بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 446
المشاهدات: 42782
تحميل: 4689


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42782 / تحميل: 4689
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

إلاّ سواء ، و ما تضرّ عليّا عليه السّلام لو سببته على رؤوس الأشهاد ؟ و أمّا و عيدك إيّاي بالقتل ، فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك ؟ أما تستحي من قول نصر بن حجاج فيك :

يا للرجال و حادث الأزمان

و لسبّة تخزي أبا سفيان

نبّئت عتبة خانه في عرسه

جنس لئيم الأصل من لحيان

و بعد هذا ما ارتاع لذكره لفحشه ، فكيف يخاف أحد سيفك و لم تقتل فاضحك ؟ و كيف ألومك على بغض عليّ عليه السّلام و قد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر ، و شرك حمزة في قتل جدّك عتبة ، و أوجدك من أخيك حنظلة في مقام واحد ؟

و أمّا أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق إن تقع في هذا و شبهه ، و إنّما مثلك مثل البعوض إذ قالت للنخلة : استمسكي فإنّي طائرة عنك . فقالت النخلة : فهل علمت بك واقعة عليّ ، فأعلم بك طائرة عنّي ؟ و اللَّه ما نشعر بعد اوتك إيّانا ، و لا اغتممنا إذ علمنا بها ، و لا يشقّ علينا كلامك ، و أنّ حدّ اللَّه في الزّنا لثابت عليك ،

و لقد درأ عمر عنك حقّا اللَّه سائله عنه ، و لقد سألت النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : هل ينظر الرّجل إلى المرأة يريد أن يتزوّجها ؟ فقال : لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزّنا ، لعلمه بأنّك زان .

و أمّا فخركم علينا بالإمارة فإنّه تعالى يقول : و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا ١ .

ثمّ قام الحسن عليه السّلام فنفض ثوبه و انصرف ، فتعلّق المغيرة بثوبه ، و قال لمعاوية : قد شهدت قوله فيّ و قذفه إيّاي بالزنا ، و أنا مطالب له بحدّ القذف . فقال معاوية : خلّ عنه لا جزاك اللَّه خيرا فتركه . فقال معاوية : قد أنبأتكم أنّه ممّن لا

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ١٦ .

١٠١

يطاق عارضته ، و نهيتكم أن تسبّوه ، فعصيتموني ، و اللَّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت ، قوموا عنّي ، فلقد فضحكم اللَّه و أخزاكم بترككم الحزم ، و عدو لكم عن رأي الناصح المشفق ١ .

و رواه سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) ، و فيه : أنّ الحسن عليه السّلام قال لمعاوية : « و قد علمت الفراش الّذي ولدت عليه » . و قال السّبط في تفسير كلامه عليه السّلام : قال هاشم الكلبي في ( مثالبه ) : إنّ معاوية كان يقال إنّه من أربعة :

عمارة بن الوليد ، و مسافر بن أبي عمرو ، و العبّاس ، و أبي سفيان ٢ .

و روى السّبط أيضا عن هشام الكلبي : أنّ مروان لمّا كان واليا على المدينة بعث رسولا إلى الحسن عليه السّلام و قال : قل له يقول لك مروان : أبوك الّذي فرّق الجماعة ، و قتل أمير المؤمنين عثمان ، و أباد العلماء و الزّهاد يعني الخوارج و أنت تفخر بغيرك فإذا قيل لك من أبوك ؟ تقول خالي الفرس . فجاء الرسول إلى الحسن ، فقال له : يا أبا محمّد إنّي أتيتك برسالة ممّن يخاف سطوته و يحذر سيفه ، فإن كرهت لم أبلّغك إيّاها و وقيتك بنفسي ؟ فقال الحسن عليه السّلام : لا بل تؤدّيها و نستعين عليه باللَّه ، فأدّاها ، فقال له عليه السّلام : تقول لمروان : إن كنت صادقا فاللَّه يجزيك بصدقك ، و إن كنت كاذبا فاللَّه أشدّ نقمة .

فخرج الرّسول من عنده فلقيه الحسين عليه السّلام فقال : من أين أقبلت ؟ فقال : من عند أخيك الحسن . فقال : و ما كنت تصنع ؟ قال : أتيت برسالة من عند مروان . فقال :

و ما هي ؟ فامتنع الرّسول من ادائها . فقال : لتخبرني أو لأقتلنّك . فسمع الحسن عليه السّلام فخرج ، و قال لأخيه : خلّ عن الرّجل . فقال : لا و اللَّه حتّى أسمعها .

فأعادها الرسول عليه . فقال عليه السّلام : قل له يقول لك الحسين بن علي بن فاطمة :

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن الزبير بن بكار في المفاخرات ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ١٠١ ، شرح الخطبة ٨٢ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ٢٠٢ ، و النقل بالمعنى .

١٠٢

يابن الزرقاء الدّاعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الرّاية بسوق عكّاظ و يابن طريد رسول اللَّه و لعينه اعرف من أنت و من امّك و من أبوك . قال : فجاء الرّسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا ، فقال له : ارجع إلى الحسن ، و قل له :

أشهد أنّك ابن رسول اللَّه . و قل للحسين : أشهد أنّك ابن عليّ بن أبي طالب . فقال ( الحسين ) عليه السّلام للرّسول : قل له : كلاهما لي و رغما .

قال : قال الأصمعي : أمّا قول الحسين عليه السّلام : « يابن الدّاعية إلى نفسها » فذكر ابن إسحاق أنّ امّ مروان اسمها اميّة ، و كانت من البغايا في الجاهليّة ،

و كان لها راية مثل راية البيطار تعرف بها ، و كانت تسمّى امّ حنبل الزّرقاء ،

و كان مروان لا يعرف له أب ، و إنّما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص . و أمّا قوله : « يابن طريد رسول اللَّه » فيشير إلى الحكم بن أبي العاص ،

أسلم الحكم يوم الفتح و سكن المدينة ، و كان ينقل أخبار النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلى الكفار من الأعراب و غيرهم ، و يتجسّس عليه . قال الشّعبي : و ما أسلم إلاّ لهذا ، و لم يحسن إسلامه ، و رآه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوما و هو يمشي و يتخالج في مشيته يحاكي النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فقال له : كن كذلك . فمازال يمشي كأنّه يقع على وجهه ،

و نفاه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلى الطائف و لعنه إلى أن قال فلمّا مات عمر ، و ولّي عثمان ردّه في اليوم الّذي ولّي فيه ، و قرّبه و أدناه ، و دفع له مالا عظيما و رفع منزلته ،

فقام المسلمون على عثمان و أنكروا عليه ، و هو أوّل ما أنكروا عليه ، و قالوا له :

رددت عدوّ اللَّه و رسوله ، و خالفت اللَّه و رسوله . فقال : إنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و عدني بردّه . فامتنع جماعة من الصّحابة عن الصلاة خلف عثمان لذلك ،

ثمّ توفّي الحكم في خلافته ، فصلّى عليه ( عثمان ) و مشى خلفه ، فشقّ ذلك على المسلمين ، و قالوا : ما كفاك ما فعلت حتّى تصلّي على منافق ملعون لعنه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و نفاه . فخلعوه و قتلوه . قال : و أعطى ابنه مروان خمس غنائم إفريقيّة خمسمائة ألف دينار . ثم قال : و بهذا السّبب قالت ( عائشة ) :

١٠٣

اقتلوا نعثلا قتله اللَّه فقد كفر ١ .

و روى الزّبير بن بكار : أنّ عمرو بن العاص لقي الحسن عليه السّلام في الطّواف ، فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك ، فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية ، فجعله راسيا بعد ميله ، و بيّنا بعد خفائه ، أفرضي اللَّه بقتل عثمان ؟ أو من الحقّ أن تطوّف بالبيت كما يدور الجمل بالطّحن ، عليك ثياب كغرقى البيض ، و أنت قاتل عثمان ؟ و اللَّه إنّه لألمّ للشّعث و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك . فقال الحسن عليه السّلام : إنّ لأهل النّار لعلامات يعرفون بها : إلحادا لأولياء اللَّه ، و موالاة لأعداء اللَّه ، و اللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّا لم يرتب في الدين ، و لم يشكّ في اللَّه ساعة ، و لا طرفة عين قطّ ، و ايم اللَّه لتنتهين يابن امّ عمرو أو لأنفذن حضنيك بنو افذ أشدّ من القعضبية ، فإيّاك و التهجّم عليّ ، فإنّي من قد عرفت ، لست بضعيف الغمزة ، و لا هشّ المشاشة ، و لا مري‏ء المأكلة ، و إنّي من قريش كواسطة القلادة ، يعرف حسبي ، و لا ادعى لغير أبي ،

و أنت من تعلم و يعلم النّاس ، تحاكمت فيك رجال قريش ، فغلب عليك جزّارها ،

ألأمهم حسبا ، و أعظمهم لؤما ، فإيّاك عنّي فإنّك رجس ، و نحن أهل بيت الطهارة أذهب اللَّه عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا . قال : فأفحم عمرو و انصرف كئيبا ٢ .

و روى أبو الفرج و المدائني ، و اللّفظ للأوّل : أنّ الحسن عليه السّلام كتب إلى معاوية إلى أن قال : فلمّا توفّي النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش : نحن قبيلته و اسرته و أولياؤه ، و لا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّد في النّاس و حقّه ، فرأت العرب أنّ القول كما قالت قريش ، و أنّ الحجّة لهم في

ــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٢٠٧ .

( ٢ ) لم أظفر على من نقله عن الزبير بن بكار بل رواه المدائني كما نقل ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١٠ ، و نقله الشارح نفسه عن المدائني في العنوان ٥ من هذا الفصل .

١٠٤

ذلك على من نازعهم أمر محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فأنعمت لهم العرب ، و سلّمت ذلك ، ثمّ حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجّت به العرب ، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها ، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف و الاحتجاج ، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد و أولياؤه إلى محاجّتهم و طلب النّصف منهم باعدونا ،

و استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا ، و العنت منهم لنا ، فالموعد اللَّه و هو الولي النّصير ، و قد تعجبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا و سلطان نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام ، فأمسكنا عن منازعتهم ، مخافة على الدّين أن يجد المنافقون و الأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به ، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده ، فاليوم فليعجب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله ، لا بفضل في الدين معروف ، و لا أثر في الإسلام محمود ، و أنت ابن حزب من الأحزاب ، و ابن أعدى قريش للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ،

و لكنّ اللَّه خيبك ، و سترد فتعلم لمن عقبى الدّار ، تاللَّه لتلقينّ عن قليل ربّك ، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك ، و ما اللَّه بظلاّم للعبيد .

إنّ عليّا رضوان اللَّه عليه لمّا مضى لسبيله رحمة اللَّه عليه يوم قبض و يوم منّ اللَّه عليه بالإسلام ، و يوم يبعث حيّا ولاّني المسلمون الأمر بعده ،

فأسأل اللَّه أن لا يزيدنا في الدّنيا الزّائلة شيئا ، ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامته ، و إنّما حملني على الكتاب إليك الإعذار في ما بيني و بين اللَّه سبحانه و تعالى في أمرك ، و لك في ذلك إن فعلت الحظّ الجسيم ، و للمسلمين فيه صلاح ، فدع التمادي في الباطل ، و ادخل في ما دخل فيه النّاس من بيعتي ،

فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللَّه و عند كلّ أوّاب حفيظ ، و من له قلب منيب ، و اتّق اللَّه ودع البغي ، و احقن دماء المسلمين ، فو اللَّه مالك من خير في أن تلقى اللَّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به إلى أن قال في جواب معاوية لكتابه عليه السّلام : و ذكرت وفاة النّبيّ و تنازع المسلمين من بعده ، فرأيتك صرّحت

١٠٥

بتهمة أبي بكر الصّديق و عمر الفاروق ، و أبي عبيدة الأمين ، و حواري رسول اللَّه ، و صلحاء المهاجرين و الأنصار ، فكرهت ذلك لك ، فإنّك امرؤ عندنا و عند النّاس غير ظنين ، و لا المسي‏ء و لا اللئيم ، و أنا احبّ لك القول السّديد و الذكر الجميل ، إنّ هذه الامّة لمّا اختلفت بعد نبيّها لم تجهل فضلكم ، و لا سابقتكم و لا قرابتكم من النّبيّ ، و لا مكانتكم في الإسلام و أهله ، فرأت الامّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيّها ، و رأى صلحاء النّاس من قريش و الأنصار و غيرهم ، من سائر النّاس و عامّتهم أن يولّوا هذا الأمر من قريش : أقدمها إسلاما و أعلمها باللَّه ، و أحبّها له ، و أقواها على أمر اللَّه ، فاختاروا أبا بكر ، و كان ذلك رأي ذوي الحجى و الدّين و الفضيلة و النّاظرين للامّة ، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التّهمة ، و لم يكونوا متّهمين ، و لا في ما أتوا بالمخطئين ، و لو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه ، أو يقوم مقامه أو يذبّ عن حريم الإسلام ذبّه ما عدلوا بالأمر إلى غيره إلى أن قال و الحال في ما بيني و بينك اليوم مثل الحال الّتي كنتم عليها أنتم و أبو بكر بعد وفاة النّبيّ ، فلو علمت أنّك أضبط منّي للرّعيّة ، و أحوط على هذه الامّة و أحسن سياسة ، و أقوى على جمع الأموال ، و أكيد للعدّو ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ، و رأيتك لذلك أهلا . . . ١ .

و من هذا الكتاب و الجواب تعرف حقيقة الأمر في الباب ، و يكفيان في إتمام الحجّة لاولي الألباب .

و عن ( كامل المبرد ) : أنّ شاميّا رأى الحسن عليه السّلام فجعل يلعنه ،

و الحسن عليه السّلام لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السّلام إليه فسلّم عليه و ضحك ، فقال :

أيّها الشّيخ أظنّك غريبا ، و لعلّك شبّهت فلو استعتبتنا أعتبناك ، و لو سألتنا أعطيناك ، و لو استرشدتنا أرشدناك ، و لو استحملتنا حملناك ، و إن كنت جائعا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو الفرج في المقاتل : ٣٥ ٣٧ ، و المدائني عنه شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٩ ، شرح الكتاب ٣١ .

١٠٦

أشبعناك ، و إن كنت عريانا كسوناك ، و إن كنت محتاجا أغنيناك ، و إن كنت طريدا آويناك ، و إن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا و كنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعا رحبا ، و جاها عريضا ، و مالا كبيرا . فلمّا سمع الرّجل كلامه عليه السّلام بكى ثمّ قال : أشهد أنّك خليفة اللَّه في أرضه ، اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته ١ ، و كنت أنت و أبوك أبغض خلق اللَّه إليّ ، و الآن أنت أحبّ خلق اللَّه إليّ ٢ .

« املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني » روى المدائني عن زيد بن أرقم قال :

خرج الحسن عليه السّلام و هو صغير ، و عليه برد ، و النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يخطب ، فعثر فسقط ،

فقطع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله الخطبة و نزل مسرعا إليه و قد حمله النّاس ، فتسلمه و أخذه على كتفه و قال : إنّ الولد لفتنة ، لقد نزلت إليه و ما أدري ، ثمّ صعد فأتمّ الخطبة ٣ .

و روى أبو نعيم في ( حليته ) عن أبي بكرة قال : كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يصلّي بنا ، فيجي‏ء الحسن عليه السّلام و هو ساجد صبي صغير ، حتّى يصير على ظهره ،

فيرفعه رفعا رفيقا ، فلمّا صلّى صلاته قالوا : يا رسول اللَّه إنّك لتصنع بهذا الصّبي شيئا لا تصنعه بأحد . فقال : إنّ هذا ريحانتي . . . ٤ .

و عن البراء قال : رأيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله واضعا الحسن عليه السّلام على عاتقه ، فقال :

من أحبّني فليحبّه ٥ .

و عن أبي هريرة قال : أتى الحسن عليه السّلام يوما يشتدّ حتّى قعد في حجر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، فجعل يقول بيديه هكذا في لحية النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يفتح فمه ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٢٤ .

( ٢ ) رواه عن كامل المبرد بهذا اللفظ ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ١٩ ، و رواية المبرد في الكامل ٤ : ١٠٥ بلفظ أخصر .

( ٣ ) نقله عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١٠ ، شرح الكتاب ٣١ .

( ٤ و ٥ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٥ .

١٠٧

ثم يدخل فمه في فمه و يقول : اللّهمّ إنّي احبّه فأحبّه و أحبّ من يحبّه . يقولها ثلاث مرّات ١ .

و قال المسعودي : لمّا دفن الحسن عليه السّلام وقف محمّد بن الحنفية أخوه على قبره فقال : لئن عزّت حياتك ، لقد هدّت وفاتك ، و لنعم الرّوح روح تضمّنه كفنك ، و لنعم الكفن كفن تضمّن بدنك ، و كيف لا تكون هكذا و أنت عقبة الهدى ،

و خلف أهل التّقوى و خامس أصحاب الكساء ، غذتك بالتّقوى أكفّ الحقّ ،

و أرضعتك ثدي الإيمان ، و ربيّت في حجر الإسلام ، فطبت حيّا و ميّتا ٢ .

و نقل أبو الفرج عن عمر بن بشير قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذلّ النّاس ؟ قال : حين مات الحسن عليه السّلام ، و ادّعي زياد ، و قتل حجر بن عدي ٣ .

« فإنّني أنفس » أي أضنّ و أبخل .

« بهذين يعني الحسن و الحسين عليهما السّلام » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

( الحسنين عليهما السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة ) ٤ .

« على الموت » روى الخطيب في ( نصر بن عليّ الجهضمي ) عن نصر عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه : أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أخذ بيد الحسن و الحسين ، فقال : من أحبّني ، و أحبّ هذين و أباهما و امّهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

و قال : لمّا حدّث نصر بهذا الحديث أمر المتوكّل بضربه ألف سوط ، و كلّمه جعفر بن عبد الواحد ، و جعل يقول له : هذا الرّجل من أهل

ــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٥ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٢٨ .

( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٥٠ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٩ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١٤ مثل المصرية أيضا .

١٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

السنّة و لم يزل به حتّى تركه ١ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن ( صحيح البخاري ) : كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يعوّذ الحسن و الحسين فيقول : اعيذكما بكلمات اللَّه التّامة من كلّ شيطان و هامة ، و من كلّ عين لامة . و يقول : إنّ أباكما إبراهيم عليه السّلام كان يعوّذ بها إسماعيل و إسحاق ٢ .

و عن ( فضائل أحمد بن حنبل ) : عن واثلة بن أسقع قال : أتيت فاطمة عليها السّلام أسألها عن عليّ عليه السّلام ، فقالت : توجّه إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . فجلست انتظره و إذا بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قد أقبل و معه عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام ، قد أخذ بيد كلّ واحد منهما حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن عليه السّلام على فخذه اليمنى ،

و الحسين عليه السّلام على فخذه اليسرى ، و أجلس عليّا و فاطمة عليهما السّلام بين يديه ، ثمّ لفّ عليهم كساه أو ثوبه ، ثمّ قرأ : إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ثم قال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي حقّا ٣ .

و عن ( تفسير الثعلبي ) في قوله تعالى : مرج البحرين يلتقيان . بينهما برزخ لا يبغيان . فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان . يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان ٤ . البحرين : عليّ و فاطمة عليهما السّلام و البرزخ : محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و اللّؤلؤ و المرجان : الحسن و الحسين عليهما السّلام ٥ .

و في ( أمالي محمّد بن محمّد بن النّعمان ) : عن الجعابي مسندا عن جابر الأنصاري قال : خرج علينا النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله آخذا بيد الحسن و الحسين عليهما السّلام ، فقال :

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٣ : ٢٨٧ .

( ٢ ) رواه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٩٤ ، و أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٢٣٩ و غيره .

( ٣ ) تذكرة الخواص : ٢٢٣ ، ٢٣٤ ، و نقل الأخير بتصرف ، و الآية ٣٣ من سورة الأحزاب .

( ٤ ) الرحمن : ١٩ ٢٢ .

( ٥ ) تذكرة الخواص : ٢٣٣ ، ٢٣٤ ، و نقل الأخير بتصرف .

١٠٩

إنّ ابني هذين ربيتهما صغيرين ، و دعوت لهما كبيرين ، و سألت اللَّه تعالى لهما ثلاثا ، فأعطاني اثنتين و منعني واحدة : سألت اللَّه لهما أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيّين ، فأجابني إلى ذلك ، و سألت اللَّه أن يقيهما و ذرّيتهما و شيعتهما النّار فأعطاني ذلك ، و سألت اللَّه أن يجمع الامّة على محبتهما فقال : يا محمّد إنّي قضيت قضاء ، و قدرت قدرا ، و إنّ طائفة من امّتك ستفي لك بذمّتك في اليهود و النّصارى و المجوس ، و سيخفرون ذمّتك في ولدك ، و إنّي أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألاّ احلّه محلّ كرامتي ، و لا أسكنه جنّتي ، و لا أنظر إليه بعين رحمتي ، إلى يوم القيامة ١ .

و روى ابن ديزيل في ( صفّينه ) مسندا عن زيد بن أرقم قال : كنّا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و هو في الحجرة يوحى إليه ، و نحن ننتظره حتّى اشتدّ الحرّ ،

فجاء عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ، و معه فاطمة و حسن و حسين عليهم السّلام ، فقعدوا في ظلّ حائط ينتظرونه ، فلمّا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله رآهم فأتاهم ، و وقفنا نحن مكاننا ، ثمّ جاء إلينا و هو يظلّهم بثوبه ممسكا بطرف من الثّوب و عليّ ممسك بطرفه الآخر ، و هو يقول : اللّهمّ إنّي احبّهم فأحبّهم ، اللّهمّ إنّي سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم . فقال ذلك ثلاث مرّات ٢ .

و روى الخطيب في ( طي بن اسماعيل ) : أنّ رجلا جاء إلى الحسن و الحسين فسألهما فقالا : إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة : لحاجة مجحفة ، أو لحمالة مثقلة ، أو دين فادح ، فأعطياه . ثمّ أتى ابن عمر فأعطاه و لم يسأله . فقال له الرجل : أتيت ابني عمّك فسألاني و أنت لم تسألني . فقال ابن عمر : أنبأنا النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّهما كانا يغرّان العلم غرّا ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي المفيد : ٧٨ ح ٣ المجلس ٩ .

( ٢ ) نقله عن ابن ديزل في صفين ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٨٩ ، شرح الخطبة ٤٨ .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٣٦٦ .

١١٠

و في ( المعجم ) : بينما ابن السّكّيت مع المتوكّل يوما جاء المعتزّ و المؤيّد ،

فقال له المتوكّل : أيّهما أحبّ إليك : ابناي هذان أم الحسن و الحسين عليهما السّلام ، فذكر ابن السّكّيت الحسن و الحسين عليهما السّلام بما هما أهله ، و سكت عن ابنيه ، و قيل : قال له : إنّ قنبرا خادم عليّ عليه السّلام أحبّ إليّ من ابنيك . فأمر المتوكّل الأتراك فسلّوا لسانه و داسوا بطنه ، و حمل إلى بيته ، فعاش يوما و بعض آخر ، و مات في سنة ( ٢٤٣ ) ١ .

و روى ( أمالي ابن الشيخ ) عن الحسين بن زيد قال : سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن سنّ جدّنا عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال : أخبرني أبي عن أبيه قال :

كنت أمشي خلف عمّي الحسن و أبي الحسين عليهما السّلام في بعض طرقات المدينة ،

في العام الّذي قبض فيه عمّي ، و أنا يومئذ غلام لم اراهق أو كدت ، فلقيهما جابر بن عبد اللَّه ، و أنس بن مالك في جماعة من قريش و الأنصار ، فما تمالك جابر حتّى أكبّ على أيديهما و أرجلهما يقبّلها . فقال رجل من قريش كان نسيبا لمروان لجابر : أتصنع هذا و أنت في سنّك هذا ، و موضعك من صحبة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ؟ و كان جابر شهد بدرا فقال له : إليك عنّي ، فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما ما أعلم لقبّلت ما تحت أقدامهما من التراب . ثمّ أقبل جابر على أنس فقال له : أخبرني النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيهما بأمر ما ظننت أنّه يكون في بشر .

قال له أنس : و بماذا أخبرك ؟ قال عليّ بن الحسين عليه السّلام : فانطلق الحسن و الحسين عليهما السّلام ، و بقيت أنا أسمع محاورة القوم ، فأنشأ جابر يحدّث ، قال :

بينما النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ذات يوم في المسجد ، و قد حفّ بمن حوله إذ قال لي : ادع لي حسنا و حسينا . و كان شديد الكلف بهما ، فانطلقت فدعوتهما ، و أقبلت أحمل هذا مرّة ، و هذا اخرى ، حتّى جئت بهما إليه ، فقال لي و أنا أعرف السّرور في

ــــــــــــــــ

( ١ ) معجم الأدباء للحموي ٢٠ : ٥٠ بفرق يسير .

١١١

وجهه لما رأى من تكريمي لهما أتحبّهما ؟ قلت : و ما يمنعني من ذلك ، و أنا أعرف مكانهما منك ؟ قال : أفلا اخبرك عن فضلهما ؟ قلت : بلى بأبي أنت و امّي .

قال : إنّ اللَّه تعالى لمّا أحبّ أن يخلقني خلقني نطفة بيضاء طيّبة ، فأودعها صلب أبي آدم عليه السّلام ، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى عبد المطّلب ،

ثمّ افترقت تلك النطفة شطرين إلى عبد اللَّه و أبي طالب ، فولدني أبي ، فختم اللَّه بي النبوّة ، و ولد عليّ فختم اللَّه به الوصيّة ، ثمّ اجتمعت النّطفتان منّي و من عليّ فولدنا الجهر و الجهير الحسنان ، فختم بهما أسباط النّبوّة ، و جعل ذريّتي منهما ، و من ذريّة هذا و أشار إلى الحسين عليه السّلام رجل يخرج في آخر الزّمان ،

يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا ، فهما طاهران مطهّران ، و هما سيّدا شباب أهل الجنّة ، طوبى لمن أحبّهما و أباهما و امهما ، و ويل لمن حاربهم و أبغضهم ١ .

قلت : و من هو ان الدّنيا أن يقتل مثلهما يزيد السكّير القمّير ، أمّا الحسين عليه السّلام فمعلوم ، و أمّا الحسن عليه السّلام ففي ( مقاتل أبي الفرج ) : أنّ معاوية لمّا أراد البيعة لابنه يزيد لم يكن شي‏ء أثقل عليه من أمر الحسن عليه السّلام و سعد بن أبي وقاص ، فدسّ إليهما سمّا فماتا منه ٢ .

قلت : و وجه ثقل سعد عليه أنّه لو كان بايع لابنه في حياته كان سعد يقول له : أنا من ستّة شورى عمر ، و أنا أحقّ من ابنك بالبيعة لي . و أمّا الحسن عليه السّلام فمع أنّه كانت خلافة جدّه حقّه كان معاوية عاهده عليه السّلام على أن يردّ الأمر بعده إليه .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) أيضا : أنّ معاوية أرسل إلى ابنة الأشعث زوجة

ــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي أبي علي الطوسي ٢ : ١١٣ المجلس ١٨ .

( ٢ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٧ .

١١٢

الحسن عليه السّلام : أنّي مزوّجك بيزيد ابني ، على أن تسمّي الحسن بن علي . و بعث إليها بمائة ألف درهم ، فقبلت و سمّت الحسن عليه السّلام ، فسوّغها المال و لم يزوّجها منه ، فخلّف عليها رجل من آل طلحة فأولدها ، فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيّروهم ، و قالوا : يا بني مسمّة الأزواج ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا كتب عامل المدينة إلى معاوية بموت الحسن عليه السّلام أظهر فرحا و سرورا حتّى سجد ، و سجد من كان معه ، فبلغ ذلك عبد اللَّه بن عباس و كان بالشّام يومئذ فدخل على معاوية ، فلمّا جلس قال معاوية : يابن عباس هلك الحسن بن علي . فقال ابن عبّاس : نعم هلك ، . . . إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون ٢ ترجيعا مكرّرا ، و قد بلغني الّذي أظهرت من الفرح و السّرور بوفاته ، أما و اللَّه ما سدّ جسده حفرتك ، و لا زاد نقصان أجله في عمرك ، و لقد مات و هو خير منك ، و لئن اصبنا به لقد اصبنا بمن كان خيرا منه :

جدّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، فجبر اللَّه مصيبته ، و خلّف علينا من بعده أحسن الخلافة .

ثمّ شهق ابن عبّاس و بكى ، و بكى من حضر في المجلس ، و بكى معاوية . قال الرّاوي : فما رأيت يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم . فقال معاوية : بلغني أنّه ترك بنين صغارا . فقال ابن عبّاس : كلّنا كان صغيرا فكبر . قال معاوية : كم أتى له من العمر ؟ فقال ابن عبّاس : أمر الحسن عليه السّلام أعظم من أن يجهل أحد مولده .

فسكت معاوية يسيرا ، ثم قال : يابن عباس أصبحت سيّد قومك من بعده . فقال ابن عبّاس : أما ما أبقى اللَّه أبا عبد اللَّه الحسين فلا ٣ .

و روى الطبري عن عائشة بنت سعد ، قالت : حدّ نساء بني هاشم على

ــــــــــــــــ

( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٨ .

( ٢ ) البقرة : ١٥٦ .

( ٣ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٧٥ .

١١٣

الحسن بن علي عليه السّلام سنة . و عن ام بكر بنت المسور : أقام نساء بني هاشم النّوح عليه عليه السّلام شهرا . و روي عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : مكث النّاس يبكون على الحسن بن علي عليه السّلام سبعا ما تقوم الأسواق . و روي عن ثعلبة بن أبي مالك .

قال : دفنّاه عليه السّلام بالبقيع ، و لقد رأيت البقيع و لو طرحت فيها إبرة ما وقع إلاّ على رأس إنسان ١ .

و روى أبو الفرج عن الحسن عليه السّلام قال : لقد سقيت السمّ مرارا ، ما سقيته مثل هذه المرّة ، و لقد لفظت قطعة من كبدي ، فجعلت اقلّبها بعود معي إلى أن قال و قد كان أوصى أن يدفن مع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فمنع مروان بن الحكم من ذلك ،

و ركبت بنو امية في السّلاح ، و جعل مروان يقول : « يا ربّ هيجاء هي خير من دعة » أ يدفن عثمان في أقصى البقيع ، و يدفن الحسن في بيت النّبيّ ؟ و اللَّه لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف إلى أن قال قال يحيى بن الحسن : و سمعت عليّ بن طاهر بن زيد يقول : لمّا أرادوا دفنه ركبت عايشة بغلا ، و استنفرت بني امية : مروان بن الحكم و من كان هناك منهم و من حشمهم ، و هو قول القائل :

فيوما على بغل و يوما على جمل ٢

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) قال الواقدي : إنّ مروان لمّا منع من دفن الحسن عليه السّلام مع جدّه قال أبو هريرة : لو مات ابن لموسى أما كان يدفن مع أبيه ٣ ؟

و روى نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) عن زيد بن بدر قال : بعث عبيد اللَّه بن عمر إلى الحسن عليه السّلام فقال : إنّ لي إليك حاجة فالقني . فلقيه ، فقال له عبيد اللَّه :

ــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ١٩ ، و النقل بتقديم و تأخير .

( ٢ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٨ ، ٤٩ .

( ٣ ) تذكرة الخواص لابن الجوزي : ٢١٣ .

١١٤

إنّ أباك قد وتر قريشا أوّلا و آخرا ، و قد شنؤوه ، فهل لك أن تخلفه ، و نوليّك هذا الأمر ؟ قال : كلاّ و اللَّه لا يكون ذلك . ثم قال له الحسن عليه السّلام : لكأنّي أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك ، أما إنّ الشيطان قد زيّن لك و خدعك حتّى أخرجك مخلّقا بالخلوق ، ترى نساء أهل الشّام موقفك ، و سيصرعك اللَّه و يبطحك لوجهك قتيلا . قال : فو اللَّه ما كان إلاّ كيومه أو كالغد و كان القتال ، فخرج عبيد اللَّه في كتيبة رقطاء و هي الخضرية ، كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر و نظر الحسن عليه السّلام فإذا هو برجل متوسد رجل قتيل ، قد ركز رمحه في عينه ، و ربط فرسه برجله . فقال الحسن لمن معه : انظروا من هذا ، فاذا هو برجل من همدان ،

و إذا القتيل عبيد اللَّه ، قد قتله و بات عليه حتّى أصبح ١ .

و روى ( ذيل الطبري ) عن أبي المهزّم قال : كنّا مع أبي هريرة في جنازة ،

فلمّا رجعنا أعيى الحسين عليه السّلام صعد ، فجعل أبو هريرة ينفض التّراب عن قدميه بثوبه ، فقال له الحسين عليه السّلام : أنت يا أبا هريرة تفعل هذا ؟ قال : دعني منك ، فلو يعلم النّاس منك ما أعلم لحملوك على عواتقهم ٢ .

و روى ( الاستيعاب ) عن أبي هريرة قال : أبصرت عيناي هاتان و سمعت اذناي النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و هو آخذ بكفّيّ الحسين عليه السّلام ، و قدماه على قدم النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و هو يقول : ترقّ عين بقة فرقى الغلام ، حتّى وضع قدميه على صدر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، ثمّ قال له النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : افتح فاك . ثمّ قبّله ، ثمّ قال : اللّهمّ أحبّه فإنّي احبّه ٣ .

و عن ابن عبّاس قال : رأيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في ما يرى النّائم نصف النّهار ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ٢٩٧ .

( ٢ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٢٥ .

( ٣ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٣٨٠ ، ٣٨٢ .

١١٥

و هو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت و امّي يا رسول اللَّه ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين عليه السّلام لم أزل ألتقطه منذ اليوم . فوجد قد قتل في ذلك اليوم ١ .

و روى ( اسد الغابة ) بأسانيد عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال : كنت في مسجد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، في حلقة فيها أبو سعيد الخدري و عبد اللَّه بن عمرو بن العاص فمرّ بنا حسين بن علي عليه السّلام فسلّم ، فردّ القوم السّلام ، فسكت عبد اللَّه حتّى فرغوا فرفع صوته و قال : و عليك السّلام و رحمة اللَّه و بركاته . ثمّ أقبل على القوم فقال : ألا اخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء ؟ قالوا : بلى . قال :

هو هذا الماشي ، ما كلّمني كلمة منذ ليالي صفّين ، و لأن يرضى عنّي أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النّعم . فقال أبو سعيد : ألا تعتذر إليه . قال : بلى . إلى أن قال فقال له الحسين عليه السّلام : أعلمت يا عبد اللَّه أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء ؟ قال : أي و ربّ الكعبة . قال : فما حملك على أن تقاتلني و أبي يوم صفّين ؟ فو اللَّه لأبي كان خيرا منّي . قال : أجل و لكن عمرا أي : أباه شكاني إلى النّبيّ الخبر ٢ في عذره الباطل .

و روى مصعب الزّبيري في ( نسب قريشه ) : أنّ ابن عمر قال في رجل من أهل العراق سأله عن دم البعوض في ثوبه : انظروا هذا يسألني عن دم البعوض ، و قد قتلوا ابن رسول اللَّه ، و قد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول : الحسن و الحسين هما ريحانتي من الدّنيا . قال مصعب : و حجّ الحسين عليه السّلام خمسا و عشرين حجّة ماشيا ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٣٨٠ ، ٣٨٢ .

( ٢ ) اسد الغابة لابن الأثير ٣ : ٢٣٤ .

( ٣ ) نسب قريش للزبيري : ٢٥ .

١١٦

أهل العراق سأله عن دم البعوض في ثوبه : انظروا هذا يسألني عن دم البعوض ، و قد قتلوا ابن رسول اللَّه ، و قد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول : الحسن و الحسين هما ريحانتي من الدّنيا . قال مصعب : و حجّ الحسين عليه السّلام خمسا و عشرين حجّة ماشيا ١ .

و روى ( تاريخ الطبري ) عن حميد بن مسلم قال : دخلت على ابن زياد فإذا رأس الحسين عليه السّلام موضوع بين يديه ، و إذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة ، فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له : اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فو اللَّه الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللَّه على هاتين الشّفتين يقبّلهما . ثم انفضخ الشّيخ يبكي . فقال له ابن زياد : أبكى اللَّه عينيك ، فو اللَّه لو لا أنّك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك ٢ .

و رواه سبط ابن الجوزي و زاد : فقال زيد لابن زياد : لأحدّثنك حديثا أغلظ من هذا ، رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، و حسينا على فخذه اليسرى ، ثمّ وضع يده على يافوخيهما ثم قال : اللّهمّ إنّي أستودعك إيّاهما و صالح المؤمنين . فكيف كانت وديعة رسول اللَّه عندك يابن زياد ؟ ٣ .

و روى الطّبري أيضا عن القاسم بن بخيت قال : أذن يزيد للنّاس فدخلوا و الرّأس بين يديه ، و مع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره ، ثمّ قال : إنّ هذا و إيّانا كما قال الحصين بن حمّام المرّي :

يفلّقن هاما من رجال أحبّة

إلينا و هم كانوا أعقّ و أظلما

فقال رجل من أصحاب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقال له : أبو برزة الأسلمي : أتنكت

ــــــــــــــــ

( ١ ) نسب قريش للزبيري : ٢٥ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٣٩ السنة ٦١ .

( ٣ ) تذكرة الخواص لابن الجوزي : ٢٥٧ .

١١٧

بقضيبك في ثغر الحسين عليه السّلام ؟ أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يرشفه ١ .

و روى الطّبري عن حصين بن عبد الرّحمن قال : لمّا قتل الحسين عليه السّلام لبثوا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما تلطخ الحوائط بالدّماء ساعة تطلع الشّمس حتّى ترتفع ٢ .

و روى في ( ذيل تاريخه ) عن شيخ من النّخع قال : قال الحجاج : من كان له بلاء فليقم . فقام قوم فذكروا ، و قام سنان بن أنس فقال : أنا قاتل الحسين .

فقال : بلاء حسن ، و رجع إلى منزله ، فاعتقل لسانه و ذهب عقله ، فكان يأكل و يحدث مكانه ٣ .

و روى ثعلب في أوّل الثاني من ( مجالسه ) عن أبي جناب الكلبي قال :

أتيت كربلا ، فقلت لرجل من أشراف العرب بها : بلغنا أنّكم تسمعون نوح الجنّ ؟ قال : ما تلقى حرّا و لا عبدا إلاّ أخبرك أنّه سمع ذلك . قلت : فأخبرني ما سمعت أنت ؟ قال : سمعتهم يقولون :

مسح الرّسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

جدّه خير الجدود ٤

و عن السّدي قال : أتيت كربلا أبيع البرّ بها ، فعمل لنا شيخ من طي طعاما فتعشينا عنده ، فذكرنا قتل الحسين عليه السّلام ، فقلت : ما شرك في قتله أحد إلاّ مات بأسوأ ميتة . فقال : ما أكذبكم يا أهل العراق فأنا فيمن شرك في ذلك . فلم يبرح حتّى دنا من المصباح و هو يتّقد بنفط ، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه ، فأخذت

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٥٦ سنة ٦١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٩٦ سنة ٦٠ ، و أنساب البلاذري ٣ : ٢٠٩ ح ٥٣ و غيرهما .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٢٥ .

( ٤ ) مجالس ثعلب ٢ : ٤٠٧ .

١١٨

النّار فيها ، فأخذ يطفئها بريقه ، فأخذت النار في لحيته ، فعدا فألقى نفسه في الماء ، فرأيته كأنّه حممة ١ .

و روى الطبري عن حميد بن مسلم قال : قال عبد اللَّه بن أبي حصين الأزدي للحسين عليه السّلام : ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السّماء ، و اللَّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا . فقال الحسين عليه السّلام : اللّهمّ اقتله عطشا ، و لا تغفر له أبدا . قال حميد بن مسلم : و اللَّه لعدته بعد ذلك في مرضه ، فو اللَّه الّذي لا إله إلاّ هو لقد رأيته يشرب حتّى يبغر ثمّ يقي‏ء ، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر ، فما يروى ،

فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غصّته . يعني نفسه ٢ .

و عن القاسم بن أصبغ بن نباتة ، قال : حدّثني من شهد الحسين عليه السّلام في عسكره : أنّ حسينا حين غلب على عسكره ركب المسناة يريد الفرات ، فقال رجل من بني أبان بن دارم : ويلكم حولوا بينه و بين الماء لا تتامّ إليه شيعته .

و ضرب فرسه ، و اتبعه النّاس حتّى حالوا بينه و بين الفرات ، فقال الحسين عليه السّلام : اللهمّ أظمه إلى أن قال فو اللَّه إن مكث الرّجل إلاّ يسيرا حتّى صبّ اللَّه عليه الظّمأ ، فجعل لا يروى . قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيتني في من يروّح عنه ، و الماء يبرّد له فيه السّكر ، و عساس فيها اللبن ، و قلال فيها الماء ،

و إنّه ليقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ فيعطى القلّة أو العسّ كان مرويا أهل بيت فيشربه ، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ، ثمّ يقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ . فو اللَّه ما لبث إلاّ يسيرا حتّى انقدّ بطنه ، انقداد بطن البعير ٣ .

و روى عن مسروق بن وائل قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين عليه السّلام ، فقلت : أكون في أوائلها لعلّي اصيب رأس الحسين ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) مجالس ثعلب ٢ : ٤٠٧ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣١٢ ، ٣٤٣ سنة ٦١ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣١٢ ، ٣٤٣ سنة ٦١ .

١١٩

فاصيب به منزلة عند عبيد اللَّه بن زياد ، فلمّا انتهينا إلى الحسين تقدّم رجل من القوم يقال له : ابن حوزة فقال : أفيكم حسين ؟ فسكت الحسين ،

فقالها ثانية ، فسكت حتّى إذا كانت الثّالثة قال : قولوا : نعم ، هذا حسين ،

فما حاجتك ؟ قال : يا حسين أبشر بالنّار . قال : كذبت ، بل أقدم على ربّ غفور ،

و شفيع مطاع ، فمن أنت ؟ قال : ابن حوزة . فرفع الحسين يديه حتّى رأينا بياض إبطيه من فوق الثّياب ، ثمّ قال : اللّهمّ حزه إلى النّار . فغضب ابن حوزة ،

فذهب ليقحم إليه الفرس و بينه و بينه نهر فعلقت قدمه بالرّكاب ، و جالت به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت قدمه و ساقه و فخذه ، و بقي جانبه الآخر متعلّقا بالرّكاب . قال عبد الجار أخو مسروق فرجع مسروق و ترك الخيل من ورائه ، فسألته فقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا اقاتلهم أبدا ١ .

و عن عفيف بن زهير و كان قد شهد مقتل الحسين عليه السّلام قال : و خرج يزيد بن معقل فقال يا برير بن حضير : كيف ترى اللَّه صنع بك ؟ قال : صنع اللَّه و اللَّه بي خيرا ، و صنع اللَّه بك شرّا . قال : كذبت ، و قبل اليوم ما كنت كذّابا ، هل تذكر و أنا اماشيك في بني لو ذان و أنت تقول : إنّ عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفا ، و إنّ معاوية بن أبي سفيان ضالّ مضلّ ، و إنّ إمام الهدى و الحقّ عليّ بن أبي طالب ؟ فقال له برير : أشهد أنّ هذا رأيي و قولي . فقال له يزيد : فإنّي أشهد أنّك من الضّالّين . فقال له برير : هل لك فلاباهلك ، و لندع اللَّه أن يلعن الكاذب ، و أن يقتل المبطل إلى أن قال ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ،

فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، و ضربه برير ضربة قدّت المغفر و بلغت الدّماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، و إنّ سيف

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٨ سنة ٦١ .

١٢٠