• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106346 / تحميل: 5043
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

أحبّ أن آكل من عمل يدي ١ .

« و يأكل قرص الشعير من ثمنها » في ( الكافي ) عن الرّضا عليه السّلام : ما من نبيّ إلاّ و قد دعا لأكل الشعير و بارك عليه ، و ما دخل جوفا إلاّ و أخرج كلّ داء فيه ،

و هو قوت الأنبياء و طعام الأبرار ، أبى اللّه تعالى أن يجعل قوت أنبيائه إلاّ شعيرا ٢ .

هذا ، و روى الطبري في ( ذيله ) : أنّ أصحاب الإبل و أصحاب الغنم تفاخروا عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فقال أصحاب الإبل : ما أنتم يا رعاء الشّاة ، هل تجبون شيئا أو تصيبونه ؟ ما هي إلاّ شويهات أحدكم يرعاها ثمّ يروحها .

حتّى أصمتموهم ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : بعث داود عليه السّلام و هو راعي غنم ، و بعث موسى عليه السّلام ، و هو راعي غنم ، و بعثت أنا و أنا أرعى غنم أهلي بأجياد . فغلبهم أصحاب الغنم ٣ .

« و إن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام » قال تعالى : إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدّنيا و الآخرة و من المقرّبين . و يكلّم الناس في المهد و كهلا و من الصّالحين . قالت ربّ أنّى يكون لي ولد و لم يمسسني بشر قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون . و يعلّمه الكتاب و الحكمة و التّوراة و الإنجيل .

و رسولا إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه و أبرى‏ء الأكمه و الأبرص و أحيي الموتى بإذن اللّه و أنبئكم بما تأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآية

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٢ : ٥٨ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٣٠٤ ح ١ ، و مكارم الأخلاق للطبرسي : ١٥٤ .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٦٥ .

٨١

لكم إن كنتم مؤمنين ١ .

« فلقد كان » أي : عيسى .

« يتوسّد الحجر » أي : يجعله له و سادة ، و في الخبر : أنّ إبليس أتى عيسى عليه السّلام و كان نام و جعل وسادته لبنة ، فقال له عليه السّلام : ما تريد منّي و ليس لي شي‏ء من علائق الدّنيا ؟ فقال : ما دام هذه اللبنة تحت رأسك أرجو منك ذلك .

فأخذه عيسى ، و رمى به ٢ .

« و يلبس الخشن » و زاد ابن أبي الحديد ٣ : « و يأكل الجشب » .

« و كان إدامه الجوع ، و سراجه بالليل القمر ، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها » و لم يكن له دار و لا بناء .

« و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم » و لم يأكل لحما و لا فواكه .

« و لم تكن له زوجة تفتنه » كما اتّفق للكثير من العبّاد و الزهّاد افتتانهم بنسائهم .

« و لا ولد يحزنه » بمرضه أو خوف فقره أو موته .

« و لا مال يلفته » أي : يصرفه عن اللّه تعالى و ذكره ، قال تعالى : يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ٤ .

« و لا طمع يذلّه » فقالوا : عزّ من قنع و ذلّ من طمع ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٤٥ ٤٩ .

( ٢ ) إحياء علوم الدين للغزالي ٣ : ١٩١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٠ .

( ٤ ) المنافقون : ٩ .

( ٥ ) هذا قد شهر عن علي عليه السّلام حتى صار من الأمثال السائرة ، رواه بفرق يسير الجاحظ في مائة كلمة على نقل عبد الوهاب في شرحه : ٣٨ ، و رواه برواية أخرى أيضا رشيد الدّين الوطواط في شرح مائة كلمة : ٢٤ .

٨٢

« دابّته رجلاه ، و خادمه يداه » و في الخبر : قام عيسى عليه السّلام و قال بعد وصفه نفسه ، كما و صفه عليه السّلام : أصبحت و ليس لي شي‏ء ، و أمسيت و ليس لي شي‏ء ،

و أنا أغنى ولد آدم ١ .

هذا ، و لبعضهم في وصف نفسه :

أ تراني أراني من الدهر يوما

لي فيه مطية غير رجلي

كلّما كنت في جمع فقالوا

قرّبوا للرحيل قرّبت نعلي

حيثما كنت لا أخلف رحلا

من رآني فقد رآني و رحلي

و لبعضهم أيضا :

برزت من المنازل و القباب

فلم يعسر على أحد حجابي

فمنزلي الفضاء و سقف بيتي

سماء اللّه أو قطع السحاب

فأنت إذا أردت دخلت بيتي

عليّ مسلّما من غير باب

لأنّي لم أجد مصراع باب

يكون من السحاب إلى التراب

و لا خفت الإباق على عبيدي

و لا خفت الهلاك على دوابي

و لا حاسبت يوما قهرماني

محاسبة فأغلظ في حسابي

و في ذا راحة و فراغ بال

فدأب الدهر ذا أبدا و دابي

٨

من الخطبة ( ١٩٩ ) و من كلام له عليه السّلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ اَلنَّاسَ اِجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ .

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ اَلنَّاسَ اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطُ وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ؟ ثَمُودَ ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معاني الأخبار للصدوق : ٢٥٢ ح ٥ .

٨٣

رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اَللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ٢٦ : ١٥٧ فَمَا كَانَ إِلاَّ أَنْ خَارَتْ أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَ اَلسِّكَّةِ اَلْمُحْمَاةِ فِي اَلْأَرْضِ اَلْخَوَّارَةِ .

أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ سَلَكَ اَلطَّرِيقَ اَلْوَاضِحَ وَرَدَ اَلْمَاءَ وَ مَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي اَلتِّيهِ . أقول : رواه النعماني بإسنادين مع اختلاف يسير و زيادة و نقيصة :

الأوّل : عن ابن عقدة ، عن جعفر بن عبد اللّه المحمدي ، عن يزيد بن إسحاق الأرحبي المعروف بشعر ، عن محمول ، عن فرات بن أحنف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام على منبر الكوفة يقول : أيّها الناس الايمان أنف الهدى و عيناه . أيّها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة من يسلكه ، إنّ الناس اجتمعوا على مائدة قليل شبعها ، كثير جوعها ، و اللّه المستعان ، و إنّما يجمع الناس الرّضا و الغضب . أيّها الناس إنّما عقر ناقة صالح واحد ، فأصابهم اللّه بعذابه بالرّضا ، و آية ذلك قوله عزّ و جلّ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر . فكيف كان عذابي و نذر ٢ ، و قال : . . . فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسواها . و لا يخاف عقباها ٣ . ألا و من سئل عن قاتلي فزعم أنّه مؤمن فقد قتلني . أيّها الناس من سلك الطريق ورد الماء ، و من حاد عنه وقع في التّيه ٤ .

و الثاني : عن محمّد بن همام ، عن الحسن بن محمّد بن جمهور ، عن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ١٥٧ .

( ٢ ) القمر : ٢٩ ٣٠ .

( ٣ ) الشمس : ١٤ ١٥ .

( ٤ ) غيبة النعماني : ١٦ ، و أسناد الرواية الثانية : محمد بن همام و محمد بن الحسن بن محمد بن جمهور ، جميعا عن الحسن بن محمّد بن جمهور .

٨٤

أحمد بن نوح ، عن ابن عليم ، عن رجل ، عن فرات ، عمّن سمع أمير المؤمنين عليه السّلام ، و ذكر مثله ، إلاّ أنّه قال بدل ( من يسلكه ) : « أهله » ١ .

« أيّها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى » و المراد نفسه ، فقد عرفت من رواية النعماني أنّ قبله ( أيّها الناس أنا أنف الهدى و عيناه ) .

« لقلّة أهله » و قد عرفت أنّ في أحد إسنادي النعماني ( لقلّة من يسلكه ) و هو الأنسب بقوله « طريق الهدى » ، و قديما كان أهل الهدى قليلا ، قال تعالى :

اعملوا آل داود شكرا و قليل من عبادي الشكور ٢ ، و قال عزّ و جلّ :

و إنّ كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاّ الّذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم . . . ٣ ، و قال سبحانه : و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون . و لا بقول كاهن قليلا ما تذكّرون ٤ ، و قال عزّ و جلّ : و لقد مكّنّاكم في الأرض و جعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ٥ .

« فانّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير و جوعها طويل » علّة لعدم الاستيحاش من طريق الحقّ و الهدى لقلّة أهلهما ، بأنّ الناس رأوا مائدة يشبعون منها فازدحموا عليها ، إلاّ أنّهم لا يدرون أنّ شبعها إنّما هو قصير ، و يتبعه جوع طويل إلى الأبد ، و لنعم ما قال بالفارسية :

برو از خانه گردون بدر و نان مطلب

كين سيه كاسه در آخر بكشد مهمان را

و روى ( الكافي ) في باب قلّة عدد المؤمنين عن الكاظم عليه السّلام قال : أما و اللّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) سبأ : ١٣ .

( ٣ ) ص : ٢٤ .

( ٤ ) الحاقة : ٤١ ٤٢ .

( ٥ ) الأعراف : ١٠ .

٨٥

لقد كانت الدّنيا و ما فيها إلاّ واحد يعبد اللّه ، و لو كان معه غيره لأضافه تعالى إليه حيث يقول : إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا و لم يك من المشركين ١ ، فغبر بذلك ما شاء اللّه ، ثمّ إنّ اللّه ، آنسه بإسماعيل و إسحاق فصاروا ثلاثة ، أما و اللّه إنّ المؤمن لقليل ، و إنّ أهل الكفر لكثير ٢ .

و عن حمران بن أعين ، قلت للباقر عليه السّلام : جعلت فداك ما أقلّنا ، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ؟ فقال : ألا أحدّثك بأعجب من ذلك : المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلاّ و أشار بيده ثلاثة . قال حمران : فقلت : جعلت فداك ما حال عمّار ؟

قال : رحم اللّه عمّارا أبا اليقظان ، بايع و قتل شهيدا . فقلت في نفسي ما شي‏ء أفضل من الشهادة . فنظر إليّ فقال : لعلّك ترى أنّه مثل الثلاثة أيهات أيهات ٣ .

و عن سدير الصيرفي قلت للصادق عليه السّلام : و اللّه ما يسعك القعود ؟ قال :

و لم ؟ قلت : لكثرة شيعتك ، و اللّه لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك ما طمع فيه تيم و عدي . فقال : و كم عسى أن تكونوا ؟ قلت : مائة ألف . قال : مائة ألف ؟ قلت :

بلى مائتي ألف . قال : مائتي ألف ؟ قلت : بل نصف الدّنيا . فسكت عنّي ، ثمّ قال :

يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع إلى أن قال : حتّى صرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء . فقال : و اللّه لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما و سعني القعود ، فعددتها فإذا هي سبعة عشر ٤ .

« أيّها النّاس إنّما يجمع الناس » في العمل و عدمه .

« الرضا و السّخط » روى ( المحاسن ) فقرة « أيّها الناس إنّما يجمع النّاس الرّضا و السخط » عنه عليه السّلام مع زيادة : « فمن رضي أمرا فقد دخل فيه ، و من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٤٣ ح ٥ ، و تفسير العياشي ٢ : ٢٧٤ ح ٨٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٤٤ ح ٦ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٤٢ ح ٤ و النقل بتلخيص .

٨٦

سخطه فقد خرج منه » ١ .

و روى ( العيون ) في باب أخباره المتفرّقة عن الرّضا عليه السّلام : أنّ ما روي عن الصادق عليه السّلام أنّ القائم إذا خرج قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعل آبائهم صحيح . فقيل له : قال تعالى : و لا تزر و ازرة و زر أخرى . . . ٢ . قال : إنّما يقتلهم لرضاهم بفعال آبائهم ، و من رضي شيئا كان كمن أتاه ، و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق ، فرضي بقتله رجل بالمغرب ، كان الراضي شريك القاتل ٣ .

و روى العياشي في قوله تعالى : . . . قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات و بالّذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ٤ : إنّ الصادق عليه السّلام قال لكوفي : ترون قتلة الحسين عليه السّلام بين أظهركم فقال : ما بقي منهم أحد .

فقال عليه السّلام : أنت لا ترى القاتل إلاّ من ولى القتل ، أولم تسمع قوله تعالى : قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات و بالّذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ،

و لم يكن النّاس الذين قال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك قتلوا رسولا ، و كيف و لم يكن بين النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و بين عيسى عليه السّلام رسول ٥ ؟ و قد عرفت أنّ النّعماني روى العنوان مع زيادة « و من سئل عن قاتلي فزعم أنّه مؤمن فقد قتلني » ٦ بل يمكن أن يقال : إنّ جميع العامّة شريكون في قتل أمير المؤمنين عليه السّلام و الحسن و الحسين و باقي المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين ، لأنّهم راضون بخلافة أبي بكر ، و خلافته تسبّبت جميع ذلك .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المحاسن للبرقي : ٢٦٢ ح ٣٢٣ ، و ليس في صدره « أيها الناس » .

( ٢ ) فاطر : ١٨ .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ٢١٢ ح ٥ ، و النقل بتصرف .

( ٤ ) آل عمران : ١٨٣ .

( ٥ ) تفسير العياشي ١ : ٢٠٩ ح ١٦٥ ، و النقل بتصرف .

( ٦ ) غيبة النعماني : ١٦ .

٨٧

و لمّا حمل معزّ الدولة الديلمي الناس في بغداد بإقامة مراسم العزاء للحسين عليه السّلام أيّام عاشوراء ، أقامت العامة مراسم العزاء لمصعب بن الزبير لأنّه قتل المنتقمين للحسين عليه السّلام ١ .

« و إنّما عقر » أي : ضرب بالسّيف قوائم .

« ناقة ثمود » و قد عرفت أنّ النعماني رواه « ناقة صالح » ٢ و هو الأصح ،

و إن كان هذا أيضا صحيحا ، لأنّ الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة .

« رجل واحد » و اسمه قيدار .

« فعمّهم اللّه بالعذاب لمّا عمّوه بالرّضا ، فقال سبحانه فعقروها فأصبحوا نادمين ٣ » قد عرفت من رواية النعماني ٤ أنّه عليه السّلام استند إلى هذه الآية و إلى آية فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ٥ ، بمعنى أنّ المباشر للعقر كان واحدا في الآية الثانية ، و قد نسبه في الآية الأولى إلى الجميع لرضاهم بفعله .

هذا ، و الآيات الواردة في قوم صالح عليه السّلام قوله تعالى في سورة الأعراف : و إلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلى غيره قد جاءتكم بيّنة من ربّكم هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض اللّه و لا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم . و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بوّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا و تنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء اللّه و لا تعثوا في الأرض مفسدين . قال الملأ الّذين استكبروا من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ١٦ .

( ٢ ) نقل أمر معز الدولة ابن الأثير في الكامل ٨ : ٥٤٩ سنة ٣٥٢ ، و عزاء مصعب في الكامل ٩ : ١٥٥ سنة ٣٨٩ .

( ٣ ) الشعراء : ١٥٧ .

( ٤ ) الشعراء : ١٥٧ استدلت بها رواية نهج البلاغة ، لكن في رواية النعماني في الغيبة : ١٦ استدلّ بآيتين من سورة القمر : ٢٩ ٣٠ ، و الشمس : ١٤ ١٥ .

( ٥ ) القمر : ٢٩ .

٨٨

قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحا مرسل من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون . قال الّذين استكبروا إنّا بالّذي آمنتم به كافرون . فعقروا النّاقة و عتوا عن أمر ربّهم و قالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين . فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين . فتولّي عنهم و قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي و نصحت لكم و لكن لا تحبّون الناصحين ١ ، و فيها أيضا نسب العقر إلى الجميع برضاهم .

و في سورة هود : و إلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها فاستغفروه ثمّ توبوا إليه إنّ ربي قريب مجيب . قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا و إنّنا لفي شكّ ممّا تدعونا إليه مريب . قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربّي و آتاني منه رحمة فمن ينصرني من اللّه إن عصيته فما تزيد و نني غير تخسير . و يا قوم هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض اللّه و لا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب . فعقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك و عد غير مكذوب . فلمّا جاء أمرنا نجّينا صالحا و الّذين آمنوا معه برحمة منّا و من خزي يومئذ إنّ ربّك هو القويّ العزيز . و أخذ الّذين ظلموا الصحيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين . كأن لم يغنوا فيها ألا إنّ ثمود كفروا ربّهم ألا بعدا لثمود ٢ ، و هي أيضا كسابقتها .

و في سورة الحجر : و لقد كذّب أصحاب الحجر المرسلين . و آتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين . و كانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين .

فأخذتهم الصيحة مصبحين . فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ٧٣ ٧٩ .

( ٢ ) هود : ٦١ ٦٨ .

( ٣ ) الحجر : ٨٠ ٨٤ .

٨٩

و في سورة الشعراء : كذّبت ثمود المرسلين . إذ قال لهم أخوهم صالح ألاّ تتقون . إنّي لكم رسول أمين . فاتّقوا اللّه و أطيعون . و ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين . أ تتركون في ما هاهنا آمنين . في جنّات و عيون . و زروع و نخل طلعها هضيم . و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين . فاتّقوا اللّه و أطيعون . و لا تطيعوا أمر المسرفين . الّذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون . قالوا إنّما أنت من المسحّرين . ما أنت إلاّ بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين . قال هذه ناقة لها شرب و لكم شرب يوم معلوم . و لا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم . فعقروها فأصبحوا نادمين . فأخذهم العذاب إنّ في ذلك لآية و ما كان أكثرهم مؤمنين ١ و فيها الآية التي استشهد عليه السّلام بها .

و في سورة النمل : و لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا اللّه فإذا هم فريقان يختصمون . قال يا قوم لم تستعجلون بالسّيئة قبل الحسنة لو لا تستغفرون اللّه لعلّكم ترحمون . قالوا اطّيرنا بك و بمن معك قال طائركم عند اللّه بل أنتم قوم تفتنون . و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون . قالوا تقاسموا باللّه لنبيّتنّه و أهله ثمّ لنقولنّ لوليّه ما شهدنا مهلك أهله و إنّا لصادقون ٢ .

و في سورة السجدة ( فصلت ) : و أمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمي على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ٣ .

و في الذاريات : و في ثمود إذ قيل لهم تمتّعوا حتّى حين . فعتوا عن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ١٤١ ١٥٨ .

( ٢ ) النمل : ٤٥ ٤٩ .

( ٣ ) فصّلت : ١٧ .

٩٠

أمر ربّهم فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون . فما استطاعوا من قيام و ما كانوا منتصرين ١ .

و في القمر : إنّا مرسلو النّاقة فتنة لهم فارتقبهم و اصطبر . و نبّئهم أنّ الماء قسمة بينهم كلّ شرب محتضر . فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر . فكيف كان عذابي و نذر . إنّا أرسلنا عليهم صحيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ٢ و قد استشهد عليه السّلام بها على رواية النعماني ٣ .

و في الحاقة : فأمّا ثمود فأهلكوا بالطاغية ٤ ، و في الفجر : و ثمود الّذين جابوا الصّخر بالواد ٥ و في الشمس : كذّبت ثمود بطغواها . إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه و سقياها . فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها . و لا يخاف عقباها ٦ و قد استشهد عليه السّلام بها على رواية النعماني ٧ .

و في ( تفسير القمي ) : إنّ اللّه تعالى بعث صالحا إلى ثمود و هو ابن ستّ عشرة سنة لا يجيبونه إلى خير ، و كان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون اللّه ، فلمّا رأى ذلك منهم قال لهم : يا قوم بعثت إليكم و أنا ابن ستّ عشرة سنة ،

و قد بلغت عشرين و مائة سنة ، و أنا أعرض عليكم أمرين ، إن شئتم فاسألوني مهما أردتم حتّى أسأل إلهي فيجيبكم ، و إن شئتم سألت آلهتكم ، فإن أجابتني

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الذاريات : ٤٣ ٤٥ .

( ٢ ) القمر : ٢٧ ٣١ .

( ٣ ) غيبة النعماني : ١٦ .

( ٤ ) الحاقّة : ٥ .

( ٥ ) الفجر : ٩ .

( ٦ ) الشمس : ١١ ١٥ .

( ٧ ) غيبة النعماني : ١٦ .

٩١

خرجت عنكم . فقالوا : أنصفت فأمهلنا . فأقبلوا يتعبّدون ثلاثة أيّام و يتمسّحون بالأصنام و يذبحون لها ، و أخرجوها إلى سفح الجبل و أقبلوا يتضرّعون إليها ،

فلمّا كان اليوم الثالث قال لهم صالح عليه السّلام : قد طال هذا الأمر . فقالوا له : سل من شئت . فدنا إلى أكبر صنم لهم ، فقال : ما اسمك ؟ فلم يجبه . فقال لهم : ما له لا يجيبني ؟ قالوا له : تنحّ عنه . فتنحّى عنه و أقبلوا إليه و وضعوا على رؤوسهم التراب و ضجّوا ، و قالوا : فضحتنا و نكست رؤوسنا .

و قال صالح : قد ذهب النّهار . فقالوا : سله . فدنا منه ، فكلّمه فلم يجبه ،

فبكوا و تضرّعوا حتّى فعلوا ذلك ثلاث مرّات ، فلم يجبهم بشي‏ء ، فقالوا : إنّ هذا لا يجيبك ، و لكنّا نسأل إلهك . فقال لهم : سلوا ما شئتم . فقالوا : سله أن يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء أي : حاملة تضرب بمنكبيها طرفي الجبلين ، و تلقي فصيلها من ساعتها ، و تدرّ لبنها . فقال صالح : إنّ الذي سألتموني عندي عظيم ، و عند اللّه هيّن . فقام و صلّى ركعتين ، ثم سجد و تضرّع إلى اللّه ، فما رفع رأسه حتّى تصدّع الجبل و سمعوا له دويّا شديدا ، ففزعوا منه و كادوا أن يموتوا منه ، فطلع رأس الناقة و هي تجترّ ، فلمّا خرجت ألقت فصيلها و درّت لبنها ، فبهتوا و قالوا : قد علمنا يا صالح أنّ ربّك أعزّ و أقدر من آلهتنا التي نعبدها . و كان لقريتهم ماء ، و هي الحجر التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه ، و هو قوله : و لقد كذّب أصحاب الحجر المرسلين ١ . فقال لهم صالح : لهذه الناقة شرب . أي : تشرب ماءكم يوما ، و تدرّ لبنها عليكم يوما ، و هو قوله تعالى :

لها شرب و لكم شرب يوم معلوم . و لا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ٢ ، فكانت تشرب ماءهم يوما ، و إذا كان من الغد وقفت وسط

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٨٠ .

( ٢ ) الشعراء : ١٥٥ ١٥٦ .

٩٢

قريتهم ، فلا يبقى في القرية أحد إلاّ حلب منها حاجته . و كان فيهم تسعة من رؤسائهم ، كما ذكر اللّه تعالى في سورة النمل : و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون ١ ، فعقروا النّاقة و رموها حتّى قتلوها و قتلوا الفصيل ، فلمّا عقروا النّاقة قالوا لصالح : . . ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ٢ . قال صالح : . . . تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك و عد غير مكذوب ٣ . ثمّ قال لهم و علامة هلاككم أنّه تبيضّ وجوهكم غدا ، و تحمرّ بعد غد ، و تسودّ اليوم الثالث ، فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم و قد ابيضّت مثل القطن ، فلمّا كان اليوم الثاني احمرّت مثل الدّم ، فلمّا كان اليوم الثالث اسودّت وجوههم ، فبعث اللّه عليهم صيحة و زلزلة فهلكوا و هو قوله :

فأخذتهم الرّجفة . . . ٤ .

و قال القمّي أيضا في سورة النمل : و كان الّذي عقر الناقة أزرق أحمر ولد زنا ٥ .

و أما قوله : قالوا اطّيّرنا بك و بمن معك . . . فإنّه أصابهم جوع شديد ،

فقالوا : من شؤمك و شؤم من معك أصابنا هذا القحط ، . . . قال طائركم عند اللّه . . . ٦ يعني خيركم و شرّكم من عند اللّه ، . . . بل أنتم قوم تفتنون ٧ ، أي :

تبتلون بالاختبار . قالوا تقاسموا باللّه لنبيّتنّه و أهله . . . ٨ فأتوا صالحا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النمل : ٤٨ .

( ٢ ) الأعراف : ٧٧ .

( ٣ ) هود : ٦٥ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٣٣٠ ، و الآية ٧٨ من سورة الأعراف .

( ٥ ) تفسير القمي ٢ : ١٣٢ .

( ٦ ) النمل : ٤٧ .

( ٧ ) النمل : ٤٧ .

( ٨ ) النمل : ٤٩ .

٩٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ليقتلوه ، و عند صالح ملائكة يحرسونه ، فلّما أتوه قاتلتهم الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة ، فأصبحوا في داره مقتّلين ، و أخذت قومه الرجفة . . . فأصبحوا في دارهم جاثمين ١ .

« فما كان إلاّ أن خارت أرضهم بالخسفة » أي : ضعفت و وهنت أرضهم بالخسفة الحاصلة من الرّجفة .

« خوار السّكة » أي : الحديدة التي يحرث بها .

« المحمّاة » من : أحميت الحديدة في النار .

« في الأرض الخوارة » أي : المنهمرة في نفسها ، و في ( المجمع ) بعد ذكر عقر الناقة : فلمّا رأى الفصيل ما فعل بأمّه ولّى هاربا حتّى صعد جبلا ، ثمّ رغا رغاء تقطّع منه قلوب القوم ، و أقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه : إنّما عقرها فلان و لا ذنب لنا . فقال صالح : انظروا هل تدركون فصيلها ، فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه في الجبل فلم يجدوه ، و كانوا عقروا الناقة ليلة الأربعاء ، فقال لهم صالح : تمتّعوا في داركم يعني : في محلّتكم في الدّنيا ثلاثة أيّام . . . فلمّا كان نصف الليل ( بعد الثلاث ) أتاهم جبرائيل عليه السّلام ، فصرخ بهم صرخة خرقت أسماعهم ، و فلقت قلوبهم ، و صدعت أكبادهم ، و كانوا قد تحنطوا و تكفنوا و علموا أنّ العذاب نازل بهم ، فماتوا أجمعين في طرفة عين ، صغيرهم و كبيرهم ، فلم يبق اللّه منهم ثاغية و لا راغبة و لا شيئا يتنفس إلاّ أهلكه ، فأصبحوا في ديار هم موتى ، ثمّ أرسل إليهم مع الصيحة النّار من السّماء فأحرقتهم أجمعين ٢ .

و في ( المروج ) : كان ملك ثمود و هو ابن عابر بن إرم بن سام بن نوح

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ٧٣ ٧٨ ، و هود : ٦١ ٦٧ .

( ٢ ) رواه الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٤٤٣ .

٩٤

بين الشّام و الحجاز إلى ساحل البحر الحبشي ، و ديارهم بفجّ الناقة ، و بيوتهم إلى وقتنا هذا أبنية منحوتة في الجبال ، و رممهم باقية ، و آثارهم بادية ، و ذلك في طريق الحاج لمن ورد من الشام بالقرب من وادي القرى ، بيوتهم منحوتة في الصخر بأبواب صغار ، و مساكنهم على قدر مساكن أهل عصرنا ، و هذا يدلّ على أنّ أجسادهم على قدر أجسامنا دون ما يخبر به القصّاص من بعد أجسامهم . . . و ليس هؤلاء كعاد إذ كانت آثارهم ، و مواضع مساكنهم ، و بنيانهم بأرض الشحر تدلّ على بعد أجسامهم . . . بعث اللّه صالحا و هو غلام حدث على فترة بينه و بين هود نحو من مائة سنة ، فدعا قومه ، فلم يجبه إلاّ يسير . و كبر صالح و لم يزدادوا إلاّ بعدا منه ، فلمّا تواتر عليهم أعذاره و انذاره ، و وعده و وعيده ساموه المعجزات و إظهار العلامات ، ليمنعوه من دعائهم و يعجزوه عن خطابهم ، فحضر عيد لهم ، و قد أظهروا أوثانهم ، و كان القوم أصحاب إبل ، فساموه الآية من جنس أموالهم ، و طالبوه بما هو مجانس لأملاكهم ، فقالوا : يا صالح إن كنت صادقا ، فأظهر لنا من هذه الصخرة ناقة ، و لتكن و براء سوداء عشراء نتوجا حالكة ، صافة اللون ، ذات عرف و ناصية و شعر و وبر .

فاستغاث بربّه ، فتحرّكت الصخرة و بدا منها حنين و أنين ، ثمّ انصدعت من بعد تمخّض شديد كتمخّض المرأة حين الولادة ، و ظهر منها ناقة على ما طلبوه من الصفة ، ثمّ تلاها من الصخرة سقب لها نحوها في الوصف ، فأمعنا في رعي الكلاء و طلب الماء ، و أقامت الناقة يحلبون من لبنها ما يعمّ شربة ثمود كلّهم ، و ضايقتهم في الكلاء و الماء ، و كان في ثمود امرأتان ذواتا حسن و جمال ، فزارهما رجلان : قدار و مصدع ، و المرأتان عنيزة و صدوف ، فقالت صدوف : لو كان لنا في هذا اليوم ماء لأسقيناكم خمرا ، و هذا يوم الناقة و ورودها ، و لا سبيل لنا إلى الشرب . فقالت عنيزة : بلى و اللّه لو أنّ لنا رجالا

٩٥

لكفونا إيّاها ، و هل هي إلاّ بعير من الإبل . فقال قدار : يا صدوف إن أنا كفيتك أمر الناقة ، فمالي عندك ؟ فقالت : نفسي ، و هل حائل دونها عنك . فأجابت الأخرى صاحبها بنحو ذلك . فقالا : ميلا علينا بالخمر . فشربا حتّى توسطا السّكر . ثمّ خرجا ، فاستعونا تسعة رهط ، و هم التسعة الّذين أخبر تعالى عنهم في قوله : و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون ١ ، فقصدوا طريق الناقة في حال صدورها ، فضرب قدار عرقوبها بالسيف فعرقبها ، و اتبع صاحبه العرقوب الآخر ، فخرّت الناقة لوجهها ، و وجأ قدار لبتها فنحرها ، و لاذ السقب بصخرة فلحقه بعضهم ، فعقره ، و ورد صالح فنظر إلى ما فعلوا ، فوعدهم العذاب ، و كان ذلك في يوم الأربعاء ، فقالوا له مستهزئين : متى يكون العذاب ؟ فقال : تصبح وجوهكم يوم مونس و هو الخميس مصفرة ، و يوم العروبة محمرّة ، و يوم شيار مسودّة ، ثمّ يصحبكم العذاب يوم أوّل . فهمّ التسعة بقتله ، فأتوه ليلا فمنعه اللّه منهم ، و أمطرتهم الملائكة الحجارة ، فلمّا أصبحوا نظروا إلى وجوههم كما و عدهم صفراء كأنّها الورس ، و خرج صالح مع من خفّ من المؤمنين ليلة الأحد من بين ظهرانيهم ، فنزل موضع مدينة الرملة من بلاد فلسطين و أتاهم العذاب يوم الأحد .

و فيهم يقول بعض من آمن بصالح :

أراكم يا رجال بني عتيد

كأنّ وجوهكم طليت بورس

و يوم عروبة احمرّت وجوه

مصفرة و نادوا يال مرس

و يوم شيار فاسودّت وجوه

من الحيين قبل طلوع شمس

فلمّا كان أوّل في ضحاه

أتتهم صيحة عمّت بتعس

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النمل : ٤٨ .

٩٦

و قال بعض آخر منهم :

كانت ثمود ذوي عزّ و مكرمة

ما إن يضام لهم في الناس من جار

لا يرهبون من الأعداء حولهم

وقع السيوف و لا نزعا بأوتار

فأهلكوا ناقة كانت لربّهم

قد أنذروها و كانوا غير أبرار

نادوا قدارا و لحم السقب بينهم

هل للعجول و هل للسقب من ثار

لم يرعيا صالحا في عقر ناقته

و أخفروا العهد هذيا أيّ إخفار

فصادفوا عنده من ربّه حرسا

فشدّخوا روسهم شدخا بأحجار

١ قال ابن أبي الحديد : روى المحدّثون أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام :

أتدري من أشقى الأوّلين ؟ قال : نعم ، عاقر ناقة صالح ، قال : أفتدري من أشقى الآخرين ؟ قال : اللّه و رسوله أعلم . قال : من يضربك على هذه حتّى تخضب هذه ٢ .

قلت : و أجاد الميبدي حيث قال بالفارسية نظما مضمون كلام النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

اشتر حق را كشته أشقى الأوّلين

شير حق را كشته أشقى الآخرين

و في ( البحار ) : قال الحسين عليه السّلام يوم الطّف لمّا قتلوا رضيعه : لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح . اللّهم إن كنت حبست عنّا النصر ، فاجعل ذلك لما هو خير لنا ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ١٤ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٧٠ ، و أخرجه أبو يعلى في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٣٢٣ ح ٤٥١١ ، و ابن عساكر بطريقين في ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ٣٤٢ ح ١٣٨٩ ، ١٣٩٢ ، و الطبراني و ابن مردويه و أبو نعيم عنهم الدّر المنثور ٦ : ٣٥٧ ، و الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ : ٣٣٥ ح ١٠٩٨ ، عن صهيب ، و في الباب عن الضحاك و عمّار و ابن عباس و جابر بن سمرة و عبيد اللّه بن أنس و أبو سنان الدولي و عبد اللّه بن عمر و حجية بن عدي و أبي هريرة و سعيد بن المسيب .

( ٣ ) أخرجه بهذا اللفظ المجلسي في بحار الأنوار ٤٥ : ٤٧ ، لكن ما نقل المجلسي تأليف حديثين : الأول أخرجه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : ٦٠ ، و الثاني أخرجه المفيد في الإرشاد : ٢٤٠ .

٩٧

و قد عرفت من رواية ( المروج ) كمال شباهة أشقى الآخرين بأشقى الأوّلين ، حيث إنّ كلاّ منهما افتتن بامرأة طلبت في مقابل نفسها قتل صالح ،

أي : النبي صالح ، و أمير المؤمنين عليهما السلام ، و كون كلّ منهما ذا معاون : الأوّل مصدع ، و الأخير شبيب ، إلاّ أنّ شبيبا وقعت ضربته في الطاق .

« أيّها الناس من سلك الطريق الواضح » و المراد : طريقه عليه السّلام ، و كون طريقه واضحا ، لكونه عليه السّلام كنفس النبيّ عليه السّلام بنصّ القرآن و بالوجدان و العيان .

« ورد الماء » و سلم من الهلكة .

« و من خالف » و تبع غيره .

« وقع في التيه » أي : مفازة يتاه فيها ، حيث إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال : مثل أهل بيته مثل سفينة نوح : من ركبها نجا و من تركها غرق ١ .

٩

الخطبة ( ١٨٠ ) أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَلْبَسَكُمُ اَلرِّيَاشَ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمُ اَلْمَعَاشَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى اَلْبَقَاءِ سُلَّماً أَوْ إِلَى دَفْعِ اَلْمَوْتِ سَبِيلاً لَكَانَ ذَلِكَ ؟ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ع ؟ اَلَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ مَعَ اَلنُّبُوَّةِ وَ عَظِيمِ اَلزُّلْفَةِ فَلَمَّا اِسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ وَ اِسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهَا قِسِيُّ اَلْفَنَاءِ بِنِبَالِ اَلْمَوْتِ وَ أَصْبَحَتِ اَلدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً وَ اَلْمَسَاكِنُ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا الحديث المعروف بحديث السفينة من الأحاديث المتواترة و طرقه كثيرة منها ما رواه صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيه : ٥٧ ح ٧٦ ، و القاضي الصعدي في درر الأحاديث : ٥١ ، و الحاكم في المستدرك عنه الجامع الصغير ٢ : ١٥٥ ، و أبو يعلى بطريقين في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٧٥ ح ٤٠٠٣ ، ٤٠٠٤ ، و البزار بطريقين في مسنده عنه إحياء الميت : ٢٥ ٢٦ ح ٢٤ ، ٢٥ ، و الجويني في فرائد السمطين ٢ : ٢٤٣ ح ٥١٧ ، و الصدوق بطريقين في كمال الدّين : ٢٣٩ ، ٢٤١ ح ٥٩ ، ٦٥ .

٩٨

مُعَطَّلَةً وَ وَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ .

وَ إِنَّ لَكُمْ فِي اَلْقُرُونِ اَلسَّالِفَةِ لَعِبْرَةً أَيْنَ ؟ اَلْعَمَالِقَةُ ؟ وَ أَبْنَاءُ ؟ اَلْعَمَالِقَةِ ؟ أَيْنَ اَلْفَرَاعِنَةُ وَ أَبْنَاءُ اَلْفَرَاعِنَةِ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ ؟ اَلرَّسِّ ؟ اَلَّذِينَ قَتَلُوا اَلنَّبِيِّينَ وَ أَطْفَئُوا سُنَنَ اَلْمُرْسَلِينَ وَ أَحْيَوْا سُنَنَ اَلْجَبَّارِينَ وَ أَيْنَ اَلَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَ هَزَمُوا اَلْأُلُوفَ وَ عَسْكَرُوا اَلْعَسَاكِرَ وَ مَدَّنُوا اَلْمَدَائِنَ « أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ألبسكم الرياش » أي : ثياب التجمل ، قال تعالى : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا و لباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات اللّه لعلهم يذكّرون ١ .

« و أسبغ » أي : أكمل .

« عليكم المعاش » قال تعالى : و لقد مكّناكم في الأرض و جعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ٢ ، و الأرض مددناها و ألقينا فيها رواسي و أنبتنا فيها من كلّ شي‏ء موزون . و جعلنا لكم فيها معايش و من لستم له برازقين ٣ .

« و لو أنّ أحدا يجد إلى البقاء » في الدنيا .

« سلّما » كناية عن الوسيلة .

« أو إلى دفع » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( أو لدفع ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ .

« الموت سبيلا » حتّى ينجو منه ، في ( تفسير القمي ) عن الصادق عليه السّلام : أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ٢٦ .

( ٢ ) الأعراف : ١٠ .

( ٣ ) الحجر : ١٩ ٢٠ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٨٣ ، « الى دفع » أيضا .

٩٩

اللّه تعالى غضب على ملك من الملائكة ، فقطع جناحه و ألقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فبقي ما شاء اللّه في ذلك البحر ، فلمّا بعث اللّه إدريس عليه السّلام جاز ذلك الملك إليه ، فقال : يا نبيّ اللّه ادع اللّه تعالى أن يرضى عنّي ، و يردّ عليّ جناحي . قال : نعم . فدعا إدريس ، فردّ اللّه عليه جناحه ، و رضي عنه . قال الملك لإدريس : ألك إليّ حاجّة ؟ قال : نعم ، أحبّ أن ترفعني إلى السّماء حتّى أنظر إلى ملك الموت ، فإنّه لا عيش لي مع ذكره ، فأخذه الملك على جناحه حتّى انتهى به إلى السماء الرابعة ، فإذا ملك الموت يحرّك رأسه تعجّبا ، فسلّم إدريس على ملك الموت ، و قال له : ما لك تحرّك رأسك ؟ قال : إنّ ربّ العزّة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة و الخامسة . . . ثمّ قبض روحه بين السماء الرابعة و الخامسة ، و هو قوله تعالى : و رفعناه مكانا عليّا ١ .

« لكان ذلك سليمان بن داود » قال شاعر :

يا هاربا من جنود الموت منهزما

عنها توقّف أين المفرّ لكا

هب عشت أكثر من نوح فحين نجا

بقدرة اللّه من طوفانه هلكا

و قال آخر :

لو أنّ حيّا مدرك افلاح

أدركه ملاعب الرماح

« الّذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس » قال تعالى : و لسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها و كنّا بكلّ شي‏ء عالمين . و من الشياطين من يغوصون له و يعملون عملا دون ذلك و كنّا لهم حافظين ٢ و لسليمان الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أسلنا له عين القطر و من الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه و من يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ٥١ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١١ : ٢٧٧ ح ٧ ، و الآية ٥٧ من سورة مريم .

( ٢ ) الأنبياء : ٨١ ٨٢ .

١٠٠