بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446
العسكريعليهالسلام فقال :يا أحمد ، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك والارتياب ؟ فقلت له : يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق. فقالعليهالسلام :أحمد الله على ذلك يا أحمد ، أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة ، وأنا ذلك الحجة ، أو قال :أنا الحجة »(1) .
فقد طالب بعض المشككين الإمامعليهالسلام بالدلالة ، وكانعليهالسلام يستجيب بما اُوتي من الحكمة وفصل الخطاب ، لمن يعتقد أنه يسكن إليها. ويدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن القاسم الهروي ، قال : خرج توقيع من أبي محمدعليهالسلام إلى بعض بني أسباط ، قال : « كتبت إليهعليهالسلام أخبره عن اختلاف الموالي وأسأله إظهار دليل. فكتب إليّ :إنّما خاطب الله عزوجل العاقل ، ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين ، فقالوا : ساحر وكاهن وكذاب ، وهدى الله من اهتدى ، غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس ، وذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم ، ويمنع فنصمت ، ولو أحب أن لا يُظهِر حقاً ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين ، فصدعوا بالحقّ في حال الضعف والقوة ، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه ».
ثمّ أشارعليهالسلام إلى طبقات الناس في أخلاصهم له أو ابتعادهم عنه ، مبيناً أن بعضهم يعيش البصيرة في عقله وفي قلبه وفي روحه من أجل أن ينجو عندما يقف بين يدي الله ، وهذا متمسك بهدي الإمام وسبيله ، وبعضهم أخذ العلم ممن
__________________
(1) إكمال الدين : 222 / 9 باب 22.
يملك مسؤولية العلم وعمقه وممن لا يملكهما ، أو ممن يملك تقوي الحقيقة وممن لا يملكها ، وهؤلاء مذبذبون ليس لديهم قاعدة ثابتة ينطلقون منها ولا أرض يقفون عليها ، وبعضهم استحوذ عليهم الشيطان فأعمى بصيرتهم ، وليس لهم شأن إلا مواجهة أهل الحق.
قالعليهالسلام : مواصلاً كتابه الأول : « الناس فيَّ طبقات شتّى ، فالمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق ، متعلق بفرع أصيل ، غير شاك ولا مرتاب ، لا يجد عنه ملجأً ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ، ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان ، شأنهم الردّ على أهل الحقّ ودفع الحقّ بالباطل ، حسداً من عند أنفسهم ، فدع من ذهب يميناً وشمالاً ، فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي.
ذكرت ، ما اختلف فيه مواليّ ، فإذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ، ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم ، احسن رعاية من استرعيت ، وإياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فانهما يدعوان إلى الهلكة.
ذكرت شخوصك إلى فارس ، فاشخص خار الله لك ، وتدخل مصر إن شاء الله آمناً ، واقرأ من تثق به من موالي السلام ، ومرهم بتقوى الله العظيم ، وأداء الأمانة ، وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال : فلما قرأت : وتدخل مصر إن شاء الله ، لم أعرف معنى ذلك ، فقدمت إلى بغداد ، وعزيمتي الخروج إلى فارس ، فلم يتهيأ ذلك فخرجت إلى مصر »(1) .
__________________
(1) إثبات الوصية : 247 ، الخرائج والجرائح 1 : 448 / 35 ، بحار الأنوار 50 : 296 / 70.
وهكذا كانعليهالسلام يثبت إمامته لبعض المشككين باظهار الدلالة ، مما يسكّن قلوبهم ، ويكون له الأثر في هدايتهم إلى سواء السبيل.
روى علي بن جعفر عن الحلبي ، قال : « اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لأبي محمدعليهالسلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه :ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ولا يؤمئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم. قال : وإلى جنبي شاب فقلت : من أين أنت ؟ قال : من المدينة. قلت : ما تصنع هاهنا ؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمدعليهالسلام فجئت لأراه وأسمع منه ، أو أرى منه دلالة ليسكن قلبي ، وإني لولد أبي ذرّ الغفاري.
فبينما نحن كذلك ، إذا خرج أبو محمدعليهالسلام مع خادم له ، فلما حاذانا نظر إلى الشاب الذي بجنبي. فقال :أغفاري أنت ؟ قال : نعم. قال :ما فعلت اُمك حمدويه ؟ فقال : صالحة ، ومرّ. فقلت للشاب : أكنت رأيته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم ؟ قال : لا. قلت : فينفعك هذا ؟ قال : ودون هذا »(1) .
وعن يحيى بن المرزبان ، قال : « التقيت مع رجل من أهل السيب سيماه الخير ، فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة والقول في أبي محمدعليهالسلام وغيره ، فقلت : لا أقول به أو أرى منه علامة ، فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبو محمدعليهالسلام فقلت في نفسي متعنتاً : ان مدّ يده إلى رأسه ، فكشفه ثمّ نظر إليّ ورده قلت به. فلما حاذاني مدّ يده إلى رأسه فكشفه ، ثم برق عينيه فيّ ثم ردّها ، وقاليا يحيى ، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة ؟ فقلت : خلّفته
__________________
(1) الخرائج والجرائح 1 : 439 / 20 ، بحار الأنوار 50 : 269 / 24.
صالحاً. فقال :لا تنازعه ، ثم مضىٰ »(1) .
كما كانعليهالسلام يحذّر من لايعتقد بإمامته إلا ببرهان ثم يعطى ذلك ويبقى على عناده بمصير وخيم يوم يفد على الله فرداً بلا ناصر أو معين.
روى المسعودي بالاسناد عن الربيع بن سويد الشيباني ، قال : حدثني ناصح البارودي ، قال « كتبت إلى أبي محمدعليهالسلام اُعزيه بأبي الحسنعليهالسلام وقلت في نفسي وأنا أكتب : لو قد خبر ببرهان يكون حجة لي. فأجابني عن تعزيني ، وكتب بعد ذلك :من سأل آية أو برهاناً فاُعطي ، ثمّ رجع عمن طالب منه الآية ، عذب ضعف العذاب ، ومن صبر أعطي التاييد من الله ، والناس مجبولون على جبلة إيثار الكتب المنشرة ، فاسأل السداد ، فإنّما هو التسليم أو العطب ، ولله عاقبة الأمور » (2) .
* * *
__________________
(1) الخرائج والجرائح1 : 440 / 21 ، بحار الأنوار 50 : 270 / 25.
(2) إثبات الوصية : 247 ، تحف العقول : 360 مختصراً.
الفصل الخامس
منزلته عليهالسلام ومكارم أخلاقه
حظي الإمام العسكريعليهالسلام كسائر آبائه المعصومينعليهمالسلام بمنزلة رفيعة ومكانة اجتماعية مرموقة ، تتمثّل بوافرٍ من مظاهر التعظيم والتبجيل والاحترام التي يكنّها له غالب من عاصره بمن فيهم الذين خاصموه وناوؤه وسجنوه ، وذلك للدرجات العالية من صفات الكمال ومعالي الأخلاق التي يتحلّى بها من العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة التي ميزت شخصه الكريم.
ولو استعرضنا ما نقله كتّاب سيرتهعليهالسلام يتبيّن لنا سموّ مكانته في المجتمع الاسلامي آنذاك ، وأنّ أعداءه وأصدقاءه أجمعوا على تعظيمه وتقديره وإكباره ، بما في ذلك الوزراء والقوّاد والقضاء والفقهاء وطبقات المجتمع كلّها.
وهناك وثيقة تاريخية معتبرة تنقل لنا بعض أجواء ومظاهر ذلك التقدير والاحترام والمكانة والإجلال ، صادرة من بعض رجال الدولة ، وهو أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، عامل السلطان على الضياع والخراج في قم ، وكان
أبوه وزير المعتمد(1) ، فقد جرىٰ يوماً ذكر العلوية ـ أي المنتسبين إلى الإمام عليعليهالسلام ـ ومذاهبهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيتعليهمالسلام ـ والفضل ما شهدت به الأعداء ـ فقال : « ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هَديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة ، وتقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس ».
فأنت ترى أن لهعليهالسلام امتداداً من التعظيم في مواقع المجتمع كلّها ، سواء الذين يدينون بإمامته أو الذين يقفون ضدها ، وهو أمر يستحقّ التأمّل ، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يحظىٰ بالتقديم على ذوي السن والخطر ؟ وأن يتمتع بهذه المنزلة العالية والمكانة الكبيرة عند القواد والوزراء ، وعامة الناس ، وهو في خط مضاد لموقع الخلافة ، بل ويزدحم حوله الذين ينصبون له ولآبائهعليهمالسلام العداوة ويكنّون لهم البغضاء ؟ لقد فرض الإمامعليهالسلام نفسه على الواقع كلّه ، بسموّه الروحي والخلقي ، وعناصر العظمة التي يختزنها في شخصه ، ونشاطه الحركي في أوساط الاُمّة.
ويتابع ابن خاقان حديثه فيقول : « فأذكر أنني كنت يوماً قائماً على رأس أبي ، وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل حجّابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوتٍ عالٍ : ائذنوا له ، فتعجّبت ممّا سمعت منهم ، ومن جسارتهم
__________________
(1) وهو عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ، ولد سنة 209 ه ، واستوزره المتوكل والمعتمد ، واستمر في الوزارة إلى أن توفّي سنة 263 ه ، وكان عاقلاً سمحاً جواداً حازماً. سير أعلام النبلاء 13 : 9 / 5 ، أعلام الزركلي 4 : 198.
أن يكنّوا رجلاً بحضرة أبي ، ولم يكن يُكنّى عنده إلا خليفة ، أو وليّ عهد ، أو من أمر السلطان أن يكنّى » ذلك لأن ذكر الكنية مظهر من مظاهر التكريم والإجلال ، فكيف يكنّى رجل بحضرة الوزير ، وليس هو خليفة ولا ولي عهد ولا ممن أمر السلطان بتكنيته ؟ إنّه أمر ملفت للنظر ومثير للتعجّب.
ويواصل فيقول : « فدخل رجل أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حديث السنّ ، له جلالة وهيئة حسنة ، فلما نظر إليه أبي قام فمشىٰ إليه خُطىً ، ولا أعلمه فَعَل هذا بأحدٍ من بني هاشم والقوّاد ، فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه وصدره ، وأخذ بيده ، وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه ، وجعل يكلّمه ويفدّيه بنفسه ، وأنا متعجّب مما أرى منه ، إذ دخل الحاجب فقال : الموفق ـ وهو أخو المعتمد العباسي ـ قد جاء ، وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدمه حجّابه وخاصّه قوّاده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سِماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يُحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذٍ له : إذا شئتَ جعلني الله فداك ، ثم قال لحجّابه : خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى.
فقلت لحجّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنّيتموه بحضرة أبي ، وفعل به أبي هذا الفعل ؟ فقالوا : هذا علويّ يقال له : الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا ، فازددت تعجّباً ، ولم أزل يومي ذلك قلقاً مفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصلّي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات ـ أي المراجعات ـ وما يرفعه إلى السلطان.
فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه ، وليس عنده أحد ، فقال لي : يا أحمد ، ألك حاجة ؟ فقلت : نعم يا أبه ، فإن أذنت سألتك عنها ، فقال : قد أذنت. قلت : يا أبه ، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفدّيته بنفسك وأبويك ؟
فقال : يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي ، المعروف بابن الرضا ، ثم سكت ساعة وأنا ساكت ، ثم قال : يا بني ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العباس ، ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه ، رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً ، فازددت قلقلاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه فيه ، ورأيت من فعله به ، فلم يكن لي هِمّة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره. فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره عندي ، إذ لم أر له ولياً ولا عدوّاً إلا وهو يُحسن القول فيه والثناء عليه »(1) .
ولسنا نريد من خلال شهادة أحد رجال الدولة أن ندخل في تقييم الإمام لمجرد أنّ هذا الرجل شهد له ، لأنّهعليهالسلام يختص من موقع إمامته بالدرجة الرفيعة عند الله ، ويتمتّع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح
__________________
(1) أصول الكافي 1 : 503 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليهالسلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : 40 ـ مقدمة المصنف ، الإرشاد 2 : 321 ، روضة الواعظين : 249 ، إعلام الورى 2 : 147.
والخلق الرفيع ، وهي التي جعلت هذا الرجل وسواه يذعن لشخصيتهعليهالسلام ويظهر له الإكبار والاحترام والثناء.
الذي نريد أن نقوله من خلال هذه الشهادة ، أنه ليس ثمة شخصية كبيرة وفاعلة في المجتمع إلا وهناك من يسيء القول فيها ، كما أنّ هناك من يحسن القول فيها ، لكننا نجد أنّ الغالبية العظمى قد اتفقت على تقدير الإمامعليهالسلام واحترامه وإجلاله ، وعلى حسن القول فيه ، بحيث أخذ بمجامع قلوب وعقول الأعداء والأصدقاء ، هذا مع أنهعليهالسلام عاش في مجتمع يقف من الناحية الرسمية ضد خطّ ولايته ، ويعمل على محاصرته ويضيق عليه ويسعى إلى أن ينقص من قدره.
وتلك المنزلة لم تكن مفروضة بقوة السلاح وصولة السلطان ، ولا هي وليدة التعاطف الجماهيري العفوي مع الإمامعليهالسلام ، بل هي إحدى مظاهر التسديد الإلهي الذي لا تعمل معه جميع محاولات السلطة الساعية إلى الحطّ من منزلته والوضع منه ، الأمر الذي اعترف به رأس السلطة آنذاك.
فقد روى الشيخ الصدوق والقطب الراوندي أنه ورد في ردّ الخليفة المعتمد على جعفر الكذاب حينما جاء بعد وفاة أخيه الإمامعليهالسلام يطلب مرتبته ، قوله : « إن منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت بالله ، ونحن كنا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلا أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة »(1) .
ويقع بعض النصارى في دائرة التقدير والاحترام للإمامعليهالسلام ، ومنهم أحد رجال الدولة الذي كان يتولّى الكتابة للسلطان ، واسمه أنوش النصراني ، الذي
__________________
(1) إكمال الدين : 479 ـ آخر باب 43 ، الخرائج والجرائح3 : 1109.
سأل السلطان أن يدعو الإمامعليهالسلام إلى بيته ليشارك في مناسبة خاصة يدعو فيها لولديه بالسلامة والبقاء ، فأرسل السلطان خادماً جليل القدر إلى دار الإمام كي يدعوه إلى حضور دار كاتبه أنوش ، فأخبر الخادم الإمامعليهالسلام أن أنوش يقول : « نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة. فقال الإمامعليهالسلام :الحمد لله الذي جعل النصراني أعرف بحقنا من المسلمين. ثم قال :اسرجوا لنا. فركب حتى ورد دار أنوش ، فخرج إليه مكشوف الرأس ، حافي القدمين ، وحوله القسيسون والشمامسة(1) والرهبان ، وعلى صدره الانجيل ، فتلقّاه على باب داره وقال : يا سيدنا ، أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا إلا غفرت لي ذنبي في عنائك. وحق المسيح عيسىٰ بن مريم وما جاء به من الانجيل من عند الله ، ما سألت أمير المؤمنين مسألتك [ في ] هذا إلا لأنّا وجدناكم في هذ الانجيل مثل المسيح عيسىٰ بن مريم عند الله. فقالعليهالسلام :الحمدُ لله »(2) .
ولعلّ أبرز وأصدق مظاهر التبجيل والتعظيم التي تعبّر عن مكانة الإمامعليهالسلام عند سائر الناس ، هو ازدحام الناس على جنازتهعليهالسلام إلى حدّ وصفه بعض الرواة بالقيامة ، فقد قال أحمد بن عبيد الله ابن خاقان في حديثه الذي قدّمناه : « لمّا ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأى ضجّه واحدة ( مات ابن الرضا ). وعطلت الاسواق ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب وسائر الناس
__________________
(1) الشسامة : جمع شماس ، وهو خادم الكنيسة بالسريانية.
(2) مدينة المعاجز / السيد هاشم البحراني 7 : 670 / 2655 عن الهداية الكبرى للخصيبي.
الى جنازته ، فكانت سرّ من رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة »(1) .
يحظى الإمام العسكريعليهالسلام بهيبة حقيقية فرضت نفسها على الناس وسواهم من خلال اجتماع الملكات الروحانية ومقومات الصلاح والاخلاص والخلق الرفيع فيهعليهالسلام .
وقد جاء عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال :« المؤمن يخشع له كلّ شيء ويهابه كلّ شيء » وقالعليهالسلام :« إذا كان مخلصاً أخاف الله منه كلّ شيء حتى هوام الأرض والسباع وطير الهواء » (2) . فهذا حال المؤمن المخلص ودرجته ، فكيف إذا كان إماماً معصوماً وحجةً على الخلق ؟
قال القطب الراوندي في صفة الإمام العسكري : « له بسالة تذلّ لها الملوك ، وله هيبة تسخّر له الحيوانات كما سخّرت لآبائهعليهمالسلام بتسخير الله لهم إياها ، دلالة وعلامة على حجج الله ، وله هيئة حسنة ، تعظّمه الخاصة والعامة اضطراراً ، ويبجّلونه ويقدّرونه لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه وإصلاحه »(3) .
من هنا فقد وصف أحد خَدَم الإمامعليهالسلام في حديث له ، حضور الناس يوم ركوبهعليهالسلام إلى دار الخلافة في كلّ اثنين وخميس ، بأن الشارع كان يغصّ
__________________
(1) أصول الكافي 1 : 505 / 1 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليهالسلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : 43 ـ المقدمة ، الإرشاد 2 : 324.
(2) الدعوات / الراوندي : 227.
(3) الخرائج والجرائح 2 : 901.
بالدواب والبغال والحمير ، بحيث لا يكون لأحد موضع قدم ، ولا يستطيع أحد أن يدخل بينهم ، فإذا جاء الإمامعليهالسلام هدأت الأصوات وسكنت الضجّة وتفرّقت البهائم وتوسّع له الطريق حين دخوله وخروجه(1) .
وقد امتدت آثار هيبتهعليهالسلام حتى إلى ساجنيه ، فكانوا يرتعدون خوفاً وفزعاً بمجرد أن ينظر إليهم ، حيث قال بعض الأتراك الموكلون به في سجن صالح ابن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا »(2) .
نأتي هنا إلى ذكر مقومات تلك المنزلة والهيبة التي تتمثل بالملكات القدسية والخصال الروحانية التي اجتمعت في شخصهعليهالسلام من العلم والعبادة والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من معالي الفضيلة وعناصر العظمة التي تحلّىٰ بها أهل هذا البيتعليهمالسلام.
وقد وصفه أبوه علي الهاديعليهالسلام بقوله :« أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها » (3) .
__________________
(1) راجع الحديث في غيبة الشيخ الطوسي : 215 / 179.
(2) أصول الكافي 1 : 512 / 23 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليهالسلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 334.
(3) أصول الكافي 1 : 327 / 11 ـ باب الاشارة والنص على أبي محمدعليهالسلام من كتاب الحجة.
وشهد لهعليهالسلام بخلال الفضل ومعالي الأخلاق بعض المعاصرين له وغيرهم ، ومنهم وزير المعتمد عبيد الله بن يحيى بن خاقان ( ت 263 ه ) الذي وصفه فيما تقدم بالفضل والعفاف والهدي والزهد والعبادة وجميل الأخلاق والصلاح والنبل.
وذكر ابن أبي الحديد عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت 255 ه ) في تعداد صفاته وصفات آبائه المعصومينعليهمالسلام قوله : « من الذي يعدّ من قريش أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ؛كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ ؟ فمنهم خلفاء ، ومنهم مرشّحون : ابن ابن ابن ابن ، هكذا إلى عشرة ، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليعليهمالسلام ، وهذا لم يتّفق لبيتٍ من بيوت العرب ولا من بيوت العجم »(1) .
وذلك لأنهم غرس النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وفرعه النامي ، ومنه استوحوا رساليته وروحانيته وأخلاقيته ، وتجسدت فيهم شخصيته ، فكانوا اختصاراً لجميع عناصر الأخلاقية والروحية والانسانية ، وصاروا رمزاً للفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة للانسانية.
قال قطب الدين الراوندي : « أما الحسن بن علي العسكريعليهالسلام ، فقد كانت خلائقه كأخلاق رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وكان جليلاً نبيلاً فاضلاً كريماً ، يحتمل الأثقال ولا يتضعضع للنوائب أخلاقة على طريقة واحدة ، خارقة
__________________
(1) شرح نهج البلاغة 15 : 278.
للعادة »(1) .
وفيما يلي نذكر ما يسمح به المقام من مناقبة الفذّة وخصاله الفريدة :
كان الإمام العسكريعليهالسلام أعلم أهل زمانه ، وقد بدت عليه مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه ، فقد روى المؤرخون « أنه رآه بهلول(2) وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظنّ أنه يتحسّر على ما في أيديهم ، فقال : اشتري لك ما تلعب به ؟ فقال :ما للعب خُلِقنا. فقال له : فلماذا خلقنا ؟ قال :للعلم والعبادة. فقال له : من أين لك هذا ؟ قال :من قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) (3) ثمّ وعظه بأبيات من الشعر حتى خرّ مغشياً عليه »(4) .
وشهد للإمامعليهالسلام برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع ، وكان ألمع شخصية في علم الطبّ في عصره ، فقد احتاج الإمامعليهالسلام إلى طبيب فأرسل اليه
__________________
(1) الخرائج والجرائح 2 : 901.
(2) لعلّ المراد به بهلول بن إسحاق بن بهلول ( 204 ـ 298 ه ) أو أخوه المعروف بابن بهلول ، وهو أحمد بن إسحاق بن بهلول ( 231 ـ 318 ه ) وكلاهما من العلماء المعاصرين له.عليهالسلام راجع : سير أعلام النبلاء 13 : 535 / 268 و 14 : 497 / 281 ، أعلام الزركلي 1 : 95.
(3) سورة المؤمنون : 23 / 115.
(4) راجع : إحقاق الحق 12 : 473 و 19 : 620 و 29 : 65 عن عدة مصادر منها : الصواعق المحرقة لابن حجر ، ونور الأبصار للشبلنجي ، ووسيلة المآل للحضرمي ، وروض الرياحين لعفيف الدين اليافعي وغيرها.
بختيشوع بعض تلامذته وأوصاه قائلاً : « طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به »(1) .
واستطاع الإمامعليهالسلام بعلمه الذي لا يجارى وفكره الثاقب ونظره الصائب أن يكشف الحقائق ويظهر الدقائق ، ومن ذلك أن السلطة أخرجته من السجن بعد أن شكّ الناس في دينهم وصبوا إلى دين النصرانية ، لأن أحد الرهبان كان يستسقي فيهطل المطر ، بينما يستسقي المسلمون فلم يسقوا ، فكشف الإمامعليهالسلام عن حيلة الراهب الذي كان يُخفي عظماً لأحد الأنبياءعليهمالسلام بين أصابعه ، فأزال الشك عن قلوب الناس وهدأت الفتنة(2) .
قال الحرّ العاملي في ارجوزته :
وفي حديث الراهب النصراني |
معجـزة من أوضح البرهانِ |
|
إذ كان في الحبس فصار جدب |
وكان سؤال المسلمين الخصب |
|
فخرجوا يدعون للاستسقا |
ثلاثة والأرض ليس تسقي |
|
فخرج الراهـب والنصاري |
يستمطرون الصيّب المـدرارا |
|
فجـاءهم غيثٌ غزيـر هاطل |
وكلّمـا دعوا أجاب الوابل |
|
فافتتن النـاس وراموا الـردّة |
لـمّا رأوا مـن فرجٍ وشـدّة |
|
فطلـبوا الإمام حتى خرجا |
ثمّ دعـا الله فنـال الفرجا |
|
وعندمـا أراد يدعـو الراهب |
وقرب الغيث وفاز الطالب |
__________________
(1) الخرائج والجرائح 1 : 422 / 3 ، بحار الأنوار 50 : 260 / 21.
(2) راجع تخريجات الحادثة في آخر الفصل الثاني.
أمر عبده الإمام فأخذ |
من يده عظماً فعندهما نبذ |
|
انقشع الغيم وزال المطر |
وزال عن دين الإله الخطر |
|
قال الإمام إنه عظم نبيّ |
فليس ما رأيتم بعجبِ |
|
إذ كلّما أظهر للسماء |
أمطرت الغيث بلا دعاء(1) |
وللإمامعليهالسلام رصيد علمي وعطاء معرفي على صعيد ترسيخ أصول الاعتقاد والأحكام والشرائع ، والتصدي لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة ، سنأتي إلى ذكره في الفصل السادس باذن الله.
كان دأب الإمام العسكريعليهالسلام التوجّه إلى الله تعالى والانقطاع إليه في أحلك الظروف وأشدّها ، فقد كان يحيى الأيام التي أمضاها في السجن بالصيام والصلاة وتلاوة القرآن على رغم التضييق عليه.
قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف : « أنه يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة »(2) .
وحينما أودع في سجن علي بن جرين ، كان المعتمد يسأله عن أخباره في كلّ وقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل(3) .
وكانعليهالسلام معروفاً بطول السجود ، فقد روي عن أحد خدمه المعروف
__________________
(1) إحقاق الحق 12 : 462 ـ 463.
(2) أصول الكافي 1 : 512 / 23 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليهالسلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 334.
(3) إثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 314.
بمحمد الشاكري أنه قال : « كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين والهاشميين كان يجلس في المحراب ويسجد ، فأنام وانتبه وأنام وهو ساجد »(1) .
كان الإمام العسكريعليهالسلام مثالاً للزهد والاعراض عن زخارف الدنيا وحطامها ، والرغبة فيما أعدّه الله له في دار الخلود من النعيم والكرامة.
قال كامل بن إبراهيم المدني ، وهو أحد أصحابهعليهالسلام : « لما دخلت على سيّدي أبي محمدعليهالسلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله ؟ فقال : متبسماً :يا كامل ـ وحسر عن ذراعية ، فإذا مسح أسود خشن على جلده ـهذا لله وهذا لكم »(2) .
وجاء في حديث خادمه محمد الشاكري « أنهعليهالسلام كان قليل الأكل ، وكان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله ، فيأكل منه الواحدة والثنتين ، ويقول :شل هذا يا محمد إلى صبيانك ، فأقول : هذا كلّه ؟ فيقول :خذه »(3) .
كان الإمام العسكريعليهالسلام معروفاً بالسماحة والبذل ، وهي خصلة بارزة في سيرته وسيرة آبائه المعصومينعليهمالسلام. قال خادمه محمد الشاكري : « ما رأيت قطّ
__________________
(1) الغيبة / الشيخ الطوسي : 217 / 179 ، بحار الأنوار 50 : 253.
(2) الغيبة / الشيخ الطوسي : 247 / 216.
(3) الغيبة / الشيخ الطوسي : 217 / 179.
اسدىٰ منه ». وقال الشيخ الطوسي : « كانعليهالسلام مع إمامته من أكرم الناس وأجودهم »(1) .
وكانعليهالسلام يحثّ أصحابه على المعروف ، فقد روى أبو هاشم الجعفري عنهعليهالسلام أنه قال :« إن في الجنّة باباً يقال له المعروف ، لا يدخله إلا أهل المعروف ، قال : فحمدت الله تعالى في نفسي وفرحت بما أتكلّف به من حوائج الناس ، فنظر إليّ أبو محمدعليهالسلام فقال :نعم فَدُم على ما أنت عليه ، فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك » (2) .
وسجل الإمام العسكريعليهالسلام دوراً بارزاً في الانفاق والبذل في سبيل الله وإعانة المعوزين والضعفاء من أبناء المجتمع الاسلامي آنذاك ، رغم حالة الحصار والتضييق الذي مارسته السلطة ضدّه ، وكان مصدر تلك العطاءات والمساعدات الأموال والحقوق الشرعية التي تجلب إليه أو إلى وكلائه من مختلف بقاع الاسلام التى تحتوي على قواعد شعبية تدين بإمامته ، وكان يسدّ بها حاجة ذوي الفاقة على قدر ما يزيل عنهم حالة العوز دون إسراف في العطاء والبذل ، فهوعليهالسلام يقول :« إن للسخاء مقداراً ، فإن زاد عليه فهو سرف » (3) .
ومن جملة عطاءاته التي سجلتها كتب الحديث ، أنه أعطى علي بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدَّين ، ومائة درهم
__________________
(1) الغيبة / الشيخ الطوسي : 217.
(2) المناقب / لابن شهر آشوب 4 : 464 ، الفصول المهمة 2 : 1082.
(3) بحار الأنوار 78 : 377 / 3.
للنفقة ، وأعطى لابنه محمد بن علي بن إبراهيم مائة درهم في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة(1) .
وشكا إليه أبو هاشم الجعفري الحاجة فأعطاه مرة خمسمائة دينار ، وأرسل إليه مرة اُخرى مائة دينار حينما أخلي سبيله من السجن(2) .
وشكا إليه إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس الفاقة والحاجة ، فأعطاه مائة دينار(3) .
وأعطى برذونه الكميت إلى على بن زيد بن علي بن الحسين بعد موت فرسه(4) ، وأكرمه مائة دينار في ثمن جارية بعد أن ماتت جاريته(5) .
ووهب حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين ثلاثمائة دينار ، وكان مصاباً بالشلل ، على رغم عدم قوله بإمامتهعليهالسلام (6) .
وبعث إلى عمرو بن أبي مسلم خمسين ديناراً على يد محمد بن سنان الصوّاف في ثمن جارية(7) ، وغير ذلك كثير.
* * *
__________________
(1) أصول الكافي 1 : 506 / 3 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليهالسلام من كتاب الحجة.
(2) أصول الكافي 1 : 507 / 5 و 508 / 10 من الباب المتقدم.
(3) أصول الكافي 1 : 509 / 14 من الباب المتقدم.
(4) أصول الكافي 1 : 510 / 15 من الباب المتقدم.
(5) بحار الأنوار 50 : 264 / 23.
(6) الثاقب في المناقب : 573 / 520.
(7) بحار الأنوار 50 : 282 / 58 ، عن فرج المهموم لابن طاوُس.
و مهّلهم قليلا . إنّ لدينا أنكالا و جحيما . و طعاما ذا غصّة و عذابا أليما ١ ،
فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا ٢ .
« يهوي » بالكسر ، أي : يسقط و يهبط .
« مع الغافلين » عنه تعالى ، اقترب للنّاس حسابهم و هم في غفلة معرضون ٣ .
« و يغدو » أصل يغدو : السّير غدوّا ، و لمّا كان الغالب في طالب شيء أن يسير إليه في الغدوّ استعمل في مطلق الطلب .
« مع المذنبين » . . . و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ٤ ، و . . . كفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . . . ٥ .
« بلا سبيل قاصد » و على اللَّه قصد السبيل و منها جائر . . . ٦ .
« و لا إمام قائد » قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة ٧ .
٣٤
من الحكمة ( ١٥٦ ) و قال عليه السّلام :
عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لاَ تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِ
ــــــــــــــــ
( ١ ) المزّمّل : ١١ ١٣ .
( ٢ ) الطارق : ١٧ .
( ٣ ) الأنبياء : ١ .
( ٤ ) القصص : ٧٨ .
( ٥ ) الاسراء : ١٧ .
( ٦ ) النحل : ٩ .
( ٧ ) المحاسن للبرقي : ١٥٥ ح ٨٢ ، و غيره مرّ تخريجه في العنوان ١٠ من هذا الفصل .
أقول : رواه ( الإرشاد ) جزء العنوان السادس عشر من الباب الأوّل : « إنّ ابغض الخلائق رجلان » إلى آخره مع زيادات هكذا : « أيّها النّاس عليكم بالطاعة ، و المعرفة بمن لا تعذرون بجهالته ، فإنّ العلم الذي هبط به آدم عليه السّلام ،
و جميع ما فضّلت به النبيّون إلى نبيّكم خاتم النّبيين في عترة نبيّكم محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، فأين يتاه بكم ، بل أين تذهبون ؟ يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة ، هذه مثلها فيكم فاركبوها ، فكما نجا في هاتيك من نجا فكذلك ينجو في هذه من دخلها ، أنا رهين بذلك ، قسما حقّا ، و ما أنا من المتكلّفين ، و الويل لمن تخلّف ، ثمّ الويل لمن تخلّف . أما بلغكم ما قال فيهم نبيّكم صلّى اللَّه عليه و آله حيث يقول في حجّة الوداع : إنّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي :
كتاب اللَّه ، و عترتي أهل بيتي ، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ،
فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؟ ألا هذا عذب فرات فاشربوا ، و هذا ملح أجاج فاجتنبوا ١ .
« عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته » من لا يعذر النّاس بجهالته أوّلا هو اللَّه تعالى ، ثمّ نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله ، ثمّ أوصياؤه و خلفاؤه الأئمة الاثنا عشر صلوات اللَّه عليهم أجمعين ، قال تعالى : أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرّسول و اولي الأمر منكم . . . ٢ .
و قال نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله : من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ٣ .
و في ( تفسير مجاهد ) : نزلت آية . . . أطيعوا اللَّه . . . ٤ في عليّ عليه السّلام حين
ــــــــــــــــ
( ١ ) الارشاد للمفيد : ١٢٤ .
( ٢ ) النساء : ٥٩ .
( ٣ ) المحاسن للبرقي : ١٥٥ ح ٨٢ ، و غيره ، و قد مرّ تخريجه في العنوان ١٠ من هذا الفصل .
( ٤ ) النساء : ٥٩ .
خلّفه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بالمدينة في تبوك ١ .
و في ( إبانة الفلكي ) أنّها نزلت لما شكا أبو هروة من عليّ عليه السّلام ٢ .
و روى ابن مردويه ، و أخطب خوارزم ، و المعافى بن زكريا ، عن أبي ذر ،
و المقداد ، و سلمان قالوا : كنّا قعودا عند النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ما معنا غيرنا ، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين ، فقال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : تفترق امتي بعدي ثلاث فرق :
فرقة أهل حق لا يشوبه باطل ، مثلهم كمثل الذهب كلّما فتنته بالنار زاد جودة و طيبا ، إمامهم هذا أحد الثلاثة و هو الّذي ذكره اللَّه في كتابه . . . إماما و رحمة . . . ٣ ، و فرقة أهل باطل و لا يشوبونه بحقّ ، مثلهم كمثل خبث الحديد كلّما فتنته بالنار ازداد خبثا ، و إمامهم هذا أحد الثلاثة ، و فرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء ، و إمامهم هذا أحد الثلاثة . فسئلوا عن أهل الحق و إمامهم ، فقالوا : عليّ بن أبي طالب إمام المتّقين . و أمسكوا عن الإثنين ، فجهدوا أن يسميهما فلم يفعل ٤ .
قلت : قوله : « فاسئلوا » يعني سلمان و أبا ذر و المقداد ، و إمساكهم عن الإمامين الأخيرين كان تقيّة ، لكن المراد معلوم لمن كان له قلب أو ألقى السّمع و هو شهيد ٥ ، و الحمد للَّه ربّ العالمين .
ــــــــــــــــ
( ١ ) روى عنهما ابن شهر آشوب في مناقبه ٣ : ١٥ .
( ٢ ) روى عنهما ابن شهر آشوب في مناقبه ٣ : ١٥ .
( ٣ ) هود : ١٧ ، و الأحقاف : ١٢ .
( ٤ ) رواه عنهم البحراني في البرهان ٢ : ٢١٤ ح ٢١ .
( ٥ ) ق : ٣٧ .
فهرس المطالب
العنوان رقم الصفحة
تتمّة الفصل السّابع في الإمامة العامّة عليه السّلام ١
العنوان ٥ من الخطبة ٤ : « بنا اهتديتم في الظّلماء ، و تسنّمتم العلياء . . . » ١
الحكمة ١٨٤ : « ما شككت في الحقّ مذ أريته . . . » ٢
العنوان ٦ من الخطبة ٩٥ : « انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم . . . » ١٦
العنوان ٧ من الخطبة ١٠٧ : « نحن شجرة النّبوّة ، و محطّ الرّسالة . . . » ٢٠
العنوان ٨ من الخطبة ١٤٢ : « أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم . . . » ٣٢
العنوان ٩ من الخطبة ١٤٥ : « و اعلموا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتّى تعرفوا . . . » ٥٩
العنوان ١٠ من الخطبة ٢٣٧ : « هم عيش العلم و موت الجهل . . . » ٦٤
من الحكمة ٩٨ : « اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية . . . » ٦٥
العنوان ١١ من كتاب ٢٨ : « . . . أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللَّه . . . » ٧٩
العنوان ١٢ من الخطبة ٢٠٥ : « . . . املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني . . . » ٢١٠
العنوان ١٣ من الخطبة ١٥٠ : « و إنّما الأئمّة قوّام اللَّه على خلقه . . . » ٣٧٥
العنوان ١٤ من الخطبة ١٨٥ : « ألا بأبي و امّي هم من عدّة . . . » ٣٨٠
العنوان ١٥ من الخطبة ١٨٧ : « و الهجرة قائمة على حدّها الأوّل . . . » ٣٩١
العنوان ١٦ من الخطبة ٢٣١ : « ألا و إنّ اللّسان بضعة من الانسان . . . » ٤٠٢
العنوان ١٧ من الخطبة ١٥٢ : « قد خاضوا بحار الفتن . . . » ٤١٦
العنوان ١٨ من الخطبة ١٥٢ : « فيهم كرائم القرآن ، و هم كنوز الرّحمن . . . » ٤٢٥
العنوان ١٩ الحكمة ١٠٩ : « نحن النّمرقة الوسطى بها يلحق التّالي . . . » ٤٢٩
العنوان ٢٠ الحكمة ٢١ : « لنا حقّ ، فإن أعطيناه و إلاّ ركبنا أعجاز الإبل . . . » ٤٣٥
العنوان ٢١ الحكمة ١١١ : « . . . لو أحبّني جبل لتهافت . . . » ٤٣٨
العنوان ٢٢ الحكمة ٩٨ : « و خلّف فينا راية الحقّ . . . » ٤٤٥
العنوان ٢٣ من الخطبة ١٠٣ : « فما احلولت لكم الدّنيا في لذّتها . . . » ٤٥٤
العنوان ٢٤ من الخطبة ١٦٤ : « أيّها النّاس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ . . . » ٤٦٩
العنوان ٢٥ من الخطبة ١٠٣ : « ألا و إنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه . . . » ٤٧٧
العنوان ٢٦ من الخطبة ١٦٧ : « و إنّما طلبوا هذه الدّنيا حسدا لمن أفاءها . . . » ٤٩٠
العنوان ٢٧ الحكمة ٢٠٩ : « لتعطفنّ الدّنيا علينا بعد شماسها عطف الضّروس . . . » ٤٩٥
العنوان ٢٨ من الخطبة ٨٥ : « فأين تذهبون » و ( أنّى تؤفكون ) و الأعلام قائمة . . . » ٤٩٨
العنوان ٢٩ من الخطبة ١٤٨ : « حتّى إذا قبض اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رجع قوم . . . » ٥١٩
العنوان ٣٠ من الخطبة ١٨٨ : « الزموا الأرض ، و اصبروا على البلاء . . . » ٥٤٢
العنوان ٣١ من الخطبة ١٨٠ : « قد لبس للحكمة جنّتها ، . . . » ٥٤٧
العنوان ٣٢ الحكمة ٤٣٢ : « انّ أولياء اللَّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدّنيا . . . » ٥٤٧
العنوان ٣٣ من الخطبة ١٤٩ : « و هو في مهلة من اللَّه يهوى مع الغافلين . . . » ٥٦٨
العنوان ٣٤ الحكمة ١٥٦ : « عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته » ٥٦٩
دليل القارىء
ضمّ « بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة » ( ٦٠ ) فصلا وزّعت على ١٤ مجلّدا حازت تلك الفصول على أسماء خاصّة بها ، و ادرجت وفقا لهيكل ارتآه المؤلّف نفسه .
اشتمل كلّ فصل على عدد من نصوص النّهج المراد شرحها ، كتبت بالغامق ،
و انتظمت استنادا إلى ترابطها الموضوعي بعناوين منحت أرقاما بارزة أعلاها تمثّل تسلسلها في الفصل ، إضافة إلى رقم خاص بين قوسين يشير إلى موقعها في النّهج .
قد تحتوي بعض العناوين على أكثر من نصّ يراد توضيحه فتشترك نصوص العنوان برقم واحد أعلاها ، و يميّز كلّ نصّ برقمه الخاص في نهج البلاغة .
يبتدأ الشّرح باقتطاع كلمات أو فقرات متتالية حسب أولويّتها في النصّ غالبا و تحصر بين قوسين و تميّز بالغامق في أوّل مورد أتت به لشرحها .
غالبا ما يكون الشّرح لغويّا أوّل الأمر ، ثمّ ينطلق منه إلى وقائع تأريخيّة و قصص أدبيّة معزّزة بأنواع الشّواهد شعرا و نثرا .
لم تحصر النصوص المنقولة من غير نهج البلاغة بين قوسين لكثرتها ، و اكتفي لتمييز أوّلها بذكر اسم الكتاب المأخوذة منه و يقع أوّل السّطر في أحيان كثيرة بين قوسين ، و نهايتها بهامش يشير إلى استخراجها و يبدأ النصّ الآخر برأس سطر جديد .
عند ما يتمّ شرح كلّ نص من العنوان ينتقل إلى عنوان آخر يليه وفقا لرقم تسلسله في الفصل ، فتشرح نصوصه و ينتقل إلى عنوان بعده ، و هكذا تشرح الفصول متتابعة .
إنّ العبارات التي تقع بين خطّين ، هي عبارات اعتراضيّة توضيحيّة .
اضيف في نهاية كلّ مجلّد فهرست للخطب و الكتب و الحكم الواردة في ذلك المجلّد .
و ختاما نرجو من القراء الأعزاء أرسال ما لديهم من ملاحظات أو اقتراحات بناءة حول الكتاب . كما نعتذر عن السهو و الخطأ إن وجد . نتمنى للجميع التسديد و الصواب ، و من اللَّه الأجر و الثواب و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته
الناشر