بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 446
المشاهدات: 42781
تحميل: 4689


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42781 / تحميل: 4689
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

المتّبع ما شفّع بالبرهان ، و هو قول الامامية : أمّا أصله فقد أقرّ باتّفاق فرق المسلمين عليه ، و أمّا فرعه و هو كونه موجودا الآن ؟ فيدلّ عليه كلامه عليه السّلام المتواتر عنه لكميل المذكور في النّهج : « اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم للَّه بحجّة ، إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا ، لئلاّ تبطل حجج اللَّه و بيّناته » ١ كما اعترف به ثمّة ٢ ، و أمّا قول الصوفية و المعتزلة و الفلاسفة فسبحانه ،

و لهم ما يشتهون .

« قد لبس للحكمة جنّتها » في ( الصحاح ) : الجنّة بالضّم : ما استترت به من سلاح ٣ ، و يكفي في شرافة الحكمة قوله تعالى : . . . و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا . . . ٤ .

« و أخذها بجميع أدبها » أي : شرائطها و آدابها .

« من الإقبال عليها ، و المعرفة بها و التّفرّغ » عن الشواغل .

« لها » لأهميتها ، و روي القمي في تفسير قوله تعالى : و لقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر للَّه . . . ٥ عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام ، قال : أما و اللَّه ما اوتي لقمان الحكمة بحسب و لا مال و لا أهل و لا بسط في جسم و لا جمال ، و لكنّه كان رجلا قويّا في أمر اللَّه ، متورّعا في اللَّه ساكتا سكّيتا عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النّظر ، مستعبرا بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، و لم يره أحد من الناس على بول و لا غائط ، و لا اغتسال لشدّة تستّره و تحفّظه في أمره ، و لم يضحك من شي‏ء قط مخافة الإثم ، و لم يغضب قط ، و لم يمازح إنسانا قط ، و لم يفرح بشي‏ء من أمر

ــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ٣٧ الحكمة ١٤٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣١٣ شرح الحكمة ١٤٧ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٠٩٤ مادة ( جن ) .

( ٤ ) البقرة : ٢٦٩ .

( ٥ ) لقمان : ١٢ .

٤٢١

الدّنيا أتاه ، و لا حزن منها على شي‏ء قط ، و قد نكح من النّساء ، و ولد له من الأولاد الكثير ، و قدّم أكثرهم افراطا ، فما بكى على أحد منهم ، و لم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلاّ أصلح بينهما ، و لم يمض عنهما حتّى يتحاجزا ، و لم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلاّ سأل عن تفسيره ، و عمّن أخذه ، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء ، و كان يغشى القضاة و الملوك و السلاطين .

فيرثى للقضاة بما ابتلوا به ، و يرحم الملوك و السلاطين لغرّتهم باللَّه ،

و اطمينانهم في ذلك ، و يعتبر ما يغلب به نفسه ، و يجاهد به هواه ، و يحترز به من الشيطان .

فكان يداوي قلبه بالفكر ، و يداوي نفسه بالعبر ، و كان لا يظعن إلاّ في ما يعنيه فبذلك اوتي الحكمة ، و منح العصمة . فإنّ اللَّه تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار ، و هدأت العيون بالقابلة أن ينادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم : هل لك أن يجعلك اللَّه خليفة في الأرض تحكم بين النّاس ؟

فقال : إن أمرني اللَّه بذلك فالسّمع و الطاعة ، ألا و إن فعل بي ذلك أعانني عليه ،

و علّمني و عصمني ، و إن هو خيّرني قبلت العافية . فقالت الملائكة : لم ؟ قال :

لأنّ الحكم بين النّاس بأشدّ المنازل من الدين ، و أكثر فتنا و بلاء ، يخذل صاحبه ، و لا يعذر ، و يغشاه الظلمة من كلّ مكان ، و صاحبه فيه بين أمرين : إن أصاب فيه الحقّ فبالحري أن يسلم ، و إن أخطأ أخطأ طريق الجنّة إلى أن قال فلمّا أمسى و أخذ مضجعه من الليل أنزل اللَّه عليه الحكمة ، فغشّاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم فاستيقظ و هو أحكم النّاس في زمانه ، فخرج على النّاس ينطق بالحكمة و يبثّها فيهم إلى أن قال و كان داود عليه السّلام يقول له : طوبى لك يا لقمان اوتيت الحكمة ، و صرف عنك البلية . قال : و اعطي داود الخلافة

٤٢٢

و ابتلي بالحكم و الفتنة ١ .

« و هي » أي : الحكمة .

« عند نفسه ضالّته التي يطلبها » كما قالوا : الحكمة ضالّة المؤمن ٢ .

« و حاجته التي يسأل عنها » و يكفي في فضلها أنّ اللَّه تعالى نقل حكم لقمان للناس في كتابه ٣ .

« فهو مغترب إذا اغترب الاسلام » لعلّ وجه ربطه بسابقه إن لم يكن في الكلام سقط أنّ مقتضى لبسه للحكمة جنّتها التي تحفظها من سلاح العدو ،

و أخذها بآدابها أن ( يغترب ) ، و يعتزل حيث اغترب الاسلام ، و اعتزله الناس ،

لكن روى النّعماني في ( غيبته ) عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام :

أخبرني عن قول أمير المؤمنين عليه السّلام : إن الاسلام بدأ غريبا و سيعود كما بدأ فطوبى للغرباء فقال : يا أبا محمّد إذا قام القائم عليه السّلام استأنف دعاء جديدا كما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ٤ .

« و ضرب بعسيب ذنبه » و في ( الصحاح ) : عسيب الذنب : منبته من الجلد و العظم ٥ . و لكن في ( النهاية ) للجزري في حديث عليّ عليه السّلام ذكر فتنة فقال : « إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه » . و اليعسوب السيّد و الرّئيس و المقدم ،

و أصله فحل النّحل . أي : فارق أهل الفتنة ، و ضرب في الأرض ذاهبا في أهل دينه و أتباعه الّذين يتبعونه على رأيه و هم الأذناب . و قال الزمخشري : الضّرب

ــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٦٢ .

( ٢ ) رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة ٤ : ٨٠ الحكمة ١٨ عن علي عليه السّلام .

( ٣ ) وردت حكم لقمان و مواعظه في الآية ١٣ ١٩ من سورة لقمان .

( ٤ ) الغيبة للنعماني : ٢٢١ في صدر حديث .

( ٥ ) صحاح اللغة ١ : ١٨١ مادة ( عسب ) .

٤٢٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بالذنب هاهنا مثل للإقامة و الثبات ، يعني : أنّه يثبت هو و من تبعه على الدّين ١ .

قلت : الظاهر أنّه اشار إلى كلامه في ( فائقه ) ٢ . و قال في ( أساسه ) أيضا :

و قال عليّ عليه السّلام في فساد الزّمان : « فاذا كان كذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه » و هو مستعار من يعسوب النّحل و هو فحلها ٣ .

قلت : و ( تفسير الزمخشري ) يؤيّده الجملة الآتية بعده على ما ترى .

« و الصق الأرض بجرانه » و في ( الصحاح ) : جران البعير : مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره ، و الجمع جرن ، و كذلك من الفرس ٤ . و ضرب الأرض بالجران كناية عن التمكين . فمرّ في فصل النّبوّة قوله عليه السّلام و كان سئل عن قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : « غيّروا الشّيب » : إنّما قال صلّى اللَّه عليه و آله ذلك و الدّين قل ، فأمّا الآن و قد اتسع نطاقه ، و ضرب بجرانه فامرؤ و ما اختار ٥ . و مرّ أيضا ما في ( الصحيفة الثالثة ) : اللّهمّ و قد استحصد زرع الباطل ، و بلغ نهيته ، و استحكم عموده ،

و خذرف وليده ، و وسق طريده ، و ضرب بجرانه ٦ .

و قال ابن أبي الحديد : معنى الكلام أنّه إذا صار الاسلام غريبا مقهورا ،

و صار الاسلام كالبعير البارك يضرب الأرض بعسيبه و هو أصل الذنب و يلصق جرانه و هو صدره في الأرض فلا يكون له تصرّف و لا نهوض ٧ .

و هو كما ترى .

ــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٢٣٤ مادة ( عسب ) ، و النقل بتصرف في الترتيب .

( ٢ ) الفائق للزمخشري ٢ : ١٥٠ مادة ( عسب ) .

( ٣ ) أساس البلاغة ٣٠١ مادة ( عسب ) .

( ٤ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٠٩١ مادة ( جرن ) .

( ٥ ) مرّ في العنوان ٤٣ من الفصل السادس .

( ٦ ) رواه أفندي التبريزي في الصحيفة الثالثة عنه صحيفة السيد الأمين : ٩٢ دعاء ٣١ ، و لم يسبق نقله في هذا الكتاب .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١٦ .

٤٢٤

و كيف كان ، فيمكن أن يكون الكلام إشارة إلى غيبة المهدي . روى ( الإكمال ) عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السّلام قال : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كلّ مبطل . فقلت : و لم جعلت فداك ؟ قال :

لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم . قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته : وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللَّه تعالى ذكره ،

إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة ، و قتل الغلام ، و إقامة الجدار لموسى عليه السّلام إلى وقت افتراقهما ١ .

« بقية من بقايا حججه ، و خليفة من خلائف أنبيائه » روى ابن بابويه في ( إكماله ) عن الورّاق عن سعد بن عبد اللَّه ، عن أحمد بن إسحاق الأشعري ، قال :

دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام و أنا اريد أن أسأله عن الخلف من بعده ، فقال لي مبتدئا : يا أحمد بن إسحاق إنّ اللَّه تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ، و لا يخلّيها إلى أن تقوم السّاعة من حجّة اللَّه على خلقه ، به يدفع اللَّه البلاء عن أهل الأرض ، و به ينزل الغيث ، و به تخرج بركات الأرض . فقلت له : يابن رسول اللَّه فمن الإمام و الخلف بعدك ؟ فنهض مسرعا فدخل البيت ، ثمّ خرج و على عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر من أبناء ثلاث سنين . فقال : يا أحمد لو لا كرامتك على اللَّه عزّ و جلّ و على حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنّه سميّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و كنيّه الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما ،

يا أحمد مثله في هذه الامة مثل الخضر ، و مثل ذي القرنين ، و اللَّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلاّ من ثبّته اللَّه عزّ و جلّ على القول بإمامته ، و وفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه . قال أحمد : فقلت : يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها

ــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٤٨١ ح ١١ .

٤٢٥

قلبي ؟ فنطق الغلام بلسان فصيح فقال : أنا بقية اللَّه في أرضه ، و المنتقم من أعدائه ، و لا تطلب يا أحمد أثرا بعد عين . فخرجت فرحا ، فلمّا كان من الغد عدت إليه ، فقلت : يابن رسول اللَّه لقد عظم سروري بما مننت به عليّ ، فما السّنّة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين ؟ قال : طول الغيبة . قلت : و إنّ غيبته لتطول ؟ قال : إي و ربي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به . . . ١ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد بعد نقل الفقرة : « بقية من بقايا حججه ،

و خليفة من خلائف أنبيائه » : فإن قلت : أليس لفظ الحجّة و لفظ الخليفة مشعرا بما تقوله الامامية ؟ قلت : لا ، فإنّ أهل التصوّف يسمّون صاحبهم حجّة و خليفة ، و كذلك الفلاسفة ، و أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق هذه الألفاظ على العلماء المؤمنين في كلّ عصر ، لأنّهم حجج اللَّه ، أي : إجماعهم حجّة ، و قد استخلفهم اللَّه في أرضه ليحكموا بحكمه ، و على ما اخترناه نحن فالجواب ظاهر ٢ .

قلت : أمّا المتصوّفة و الفلاسفة و أصحابه المعتزلة ، فقد عرفت أنّهم و إن ادّعوا ما ادّعوا إلاّ أنّهم لا بيّنة لهم ، و إنّ ما قالوا إلاّ أسماء سمّوها . و أمّا الإمامية فإنّما استندوا إلى المتواتر من قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و المعصومين من عترته عليهم السّلام .

و أمّا قوله : « إنّ المراد به القائم عليه السّلام في آخر الوقت إذا خلقه اللَّه » ٣ فقد عرفت أيضا كونه خلاف المتواتر من قول أمير المؤمنين من عدم خلوّ الأرض من الحجّة ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٨٤ ح ١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١٦ ، ٥١٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١٦ ، ٥١٥ .

( ٤ ) مرّ في العنوان ١ من هذا الفصل .

٤٢٦

هذا ، و قوله عليه السّلام : « بقية » و قوله : « خليفة » بدون تعريف نكتة أنّ القائم عليه السّلام كان أمره مستورا حتّى ادّعت العامة كما رأيت من ( ابن أبي الحديد ) عدم وجوده بعد ، روى محمّد بن بابويه عن ابن الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن أيوب بن نوح و كلّهم أجلّة ثقات قال : قلت للرّضا عليه السّلام : إنّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، و أن يردّه اللَّه إليك من غير سيف ، فقد بويع لك ، و ضربت الدراهم باسمك . فقال : ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب ، و سئل عن المسائل و أشارت إليه الأصابع ، و حملت إليه الأموال إلاّ اغتيل أو مات على فراشه ، حتّى يبعث اللَّه عزّ و جلّ لهذا الأمر رجلا خفي المولد و المنشأ غير خفيّ في نسبه ١ .

و روى مسندا عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني قال : قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى عليه السّلام : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ،

الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما ، فقال عليه السّلام : يا أبا القاسم ما منّا إلاّ و هو قائم بأمر اللَّه عزّ و جلّ و هاد إلى دين اللَّه ، و لكن القائم الّذي يطهّر اللَّه عزّ و جلّ به الأرض من أهل الكفر و الجحود ، و يملؤها عدلا و قسطا هو الّذي تخفى على النّاس ولادته ، و يغيب عنهم شخصه ، و يحرم عليهم تسميته ، و هو سميّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و كنيّه ، و هو الّذي تطوى له الأرض ، و يذلّ له كلّ صعب ،

و يجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر : ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض ، و ذلك قول اللَّه عزّ و جلّ : . . . أينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعا إنّ اللَّه على كلّ شي‏ء قدير ٢ ، فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر اللَّه أمره ، فإذا كمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج بإذن اللَّه عزّ و جلّ ، فلا

ــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٧٠ ح ١ .

( ٢ ) البقرة : ١٤٨ .

٤٢٧

يزال يقتل أعداء اللَّه حتّى يرضى اللَّه عزّ و جلّ . قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيّدي و كيف يعلم أنّ اللَّه تعالى قد رضي ؟ قال : يلقي في قلبه الرّحمة فإذا دخل المدينة اخرج اللات و العزّى فأحرقهما ١ .

هذا ، و في باب ( ما يهدى إلى الكعبة من الكافي ) عن أبي الحر عن الصادق عليه السّلام في من أوصى بجارية هديا للبيت : أنّ الكعبة لا تأكل و لا تشرب ما أهدى لها فهو لزوّارها بع الجارية ، و قم على الحجر ، و ناد هل منقطع به ،

و هل من محتاج من زوّارها ؟ فإذا أتوك فسل عنهم و اعطهم و أقسم فيهم عنها قال : فقلت له : إنّ بعض من سألته أمرني بدفعها إلى بني شيبة . فقال : أمّا إنّ قائمنا عليه السّلام لو قد قام أخذهم قطع أيديهم ، و طاف بهم ، و قال : هؤلاء سرّاق اللَّه ٢ .

و في ( نوادر حجّه ) : عن أبي بصير عنه عليه السّلام : أنّ القائم إذا قام ردّ البيت الحرام إلى أساسه ، و مسجد الرسول إلى أساسه ، و مسجد الكوفة إلى أساسه ٣ .

و في آخر ( هداية الصدوق ) باب نادر : قال الصادق عليه السّلام : إنّ اللَّه عزّ و جلّ آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام ، فإذا قام قائمنا قائم أهل البيت ورّث الأخ الذي اخي بينهما في الأظلة ، و لم يورّث الأخ من الولادة ٤ .

و في ( نوادر حج الفقيه ) قال الصادق عليه السّلام : أوّل ما يظهر القائم عليه السّلام من العدل أن ينادي مناديه أن يسلّم أصحاب النافلة لأصحاب الفريضة الحجر

ــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٧٧ ح ٢ .

( ٢ ) هذا حديث سعيد بن عمرو أخرجه الكليني في الكافي ٤ : ٢٤٢ ح ٤ ، و اما حديث أبي الحر فلفظه غير هذا و أخرجه هو في الصدر ٤ : ٢٤٢ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٣ ح ١٦ .

( ٤ ) أخرجه الصدوق في الهداية : ٦٤ .

٤٢٨

الأسود ، و الطواف بالبيت ١ .

و روى ( الكافي و الفقيه ) عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام و اللفظ للثاني قال : دمان في الاسلام حلال من اللَّه تعالى ، لا يقتضى فيهما أحد حتّى يبعث اللَّه قائمنا أهل البيت عليه السّلام ، فإذا بعث اللَّه عزّ و جلّ قائمنا حكم فيهما بحكم اللَّه تعالى ، الزّاني المحصن يرجمه ، و مانع الزّكاة يضرب عنقه » . و في الأول :

حكم فيهما بحكم اللَّه لا يريد عليهما بيّنة ٢ .

و في ( فضل مساجد الفقيه ) : و قال أبو جعفر عليه السّلام : أوّل ما يبدأ قائمنا عليه السّلام سقوف المساجد ، فيكسرها ، و يأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه السّلام ٣ .

٣٢

الحكمة ( ٤٣٢ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ هُمُ اَلَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ اَلدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا وَ اِشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اِشْتَغَلَ اَلنَّاسُ بِعَاجِلِهَا فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ وَ تَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ وَ رَأَوُا اِسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اِسْتِقْلاَلاً وَ دَرَكَهُمْ لَهَا فَوْتاً أَعْدَاءُ مَا سَالَمَ اَلنَّاسُ وَ سِلْمُ مَا عَادَى اَلنَّاسُ بِهِمْ عُلِمَ اَلْكِتَابُ وَ بِهِ عَلِمُوا وَ بِهِمْ قَامَ اَلْكِتَابُ الله تعالى وَ بِهِ قَامُوا لاَ يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ وَ لاَ مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في الفقيه ٢ : ٣١٠ ح ٢٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٣ ح ٥ ، و الفقيه للصدوق ٢ : ٦ ح ٧ .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ١ : ١٥٣ ح ٢٩ .

٤٢٩

قال ابن أبي الحديد بعد العنوان : هذا يصلح أن تجعله الإمامية شرح حال الأئمة المعصومين على مذهبهم ، لقوله فوق ما يرجون : « بهم علم الكتاب و به علموا » . و أمّا نحن فنجعله شرح العلماء العارفين ، و هم أولياء اللَّه الّذين ذكرهم ١ .

قلت : العلماء العارفون الكاملون في العلم و العرفان ليسوا إلاّ الأئمّة المعصومين الّذين لهم اتّصال بالمبدأ ، و لم يستطع أحد في عصر أن يدّعي أنّ عنده علم جميع الكتاب غيرهم ، كما أنّ الأولياء الكاملين أيضا هم عليهم السّلام ،

و غيرهم ناقصون .

« إنّ أولياء اللَّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدّنيا إذا نظر النّاس إلى ظاهرها » فإنّ الناس يكونون كما قال تعالى : يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا و هم عن الآخرة هم غافلون ٢ . و هم عليهم السّلام يكونون كما قال تعالى : و الّذين يؤتون ما آوتوا و قلوبهم وجلة أنّهم إلى ربّهم راجعون . اولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون ٣ . و صدّقوا قوله تعالى : . . . إنّما الحياة الدّنيا متاع و إنّ الآخرة هي دار القرار ٤ .

« و اشتغلوا بآجلها » أي : بتحصيل درجات آخرتها ، و كانوا كما قال تعالى :

تلك الدّار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين ٥ .

« إذا اشتغل النّاس بعاجلها » زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٧٤ .

( ٢ ) الروم : ٧ .

( ٣ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

( ٤ ) غافر : ٣٩ .

( ٥ ) القصص : ٨٣ .

٤٣٠

و البنين و القناطير المقنطرة من الذّهب و الفضّة و الخيل المسوّمة و الأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا و اللَّه عنده حسن المآب ١ ، اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد كمثل غيث أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتراه مصفرّا ثمّ يكون حطاما و في الآخرة عذاب شديد و مغفرة من اللَّه و رضوان و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٢ .

« فأماتوا منها ما خشوا » أي : خافوا .

« أن يميتهم » بنقص دينهم ، روى ( الخصال ) عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : ثلاث مجالستهم تميت القلب : مجالسة الأنذال ، و الحديث مع النساء ، و مجالسة الأغنياء ٣ .

و روى الخطيب عن جابر قال : قدم قوم على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من غزاة له ،

فقال لهم : قدمتم خير مقدم ، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . قالوا :

و ما الجهاد الأكبر يا رسول اللَّه ؟ قال : مجاهدة العبد هواه ٤ .

« و تركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم » . . . و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم . . . ٥ و في الخبر : إنّما يجمع للدّنيا من لا عقل له ٦ .

« و رأوا استكثار غيرهم منها استقلالا » . . . قل متاع الدّنيا قليل . . . ٧ .

« و دركهم لها فوتا » ما عندكم ينفد و ما عند اللَّه باق . . . ٨ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤ .

( ٢ ) الحديد : ٢٠ .

( ٣ ) الخصال للصدوق : ٨٧ ح ٢٠ في ذيل حديث .

( ٤ ) رواه عنه في الجامع الصغير ٢ : ٨٦ .

( ٥ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٦ ) لم أجده بهذا اللفظ لكن المعنى مشهور .

( ٧ ) النساء : ٧٧ .

( ٨ ) النحل : ٩٦ .

٤٣١

« أعداء ما سالم النّاس و سلم » بالكسر فالسكون .

« ما عادى النّاس » من أمر العقبى .

« بهم علم الكتاب » كتاب اللَّه لا بغيرهم ، الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته اولئك يؤمنون به . . . ١ ، بل هو آيات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلم . . . ٢ ، . . . قل كفى باللَّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب ٣ .

و قال أبو جعفر عليه السّلام : ما ادّعى أحد من النّاس أنّه جمع القرآن كلّه كما انزل إلا كذّاب ، و ما جمعه و حفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ،

و الأئمّة عليهم السّلام من بعده ٤ .

و قال أيضا : ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ، ظاهره و باطنه غير الأوصياء ٥ .

و قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام : و اللَّه إنّي لأعلم كتاب اللَّه من أوّله إلى آخره ، كأنّه في كفّي ، فيه خبر السّماء و خبر الأرض ، و خبر ما كان و خبر ما هو كائن ، قال اللَّه تعالى : فيه تبيان كلّ شي‏ء ٦ .

و روى الثعلبي في ( تفسيره ) كما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : و الّذي فلق الحبّة ، و برأ النّسمة ، لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، و بين أهل الزّبور بزبورهم ، و بين أهل الفرقان بفرقانهم ، و الذي نفسي بيده ما من رجل

ــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٢١ .

( ٢ ) العنكبوت : ٤٩ .

( ٣ ) الرعد : ٤٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٢٢٨ ح ١ ، و البصائر للصفار : ٢١٣ ح ٢ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٢٢٨ ح ٢ ، و البصائر للصفار : ٢١٣ ح ١ ، ٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ١ : ٢٢٩ ح ٤ .

٤٣٢

من قريش جرت عليه المواسى ، إلاّ و أنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة ، أو تقوده إلى النّار . فقال له رجل : يا أمير المؤمنين فما آيتك التي انزلت فيك ؟ فقال :

أ فمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه . . . ١ . فرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم على بيّنة ، و انا شاهد منه ٢ .

« و به » أي : و بالقرآن .

« علموا » أي : علم منزلتهم عند اللَّه تعالى ، و مكانتهم في الدّين ، و يكفي في درجتهم من القرآن آية المباهلة ، قال تعالى : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللَّه على الكاذبين ٣ .

قال سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) قال جابر بن عبد اللَّه في ما رواه عنه أهل السير : قدم و فد نجران على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و فيهم السيّد العاقب و جماعة من الأساقفة ، فقالوا : من أبو موسى ؟ فقال : عمران . قالوا : فأبوك ؟ قال : أبي عبد اللَّه بن عبد المطلب . قالوا : فعيسى من أبوه ؟ فسكت ينتظر الوحي ، فنزل قوله تعالى : إنّ مثل عيسى عند اللَّه كمثل آدم خلقه من تراب . . . ٤ قالوا : لانجدها في ما اوحي إلى أنبيائنا . فقال : كذبتم . فنزل قوله تعالى : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم . . . ٥ الآية . قالوا :

أنصفت ، فمتى نباهلك ؟ قال : غدا إن شاء اللَّه . فانصرفوا ، و قال بعضهم لبعض :

إن خرج في عدّة من أصحابه ، فباهلوه ، لأنّه غير نبيّ ، و إن خرج في أهل بيته ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) هود : ١٧ .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٦ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

( ٤ ) آل عمران : ٥٩ .

( ٥ ) آل عمران : ٦١ .

٤٣٣

فلا تباهلوه فإنّه نبيّ صادق ، و لئن باهلتموه لتهلكنّ . ثمّ بعث النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلى أهل المدينة و من حولها ، فلم تبق بكر و لا آنس إلاّ و خرجت ، و خرج النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام بين يديه ، و الحسن عليه السّلام عن يمينه و الحسين عليه السّلام عن شماله و فاطمة عليها السّلام خلفه ، ثمّ قال : هلمّوا فهؤلاء أبناؤنا و أشار إلى الحسن و الحسين عليهم السّلام و هذه نساؤنا يعني فاطمة عليها السّلام و هذه أنفسنا يعني نفسي و أشار إلى عليّ عليه السّلام فلمّا رأى القوم ذلك خافوا ، و جاؤوا إلى بين يديه ، فقالوا :

أقلنا أقالك اللَّه . فقال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : و الّذي نفسي بيده لو خرجوا لامتلأ الوادي عليهم نارا ١ .

و ذكر الثعلبي في ( تفسيره ) أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله غدا محتضنا الحسين عليه السّلام آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه ، و عليّ عليه السّلام خلفهم ، و قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إذا دعوت فأمّنوا . فقال اسقف نجران : يا معاشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ، و لا يبقى على وجه الأرض إلاّ مسلم . فرجعوا إلى بلادهم ، و صالحوا النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله على ألفي حلّة ٢ .

و آية التطهير ، قال تعالى : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٣ ، روى الثعلبي في ( تفسيره ) مسندا عن أبي سعيد الخدري قال : قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ و في عليّ و في حسن و حسين و فاطمة . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤ .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤ .

( ٣ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٤ ) تفسير الثعلبي عنه الطرائف ١ : ١٢٧ ح ١٩٥ ، و العمدة ١ : ١٩ ، و الآية ٣٣ من سورة الأحزاب .

٤٣٤

و عن ام سلمة قالت : إنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان في بيتها ، فأتت فاطمة عليها السّلام ببرمة فيها حريرة ، فدخلت بها عليه . قال : ادعي لي زوجك و ابنيك . فجاء عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام ، فدخلوا و جلسوا يأكلون من تلك الحريرة و هو و هم على منامة له ولي ، و كان تحته كساء خيبري ، و أنا في الحجرة اصلّي فأنزل اللَّه عزّ و جلّ : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ . فأخذ فضل الكساء و كساهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء و قال : هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي ، اللهمّ فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا . فأدخلت رأسي البيت و قلت : و أنا معكم يا رسول اللَّه ؟ قال : إنّك لعلى خير إنّك لعلى خير ٢ .

و عن ( مجمع ) التّيملي قال : دخلت مع امّي على عائشة ، فسألتها امّي ،

قالت : أرأيت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : إنّه كان قدرا من اللَّه . فسألتها عن عليّ عليه السّلام قالت : سألتني عن أحبّ النّاس كان إلى النّبيّ ، لقد رأيت عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا ، و قد جمع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يغدف عليهم ، ثم قال : هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي ، فاذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ٣ .

و عن شداد بن عمّار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع ، و عنده قوم فذكروا عليّا عليه السّلام ، فشتموه فشتمته معهم ، فلمّا قاموا ، قال : لم شتمت هذا الرجل ؟ قلت : رأيت القوم يشتمونه فشمته معهم . فقال : ألا اخبرك بما سمعت من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ؟ قلت : بلى . قال : أتيت فاطمة عليها السّلام أسألها عن عليّ عليه السّلام ، فقالت :

توجّه إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فجلست انتظر حتى جاء النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، فجلس و معه عليّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) تفسير الثعلبي عنه الطرائف ١ : ١٢٥ ح ١٩٢ ، و العمدة ١ : ٢٠ .

( ٣ ) تفسير الثعلبي عنه الطرائف ١ : ١٢٧ ح ١٩٦ ، و العمدة ١ : ٢٠ .

٤٣٥

و الحسن و الحسين عليهم السّلام أخذ كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل ، فأدنى عليّا و فاطمة عليهما السّلام فأجلسهما بين يديه ، و أجلس حسنا و حسينا كلّ واحد منهما على فخذه ثم لفّ عليهم ثوبه أو قال كساء ثمّ تلا :

إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ . ثمّ قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ، و أهل بيتي أحقّ » .

و رواه أحمد بن حنبل في ( فضائله ) ٢ .

و روى الثعلبي أيضا في ( تفسيره ) و الطبري في ( ذيله ) عن أبي الحمراء قال : أقمت بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد ، و كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يجي‏ء كلّ غداة ،

فيقوم على باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام فيقول : . . . انّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٣ .

و روى مسلم في ( صحيحه ) مسندا عن زيد بن أرقم قال : قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : ألا و إنّي تارك فيكم ثقلين : أحدهما كتاب اللَّه عزّ و جلّ هو حبل اللَّه ،

من اتبعه كان على الهدى ، و من تركه كان على ضلالة ، و أهل بيتي ، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي ، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي ، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي . فقلنا : من أهل بيته ، نساؤه ؟ قال : لا ، و ايم اللَّه ، إنّ المرأة تكون مع الرّجل العصر من الدّهر ، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها . أهل بيته : أصله و عصبته الّذين حرموا الصدقة بعده ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) تفسير الثعلبي عنه الطرائف ١ : ١٢٣ ح ١٨٨ ، و العمدة ١ : ٢١ ، و أحمد في فضائله عنه تذكرة الخواص : ٢٣٣ ، و في مسنده ٤ : ١٠٧ أيضا .

( ٣ ) تفسير الثعلبي عنه الطرائف ١ : ١٢٨ ح ١٩٨ ، و العمدة ١ : ٢١ ، و الطبري في ذيل المذيل : ٨٣ ، و قد مرّ تخريجه في العنوان ٢٧ من هذا الفصل .

( ٤ ) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٤ ح ٣٧ ، و جمع آخر .

٤٣٦

و لو أردنا استقصاء ما ورد عن طرقهم في ذلك فضلا عمّا ورد من طرقنا لطال الكلام .

« و بهم قام الكتاب » فلولاهم ما عرف متشابهه من محكمه ، و منسوخه من ناسخه ، و خاصه من عامّه ، و مجمله من مبيّنه .

« و به قاموا » حسبما قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إنّ القرآن و عترته لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض ١ . فكلّ منهما يقوم بالآخر كما أنّ كلاّ منهما يعلم بالآخر .

و قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام : إنّ الأئمّة في كتاب اللَّه إمامان : قال تعالى :

و جعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا . . . ٢ لا بأمر الناس يقدّمون أمر اللَّه قبل أمرهم ، و حكم اللَّه قبل حكمهم ، و قال : و جعلناهم أئمة يدعون إلى النار . . . ٣ يقدمون أمرهم قبل أمر اللَّه ، و حكمهم قبل حكم اللَّه ، و يأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللَّه تعالى ٤ .

و قال عليه السّلام أيضا في قوله تعالى : إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ٥ : يهدي إلى الإمام ٦ .

و قال أبو جعفر عليه السّلام في قوله تعالى : . . . فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما ٧ أي : جعل منهم الرّسل و الأنبياء و الأئمّة .

قال : فكيف يقرّون في آل إبراهيم ، و ينكرونه في آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ٨ ؟

ــــــــــــــــ

( ١ ) مرّ تخريج حديث الثقلين في شرح فقرة « إليهم يفي‏ء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٢ ) الأنبياء : ٧٣ .

( ٣ ) القصص : ٤١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٢١٦ ح ٢ ، و روى عن الباقر عليه السّلام أيضا .

( ٥ ) الاسراء : ٩ .

( ٦ ) الكافي للكليني ١ : ٢١٦ ح ٢ .

( ٧ ) النساء : ٥٤ .

( ٨ ) الكافي للكليني ١ : ٢٠٥ ح ١ ، و غيره .

٤٣٧

و قال الرضا عليه السّلام في قوله تعالى : يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللَّه و كونوا مع الصادقين ١ : الصّادقون هم الأئمّة ٢ .

و قال عليه السّلام في قوله : . . . فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ٣ :

نحن أهل الذّكر ، و نحن المسؤولون ٤ .

و قال أبو جعفر عليه السّلام في قوله تعالى : . . . قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى . . . ٥ : هم الأئمّة عليهم السّلام ٦ .

و قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام في قوله تعالى : و اعلموا أنّما غنمتم من شي‏ء فأنّ للَّه خمسه و للرّسول و لذي القربى . . . ٧ : ذو القربى أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة عليهم السّلام ٨ .

« لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون » و هو اللَّه تعالى القادر على كلّ شي‏ء ، و عن الباقر عليه السّلام قال : قال علي بن الحسين عليه السّلام : مرضت مرضا شديدا ، فقال لي أبي عليه السّلام ما تشتهي ؟ فقلت : أشتهي أن أكون ممّن لا أقترح على ربّي ما يدبّره لي . فقال لي : أحسنت ، ضاهيت إبراهيم الخليل عليه السّلام حيث قال جبرئيل عليه السّلام : هل من حاجة ؟ فقال : لا أقترح على ربّي ، بل حسبي اللَّه و نعم الوكيل ٩ .

« و لا مخوفا فوق ما يخافون » و هو اللَّه القاهر الّذي لا يمكن الفرار من

ــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١١٩ .

( ٢ ) البصائر للصفار : ٥١ ح ٢ ، و غيره .

( ٣ ) النحل : ٤٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٢١١ ح ٧ ، و غيره ، و روي عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و علي و الصادق و الرضا عليهم السّلام .

( ٥ ) الشورى : ٢٣ .

( ٦ ) الكافي للكليني ١ : ٤١٣ ح ٧ ، و غيره .

( ٧ ) الانفال : ٤١ .

( ٨ ) الكافي للكليني ١ : ٤١٤ ح ١٢ .

( ٩ ) الدعوات للراوندي عنه البحار ٤٦ : ٦٧ ح ٣٤ .

٤٣٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حكومته ، و عن ( الحلية ) : كان عليّ بن الحسين عليه السّلام إذا فرغ من وضوئه للصلاة و صار بين وضوئه و صلاته ، أخذته رعدة و نفضة ، فقيل له في ذلك ، فقال :

و يحكم أتدرون إلى من أقوم ، و من اريد أن اناجي ١ ؟

و في خبر آخر : كان السّجاد عليه السّلام إذا توضأ اصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك ،

فقال : أتدرون بين يديّ من اريد أن أقف ٢ ؟

و في خبر : وقع حريق في بيت هو فيه ساجد ، فجعلوا يقولون : يابن رسول اللَّه النّار النّار فما رفع رأسه حتّى اطفئت . فقيل له بعد قعوده : ما الّذي ألهاك عنها ؟ قال : النّار الكبرى ٣ .

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) : أنّ المتوكل قال لذي النون المصري : صف لنا أولياء اللَّه . فقال : هؤلاء قوم ألبسهم اللَّه النّور السّاطع من محبّته ، و جلّلهم بالبهاء من أردية كرامته ، و وضع على مفارقهم تيجان مسرّته ، و نشر لهم المحبّة في قلوب خليقته ، ثمّ أخرجهم و قد أودع القلوب ذخائر الغيوب ، فهي معلّقة بمواصلة المحبوب ، فقلوبهم إليه سائرة ، و أعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة ، ثمّ أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدّواء ،

و عرّفهم منابت الأدواء ، و جعل تلاميذهم أهل الورع و التّقى ، و ضمن لهم الإجابة عند الدّعاء ، و قال : يا أوليائي إن أتاكم عليل من فرقي فداووه ، أو مريض من ارادتي فعالجوه ، أو مجروح بتركي إيّاه فلاطفوه ، أو فارّ منّي فرغّبوه ، أو آبق منّي فخادعوه ، أو خائف منّي فآمنوه ، أو راغب في مواصلتي فمنّوه ، أو قاصد نحوي فأدّوه ، أو جبان في متاجرتي فجرّئوه ، أو آيس من فضلي فعدوه ، أو راج لإحساني فبشّروه ، أو حسن الظنّ بي فباسطوه ، أو

ــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٣ : ١٣٣ .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٢٥ .

( ٣ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٢٥ .

٤٣٩

محبّ لي فواصلوه ، أو معظّم لقدري فعظّموه ، أو مستوصف نحوي فارشدوه ، أو مسي‏ء بعد إحساني فعاتبوه ، أو ناس لإحساني فذكّروه ، و إن استغاث بكم ملهوف فأغيثوه ، و من وصلكم فيّ فواصلوه ، فإن غاب عنكم فافتقدوه ، و إن ألزمكم جناية فاحتملوه ، و إن قصّر في واجب حقّ فاتركوه ،

و إن أخطأ خطيئة فانصحوه ، و إن مرض فعودوه ، و إن وهبت لكم هبة فشاطروه ، و إن رزقتكم فآثروه . يا أوليائي لكم عاتبت ، و لكم خاطبت ، و إيّاكم رغبت ، و منكم الوفاء طلبت ، لأنّكم بالأثرة آثرت و انتخبت ، و إيّاكم استخدمت و اصطنعت و اختصصت ، لا اريد استخدام الجبّارين و لا مطاوعة الشّرهين .

جزائي لكم أفضل الجزاء ، و عطائي لكم أوفر العطاء ، و بذلي لكم أغلى البذل ،

و فضلي عليكم أكبر الفضل ، و معاملتي لكم أو في المعاملة ، و مطالبتي لكم أشدّ المطالبة . أنا مفتّش القلوب ، أنا علاّم الغيوب ، أنا ملاحظة اللحظ ، أنا مراصد الهمم ، أنا مشرف على الخواطر ، أنا العالم بأطراف الجفون . لا يفزعكم صوت جبّار دوني ، و لا مسلط سواي ، فمن أرادكم قصمته ، و من آذاكم آذيته ، و من عاداكم عاديته ، و من والاكم واليته ، و من أحسن إليكم أرضيته ، أنتم أوليائي ،

و أنتم أحبائي ، أنتم لي ، و أنا لكم ١ .

٣٣

من الخطبة ( ١٤٩ ) و من خطبة له عليه السّلام :

وَ هُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اَللَّهِ يَهْوِي مَعَ اَلْغَافِلِينَ وَ يَغْدُو مَعَ اَلْمُذْنِبِينَ بِلاَ سَبِيلٍ قَاصِدٍ وَ لاَ إِمَامٍ قَائِدٍ « و هو في مهلة من اللَّه » قال تعالى : و ذرني و المكذّبين أولي النّعمة

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٨ : ٣٩٤ .

٤٤٠