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢: ٥٢٠ وبحار الأنوار ٢١: ٢٠٧.

٣٠٨

تصدّق كاذباً واذكر ربّك عند كُلّ شجر وحجر واحدث لكلّ ذنب توبةً، السرّ بالسرّ والعلانيّة بالعلانيّة.

يا معاذ لولا أنّني أرى إلّا نلتقي إلى يوم القيامة لقصّرتُ في الوصيّة ولكنّني أرى أنّنا لا نلتقي أبداً

ثمّ أعلم يا معاذ إنّ أحبّكُم إليّ من يلقاني على مثل الحال التّي فارقني عليها »(١) .

وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمرو بن حزم إلى بني الحارث وجعله والياً عليهم ليفقّههم في الدين، ويعلّمهم السنُّة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم الصدقات وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده وأمره فيه بأمره: « بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا بيان من الله ورسوله، يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقُود، عهد من محمّد النّبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثهُ إلى اليمن أمرهُ بتقوى الله في أمره كُلّه، فإنّ الله مع الّذين اتّقوا، والّذين هم محسنون.

وأمره أن يأخذ بالحقّ كما أمره الله وأن يبشّر النّاس بالخير، ويأمرهم به، ويعلّم النّاس القرآن ويفقّههم فيه، وينهى النّاس فلا يمس القران إنسان إلّا وهو طاهر ويخبر النّاس بالذي لهم والذي عليهم ويلين للنّاس في الحقّ ويشتدّ عليهم في الظّلم فإنّ الله كره الظّلم ونهى عنه، فقال:( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( هود: ١٨ ) ويبشر النّاس بالجنّة وبعملها وينذر النّاس النّار وعملها ويستألف النّاس حتّى يفقهوا في الدّين ويعلّم النّاس معالم الحجّ وسنّته وفريضته، وما أمر الله به، والحجّ الأكبر: الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر هُو العُمرة إلى آخر العهد »(٢) .

ومن هذين العهدين، ونظائرهما، يتبيّن لنا أنّ النبيّ كان يعهد بعض السلطات والمسؤوليّات إلى من يراه صالحاً من المسلمين ليقوموا بإدارة بعض أنحاء البلاد، ويزوّدهم ببرامج وأنظمة للحكم والعمل السياسيّ والإداريّ، ممّا يكشف عن وجود صورة مصغّرة عن السلطة التنفيذيّة إلى جانب الحاكم الأعلى للبلاد.

وقد كان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّال للبريد، وله تعليمات خاصّة لهم في هذا الشأن ومن ذلك

__________________

(١) تحف العقول: ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) سيرة ابن هشام ٤: ٥٩٥.

٣٠٩

قوله: « إذا أبردتم إليّ بريداً فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم »(١) .

وقوله لأحد عمّال البريد: « إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلاً حتّى تصبح وتطهّر فأحسن طهورك وصلّ ركعتين وسل الله النّجاح والقبول وأستعد لذلك وخذ كتابي بيمينك وادفعه بيمينك في أيمانهم »(٢) .

وربّما اتّخذ بعض الحراس الليليين ليتتبّعوا أهل الريب، وقد عدّ من ذلك سعد ابن أبي وقّاص(٣) ، وربّما اتّخذ حرساً خاصّاً في بعض الأحيان غير العادية ويذكر أنّ سعد بن معاذ كان حرسه يوم بدر(٤) .

وقد روي أنّ بعض المسلمين كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتّى ينقلوه حيث يباع الطعام، قال ابن عبد البرّ: استعمل النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله سعيد بن سعيد العاص على سوق مكّة(٥) .

كما كان له كتاب الرسائل الذين كانوا يكتبون للملوك والاُمراء والبوادي وغيرهم وكان له من يقوم بمهمّة الحسبة التي مرّ ذكرها مفصّلاً(٦) .

وهكذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يتّخذ المعاونين والمساعدين لإدارة ما يمكن لهم إدارته من الأعمال والمهامّ ويوكل إليهم من الصلاحيّات والمسؤوليّات ما تعارف إيكاله الآن إلى الوزارات والمديريّات والإدارات التي تشكّل حقيقة السلطة التنفيذيّة، وقد كان إيكاله المهامّ للأشخاص مشفوعاً بإعطاء البرامج والتوجيهات الإداريّة المفصّلة التي مرّ عليك ذكر بعضها، وتجد المزيد منها في كتب السير والتاريخ.

* * *

كيفيّة السلطة التنفيذيّة الآن

بعد أن عرفت أيّها القارئ الكريم من البحثين السابقين ؛ أنّ جانباً كثيراً من

__________________

(١) التراتيب الإداريّة ١: ٢٤٧.

(٢ ـ ٥) راجع النظم الإسلاميّة نشأتها وتطوّرها من الصفحة ٢٩٤ إلى ٤٢٨.

(٦) التراتيب الإداريّة ٢: ٢٨٥.

٣١٠

النظم الإداريّة والتوجيهات الضروريّة لتنظيم الحياة الاجتماعيّة في مجالات العلاقات والحقوق والتعامل ( كالتبادل التجاريّ مثلما جاء في الكتاب العزيز ضمن آيات أطولها آية الدين التي حثّت على كتابة الدين وتسجيله ) يتطلّب وجود جهاز تنفيذيّ وقد كان هذا الأمر يتم في العهد النبويّ ببساطة ؛ وان استوجب تزايد حجم الاُمور واتسّاع رقعة البلاد، تطوير الترتيبات اللازمة لذلك، وتوسيع التشكيلات، يصبح الجواب على السؤال المطروح وهو ؛ كيف يجب أن تكون السلطة التنفيذيّة في العصور الحاضرة ؟ واضحاً من وجهة نظر الإسلام.

فإنّ ذكر الترتيبات والتشكيلات ليس من مهمّة الدين الإسلاميّ فذلك متروك للزمن المتحوّل، والحاجات المتطوّرة، لأنّ تحديدها وتعيينها بصورة لا يجوز تخطّيها لا ينسجم مع خاتميّة الرسالة الإسلاميّة التي نزلت لتكون دين الأبديّة، ومنهج البشريّة إلى يوم القيامة، فإنّ مثل هذه الخاصّية في الدين الإسلاميّ تقتضي أن يبيّن الإسلام الجوهر ويترك اختيار الشكل واللباس إلى الزمن والحاجة حتّى يستطيع مسايرة الزمن ويتمشّى مع تقدم الحياة البشريّة وتطوّرها، إذ ذكر الخصوصيّات والأشكال يفرض على الدين الإسلاميّ جموداً هو منه براء، ويحصره في زمن خاصّ دون زمن آخر ؛ لأنّ الحاجات البشريّة متجدّدة ومتحوّلة ومتزايدة ولا يمكن الجمود ـ في رفعها ـ على نمط خاصّ من التشكيلات والأشكال، ولهذا نجده يذكر ـ مثلاً ـ موضوع تسجيل المعاملات الماليّة التي فيها أجل دون أن يحدّد نوع تنفيذ هذا الأمر وما يلزم من أجهزة ودوائر فيقول في أطول آية قرآنية :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَىٰ وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ

٣١١

ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ إلّا تَرْتَابُوا إلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ إلّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( البقرة: ٢٨٢ ).

إنّ هذه الآية ترسم أهمّ الاُسس التي يجب أن يبنى عليها التعامل التجاريّ، ويكتفي فيها الإسلام بذكر الجوهر تاركاً اختيار الترتيبات الفنيّة، والتشكيلات الإداريّة التي تقوم بهذه الاُمور إلى الأوضاع البشريّة المتجدّدة.

وعلى ذلك فإنّ ما نجده في الكتب التي أُلّفت حول النظم السياسيّة مثل ما كتبه الباحث العلاّمة الشيخ عبد الحيّ الكتاني في تأليفه القيّم « التراتيب الإداريّة » والدكتور صبحي الصالح في « النظم الإسلاميّة » لا يمثّل إلّا تصوير ما توصّلت إليه الحكومات السابقة من تشكيلات وأساليب للعمل الإداريّ والحكوميّ ولا تمثّل بعينها وشكلها أمراً إسلاميّاً يجب الأخذ به حتماً دون زيادة أو نقصان ودون تغيير أو تحوير، تستدعيه الحاجة ويستلزمه الظرف.

ويدلّ على ذلك ؛ أنّ هذه الاُمور في العهد النبويّ كانت تمارس بأساليب بسيطة وبدائيّة ومختصرة كما عرفت، وتطوّرت فيما بعد في العهود اللاحقة، ولكنّها كانت على كلّ حال تدلّ على وجود السلطة التنفيذيّة حتّى في العهد النبويّ وإن لم تكن بالتفاصيل والخصوصيّات المتعارفة الآن.

* * *

مواصفات أعضاء السلطة التنفيذيّة

يعتبر دور السلطة التنفيذيّة في الدولة دوراً بالغ الخطورة والأهميّة، لأنّه على عاتقها تقع مهمّة القيام بشؤون الناس، وإدارة اُمورهم وسدّ حاجاتهم، وحلّ مشكلاتهم، فإذا قامت هذه السلطة بواجباتها أفضل قيام استطاعت أن تكتسب رضا الاُمّة، وتجلب مودّتهم التي يقوم عليها بقاء الدولة، واستقرار الأمن.

٣١٢

إنّ ضمان استقامة السلطة التنفيذيّة وسلامة سلوكها يتوقّف ـ بالدرجة الاُولى ـ على نوع الشروط والمواصفات المعتبرة في أعضاء تلك السلطة فإنّ أكثر المشاكل التي تعانيها أنظمة الحكم في العالم ترجع إلى سوء اختيار أعضاء هذه السلطة ويعود ذلك إلى الخطأ الحاصل في المواصفات والشروط التي تقيم الأنظمة البشريّة اختيار الوزراء والمدراء والمسؤولين، على أساسها.

ولقد أدرك الإسلام كلّ هذا من قبل فاعتبر لأعضاء السلطة التنفيذيّة شروطاً ومواصفات يضمن توفّرها فيهم، سلامة هذه السلطة، واستقامة تصرّفاتها وأبرز هذه المواصفات هي :

١. التخصّص

لقد كان الإسلام أوّل من اشترط وجود هذا الشرط في أفراد السلطة التنفيذيّة وهو أمر اشترطه في جميع المناصب الدينيّة والزمنيّة حيث يقول:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( النحل: ٤٣ )، وهو حثّ على إرجاع كل أمر إلى أهله والعارفين به.

ولذلك قال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الرّئاسة لا تصلحُ إلّا لأهلها »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عمل على غير علم كان ما يُفسدُ أكثر ممّا يُصلحُ »(٢) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام : « العاملُ على غير بصيرة كالسّائر على غير الطّريق لا يُزيدُهُ سُرعة السّير إلّا بُعداً »(٣) .

إنّ إيكال الأمر إلى من لا يعرفه ولا يعرف مدخله ومخرجه إضاعة لذلك الأمر وإيذان بسوء العواقب فالعقل لا يسمح بإيكال أمر إلى من لا يعرف القيام به فكيف بالمسؤوليّة الاجتماعيّة وإدارة البلاد ولذلك قالوا: الحكمة هي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومن الحمق وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.

__________________

(١ ـ ٣) الكافي ١: ٤٧ و ٤٥ و ٤٤.

٣١٣

على أنّ من التخصّص أيضاً معرفة الزمان وأهله وما يقتضيانه من التدبير والحيلة. ولذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام : « العالمُ بزمانه لا تهجُمُ عليه اللّوابسُ »(١) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وهو يصف المسؤول الصالح، والراعي الناجح: « يعملُ ويخشى رجلاً، داعياً، مشفقاً مُقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه مُستوحشاً من أوثق إخوانه، فشدّ الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه »(٢) .

إن قوله « مُقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه » إشارة إلى شرط التخصّص بجانبيه: معرفة الأمر، ومعرفة الزمان وأهله.

٢. الوثاقة

إنّ أهمّ شرط بعد شرط التخصّص هو: الوثاقة وكون المسؤول الحكوميّ أميناً ومأموناً على إدارته ومسؤوليّته فإنّ أكثر المآسي الاجتماعيّة الناشئة من رجال الحكومات في الأنظمة البشريّة ترجع ـ في الحقيقة ـ إلى خيانة هؤلاء الرجال لما أوكل إليهم من مسؤوليّات ومهامّ، فقاموا بها دون ورع، وتصرّفوا فيما فوّض إليهم دون تقوى ولأجل ذلك يؤكد القرآن الكريم على تفويض الاُمور إلى الأمناء من الرجال، المأمونين على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم إذ يقول عن لسان ابنة شعيب:( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) ( القصص: ٢٦ ).

فإنّ كانت القوّة والأمانة شرطان ضروريّان في راعي شويهات وأغنام، كان اشتراطهما في من يراد تسليطه على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم ضروريّاً بطريق أولى.

٣. الزهد والتعفّف

والمراد من الزهد هو أن لا يكون المرء متعلّقاً بالدنيا وحطامها، وآخذاً بها على وجه

__________________

(١ و ٢) اُصول الكافي ١: ٢٧ و ٣٩.

٣١٤

الغاية والهدف فإنّ من جعل الدنيا وزبارجها غايته وهدفه، جعلها همّته، ومن جعلها همّته تجاوز الحدود وضيّع الحقوق، ونسي رعيّته وضيّع من ولي أمرهم فخسرهم، وضيّع مودّتهم.

إنّ على المسؤول الحكوميّ أن يجعل الزهد نصب عينيه فيأخذ من الدنيا ما يكفيه. ومن كان كذلك لم يمدّ عينيه إلى أموال الناس حبّاً في العاجلة، وغفلة عن الآجلة وكان جديراً بأن يراعي أضعف الناس. فلا يضيع منهم حقّاً ولا يغفل فاقة وفقراً ولذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام في كلام له: « إنّ الله فرض على أئمّة العدل أن يقدروا معيشتهم على قدر ضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقرهُ »(١) .

ونجده يوبّخ أحد ولاته ـ وهو عثمان بن حنيف ـ لأنّه دعي إلى وليمة فأجاب لأنّ ذلك ـ في نظر الإمام عليّ يعرّض الوالي والمسؤول الحكوميّ لخطر الإنبهار بحطام الدنيا وبريقها وهو أمر فيه ما فيه من العواقب مضافاً إلى تضييع محتمل لحقّ الحاضر: « أمّا بعدُ يا بن حنيف فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيُّهم مدعوّ فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنورعلمه ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك فأعينوني بورع، واجتهاد وعفّة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طِمراً ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه إلّا كقوتِ أتانٍ دَبِرة ولهي في عيني أوهى وأوهن من عفصة مقرة »(٢) .

إنّ الزهد الذي يتحلّى به الحاكم والمسؤول الإداريّ هو الذي يمنعه من أن يمدّ عينيه إلى أموال الناس وأشيائهم وهو الذي يجعله يحس بآلام الرعيّة وحاجاتها ،

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٢٠٧).

(٢) نهج البلاغة: الخطبة (٤٥).

٣١٥

ونواقصها وإنّ أسوأ ما يعاني منه عالمنا اليوم هو جشع الحكّام وحرصهم على الدنيا، وتعلّقهم الشديد بحطامها، الذي يسوّغون في سبيله كلّ حرام ويرتكبون كلّ معصية، ويقترفون كلّ جريمة.

إنّ الزهد هو العامل الفعال الذي يردع عن اقتحام الشبهات فضلاً عن نيل الحرام.

هذه هي أهمّ الشروط والمواصفات المعتبرة في أعضاء السلطة التنفيذيّة، وهي مواصفات إن توفّرت فيهم سلمت هذه السلطة من الآفات الجسيمة التي تعاني منها أنظمة الحكم، والحكومات الراهنة. وتتخلّص الشعوب من العناء والعذاب الذي تلقاه على أيدي الحكام والمسؤولين، بدل أن تنال على أيديهم السعادة والخير والرفاه.

ولا شكّ أنّ هذه المواصفات تتوفّر ـ في الأغلب ـ في المسلم المؤمن العارف بدينه، ولذلك يتعيّن تقديمه على غيره في تفويض المسؤوليّات الحكوميّة إليه.

غير أنّه لا بدّ من التنبيه ـ بعد ذكر هذه المواصفات ـ إلى نقطة هامة وهي: أنّ صلاحيّة المسؤول الحكوميّ وحدها لاتكفي في استقامة الاُمور وصلاح الرعيّة وعمارة البلاد وتقدمها، بل لا بدّ إلى جانب ذلك من أن يتحلى المسؤول بالصفات الأخلاقيّة العليا كالحلم والصبر والأناة، والعطف والشفقة وغير ذلك من نبيل الأخلاق.

بيد أنّ الأهمّ من ذلك كلّه هو ( طاعة الرعيّة للحاكم الصالح ) والانقياد لأوامره، لأنّ الحاكم غير المطاع لا يمكن أن يقيم أمناً، أو ينشر عدلاً، فلا رأي لمن لا يطاع كما قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وإليك مفصّل الكلام في هذا الأمر :

إطاعة الحاكم الصالح

إنّ نفوذ السلطة التنفيذيّة، يتقوّم بطاعة الناس لها وإلاّ صار وجود السلطة هذه لغواً، لا فائدة فيه ولا أثر له ولذلك وردت عن النبيّ العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الطاهرين أحاديث كثيرة تحثّ على طاعة الحاكم الصالح، وصاحب السلطة العادل :

٣١٦

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « طاعة السُّلطان [ أي صاحب السلطة العادل ] واجبة، ومن ترك طاعة السُّلطان فقد ترك طاعة الله عزّ وجلّ »(١) .

وقد خطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم في مسجد الخيف وقال: « نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

ثلاثة لا يغلُّ عليهنّ قلب امرئ مسلم :

إخلاص العمل لله

والنّصيحة لأئمّة المسلمين.

واللّزوم لجماعتهم فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم: المسلمون اخوة تتكاتفأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « لا تختانوا ولاتكم، ولا تغشّوا هداتكم ولا تجهلوا أئمّتكم، ولا تصدّعوا عن حبلكم فتفشلوا وتذهب ريحكم وعلى هذا فليكن تأسيس اُموركم والزموا هذه الطريقة »(٣) .

وقال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام في رسالة الحقوق: « فأمّا حقٌّ سائسك بالسلطان فأن تعلم أنّك جعلت له فتنةً وأنّه مبتلى بك بما جعله الله له عليك من السُّلطان، وأن تخلص له في النّصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه »(٤) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « أيّها النّاس إنّ لي عليكم حقّاً ولكم عليّ حقٌّ :

فأمّا حقّكم عليّ فالنّصيحة لكم وتوفير فيئكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٧٢.

(٢ و ٣) الكافي ١: ٢٣٢ ـ ٢٣٣، ٢٣٥.

(٤) مكارم الأخلاق للطبرسيّ: ١٨٧.

٣١٧

وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنّصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم »(١) .

ولمّا سئل الإمام الباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام : ما حقّ الإمام على الناس ؟ قال: « حقُّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ».

فقيل: فما حقُّهم عليه ؟ قال: « يقسّم بينهم بالسّويّة ويعدل في الرّعيّة »(٢) .

وقال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : « إنّ السُّلطان العادل بمنزلة الوالد الرّحيم فأحبُّوا له ما تحبُّون لأنفسكم واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم »(٣) .

وعن أبي سعيد الخدري، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سُلطان جائر »(٤) .

إنّ طاعة الشعب للحكّام الصالحين والإخلاص لهم وإنفاذ أوامرهم يشكّل عاملاً أساسيّاً في نجاح الحكومة الإسلاميّة وموفقيّتها في إدارة البلاد على أحسن وجه.

إنّ السلطة التنفيذيّة في الحكومة الإسلاميّة ليست جهازاً غريباً عن الشعب فليس أعضاؤها جماعة تسلّطت على الناس بالقهر والغلبة بل هم خزّان الرعيّة وخدّامها واُمناء الشعب على الحكم والسلطة وهذا يجعل طاعة الولاة واجباً مقدّساً مفروضاً على الناس يسألون عنه ويعاقبون على تركه وهذا هو سبب نجاح الحكومة الإسلاميّة وعلّة بقائها، واستمرارها.

هذا وإنّ الأحاديث التي ذكرناها في باب طاعة الرعيّة للولاة، تدلّ بصورة ضمنيّة على ضرورة وجود هذه السلطة في الحياة الإسلاميّة ولزوم إيجادها أيضاً.

إنّ ما ذكرناه لك من الأحاديث في باب طاعة الحاكم العادل والراعي الصالح

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٣٣).

(٢) الكافي ١: ٣٣٤.

(٣) وسائل الشيعة ١١: ٤٧٢.

(٤) رواه الترمذيّ ١: ٢٣٥ كما في جامع الاُصول ( الطبعة الاُولى ).

٣١٨

والسلطة التنفيذيّة الصالحة ؛ ما هو إلّا قليل من كثير تجده في المجاميع الحديثيّة كما في أبواب الحجّة من اُصول الكافي، وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وسائل الشيعة ورسائل الإمام عليّ وعهوده في نهج البلاغة.

لا طاعة للحاكم الجائر

ثمّ إنّ ها هنا أمراً لابدّ من التنبيه عليه وهو أنّه قد تُنقل أحاديث وروايات تدلّ على وجوب إطاعة مطلق الحاكم والخضوع لمطلق السلطات عادلة كانت أو ظالمة، صالحة كانت أو جائرة وإليك فيما يأتي بعض هذه الروايات :

١. ما رووه عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « لا تسبُّوا الولاة فإنّهُم إن أحسنُوا كان لهُم الأجر وعليكُمُ الشُّكر وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وإنّما هم نقمة ينتقم الله بهم ممّن يشاء فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة واستقبلوها بالاستكانة والتضرُّع »(١) .

٢. ما رووه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً أنّه قال: « سيأتيكم ركب مبغوضون يطلبون منكم ما لا يجب عليكم فإذا سألوا ذلك فاعطوهم ولا تسبُّوهم وليدعوا لكم »(٢) .

٣. ما رواه سلمة عن النبيّ لـمّا سأل النبيّ قائلاً: يا نبيّ الله أرأيت إن قامت علينا اُمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقّنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اسمعوا وأطيعوا فإنّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم »(٣) .

٤. ما رواه ابن مسعود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّها ستكون بعدي إثرة واُمور تنكرونها »، قالوا يا رسول الله: كيف تأمر من أدرك ذلك منّا ؟

__________________

(١) النظام السياسيّ في الإسلام: ١١٤، نقلاً عن الخراج لأبي يوسف.

(٢) النظام السياسيّ في الإسلام: ١١٤، نقلاً عن سنن أبي داود.

(٣) رواه مسلم ونقله جامع الاُصول ٤: ٦٤.

٣١٩

قال: « تؤدوُّن الحقّ الذّي عليكم، وتسألون الله الذّي لكم »(١) .

إنّها إذن دعوة إلى السكوت على الظالم والرضا بما يفعل ؟!!

٥. وما رواه عوف عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ قال: « شرار اُمّتكم الذّين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم »، قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم [ عند ذلك ؟ ].

قال: « لا ما أقاموا فيكم الصّلاة، لا ما أقاموا فيكم الصّلاة، ألا من ولّي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يداً من طاعة »(٢) .

٦. ما روته اُمّ سلمة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون ما تنكرون فمن كره فقد بريء ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضى وتابع ».

قالوا: أفلا نقاتلهم ؟

قال: « لا ما صلُّوا »(٣) .

وهكذا تبدو من هذه الروايات الدعوة إلى السكوت على فعل الظالم والحاكم الجائر والرضا بأفعاله المخالفة للدين والعدل، والاكتفاء بالصلاة فهو ما دام يصلّي جاز له أن يفعل ما يفعل، وأن يخالف كتاب الله وسنّة نبيّه !!!

٧. ما رواه ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنّه من خرج من طاعة السلطان شبراً مات ميتةً جاهليّةً »(٤) .

ولكن هذه الروايات وهذه الدعوة مردودة ومدفوعة بما ورد في الكتاب الكريم من النهي عن المنكر، والردّ على الظالم، والضرب على يده وعدم الركون إليه كقوله تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ( هود: ١١٣ ).

__________________

(١) جامع الاُصول ٤: ٦٤، نقلاً عن مسلم والترمذيّ.

(٢) جامع الاُصول ٤: ٦٧، نقلاً عن مسلم.

(٣) جامع الاُصول ٤: ٦٨، نقلاً عن مسلم وأبي داود والترمذيّ.

(٤) جامع الاُصول ٤: ٦٩، نقلاً عن البخاريّ ومسلم.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

لك و لقومك . . . ١ فليذهب الحكم يمينا و شمالا ، فو اللّه لا يؤخذ العلم إلاّ من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السّلام ٢ .

و قال عليه السّلام له و لسلمة بن كهيل : شرّقا و غرّبا فلا تجدان علما صحيحا إلاّ شيئا خرج من عندنا أهل البيت ٣ .

« بهم أقام انحناء ظهره و أذهب ارتعاد فرائصه » فرائص جمع فريصة :

اللحمة بين الجنب و الكتف ترعد عند الفزع ، قال الباقر عليه السّلام : إنّ الأرض لا تبقي إلاّ و منّا فيها من يعرف الحقّ ، فإذا زاد الناس قال : قد زادوا ، و إذا نقصوا منه قال : قد نقصوا .

رواه الحسين بن أبي حمزة الثمالي عن أبيه عنه عليه السّلام لعبد الحميد بن عواض الطائي ، فقال له عبد الحميد : باللّه الذي لا إله إلاّ هو لسمعته أنا أيضا منه عليه السّلام ٤ .

هذا و جعل ابن أبي الحديد ٥ الضمائر من قوله : « موضع سرّه إلى جبال دينه » راجعة إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و في : ( ظهره ) و ( فرائصه ) إلى الدّين في :

« و جبال دينه » ، و جعل الخوئي ٦ الضمائر كلّها راجعة إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و كلّ منهما كما ترى . و الصواب : كون الستّة الأولى راجعة إلى اللّه تعالى ، المذكور قبل هذا الكلام ، و الأخيرين إلى دينه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ٤٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٠٠ ح ٥ ، و البصائر للصفر : ٢٩ ح ٣ ، و معرفة الرجال للكشي إختياره : ٢٠٩ ح ٣٦٩ .

( ٣ ) الكافي للكليني : ٣٩٩ ح ٣ ، و البصائر للصفار : ٣٠ ح ٤ ، و معرفة الرجال للكشي اختياره : ٢٠٩ ح ٣٦٩ .

( ٤ ) أخرجه الصدوق في كمال الدين : ٢٢٢ ح ١٢ ، و أخرج معناه هو في المصدر : ٢٢٨ ح ٢١ ، و الصفار بثلاث طرق في البصائر : ٣٥١ ، ٣٥٢ ح ٥ ، ٦ ، ٩ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ .

( ٦ ) شرح الخوئي ١ : ٢٣٤ .

٥٨١

قول المصنّف : « و منها يعني قوما آخرين » هكذا في ( المصرية ) و كذا في ( الخطية ) ، لكن بدون الواو ، و في ( ابن ميثم ) : « منها » ١ بدون زيادة ، و في ( ابن أبي الحديد ) ٢ : « منها في المنافقين » . ثمّ قال ابن أبي الحديد : ليست إشارته عليه السّلام إلى المنافقين كما ذكر الرضي ، بل إلى من تغلّب عليه و جحد حقّه كمعاوية و غيره ، و لعلّ الرّضي عرف ذلك و كنّى عنه ٣ .

قلت : لا ريب أنّ إشارته عليه السّلام بأيّ لفظ كان إلى الثلاثة ، يوضحه قوله عليه السّلام بعد : « لا يقاس بآل محمّد صلى اللّه عليه و آله من هذه الأمّة أحد » بطريق العموم ، و كيف كان فالواو في ( المصرية ) زائدة قطعا .

« زرعوا الفجور » لمّا بادرت الأوس إلى بيعة أبي بكر ، لئلاّ يصل الأمر إلى الخزرج ، و بادر الأوس بشير بن سعد الخزرجي أبو النّعمان بن بشير و ابن عمّ سعد بن عبادة في بيعة أبي بكر ، لئلاّ يصل الأمر إلى ابن عمّه حسدا منه له ،

قام الحباب بن المنذر و قال : يا معشر الأنصار أما و اللّه لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم ، قد و قفوا يسألونهم بأكفّهم ، و لا يسقون الماء .

« و سقوه الغرور » أي : ماءه ، و في ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا طعن عمر جعلوا يثنون عليه و يذكرون فضله ، فقال : إنّ من غررتموه لمغرور ، إنّي و اللّه وددت أن أخرج منها كفافا كما دخلت فيها ٤ .

« و حصدوا الثّبور » قال ابن عمر لمّا بايع الناس أبا بكر : سمعت سلمان يقول : ( كرديد و نكرديد ) أما و اللّه لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها أبناء الطلقاء ،

و لعناء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فلمّا سمعته يقول ذلك أبغضته ، و قلت : لم يقل هذا إلاّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ مثل المصرية أيضا .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٢١ .

٥٨٢

بغضا منه لأبي بكر . فأبقاني اللّه حتّى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فقلت : رحم اللّه أبا عبد اللّه ، لقد قال ما قال بعلم عنده ١ .

قلت : صحّة بيعة أبي بكر تستلزم صحّة بيعة يزيد بن معاوية الّذي استأصل أهل بيت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أنكر النّبوّة ، و جعل أمر النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إرادة السلطنة دون إله و وحي منه ، فقال :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

« لا يقاس بآل محمّد صلى اللّه عليه و آله من هذه الأمّة أحد » في أيّ درجة كان من الرياسة أو الدّيانة .

في ( محاضرات الراغب ) قال عمر بن عبد العزيز يوما : من أشرف الناس ؟ و قد كان قام من عنده عليّ بن الحسين عليه السّلام ، فقالوا : أنتم . فقال : كلاّ ، إنّ أشرف النّاس هذا القائم من عندي آنفا ، من أحبّ الناس أن يكونوا منه و لم يحبّ أن يكون من أحد ٢ .

و روى الطبري في كتاب المنصور إلى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن : و ما ولد فيكم بعد وفاة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أفضل من عليّ بن الحسين و هو لامّ ولد ، و لهو خير من جدّك حسن بن حسن ، و ما كان فيكم بعده مثل ابنه محمّد بن عليّ وجدّته أمّ ولد ، و لهو خير من أبيك ، و لا مثل ابنه جعفر و جدّته أمّ ولد ، و لهو خير منك ٣ .

و في كتاب المأمون إلى أهل الآفاق لمّا جعل الرّضا عليه السّلام ولي عهده بعد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المرتضى في الشافي عنه كتاب الفتن من البحار : ٧٦ ، و الطبرسي في الاحتجاج : ٧٦ بفرق في اللفظ .

( ٢ ) رواه الراغب في المحاضرات ، و ابن الجوزي في مناقبه عنهما مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٦٧ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٩٨ سنة ١٤٥ .

٥٨٣

ذكر اختياره له من بين جميع الناس : أنّه فعل ذلك لمّا رأى من فضله البارع ،

و علمه الذائع ، و ورعه الظاهر الشائع ، و زهده الخالص النافع ، و تخليته من الدّنيا ، و تفّرده عن الناس ، و قد استبان له منه ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة ،

و الألسن عليه متّفقة ، و الكلمة فيه جامعة ، و الأخبار واسعة ، و لمّا لم نزل نعرفه به من الفضل يافعا ، و ناشئا ، و حدثا ، و كهلا ، فلذلك عقد بالعهد و الخلافة من بعده ، واثقا بخيرة اللّه تعالى في ذلك ، إذ علم اللّه تعالى أنّه فعله إيثارا له و للدين ١ .

و روى ( العيون ) مسندا عن عباد بن صهيب قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام : أخبرني عن أبي ذر ، أهو أفضل أم أنتم أهل البيت ؟ فقال : يا بن صهيب كم شهور السنة ؟ فقلت : اثنا عشر شهرا . فقال : و كم الحرم ؟ قلت :

أربعة أشهر . قال : فشهر رمضان منها ؟ قلت : لا . قال : فشهر رمضان أفضل ، أم الأشهر الحرم ؟ فقلت : بل شهر رمضان . قال : فكذلك نحن أهل البيت ، لا يقاس بنا أحد ٢ .

و روى ( غرر المرتضى ) أنّ نفيعا الأنصاري أراد حطّ موسى بن جعفر عليه السّلام فقال له : من أنت ؟ قال : يا هذا إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمّد حبيب اللّه ، ابن إسماعيل ذبيح اللّه ، ابن إبراهيم خليل اللّه ، و إن كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللّه على المسلمين و عليك إن كنت منهم الحجّ إليه ، و إن كنت تريد المفاخرة فو اللّه ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفّاء لهم ، حتّى قالوا : يا محمّد اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش إلى أن قال و انصرف بخزي ٣ .

فانصرف مخزيا .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل كتاب المأمون بتمامه ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٥٧ ، ٢٥٨ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في علل الشرائع : ١٧٧ ح ٢ ، لا في عيون الأخبار ، و هو من سهو قلم الشارح .

( ٣ ) أخرجه المرتضى في الغرر و الدرر ، و هو كتاب أماليه ١ : ١٩٩ المجلس ١٩ .

٥٨٤

و قال الكميت :

عادلا غيرهم من النّاس طرا

بهم لا همام لي لا همام

و قال الأمير الميكالي : لا يقاس المهاوي بالمراقي ، و لا الأقدام بالتّراقي ،

و لا البحور بالسّواقي .

هذا ، و قال أبو عبيدة : كان أبو قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النّعمان بن المنذر اللخمي ، و سنة إلى الحرث بن أبي شمر الغسّاني ، فقال له الحرث يوما و هو عنده : بلغني أنّك تفضّل النعمان عليّ . قال : كيف أفضّله عليك ؟ أبيت اللعن ، فو اللّه لقفاك أحسن من وجهه ، و أمّك أشرف من أبيه ، و لأمسك أفضل من يومه ، و لشمالك أفضل من يمينه ، و لحرمانك أنفع من بذله ، و لقليلك أكثر من كثيره .

« و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا » و فيه عليه السّلام أنزل تعالى قوله :

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ١ ، و حيث إنّ المنعم عليه لا يمكن أن يكون مساويا للمنعم ،

و النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أهل بيته هم المنعمون ، و باقي الناس المنعم عليهم ، قال تعالى :

ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم . . . ٢ .

و قال الفرزدق في قصيدته في عليّ بن الحسين عليه السّلام :

أي الخلائق ليست في رقابهم

لأوّلية هذا أوله نعم

من يعرف اللّه يعرف أوّلية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الامم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نزول الآية في علي عليه السّلام أخرجه ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ٢ : ٧٥ ح ٧٥٧ ، و ابن مردويه و الخطيب عنهما الدر المنثور ٢ : ٢٥٩ ، و الحسكاني بطريقين في شواهد التنزيل ١ : ١٥٦ ، ١٥٨ ح ٢١٠ ، ٢١٣ ، عن أبي هريرة ، و في الباب عن أبي سعيد و غيره ، و الآية ٣ من سورة المائدة .

( ٢ ) الروم : ٢٨ .

٥٨٥

و قال المفيد : إنّ رجلا قال للسّجّاد : أخبرني بماذا فضلتم الناس جميعا و سدتموهم ؟ فقال له : أنا أخبرك بذلك ، اعلم أنّ النّاس كلّهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة : إمّا رجل أسلم على يد جدّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فهو مولى لنا و نحن ساداته و إلينا يرجع بالولاء ، أو رجل قاتلناه فقتلناه فمضى إلى النّار ، أو رجل أخذنا منه الجزية عن يد و هو صاغر ، و لا رابع للقوم ، فأيّ فضل لم نحزه و شرف لم نحصله بذلك ١ .

و قال الخوئي : قال الصادق عليه السّلام لأبي حنيفة : ما هو عندك في قوله تعالى : ثمّ لتسألنّ يومئذ عن النّعيم ٢ ؟ قال الأمن في السرب و صحّة البدن و القوت الحاضر . فقال عليه السّلام : يا أبا حنيفة لئن أوقفك اللّه يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولنّ و قوفك . قال : فما النعيم ،

جعلت فداك ؟ قال : النعيم نحن الذين أنقذ اللّه الناس بنا من الضلالة ، و بصّرهم بنا من العمى ، و علّمهم بنا من الجهل ٣ .

و قال ابن أبي الحديد : لا ريب أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله و أهله الأدنين من بني هاشم ، لا سيّما عليّ عليه السّلام ، أنعموا على الخلق كافّة بنعمة لا يقدّر قدرها ، و هي الدّعاء إلى الاسلام ، و الهداية إليه ، فمحمّد صلى اللّه عليه و آله و إن كان هدى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه و يده ، و نصرة اللّه تعالى له بملائكته و تأييده ، و هو السّيّد المتبوع ، و المصطفى المنتخب الواجب الطاعة ، إلاّ أنّ لعليّ عليه السّلام من الهداية أيضا و إن كان ثانيا لأوّل ، و مصلّيا على أثر سابق ما لا يجحد ، و لو لم يكن إلاّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المفيد في العيون و المحاسن عنه الفصول المختارة : ٧ .

( ٢ ) التكاثر : ٨ .

( ٣ ) لم أجده في مظانه في شرح الخوئي ، و لكن رواه شرف الدين في كنز جامع الفوائد عنه البحار ٢٤ : ٥٩ ح ٣٤ ، و العياشي في تفسيره عنه مجمع البيان ١٠ : ٥٣٤ ، و الراوندي في الدعوات عنه البحار ٢٤ : ٤٩ و غيرهم ، بل روى الخوئي في شرحه ١ : ٢٤٢ رواية في هذا المعنى عن أبي خالد الكابلي .

٥٨٦

جهاده بالسّيف أوّلا و ثانيا و ما كان بين الجهادين من نشر العلوم و تفسير القرآن و إرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة و لا متصوّرة لكفى في وجوب حقّه و سبوغ نعمه عليه السّلام .

فإن قيل : لا ريب في أنّ كلامه هذا تعريض بمن تقدّم عليه ، فأيّ نعمة له عليهم ؟ قيل : نعمتان : الاولى منهما الجهاد عنهم و هم قاعدون ، فإنّ من أنصف علم أنّه لو لا سيف علي عليه السّلام لاصطلم المشركون من أشار إليه و غيرهم من المسلمين ، و قد علمت آثاره في بدر ، و أحد ، و الخندق و خيبر و حنين ، و أنّ الشّرك فيها فغرفاه ، فلو لا أن سدّه بسيفه لا لتحم المسلمين كافّة ، و الثانية علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام ، و قد اعترف له بذلك ، و الخبر مشهور : « لو لا عليّ لهلك عمر » إلى أن قال و اعلم أنّ عليًّا عليه السّلام كان يدّعي التقدّم على الكلّ ، و الشرف على الكلّ ، و النعمة على الكلّ بابن عمّه صلوات اللّه عليه و بنفسه و بأبيه أبي طالب عليهما السّلام ، فإنّ من قرأ علوم السّير عرف أنّ الإسلام لو لا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا . . . ١ .

« هم أساس الدّين » فبني الإسلام على خمس : الصلاة ، و الزكاة ، و صوم شهر رمضان ، و حجّ بيت اللّه ، و الولاية ، و هي أشدّها ، فإنّ تلك من الفروع ، و هذه من الاصول ، و أيضا فالأربعة الاولى قد تسقط عن بعض ، و الولاية لا تسقط عن أحد في وقت ٢ .

و في ( الإرشاد ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام : « و من لا يحبّنا لا ينفعه إيمانه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ .

( ٢ ) أخرجه الكليني بأربع طرق في الكافي ٢ : ١٨ ، ٢١ ح ١ ، ٣ ، ٥ ، ٨ ، و البرقي في المحاسن : ٢٨٦ ح ٤٢٩ ، و العياشي في تفسيره ١ : ١٩١ ح ١٠٩ ، و الصدوق في الخصال : ٢٧٧ ح ٢١ عن الباقر عليه السّلام : « بني الإسلام على خمس : على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و الولاية . و لم يناد بشي‏ء كما نودي بالولاية » و للحديث طرق و ألفاظ غير ذلك .

٥٨٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لا يتقبّل عمله ، و إن دأب في الليل و النّهار قائما و صائما » ١ .

« و عماد اليقين » في رسالة للجاحظ نقلها ( ينابيع الحنفي ) : هم معظّمون مكرّمون عند الناس بدون اختيارهم ، و المؤمنون بتعظيمهم و تكريمهم واثقون و موقنون ، فلهم سرّ كريم ، و كمال جسيم ، و شيم عجيب ، و عرق طيب ،

و فضل مبين ، و وقار متين ، و عرق تام ، و غصن باق ، و أصل ثابت ، و فرع نابت .

فلهذا لم يكتفوا و لم يقنعوا بذلك التعظيم و التكريم ، و اشتغلوا بالتكاليف الشداد ، و المحن الغلاظ ، و العبادات الشاقة ، و المجاهدات التّامة ٢ .

« إليهم يفي‏ء الغالي ، و بهم يلحق التّالي » حيث إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله جعلهم في الحديث المتواتر عدل الكتاب ، و السالك سبيلهم سالك سبيل الصواب ، فقال للناس : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه و عترتي ، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٣ .

« و لهم خصائص حقّ الولاية » على النّاس في محكم الآيات و مبرم الروايات ، و قضيّة العقول و الدّرايات ، قال تعالى : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ .

و قال الرّسول صلى اللّه عليه و آله لمجتمع الامة بإجماعهم : « أولست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى . قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ١٢٩ في ذيل حديث .

( ٢ ) ينابيع المودة للقندوزي : ١٥٥ عن فضائل بني هاشم للجاحظ .

( ٣ ) هذا حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة أخرجه جمع كثير ، منهم : مسلم في صحيحه ٤ : ١٨٧٣ ، ١٨٧٤ ح ٣٦ ، ٣٧ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٦٦٢ ، ٦٦٣ ح ٣٧٨٦ ، ٣٧٨٨ ، و صاحب مسند زيد فيه : ٤٠٤ ، و صاحب صحيفة الرضا فيها : ٥٩ ح ٨٣ .

( ٤ ) المائدة : ٥٥ .

( ٥ ) هذا حديث الغدير من الأحاديث المتواترة أخرجه جمع كثير من المصنفين عن مائة و عشرين من أصحاب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فيما أعلم ، منهم ابن عساكر ، أخرجه بطرق كثيرة في ترجمة عليّ عليه السّلام ٣ : ٥ ٩٠ ح ٥٠٣ ٥٩٣ .

٥٨٨

و قال عبد اللّه بن جعفر كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا أرسل معاوية إلى العباد له في بيعة ابنه يزيد : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة أخذ فيها بالقرآن . . . فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه . . . ١ و إنّ أخذ فيها بسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فإنّ رسول اللّه أولى ، و أيم اللّه لو ولّوه بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه لحقّه و صدقه ، و لاطيع الرّحمن ، و عصي الشيطان ، و ما اختلف في الأمّة سفيان ٢ .

و في ( عرائس الثعلبي ) في بابه الخامس روى يزيد الرّقاشي عن أنس بن مالك قال : صلّى بنا النّبيّ صلى اللّه عليه و آله صلاة الفجر ، فلمّا انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم ، فقال : يا معاشر المسلمين من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ، و من افتقد القمر فليستمسك بالزّهرة ، و من افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين . فقيل : يا رسول اللّه و ما الشمس و ما القمر و ما الزّهرة و ما الفرقدان ؟ فقال : أنا الشمس ، و عليّ القمر ، و فاطمة الزهرة ، و الحسن و الحسين الفرقدان في كتاب اللّه تعالى لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ٣ .

« و فيهم الوصية » كونه عليه السّلام وصيّ النّبي صلى اللّه عليه و آله من المتواترات ، و قد نقل ابن أبي الحديد عن ( جمل أبي مخنف ) أشعارا متضمّنة لكونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله عن عبد اللّه بن أبي سفيان الهاشمي ، و ابن التّيهان ، و عمر بن حارثة الأنصاري ، و رجل أزدي ، و غلام ضبي من عسكر عائشة ، و عن سعد بن قيس الهمداني ، و زياد بن لبيد الأنصاري ، و حجر بن عدي الكندي ، و خزيمة بن ثابت الأنصاري ، و ابن بديل الخزاعي ، و عمرو بن أحيحة ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٧٥ .

( ٢ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٧٣ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) العرائس للثعلبي : ٩ .

٥٨٩

و زجر بن قيس الجعفي ١ .

و نقل عن ( صفين نصر بن مزاحم ) أيضا أشعارا متضمّنة لكونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله عن الأشعث بن قيس ، و زحر بن قيس ، و جرير بن عبد اللّه البجلي ،

و عبد الرّحمن بن ذؤيب الأسلمي ، و المغيرة بن الحارث المطلبي ، و ابن عباس ،

و قال : إنّها بعض ما قيل في هذين الحربين ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ٢ .

قلت : و مما قيل في صفّين قول النّضر بن عجلان الأنصاري :

كيف التفرّق و الوصيّ إمامنا

لا كيف إلاّ حيرة و تخاذلا

أيضا :

و ذروا معاوية الغويّ و تابعوا

دين الوصيّ تصادفوه عاجلا

و من شواهده قول أمّ سنان المذحجية من وافدات معاوية :

أمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحقّ تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريّا

قد كنت بعد محمّد خلفا كما

أوصى إليك بنا فكنت وفيّا

و ممّا قيل في الطف كما في ( الطبري ) قول الحجّاج بن مسروق مؤذّن الحسين عليه السّلام :

اليوم تلقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا الندى عليّا

ذاك الذي نعرفه وصيّا

٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٤٧ عن جمل أبي مخنف .

( ٢ ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٤٩ عن صفين نصر ، و في وقعة صفين نقل أشعار الأشع : ٢٣ ، ٢٤ ، و أشعار جرير و عبد الرحمن و المغيرة بالترتيب في : ٤٨ ، ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، لكن ما روى عن زحر بن قيس فيه : ١٨ مروي عن جرير ، و ما روى عن النعمان فيه : ٣٦٥ مروي عن النضر بن عجلان الأنصاري ، و ما روى عن عبد اللّه بن عباس فيه : ٤١٦ مروي عن الفضل بن عباس ، و بين ألفاظ الأصل و رواية ابن أبي الحديد اختلاف كثير .

( ٣ ) نقله بهذا اللفظ عن الطبري ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ١٠٣ ، و هو في تاريخ الطبري ٤ : ٣٣٦ سنة ٦١ بغير هذا اللفظ .

٥٩٠

و يشهد له أيضا كما في ( الطبري ) قول الحسين عليه السّلام في مناشداته يوم الطف : ألست ابن بنت نبيّكم صلى اللّه عليه و آله و ابن وصيّه ؟ ١ .

و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) كما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن أنس : قلنا لسلمان الفارسي : سل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من وصيّه ؟ فسأل سلمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فقال : من كان وصيّ موسى ؟ فقال : يوشع بن نون . قال : إنّ وصيّي و وارثي و منجز و عدي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ٢ .

و قد قال الفضل بن العبّاس و قد رووه من طرقهم :

و كان وليّ الأمر بعد محمّد

عليّ و في كلّ المواطن صاحبه

وصيّ رسول اللّه حقّا و صهره

و أوّل من صلّى و ما ذمّ جانبه

٣ و قال الباقر عليه السّلام : إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة اللّه بن آدم ،

و ما من نبيّ مضي إلاّ و له وصيّ ، و إنّ عليّا عليه السّلام كان هبة اللّه لمحمّد ، و وارث علم الأوصياء و علم من كان قبله ٤ .

قال ابن أبي الحديد بعد نقله الأبيات الّتي قيلت في الجمل و في صفّين في كونه عليه السّلام وصيّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا ريب عندنا أنّ عليّا عليه السّلام كان وصيّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و إن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد ، و لسنا نعني بالوصيّة النّصّ على الخلافة ، و لكنّ امورا اخرى لعلّها إذا لمحت أشرف و أجلّ ٥ .

قلت : فإن أراد بالخلافة مجرّد السلطنة الدّنيوية و هو المفهوم من كلام

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٢ سنة ٦١ ضمن خطبة .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٤٣ .

( ٣ ) مناقب ابن شهر آشوب : ٥٢ .

( ٤ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢٢٤ ح ٢ ، و النقل بتقطيع ، و رواه عن الباقر عليه السّلام عن النّبي صلى اللّه عليه و آله .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ ، و لكنه قبل نقل الأبيات لا بعده .

٥٩١

فاروقهم لمّا أراد بيعة صاحبه صدّيقهم في قوله له : « رضيك النّبي لديننا في تقديمك للصلاة بنا فكيف لا نرضاك لدنيانا » فجعل الخلافة سلطنة دنيويّة ،

و دون إمامة الجماعة الذين قالوا هم : « صلّ خلف كلّ برّ و فاجر » فأي فضل لشيخيهم ، فالسّلاطين في الدّنيا كثيرة ؟ و إن أراد الخلافة الإلهية ، فكيف تستلزم الوصاية الأشرف و الأجلّ منها دونها ، و الخلافة لازم الوصاية ، و لا يمكن انفكاك اللازم من الملزوم ؟

و ما يفعل بما اتّفقوا على روايته أنّه لمّا نزل : و أنذر عشيرتك الأقربين ١ جمع بني عبد المطّلب و كانوا أربعين ، و قال لهم : أيّكم يوازرني على هذا الأمر يكن أخي و وصيّي و وزيري و وارثي و خليفتي بعدي . فلم يجبه أحد منهم ، فقام عليّ عليه السّلام و هو أصغرهم يومئذ سنّا فقال : أنا أوازرك يا رسول اللّه . فقال له : اجلس فأنت أخي و وصيّي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي ٢ .

و زاد الجزري في ( تاريخه ) : قال عليّ عليه السّلام : فأخذ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا . فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع ٣ .

فجمع صلى اللّه عليه و آله بين الوصاية و لازمها و هو الخلافة .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٢ ) أخرجه أحمد في مسنده ١ : ١١١ ، و النسائي في الخصائص : ٨٦ ، و الطبري بطريقين في تاريخه ٢ : ٦٢ ، ٦٣ ، و ابن إسحاق في المغازي و البزار في مسنده ، و البيهقي و أبو نعيم كلاهما في الدلائل عنهم الكاف الشاف ٣ : ٣٤٠ ، و سعيد بن منصور في سننه ، و الطحاوي و الضياء في المختارة عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٤٢ ، ٤٣ ، و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عنهما الدر المنثور ٥ : ٩٧ ، و ابن عساكر بستّ طرق في ترجمة عليّ عليه السّلام ١ : ٩٧ ١٠٤ ح ١٣٣ ١٤٠ ، و الحسكاني بطريقين في شواهد التنزيل ١ : ٣٧١ ح ٥١٤ ، و : ٤٢٠ ح ٥٨٠ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٦٣ .

٥٩٢

ثمّ لو لم تكن الوصاية مستلزمة للخلافة ، لم أنكرتها عايشة مع تواترها ؟ و لذا يقول الأزدي من أصحابه عليه السّلام كما في ( جمل أبي مخنف ) لعايشة و قد نقله ابن أبي الحديد نفسه :

أعايش خلّي عن عليّ و عيبه

بما ليس فيه إنّما أنت والده

وصيّ رسول اللّه من دون أهله

و أنت على ما كان من ذاك شاهده

١ و قد قال أيضا على نقله :

هذا عليّ و هو الوصي

آخاه يوم النّجوة النّبيّ

و قال هذا بعدي الوليّ

وعاه واع و نسى الشقيّ

٢ و روى مسلم و البخاري أنّه ذكر عند عائشة أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ قالت : و متى أوصى ، و من يقول ذلك ؟ قيل : إنّهم يقولون . قالت : من يقوله ؟

لقد دعا بطست ليبول و أنّه بين سحري و نحري ، فمات و ما شعرت ٣ .

ادّعت لإنكار وصايته أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله مات مكشوف العورة ، ثمّ يقال لها :

موته بين سحرك و نحرك في وقت بوله ، أيّ ملازمة بينه و بين عدم وصايته إليه ؟ فإنّه صلى اللّه عليه و آله جعله وصيّه و خليفته أوّل بعثته ، كما عرفت في ما مرّ ، و بعده إلى حين وفاته ، حسبما دلّ عليه آثار أخر ، قبل تلك الساعة التي ادّعيت أنت في موته حين بوله بين سحرك و نحرك .

و لو لم تكن الوصاية مستلزمة للخلافة ، كيف أنكرها شرحبيل و ابن أبي أوفى ؟

روى الجوهري في ( سقيفته ) : أنّ طلحة بن مصرف قال لشرحبيل : إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٨ .

( ٣ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ١٢٥ ، و ٣ : ٩٥ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٧ ح ١٩ و غيرهما ، مرّ نقله في العنوان ٢ من هذا الفصل .

٥٩٣

الناس يقولون : إنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ . فقال : أبو بكر يتأمّر على وصيّ رسول اللّه ١ .

و روى مسلم و البخاري : أنّ طلحة بن مصرف قال لابن أبي أوفي : هل أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . قال : فكيف أمر المسلمين بالوصيّة و لم يوص ؟ قال : أوصى بكتاب اللّه . و قال طلحة بن مصرف : قال الهزيل بن شرحبيل : أبو بكر كان يتأمّر على وصيّ رسول اللّه ٢ .

و قول ابن أبي الحديد : « و إن خالف في ذلك من هو منسوب إلى العناد » إن أراد به شرحبيل و ابن أبي أوفى المتقدّمين فلعلّهما أنكراه لا عنادا ، بل لكون التفرقة بين الملزوم و اللازم خلاف العقل . نعم ، أمّ مؤمنيهم أنكرته عنادا أيضا له عليه السّلام ، فمع خروجها عليه عليه السّلام جرأة على اللّه و رسوله كانت لا تستطيع أن تذكر اسم أمير المؤمنين عليه السّلام بغضا ، كما صرّح به ابن عبّاس ٣ ، و لمّا بلغها بيعة الناس له عليه السّلام تمنّت سقوط السماء على الأرض ٤ ، و لمّا بلغها قتله عليه السّلام سجدت فرحا و مدحت قاتله ٥ ، مع تواتر قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه عليه السّلام : « اللهمّ وال من والاه و عاد من عاداه » ٦ ، و لازمه كونها عدوّة اللّه .

ثمّ إذا لم يكن المراد من الوصاية الخلافة ، فأيّ معنى لكونه وصيّه ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة للجوهري : ٤٩ و غيره .

( ٢ ) حديث ابن أبي أوفي أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ١٢٥ ، و ٣ : ٩٥ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٦ ح ١٦ ، ١٧ و غيرهما ، لكن مع هذا الذيل أخرجه ابن ماجه في سننه ٢ : ٩٠٠ ح ٢٦٩٦ ، و الدارمي في سننه ٢ : ٤٠٣ و غيرهم .

( ٣ ) رواه البخاري بطرق في صحيحه ١ : ٤٩ ، ١٢٢ ، ١٢٦ ، و ٢ : ٩١ ، و ٣ : ٩٢ ، و ٤ : ١٢ ، و مسلم بطرق في صحيحه ١ : ٣١١ ، ٣١٢ ح ٩٠ ٩٢ و غيرهما .

( ٤ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٥٢ و تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ .

( ٥ ) روى سجودها أبو الفرج في المقاتل : ٢٧ ، و روى مدح قاتله هو في المصدر : ٢٦ ، و الطبري في تاريخه ٤ : ١١٥ سنة ٤٠ .

( ٦ ) هذا ذيل بعض ألفاظ حديث الغدير مرّ تخريجه في شرح فقرة « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

٥٩٤

فإن قيل : إنّه كان وصيّا في أمواله .

قلنا : إنّ صدّيقهم قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ،

ما تركناه صدقة » ١ فلم يكن له مال حتّى يكون وصيّا في ماله .

قال الكراجكي : و من عجيب أمرهم أنّهم إذا طرقتهم الحجج الجليّة في أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله لم يمض من الدّنيا إلاّ عن وصيّة ، و أنّه أوصى إلى أمير المؤمنين عليه السّلام دون سائرهم ، و سمعوا بمدح أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك في كلامه و حجاجه لخصومه ، و ذكره له في خطبة على منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، و احتجاج أهل بيته و شيعته من الأنصار بذلك في فضله ، و ما نظمته فيه الشعراء و سارت الرّكبان فيه . قالوا عند ذلك : لسنا نجحد أن عليًّا عليه السّلام وصيّ الرّسول صلى اللّه عليه و آله ، و لا ننكر ما قد اشتهر من شهادة القوم بوصيّته ، و لكن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إنّما أوصى إليه بما كان له في يده يتملّكه و يحويه ، و لم يوص إليه بأمر الأمّة كلّها ، و لا تعدّت وصيّته إليه أمور تركته و أهله إلى غيرها . ثمّ يدّعون بعد ذلك أنّ جميع ما خلّفه صدقة ، و أنّه لا يورّث كما يورّث من سواه . فليت شعري ، بماذا أوصى إذا كان جميع ما خلّفه صدقة ، و لم يكن أوصى بحفظ الشريعة و القيام بأمر الأمة ؟ فإنّ هذا ممّا يتحيّر فيه ذوو البصيرة ٢ و كيف لا يكون وصيّه خليفته و هو بمنزلته ؟

روى نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) و هو منهم و الخطيب الناصبي في ( تاريخ بغداده ) عن عقيصا قال : كنّا مع عليّ عليه السّلام في مسيره إلى الشام ، حتّى إذا كنّا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش النّاس و احتاجوا إلى الماء ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ٢ : ١٨٥ ، ٣٠١ ، و ٣ : ١٧ ، ٥٥ و ٤ : ١٦٤ ، و مسلم بثلاث طرق في صحيحه ٣ : ١٣٨٠ ، ١٣٨١ ح ٥٢ ٥٤ ، و أبو داود بثلاث طرق في سننه ٣ : ١٤٢ ح ٢٩٦٨ ٢٩٧٠ و غيرهم عن أبي بكر ، و في الباب عن عمر و عثمان و طلحة و الزبير و عائشة و عبد الرحمن و سعد و أبي هريرة و غيرهم .

( ٢ ) قاله الكراجكي في رسالة التعجب : ٤ و النقل بتقطيع .

٥٩٥

فانطلق بنا عليّ عليه السّلام حتّى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض كأنّها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء فشرب الناس منه وارتووا ، ثمّ أمرنا فأكفأناها عليه و سار الناس حتّى إذا مضينا قليلا ، قال عليّ عليه السّلام : أفيكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين . قال :

فانطلقوا إليه فانطلق منّا رجال ركبانا و مشاة فاقتصنا الطريق حتّى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنّه فيه ، فطلبناه فلم نقدر على شي‏ء ، حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منّا فسألناهم أين الماء الذي هو عندكم ؟ قالوا : ما قربنا ماء . قلنا : بلى ، إنّا شربنا منه . قالوا : أنتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم . قال صاحب الدير : ما بني هذا الدير إلاّ بذلك الماء ، و ما استخرجه إلاّ نبيّ ، و أو وصيّ نبيّ ١ .

و روى بسنده قوي عن جويرية : أنّه عليه السّلام لمّا رجع من النهروان و وصل إلى بابل قال : إنّ هذه أرض ملعونة قد عذّبت في الدّهر ثلاث مرّات ، و لا يحلّ النبيّ و لا وصيّ نبيّ أن يصلّي بها ٢ .

و روى ابن مردويه و هو من حفّاظهم عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّ اللّه تعالى اختار من كلّ أمّة نبيّا و اختار لكلّ نبيّ وصيّا ، فأنا نبيّ هذه الأمّة ، و عليّ وصيّي في عترتي و أهل بيتي و امّتي من بعدي ٣ .

و روى ابن المغازلي الشافعي عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : انتهت الدعوة إليّ و إلى عليّ لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ ، فاتّخذني اللّه نبيّا و اتّخذ عليّا وصيّا ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ١٤٤ ، و تاريخ بغداد للخطيب ١٢ : ٣٠٥ .

( ٢ ) رواه شرف الدين في كنز جامع الفوائد عنه الفتن من البحار : ٥٧٣ مسندا ، و الصدوق في الفقيه ١ : ١٣٠ ح ١٢ مجردا ، و النقل بتقطيع .

( ٣ ) أخرجه ابن مردويه في مناقبه عنه الطرائف ١ : ٢٥ ، و الخوارزمي عن طريق ابن مردويه في مناقبه : ٨٩ في ذيل حديث .

( ٤ ) أخرجه ابن المغازلي في مناقبه : ٢٧٦ في ذيل الحديث ٣٢٢ .

٥٩٦

و حيث إنّ المراد من ( الدعوة ) في الخبر دعاء إبراهيم عليه السّلام في قوله :

و من ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين ١ فلازمه عدم صحّة خلافة شيخيهم اللذّين شاخا في عبادة الأصنام .

و روى ابن أبي الحديد نفسه في موضع من كتابه عن طرقهم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : كنت أنا و عليّ نورا بين يدي اللّه عزّ و جلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك فيه و جعله جزأين ، فجزء أنا ،

و جزء عليّ ، ثمّ انتقلنا حتّى صرنا في عبد المطلّب فكانت لي النّبوّة و لعليّ الوصيّة ٢ .

و قال ابن عبد ربّه في ( عقده ) بعد ذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام .

و قال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي : و بهذا الحديث سمّت الشيعة عليّا عليه السّلام الوصي ، و تأوّلوا فيه أنّه استخلفه على أمّته إذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى ، لأنّ هارون كان خليفة موسى على قومه إذا غاب عنهم .

و قال السيّد الحميري :

إنّي أدين بما دان الوصيّ به

و شاركت كفّه كفّي بصفّينا

٣ و لمّا بعث أمير المؤمنين عليه السّلام ابن عبّاس لمحاجّة الخوارج قالوا له كما في ( المسترشد ) و غيره : نقمنا على صاحبك خصالا كلّها موبقة إلى أن قال : قال عليه السّلام لهم : و أمّا قولكم : إنّي كنت وصيّا فضيّعت الوصيّة ، فأنتم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٢٤ .

( ٢ ) هذا حديث سلمان نقله ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٣٤٠ ح ١٤ عن فردوس الديلمي بتمامه و عن مسند أحمد و فضائله بحذف ذيله ، أما مسند أحمد فلم يوجد فيه ، و أما الكتابان فروى عنهما تذكرة الخواص : ٤٦ ، و ينابيع المودة : ١٠ ، و في الباب عن علي عليه السّلام و أبي ذر و جابر و أبي هريرة و عثمان .

( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ٥٨ .

٥٩٧

كفرتم و قدّمتم عليّ غيري ، و أزلتم الأمر عنّي ، و لم أك أنا كفرت بكم ، و ليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم ، و إنّما يدعو الأنبياء إلى أنفسهم ، و الوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه ، و قد قال تعالى : . . . و للّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا . . . ١ لو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر لأنّ اللّه تعالى قد نصّبه لهم علما ، و كذلك نصبّني علما ، حيث قال : يا عليّ أنت بمنزلة الكعبة يؤتي اليها ، و لا تأتي ٢ .

« و الوراثة » لمّا حجّ هارون الرشيد و نزل المدينة اجتمع إليه بنو هاشم و بقايا المهاجرين و الأنصار ، فقال لهم هارون : قوموا بنا إلى زيارة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ نهض معتمدا على يد الكاظم عليه السّلام حتّى انتهى إلى القبر ، فقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا ابن عمّ . افتخارا له على القبائل الّذين حضربوا معه ، و استطالة عليهم بالنّسب ، فنزع عليه السّلام يده من يده ثمّ تقدّم فقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا أبه . فتغيّر لون الرشيد ، ثمّ قال : إنّ هذا لهو الفخر الجسيم ٣ .

و قال المنصور للصادق عليه السّلام : زعم أوغاد الشام و أوباش العراق أنّك حبر الدّهر و ناموسه ، و حجّة المعبود ، و ترجمانه ، و عيبة علمه ، و ميزان قسطه ، و مصباحه الذي يقطع به الطالب عرضة الظلمة إلى فضاء النور ، و أنّ اللّه لا يقبل من عامل جهل حقّك في الدّنيا عملا ، و لا يرفع له يوم القيامة وزنا ، فنسبوك إلى غير جدّك ، و قالوا فيك ما ليس فيك . فقل ، فإنّ أوّل من قال الحقّ لجدّك ، و أوّل من صدّقه عليه أبوك ، فأنت حريّ بأن تقتص آثارهما ، و تسلك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٩٧ .

( ٢ ) المسترشد : ٨٦ ٨٨ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ٢٩٧ ، و كامل الزيارات لابن قولويه : ١٨ ح ٧ ، و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٥٠ و غيرها ، و النقل بالمعنى .

٥٩٨

سبيلهما . فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : أنا فرع من فروع الزّيتونة ، و قنديل من قناديل بيت النّبوّة ، و سليل الرسالة ، و أديب السّفرة ، و ربيب الكرام البررة ، و مصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، و صفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر . . . ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) قال الحسين عليه السّلام لمعاوية لمّا دعاه إلى البيعة لابنه يزيد في جملة كلامه عليه السّلام له : و منعتنا عن آبائنا تراثا ، و لقد لعمر اللّه أورثنا الرّسول صلى اللّه عليه و آله ولادة إلى أن قال : فنظر معاوية إلى ابن عبّاس فقال : ما هذايا بن عباس ، و لما عندك أدهى و أمرّ ؟ فقال ابن عبّاس : لعمر اللّه ، إنّها لذرّية الرّسول ، و أحد أصحاب الكساء ، و في البيت المطهّر ٢ .

« الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله و نقل إلى منتقله » قال ابن أبي الحديد : يبعد عندي أن تكون مقولة عقيب انصرافه عليه السّلام من صفّين ، لأنّه انصرف عنها و قتئذ مضطرب الأمر منتشر الحبل بواقعة التحكيم و مكيدة ابن العاص ، و ما تمّ لمعاوية عليه من الاستظهار ، و ما شاهد في عسكره من الخذلان ، و هذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال ، و أخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة ، و أنّ الرّضي نقل ما وجد و حكى ما سمع ، و الغلط من غيره ٣ .

قلت : يتمّ ما قال لو كان قوله عليه السّلام : « الآن » إشارة إلى حين الرّجوع من صفّين ، و من أين ذلك ؟ و الظاهر كونه ظرفا لفعل مقدّر يقتضيه المقام كما في قوله تعالى : . . . الآن و قد عصيت قبل . . . ٤ . و لم يذكر الرّضي رحمه اللّه صدر الكلام

ـــــــــــــــــ

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ١٠ : ٢١٦ ح ١٨ عن كتاب الاستدراك .

( ٢ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٨٦ ، ١٨٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٧ .

( ٤ ) يونس : ٩١ .

٥٩٩

حيث قال « منها » حتّى يتّضح المرام .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد أيضا قوله عليه السّلام : « إذ رجع الحقّ إلى أهله » يقتضي أن يكون فيها قبل : في غير أهله .

و نقول : إنّه عليه السّلام كان أولى لا على وجه النّصّ ، بل الأفضلية ، لكنّه ترك حقّه لما علمه من المصلحة ، و ما تفرّس فيه هو و المسلمون من اضطراب الإسلام ، و انتشار الكلمة لحسد العرب له و ضغنهم عليه ١ .

قلت : ما قاله مغالطة ، فإنّ الاضطراب إنّما كان من قبل المتقدّمين عليه و أتباعهم ، فلو كان لك حقّ و منعك منه جمع عدوانا و بغيا و حسدا و سكتّ اضطرارا ، هل يكون ذلك دليلا على صواب المانعين ؟ بل كان تقدّم أولئك سببا لانقلاب العرب و ارتدادهم ، حيث رأوا الأمر في غير أهله .

قال الحطيئة :

أطعنا رسول اللّه ما كان حاضرا

فوا لهفتا ما بال دين أبي بكر

أ يورثها بكرا إذا مات بعده

فتلك و بيت اللّه قاصمة الظّهر

و لقد ردّت عليهم سيّدة نساء العالمين لما قالوا : إنّهم بادروا بإقامة أبي بكر خوف الفتنة بقولها : « . . . ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين » ٢ .

و أيّ فتنة كانت أفتن من فتنة عملهم من أخذ الحقّ من أهله ، و نارها مشتعلة إلى يوم القيامة ، و دخانها مظلم إلى يوم لا تنفع النّدامة ؟ و كيف لا ،

و أحضروا النّار لإحراق أهل بيت العصمة ؟ و لو كانوا أقرّوا الحقّ في أهله لخضعت له العرب و اعترفت.

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) بلاغات النساء للبغدادي : ٢٥ ضمن خطبة لها عليهما السّلام ، و الآية ٤٩ من سورة التوبة .

٦٠٠

601

602

603

604

605