بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 446
المشاهدات: 42791
تحميل: 4689


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42791 / تحميل: 4689
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

و الآية الخامسة : قوله تعالى : و آت ذا القربى حقّه . . . ١ فلمّا نزلت هذه الآية على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : ادعوا لي فاطمة . فدعيت . فقال : يا فاطمة هذه فدك ،

و هي ممّا لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب ، و هي لي خاصّة دون المسلمين ، و قد جعلتها لك لما أمرني اللَّه به ، فخذيها لك و لولديك .

و الآية السادسة : قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودة في القربى . . . ٢ .

و هذه خصوصيّة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلى يوم القيامة ، و خصوصية للآل دون غيرهم ،

و ذلك أنّه تعالى حكى عن نوح أنّه قال : و يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلاّ على اللَّه و ما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقوا ربّهم و لكنّي أراكم قوما تجهلون ٣ ، و حكى عن هود أنّه قال : لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلاّ على الذي فطرني أفلا تعقلون ٤ ، و قال تعالى لنبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه و آله قل يا محمّد : . . . لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى . . . ٥ . و لم يفترض اللَّه مودّتهم إلاّ و قد علم أنّهم لا يرتدّون عن الدّين أبدا ، و لا يرجعون إلى ضلال أبدا ، و أحرى أن يكون الرّجل و ادّا للرجل ، فيكون بعض أهل بيته عدوّا له ، فلا يسلم له قلب الرّجل ، فأحبّ تعالى أن لا يكون في قلب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله على المؤمنين شي‏ء ،

ففرض اللَّه عليهم مودّة ذوي القربى ، فمن أخذ بها و أحبّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و أحب أهل بيته لم يستطع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أن يبغضه ، و من تركها ، و لم يأخذ بها ، و أبغض أهل بيته فعلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أن يبغضه ، لأنّه قد ترك فريضة من فرائض اللَّه عزّ و جلّ ، فأيّ فضيلة ، و أيّ شرف يتقدّم هذا أو يدانيه ؟ و لمّا أنزل تعالى هذه

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦١ .

( ٢ ) الشورى : ٢٣ .

( ٣ ) هود : ٢٩ .

( ٤ ) هود : ٥١ .

( ٥ ) الشورى : ٢٣ .

٣٨١

الآية على نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله قام في أصحابه ، فحمد اللَّه تعالى ، و أثنى عليه ، و قال : أيّها النّاس إنّ اللَّه قد فرض لي عليكم فرضا ، فهل أنتم مؤدوه ؟ فلم يجبه أحد ، فقال :

أيّها الناس إنّه ليس بذهب و لا فضّة ، و لا مأكول ، و لا مشروب . فقالوا : هات إذن .

فتلا عليهم : . . . قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى . . . ١ ، فقالوا : أما هذه فنعم . فما وفى بها أكثرهم ، و ما بعث اللَّه تعالى نبيّا إلاّ و أوحى إليه : أن لا يسأل قومه أجرا ، لأنّه تعالى يوفي أجر الأنبياء ، و أمّا محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ففرض اللَّه طاعته و مودّة قرابته على امّته ، و أمره أن يجعل أجره فيهم ، ليؤدوه في قرابته بمعرفة فضلهم الّذي أوجب تعالى لهم ، فإنّ المودّة إنّما تكون على قدر معرفة الفضل ، فلمّا أوجب اللَّه تعالى ذلك لثقل وجوب الطاعة ، فتمسّك بها قوم ، أخذ اللَّه تعالى ميثاقهم على الوفاء ، و عاند فيه أهل الشقاق و النفاق ، و ألحدوا في ذلك ، فصرفوه عن حدّه الّذي حدّه عزّ و جلّ فقالوا : القرابة هي العرب كلّها ،

و أهل دعوته . فعلى أيّ الحالتين كان ، فقد علمنا أنّ المودّة في القرابة ، فأقربهم من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أولاهم بالمودّة ، و كلّما قربت القرابة كانت المودّة للقرابة على قدرها . و ما أنصفوا نبيّ اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في حيطته و رأفته ، و ما منّ اللَّه به على امّته ممّا تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه ألاّ يؤدّوه في ذريّته و أهل بيته ، و أن لا يجعلوهم فيهم بمنزلة العين من الرّأس ، حفظا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيهم و حبّا لهم ، فكيف ، و القرآن ينطق به و يدعو إليه ، و الأخبار ثابتة بأنّهم أهل المودّة ،

و الّذين فرض اللَّه مودّتهم ، و وعد الجزاء عليها ؟ فما وفى أحد بها مؤمنا مخلصا إلاّ استوجب الجنّة ، لقوله عزّ و جلّ في هذه الآية : . . . و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤون عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشّر اللَّه عباده الّذين آمنوا و عملوا الصالحات قل

ــــــــــــــــ

( ١ ) الشورى : ٢٣ .

٣٨٢

لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى . . . ١ مفسرا و مبيّنا .

و أمّا الآية السابعة : فقوله تعالى : إنّ اللَّه و ملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ٢ ، و قد علم المعاندون منهم أنّه لمّا نزلت هذه الآية قيل : يا رسول اللَّه قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : تقولون : « اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد » . فهل بينكم في هذا خلاف ؟ قالوا : لا ،

و قال المأمون هذا ممّا لا خلاف فيه أصلا ، و عليه إجماع الامّة .

قال المأمون : فهل عندك في الآل شي‏ء أوضح من هذا في القرآن ؟ قال :

نعم . أخبروني عن قوله عزّ و جلّ : يس . و القرآن الحكيم . إنّك لمن المرسلين . على صراط مستقيم ٣ فمن عنى بقوله : يس ؟ قالوا :

يس : محمّد لم يشكّ فيه أحد . قال عليه السّلام : فإن اللَّه عزّ و جلّ أعطى محمّدا و آل محمّد عليهم السّلام من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه ، و ذلك أنّه عزّ و جلّ لم يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء ، فقال تعالى : سلام على نوح في العالمين ٤ .

سلام على إبراهيم ٥ ، سلام على موسى و هارون ٦ و لم يقل : سلام على آل نوح . سلام على آل إبراهيم . سلام على آل موسى و هارون . و قال :

سلام على آل ياسين ٧ يعني : آل محمّد صلوات اللَّه عليهم فقال المأمون :

ــــــــــــــــ

( ١ ) الشورى : ٢٢ ٢٣ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٦ .

( ٣ ) يس : ١ ٤ .

( ٤ ) الصافات : ٧٩ .

( ٥ ) الصافات : ١٠٩ .

( ٦ ) الصافات : ١٢٠ .

( ٧ ) الصافات : ١٣٠ هذه قراءة نافع و ابن عامر و يعقوب من القرّاء العشرة ، كما نقل عنهم الداني في التيسير : ١٨٧ و ابن الجزري في النشر ٢ : ٣٦٠ ، و روى عن علي عليه السّلام و ابن عباس و ابي مالك و عمر .

٣٨٣

إنّ في معدن النبوّة شرح هذا و بيانه .

و أمّا الآية الثامنة : فقوله عزّ و جل : و اعلموا أنّما غنمتم من شي‏ء فأنّ للَّه خمسه و للرّسول و لذي القربى . . . ١ . فقرن سهم ذي القربى بسهمه و بسهم رسوله صلّى اللَّه عليه و آله . فهذا أيضا فصل بين الآل و الامّة ، لأنّه عزّ و جل جعلهم في حيّز ،

و جعل النّاس في حيّز دون ، و رضي لهم ما رضي لنفسه و اصطفاهم فيه ، فبدأ بنفسه ثمّ ثنّى برسوله ثمّ بذي القربى ، فكلّ ما كان من الفي‏ء و الغنيمة ، و غير ذلك ممّا رضيه عزّ و جلّ ، لنفسه ، رضيه لهم ، فقال و قوله الحقّ : و اعلموا أنّما غنمتم من شي‏ء فأنّ للَّه خمسه و للرّسول و لذي القربى . . . ٢ فهذا تأكيد مؤكّد ،

و أثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب اللَّه الناطق الّذي : لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ٣ .

و أمّا قوله : و اليتامى و المساكين ٤ فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ، و لم يكن له فيها نصيب ، و كذلك المسكين إذا انقطع مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ، و لا يحل له أخذه ، و سهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم ، للغنيّ و الفقير منهم ، لأنّه لا أحد أغنى من اللَّه عزّ و جلّ و لا من رسوله ، فجعل منها لنفسه سهما و لرسوله سهما ، و ما رضيه لنفسه و لرسوله صلّى اللَّه عليه و آله رضيه لهم ، و كذلك الفي‏ء ، ما رضيه منه لنفسه و لنبيّه رضيه لذي القربى ، كما أجراهم في الغنيمة ، فبدأ بنفسه جلّ جلاله ، ثمّ برسوله ، ثمّ بهم ، و قرن سهمهم بسهمه و سهم رسوله ، و كذلك في الطاعة ، قال : يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرّسول و اولي الأمر منكم . . . ٥ فبدأ بنفسه

ــــــــــــــــ

( ١ و ٢ ) الأنفال : ٤١ .

( ٣ ) فصّلت : ٤٢ .

( ٤ ) الأنفال : ٤١ .

( ٥ ) النساء : ٥٩ .

٣٨٤

ثمّ برسوله ثمّ بأهل بيته ، و كذلك ولايتهم مع ولاية الرّسول مقرونة بولايته ،

كما جعل سهمهم مع سهم الرسول صلّى اللَّه عليه و آله مقرونا بسهمه من الغنيمة و الفي‏ء ،

فتبارك اللَّه و تعالى ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت ، فلمّا جاءت قصة الصدقة نزّه نفسه و رسوله و أهل بيته ، فقال : إنّما الصدقات للفقراء و المساكين و العالمين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل اللَّه و ابن السبيل فريضة من اللَّه . . . ١ . فهل تجد في شي‏ء من ذلك أنّه عزّ و جلّ سمّى لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى ؟ لأنّه لمّا نزّه نفسه عن الصدقة و نزّه رسوله نزّه أهل بيته ، لا بل حرّم عليهم ، لأنّ الصدقة محرّمة على محمّد و آل محمّد ، و هي أوساخ أيدي النّاس لا تحلّ لهم ، لأنّهم طهّروا من كلّ دنس و وسخ ، فلمّا طهّرهم اللَّه و اصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه ، و كره لهم ما كره لنفسه عزّ و جلّ .

و أمّا التاسعة : . . . فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ٢ . فنحن أهل الذكر ، فاسألوا إن كنتم لا تعلمون . فقالوا : إنّما عنى اللَّه بذلك اليهود و النصارى .

فقال : سبحان اللَّه و هل يجوز ذلك ، إذن يدعوننا إلى دينهم ، و يقولون : إنّه أفضل من دين الإسلام ؟ فقال المأمون : فهل عندك شرح بخلاف ما قالوا ؟

فقال عليه السّلام : نعم . الذكر : رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و نحن أهله ، و ذلك بيّن في كتاب اللَّه عزّ و جلّ حيث يقول في سورة الطلاق : . . . فاتّقوا اللَّه يا اولي الألباب الّذين آمنوا قد أنزل اللَّه إليكم ذكرا . رسولا يتلو عليكم آيات اللَّه مبيّنات . . . ٣ .

فالذّكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و نحن أهله .

ــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٦٠ .

( ٢ ) النحل : ٤٣ ، و الأنبياء : ٧ .

( ٣ ) الطلاق : ١٠ ١١ .

٣٨٥

و أمّا العاشرة : فقوله عزّ و جلّ : حرّمت عليكم امّهاتكم و بناتكم . . . ١ .

فأخبروني هل تصلح ابنتي ، و ابنة ابني ، و ما تناسل من صلبي للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّ يتزوّجها لو كان حيّا ؟ قالوا : لا . قال : فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوّجها لو كان حيّا ؟ قالوا : نعم . قال عليه السّلام : ففي هذا بيان ، لأنّي من آله و لستم أنتم من آله ، و لو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم ، كما حرم عليه بناتي .

و أمّا الحادية عشرة : فقوله عزّ و جلّ حكاية عن قول رجل مؤمن من آل فرعون : و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللَّه . . . ٢ . كان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ، و لم يضفه إليه بدينه ، و كذلك خصصنا نحن إذ كنّا من آل النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بولادتنا منه ، و عممنا النّاس بالدّين .

و أمّا الثانية عشرة : فقوله عزّ و جلّ : و أمر أهلك بالصّلاة و اصطبر عليها . . . ٣ . فخصّنا اللَّه تعالى بهذه الخصوصية ، إذ أمرنا مع الامّة بإقامة الصلاة ، ثم خصّنا من دون الامّة ، فكان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يجي‏ء إلى باب علي و فاطمة عليهما السّلام . بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات ، فيقول : « الصّلاة رحمكم اللَّه » . و ما أكرم اللَّه أحدا من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها ، و خصّنا من دون جميع أهل ملّتهم . فقال المأمون و العلماء : جزاكم اللَّه أهل بيت نبيّكم عن هذه الامّة خيرا ،

فما نجد الشّرح و البيان في ما اشتبه علينا إلاّ عندكم ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ٢٣ .

( ٢ ) غافر : ٢٨ .

( ٣ ) طه : ١٣٢ .

( ٤ ) عيون الاخبار للصدوق ١ : ١٧٩ ح ١ .

٣٨٦

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : قال إسماعيل بن عليّ بن عبد اللَّه بن العبّاس :

دخلت على أبي جعفر المنصور يوما ، و قد اخضلت لحيته بالدموع ، فقال لي : ما علمت ما نزل بأهلك ؟ فقلت : و ما ذاك ؟ قال : فإنّ سيّدهم و عالمهم ، و بقيّة الأخيار منهم توفّي . فقلت : و من هو ؟ قال : جعفر بن محمّد . فقلت : أعظم اللَّه أجرك . فقال لي : إنّ جعفرا كان ممّن قال اللَّه فيه : ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا . . . ١ . و كان ممّن اصطفى اللَّه و كان من السابقين بالخيرات ٢ .

و فيه أيضا : أنّ آخر ما نزل على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ٣ . و هي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة ، و كان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بغدير خم .

« و ردوهم ورود الهيم العطاش » الأصل في الهيم : العطش ، يقال : قوم هيم .

أي : عطاش ، ثم غلب على الإبل العطاش ، قال تعالى : فشاربون شرب اليهم ٤ . و حينئذ فذكره عليه السّلام ( العطاش ) بعد ( الهيم ) تأكيد .

روى المالكي في ( فصوله ) : أنّ أبا ذر أخذ بحلقة باب الكعبة و قال :

سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرّأس ، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرّأس ، و لا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين ٥ .

و روى أبو بصير كما في ( الارشاد ) قال : دخلت المدينة و كانت معي

ــــــــــــــــ

( ١ ) فاطر : ٣٢ .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٨٣ .

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٢ ، و النقل بتلخيص ، و الآية ٣ من سورة المائدة .

( ٤ ) الواقعة : ٥٥ .

( ٥ ) الفصول المهمة لابن الصباغ : ٢٦ ، و النقل بتقطيع .

٣٨٧

جويرية لي فأصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمام ، فلقيت أصحابنا الشيعة و هم متوجهون إلى جعفر بن محمّد عليهما السّلام ، فخفت أن يسبقوني و يفوتني الدخول إليه ، فمشيت معهم حتّى دخلت الدّار ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبد اللَّه عليه السّلام نظر إليّ ، ثمّ قال : يا أبا بصير أما علمت أنّ بيوت الأنبياء و أولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب ؟ فاستحييت و قلت له : يابن رسول اللَّه إنّي لقيت أصحابنا فخشيت أن يفوتني الدّخول معهم ، و لن أعود إلى مثلها . و خرجت ١ .

« أيّها الناس خذوها » أي : الجملة التي أقولها .

« من » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( عن ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢.

« خاتم النبيين صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم » لا عنّي .

« إنّه يموت من مات منّا و ليس بميّت » روى الصفار و ابن قولويه عن الصادق عليه السّلام قال : ما من نبيّ و لا وصيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام ،

حتى يرفع بروحه و عظمه و لحمه إلى السماء ، و إنّما يؤتى موضع آثارهم ،

و يبلغ بهم من بعيد السّلام ، و يسمعونهم على آثارهم من قريب ٣ .

و قال شيخنا المفيد في ( مقالاته ) : الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام يحلّ بهم الموت ،

و خالفنا فيه المنتمون إلى التفويض ، و طبقات الغلاة ، و ينقلون من تحت التراب ، فيسكنون بأجسامهم و أرواحهم جنّة اللَّه تعالى ، فيكونون فيها أحياء يتنعمون إلى يوم القيامة ، يستبشرون بمن يلحق بهم من صالحي اممهم و شيعتهم ، و يلقونه بالكرامات ، و ينتظرون من يرد عليهم من أمثال السابقين

ــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد للمفيد : ٢٧٣ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٠ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٢٩٩ « من » أيضا .

( ٣ ) البصائر للصفار : ٤٦٥ ح ٩ ، و كامل الزيارات لابن قولويه : ٣٢٩ ح ٣ .

٣٨٨

في الديانات ، و أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدّنيا ، بإعلام اللَّه تعالى لهم ذلك حالا بعد حال ، و يسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام ، بلطيفة من لطائف اللَّه أبانهم بها من جمهور العباد ، و تبلغهم المناجاة من بعيد كما جاءت به الرواية ، و هذا مذهب فقهاء الامامية كافّة و حملة الآثار منهم ، و لست أعرف فيه لمتكلّميهم من قبل مقالات ، و بلغني عن بني نوبخت خلاف فيه ، و لقيت جماعة من المقصّرين عن المعرفة ممّن ينتمي إلى الإمامية أيضا يأبونه ، و قد قال تعالى :

و لا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتا بل أحياء عند ربّهم يرزقون .

فرحين بما آتاهم اللَّه من فضله و يستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم و لا هم يحزنون ١ . و ما يتلو هذا من كلام ، و قال في قصّة مؤمن آل يس : قيل ادخل الجنّة قال يا ليت قومي يعلمون . بما غفر لي ربي و جعلني من المكرمين ٢ . و قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : « من سلّم عليّ عند قبري سمعته ، و من سلّم عليّ من بعيد بلّغته » ٣ . ثمّ الأخبار في تفصيل ما ذكرناه من الجملة عن أئمة آل محمّد عليهم السّلام بما وصفناه نصّا و لفظا كثيرة ، و ليس هذا الكتاب موضع ذكرها ٤ .

« و يبلى من بلي منّا و ليس ببال » من : بلي الثوب و أبلاه : جعله باليا ، قال العجاج :

و المرء يبليه بلاء السّربال

كرّ الليالي و اختلاف الأحوال

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٦٩ ١٧٠ .

( ٢ ) يس : ٢٦ ٢٧ .

( ٣ ) رواه المفيد مجردا في أوائل المقالات : ٨٥ ، و العيون و المحاسن عنه الفصول المخبّارة : ٩٥ ، و يفرق يسير مسندا البيهقي في شعب الإيمان عنه الجامع الصغير ٢ : ١٧٥ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٩ المجلس ٦ .

( ٤ ) أوائل المقالات للمفيد : ٨٤ ، و النقل بتلخيص .

٣٨٩

و عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في خبر عرض الأعمال عليه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، قالوا : و قد رممت يا رسول اللَّه ؟ فقال : إنّ اللَّه تعالى حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا ١ .

و في ( الفقيه ) عن الصادق عليه السّلام : أنّ اللَّه عزّ و جلّ حرّم عظامنا على الأرض ، و حرّم لحومنا على الدّود أن يطعم منها شيئا ٢ .

فيمكن حمل كلامه عليه السّلام : « و يبلى من بلي منّا » على أنّه جرى على الظاهر ،

و أنّه لو فرض كونه باليا في الظّاهر كباقي النّاس لم يكن ببال في الحقيقة ، كما قال النّمري :

فإن يك أفنته الليالي فأوشكت

فإنّ له ذكرا سيفني اللياليا

و قال آخر :

ردّت صنايعه عليه حياته

فكأنّه من نشرها منشور

« فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ في ما تنكرون » في ( صفين نصر ) تكلّم أصحابه عليه السّلام بعد رفع المصاحف ، فقال الحضين بن المنذر و كان أحدثهم سنّا : إنّما بني هذا الدّين على التسليم فلا تدفعوه بالقياس ، و لا تهدموه بالشبهة فإنّا و اللَّه لو لا أنّا لا نقبل إلاّ ما نعرف لأصبح الحقّ في أيدينا قليلا ، و لو تركنا ما نهوى لكان الباطل في أيدينا كثيرا ، و أنّ لنا رداعيا قد حمدنا ورده و صدره ، و هو المأمون على ما قال ، المأمون على ما فعل ، فإن قال : لا .

قلنا : و إن قال : نعم . قلنا : نعم ٣ .

و كيف لا يكون أكثر الحقّ في ما ينكر النّاس ، و قد أنكر مثل موسى عليه السّلام

ــــــــــــــــ

( ١ ) سنن النسائي ٣ : ٩١ ، و سنن ابن ماجه ١ : ٣٤٥ ح ١٠٨٥ ، و غيرهما ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ١ : ١٢١ ح ٢٣ .

( ٣ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ٤٨٥ .

٣٩٠

أفعال العبد الصالح : من خرق السفينة ، و إقامة الجدار ، و قتل الغلام ١ ؟

« و اعذروا » أي : اجعلوا معذورا .

« من لا حجّة لكم عليه و أنا هو » فإنّه عليه السّلام كان مؤيّدا من عند اللَّه تعالى في كلّ فعل و قول ، معلّما من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في كلّ أمر ، و هم كانوا أهل جهالة و بطالة .

و روى سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) : أنّ اللَّه تعالى قال لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله :

و انصب أهل بيتك علما للهداية ، و أودع أسرارهم من سرّي بحيث لا يشكل عليهم دقيق ، و لا يغيب عنهم خفي ، و اجعلهم حجّتي على بريّتي ، و المنبّهين على قدري ، و المطلعين على أسرار خزائني ٢ .

و روى أيضا عنه عليه السّلام : أنّه ذكر نور النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، ثمّ قال : ثمّ لم يزل ذلك النّور ينتقل فينا ، و يتشعشع في غرائزنا ، فنحن أنوار السماوات و الأرض ،

و سفن النجاة ، و فينا مكنون العلم ، و إلينا مصير الامور ، و بمهدينا تقطع الحجج ، فهو خاتم الأئمة ، و منقذ الامّة ، و منتهى النّور ، و غامض السرّ ، فليهن من استمسك بعروتنا ، و حشر على محبّتنا ٣ .

٢٩

من الخطبة ( ١٤٨ ) حَتَّى إِذَا قَبَضَ اَللَّهُ رَسُولَهُ ص رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى اَلْأَعْقَابِ وَ غَالَتْهُمُ اَلسُّبُلُ وَ اِتَّكَلُوا عَلَى اَلْوَلاَئِجِ وَ وَصَلُوا غَيْرَ اَلرَّحِمِ وَ هَجَرُوا اَلسَّبَبَ اَلَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ وَ نَقَلُوا اَلْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَ أَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ قَدْ مَارُوا فِي اَلْحَيْرَةِ وَ ذَهَلُوا فِي اَلسَّكْرَةِ عَلَى سُنَّةٍ مِنْ ؟ آلِ فِرْعَوْنَ ؟ مِنْ مُنْقَطِعٍ

ــــــــــــــــ

( ١ ) جاءت قصّة موسى عليه السّلام و العبد الصالح في الآيات ٦٠ ٨٢ من سورة الكهف .

( ٢ و ٣ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٢٩ ، ١٣٠ ضمن خطبة .

٣٩١

إِلَى اَلدُّنْيَا رَاكِنٍ أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ « حتّى إذا قبض اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه و آله » فيه تصريح بما تقوله الإمامية ، من ارتداد الناس بعد وفاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ارتدادا معنويا ، إلاّ من عصم اللَّه من شيعته المخلصين .

« رجع قوم على الأعقاب » . . . أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم . . . ١ .

قال أبو المقدام للباقر عليه السّلام : إنّ العامّة يزعمون أنّ بيعة أبي بكر حيث اجتمع النّاس كانت رضى للَّه ، و إنّ اللَّه ما كان ليضلّ امّة محمّد من بعده .

فقال عليه السّلام : أو ما تقرؤون كتاب أللَّه ؟ أو ليس اللَّه يقول : و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللَّه شيئا و سيجزي الشاكرين ٢ ؟ فقلت له : إنّهم يفسّرونه على وجه آخر ، و يقولون : كيف يمكن كفرهم بعد ايمانهم ؟ فقال : أو ليس اللَّه عزّ و جلّ قد أخبر عن الّذين من قبلهم من الامم : أنّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات ، حيث قال : . . . و آتينا عيسى بن مريم البيّنات و أيّدناه بروح القدس و لو شاء اللَّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر و لو شاء اللَّه ما اقتتلوا و لكنّ اللَّه يفعل ما يريد ٣ ؟ و في هذا ما يستدلّ به على أنّ أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله قد اختلفوا من بعده : فمنهم من آمن ، و منهم من كفر .

و في ( استيعاب ابن عبد البر ) في عنوان بسر بن أرطاة : روى شعبة و سفيان الثوري عن المغيرة بن النّعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ،

قال : قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إنّكم محشورون إلى اللَّه عزّ و جلّ عراة عزّلا فذكر

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٤٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٧٠ ح ٣٩٨ ، و الآية ٢٥٣ من سورة البقرة .

٣٩٢

الحديث و فيه : فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ،

إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ١ .

و روى مسندا عن أبي حازم عن سهل بن سعد ، قال : قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي فرطكم على الحوض ، من مرّ عليّ يشرب ، و من شرب لم يظمأ أبدا ، و ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم و يعرفوني ، ثم يحال بيني و بينهم . قال أبو حازم : فسمعني النّعمان بن أبي عيّاش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ قلت : نعم . قال : فإنّي أشهد على أبي سعيد الخدري ، سمعته و هو يزيد فيها : فأقول : إنّهم منّي . فيقال :

إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقا سحقا لمن غيّر بعدي ٢ .

« و غالتهم السّبل » يقال : غاله : إذا أخذه من حيث لم يدر ، قال حارثة في ابنه زيد بن حارثة لمّا ذهبت به بنو القين :

فو اللَّه ما أدري و إن كنت سائلا

أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل

و كلامه عليه السّلام إشارة إلى قوله تعالى : . . . و لا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله . . . ٣ .

« و اتّكلوا » أي : اعتمدوا .

« على الولائج » هكذا في النسخ ٤ ، و الظاهر وقوع سقط ، و أنّ الأصل :

« على غير الولائج » . فوليجة الرّجل خاصته و بطانته ، فيكون إشارة إلى قوله تعالى : أم حسبتم أن تتركوا و لمّا يعلم اللَّه الّذين جاهدوا منكم و لم يتّخذوا من دون اللَّه و لا رسوله و لا المؤمنين و ليجة و اللَّه خبير بما تعملون ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ١٦٠ .

( ٢ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ١٥٩ .

( ٣ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٤ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ٣٦ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٧ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٦ .

( ٥ ) التوبة : ١٦ .

٣٩٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و يحتمل أن يكون الأصل : « و اتّكلوا على الولائج من دون اللَّه » .

« و وصلوا غير الرّحم » أي : غير رحم النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، حيث تركوا أهل بيته و قطعوا رحمه التي امروا بوصلها ، و قد قال تعالى : الّذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللَّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض اولئك هم الخاسرون ١ .

« و هجروا » أي : تركوا .

« السّبب » هكذا في النسخ ٢ ، و لا يبعد أن يكون محرّف ( النّسب ) بشهادة قوله :

« الّذي امروا بمودّته » قال تعالى : . . . قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى . . . ٣ .

و قال ابن أبي الحديد : قوله عليه السّلام : « و هجروا السّبب . . . » ، إشارة إلى قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : « خلّفت فيكم الثقلين : كتاب اللَّه ، و عترتي أهل بيتي ، حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض » . فعبّر أمير المؤمنين عن أهل البيت بلفظ السّبب ، لمّا كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : « حبلان » .

و السّبب في اللغة : الحبل . . . ٤ « و نقلوا البناء عن رصّ أساسه » من إضافة الصفة مع كون المصدر بمعنى المفعول ، أي : أساسه المرصوص ، كما قال تعالى : . . . بنيان مرصوص ٥ . أي : ملصق بعضه ببعض .

ــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٧ .

( ٢ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ٣٦ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٧ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢١٦ .

( ٣ ) الشورى : ٢٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٧ .

( ٥ ) الصف : ٤ .

٣٩٤

« فبنوه في غير موضعه » و قال تعالى : ذريّة بعضها من بعض . . . ١ .

و قد سأل السّلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي الحكيم سنائي الشاعر عن مذهبه ، فأجابه بقصيدة ، و هي بالفارسية ، و منها هذه الأبيات :

از پى سلطان ملك شه چون نميدارى روا

تخت و تاج سلطنت جز آنكه سنجر داشتن

از پى سلطان دين از چه همى دارى روا

جز عليّ و عترتش محراب و منبر داشتن ٢

و روى ( أمالي الشيخ ) في مجلسه العشرين عن عليّ بن الحسين عليه السّلام في صلح عمّه عليه السّلام قال : قال الحسن عليه السّلام : إنّ معاوية بن صخر زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا ، و لم أر نفسي لها أهلا ، كذب معاوية ايم اللَّه ، لأنّا أولى النّاس بالنّاس ، في كتاب اللَّه و على لسان رسوله ، غير أنّا أهل البيت لم نزل مخوّفين ،

مظلومين ، مضطهدين منذ قبض اللَّه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، فاللَّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا و نزل على رقابنا ، و حمل النّاس على أكتافنا ، و منعنا سهمنا في كتاب اللَّه ، و منع امّنا فاطمة إرثها . إنّا لا نسمّي أحدا ، و لكن أقسم باللَّه ، لو أنّ الناس سمعوا قول اللَّه و قول رسوله ، لأعطتهم السماء قطرها ، و الأرض بركتها ، و لما اختلف في هذه الامّة سيفان ، و لأكلوها خضراء إلى يوم القيامة ، و ما طمعت فيها يا معاوية . و لكن لمّا أخرجت سالفا من معدنها ، و زحزحت عن قواعدها ،

تنازعتها قريش بينها ، و ترامتها كترامي الكرة حتّى طمعت فيها أنت يا معاوية و أصحابك من بعدك . و قد قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : ما ولّت امّة أمرها رجلا قط

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣٤ .

( ٢ ) ترجمة البيتين : إن كنت تأبى أن يخلف ملكشاه ( أحد ملوك الدولة السلجوقية ) في العرش و التاج سوى سنجر ( خليفة ملكشاه ) فكيف تصبر على أن يخلف سلطان الدين ( النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ) في المحراب و المنبر سوى علي و عترته عليهم السّلام .

٣٩٥

و فيهم من هو أعلم منه ، لم يزل أمرهم سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا ، و قد تركت بنو إسرائيل و كانوا أصحاب موسى هارون أخاه و خليفته و وزيره ،

و عكفوا على العجل ، و أطاعوا فيه سامريّهم و هم يعلمون أنّه خليفة موسى .

و قد سمعت هذه الامّة قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لأبي : « إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، و قد رأوا النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم حين نصّبه لهم بغدير خم ،

و نادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب و قد خرج النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حذارا من قومه إلى الغار ، لمّا أجمعوا أن يمكروا به ، لمّا لم يجد عليهم أعوانا ، و لو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم . و قد كفّ أبي و ناشدهم ، و استغاث أصحابه ، فلم يغث ، و لو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم ، و قد جعل في سعة كما جعل النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في سعة ، و قد خذلتني الامّة فبايعتك يابن حرب ، و لو وجدت عليك أعوانا ما بايعتك ، و قد جعل اللَّه هارون في سعة إذ استضعفه قومه ، و كذلك أنا و أبي في سعة حين تركتنا الامّة . . . ١ .

و روى الجوهري في ( سقيفته ) عن جرير عن المغيرة : أنّه لمّا بويع أبو بكر ، قال سلمان : أصبتم الخير ، و لكن أخطأتم المعدن ٢ .

و روى عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : قال سلمان يومئذ : أصبتم ذا السنّ منكم ، و لكنكم أخطأتم أهل بيت نبيّكم ، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان ، و لأكلتموها رغدا ٣ .

و رووا أيضا عن سلمان ، قال يومئذ : أصبتم و أخطأتم ، أصبتم سنّة الأوّلين ، و أخطأتم أهل بيت نبيّكم . و قال : ما أدري أنسيتم أم تناسيتم ؟

أجهلتم أم تجاهلتم ؟ و قال : و اللَّه ، لو أعلم أنّي أعزّ للَّه دينا ، أو أمنع للَّه ضيما

ــــــــــــــــ

( ١ ) الامالي للطوسي ٢ : ١٧٨ المجلس ٣ ضمن حديث طويل .

( ٢ ) أخرجهما الجوهري في السقيفة : ٦٧ ، و لم يصرّح بكون الثاني رواية حبيب بن أبي ثابت .

( ٣ ) أخرجهما الجوهري في السقيفة : ٦٧ ، و لم يصرّح بكون الثاني رواية حبيب بن أبي ثابت .

٣٩٦

لضربت بسيفي قدما قدما ١ .

و روى إبراهيم الثقفي عن يحيى الحماني عن عمرو بن حريث عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني عن عليّ عليه السّلام ، قال : في ما عهد إلى النّبيّ الامّي صلّى اللَّه عليه و آله : أنّ الامّة ستغدر بك ٢ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا جاؤوا بعليّ إلى بيعة أبي بكر قال : « اللَّه اللَّه يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره و قعر بيته إلى دوركم و قعور بيوتكم ، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في النّاس و حقّه ، فو اللَّه يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ النّاس به ، لأنّا أهل البيت ، و نحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارى‏ء لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ، العالم بسنن رسول اللَّه ،

المضطلع بأمر الرّعيّة ، المدافع عنهم الامور السّيئة ، القاسم بينهم بالسّوية ،

و اللَّه إنّه لفينا . فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل اللَّه ، فتزدادوا من الحقّ بعدا » .

قال : فقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان ٣ .

و فيه : و خرج عليّ كرّم اللَّه وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على دابة ليلا في مجالس الأنصار ، تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه قد مضت بيعتنا لهذا الرّجل ، و لو أنّ زوجك و ابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ، ما عدلنا به . فيقول عليّ كرّم اللَّه وجهه : أفكنت أدع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في بيته لم أدفنه ، و أخرج انازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، و لقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم و طالبهم ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة لسليم بن قيس : ٩٠ بفرق يسير .

( ٢ ) تاريخ الثقفي عنه تلخيص الثاني ٣ : ٥٠ ، و الجوهري في السقيفة : ٦٩ .

( ٣ ) رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٢ .

( ٤ ) رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٢ .

٣٩٧

و روى الطبراني عن الدّبري عن عبد الرّزاق عن أبيه عن مينا عن ابن مسعود قال : كنت مع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ليلة و فد الجنّ ، فلمّا انصرف تنفس ، قلت : ما شأنك يا رسول اللَّه ؟ قال : نعيت إليّ نفسي . قلت : فاستخلف . قال : من ؟ قلت : أبو بكر . فسكت ، ثمّ مضى ساعة ثمّ تنفّس . قلت : ما شأنك ؟ قال : نعيت إليّ نفسي .

قلت : فاستخلف . قال : من ؟ قلت : عمر . فسكت ، ثمّ مضى ساعة ثمّ تنفس ، فقلت :

ما شأنك ؟ قال : نعيت إليّ نفسي . قلت : فاستخلف . قال : من ؟ قلت : عليّ بن أبي طالب . قال : أما و الّذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنّة أجمعين ١ .

و روى أيضا عن محمّد بن عبد اللَّه الحضرمي ، عن عليّ بن الحسين بن بردة العجلي الذّهبي ، عن يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن حرب بن صبيح ، عن سعيد بن مسلم ، عن أبي مرّة الصنعاني ، عن أبي عبد اللَّه الحذلي ، عن ابن مسعود قال : استتبعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ليلة الجنّ إلى أن قال قال : و ما أظن أجلي إلاّ قد اقترب . قلت : يا رسول اللَّه ألا تستخلف أبا بكر ؟ فأعرض عنّي ،

فرأيت أنّه لم يوافقه ، فقلت : يا رسول اللَّه ألا تستخلف عمر ؟ فأعرض عنّي ،

فرأيت أنّه لم يوافقه ، فقلت : يا رسول اللَّه ألا تستخلف عليّا ؟ قال : ذاك و الذي لا إله غيره لو بايعتموه ، و أطعتموه أدخلكم الجنّة أكتعين ٢ .

و إنّما طعن ابن الجوزي لنصبه في الخبر الأوّل بكون مينا في طريقه شيعيا ، و أمّا الخبر الثاني فلم يطعن فيه كما صرّح به السيوطي ٣ .

« معادن كلّ خطيئة ، و أبواب كلّ ضارب في غمرة » أي : شدّة ، و غمرات الموت : شدائده ، و لقد أقرّ معاوية و يزيد في جوابيهما لكتابي محمّد بن أبي بكر ، و عبد اللَّه بن عمر لما طعنا فيهما بقتال أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قتل سيّد

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الطبراني في معجمه عنه اللآلى‏ء المصنوعة ١ : ١٦٨ .

( ٢ ) أخرجه الطبراني في معجمه عنه اللآلى‏ء المصنوعة ١ : ١٦٨ .

( ٣ ) اللآلى‏ء المصنوعة ١ : ١٦٨ .

٣٩٨

شباب أهل الجنّة بأنّ أبويهما هما اللّذان أسسّا لهما الأمر ، و هما تابعان لهما في أعمالهما ، كما رواه نصر بن مزاحم ، و أبو الفرج و المسعودي و البلاذري و غيرهم ١ .

و روى ( أغاني أبي الفرج ) عن محمّد بن سهل صاحب الكميت : أنّه أنشد أبا عبد اللَّه جعفر بن محمّد ، فكثر البكاء حين أتى على هذا البيت :

يصيب به الرّامون عن قوس غيرهم

فيا آخرا أسدى له الغيّ أوّل

و رفع أبو عبد اللَّه يديه ، و قال : اللهمّ اغفر للكميت ما قدّم و ما أخّر ، و ما أسرّ و ما أعلن ، و أعطه حتّى يرضى ٢ .

« قد ماروا » قال الجوهري : مار : أي تحرّك و جاء و ذهب ٣ .

« في الحيرة » أي : في التّحير .

« و ذهلوا » أي : غفلوا .

« في السّكرة » فيكون مورهم أشدّ مور ، و ذهولهم أشدّ ذهول .

« على سنّة من آل فرعون » على سيرتهم و طريقتهم ، فكما أنّ فرعون استخفّ قومه ، و قال لهم : . . . أنا ربّكم الأعلى ٤ فأطاعوه ، قال لهم الثّاني : إنّ الأول صاحب نبيّكم في الغار ، و رضيه في صلاته بكم لدينكم ، فكيف لا ترضونه لدنياكم ، و لا تبايعونه ؟ فجعل أمر الخلافة أدون من إمام الجماعة ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) جواب معاوية لمحمد بن أبي بكر رواه نصر بن مزاحم في وقعة صفين : ١١٩ ، و المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٢ ، و البلاذري في أنساب الاشراف ٢ : ٣٩٦ ، و لم أجده عن أبي الفرج ، لا في الأغاني و لا في المقاتل ، و جواب يزيد لابن عمر رواه عن أنساب الأشراف ابن طاووس في الطرائف ١ : ٢٤٧ ح ٣٤٨ ، لكن لم يوجد في ترجمة الامام الحسين عليه السّلام ، و لا ترجمة يزيد من أنساب الأشراف .

( ٢ ) الأغاني ١٧ : ٢٤ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٢٠ مادة ( مور ) .

( ٤ ) النازعات : ٢٤ .

٣٩٩

مع أنّهم يجوّزون الصلاة خلف كلّ فاسق ، مضافا إلى ما في كونه صاحب الغار من العوار ، و ما في تقديمه للصّلاة من الشّنار ، فهل حيرة فوق هذا ، و هل سكرة أشدّ من هذا ؟

« من منقطع إلى الدّنيا راكن » إليها ككثير من المهاجرين و الأنصار الّذين أسلموا زمن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله طوعا ، لكن بعده اتّبعوا الأوّل طمعا أن ينالوا ثروة أو إمرة ، و لم يبق مع أمير المؤمنين عليه السّلام بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلاّ ثلاثة أو أربعة ، و بعد شهرين صاروا سبعة ، و هم الّذين صلّوا معه عليه السّلام على سيّدة النساء صلوات اللَّه عليها . و ليس ذئبان ضاريان في غنم بأكثر فسادا من حبّ جاه الدّنيا و مالها للمرء المسلم في دينه .

« أو مفارق للدّين مبائن » أي : منفصل عن الدّين ، كعمرو بن العاص ،

و المغيرة بن شعبة ، و خالد بن الوليد ، و عكرمة بن أبي جهل ، و سهيل بن عمرو ، و أبي سفيان ، و إبنيه يزيد و معاوية ، و نظرائهم من المنافقين و المؤلّفة الذين أسلموا بعد غلبة الإسلام كرها ، بأنّهم شدّوا أمر أبي بكر ، فضلا عن أن بايعوه و تابعوه ، قال الجاحظ في ( بيانه : ) قال الحسن بن عليّ لحبيب بن مسلمة : ربّ مسير لك في غير طاعة اللَّه . فقال : أمّا مسيري إلى أبيك فلا . قال :

بلى و لكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلة ، فلعمري لئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك ، و لو أنّك إذ فعلت شرّا قلت خيرا ، كنت كما قال اللَّه تعالى :

خلطوا عملا صالحا و آخر سيّئا . . . ١ . و لكنّك كما قال تعالى : كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ٢ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان : فإن قلت : أليس الفصل صريحا

ــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١٠٢ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٩٩ ، و الآية ١٤ من سورة المطففين .

٤٠٠