كتاب الرجال لابن داوود

كتاب الرجال لابن داوود25%

كتاب الرجال لابن داوود مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 318

كتاب الرجال لابن داوود
  • البداية
  • السابق
  • 318 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94019 / تحميل: 11429
الحجم الحجم الحجم
كتاب الرجال لابن داوود

كتاب الرجال لابن داوود

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتاب الرجال

لابن داوود

لتقى الدين الحسن بن على بن داود الحلى قدس سره

١
٢

ترجمة حياة المؤلف :

بقلم : العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم

الشيخ تقي الدين أبو محمد الحسن بن علي بن داود الحلي ، وقد يسمى في بعض المعاجم الرجالية الحسن بن داود نسبة إلى الجد ، وهو متعارف.

ولدرحمه‌الله خامس جمادى الآخرة سنة (٦٤٧) كما أرخ هو بذلك في ترجمة نفسه في القسم الاول من كتابه ـ هذا.

كان عالما فاضلا جليلا فقيها صالحا محقق متبحرا أديبا موصوفا في الاجازات وفي المعاجم الرجالية بسلطان العلماء والبلغاء وتاج المحدثين والفقهاء.

نشأ نشأة صالح وتربى في أحضان العلماء الفطاحل في عصره من أساطين الحلة يوم صارت الحلة مركزا علميا لشيعة تشد إليها الرحال من كل حدب وصوب الارتواء من منهلها الصافي العذب وبنيت فيها المدارس العلمية ، حتى برز من عالي مجلس الشيخ نجم الدين الحلي صاحب ( الشرايع ) أكثر من أربعمائة مجتهد جهابذة ، وفيها بيوت خرج منها علماء فضلاء أعلام ، مثل بني طاووس وبني نما وبني سعيد وبني المطهر وآل معية ، وغيرهم ، فلا غرو أن صار المترجم له خريج هذه المدارس العالية علما من الاعلام يشار إليه بالبنان واشتهر صيته ونبغ في عصره ووصف في المعاجم بكل وصف جميل ، فقد برع في كل العلوم والفنون كالفقه والاصول والتفسير والادب والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض براعة متخصص فنان في كل واحد منها.

كان المترجم له معاصرا للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر ، وشريكا له في الدرس عند المحقق الحلي صاحب ( الشرايع ) جعفر بن

٣

سعيدرحمه‌الله والعلامة الحلي أصغر منه بسنة فان العلامة ـ كما ذكر في ترجمة نفسه في الخلاصة ـ ولد تاسع وعشرين شهر رمضان سنة ٦٤٨ ه‍ ، وابن داود ولد ـ كما عرفت ـ في خامس جمادى الآخرة سنة ٦٤٧ ه‍ ، ويعبر عنه ابن داود في رجاله ـ عند انتقاده له ـ في بعض التراجم بقوله : ( بعض أصحابنا ) ولم يصرح باسمه.

ومن الغريب أن ابن داود ترجم للعلامة الحلي في كتاب رجاله في القسم الاول منه ولكن العلامة لم يذكره في ( خلاصته ) مع انه معاصره وشريكه في الدرس عند المحقق الحلي ـ كما عرفت ـ وذلك مما يستدعي الغرابة. ولم يذكر أرباب المعاجم أسبابا لذلك ، ولعلهم لا يعرفونها.

مشايخه :

تلمذ على السيد جمال الدين أحمد ابن طاووسرحمه‌الله كما ذكر هو نفسه في ترجمته من القسم الاول فقال : ( أحمد بن موسى ابن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الحسني ، سيدنا الطاهر الامام المعظم. فقيه أهل البيت جمال الدين أبو الفضائل مات سنة ٦٧٣ ه‍ ، مصنف مجتهد ، كان أورع فضلاء زمانه ، قرأت عليه أكثر ( البشرى ) و ( الملاذ ) وغير ذلك من تصانيفه ورواياته. رباني وعلمني وأحسن إلي ، واكثر فوائد هذا الكتاب ـ يعني كتاب الرجال ـ ونكته من إشاراته وتحقيقاته ) ويريد بالبشرى ( بشرى المحققين ) في الفقه ست مجلدات ، وبكتاب ( الملاذ ) الذي هو في الفقه أربع مجلدات.

وتلمذ أيضا على ولده السيد عبد الكريم ابن السيد أحمد ابن طاووس. صاحب كتاب ( فرحة الغرى ) ، وقد ترجم له في كتابه في

٤

القسم الاول منه ، فمما قال : ( وكان أوحد زمانه ، حائري المولد ، حلي المنشأ ، بغدادي التحصيل ، كاظمي الخاتمة ، ولد في شعبان سنة ٦٤٨ ه‍ ، وتوفي شوال سنة ٦٩٣ ه‍ ، وكان عمره خمسا وأربعين سنة وشهرين وأياما كنت قرينه طفلين إلى أن توفى ـ قدس الله روحه ـ ما رأيت قبله ولا بعده كخلقه وجميل قاعدته ثانيا ، ولا لذكائه وقوة حافظته مماثلا. ، ما دخل في ذهنه شيء فكاد ينساه ، حفظ القرآن في مدة يسيرة وله إحدى عشرة سنة ، استقل بالكتابة ، واستغنى عن المعلم في أربعين يوما ، وعمره إذ ذاك أربع سنين ولا تحصى مناقبه وفضائله ).

وتلمذ ـ أيضا ـ على الامام نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الحليرحمه‌الله وقد ترجم له في كتابه وقال : ( قرأت عليه ورباني صغيرا. وكان له علي إحسان عظيم والتفات ، وأجازني جميع ما صنفه وقرأ ورواه. وكل ما تصح روايته عنه ، توفى في شهر ربيع الآخر سنة (٦٧٦) )

وعلى الشيخ مفيد الدين محمد بن علي بن محمد بن جهيم الاسدي ، كما صرح به عند ذكر طرقه في اول كتابه ـ هذا ـ.

تلامذته الراوون عنه :

يروي عنه : رضي الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن يحيى المزيدي الحلي المتوفى سنة ٧٥٧ ه‍ ، والشيخ زين الدين علي بن أحمد بن طراد المطارابادي المتوفى بالحلة سنة ٧٦٢ ه‍ يوم الجمعة اول رجب ، كما ذكره الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة للشيخ حسين بن عبد الصمد ـ والد اليشخ البهائي ـ التي ذكرها المجلسي في كتاب الاجازات الملحق بآخر كتاب بحار الانوار ( ص ٨٤ ) وذكرها أيضا الشيخ يوسف البحراني في كشكوله ( ج ٢ ـ ص ٢٠١ ) من طبع النجف الاشرف ، ويروي عنه

٥

ـ أيضا ـ السيد تاج الدين أبو عبد الله محمد ابن السيد جلال الدين أبي جعفر القاسم بن الحسين العلوي الحسني الديباجي الحلي المعروف بابن معية ، الذي عبر عنه الشهيد الاولرحمه‌الله في بعض إجازاته بأنه أعجوبة الزمان في جميع الفضائل والماثر ، قال الشيهد الاول في ( مجوعته ) التي هي بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي ( جد الشيخ البهائي ) : ( إن هذا السيد المذكور مات في (٨) ربيع الثاني سنة (٧٧٦) ه‍ ، بالحلة وحمل إلى مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام )

وتوجد في ( مكتبة دانشكاه بطهران ) نسخة من كتاب ( بناء المقالة العلوية في نقض الرسالة العثمانية ) التي هي للجاحظ ، ونقضها السيد جمال الدين أبو الفضل أحمد بن موسى ابن طاووس الحسني الحلي ـ طاب ثراه ـ المتوفى سنة ٦٧٣ ه‍. كتب هذه النسخة بخط الجيد تلميذه ابن داود الحلي ( المترجم له ) وقد فرغ من كتابتها في شوال سنة ٦٦٥ ه‍. وكان قد قرأها على أستاذه ابن طاووس المذكور وعلى ظهر النسخة وآخرها قصائد بخطه أيضا لاستاذه المذكور في أهل البيت ( ع ) منها قصيدتي التي أنشأها عند عزمه مع تلميذه ابن داود على التوجه إلى مشهد أمير المؤمنين ( ع ) لعرض كتابه ( بناء المقالة العلوية ) على الامام ( ع ) مستجديا سبب يديه ، وهي ثمانية أبيات ، مطلعها :

أتينا تباري الريح منا عزائم

إلى ملك يستثمر الغوث آمله

ومنها : قصيدته التي أنشأها حين تأخرت السفينة التي يتوجه فيها إلى الحضرة المقدسة الغروية ، وهي سبعة أبيات مطلعها :

لئن عاقني عن قصد ربعك عائق

فوجدي لانفاسي إليك طريق

وكتب ابن داود ـ أيضا في آخر النسخة التي بخطه ما هذا نصه :

« ومما سطره ـ أجل الله به أولياءه ـ عند قراءتنا هذا الكتاب ـ

٦

يعني ( بناء المقالة العلوية ـ لدى الضريح المقدس عند الرأس الشريف ـ صلى الله عليه ـ لما قصدنا مشهد مولانا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ إبان الزيارة الرجبية النبوية عرضنا عليه هذا الكتاب قارئين له بخدمته ، لائذين بحرم رأفته. مستهطلين سحاب إغاثته ، في خلوة من الجماعات ، المتكاثراث الشاغلات ، وأنشد مجده بعض من كان معنا ما اتفق من مخاطباتنا ومناقشاتنا ، وغير ذلك من كلام يناسب حالنا في مقام حاثين عزائمه على مبراتنا ، واجابة دعواتنا ولجأنا إليه إلتجاء الجدب الداثر إلى السحاب ، والمسافر المبعد إلى الاقتراب ، والمريض إلى زوال الاوصاب. وذي الحريض إلى إماطة مخاطر الفناء والذهاب ، ومن فعل ذلك من بعض أتباع مولانا ـ صلوات الله عليه ـ خليق باقتطاف ثمرات البغية من دوح يديه ، فكيف وهو الاصل الباذخ ، والملك العدل السامق الشامخ ، غير مستغش في خيبة سائلية ، وإجاء رجاء آمليه ، بل البناء على أن المسائل ناجحة وإن تأخرت ، والفواضل سانحة لدينه وإن تبعدت :

يلوح بافاق المناجح سعدها

وإن قذفت بالبعد عنها العوائق

كما الغيث يزجي في زمان وتارة

تخاف عزاليه الدواني الدوافق »

 أقوال العلماء فيه :

قال الخوانساري في روضات الجنات ـ بعد إطرائه ـ : « يروي عنه الشهيد بواسطة الشيخ علي بن أحمد المزيدي وابن معية وأمثالها ».

وفي أمل الآمل للحر العاملي ! « الحسن بن علي بن داود الحلي. كان عالما فاضلا جليلا صالحا محقق متبحرا من تلامذة المحقق نجم الدين الحلي يروي عنه الشهيد بواسطة ابن معية ».

وقال الشهيد الثاني في إجازته للحسين بن عبد الصمد العاملي ( والد الشيخ البهائي ) عند ذكر ابن داود : « الشيخ الفقيه الاديب

٧

النحوي العروضي ، ملك العلماء والشعراء والادباء ، تقي الدين الحسن ابن علي ابن داود الحلي. صاحب التصانيف الغزيرة ، والتحقيقات الكثيرة التي من جملتها ( كتاب الرجال ) سلك فيه مسلكا لم يسبقه أحد من الاصحاب. ومن وقف عليه علم جلية الحال فيما أشرنا إليه ، وله من التصانيف في الفقه نظما ونثرا مختصرا ومطولا. وفي العربي والمنطق والعروض وأصول الدين نحو من ثلاثين مصنفا كلها في غاية الجودة ».

وقال الشهيد في إجازته للشيخ محمد بن عبد علي بن نجدة ـ عند ذكره ـ : « الشيخ الامام سلان الادباء. ملك النظم والنثر المبرز في النحو والعروض ».

وقال الشيخ علي بن عبد العالي الكركي في إجازته الكبيرة للقاضي صفي الدين عيسى « الشيخ الامام سلطان الادباء والبلغاء. تاج المحدثين والفقهاء تقي الدين الحسن بن داود ، صاحب كتاب الرجال وغيره ».

وذكره السيد مصطفى التفريشي في ( نقد الرجال ) فقال : « الحسن بن علي بن داود من أصحابنا المجتهدين شيخ جليل من تلاميذ الامام المحقق نجم الدين أبي القاسم الحلي ، والامام المعظم ، فقيه أهل البيت ، جمال الدين ابن طاووسرحمه‌الله ، له أزيد من ثلاثين كتابا نظما ونثرا ، وله في علم الرجال كتاب معروف حسن الترتيب إلا أن فيه أغلاطا كثيرة ، غفر الله له » ونقل الميرزا محمد الاسترابادي في ( الوسيط ) عن التفريشي عين ما ذكره ولم يزد عليه.

وذكره المحقق الكركي أيضا في إجازته للشيخ الجليل الشيخ علي ابن عبد العالي الميسي. وولده الشيخ إبراهيم بن علي. ونعته بالشيخ الامام سلطان الادباء والبلغاء ، تاج المحدثين والفقهاء تقي الدين الحسن ابن داود ، أنظر الاجازة المذركوة في كتاب الاجازات الذي ألحقه المجلسي في آخر كتابه البحار ص(٥٦) وانظر العبارة المذكورة في نعته ( ص ٥١ )

٨

وفي مستدرك الوسائل للحاج ميرزا حسين النوريرحمه‌الله في الخاتمة ( ص ٤٤٢ ) : « الفاضل الاديب تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي ، المعروف بابن داود ، صاحب التصانيف الكثيرة التي منها كتاب الرجال ( الخ ). ».

وفي رياض العلماء للميرزا عبدالله أفندي : « الشيخ تقي الدين أبو محمد الحسن بن علي بن داود الحلي. الفقيه الجليل ، رئيس أهل الادب ، ورأس أرباب الرتب العالم الفاضل الرجالي النبيل المعروف بابن داود صاحب كتاب الرجال. وقد يعبر عنه بالحسن بن داود اختصارا ، من باب النسبة إلى الجد ، وهذا الشيخ حاله في الجلالة أشهر من أن يذكر ، وأكثر من أن يسطر ، وكان شريكا ، في الدرس مع السيد عبد الكريم ابن جمال الدين أحمد بن طاووس الحلي عند المحقق وغيره ، وله سبط فاضل وهو الشيخ أبو طالب بن رجب ».

وأبو طالب ـ هذا ـ يقال : هو العالم الذي ينقل عنه دعاء الجوشن الكبير وشرحه ، كذا ذكره شيخنا العلامة المحدث الشيخ عباس القميرحمه‌الله عند ترجمته. في الكنى والالقاب.

وفي سماء المقال في تحقيق علم الرجال. للعلامة أبي الهدى الكلباسي الاصفهاني ( ص ٩١ ) : « قطب دائرة العلم والكمال. ومركز محيط الفضل والافضال ، مالك أزمة الفاضل بالقض والقضيض ، وممتد الباع في السجع والقريض ، الفاتح لباب الفضل المسدود ، الحسن بن علي بن داود ».

وفي الكنى والالقاب لشيخنا العلامة المتبحر ( ج ١ ـ ص ٢٧١ ) : « تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي. الشيخ العالم الفاضل الجليل الفقيه المتبحر صاحب كتاب الرجال ونظم التبصرة وغيرهما مما ينوف على الثلاثين ».

٩

وأطراه جل أهل المعاجم الرجالية ، ونعتوه بالعلم والفضل والادب.

مؤلفاته :

ذكر جملة من مؤلفاته في ترجمة نفسه من الكتاب ، ولولاها لضاعت أسماؤها كما ضاعت هي نفسها ، فانه لا يعرف منها اليوم غير كتاب الرجال ، قال : منها في الفقيه ( تحصيل المنافع ) ، قال صاحب ( رياض العلماء ) : « لعله شرح على الشرايع أو المختصر النافع ، وسماه سبط الشيخ علي الكركي في رسالة اللمعة في تحقيق أمر الجمعة ـ إيضاح المنافع » قال سيدنا المحسن الامينرحمه‌الله في أعيان الشيعة : توجد نسخته في مكتبة السد اسد الله باصفهان.

ثم ذكر المؤمن بقية مؤلفاته في ترجمة نفسه ، فراجعها ، ولعل له تآليف أخرى بعد تاريخ تأليفه لكتاب الرجال.

قال سيدنا المحسن الامينقدس‌سره « وجدنا له منظومة في الامامة وهي حسنة الاسلوب جيدة النظم ، سهلة الفهم ، ويمكن أن تكون الواقعة المذكورة فيها حقيقية ، ويمكن أن تكون خيالية تصويرية. ولعلها إحدى المنظومات التي ذكرها في مؤلفاته. قال فيها ـ بعد الحمد والصلاة والشكر على نعمة مجاورة قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام :

وقد جرت لي قصة غريبة

قد نتجت قضية عجيبة

فاعتبروا فيها ففيها معتبر

يغني عن الاغراق في قوس النظر

حضرت في بغداد دار علم

فيها جبال نظر وفهم

في كل يوم لهم مجال

تدنو به الاوجال والآجال

لابد أن يسفر عن جريح

بصارم الحجة أو طريح

لما اطمأنت بهم المجالس

ووضعت لاماتها الفوارس

١٠

واجتمع المدرسون الاربعة

في خلوة اراؤهم مجتمعة

حضرت في مجلسهم فقالوا

أنت فقيه وهنا سؤال

ماذا ترى أحق بالتقدم

بعد رسول الله هادي الامم

فقلت فيه نظر يحتاج

أن يترك العناد واللجاج

وكلنا ذووا عقول ونظر

وفكرة صالحة ومعتبر

فلنفرض الآن قضي النبي

واجتمع الدني والقصي

وأنتم مكان أهل العقد

والحل بل فوقهم في النقد

فالتزموا قواعد الانصاف

فانها من شم الاشراف

لما قضي النبي قال الاكثر

إن أبا بكر هو المؤمر

وقال قوم ذاك للعباس

وانقرضوا وقال باقي الناس

ذاك علي والجميع مدعي

أن سواه للمحال يدعي

فهل ترون أنه لما قضى

نصل على خليفة أم فوصنا

ترتيبه بعد إلى الرعايا

ليجمعوا على الامام رايا

إلى (١٠٨) بيتا في المحاججة برهن فيها على رأيه في إمامة علي أمير المؤمنين ( ع ) ورد مخالفيه ، راجعها في أعيان الشيعة ( ج ٢٢ ـ ص ٣٢٣ ـ ٣٤٩ ).

التعريف بكتاب الرجال :

قد عرفت قول الشهيد الثانيرحمه‌الله في إجازته للشيخ حسين ابن عبد الصمد العاملي ـ عند ذكره رجال ابن داود ـ : « سلك فيه مسلكا لم يسبقه أحد من الاصحاب ».

وقال صاحب أمل الآمل : « سلوكه في كتاب الرجال أنه رتبه على الحروف الاول فالاول في الاسماء وأسماء الآباء والاجداد ، وجمع جميع

١١

ما وصل إليه من كتب الرجال مع حسن الترتيب وزيادة التهذيب ، فنقل ما في فهرستي الشيخ والنجاشي ، والكشي ، وكتاب الرجال للشيخ ، وكتاب ابن الغضائري ، والبرقي والعقيقي ، وابن عقدة ، والفضل بن شاذان ، وابن عبدون ، وغيرها ، وجعل لكل كتاب علامة ، بل لكل باب حرفا أو حرفين ، وضبط الاسماء ، ولم يذكر من المتأخرين عن الشيخ إلا أسماء يسيرة ».

ومر قول صاحب النقد : « إن كتاب الرجال حسن الترتيب إلا أن فيه أغلاطا كثيرة ».

وقد أحصى الاغلاط العلامة المحقق أبو الهدى الكلباسي الاصفهانيرحمه‌الله في ( ص ٩٢ ) من كتابه ( سماء المقال في تحقيق علم الرجال ) المطبوع بايران ( قم ) سنة ١٣٧٢ ه‍ ، فراجعه.

وفي أمل الآمل قال : « وكأنه ـ أي صاحب النقد ـ أشار إلى اعتراضاته على العلامة وتعريضاته به ، وحو ذلك مما ذكره ميرزا محمد في كتاب الرجال ونبه عليه ».

ولكن الاغلاط الكثيرة التي أشار إليها ليست هي ما ظنه صاحب الامل ، فان اعتراضاته على العلامة ربما كان مصيبا في اكثرها ، ولا يقال في مثلها أغلاط ، سواء أكانت حقا أم باطلا ، بل المراد بالاغلاط أنه كثرا ما يذكر الكشي ويكون الصواب النجاشي ، أو ينقل عن كتاب ما ليس فيه ، واشتباه رجلين بواحد ، وجعل الواحد رجلين ، أو نحو ذلك من الاغلاط في ضبط الاسماء. وغير ذلك. وقد بينها أصحاب كتب الرجال ، ومنهم صاحب النقد التفريشي. ولم يتعرض لشئ مما ظنه صاحب الامل ، ونعم ما قال صاحب النقد من أن كتابه حسن الترتيب إلا أن فيه أغلاطا كثيرة ـ غفر الله له ـ فكتابه في الحقيقة ليس فيه شيء من الحسن زائدا على غيره ، بل هو دون غيره ، وليس فيه إلا حسن

١٢

الترتيب على حروف المعجم في الاسماء. وأسماء الآباد والاجداد ، فانه أول من سلك هذا المسلك من أصحابنا ، وتبعه من عبده إلى اليوم. وقال في أول كتابه : « وهذه لجة لم يسبقني أحد من أصحابنا ( رضوان الله عليهم ) إلى خوض غمرها. وقاعدة أنا أبو عذرها ».

وهو كمال قال : والرجاليون منا ومن غيرنا وإن رتبوا كتبهم على حروف المعجم إلا أن ذلك الترتيب كان ناقصا. فهم يذكرون حسن قبل حسان. وحسن بن علي قبل حسن بن أحمد ، وهو أول من التفت ة لى هذا النقص وتداركه من أصحابنا. أما من غيرنا فلست أعلم أول من فعل ذلك ، وهذا يدل على جودة قريحته وحسن تفكيره. ثم هو أول من رمز إلى أسماء الكتب والرجال في كتب الرجال من أصحابنا وتبعه من بعده إلى اليوم طلبا لاختصار. ولكن قد يوقع في الاشتباه ويحتمل أن يكون بعض الاغلاط التي وقعت في كتابه. منشؤه ذلك ، فهو وإن أحسن في ذكل الترتيب وأتى بما لم يسبق إليه لكنه وقع في تلك الاغلاط بسبب قلة المراجعة وامعان النظر ، قال ذلك سيدنا المحسن الامين في الاعيان.

واعتذر صاحب ( رياض العلماء ) عنه ( بان نقله من كتب الاصحاب ما ليس فيها لى سمما فيه طعن عليه إذ أكثر ذلك نشأ من اختلاف النسخ وزياد المولفين في كتبهم بعد اشتهاد بعض نسخها بدون تلك الزيادة كما يشاهد في مؤلفات معاصرينا أيضا ، ولا سيما كتب الرجال التي يزيد فيها مؤلفوها الاسامي والاحول يوما فيوما. ورأيت نظير ذلك في فهرست منتجب الدين ، وفهرست الشيخ الطوسي. ورجال النجاشي وغيرها ، حتى أني رأيت في بلدة ( ساري ) نسخة من خلاصة العلامة كتبها تلميذه في عصره وعليها خطه. وفيها اختلاف شديد مع النسخ المشهورة. بل لم يكن فيها كثير من الاسامي والاحوال المذكورة في

١٣

النسخ المتداولة ).

واعترض سيدنا المحسن الامينرحمه‌الله على ما ذكره صاحب ( رياض العلماء ) بقوله : « الناظر في كتاب ابن داود يعلم أن منشأ تلك الاغلاط ليس هو اختلاف النسخ ، مع أن اختلاف النسخ ليس بالنسبة إلى ابن داود وحده فلماذا وقعت تلك الاغلاط الكثيرة في كتابه ولم تقع في كتب غيره ».

وفي كتاب رجال سيدنا الحجة ( بحر العلوم ) نقلا عن كتاب إيجاز المقال في معرفة الرجال للشيخ فرج الله بن محمد بن درويش بن الحسين بن حماد بن أكبر الحويزي معاصر المحدث الحر العاملي ـ بعد ترجمة لصاحب الكتاب ـ قال : وقد طعن على كتابه بعض المتأخرين ـ يريد صاحب النقد التفريشي ـ ولعمري :

ما أنصف الصهباء من

ضحكت إلى وقد عبس

ثم قال السيد بحر العلومقدس‌سره :

قد أنصف الصهباء من

عنها يزيل ما التبس

وقال العلامة المحدث النوريرحمه‌الله في خاتمة مستدرك الوسائل ( ص ٤٤٢ ) : « إن الناس في هذا الكتاب بين غال ومفرط ومقتصد ( فمن الاول ) الشيخ حسين بن عبد الصمد ( والد البهائي ) فقال في كتاب درايته » وكتاب ابن داود في الرجال مغن لنا عن جميع ما صنف في هذا الفن ، وإنما اعتمادنا الآن في ذلك عليه ، ( ومن الثاني ) المولى عبدالله التستري فقال في شرحه على التهذيب ، في شرح سند الحديث الاول منه في جملة كلام له : « ولا يعتمد على ما ذكره ابن داود في باب محمد بن أورمة ، لان كتاب ابن داود لم أجده صالحا للاعتماد ، لما ظفرنا عليه من الخلل الكثير في النقل عن المتقدمين وفى نقد الرجال والتمييز بينهم ، ويظهر ذلك بادنى تتبع للمولود التي نقل

١٤

ما في كتابه منها ، « ( ومن الثالث ) جل الاصحاب فتراهم يسلكون بكتابه سلوكهم بنظائره ».

قال سيدنا المحسن الامين ـ بعد أن نقل هذا الكلام ـ عن المحدث النوري : « قد عرفت أن أحسن ما وصف به هذا الكتاب هو كلام صاحب النقد ( أي السيد مصطفى التفريشي ) ومنه يعلم أن كلام صاحب إيجاز المقال جزاف من القول ، وكذا كلام والد البهائي فانه لا يغني عن غيره أصلا ، وأن كلام التستري ليس بعيدا عن الصواب. وصاحب النقد هو تلميذه ».

وقال المولى أبو علي الحائري في ( منتهى المقال في الرجال ) ـ بعد أن ذكر كلام صاحب نقد الرجال من أن في كتاب رجال ابن داود أغلاطا كثيرة ، وكلام صاحب أمل الآمل من قوله : « وكأنه أشار إلى اعتراضه على العلامة وتعريضاته به ونحو ذلك » ما هذا نصه : « ليس الامر كما ذكره بل مرادهرحمه‌الله ما في كتابه من الخبط وعدم الضبط فانك تراه كثيرا ما يقول : ( جش ) والذي ينبغي ( كش ) أو يقول : ( كش ) وهو ( جخ ) أو يقول : ( جخ ) وليس فيه منه أثر ، وربما يستنبط المدح بل الوثاقة مما لا رائحة منه فيه ، وربما يستنبط من مواضع آخر وينسبه إليها إلى غير ذلك ، ولعله خطه كان رديا. وكان كل ناسخ يكتب حسبما يفهمه منه ، ولم تعرض النسخة عليه فبقيت سقيمة ولم تصحح. وأما أعتراضاته وتعريضاته ( أي بالعلامة ) فهي في تراجم الكلمات لا غير ، وهو يصيب في جلها لم نقل في كلها كما يظهر من ( التوضيح ) ـ أي العلامة ـ وغيره ، فلا اعتراض عليه من جهتها ، ولا هي أغلاط. فافهم ».

وما ذكره صاحب منتهى المقال من قوله : ( لعل خطه كان رديا ) لا يوافقه عليه أحد من أرباب المعاجم. فأن خط ابن داود كان حسنا

١٥

وغير رديء فأن صاحب ( رياض العلماء ) يقول في ترجمة ابن داود ما هذا نصه : « إني رأيت خطه الشريف ولا يخلو من جودة » ويحدثنا العلامة المحدث النوري في خاتمة مستدرك الوسائل بما نصه : « وعندي كتاب نقض العثمانية للسيد الاجل أحمد بن طاووس ، بخط هذا الشيخ وخطه كأسمه حسن جيد وقد قرئ عليه وتاريخ الكتابة سنة ٦٦٥ ». ومثله قال الشيخ عباس القميرحمه‌الله الفوائد الرضوية ( ص ١٠٩ ) عند ترجتمه لابن داود « رأيت كتاب نقض العثمانية ( يريد كتاب بناء المقالة العلوية في نقض الرسالة العثمانية للسيد الاجل أحمد ابن طاووس ) بخط هذا الشيخ ، وخطه كأسمه حسن ، وقد قرئ عليه ، وتاريخ كتابته سنة ٦٦٥ ه‍ » كأنه يشير إلى النسخة التي نوهنا عنها سابقا والتي وهي في ( مكتبة دانشكاه بطهران ) والتي على ظهرها وآخرها قصائد بخطه الجيد لاستاذه ابن طاووس في أهل البيتعليهم‌السلام .

والذي يترجح في النظر أن تبدل رمز ( جش ) برمز ( كش ) وكذا بعض التغييرات جاء من اختلاف النسخ. فان ابن داود حين تأليفه للكتاب كانت عنده المصادر التي ينقل عنها في كتابه وقد نقل في اكثر التراجم عن الكتابين المذكورين نقلا صحيحا ومن المستبعد ان يغفل عن النقل الصحيح ويغير رمز ( جش ) إلى رمز ( كش ) وكذا بعض التغييرات ، والحق أن نسبة الخبط وعدم الضبط إليه كلية إجحاف بحقه ، ولاننكران فيه بعض الخبط منه. ونحن رجعنا إلى المصادق التي ينقل عنها صاحب الكتاب وأبدلنا رمز ( كش ) برمز ( جش ) في بعض الموارد التي جاء فيها الاشتباه ، كما أنا حققنا الكتاب تحقيقا دقيقا وصححناه بالرجوع إلى المصادر الصحيحة التي بايدينا. وعلقنا عليه بعض التعليقات المهمة. فجاءت هذه النسخة غاية في الصحة وتمتاز عن النسخة المطبوعة بمطبعة ( دانشكاه طهران سنة ١٣٨٣ ه‍ ) ، والتي جاء فيها تحريفات

١٦

وتصحيفات كثيرة.

ذكرنا ـ آنفا ـ أن ابن داود قد اكثر في رجاله من الايراد على العلامة في توضيح الالفاظ والانساب ، معبرا عنه في موارد عديدة ببعض الاصحاب ، حتى أنه كثيرا ما ينبه إلى الوهم والغلط.

( فمن الاول ) : ما قاله في زر بن حبيش : « بالحاء والمهملة المضمومة والباء المفردة والياء المثناة من تحت والشين العجمة. ومن أصحابنا من صحفه بالسين المهملة. وهو وهم « ـ أنظر رجال العلامة ـ الخلاصة ـ ( ص ٧٦ ) رقم(١) طبع النجف الاشرف ، وقال في زريق بن مرزق ثقة وبعض أصحابنا إلتبس عليه حاله فتوهم انه ( رزيق ) بتقديم المهملة وأثبته في باب الراء » ـ أنظر رجال العلامة ( ص ٧٣ ـ رقم ٩ ).

( ومن الثاني ) : ما ذكره في خالد بن نجيح الجوان « بالجيم والنون ، بياع الجون ، ، ورأيت في تصنيف بعض أصحابنا : خالد الحوار ، وهو غلط » ـ أنظر رجال العلامة ( ص ٦٥ ـ رقم ٤ ) وذكر في داود ابن أبي يزيد : « إسمه ( زنكان ) بالزاي والنون المفتوحتين ، أبو سليمان النيشابوري ، واشتبه إسم أبي يزيد على بعض أصحابنا فأثبته ( زنكار ) بالراء بعد الالف وهو غلط » ـ أنظر رجال العلامة ( ص ٦٨ ـ رقم ٤ ) ونحوها غيرها من المواضع المتعددة.

ومن الغريب ما ذكره في داود بن فرقد من أنه « اشتبه على بعض الاصحاب اسم أبيه ، فقال : ( ابن مرقد ) بالميم ، وهو غلط » مع أن عبارة ( خلاصة العلامة ) المخطوطة والمطبوعة ( ص ٦٨ ـ رقم ٢ ) بالفاء ، بل صرح العلامة في ( إيضاح الاشتباه ) ـ ص ٣٦ ـ طبع إيران « بفتح الفاء وإسكان الراء والقاف والدال المهملة ».

كما أن من الغريب ذكره ( عبدالله بن شبرمة الكوفي ) في القسم الاول من كتابه الموضوع للموثقين ، مع أن الظاهر ـ كما صرح به في

١٧

منتهى المقال ـ أنه من العامة ، كما ذكره ابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ـ ج ٥ ـ ص ٢٥٠ ) طبع حيدر آباد دكن ، فقال : « وقال عبدالله بن داود عن الثوري : فهاؤنا ابن شبرمة وابن أبي ليلى ، وقال العجلي : كان قاضيا على السواد لابي جعفر ( أي المنصور الدوانيقي ) وكان الثوري إذا قيل له : من مفتيكم ؟ يقول : ابن أبي ليلى وابن شبرمة » ولد سنة ٧٢ ه‍ ، وتوفي سنة ١٤٤ ه‍ كما قاله ابن حجر.

ولقد أجاد العلامة الحليرحمه‌الله حيث ذكره في القسم الثاني من الخلاصة ـ أنظر ( ص ٢٣٦ ـ رقم ٥ ).

وعده الملجسيرحمه‌الله في الوجيزة ( ص ١٥٦ ) من الضعاف ، وكذا غيرهما من أصحابنا الامامية ، وأرباب المعاجم الرجالية.

إن ابن داود في كتاب رجاله ـ هذا ـ له مسك خاص ، وذلك أنه إن رمز بحروف ( لم جخ ) أراد بذلك عد الشيخ الطوسي الرجل المترجم له في رجاله ممن لم يرو عن الائمة ( ع ) وإن رمز بحرفي ( لم ) فقط ، كان ذلك منه إشارة إلى خلو رجال النجاشي من نسبة الرواية عن الامام ( ع ) إلى الرجل ، فكل من لم ينسب النجاشي إليه الرواية عن إمام ( ع ) رمز له ابن داود بحرفي ( لم ) مجردا عن حرفي ( جخ ) وقد خفي ذلك على بعض أرباب المعاجم كالميرزا محمد الاسترابادي في ( منهج المقال ) والشيخ أبي علي الحائري في ( منتهى المقال ) وغيرهما ، وقد كثر منهم الاعتراض على ابن داود في موارد عديدة رمز فيها بحرفي ( لم ) مع خلو رجال الشيخرحمه‌الله عن ذلك ، ولم يلتفتوا إلى أنه إذا رمز بحرفي ( لم ) مجردا عن حرفي ( جخ ) لم يرد أن الشيخ عده ممن لم يرو عنهم ( ع ) وإنما يريد ذلك حيث عقب حرفي ( لم ) بحرفي ( جخ ) فقال ( لم جخ ).

١٨

ويؤيد ما ذكرناه ما أورده المحقق الميردامادرحمه‌الله في الراشحة السابعة عشرة من كتابه ( الرواشح السماوية ) ـ طبع إيران سنة ١٣١١ ه‍. فقال ما نصه : « إن الشيخ أبا العباس النجاشي قد علم من ديدنه الذي هو عليه في كتابه ، وعهد من سيرته التي قد التزمها فيه : أنه إذا كان لمن يذكره من الرجال رواية عن أحدهم ( ع ) فانه يورد ذلك في ترجمته أو في ترجمة رجل آخر غيره ، إما من طريق الحكم به أو على سبيل النقل عن نافل ، فمهما أهمل القول فيه فذلك آية أن الرجل عنده من طبقة من لم يرو عنهم ( ع ) وكذلك كل من فيه مطعن وغميزة فانه يلتزم ايراد ذلك البتة إما في ترجمة الرجل أو ذكره من دون ارداف ذلك بمدح أو ذم أصلا كان ذلك آية ان الرجل سالم عنده عن كل مغمز ومطعن فالشيخ تقي الدين بن داود حيث أنه يعلم هذا الاصطلاح فكلما رأى ترجمة رجل في كتاب النجاشي خالية عن نسبته إليهم ( ع ) بالرواية عن أحد منهم ( ع ) أورده في كتابه ، وقال ( لم جش ) وكلما رأى ذكر رجل في كتاب النجاشي مجردا عن إيراد غمز فيه أورده في قسم الممدوحين من كتابه مقتصرا على ذكره ، أو قائلا : [ جش ] ممدوح ، والقاصرون عن تعرف الاساليب والاصطلاحات كلما رأوا ذلك في كتابه اعترضوا عليه بان النجاشي لم يقل [ لم ] ولم يأت بمدح أو ذم ، بل ذكر الرجل وسكت عن الزائد عن أصل ذكره ، فإذا قد استبان لك أن من يذكره النجاشي من غير ذم ومدح يكون سليما عنده عن الطعن في مذهبه ، وعن القدح في روايته ، فيكون بحسب ذلك طريق الحديث من جهته قويا لا حسنا ولا موثقا ، وكذلك من اقتصر الحسن بن داود على مجرد ذكره في قسم الممدوحين من غير مدح وقدح يكون الطريق بحسبه قويا ».

١٩

وله أيضا ملك آخر في كتابه ـ هذا ـ فانه كثيرا ما يلخص الترجمة من الكشي والنجاشي وفهرست الشيخ ورجاله ، ويزيد عليها ، بعض الجمل منه ، وربما يستقل بالترجمة وحده ، وهذا لا يخفى على من سبر كتابه بدقة ، وقد صرح بذلك في مقدمته.

وذكر صاحب الكتاب في آخر القسم الاول بعنوان خاص جماعة قال النجاشي في كل منهم [ ثقة ثقة ] مرتين عدتهم أربعة وثلاثون رجلا ، مرتبين على حروف الهجاء ، وقد ذكرهم في أبوابهم من الكتاب.

ثم قال : « وقد ذكر ابن الغضائري في كتابه خمسة رجال زيادة على ما قاله النجاشي كل منهم ثقة ثقة مرتين ، وهم : علي بن حسان الواسطي ، محمد بن قيس أبو نصر الاسدي ، محمد بن الحسن بن الوليد أبو جعفر ، محمد بن محمد بن رباط ، هشام بن سالم الجواليقي ».

ولكن محمد بن الحسن بن الوليد أبا جعفر هو بعينه الذي ذكره في عدة النجاشي بعنون محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد نزيل قم ، ونسبه الغضائري إلى جده الثاني ، وهو متعارف.

ثم ذكر خمسة فصول لا غنى للباحثين عنها ، كل فصل معنون بعنوان خاص.

ثم ذكر في آخر القسم الثاني سبعة عشر فصلا لا يستغني عنها الباحثون كل فصل معنوان بعنوان خاص أيضا.

ثم أورد تنبيهات تسعة يحتاج إليها الباحثون في علم الرجال.

شعره :

هو مكثر من نظم الاراجيز الشعرية في جملة من الفنون العلمية. وذلك إن دل على شيء فانما يدل على انه ذو قريحة في النظم جيدة ،

٢٠

أمّا المعجزة الثّانية التي أمر موسى أن يظهرها ، فهي اليد البيضاء ، إذ تقول الآية :( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) .

والقيد( مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) إشارة إلى أن بياض اليد ليس من برص ونحوه ، بل هو بياض نوراني يلفت النظر ، وهو بنفسه كاشف عن إعجاز وأمر خارق للعادة : ومن أجل أن يظهر الله تعالى عنايته ولطفه لموسى أكثر ، وكذلك منح الفرصة للمنحرفين للهداية أكثر ، قال لموسى بأن معاجزه ليست منحصرة بالمعجزتين الآنفتين ، بل( فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) (١) .

ويستفاد من ظاهر الآية أن هاتين المعجزتين من مجموع تسع معاجز «آيات» موسى المعروفة ، وقد استنتجنا ذلك من الآية (١٠١) من سورة الإسراء ، وإن المعاجز السبع الأخر هي :

١ ـ الطوفان ٢ ـ الجراد ٣ ـ كثرة الضفادع ٤ ـ تبدل لون نهر النيل كلون الدم ٥ ـ الآفات في النباتات. وكل واحدة من هذه المعاجز الخمس تعدّ إنذارا لفرعون وقومه ، فكانوا عند البلاء يلجأون إلى موسى ليرفع عنهم ذلك.

أمّا المعجزتان الأخريان فهما ٦ ـ القحط «السنين» ٧ ـ ونقص الثمرات. إذ أشارت إليهما الآية (١٣٠) من سورة الأعراف فقالت :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) «ولمزيد الإيضاح يراجع الجزء التاسع من التّفسير الأمثل ذيل الآية (١٠١) من سورة الإسراء».

وأخيرا تعبّأ موسى بأقوى سلاح ـ من المعاجز ـ فجاء إلى فرعون وقومه يدعوهم إلى الحق ، كما يصرح القرآن بذلك في آيته التالية( فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .

ومعلوم أنّ هذا الاتّهام «بالسحر» لم يكن خاصّا بموسىعليه‌السلام ، بل اتّخذه

__________________

(١) الجار والمجرور «في تسع آيات» إمّا متعلقان بجملة (اذهب) أو بأحد أفعال العموم المقدرة وقد تكون (في) بمعنى (مع) و (إلى فرعون) متعلق بالجملة ذاتها ، أو بجملة أنت مرسل بها المفهومة من السياق تقديرا.

٢١

المعاندون ذريعة بوجه الأنبياء ، ليجعلوه سدّا في طريق الآخرين ، والاتّهام بنفسه دليل واضح على عظمة ما يصدر من الأنبياء خارقا للعادة ، بحيث اتّهموه بالسحر.

مع أنّنا نعرف أن الأنبياء كانوا رجالا صالحين صادقين طلّاب حق مخلصين ، أمّا السحرة فهم منحرفون ماديّون تتوفر فيهم جميع صفات المدلّسين «أصحاب التزوير».

وإضافة إلى ذلك فإن السحرة كانت لديهم قدرة محدودة على الأعمال الخارقة ، إلّا أنّ الأنبياء فقد كان محتوى دعوتهم ومنهاجهم وسلوكهم يكشف عن حقانيتهم ، وكانوا يقومون بأعمال غير محدودة ، بحيث كان ما يقومون به معجزا لا يشبه سحر السحرة أبدا.

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن يضيف في آخر الآية ـ محل البحث ـ قائلا : إنّ هذا الاتهام لم يكن لأنّهم كانوا في شك من أمرهم ومترددين فعلا ، بل كذبوا معاجز أنبيائهم مع علمهم بحقانيتها( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ) .

ويستفاد من هذا التعبير أنّ الإيمان له حقيقة وواقعية غير العلم واليقين ، ويمكن أن يقع الكفر جحودا وإنكارا بالرغم من العلم بالشيء!.

وبعبارة أخرى : إنّ حقيقة الإيمان هي الإذعان والتسليم ـ في الباطن والظاهر ـ للحقّ ، فبناء على ذلك إذا كان الإنسان مستيقنا بشيء ما ، إلّا أنّه لا يذعن له في الباطن أو الظاهر فليس له إيمان. بل هو ذو كفر جحودي ، وهذا موضوع مفصل ، ونكتفي هنا بهذه الاشارة.

لذلك فإنّنا نقرأ حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام يذكر فيه ضمن عدّه أقسام الكفر الخمسة «كفر الجحود» ويبيّن بعض شعبه بالتعبير التالي (هو أنّ يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حق قد استقرّ عنده).(١)

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب وجوه الكفر ص ٢٨٧.

٢٢

وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ القرآن يعد الباعث على إنكار فرعون وقومه أمرين : الأوّل الظلم ، والثّاني العلوّ :( ظُلْماً وَعُلُوًّا ) .

ولعل «الظلم» إشارة إلى غصب حقوق الآخرين ، و «العلوّ» إشارة إلى طلب التفوّق على بني إسرائيل.

أي إنّهم كانوا يرون أنّهم إذا أذعنوا لموسىعليه‌السلام وآمنوا به وبآياته ، فإنّ منافعهم غير المشروعة ستكون في خطر ، كما أنّهم سيكونون مع رقيقهم «بنى إسرائيل» جنبا إلى جنب ، ولا يمكنهم تحمل ايّ من هذين الأمرين.

أو أنّ المراد من الظلم هو ظلم النفس أو الظلم بالآيات ، وأنّ المراد من العلوّ هو الظلم للآخرين ، كما جاء في الآية (٩) من سورة الأعراف( بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ ) .

وعلى كل حال ، فإنّ القرآن يذكر عاقبة فرعون وقومه على أنّه درس من دروس العبرة ، في جملة موجزة ذات معنى كبير ، مشيرا إلى هلاكهم وغرقهم فيقول :( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .

والقرآن هنا لا يرفع الستار عن هذه العاقبة ، لأنّ قصّة هؤلاء الكفرة ونهايتهم الوخيمة ذكرها في آيات أخرى واكتفى هنا بالاشارة الى تلك الآيات ليفهم من يفهم.

والقرآن يعوّل ـ ضمنا على كلمة (مفسد) مكان ذكر جميع صفاتهم السيئة ، لأنّ الإفساد له مفهوم جامع يشمل الإفساد في العقيدة ، والإفساد في الأقوال والأعمال ، والإفساد على المستوى الفردي ، والمستوى الجماعي ، فجمع كلّ أعمالهم في كلمة (المفسدين).

* * *

٢٣

الآيتان

( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) )

التّفسير

حكومة داود وسليمانعليهما‌السلام :

بعد الكلام عن جانب من قصّة موسىعليه‌السلام في هذه السورة ، يجري الكلام عن نبيّين آخرين من الأنبياء العظام ، وهما «داود» و «سليمان» والكلام على داود لا يتجاوز الإشارة العابرة ، إلّا أنّ الكلام على سليمان أكثر استيعابا.

وذكر هذا المقطع من قصّة هذين النبيّين بعد قصّة موسىعليه‌السلام ، لأنّهما كانا من أنبياء بني إسرائيل أيضا ، وما نجده من اختلاف بين تأريخهما وتاريخ الأنبياء الآخرين ، هو أنّهما ـ ونتيجة للاستعداد الفكري وملائمة المحيط الاجتماعي في عهدهما ـ قد وفّقا إلى تأسيس حكومة عظيمة ، وأن ينشرا بالاستعانة والإفادة من حكومتهما دين الله ، لذلك لا نجد هنا أثرا أو خبرا عمّا عهدناه من أسلوب في تلك الآيات التي كانت تتكلم عن الأنبياء الآخرين ، وهم يواجهون قومهم

٢٤

المعاندين ، وربّما نالوا منهم الأذى والطرد والإخراج من مدنهم وقراهم فالتعابير هنا تختلف عن تلكم التعابير تماما.

ويدلّ هذا بوضوح أنّه لو كان المصلحون والدعاة إلى الله يوفقون إلى تشكيل حكومة لما بقيت معضلة ولغدا طريقهم معبدا سالكا.

وعلى كل حال ، فالكلام هنا عن العلم والقدرة والعظمة ، وعن طاعة الآخرين حتى الجن والشياطين لحكومة الله وعن تسليم الطير في الهواء والموجودات الأخر لحكومة الله!.

وأخيرا ، فإنّ الكلام عن مكافحة عبادة الأصنام عن طريق الدعوة المنطقية ، ثمّ الإفادة من قدرة الحكومة!.

وهذه الأمور هي التي ميّزت قصّة هذين النبيّين عن الأنبياء الآخرين.

الطريف ، أن القرآن يبدأ من مسألة «موهبة العلم» التي هي أساس الحكومة الصالحة القوية ، فيقول :( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ) .

وبالرغم من أن كثيرا من المفسّرين أجهدوا أنفسهم وأتعبوها ليعرفوا هذا العلم الذي أوتيه سليمان وداود ، لأنّه جاء في الآية بصورة مغلقة فقال بعضهم : هو علم القضاء ، بقرينة الآية (٢٠) من سورة ص :( وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) والآية (٧٩) من سورة الأنبياء( وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ) .

وقال بعضهم : إن هذا العلم هو معرفة منطق الطير بقرينة الآية( عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) .

وقال بعضهم : «إن المراد من هذا العلم هو صنعة الدروع ، بقرينة( صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ) .

إلّا أن من الواضح أن العلم هنا له مفهوم واسع ، بحيث يحمل في نفسه علم التوحيد والإعتقادات المذهبية والقوانين الدينية ، وكذلك علم القضاء ، وجميع العلوم التي ينبغي توفرها لمثل هذه الحكومة الواسعة القوية لأنّ تأسيس

٢٥

حكومة إلهية على أساس العدل وحضارة عامرة حرّة دون الإفادة من علم واسع غير ممكن وهكذا فإنّ القرآن يعدّ مقام العلم لتشكيل حكومة صالحة أوّل حجر أساس لها!.

وبعد هذه الجملة ينقل القرآن ما قاله داود وسليمان من ثناء لله :( وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

والذي يجلب النظر هو أنّه بعد بيان هذه الموهبة الكبيرة «العلم» يجري الكلام عن «الشكر» مباشرة ليكون واضحا أنّ كل نعمة لا بدّ لها من شكر ، وحقيقة الشكر هو أنّ يستفاد من النعمة في طريقها الذي خلقت من أجله.

وهذان النبيّان العظيمانعليهما‌السلام استفادا من نعمة علمهما الاستفادة القصوى في تنظيم حكومة إلهية.

وقد جعل داود وسليمان معيار تفضيلهما على الآخرين «العلم» لا القدرة ولا الحكومة ، وعدّا الشكر للعلم لا لغيره من المواهب ، لأنّ كلّ قيمة هي من أجل العلم ، وكلّ قدرة تعتمد أساسا على العلم.

والجدير بالذكر أنّهما يشكران الله ويحمدانه لتفضيلهما ولحكومتهما على امّة مؤمنة لأنّ الحكومة على امّة فاسدة غير مؤمنة ليست مدعاة للفخر!

وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو : لم قال داود وسليمان( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) ولم يقولا على عباده المؤمنين جميعا ، مع أنّهما كانا نبيّين ، وهما أفضل أهل عصرهما؟

ولعلّ هذا التعبير رعاية لأصول الأدب والتواضع ، إذ على الإنسان أن لا يرى نفسه أفضل من الجميع في أي مقام كان!

أو لأنّهما كانا ينظران إلى جميع الأزمنة ، ولم ينظرا إلى مقطع زمنيّ خاص ، ونعرف أن على مدى التأريخ يوجد أنبياء كانوا أفضل منهما.

والآية التالية تتكلم على إرث سليمان أباه داود أولا ، فتقول :( وَوَرِثَ

٢٦

سُلَيْمانُ داوُدَ ) .

وهناك كلام بين المفسّرين في المراد من الإرث هنا ، ما هو؟

فقال بعضهم : هو ميراث العلم فحسب لأنّ في تصورهم أنّ الأنبياء لا يورثون.

وقال بعضهم : هو ميراث المال والحكومة ، لأنّ هذا المفهوم يتداعى إلى الذهن قبل أي مفهوم آخر.

وقال بعضهم : هو منطق الطير.

ولكن مع الالتفات إلى أنّ الآية مطلقة ، وقد جاء في الجمل التالية الكلام على العلم وعن جميع المواهب( أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) فلا دليل على حصر مفهوم الآية وجعله محدودا ، فبناء على ذلك فإنّ سليمان ورث كل شيء عن أبيه.

وفي الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّهم كانوا يستدلون بهذه الآية على عدم صحة ما نسب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة» وأنّه ساقط من الإعتبار لمخالفته كتاب الله.

وفي بعض الأحاديث عن أهل البيت أنّه لما أجمع أبو بكر على أخذ فدك من فاطمةعليها‌السلام ، محتجّا بالحديث آنف الذكر ، جاءته فاطمةعليها‌السلام فقالت : (يا أبا بكر ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريّا ، فعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ، إذ يقول :( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (١) .

ثمّ تضيف الآية حاكية عن لسان سليمان( وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) .

وبالرغم من ادعاء بعضهم أن تعبير النطق والكلام في شأن غير الناس لا يمكن إلّا على نحو المجاز إلّا أنّه إذا أظهر غير الإنسان أصواتا من فمه كاشفا

__________________

(١) راجع كتاب الإحتجاج للطبرسي طبقا لما جاء في تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٧٥.

٢٧

عن مطلب ما ، فلا دليل على عدم تسميته نطقا ، لأنّ النطق كل لفظ مبين للحقيقة والمفهوم(١) .

ولا نريد أنّ نقول أنّ ما يظهر من أصوات الحيوانات عند الغضب أو الرضا أو الألم أو إظهار الشوق لأطفالها هو نطق ، كلّا فهي أصوات تقترن بحالات الحيوان إلّا أنّنا ـ كما سيأتي في الآيات التالية ـ سنرى بتفصيل أن سليمان تكلم مع الهدهد في مسائل وحمّله رسالة وطلب منه أن يتحرّى جوابها.

وهذا الأمر يدلّ على أن الحيوانات بالإضافة إلى أصواتها الكاشفة عن حالاتها الخاصة لها القدرة على النطق في ظروف خاصة بأمر الله ، كما سيأتي الكلام في شأن تكلم النمل في الآيات المقبلة إن شاء الله.

وبالطبع فإن النطق استعمل في القرآن بمعناه الوسيع ، حيث يبيّن حقيقة النطق ونتيجته ، وهو بيان ما في الضمير ، سواء كان ذلك عن طريق الألفاظ أو عن طريق الحالات الأخر ، كما في قوله تعالى :( هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ ) (٢) إلّا أنّه لا حاجة إلى تفسير كلام سليمان ومنطق الطير بهذا المعنى بل طبقا لظاهر الآيات فإن سليمان كان بإمكانه أن يعرف ألفاظ الطير الخاصة الدالة على مسائل معيّنة فيشخّصها ، أو أنّه كان يتكلم معها فعلا

وسنتكلم في هذا الشأن في البحوث إن شاء الله تعالى.

أمّا جملة( أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) فهي على خلاف ما حدده جماعة من المفسّرين ، لها مفهوم واسع شامل فهي تشمل جميع الأسباب اللازمة لإقامة حكومة الله في ذلك الحين وأساسا فإن الكلام سيقع ناقصا بدونها ، ولا يكون له

__________________

(١) يقول ابن منظور في لسان العرب : «النطق» هو التكلم ، ثمّ يضيف «وكلام كل شيء منطقه. ومنه قوله تعالى :( عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) ثمّ ينقل عن بعض علماء العرب ـ وهو ابن سيده ـ أنّه «خلافا لما قال بعضهم : إن النطق خاص بالإنسان. فقد يستعمل النطق في غير الإنسان». وينبغي الالتفات إلى أن الفلاسفة وعلماء المنطق أطلقوا النطق على القدرة على التفكير الذي يعطي الإنسان التمكن من الكلام

(٢) الجاثية ، الآية ٢٩.

٢٨

ارتباط واضح بما سبق.

وهنا يثير الفخر الرازي سؤالا فيقول : أليس التعبير بـ (علمنا) و (أوتينا) من قبيل كلام المتكبرين؟!

ثمّ يجيب على سؤاله هذا بالقول : إن المراد من ضمير الجمع هنا هو سليمان وأبوه ، أو هو ومعاونوه في الحكومة وهذا التعبير مستعمل حين يكون الشخص في رأس هيئة ما ، أن يتكلم عن نفسه بضمير الجمع!.

* * *

بحوث

١ ـ علاقة الدين بالسيّاسة

خلافا لما يتصوره أصحاب النظرة الضيقة من أن الدين مجموعة من النصائح والمواعظ ، أو المسائل الخاصة بالحياة الشخصيّة للإنسان بل هو مجموعة من القوانين والمناهج الحيوية التي تستوعب جميع مسائل حياة الإنسان وخاصة المسائل الاجتماعية.

فقد بعث الأنبياء لإقامة القسط والعدل كما في الآية (٢٥) من سورة الحديد ، إذ يقول سبحانه( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) .

وليضع الأنبياء عن الناس( إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ ) فيتمتعوا بالحرية كما أشارت إلى ذلك الآية (١٥٧) من سورة الأعراف.

والدين رحمة ومنجاة للمستضعفين وتخليصهم من نير المتكبرين الظالمين.

والدين ـ أخيرا ـ مجموعة من التعاليم والتربية في مسير تزكية الإنسان والرقي به نحو الكمال (كما أشارت إليه الآية ٢ من سورة الجمعة).

وبديهي أن هذه الأهداف الكبرى لا يمكن أن تتحق دون إقامة الحكومة! فمن ذا يستطيع أن يقيم القسط بين الناس بمجرّد التوصيات الاخلاقيّة؟ أو أن

٢٩

يقطع أيدي الظالمين عن المستضعفين. ويضع الإصر والأغلال عن يدي الإنسان ورجليه دون الاستناد الى قدرة شاملة!!

ومن يستطيع أن ينشر الثقافة الصحيحة والمسائل التربوية في مجتمع يشرف عليه المفسدون ، فيمنح القلوب الملكات الأخلاقيّة؟

وهذا هو ما نقوله بأنّ الدين لا ينفصل عن السياسة ، فإذا انفصل الدين عن السياسة فقد فقد عضده وشلت يده ، وإذا انفصلت السياسة عن الدين تبدّلت إلى عنصر مخرب يستغله أصحاب المنافع الشخصيّة!

إن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما وفق لنشر هذا الدين القويم السماوي في أرجاء العالم بسرعة ، لأنّه أسس حكومته في أوّل فرصة واتته ، وتابع أهدافه الإلهية عن طريق الحكومة الإسلامية.

وهناك بعض الأنبياء ممن نال مثل هذا التوفيق فنشروا دعوتهم إلى الله في الأرض أفضل بشكل أمّا من لم تسمح لهم الفرصة بإقامة حكومة إلهية ، فإنّهم لم يحالفهم التوفيق كثيرا في نشر رسالتهم الالهية

٢ ـ آيات الحكومة الإلهية

ممّا يلفت النظر أنّنا نجد في قصّة سليمان وداود ـ بصورة واضحة ـ أنّهما استطاعا أن يقلعا جذور الشرك وآثاره بسرعة ، وأن يقيما نظاما إلهيا عادلا نظاما يقوم على أسس واركان ـ طبقا لما في الآيات محل البحث ـ العلم والمعرفة والاطلاع في المجالات المختلفة.

نظاما يتوج منهجه اسم الله ، فهو على رأس لوحته.

نظاما استعمل كل قواه حتى الطائر ، من أجل الوصول إلى أهدافه.

نظاما جعل الشياطين مغلولة ، والظالمين أذلاء لا يتجاوزون حدودهم.

وأخيرا فإنّ هذا النظام كانت لديه القدرة النظامية «العسكرية» الكافية ،

٣٠

والجهاز التجسس «الأمني» ، والأفراد المتخصصون في المجالات الاقتصادية والإنتاجيّة والعلمية المختلفة ، وكل ذلك كان تحت خيمة «الإيمان» ومظلّة «التوحيد».

٣ ـ منطق الطير

في الآيات المتقدمة والآيات التالية بعدها التي تذكر قصّة سليمان والهدهد ، إشارة صريحة إلى منطق الطير ، وبعض ما يتمتع به الحيوان من شؤون.

وممّا لا شك فيه أنّ الطيور كسائر الحيوانات تظهر أصواتا في حالاتها المختلفة ، بحيث يمكن معرفتها بدقة ، أن أيّ صوت يعبّر عن الجوع؟ وأيّ صوت يعبر عن الغضب؟ وأي صوت يعبر عن الرضا؟ وأي صوت يعبّر عن التمني؟ وأيّ صوت يدعوا الأفراخ إليه؟ وأي صوت يعبر عن القلق والاستيحاش والرعب؟.

فهذه الأصوات من أصوات الطيور ، لا مجال للشك والتردد فيها ، وكلّنا نعرفها مع اختلاف في كثرة الاطلاع أو قلّته! إلّا أنّ آيات هذه السورة ـ بحسب الظاهر ـ تبيّن موضوعا أوسع ممّا ذكرناه آنفا فالبحث هنا عن نطقها بنحو «معمّى خفيّ» بحيث ينطوي على مسائل دقيقة ، والبحث عن تكلمّها وتفاهمها مع الإنسان وبالرغم من أن هذا الأمر مدعاة لتعجب بعضهم ، إلّا أنّه مع الالتفات إلى المسائل المختلفة التي كتبها العلماء ومشاهداتهم الشخصية في شأن الطيور ، لا يكون الموضوع عجيبا.

فنحن نعرف عن ذكاء الطيور مسائل أعجب من هذا.

فبعضها لديها المهارة في صنع أعشاشها وبيوتها بشكل أنيق ، قد يفوق عمل مهندسينا أحيانا.

وبعض الطيور تعرف عن وضع أفراخها في المستقبل ، وحاجاتها ، وتعمل لها عملا دقيقا ، بحيث تكون مثار إعجابنا جميعا.

٣١

وتوقعها لما سيكون عليه الجوّ حتى بالنسبة لعدّة أشهر تالية ، ومعرفتها بوقوع الزلازل قبل أن تقع ، وقبل أن تسجلها مقاييس الزلازل المعروفة!.

والتعليمات التي تصدر إلى الحيوانات في «السيرك» ونشاطاتها وأعمالها الخارقة للعادة الحاكية عن ذكائها العجيب

أعمال النمل وحركاته العجيبة وتمدنه المثير.

عجائب حياة النحل ، وما تقوم به من أعمال محيرة.

معرفة الطيور المهاجرة بالطرق الجويّة ، وقد تقطع المسافة بين القطبين الشمالي والجنوبي!

خبرة الأسماك في مهاجرتها الجماعية في أعماق البحار.

كل ذلك من المسائل العلمية المسلّم بها ، كما أنّها دليل على وجود مرحلة مهمّة من الإدراك أو الغريزة ـ أو ما شئت فسمه ـ في هذه الحيوانات!.

وجود الحواس غير الطبيعية في الحيوانات ـ كالرادار للخفاش ، وحاسة الشم القوية في بعض الحشرات ، والنظر الحاد عند بعض الطيور ، وأمثالها ، دليل آخر على أنّها ليست متخلفة عنّا في كل شيء!

فمع الأخذ بنظر الإعتبار جميع ما بيّناه ، لا يبقى مجال للعجب من أن لهذه الحيوانات تكلما ونطقا خاصا ، وأنّها تستطيع أن تتكلم مع الإنسان الذي يعرف ، «ألف باءها» وقد وردت الإشارة في آيات القرآن إلى هذا المعنى ، ومنها الآية (٣٨) من سورة الأنعام( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ) (١) .

وفي الرّوايات الإسلامية أمور كثيرة أيضا ، تكشف عن نطق الحيوانات وخاصة الطيور وحتى أنّه نقل لكلّ «منطق» هو بمثابة الشعار ، بحيث يطول

__________________

(١) كان لنا بحث آخر ذيل الآية (٣٨) من سورة الأنعام.

٣٢

المقام بنا لو تعرضنا له بالتفصيل(١) .

ففي رواية عن الإمام أبي عبد الله الصادق أنّه قال : قال أمير المؤمنين علي لابن عباس «إنّ الله علّمنا منطق الطير كما علّم سليمان بن داود ومنطق كل دابة في برّ أو بحر»(٢) .

٤ ـ رواية «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»

نقل أهل السنة في كتبهم المختلفة حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضمونه أنّه قال : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة» وربّما نقل الحديث في بعض الكتب بحذف الجملة الأولى والاكتفاء بعبارة : «ما تركناه صدقة».

وسند هذا الحديث ينتهي في كتب أهل السنة المشهورة إلى «أبي بكر» ـ غالبا ـ إذ تولّى بعد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زمام أمور المسلمين ، وحين طلبت منه سيدة النساء فاطمةعليها‌السلام أو بعض أزواج النّبيّ ميراثها منه امتنع عن دفع ميراث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها استنادا إلى الحديث آنف الذكر.

وقد نقل هذا الحديث «مسلم» في صحيحه «الجزء ٣ ـ كتاب الجهاد والسير ص ١٣٧٩» و «البخاري» في الجزء الثامن من كتاب الفرائض ص ١٨٥ ، وجماعة آخرون في كتبهم.

ممّا يلفت النظر أن «البخاري» نقل في صحيحه حديثا عن «عائشة» أنّها قالت : «إن فاطمة والعباسعليهما‌السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ، وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر ، فقال أبو بكر : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه فيه إلّا صنعته «قال» فهجرته

__________________

(١) لمزيد الاطلاع يراجع تفسير القرطبي ذيل الآيات محل البحث وتفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٧٧ ، فما بعد

(٢) المصدر السابق ، ص ٨١.

٣٣

فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت(١) !.

وبالطبع فإنّ هذا الحديث فيه مجال للنقد والطعن من جهات متعددة ، إلّا أنّنا نقتصر في هذا التّفسير على ذكر ما يلي :

١ ـ إنّ هذا الحديث لا ينسجم مع نصّ القرآن ووفقا للقواعد الأصولية التي عندنا ، أن كلّ حديث لا يوافق كتاب الله ساقط عن الإعتبار ، ولا يمكن التعويل على أنّه حديث شريف من أحاديث النبي أو المعصومينعليهم‌السلام .

ففي الآيات آنفة الذكر ، ورد «وورث سليمان داود» وظاهر الآية مطلق يشمل حتى الأموال ونقرأ في شأن يحيى وزكريا( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) «مريم الآية ٦». ولا سيما في ما يخصّ زكريا ، فإن كثيرا من المفسّرين أكّدوا على الأمور المالية!.

إضافة إلى ذلك فإنّ ظاهر آيات الإرث في القرآن المجيد عام ويشمل جميع الموارد.

وربّما كان لهذا السبب أن يفسر «القرطبي» ـ مضطرا ـ الحديث على أنّه غالبا ما يكون كذلك ، لا أنّه عام ، وقال : هذا مثل قولهم : إنّا ـ معشر العرب ـ أقرى الناس للضيف ، مع أن هذا الحكم غير عام(٢) .

إلّا أن من الواضح أن هذا الكلام ينفي «قيمة هذا الحديث ...» لأنّنا إذا توسّلنا بهذا العذر في شأن سليمان ويحيى ، فإنّ شموله للموارد الأخرى غير قطعي أيضا.

٢ ـ إنّ الرّواية المتقدمة تعارض رواية أخرى تدلّ على أن أبا بكر صمّم على إعادة فدك إلى فاطمةعليها‌السلام ، إلّا أن الآخرين ما نعوه ، كما نقرأ في سيرة الحلبي : إن فاطمة قالت له : من يرثك؟! قال أهلي وولدي! فقلت : فما لي لا أرث أبي؟. وفي

__________________

(١) صحيح البخاري ـ الجزء الثامن ، ص ١٨٥.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٧ ، ذيل الآيات محل البحث ، ص ٤٨٨٠.

٣٤

كلام سبط بن الجوزي : إنّه كتب لها بفدك ودخل عليه عمر فقال : ما هذا؟ فقال : كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها. فقال : فما ذا تنفق على المسلمين ، وقد حاربتك العرب كما ترى؟ ثمّ أخذ عمر الكتاب فشقّه(١) .

ترى كيف يمنع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضوع الإرث وينهى عنه بصراحة ، ويجرأ أبو بكر على مخالفته؟! ولم استند عمر إلى المسائل العسكرية وحاجة المعارك ، ولم يستند إلى الرواية؟!

إن التحقيق الدقيق ـ في الروايات الآنفة ـ يدل على أن الموضوع لم يكن موضوع نهي النّبي عن الإرث ، كما أثاره أبو بكر ، بل المهم هنا المسائل السياسية آنئذ ، وهذه المسائل هي ما تدعونا إلى أن نتذكر مقالة ابن أبي الحديد المعتزلي إذ يقول : سألت أستاذي «علي بن الفارقي» : أكانت فاطمة ، صادقة؟ فقال : نعم.

قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ يقول : المعتزلي : فتبسم أستاذي ، ثمّ قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدكا بمجرّد دعواها ، لجاءت إليه غدا وادعت لزوجه الخلافة ولم يمكنه الاعتذار بشيء لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدعى كائنا ما كان من غير حاجة الى بيّنة ولا شهود(٢) .

٣ ـ الرواية المعروفة عن النّبي الواردة في كثير من كتب أهل السنّة والشيعة «العلماء ورثة الأنبياء»(٣) .

وما نقل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما».

يستفاد من مجموع هذين الحديثين أن الهدف الأساس للأنبياء نشر العلم ، وهم يفخرون به ، وأهم ما يتركونه هو الهداية. ومن يحصل على الحظ الكبير من

__________________

(١) سيرة الحلبي ، ج ٣ ، ص ٤٨٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج ١٦ ، ص ٢٨٤.

(٣) صحيح الترمذي ، باب العلم ، الحديث ١٩ ، وسنن ابن ماجة مقدمة الحديث ١٧.

(،) ـ أصول الكافي ، ج ١ ، باب صفة العلم ، الحديث ٢.

٣٥

العلم والمعرفة فهو وارثهم الأصيل بصرف النظر عن الأموال التي يرثها عنهم ، ثمّ إن هذا الحديث منقول في المعنى ، وعبّر عنه تعبيرا سيئا ويحتمل أن يكون (ما تركناه صدقة) المستنبط من بعض الرّوايات مضاف عليه.

ولكي لا يطول بنا الكلام ننهي كلامنا ببحث للمفسر المعروف من أهل السنة «الفخر الرازي» الذي أورده ذيل الآية (١١) من سورة النساء إذ يقول : من تخصيصات هذه الآية «آية الإرث» ما هو مذهب أكثر المجتهدين ، أن الأنبياءعليهم‌السلام لا يورّثون ، والشيعة خالفوا فيه روي أن فاطمةعليها‌السلام لما طلبت الميراث ومنعوها منه احتجوا بقولهعليه‌السلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة» فعند هذا احتجت فاطمةعليها‌السلام بعموم قوله :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وكأنّها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد.

ثمّ يضيف الفخر الرازي قائلا : إنّ الشيعة قالوا : بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد ، إلّا أنّه غير جائز هنا وبيانه من ثلاثة أوجه :

«أحدها» : أنّه على خلاف قوله تعالى حكاية عن زكرياعليه‌السلام :( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) وقوله تعالى :( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) قالوا : ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين ، لأنّ ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة ، بل يكون كسبا جديدا مبتدأ ، إنّما التوريث لا يتحقق إلّا في المال على سبيل الحقيقة.

«وثانيها» : أن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلّا فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة ، لأنّه ما كان يخطر بباله أن يرث من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يليق بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها؟ ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة؟!

«وثالثها» : يحتمل أن قوله : «ما تركناه صدقة» صلة «لا نورث» والتقدير (الذي تركناه صدقة) فذلك الشيء (لا يورّث).

٣٦

فإن قيل : لا يبقى للرّسول خاصية في ذلك!

قلنا : بل تبقى الخاصية ، لاحتمال أن الأنبياء إذا عزموا على التصدّق بشيء فبمجرّد العزم يخرج ذلك عن ملكهم ولا يرثه وارث عنهم ، وهذا المعنى مفقود في حق غيرهم!

والجواب : أنّ فاطمة رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة ، وانعقد الإجماع على صحة ما ذهب إليه أبو بكر! إلخ(١) .

إلّا أن من الواضح أن جواب الفخر الرازي لا يناسب الاستدلالات السابقة ، لأنّه كما ذكرنا آنفا ونقلناه عن المصادر المعتبرة عند أهل السنة فإن فاطمة لا أنّها لم ترض بكلام أبي بكر فحسب ، بل ظلّت واجدة و «غاضبة» عليه ، فلم تكلمه حتى آخر عمرها سلام الله عليها!

ثمّ بعد هذا كلّه كيف يمكن أن يدّعي الإجماع في هذه المسألة ، مع أنّ عليّا وفاطمةعليها‌السلام والعباس وأضرابهم الذين تربّوا في مهبط الوحي ومركزه ، كانوا مخالفين لهذا الرأي.

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٩ ، ص ٢١٠.

٣٧

الآيات

( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) )

التّفسير

سليمان في وادي النمل :

يستفاد من آيات هذه السورة ، وآيات سورة سبأ أن «حكومة سليمان» لم تكن حكومة مألوفة ، بل حكومة مقرونة بما يخرق العادات والمعاجز المختلفة ، التي ورد قسم منها في هذه السورة ، والقسم الآخر ورد في سورة «سبأ» أمّا ما ورد في هذه السورة من الأمور الخارقة للعادة «حكومة سليمان على الجن ، والطير ، وإدراكه كلام النمل ، وكلامه مع الهدهد».

وفي الحقيقة فإنّ الله أظهر قدرته في هذه الحكومة وما سخّر لها من قوى ، ونحن نعرف أن هذه الأمور عند الله ـ في نظر الإنسان الموحّد ـ يسيرة وسهلة!.

٣٨

وأوّل ما تبدأ هذه الآيات بقوله تعالى :( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ ) .

وكانت جنوده من الكثرة بحيث كانوا عند التحرك والمسير ، ومن أجل المحافظة على النظم. يؤمرون بتوقف مقدمة الجيش لتلحق بها مؤخرتها( فَهُمْ يُوزَعُونَ ) .

«يوزعون» من مادة (وزع) على وزن (جمع) ومعناه الحبس والإيقاف ، وهذا التعبير متى أطلق على الجند أو الجيش فيعني إيقاف أوّل الجيش ليلحق به آخره ، لكي يحفظ من التشتت والتفرق.

وكلمة «وزع» معناها الحرص والعلاقة الشديدة بالشيء ، بحيث تمنع الإنسان عن الأمور الأخرى.

ويستفاد من هذا التعبير أنّ جنود سليمان كانوا كثيرين ، كما كانوا يخضعون للنظم والانضباط.

«وحشر» فعل ماض من (الحشر) على وزن (نشر) ومعناه إخراج الجمع من المقرّ ، والتحرك نحو الميدان للقتال ، وما أشبه ذلك.

ويستفاد من هذا التعبير ـ والتعبير التالي في الآية الأخرى أنّ سليمانعليه‌السلام كان قد جمع جنوده وحرّكهم نحو نقطة ما ، لكن هذه النقطة أية نقطة هي؟ وأين كان يتجه سليمان؟ ليس ذلك معلوما على وجه الدقّة.

واستفاد بعضهم من الآية التالية التي تتحدث عن وصول سليمان إلى وادي النمل ، أنّها منطقة على مقربة من الطائف. وقال بعضهم : بل هي منطقة على مقربة من «الشام».

وحيث أنّ هذا الموضوع لا تأثير له في الأمور الأخلاقية والتربوية «للآية» لذلك لم تتطرق له الآية الكريمة.

وهناك ـ ضمنا ـ جدل بين كثير من المفسّرين في أن الإنس والجن والطير ،

٣٩

هل كانوا جميعا من جنود سليمان؟ فتكون (من) في الآية بيانية ، أو أن قسما منهم كان يؤلف جيشه وجنوده فتكون (من) تبعيضية ويبدو أن هذا بحث لا طائل تحته لأنّ سليمان ـ دون أدنى شك ـ لم يكن حاكما على وجه البسيطة كلها ، بل كانت منطقة نفوذه وحكومته منطقة الشام وبيت المقدس ، وقد يدخل بعض ما حولهما تحت سلطته وحكومته!.

كما يستفاد من الآيات التالية أنّه لم تكن له بعد سلطة على اليمن أيضا وإنّما صارت اليمن تحت نفوذه بعد قصّة الهدهد و «تسليم ملكة سبأ» وإذعانها له.

وجملة( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ) في الآيات التالية ، تدلّ على أن هدهدا واحدا كان ضمن الطير التي كانت تحت أمر سليمان ، بحيث أنّه لما افتقده سأل عنه ، فلو كانت الطيور جميعها تحت أمره وفيها آلاف الهداهد ، لكان هذا التعبير غير صحيح «فتأمّلوا بدقة».

وعلى كل حال ، فإنّ سليمان تحرك بهذا الجيش العظيم( حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ ) .

فخاطبت نملة من النمل أصحابها محذرة ، كما تقول الآية :( قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (١) .

ولنا كلام سيأتي ـ إن شاء الله ـ في كيفية اطّلاع النملة ومعرفتها بحضور سليمان وجنوده في تلك المنطقة ، وكيف أوصلت صوتها إلى بقية النمل؟.

ويستفاد ضمنا من جملة( لا يَشْعُرُونَ ) أن عدل سليمان كان ظاهرا وواضحا حتى عند النمل ، لأنّ مفهوم الجملة أن سليمان وجنوده لو شعروا والتفتوا إلى النملة الضعيفة لما وطأوها بالأقدام ، وإذا وطئوها فإنّما ذلك لعدم توجههم والتفاتهم.( فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ) .

هناك كلمات مختلفة عند المفسّرين في الشيء الذي أضحك سليمان ،

__________________

(١) قال بعض المفسّرين : إن (التاء) في النملة للوحدة ، وتأنيث الفعل مراعاة لظاهر الكلمة!

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318