بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة13%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45496 / تحميل: 5465
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الثالث

تتمة الفصل السابع

٥

من الخطبة ( ٤ ) و من خطبة له عليه السّلام بِنَا اِهْتَدَيْتُمْ فِي اَلظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ اَلْعَلْيَاءَ وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ .

وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ اَلْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي اَلنَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ اَلصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ اَلْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ اَلْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ اَلْمُغْتَرِّينَ سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ اَلدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ اَلنِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ اَلْحَقِّ فِي جَوَادِّ اَلْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لاَ دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لاَ تُمِيهُونَ اَلْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ اَلْعَجْمَاءَ ذَاتَ اَلْبَيَانِ .

عَزَبَ رَأْيُ اِمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُوجِسْ ؟ مُوسَى ؟ ع خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ .

اَلْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ

٤

الحكمة ( ١٨٤ ) و قال عليه السّلام :

مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ أقول : نقل الخوئي ما في ( الإرشاد ) : « و من كلامه عليه السّلام حين قتل طلحة و انقضّ أهل البصرة : بنا تسنّمتم الشّرف ، و بنا انفجرتم عن السّرار ، و بنا اهتديتم في الظلماء . و قر سمع لم يفقه الواعية . كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصّيحة . ربط جنان لم يفارقه الخفقان . ما زلت أتوقّع بكم عواقب الغدر ،

و أتوسّمكم بحلية المغترّين . سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النيّة . أقمت لكم الحقّ حيث تعرفون و لا دليل ، و تحتفرون و لا تمتهون . اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان . عزب فهم امرى‏ء تخلّف عنّي . ما شككت في الحقّ منذ اريته . كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى حتّى عقّوا أباهم ، و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ١ .

و نقل أيضا ما في ( البحار ) من نقل سند الخطبة عن الرّاوندي ، عن جماعة عن جعفر الدّوريستي ، عن أبيه محمّد بن العبّاس ، عن محمّد بن عليّ بن موسى ، عن محمّد بن عليّ الإسترابادي ، عن عليّ بن محمّد بن سيار ، عن أبيه ، عن الحسن العسكري عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام ٢ .

قلت : ما في ( البحار ) محمّد بن عليّ الاسترابادي محرّف محمّد بن القاسم الاسترابادي ، فهو الذي يروي عنه الصّدوق ٣ .

« بنا اهتديتم في الظلماء » لأنّهم أنوار اللَّه ، قال الباقر عليه السّلام : بليّة الناس علينا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المفيد في الإرشاد : ١٣٥ عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .

( ٢ ) رواه الراوندي في شرحه ١ : ١٤٢ عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٤١٣ و عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .

( ٣ ) لفظ شرح الراوندي « محمد بن علي » أيضا و هو من مشائخ الصدوق أيضا كما ذكره أصحاب الرجال ، و روى عنه الصدوق في أماليه : ١٤٧ ح ١ المجلس ٣٣ بقوله : « حدّثنا محمّد بن علي الاسترابادي » .

٥

عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، و إن تركناهم يهتدوا بغيرنا ١ .

و روى الطبري في ( ذيله ) في عنوان ( من روى عنه صلّى اللَّه عليه و آله من همدان ) مسندا عن زياد بن مطرف قال : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ، و يموت ميتتي ، و يدخل الجنّة التي و عدني ربّي قضبانا من قضبانها غرسها في جنّة الخلد فليتولّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ذريّته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوهم من باب هدى ، و لن يدخلوهم في باب ضلالة ٢ .

و قد أقرّت العامّة بأنّه لو لا أمير المؤمنين عليه السّلام لما علم الناس قتال أهل القبلة ، و في ( نوادر حجّ الفقيه ) عن أبي حنيفة قال : لو لا جعفر بن محمّد ما علم النّاس مناسك حجّهم ٣ .

و في ( زيادات حجّ التهذيب ) : لقي مسلم مولى أبي عبد اللَّه عليه السّلام صدقة الأحدب و قد قدم من مكّة ، فقال له مسلم : الحمد للَّه الذي يسّر سبيلك ، و هدى دليلك ، و أقدمك بحال عافية ، و قد قضى الحجّ ، و أعان على السّعة ، فقبل اللَّه منك ،

و أخلف عليك نفقتك ، و جعلها حجّة مبرورة ، و لذنوبك طهورا . فبلغ ذلك أبا عبد اللَّه عليه السّلام فقال له : كيف قلت لصدقة ؟ فأعاد عليه ، فقال له : من علّمك هذا ؟ قال :

جعلت فداك ، مولاي أبو الحسن عليه السّلام . فقال له : نعم ما تعلّمت ، إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا ، فإنّ المهدي بنا هدي ، و إذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون ٤ .

هذا ، و سمّي اسامة أبو شداد الصّحابي ( الهادي ) لأنّه كان يوقد النّار ليلا لمن يسلك الطريق .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد للمفيد : ٢٦٦ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٢٠٦ .

( ٢ ) ذيل المذيل للطبري ، منتخبه : ٨٣ ، و المناقب للخوارزمي : ٣٤ .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ٢ : ٣٠٧ ح ٣ .

( ٤ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٤٤٤ ح ١٩٣ .

٦

« و تسنّمتم العلياء » قال الخوئي : أي : بتلك الهداية و شرافة الإسلام ركبتم سنام العلياء و الرّفعة ١ .

قلت : بل المعنى : بنا ركبتم سنام العلياء .

« و بنا انفجرتم عن السّرار » قال المجلسي و تبعه الخوئي : لعل معنى ( انفجرتم ) أنّه انفجرتم انفجار العين من الأرض أو الصبح من الليل ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : أي : دخلتم في الفجر ، و السّرار الليلة و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر . و روي : أفجرتم ، و هو أفصح و أصحّ ، لأنّ انفعل لا يكون إلاّ مطاوع فعل ٣ .

قلت : في الأوّل أنّه لم يقل أحد : إنّ السّرار يأتي بمعنى الأرض أو مطلق الليل . و في الثاني : إنّ الدخول في الفجر لا يختصّ بليلة استتار القمر . و لا يبعد أن يكون المراد : أنّ بسببنا صرتم من أفاضل الناس ، قال الجوهري : و سرّ الوادي أفضل موضع فيه ، و كذلك سرارة الوادي ، و الجمع سرار . قال :

فإن أفخر بمجد بني سليم

أكن منها التّخومة و السّرار ٤

« وقر » في ( الصحاح ) : و قرت أذنه بالكسر ، أي : صمّت ، و وقرت اذنه على ما لم يسمّ فاعله ٥ .

و عليه فيحتمل ( وقر ) وجهين معلوما بكسر العين ، و مجهولا .

« سمع لم يفقه الواعية » أي : الصوت المرتفع ، و معلوم أنّ سمعا لم يفهمه موقور ، و عنه عليه السّلام في حديث الأربعمائة : من شهدنا في حربنا أو سمع واعيتنا

ــــــــــــــــ

( ١ و ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٨١ مادة ( سرّ ) و النقل بتقطيع .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٤٨ مادة ( وقر ) .

٧

فلم ينصرنا أكبّه اللَّه على منخريه في النّار ١ .

و ممّا قلنا اتّضح أنّ جملة « وقر سمع لم يفقه الواعية » خبر ، و المراد من أنّ من لم يسمع صراخ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بذكر مقاماتنا أهل البيت كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب اللَّه و عترتي ، و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٢ . و كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ٣ . إلى غير ذلك ممّا يتعذّر استقصاؤه أصمّ موقور ، كالذين قال تعالى فيهم : . . . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها . . . ٤ ، و كالّذين قال عزّ و جلّ فيهم : ختم اللَّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة . . . ٥ .

و أمّا قول ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و المجلسي ٦ : إنّه دعاء .

فهو كما ترى ، لأنّه لا محل للدعاء هنا ، فإنّه يكون من قبيل الدعاء على الأصم بالصم .

هذا ، و في ( الصحاح ) : الواعية : الصارخة ٧ . و قال ( القاموس ) : الواعية :

الصراخ و الصوت لا الصارخة ، و وهم الجوهري ٨ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ضمن حديث الاربعمائة الصدوق في الخصال : ٦٢٥ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ١١٥ و غيرهما .

( ٢ ) هذا حديث الثقلين مرّ تخريجه في شرح فقرة « اليهم يفي‏ء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٣ ) هذا حديث السفينة أخرجه جمع كثير ، منهم : الحاكم في المستدرك ٢ : ٣٤٢ ، و أبو يعلى بطريقين في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٧٥ ح ٤٠٠٣ ، ٤٠٠٤ ، و البزار بطريقين في مسنده عنه إحياء الميت : ٢٥ ، ٢٦ ح ٢٤ ، ٢٥ ، و صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٥٧ ح ٧٦ ، و القاضي الصعدي في الدرر : ٥١ .

( ٤ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٥ ) البقرة : ٧ .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧١ ، و شرح الخوئي ١ : ٣١٧ ، و فتن البحار : ٤١٣ .

( ٧ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٥٢٦ مادة ( وعى ) .

( ٨ ) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٠ مادة ( وعى ) .

٨

قلت : بل الوهم منه ، فإنّه توهّم أنّ مراد الجوهري بالصّارخة امرأة تصرخ ، مع أنّ مراده نفس الصّراخ ، و ليته تذكّر ما قاله نفسه في مادّة ( صرخ ) من أن الصارخة الإغاثة ، مصدر على فاعلة و صوت الاستغاثة .

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد و ابن ميثم قالا تبعا ( للصحاح ) : و الواعية :

الصارخة ١ . و قال الخوئي : الواعية : الصراخ و الصوت كما في ( القاموس ) ، لا الصارخة كما ذكر ابن أبي الحديد و ابن ميثم تبعا للجوهري ٢ . و على ما قلنا قوله ساقط .

« و كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصيحة » قال ابن أبي الحديد : النّبأة :

الصوت الخفي . أي : كيف يراعي العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجليلة ،

شبّه ذلك بمن أصمّته الصيحة القويّة فإنّه محال أن يراعي بعد ذلك الصوت الضعيف ٣ .

قلت : لا معنى لكلامه ، فإنّ الأصمّ لا يراعي الصوت الضعيف ، و لو لم يكن صممه من صيحة قويّة . و الصواب : أنّ قوله عليه السّلام : « أصمّته الصّيحة » كناية عن عدم ترتيبه الأثر على الصوت القوي كالأصمّ عنه ، و حينئذ فمن لم يراع الصيحة كيف يراعي النّبأة ؟ و مراده عليه السّلام أنّ الامّة الذين لم يراعوا محكمات القرآن في أهل البيت عليهم السّلام ، كقوله تعالى : إنّما وليّكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ ، و قوله تعالى : . . . فقل

ــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .

( ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) المائدة : ٥٥ .

٩

تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم . . . ١ ،

و قوله تعالى : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، و لم يراعوا تأكيدات النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فيهم ، كقوله صلّى اللَّه عليه و آله في أمير المؤمنين عليه السّلام : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ٣ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الصّدّيقة عليها السّلام :

إنّها سيّدة نساء العالمين ٤ ، و إنّها بضعة منه يؤذيه ما يؤذيها ، و رضاها رضاه ، و سخطها سخطه ٥ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام : إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ٦ ، مع اعترافهم في الظاهر بحجّيتهما . كيف يراعون كلامه عليه السّلام في أهل البيت عليهم السّلام مع عدم إقرارهم به عليه السّلام .

و قال ابن ميثم : كنّى بالصّمم عن بلوغ تكرار كلام اللَّه على أسماعهم إلى حدّ أنّها محلّه ، و ملّت سماعه بحيث لا تسمع بعده ما هو في معناه خصوصا ما هو أضعف ٧ . و هو كما ترى .

« ربط » قال الجوهري : رابط الجأش : أي : شديد القلب ، كأنّه يربط نفسه

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦١ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) هذه احدى روايات حديث الغدير الذي مرّ تخريجه في شرح فقره « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٤ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٤ : ٩٦ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٤ : ١٩٠٤ ، ١٩٠٥ ح ٩٨ ، ٩٩ و غيرهما عن عائشة ، و في الباب عن فاطمة عليها السّلام و أبي سعيد و حذيفة .

( ٥ ) المشهور في ذلك حديث سفيان بن عيينة عن المسور بن مخرمة : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » .

أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٣٠٢ ، ٣٠٨ ، و مسلم في صحيحه ٤ : ١٩٠٣ ح ٩٤ و غيرهما ، و روي بطرق و ألفاظ اخرى .

( ٦ ) أخرجه الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٥٦ ح ٣٧٦٨ ، و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٣ : ٣ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٨٢ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٣ : ٦٤ ح ٨٠ و غيرهم .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٢ .

١٠

عن الفرار ١ .

« جنان » بالفتح ، أي : قلب .

« لم يفارقه الخفقان » أي : الاضطراب . و النسخ ٢ متّفقة على كون الجملة هكذا : « ربط جنان لم يفارقه الخفقان » فأمّا هو دعاء ، أي : يربط اللَّه قلبا لم يفارقه الاضطراب ، و المراد قلبه ، و قلب شيعته في أيّام الثلاثة و بعدهم ، لابتلائه بالجمل و صفّين و النّهروان ، و أمّا ( ربط ) محرّف ( يربط ) و يكون خبرا و عطفا على ( يراعي ) و المراد قلوب غير شيعته من أصحابه ، أي : كيف يربط قلب بولايته و إمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و الحال لم يفارقه الاضطراب من أيّامهم إلى يومه .

« ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر » في ( السّير ) لمّا بايعه الزّبير ، قال عليه السّلام له :

إنّي لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي . قال : لا تخافنّ ، فإنّ ذلك لا يكون منّي أبدا . فقال عليه السّلام : فلي اللَّه عليك بذلك راع و كفيل . قال : نعم ، اللَّه لك عليّ بذلك راع و كفيل ٣ .

« و أتوسّمكم » أي : أتفرّس فيكم .

« بحلية المغترّين » فلمّا رفع أهل الشام المصاحف ، و قالوا : القرآن بيننا و بينكم . لم يتميّزوا إنّه لا مورد لفعلهم و قولهم ، و إنّهم لو كانوا حقيقة مصدّقين بالقرآن كان الواجب عليهم أن يتابعوه و يطاوعوه ، لأنّه عليه السّلام كان بمنزلة نفس النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بعد سوابقه تلك في الإسلام ، و كلام اللَّه تعالى ، و كلام رسوله صلّى اللَّه عليه و آله فيه عليه السّلام في جميع أيّامه ، و معاوية عدوّ النّبي و عدوّ الإسلام ، و من

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١١٢٧ مادة ( ربط ) .

( ٢ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ٣٨ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٧ ، شرح الخطبة ٨ ، و النقل بالمعنى .

١١

الشجرة الملعونة ، و من الذين أسرّوا الكفر و أظهروا الإسلام يوم فتح مكّة ،

فاغترّوا و قالوا له عليه السّلام : لو لم تترك القتال لنقتلك كما قتلنا عثمان ، أو نعطيك بيد معاوية .

« سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النّيّة » أي : أنّ تظاهركم بالدّين ، و وضعكم جلبابه على وجوهكم سترني عنكم أو ستركم عنّي كما نقل عن نسخة ، و المعنى واحد حتّى لا أرى أنّكم غير معتقدين لشي‏ء ، و لكن بصّرني بكم بأنّ تظاهركم بالدّين مجرّد صورة و محض ظاهر صدق نيّتي ،

و صحّة فراستي .

« أقمت لكم سنن الحقّ » أي : طريقه .

« في جوادّ » بالتشديد جمع جادّة .

« المضلّة » بالفتح ، أي : الضلالة . فأرشدهم عليه السّلام إلى ما هو وظيفتهم من اللَّه تعالى ، و في خبر علقمة ، و أبي أيوب قالا : لمّا نزل قوله تعالى : الم . أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون ١ قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لعمّار : إنّه سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السّيف في ما بينهم ، و حتّى يقتل بعضهم بعضا ، و حتّى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب ، فإن سلك النّاس كلّهم و اديا فاسلك وادي عليّ و خلّ عن النّاس . يا عمّار إنّ عليّا لا يردّك عن هدى ، و لا يردّك إلى ردى . يا عمّار طاعة عليّ طاعتي ، و طاعتي طاعة اللَّه ٢ .

و هو عليه السّلام و إن أقامهم على سنن الحقّ من ساعة وفاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى في كيفيّة غسله ، و الصلاة عليه ، و موضع دفنه ، و وضع تاريخه ، و في كشف

ــــــــــــــــ

( ١ ) العنكبوت : ١ ٢ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٠٣ .

١٢

المعضلات في زمن الثلاثة و ردعهم عن خطأهم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده عليه السّلام هنا كيفيّة القتال مع أهل القبلة ، فلم يتّفق ذلك في زمان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى يعرفوا منه شيئا ، فلم يقاتل صلّى اللَّه عليه و آله إلاّ على التّنزيل ، و قتالاته عليه السّلام كانت على التّأويل ،

حسبما أخبره بذلك ١ .

« حيث تلتقون و لا دليل » لولاه عليه السّلام .

« و تحتفرون و لا تميهون » أي : لا تصلون إلى ماء ، و الجملتان كناية عن أنّهم كانوا يتفاوضون في الأحكام و المعضلات و لم يكونوا يحصلوا شيئا ،

كمن في مفازة و لا دليل له ، و كمن يحفر لاستنباط ماء و لا يصل إلى ماء حتّى كان عليه السّلام يرشدهم و يهديهم . و إن أحببت عرفان ذلك فارجع إلى كتابنا في قضاياه عليه السّلام فإنّه تكفل مقدارا من ذلك .

« اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان » قال ابن أبي الحديد : الجملة إشارة إلى الرموز التي تتضمنّها هذه الخطبة ، يقول : هي خفيّة غامضة ، و هي مع غموضها جليّة لاولي الألباب ، فكأنّها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة ٢ .

و قال ابن ميثم : كنّى بالعجماء ذات البيان على الحال التي يشاهدونها من العبر الواضحة ، و المثلات التي حلّت بقوم فسقوا أمر ربّهم ، و عمّا هو واضح من كمال فضله عليه السّلام بالنّسبة إليهم ، و ما ينبغي لهم أن يعتبروا من حال الدّين ، و مقتضى أوامر اللَّه التي يحثّهم على اتّباعها ، فإنّ كلّ هذه الأحوال امور لا نطق لها مقالي . فشبهها لذلك بالعجماء من الحيوان ، و استعار لها لفظها ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) انظر الى حديث النّبي صلّى اللَّه عليه و آله : « إنّ منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » . أخرجه النسائي في الخصائص : ١٣١ ، و أحمد بطريقين في مسنده : ٣٣ ، ٨٢ ، و أبو يعلى و ابن أبي شيبة في مسنديهما ، و ابن حبان في صحيحه ، و الحاكم في المستدرك ، و سعيد بن منصور في سننه ، و الضياء في المختارة ، و البيهقي في الشعب ، و أبو نعيم في الحلية عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٣٣ ، ٣٧ ، و ابن أخي تبوك في مسنده ، منتخبه : ٤٣٨ ح ٢٣ و غيرهم .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧١ .

١٣

و وصفها بكونها ذات البيان ، لأنّ لسانها الحال مخبر بمثل مقاله عليه السّلام ، ناطق بوجوب اتّباعه ١ .

قلت : و يمكن أن يكون قوله عليه السّلام هذا مساوقا لقوله الآخر : « لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان بكتبهم ، حتّى ينطق كلّ كتاب بأنّ عليّا حكم فيّ بما حكم اللَّه فيّ » ٢ . و ورد أنّ القرآن كتاب اللَّه الصّامت و هو عليه السّلام كتاب اللَّه النّاطق ٣ . و يمكن أن يكون إشارة إلى قوله تعالى :

و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون ٤ .

هذا ، و قيل في الألغاز :

أبى علماء الناس أن يخبرونني

بناطقة خرساء مسواكها الحجر

قيل : المراد الطاحونة .

« عزب رأي امرى‏ء تخلّف عنّي » يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن بيعته و غزواته ، كسعد بن أبي وقاص ، و مع ذلك قال لمعاوية : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : « عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ يدور حيثما دار » و هو حديث متواتر فقال له معاوية : أنت الآن ألوم ما كنت عندي ، و اللَّه لو سمعت أنا هذا من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ما زلت خادما لعليّ حتّى أموت ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٤ .

( ٢ ) هذا حديث مشهور بفرق بين ألفاظه ، أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٤٧ و غيره ، مرّ تخريجه في شرح فقرة « من الكلام النّبوي » من خطبة الرضي .

( ٣ ) روى هذا المضمون في موارد ، منها في وقعة صفّين حينما رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح .

( ٤ ) النمل : ٨٢ .

( ٥ ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه عنه ذيل ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٥٦ ، و البزار في مسنده عنه مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٦ ، و ابن مردويه في مناقبه ، عنه إحقاق الحق ٥ : ٦٣١ بفرق بين الألفاظ ، و في الباب عن علي عليه السّلام و امّ سلمة .

١٤

و أقول : إنّ معاوية و إن قال لسعد : إنّه لم يسمع ذلك من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه علم أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال ذلك ، و لم يكن معتقدا بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه قال ذلك لسعد جدلا ، حيث إنّه أقرّ بسماعه و اعتزله عليه السّلام .

و يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن القول بإمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و قد قال صلّى اللَّه عليه و آله في المستفيض : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ١ .

« ما شككت في الحقّ مذ أريته » هذا الكلام تعريض بالمتقدّمين عليه ، فإنّهم نقلوا عن أبي بكر أنّه تمنّى في حال احتضاره سؤال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : هل كان له حق في الخلافة أم لا ٢ ؟ و نقلوا عن عمر أنّه لمّا اشير عليه بنصب ابنه بعده قال : إن كان له فيها حقّ فحسب آل الخطاب بشخصه ، و إن لم يكن له حقّ فلم يتحمّل مظلمة ابنه ٣ زائدة على مظلمته . كما أنّه أقرّ أنّه شكّ في حقّية الإسلام ،

و حقّية النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الحديبيّة ٤ ، و أمّا هو صلوات اللَّه عليه فكان على بيّنة من ربّه من أوّله إلى آخره ، بقعوده أيّام الثلاثة ، و قيامه بعدهم ، و قتال النّاكثة ،

و القاسطة ، و المارقة كالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله في مكّة و في المدينة ، في قعوده أوّلا و قيامه أخيرا .

ــــــــــــــــ

( ١ ) هذا حديث السفينة مر تخريجه في أوائل هذا العنوان .

( ٢ ) رواه الجوهري في السفينة : ٣٩ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦١٩ سنة ١٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٠١ ، و أبو عبيدة في الأموال ، و العقيلي في الضعفاء ، و الطرابلسي في الفضائل ، و الطبراني في معجمه الكبير ، و ابن عساكر في تاريخه ، و الضياء في المختارة عنهم منتخب كنز العمال ٢ : ١٧١ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٨ ضمن كلام طويل عنه « فوددت أني سألته هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله » .

( ٣ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٢ سنة ٢٣ ، و ابن النجار في تاريخه عنه منتخب كنز العمال ٢ : ١٨٩ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٢٤ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ ح ٩٤ ، و سيرة ابن هشام ٣ : ٢٠٣ ، و المغازي للواقدي ١ : ٦٠٦ ، ٦٠٨ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٢٨٠ سنة ٦ .

١٥

و روى المدائني : أنّ عمرو بن العاص لقي الحسن عليه السّلام في الطواف ، فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك ، فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله ، و بيّنا بعد خفائه ، أفرضي اللَّه بقتل عثمان ، أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطّحن عليك ثياب كغرقى البيض ، و أنت قاتل عثمان ؟ و اللَّه ، إنّه لألمّ للشّعث ، و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك . فقال الحسن عليه السّلام : إنّ لأهل النّار لعلامات يعرفون بها : إلحادا لأولياء اللَّه ،

و موالاة لأعداء اللَّه ، و اللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّا عليه السّلام لم يرتب في الدّين ، و لم يشكّ في اللَّه ساعة ، و لا طرفة عين قطّ . و أيم اللَّه لتنتهينّ يابن ام عمرو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من القعضبيّة ، فإيّاك و التّهجّم عليّ ، فإنّي من قد عرفت :

لست بضعيف الغمزة ، و لا هشّ المشاشة ، و لا مري‏ء المأكلة ، و إنّي من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي ، و لا ادعى لغير أبي ، و أنت من تعلم و يعلم النّاس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزّارها ، ألأمهم حسبا ،

و أعظمهم لؤما . فإيّاك عنّي فإنّك رجس ، و نحن أهل بيت الطهارة اذهب عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا . فأفحم عمرو و انصرف كئيبا ١ .

« لم يوجس » في ( الصحاح ) : الوجس أيضا : فزعة القلب ، و أوجس في نفسه خيفة : أي أضمر ٢ .

« موسى عليه السّلام خيفة على نفسه أشفق » أي : خاف .

« من غلبة الجهّال و دول الضلال » يعني كما لم يخف موسى على نفسه على الضلال من سحر السّحرة ، بل من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، كذلك هو عليه السّلام لم يبال بتقدّم الثلاثة عليه في القيام بالأمر ، فإنّ الإمام كالنّبيّ ليس

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٠ شرح الكتاب ٣١ عن المدائني .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٩٨٤ مادة ( وجس ) .

١٦

شرط منصبه السلطنة و القيام بالأمر ، و لكنّه خاف من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، فإنّهم لا يفرّقون في ذلك بين الحقّ و الباطل ، و يتوهّمون أنّ كلّ من قام إمام ، و أنّ الاعتقاد بالثّلاثة جزء الدّيانة ، و أنّ غير المعتقد بهم خارج من الملّة ، كما عليه إخواننا من أهل السّنّة ، مع أنّ فاروقهم لمّا دعا النّاس إلى قيام صدّيقهم جعله مجرّد سلطنة ، و أهون من إمامة صلاة جماعة ، فقال له :

رضيك النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لديننا ، في ما ادّعاه من أنّ تقدّمه في الصّلاة كان بأمر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، قال : فكيف لا نرضاك لدنيانا ؟ و لو كان إخواننا فرّقوا بين الأمرين لارتفع النّزاع من البين ، و لأدّى قيام الأوّلين إلى وصول الأمر إلى بني اميّة الشجرة الملعونة في القرآن .

و نظير مرمى كلامه عليه السّلام من أنّ أسفه من تقدّم اولئك إنّما كان لضلالة جمع غير ذوي بصيرة ، ما عن ( تاريخ الثقفي ) : أنّ رجلا جاء إلى ابيّ بن كعب ،

فقال : يا أبا المنذر ألا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه ؟ فأمسك عنه . فقال الرجل : جزاكم اللَّه شرّا يا أصحاب محمّد شهدتم الوحي و عاينتموه ، ثمّ نسألكم التّفقّه في الدّين فلا تعلّمونا . فقال ابيّ : عند ذلك هلك أصحاب العقدة و ربّ الكعبة ، أما و اللَّه ما عليهم آسى و لكن آسى على من أهلكوا ، أما و اللَّه لئن أبقاني اللَّه إلى يوم الجمعة ، لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم ، قتلت أو استحييت . فمات رحمه اللَّه يوم الخميس ١ .

و روى أبو نعيم في ( حليته ) مسندا عن قيس بن عباد قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، فلم يكن فيهم أحد أحبّ إليّ لقاء من أبيّ بن كعب ،

فقمت في الصّفّ الأوّل فخرج ، فلمّا صلّى حدّث ، فما رأيت الرّجال متحت أعناقها إلى شي‏ء توجها إليه ، فسمعته يقول : هلك أهل العقدة و ربّ الكعبة

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عنه الحلبي في تقريب المعارف عن فتن البحار : ٣١٦ .

١٧

قالها ثلاثا هلكوا و أهلكوا أما أنّي لا آسى عليهم و لكنّي آسي على من يهلكون من المسلمين ١ .

و مراد ابيّ بأهل العقدة من رواه محمّد بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلّى على الرّخامة الحمراء بين العمودين ،

فقال في هذا الموضع : تعاقد القوم إن مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أو قتل ، أن لا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته . قلت : و من كان ؟ قال : كان الأوّل و الثاني ، و أبو عبيدة بن الجرّاح و سالم بن الحبيبة ٢ .

« اليوم توافقنا على سبيل الحقّ و الباطل » قال عمّار : لو ضربونا بأسيافهم حتّى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا على الحقّ ، و هم على الباطل ٣ .

و تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه عليه السّلام على الحقّ ، و الحقّ يدور معه ، و مخالفه على باطل ٤ .

« من وثق بماء لم يظمأ » هو مثل ، و المراد منه : أنّه كما أنّ من كان مطمئنّا بأنّ عنده ماء موجودا لم يبال بظمئه الآني ، كذلك من علم أنّه على دين الحقّ لم يبال بما يصيبه في دنياه ، فإنّه يقطع برفع ذلك عنه سريعا .

و من أمثال العرب : إن ترد الماء بماء أكيس ٥ .

و ممّا روي عنه عليه السّلام من الحكم المثلية : من سبق إلى الظلّ ضحى ، و من

ــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١ : ٢٥٢ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٥ ح ٢٨ .

( ٣ ) وقعة صفّين لابن مزاحم : ٣٢٢ .

( ٤ ) أخرج هذا المعنى الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٣ ح ٣٧١٤ و ترجمة علي عليه السّلام لابن عساكر ٣ : ١٥١ و ١٥٢ ح ١١٦٩ و ١١٧٠ ، في ذيل حديث عن علي عليه السّلام و في الباب عن ام سلمة و سعد.

( ٥ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٢ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٣٧٠ .
١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

سبق إلى الماء ظمى‏ء ١ .

قوله عليه السّلام في رواية ( الإرشاد ) : « كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى ،

حتّى عقّوا أباهم و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ٢ المراد بهذا الكلام أنّ طلحة و الزّبير كانا في سلك المسلمين ما لم يكونا نكثا ، و بعد نكثهما خرجا من سلكهم ، و الزّبير و إن رجع من العسكر ، و طلحة قتل في العسكر إلاّ أنّهما لم يتوبا بعودهما إلى طاعته ،

و الانخراط في سلكه ، كما فعل الحرّ الرّياحي لمّا خرج على الحسين عليه السّلام ، و لم يستغفر عليه السّلام لهما ، لأنّهما لم يكونا قابلين لذلك ، كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله :

إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللَّه لهم . . . ٣ . فبقيا في ما دخلا فيه من الخروج عن سلك الإسلام .

٦

من الخطبة ( ٩٥ ) اُنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اِتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا أقول : قال ابن أبي الحديد في شرح خطبته عليه السّلام : « أمّا بعد أيّها النّاس فأنا فقأت عين الفتنة » : هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة و هي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السّلام بعد انقضاء أمر النهروان ،

و فيها ألفاظ لم يوردها الرضي إلى أن قال و منها : « فانظروا أهل بيت نبيّكم ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في حديث أمير المؤمنين عليه السّلام .

( ٢ ) الإرشاد : ١٣٥ .

( ٣ ) التوبة : ٨٠ .

١٩

فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استنصروكم فانصروهم . فليفرجّنّ اللَّه الفتنة برجل منّا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلاّ السيف هرجا مرجا موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر ، حتّى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا .

يغريه اللَّه ببني اميّة حتّى يجعلهم حطاما و رفاتا ملعونين أينما ثقفوا اخذوا و قتّلوا تقتيلا ١ الآية ٢ و غفل عنه هنا .

و روى ( البحار ) عن ( غارات الثقفي ) بسندين عن زر بن حبيش قال :

خطب عليّ عليه السّلام بالنّهروان إلى أن قال : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزّمان ؟ قال عليه السّلام : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، و لا تسبقوهم فتصرعكم البليّة فقام رج . ل آخر ، فقال : ثمّ ماذا يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السّلام : ثمّ إنّ اللَّه تعالى يفرّج الفتن برجل منّا أهل البيت ، كتفريج الأديم ٣ .

و في ( كتاب سليم بن قيس ) بعد ذكر فتنة بني اميّة قال رجل : فما أصنع في ذلك الزّمان يا أمير المؤمنين ؟ قال : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا و إن استنصروكم فانصروهم تنصروا و تعذروا ، فإنّهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدعوكم إلى ردى ، و لا تسبقوهم بالتقدّم ، فيصرعكم البلاء و تشمت بكم الأعداء . قال : فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يفرّج اللَّه برجل من بيتي ، كانفراج الأديم من بيته ٤ .

و قال النّعماني في ( غيبته ) : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المشهورة التي رواها الموافق و المخالف ، في جملة ما قال : و لقد علم

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٦١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٨ شرح الخطبة ٩١ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ١ : ٢ ، و نقله عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٥٥٨ .

( ٤ ) كتاب سليم بن قيس : ١٥٨ ضمن حديث .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

والثناء عليه.

روى الكشي بسنده عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا:

خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقانا كتابهعليه‌السلام في بعض الطريق، فإذا فيه: ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا، فقد عاش أيام حياته عارفا بالحق، قائلا به، صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحبه الله ورسوله، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه خير أمنيته...(1) .

ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري... شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضاعليه‌السلام وله كتب(2) .

ومنهم: أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري وكان من خواص الإمام العسكريعليه‌السلام ورأى صاحب الزمان، وهو شيخ القميين ووافدهم(3) .

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين حديثا مبسوطا وجاء في آخره: إنه قال للإمام العسكريعليه‌السلام :... سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا.

____________________

(1) رجال الكشي ج 2 ص 858.

(2) رجال النجاشي ج ص 217.

(3) الخلاصة ص 15.

٢٢١

قال الراوي: فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا، قال سعد:

(راوي الحديث): فلما انصرفنا من حضرة مولانا من حلوان [المعروف اليوم بـ (پل ذهاب)] على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده.

قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمدعليه‌السلام ) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله(1) .

ومنهم: سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي الأشعري أبو القاسم، شيخ هذه الطائفة، وفقيهها ووجهها(2) .

ومنهم غيرهم وهم كثير.

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة ج 2 ص 464 ومنتهى الآمال ج 2 ص 685 - 686.

(2) رجال النجاشي ج 1 ص 401.

٢٢٢

وأما من برز من غير الأشعريين في العلم والتقوى والفضيلة فمن العسير جدا إحصاؤهم، فإن هذه المدينة أشبه شئ بمدرسة كبرى تخرج منها رجال العلم والإيمان، وأصبحوا منائر هدى ورشاد، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، ووالده علي بن الحسين، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن الحسن القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وعلي بن إبراهيم ووالده إبراهيم بن هاشم، وغيرهم كثير ممن كانوا من أجلاء هذه الطائفة وعظمائها وقد تكفلت كتب الرجال ببيان أحوالهم ومختلف شؤونهم ومن أراد المزيد فليراجع.

٢٢٣

قم وأهلها في روايات أهل البيتعليهم‌السلام

ومن خلال ما تقدم يتبين ما لهذه المدينة المقدسة من المنزلة عند أهل البيتعليهم‌السلام وما لأهلها من الشأن والمكانة.

وقد مر أن قم حرم آل محمد، وهي كوفتهم الصغيرة ومأوى شيعتهم، وتضافرت الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، في بيان فضلها وأفضليتها على كثير من البقاع.

فمنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنه ذكر كوفة، قال: ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في الشرق والغرب، فيتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائمعليه‌السلام

٢٢٤

ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة(1) .

ومنها: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت ذات يوم جالسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلي يا أبا الحسن، ثم اعتنقه وقبل [ما] بين عينيه، وقال: يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب، وفتح إليه بابا من أبواب الجنة(2) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال: قم عش آل محمد، ومأوى شيعتهم، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم، والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء(3) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها، فإن البلاء مدفوع عنها(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 95 وبحار الأنوار ج 60 ص 213.

(2) تاريخ قم ص 94 وبحار الأنوار ج 60 ص 212.

(3) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

(4) تاريخ قم ص 97 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

٢٢٥

ومنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين، ومستراح المؤمنين، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته(1) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: إن للجنة ثمانية أبواب، ولأهل قم واحد منها، فطوبى لهم، ثم فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(2) .

ومنها: ما رواه عفان البصري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قال لي:

أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد - صلوات الله عليه - ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه(3) .

ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى بياع السابري قال: كنت يوما عند أبي الحسنعليه‌السلام فجرى ذكر قم وأهله وميلهم، إلى المهديعليه‌السلام ، فترحم عليهم، وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214 - 215.

(2) بحار الأنوار ج 60 ص 215.

(3) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

(4) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

٢٢٦

ومنها: ما روي عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: إن لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة(1) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: تربة قم مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، أما إنهم أنصار قائمنا، ودعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة، ونجهم من كل هلكة(2) .

ومنها: ما روي عن الرضاعليه‌السلام ، قال: للجنة ثمانية أبواب، فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(3) .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنة قال: صلوات الله على أهل قم، ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث(4) ....

ومنها: ما رواه أبو الصلت الهروي قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه، فرد عليهم وقربهم، ثم قال لهم:

____________________

(1) تاريخ قم ص 99 وبحار الأنوار ج 60 ص 217.

(2) تاريخ قم ص 93 وبحار الأنوار ج 60 ص 218 - 219.

(3) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

(4) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

٢٢٧

مرحبا بكم وأهلا، فأنتم شيعتنا حقا، فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(1) .

ومنها: ما ورد في كتاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى أهل قم وآبه (آوه) وجاء فيه: إن الله تعالى بجوده ورأفته قد من الله على عباده بنبيه محمد بشيرا ونذيرا، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...(2) .

وغيرها من الروايات الكثيرة، وهي تدل على جلالة هذه المدينة وأهلها، ورعاية الأئمةعليهم‌السلام لهم، وعنايتهم بهم، مما جعل من هذه المدينة حصنا منيعة للتشيع، وقلعة محكمة تدافع عن حريم مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر القرون في صلابة من الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، ورسوخ في الاعتقاد.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 260.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 458.

٢٢٨

مفاخر القميين:

وذكر أن لأهل قم مناقب وفضائل أخرى امتازوا بها على سائر الناس، وعدت من مفاخرهم وأولياتهم.

قال الشيخ النمازي: مفاخر أهل قم كثيرة، منها: أنهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمةعليهم‌السلام .

ومنها: أنهم أول من بعث الخمس إليهم.

ومنها: أنهمعليهم‌السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان، كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد، وغيرهم، ممن يطول بذكرهم الكلام، وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع، وأنهم اشتروا من دعبل ثوب الرضاعليه‌السلام بألف دينار من الذهب، إلى غير ذلك.

ومنها: قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام وثواب زيارتها(1) .

ومن طريف ما يروى ما جرى لدعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور، وكان من قصته أنه دخل على أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقالعليه‌السلام : هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقمسا

وأيديهم من فيئهم صفرات

____________________

(1) مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 600.

٢٢٩

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام ، وقال له: صدقت يا خزاعي، فلما بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسنعليه‌السلام يقلب كفيه ويقول: أجل، والله منقبضات، فلما بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر، فلما انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضاعليه‌السلام : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال بلى: يا ابن رسول الله فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر بطوس قبر من هو؟ فقال الرضاعليه‌السلام : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.

ثم نهض الرضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار، فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه

٢٣٠

بمائة دينار رضوية، فقال له: يقول لك مولاي: اجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي، ورد الصرة، وسأل ثوبا من ثياب الرضاعليه‌السلام ليتبرك به ويتشرف به، وأنفذ الرضاعليه‌السلام جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له:

خذ هذه الصرة، فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها(1) .

وفي رواية أخرى: أن دعبل الخزاعي قال: لما قلت (مدراس آيات) قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة، فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها، وقال لي: لا تنشدها أحدا حتى آمرك.

واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني، وسألني عن خبري، ثم قال: يا دعبل أنشدني (مدارس آيات خلت من تلاوة) فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين، فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا.

فلم تكن إلا ساعة حتى حضر، فقال له: يا أبا الحسن سألت دعبلا عن (مدارس آيات) فذكر أنه لا يعرفها، فقال لي أبو الحسن: يا دعبل أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها، فأنشدتها فاستحسنها، وأمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بقريب من ذلك.

فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني،

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 264.

٢٣١

فقال: نعم، ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي:

احفظ هذا تحرس به.

ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني.

قال: ثم كررت راجعا إلى العراق، فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا، وكان ذلك اليوم مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد، وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة، ومتفكر في قول سيدي الرضاعليه‌السلام ، إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد: (مدارس آيات خلت من تلاوة) ويبكي، فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع، ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذلك ويلك؟ فقلت: لي فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن تجهل فقلت: من هو؟ قال:

دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا، فقلت له: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي، فقال: ويلك ما تقول؟ قلت: الأمر أشهر من ذلك، فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني، فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن علي الخزاعي.

فقال: قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها، كرامة لك،

٢٣٢

ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده، فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي، ثم بذرقنا - أي كنا في حمايته - إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة(1) .

وفي رواية: أن دعبل أخذ الصرة والجبة وانصرف وصار من مرو في قافلة، فلما بلغ (ميان قوهان)، وقع عليهم اللصوص، فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة، يقال له دعبل بن علي، قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم، وكان يصلي على رأس تل، وكان من الشيعة، وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل، وقال له:

أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، ورد عليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل.

وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع، فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشئ

____________________

(1) كشف الغمة ج 2 ص 261 - 263.

٢٣٣

كثير، واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار، فأبى عليهم وسار عن قم.

فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه، فامتنع الأحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها، فأجابوه إلى ذلك، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار.

وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضاعليه‌السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فذكر قول الرضاعليه‌السلام : إنك ستحتاج إلى الدنانير.

وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت رمدا عظيما، فأدخل أهل الطب عليها، فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة، وقد ذهبت، وأما اليسرى فنحن نعالجها، ونجتهد ونرجوا أن تسلم.

فاغتم لذلك دعبل غما شديدا، وجزع عليها جزعا عظيما، ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية، وعصبها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل، ببركة أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (1) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 265.

٢٣٤

وإنما ذكرنا هذه الرواية بطولها لما فيها الطرافة واللطافة والدلائل، كما أن فيها دلالة على ولاء أهل قم وحبهم لآل محمدعليهم‌السلام .

العلويون في قم:

أشرنا فيما تقدم إلى أن سياسة حكام بني أمية وبني العباس كانت تعتمد على البطش بالعلويين وقهرهم وتشريدهم، وكان بنو العباس هم الأشد في ذلك كما اعترف المأمون العباسي، وقد أدى ذلك إلى نزوح العلويين عن مواطنهم وتفرقهم في أطراف الأرض إلى حيث يجدون الأمن والأمان، وقد مرت علينا نماذج من أولئك الذين اضطرتهم الظروف العصيبة التي عصفت بهم إلى التنكر والتواري عن الأنظار خوفا على أنفسهم وأعراضهم وذويهم.

ولما كانت مدينة قم من المدن السباقة إلى التشيع والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام أصبحت ملاذا لبعض هؤلاء حيث التجأ إليها كثير من العلويين ولا سيما بعد أن دفنت فيها السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وأصبح حرمها الشريف مزارا وملاذا.

ومنذ أن اتخذ بعض العلويين من قم موطنا ومستقرا له بدأ الوجود العلوي بالانتشار، ولا زالت بعض السلالات العلوية التي ينتهي نسبها إلى أولئك الذين سكنوا قم واستوطنوها باقية إلى اليوم كالسادة البرقعيين فقد ذكرت بعض المصادر أن أول من دخل مدينة قم من السادة الرضوية هو موسى بن الإمام الجوادعليه‌السلام في سنة 256 هـ، وهو المعروف بالمبرقع، وكان يضع على وجهه برقعا دائما فلذا لقب بالمبرقع، وتوفي في قم سنة 296 هـ، وقد التحق به أخواته زينب، وأم

٢٣٥

محمد، وميمونة بنات الإمام الجوادعليه‌السلام ، ثم جاءت بعدهن بريهة بنت موسى، وتوفين بقم، ودفن عند فاطمة المعصومةعليها‌السلام (1) كما ذكرناه فيما تقدم.

وتنتشر في قم قبور السادة العلويين وهي مزارات يقصدها أهل قم والوافدون إليها، وهي كثيرة.

منها: مزار فيه قبران أحدهما لموسى المبرقع، والثاني قبر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى.

ومنها: مزار كبير يعرف بـ (چهل اختران) ويحوي عدة من قبور السادة العلويين منهم: محمد بن موسى المبرقع، وزوجته بريهة بنت جعفر بن الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وزينب بنت الإمام موسى، وأم محمد بنت موسى، وأبو علي محمد بن أحمد بن موسى، وبناته:

فاطمة، وبريهة، وأم سلمة، وأم كلثوم، وغيرهن من العلويات والفاطميات وكلهن من أعقاب وذراري موسى المبرقع(2) .

هذا وقد انتشر أعقاب موسى المبرقع عدا قم في الري وقزوين وهمدان وخراسان وكشمير والهند وسائر البلدان(3) .

وقد تولى بعضهم النقابة والأمارة، وكان فيهم العلماء وأهل التدبير والسيادة، فإن محمد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي علي كان رجلا فاضلا تقيا ورعا للغاية، حسن المنظر والمناظرة، فصيحا عاقلا، وكان رئيسا ونقيبا في قم، وأميرا للحاج، وقد شبهه أمير قم بالأئمة في

____________________

(1) تاريخ قم ص 215 - 216.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 570.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 571.

٢٣٦

الفضل والكمال، واعتقد بأنه يصلح للإمامة.

وكان ابنه أحمد بن محمد المعروف بالأعرج سيدا جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة رئيسا نقيبا في قم، وكان رجلا متنسكا متعبدا محببا إلى قلوب الناس، سخيا جوادا واسع الجاه، ولد بقم سنة 311 هـ وتوفي في شهر صفر سنة 358 هـ، وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمي.

وكان ابنه أبو الحسن موسى بن أحمد سيد أهل قم ورئيسهم، حسن المعاملة معهم، مراعيا حقوقهم، وفوضت إليه نقابة السادة في قم ونواحيها، وكان سادة آبة وقم وكاشان وغيرها تحت نظره في جميع أمورهم(1) .

وخلاصة القول أنهم كانوا أشراف هذه المدينة وأجلاءها في العلم والعمل.

ومنها: مزار أحمد بن قاسم بن أحمد بن علي بن جعفر العريضي، المعروف بـ (شاه أحمد قاسم)، وهو معروف بالشرف والجلالة، وقبره مزار كافة الناس، وكان عليه سقيفة، فلما جاء أصحاب خاقان المفلحي في سنة 295 هـ إلى قم رفعوا السقيفة فتركت زيارته مدة إلى أن رأى بعض صلحاء قم في المنام في سنة 371 هـ أن ساكن هذه البقعة رجل فاضل، وفي زيارته ثواب عظيم، فبني قبره بالخشب وجدد، وأصبح يزار، وقال بعض الثقات: كان يأتي إليه أصحاب الأمراض المزمنة

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 571 - 572.

٢٣٧

والمعلولون ويتوسلون به فيجدون الشفاء ببركة روحه الطاهرة(1) .

أقول: أشار إلى ذلك أحد الأساتذة من السادة العلماء الأجلاء، وأرشدني إلى زيارته والتوسل به، وأن حرمه موضع إجابة، وقد توسل به في بعض المهمات فقضيت حاجته.

وحرمه اليوم أحد المعالم البارزة في قم، وقد دفنت في حرمه أخته فاطمة.

وفي جواره دفن كثير من العلماء والمؤمنين، ويزدحم الزوار عند قبره ولا سيما في ليالي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

ومنها: مزارقيل: إن حمزة بن الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام قد دفن فيه(2) .

وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فنقل العلامة القمي عن بعض كتب العلامة المجلسي أن قبر حمزة بن موسىعليه‌السلام يقرب من قبر (السيد) عبد العظيم(3) (الحسني).

وقد تقدم ما نلقناه من رجال النجاشي أن السيد عبد العظيم الحسني كان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وذكر غيره أن قبره في إصطخر من شيراز(4) .

وذكر المحدث القمي أن في مدينة قم الطيبة مزار يعرف بـ (شاهزاده حمزة)، ولأهل هذه البلدة اعتقاد تام فيه ويحترمونه

____________________

(1) تاريخ قم ص 225.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 367.

(4) المجدي في أنساب الطالبيين ص 117.

٢٣٨

ويعظمونه، وله قبة وصحن، ويظهر من كلام صاحب تاريخ قم أن هذه الشخص هو حمزة بن موسىعليه‌السلام ، كما ورد في تاريخ السادات الرضائية الذين أقاموا بقم ودفنوا فيها، أنه قال: جاء يحيى الصوفي إلى قم وأقام بها وسكن في دار قرب دورة زكريا بن آدم ومشهد حمزة بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام (1) .

وإليه ينتهي نسب السلالة الصفوية الذين حكموا إيران أكثر من قرنين من الزمان(2) ، وذكرنا فيما تقدم أن أربعة من سلاطينهم دفنوا بجوار السيدة المعصومةعليها‌السلام .

ومنها: مزار كبير يعرف اليوم بـ (گلزار) قيل: إن علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام مدفون فيه(3) .

وقد اختلف في ذلك أيضا، وقيل: إنه مدفون في العريض من نواحي المدينة، وسكن فيها، وله أولاد كثيرون، وهم العريضيون(4) .

وقال العلامة المجلسي: وأما كونه مدفونا في قم فغير مذكور في الكتب المعتبرة، لكن أثر قبره الشريف موجود قديم وعليه اسمه مكتوب(5) .

وهناك مزارات أخرى في قم تنسب لأولاد الأئمةعليهم‌السلام وأحفادهم من السادة الحسنيين والحسينيين والموسويين والرضويين وغيرهم

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(4) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(5) بحار الأنوار ج 102 ص 273.

٢٣٩

وقد ذكرهم القمي في تاريخه، والعلوي العمري في مجديه(1) ويقصدهم الزائرون ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم.

وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستوعبة، فعسى أن يتهيأ لها من يسد هذا الفراغ.

والخلاصة أن أرواح الطيبين والصلحاء تحيط بقم وأهلها، وتدفع عنها وعنهم عاديات الزمان.

____________________

(1) تاريخ قم ص 205 - 239 والمجدي في أنساب الطالبيين ص 128 و 220 و 313.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446