بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة17%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45637 / تحميل: 5486
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فهذا إن دلَّ على شيء فإنَّه يدل على أنَّه لا أقلَّ كتب شروح بعض الأدعية ولكن لم تصل إلينا ، وإلّا فما معنى نقله لما قدمه هناك.

نرجو العلي القدير أن يوفقنا للعثورعلى بقية هذا الشرح القيّم انه سميع مجيب.

وأمَّا الشرح فهو غني عن التعريف لما سوف تلمسه فيه مما أبدع فيه المؤلف من تطعيمه بشتى البحوث الفلسفية والطبيعية ، والكلامية ، وبحوث الهيئةوالنجوم ، وغيرها.

ولا غرابة فالمؤلف هو من عكف على آرائه الرياضية والنجومية علماء الشرق والغرب ، ولا زالوا ولم يتمكنوا من الوصول إلى حل قسم من مسائله.

ونظرا لأهمّيّة الكتاب فقد اعتمده جمع ممّن تأخر عنه ، منهم صاحب الرياض في شرحه للدعاء الثالث والأربعين من رياضه المتقدم.

ومنهم شيخ الإسلام العلّامة المجلسي كأحد مصادر كتابه « بحار الأنوار » وأورد أغلبه فيه ، اُنظر بحار الأنوار ٥٨ / ١٧٨ ـ ١٩٩ و ٢٩١ ـ ٢٩٣.

* * *

٢١

ترْجَمة المؤَلّف

اسمه ونسبه

هو : الفقيه المحقق ، والحكيم المتألّه ، والعارف البارع ، والمؤلف المبدع ، والبحاثة المكثر المُجيد ، والأديب الشاعر ، والضلّيع في الفنون بأَسرها ، نابغة الامة الاسلامية في عصره :

الشيخ أبو الفضائل محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمّد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل الحارثي الهَمْداني العاملي الجبعي.

نعم ، هوحارثي هَمْداني ، إذن هو من بيت المجد والشرف والولاء للعترة الطاهرة ، منذ عهد جدّه الأعلى الحارث بن عبد الله الأعور الهَمْداني(١) ، الذي بشّره أميرالمؤمنينعليه‌السلام  عند وفاته بنتيجة عقيدته الصحيحة به ، وولائه المخلص له.

وصحة هذا النسب الطاهر مما تسالم عليه جميع من ترجم له ، أو لوالده ،

________________________

(١) الحارث بن عبدالله الاعور ، عدّ في الأولياء من أصحاب أميرالمومنينعليه‌السلام  ، روى القرطبي في تفسيره الجامع ، باب ذكرجمل من فضائل القران ج ١ : ٥ ما لفظه وكفاه : الحارث : رماه الشعبيّ بالكذب ، وليس بشيء ولم يبن من الحارث كذب ، وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ علي وتفضيله له على غيره ، ومن هاهنا والله أعلم كذّبه الشعبي.

وهذا ديدنهم في كلّ من أحب علياً وآل علي.

ترجم له في تنقيح المقال ١ : ٢٤٥ ت ٢١٠٨ / رجال البرقي : ٤ / اختيار معرفة الرجال ١٨ ت ١٤٢١٤٣ وسير أعلام النبلاء ٤ : ١٥٢ / ت ٥٤ / تهذيب الكمال ٥ : ٥ : ٢٤٤ ت١٠٢٥. وغيرها كثير.

٢٢

وكما صرّح به جمع من أعلام الاُمة وأساطين الطائفة ممن عاصرها ، ومن تأخر عنهما في إجازاتهم(١) ، وقد عد منهم صاحب الغديرقدس‌سره عشرين علماً(٢) .

وأشاد به نظماً جمع ، منهم الشيخ جعفر الخطّي البحراني(٣) في قصيدة منها :

فيابن الاُولى أثنى الوصيّ عليهم

بماليس تثني وجهه يد إنكار(٤)

يلتقي نسبه الشريف مع نسب علم من أعلام القرن الجامع بين ، العلم والأدب ، والناشر لألوية الحديث ، الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الشيخ علي الكفعمي ، مؤلف المصباح ، والبلد الأمين ، وشرح الصحيفة ، ومحاسبة النفس ، الى غيرها.

وذلك أن الشيخ البهائي حفيد أخ الشيخ الكفعمي واليك مخططاً يوضح هذا :

________________________

(١) انظر البحارقسم الإجازات ج ١٠٥ : ١٤٦ و ١٠٧ : ١٤ و ٣٢ و ٣٨ وغيرها.

(٢) الغدير ١١ : ٢١٩ ، ضمن ترجمة والد الشيخ البهائي.

(٣) أبو الحر جعفر بن محمد بن علي بن ناصر بن عبد الامام الخطّي البحراني ينتهي نسبه الى عدنان عالم غلب عليه الادب والشعر فكان من الادباء الكاملين والشعراء المفلقين له إجازة من الشيخ البهائي وله ديوان شعر وغيره مات سنه ١٢٠٨ هـ ، له ترجمة في امل الآمل ٢ / ٥٤ ت ١٣٩ ، سلافة العصر٥٢٤ ، انوار البدرين : ٢٨٨ ت ٤ رياض العلماء ١ / ١١١ ، الروضة النضرة : ١١٣ ، نجوم السماء ١ / ٧٩.

(٤) اُنظر : الغدير ١١ : ٢٢١ / لؤلؤة البحرين : ١٦ ت ٥.

٢٣

٢٤

إذن فالشيخ البهائي محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد أخ الشيخ إبراهيم الكفعمي.

هذا نسبه يصفه هوبنفسه قائلا : « إنّ آباءنا وأَجدادنا في جبل عامل كانوا دائماً مشتغلين بالعلم والعبادة والزهد ، وهم أصحاب كرامات ومقامات ».

في هذه البيئة ، ومن هذا البيت العلمي ورث المجد والسؤدد ، ومن هكذا محيط خرج الى الدنيا ، وليس بمنكرما للمحيط من أثر.

ولادته

تاريخها ومكانها

تاريخها :

اختلف المؤرخون فيها :

فمن ذاهب الى أنّها كانت عند المغرب يوم الخميس لثلاث عشر بقين من المحرم سنة ٩٥٣ ، واليه مال الشيخ البحراني وجمع(١) .

ومن ذاهب الى أنها كانت عند غروب شمس يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة(٢) .

ومن ذاهب ـ كالافندي وجمع ـ الى أنّها كانت « عند غروب الشمس يوم الاربعاء ١٧ ذي الحجة سنة ٩٥٣ »(٣) وذلك استناداً الى نص وجده بخط الشيخ البهائي على نسخة من إرشاد العلّامة الحلي حكاه عن خط والده حيث سجل فيه مواليد ووفيات جمع من الاُسرة.

وهناك من مال الى أَنها كانت سنة ٩٥١ ولم أجد من أيّده على ذلك ولعلها تصحيف ٩٥٣(٤) .

________________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٢.

(٢) سلافة العصر : ٢٩٠ / خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٠ / الحدائق النديّة : ٣ ، ٤٥.

(٣) رياض العلماء ٢ : ١١٠.

(٤) رياض العلماء٥ : ٩٧.

٢٥

ولهذا فقد ضبطها الشيخ القمي في هديته وكناه بقوله : ظنج.

وبناءً على نقل الشيخ المجلسي الاول فيكون مولده اما سنة ٩٤٨ أو ٩٤٩(١) .

وأما محلّها :

فالذي يستفاد من بعض سوانحه(٢) ، وبعض النصوص أَنّها كانت فيموطنه الأَصلّي بعلبك من جبل عامل.

وهو الحق في المقام.

وما ذهب اليه الطالوي في سانحاته من أنّها في قزوين(٣) .

والصنعائي من أنّها في أصفهان(٤) .

وأحمد رفعت(٥) ، وسامي باشا(٦) ، وقدري طوقان(٧) من أنها في آمل المازندرانية أو الخراسانية الى غير ذلك.

فهو مما لا شاهد له ولا دليل عليه ، اللهم إلّا التشابه اللفظي بين آمل وعامل.

* * *

________________________

(١) انظر روضة المتّقين ١٤ : ٤٣٥.

(٢) انظر الكشكول ١ : ٢١٣.

(٣) سانحات دمى العصر ٢ : ١٢٨.

(٤) نسمة السحر ٢ : ٢٥٥.

(٥) لغات تاريخية ٦ : ٢٠٠.

(٦) قاموس الاعلام ٢ : ١٤١١.

(٧) تراث العرب العلمي : ٤٧٤.

٢٦

أساتذته ومشايخه

« إنّ رحلات شيخنا البهائيّ لاقتناء العلوم ردحا من عمره ، وأسفاره البعيدة الى حواضر العالم الاسلامي حينذاك دون ضالّته المنشودة ، وتجوله دهراً في المدن والأمصار وراء اُمنيته الوحيدة ، واجتماعه في تلكم الحواضر مع أساطين الدين ، وعباقرة المذهب ، وأعلام الاُمّة ، وأساتذة كل علم وفنّ ، ونوابع الفواضل والفضائل.

تستدعي كثرة مشايخه في الأخذ والقراءة والرواية غير أنّ المذكور منهم في غضون المعاجم »(١) قلة لاتناسب ما سنعرف عن سياحته وتنقلاته وهم :

١ ـ والده المقدّس الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمّد ، صاحب النفس الطاهرة الزكية ، والهمّة الباهرة العليّة ، كان عالماً ماهراً ، محققاً متبحراً ، جامعاً أديباً منشأ شاعراً ، عظيم الشأن ، جليل القدر ، ثقةً ، من فضلاء تلامذة الشهيد الثانيقدس‌سره .

توفيقدس‌سره سنة ٩٨٤ ثامن ربيع الأول ، في المصلّى من قرى هجر من بلاد البحرين ، عن عمربلغ ٦٦ سنه ، حيث كانت ولادته سنة ٩١٨ في غرة محرم الحرا م(٢) .

وقد قرأ عليه ابنه ـ الشيخ البهائي ـ العلوم العربية والحديث والتفسير ، وروى عنه قراءةً وسماعاً واجازة لجميع ما للإجازة فيه مدخل من سائر العلوم العقلية والنقلية ، بحق روايته عن شيخنا الإمام قدوة المحققين الشهيد الثاني

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٥٠.

(٢) ترجم له جمع منهم : البحراني في لؤلؤته : ٣٣ رقم ٦ / وألأميني في الغدير ١١ : ٢١٨ / والبغدادي في هديته ٢ : ٢٧٣ / والأفندي في رياضه ٢ : ١٠٨ / والحرّفي أمله ١ : ٧٤ رقم ٦٧ / والخوانساري فيروضاته ٢ : ٣٣٨ رقم ٢١٧ / والمامقاني في تنقيحه ١ : ٣٣٢ رقم ٢٩٤٨ / والقمي في سفينته ١ : ٢٧٢ ، وكناه ٢ : ١٠٢ ، وفوائده الرضوية : ١٣٨ / والشيخ النوري في خاتمة مستدركه ٣ : ٤٢١ / والسيد الأمين في أعيانه ٦ : ٥٦.

٢٧

طاب ثراه(١) .

٢ ـ الفقيه المحقق ، والمحدّث المتكلم ، الشيخ عبد العالي بن الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي ، نجل صاحب جامع المقاصد ، المولود سنة ٩٢٦ ، والمتوفى ٩٩٣ باصفهان ، ونقل منها بعد ثلاثين سنة ودفن في المشهد الرضوي على من حلّ فيه آلاف التحية والثناء(٢) .

٣ ـ محمّد بن محمّد بن محمّد بن أبي اللطف بن علي بن منصور المقدسي الشافعي الأشعري العلوي ، المولود سنة ٩٤٠ ، برع وهوشاب حتى فُضّل وقدم على من هو أسنّ منه حتى على أخويه ، وصار مفتياً للقدس الشريف على المذهب الشافعي ، مات سنة ٩٩٣(٣) .

وقد أَجاز الشيخ البهائي بإجازة مؤرخة سنة ٩٩٢ في شهرجمادى الأُولى منه(٤) .

ومن لطيف الأسانيد والطرق طريق الشيخ البهائي لرواية صحيح البخاري عن مؤلفه ، وهم ثلاثة عشر شيخاً جميعهم من المسمين بمحمّد ، إليك السند ـ مع حذف الألقاب والاقتصار على الإسم فقط ـ مع تتمته للشيخ البحراني :

.. الشيخ محمّد بن يوسف بن كنبار ، عن الشيخ محمّد بن ماجد البحراني ، عن الشيخ محمّد باقر المجلسي صاحب البحار ، عن أبيه الشيخ محمّد تقي المجلسي ، عن الشيخ محمّد بن الحسين البهائي ، عن محمّد بن محمّد بن محمّد أبي اللطف المقدسي ، عن أبيه محمّد بن محمّد ، عن شيخه محمّد بن ابي الشريف المقدسي ، عن محمّد بن أبي بكر ، عن محمّد المراغي ، عن محمّد بن إسماعيل القرشيدي ، عن السيّد محمّد بن سيف الدين قليج بن كيكذي العلائي ، عن محمّد ابن مسلم بن محمّد بن مالك الحنبلي ، عن أبي محمّد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد

________________________

(١) أعيان الشيعة ٩ : ٢٤٣.

(٢) له ترجمة في الأمل ١ : ١١٠ رقم ١٠٠ / ونقد الرجال : ١٨٨ رقم ١ / عالم آرا ١ : ١٥٤ / وأعيان الشيعه ٨ : ١٧ / ورياض العلماء ٣ : ١٣١ / وتكملة الأمل : ٢٦٥ رقم ٢٣٢ / واحياء الداثر : ١٢٢.

(٣) له ترجمة في شذرات الذهب ٨ : ٤٣١ / والكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة ١ : ٧.

(٤) بحار الأنوار ١٠٦ : ٩٧ رقم ٦٩.

٢٨

المقدسي ، عن محمّد بن عبد الواحد البزاز ، عن محمد بن أحمد حمدان ، عن محمّد ابن اليتيم ، عن محمّد بن يوسف الفريري ، عن محمّد بن إسماعيل البخاري بكتابهالمذكور ، وجميع مصنفاته.

٤ ـ الشيخ الفاضل الكامل المنطقي المولى عبدالله بن الحسين اليزدي الشهابادي المتوفى سنة ٩٨١(١) في اصفهان ، كان علّامة زمانه ، جليل القدر ، عالي المنزلة ، له مؤلفات منها : الحاشية على تهذيب المنطق للتفتازاني ، وحاشية على الأستبصار.

تلّمذ عليه جمع منهم صاحب المعالم ، والمدارك ، وشيخنا المؤلّف ، حيث أخذ عنه الحكمة والكلام وبعض المنقول.

٥ ـ المولى علي المذهب المدرس ، تلمّذ عليه في الرياضيات(٢) .

٦ ـ القاضي المولى أفضل القايني(٣) .

٧ ـ الشيخ أحمد الكجائي الكَهدمي الكَيلاني النُهْمَني(٤) ، المعروف بپير أحمد ، قرأ عليه في قزوين(٥) الرياضيات والحكمة ‎.

٨ ـ النطاسي المحنّك عماد الدين محمد بن مسعود الشيرازي ، قرأ عليه

________________________

(١) ترجم له كل من القمي في فوائده : ٢٤٩ : وسفينته ٢ : ١٣٢ / والحرّ في أمله ٢ : ١٦٠ ت ٤٦٥ / والأفندي في رياضه ٣ : ١٩١ / وروملوفي أحسن التواريخ : ١٢ : ٤٥٨ / والمدني في سلافته ٤٩٠ / وشيخ الذريعة في إحياء الداثر : ١٣٥ / والذريعة ٦ : ٥٣ ت ٢٦٨ / وكحّالة في معجم المؤلفين ٦ : ٤٩ / والمحبي في خلاصته ٣ : ٤٠ / والخوانساري في روضاته ٤ : ٢٢٨ رقم ٣٨٦ / والبغدادي في هديته ٤٧٣١.

هذا ويذهب البعض إلى أنّ وفاته كانت سنة ١٠١٥ منهم المحبي والبغدادي وانظر ماضي النجف وحاضره ٣ : ٣٨٣ حيث ترجم له ولمجموعة من ذريته.

(٢) عالم آرا ١ : ١٥٦.

(٣) عالم آرا ١ : ١٥٦ / إحياء الداثر : ٢٣.

(٤) قال شيخ الذريعة : إن كجاء قد تسمى ( نه مَنِيهَ ) لأن بها قراناً كبيراً مشهوراً بـ( نه من ) ، حيث كان وزنه تسعه أمنان ، بخط كوفي جلّي ، على جلد ظبي ، يقال أنّه بخط أميرالمؤمنينعليه‌السلام . انظر الروضة النضرة : ٣٤

(٥) له ترجمة في الروضة النضرة : ٣٤ / انظر الذريعة ١ : ٥١٩ ت ٢٥٣٣ ، ٥ : ١٣٩ ت ٥٧٨.

٢٩

الطب(١) .

٩ ـ الشيخ عمر العرضي ، أفاد منه في حلب(١) .

١٠ ـ الشيخ محمد بن محمد بن أبي الحسن علي بن محمد البكري ، اجتمع معه في مصر ، وحضر دروسه في الأزهر. المتوفى سنة ٩٩٣ هـ(٢) ، له : شرح مختصرأبي شجاع ، وديوان شعر(٣) .

١١ ـ محمد باقر بن زين العابدين اليزدي المتوفى حدود ١٠٥٦ ، كان من أعاظم الرياضيين ، له : عيون الحساب ، مطالع الأنوارفي الهيئة ، وغيرها(٤) .

ومما لاشك فيه أنّ هذا العدد المذكور من أساتذته وشيوخه لايلائم تلك السياحة التي أخذت من عمره أكثر من الثلث ، بل ومشابهته لفنون عدّة حتى الف في أغلبها الكتب.

ولكن ما الحيلة وهذا هو المحفوظ والذي عثرنا عليه منهم.

________________________

(١) ترجم له كلا من صاحب عالم آرا ١ : ١٦٨ وكذلك في ضمن ترجمة البهائي ١ : ١٥٦ / وإحياء الداثر : ٢٤٠ / والذريعة ٢ : ٢٦٢ ت ١٠٧١ ، ١١ : ١٣٣ ت ٨٣٠ ، ١٦٨ت ١٠٥٤ ، ١٨ : ١٩١ ت ١٣٥٩ و ٢١ : ٢٥٨ ت ٤٩٢٥.

(٢) عمربن عبدالوهاب بن ابراهيم العرضي الحلبي ألشافعي ، مفتي حلب ومحدّثها ، له : شرح الشفا للقاضي. واسمه فتح الغفار ، ذيل تاريخ ابن الحنبلي ، الدّر الثمين وغيرها.

مات سنة ١٠٢٤ هـ ١٦١٥ م.

خلاصة الأثر ٣ : ٢١٥ / ريحانة الألبا ١ : ٢٧٩ رقم ٤١ / كشف الظنون : ١٠٥٤ / هدية العارفين ١ : ٧٩٦ / معجم المؤلفين ٧ : ٢٩٦ وغيرها.

(٣) ترجم له الحنبلي في شذراته ٨ : ٤٣١ / والعبدروسي في نوره السافر ٢ : ٣٦٩ / والخفاجي في ريحانته٢ : ٢٢٠ ت ١٤٩ وانظر هامشه / والمحبي في خلاصته ١ : ١٤٥ / والمدني في سلافته : ٤٠٠.

(٤) من لطيف شعره :

قد بلينا بأمير

ظلم الناس وسبح

فهو كالجزار فيهم

يذكر الله ويذبح

 (٥) الروضة النضرة : ٧٥ / الذريعة ١٥ : ٣٨٧ ت ٢٣٧٦

٣٠

تلامذته

إنّ التأريخ حفظ لنا أسماء جمّ غفير ممن أخذ عن الشيخ المصنف علوم الدين ، والفلسفة والأدب من العلماء الأفذاذ ، ومن استجاز عنه للرواية.

وقد تجمع لدينا منهم عدد كبير ، أرجأنا تعدادهم الى موعد قريب. إن شاء الله(١) .

رحلاته

كانت رحلته الاُولى مع والده من مسقط رأسه إلى إيران ، وفيها تعلم الفارسية واتقنها حتى كأنّه ابن بجدتها ، درس وتعلم في حاضرتي العلم قزوين واصفهان على أبيه وغيره ممن مرّ من أساتذته ، وارتقى الى أوج الكمال ، وفي هذه الأثناء اقترن بزوجة صالحة فاضلة هي كريمة الشيخ العالم العامل شيخ الإسلام في الديار الإيرانية في حينه الشيخ زين الدين علي منشار العاملي(٢) .

ولمّا كانت وحيدة أبيها ، اذ لم يعقب غيرها ، فقد آلت اليها ـ واليه لا محالة ـ تركة أبيها ، ومنها مكتبته العامرة.

حيث كانت للشيخ المنشار مكتبة عظيمة كبيرة تربو على أربعة آلاف كتاب ، جلب أغلبها من الديار الهندية ، إذ كان قاطناً فيها فترة من الزمن(٣) .

فكانا ينتفعان منها وينهلان منها نميراً صافياً.

وعلى أية حال فقد حاز لدى سلطان وقته ـ الشاه عباس الكبير ـ أعلى المراتب وهي مشيخة الاسلام ، وله ألف الجامع العباسي في الفقه.

________________________

(١) في مقدمة كتاب شرح قصيدته « سرى البرق » للشيخ جعفر النقدي إن شاء الله تعالى.

(٢) الشيخ زين الدين علي منشار العاملي ، شيخ الاسلام ، فاضل جليل من المعاصرين للشاه طهماسب الصفوي ، ومن تلامذة الشيخ علي الكركي.

ترجم له في رياض العلماء ٢٦٦ / ٤ ، عالم ارا ١٥٤ / ١.

(٣) الفوائد الرضوية : ٥١٠.

٣١

ولكن الذي يظهر جلّياً لمن يسبر أحوال الشيخقدس‌سره يرى وبوضوح أنه لم يكن يرى لتلك المناصب الدنيوية قيمة ، بل كان يجعلها وراء ظهره ، وهذا واضح لحبه للوحدة والعزلة وللسير على طريقة أهل السلوك والعرفان والسياحة مختاراً للفقر الذي كان به يفخر فخر الكائناتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومرجحاً له على تمام المناصب والرتب.

هذا وبعد أن ولي في حاضرة العلم وعاصمة الحكومة مشيخة الاسلام ؛بعد والد زوجته الشيخ علي المنشار حيث كان فيها شيخ الاسلام أيام الشاه طهماسب الصفوي ؛ « رغب في الفقر والسياحة ، واستهب من مهاب التوفيق رياحه ، فترك تلك المناصب ، ومال لما هو لحاله مناسب »(١) .

وقد بدأ سياحته بحج بيت الله الحرام ، ومن ثم زيارة المدينة المنورة على من حلّ فيها الآف الثناء ، ومن ثم شهرعصا الترحال وساح في أرض الله الواسعة ردحاً من عمره(٢) ، كان خلالها متخفياً مستتراً كما يظهر من الحوادث والمجريات ، مع أنّ شهرته كانت مطبقة في الآفاق.

فقد زار خلالها كلاً من الأعتاب المقدسة في العراق ، والإمام الرضاعليه‌السلام  في خراسان ، ومن ثمّ قصد هرات وعاد منها الى مشهد الامام الرضا ، ومنها آذربايجان وزار خلالها مصر ، والقدس الشريف ، ودمشق الشام ، وحلب ، وغيرها من البلاد.

توقف في كلّ بلد مدة ، صاحب جمعاً كثيراً من أهل الكمال والمعرفةوالفضل مما لم يكن ميسورا لكلّ أحد ، وكان خلالها مورد احترام الآخرين ، واستفاد وأفاد كثيراً.

هذا ، وقد وقعت له مباحثات علمية ومذهبية كثيرة مع علماء المذاهب الاخرى أذعن فيها الجميع له.

________________________

(١) السلافة : ٢٩٠.

(٢) يذهب السيد المدني الى أنها طالت مدة ثلاثين سنة ، وقد استبعدها العلامة المحقق الحجّة السيد الخرسان ، انظر مقدمة الكشكول : ٦٥.

٣٢

ومن المؤسف حقاً عدم تدوين الشيخ البهائي لاخبار سياحته التي استمرت هذه المدة الطويلة ، مع فضله وكثرة علومه واطلاعه ، اذ مما لاشك فيه وقوع امور لطيفه وقضايا عجيبة تظهر من ثناء بعض من تعرض لسياحته ، فلودونت لكانت من أنفس الكتب.

إليك شطراً منها :

.. كان يجتمع مدة إقامته بمصر بالاستاذ محمد بن أبي الحسن البكري(١) وكان يبالغ في تعظيمه.

فقال له الشيخ البهائي مرة : يا مولانا أنا درويش فقير فكيف تعظمني هذا التعظيم؟!

قال : شممت منك رائحة الفضل.

فامتدح استاذه بقصيدته التي مطلعها :

يا مصر سقياً لك من جنة

قطوفها يانعة دانية

ويصف الرضي المقدسي(٢) الشيخ ـ عند لقائه له في القدس الشريف ـ ومحاولته القراءة عليه قائلاً :

« ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم ، فنزل في بيت المقدس بفناء الحرم ، عليه سيماء الصلاح ، وقد اتسم بلباس السياح ، وقد تجنب الناس ، وأنس بالوحشة دون الايناس ، وكان يألف من الحرم فناء المسجد الاقصى ، ولم يسند أحد مدة الإقامة إليه نقصاً ، فاُلقي في روعي أنّه من كبار العلماء الأعاظم ، فما زلت لخاطره أتقرب ، ولما لا يرضيه أتجنب ، فاذا هو ممن يرحل اليه للأخذ منه ، وتشدّ له الرحال للرواية عنه ، يسمى بهاء الدين محمد الهمداني الحارثي ، فسألته عند ذلك القراءة عليه »(٣) .

________________________

(١) تقدمت ترجمته ومصادرها في صحيفة : ١٢.

(٢) يوسف بن أبي اللطف رضي الدين المقدسي الحنفي ، فاضل أديب ، له تعليقة على تفسير ارشاد العقل السليم ، شرح قصيدة البردة ، توفي سنة ١٠٠٦.

ترجم له في : معجم المؤلفين ٣٢٦ / ١٣ ، هدية العارفين ٥٦٥ / ٢ ، خلاصة الاثر ٤ / ٢٧٢.

(٣) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤١ / السانحات ٢ : ١٢٦.

٣٣

وهذه نادرة تدلّنا على مدى ما للمظاهر من تأثير في النفوس ، وهي حادثة جرت للشيخ في دمشق الشام مع الشيخ البوريني الصفوري(١) يحكيها لناالمحبي(٢) وخلاصتها :

أنّ الشيخ البهائي لما ورد دمشق نزل عند بعض التجار الكبار في محله الخراب ، واجتمع مع صاحب الروضات في مزارات تبريز الحافظ حسين الكربلائي القزويني التبريزي(٣) .

ثم إنّ الشيخ طلب من مضيفه الاجتماع بالشيخ البوريني ، فأعد التاجر دعوة تأنق فيها ، ودعا غالب أهل الفضل من محلته ومنهم البوريني.

دخل البوريني المجلس ، والبهائي بهيئة السياح متصدراً له ، والجمع محدق به بأدب.

عجب البوريني من ذلك ، لعدم معرفته وسماعه بقدوم الشيخ ، فلم يعبأبه ، ونحاه عن مجلسه ، وجلس فيه غير ملتفت إليه ، شارعاً في بث معارفه الى أن حانت صلاة العشاء.

________________________

(١) بدر الدين ، الحسن بن محمد بن محمد البوريني الشافعي ، ولد في قرية صفورية ، وهاجر الى دمشق ، ومنها الى بيت المقدس ، اشتغل بالدرس والوعظ في مدارس ومساجد الشام ، كان عالماً محققاً ، فصيح العبارة ، طليق اللّسان ، له : تراجم الأعيان ، ديوان شعر ، ومن بديع شعره :

يقولون : في الصبح الدعاء مؤثر

فقلت : نعم ، لو كان ليلي له صبح

 ومنه

أيا قمراً بتّ في ليل هجره

اُراقب أسراب الكواكب حيرانا

خبأتك في عيني لتخفى الورى

لذلك قالوا : إنّ في العين إنسانا

 ويروى الشطر الثاني :

وما كنت أدري أنّ للعين إنسانا

مات سنة ١٠٢٤ هـ.

خلاصة الأثر ٢ : ٥١ / ريحانة الألباء ١ : ٤٢.

(٢) محمد أمين بن فضل الله المحبي الاموي الدمشقي ، مؤرخ أديب شاعر ، مشارك ، له : نفحة الريحانة ، خلاصة الأثر ، ديوان شعر ، وغيرها توفي سنة ١١١١ هـ ١٦٩٩ م.

سلك الدرر ٤ : ٨٦ / معجم المؤلفين ٩ : ٧٨ / هدية العارفين ٢ : ٣٠٧

(٣) انظر الذريعة ١١ : ٢٧٩ رقم ١٧١١ و ٢٨٠ رقم ١٧١٤.

٣٤

ثم جلسوا ، فابتدر الشيخ البهائي في نقل بعض القضايا والأبحاث ، وهكذا الى أن أورد بحثاً في التفسير عويصاً ، فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجميع ، ثم دقّق العبارة حتى لم يفهم ما يقوله إلّا البوريني ، ثم أغمض في العبارة فلم يفهم حتى البوريني.

هذا والجمع صموت جمود ، لا يدرون ما يقولون ، غير أنّهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب.

عندها نهض البوريني واقفاً على قدميه فقال : إن كان ولابد فأنت البهائيّ الحارثيّ ، إذ لا أحد اليوم بهذه المثابة إلّا هو.

فاعتنقا ، وأخذا في إيراد أنفس ما يحفظان.

وسأله الشيخ البهائي كتمان أمره ، وافترقا ، ولم يقم بعدها ، بل رحل الى حلب(١) .

ويذكر العرضي(٢) في ترجمته قال : قدم ( حلب ) مستخفياً في زمن السلطان مراد بن سليم(٣) ، مغيراً صورته بصورة رجل درويش ، فحضردرس الوالد الشيخ عمر(٤) ، وهولايظهر أنّه طالب عالم ، حتى فرغ من الدرس.

فسأل الوالد عن أدلة تفضيل الصدّيق على المرتضى ، فذكر أحاديث منها حديث « ما طلعت الشمس » وغيرها.

فردّ عليه ، ثم ذكرأشياء كثيرة تقتضي التفضيل للمرتضى ، فشتمه الوالد!!! وقال له : رافضي شيعي ، وسبّه وسكت!!

________________________

(١) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٣ ، وانظر : سانحات دمى القصر ٢ : ١٢٧.

(٢) أبوالوفاء بن عمر بن عبد الوهاب الشافعي العرضي ، عالم فاضل ، مشارك ، مفتي الشافعية بحلب ، له : معادن الذهب في الأعيان المشرفة بهم حلب ، طريق الهدى ، شرح الألفية ، حاشية على أنوار التنزيل ، وغيرها.

توفي سنة : ١٠٧١ هـ ـ ١٦٦١ م.

كشف الظنون ١ : ١٤٨ / هدية العارفين ٢ : ٢٨٨ / ريحانة الألبا ١ : ٢٦٩ رقم ٣٩ خلاصة الأثر١ : ١٤٨ / معجم المؤلفين ١٣ : ١٦٥ وغيرها.

(٣) هو السلطان مراد بن السلطان سليم بن السلطان سليمان القانوني المتوفى ٤ ج ١ سنة ١٠٠٣.

(٤) تقدمت ترجمته صحيفة : ٤.

٣٥

ثم إنّ الشيخ البهائي أمر بعض التجار أن يصنع وليمة يجمع فيها بين الشيخ عمر وبينه.

امتثل التاجر ذلك ، ودعاهما وأخبر الشيخ الوالد أنّ هذا هو الملّا بهاء الدين عالم بلاد العجم.

وعندما استقر المقام بهما.

قال الشيخ البهائي للوالد : شتمتمونا.

فقال : ما علمت أنّك الملا بهاء الدين!!! ولكن إيراد مثل هذا الكلام بحضور العوامّ لا يليق!

بعد هذه الفترة الطويلة عاد الى محطته الاُولى أصفهان ، فتوجهت اليه أنظار الأعاظم ، منتهلة من نميره الصافي العذب ، مستفيدة من أنوار أفكاره البكر ، حتى اختصه الشاه عباس الصوفي حضراً وسفراً حتى صحبه معه في سفره الى التربة المقدسة ، حيث مرقد الإمام الثامن سيراً على الأقدام وفاءاً لنذر كانه نذره.

وقد اشتهرت عنه حكايات في سياحته كثيرة ، منها ممكنة ، ومنهامستبعدت أو ملحقة بالخرافات.

* * *

٣٦

آيات المدح وجمل الثناء

اعترف عامة من ترجم للمصنفقدس‌سره بل وجميع من تأخّرعنه ، بعظم شخصيته العلمية العملاقة في افق العلم ، وسماء المعرفة ، تقدم اليك نبذاً يسيرة :

قال شيخ الحفاظ والمحدثين العلّامة الأميني :

.. بهاء الملّة والدين ، واستاذ الأساتذة والمجتهدين ، وفي شهرته الطائلة وصيته الطائر في التضلّع من العلوم ، ومكانته الراسية من الفضل والدين ، غنى عن تسطير ألفاظ الثناء عليه ، وسرد جمل الإطراء له.

فقد عرفه من عرفه ، ذلك الفقيه المحقق ، والحكيم المتأله ، والعارف البارع ، والمؤلّف المبدع ، والبحاثة المكثر المجيد ، والأديب الشاعر ، والضلّيع من الفنون بأسرها ، فهو أحد نوابع الامة الإسلامية ، والأوحدي من عباقرتها الأماثل(١) .

ويصفه المحبّي بقوله :

.. بطل العلم والدين الفذ ، صاحب التصانيف والتحقيقات ، وهوأحق من كلّ حقيق بذكر أخباره ، ونشر مزاياه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه.

وكان اُمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم ، والتضلع بدقائق الفنون ، وما أظن الزمان سمح بمثله ، ولا جاد بندّه ، وبالجملة فلم تتشنف الأسماع بأعجب من أخباره(٢) . وقال شيخ الأمل في ترجمته :

حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق وجلالة القدر وعظم الشأن وحسن التصنيف ورشاقة العبارة وجمع المحاسن أظهر من أن يذكر ، وفضائله أكثر من أن تحصر ، وكان ماهراً متبحراً جامعاً كاملاً شاعراً أديباً منشئاً

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٤٩.

(٢) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٠.

٣٧

ثقةً ، عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث والمعاني والبيان والرياضي وغيرها(١) .

ويطريه السيد التفرشي بقوله :

جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلوّ رتبته في كل فنون الاسلام كمن له فن واحد ، له كتب نفيسة جيدة(٢) .

وأمّا الأردبيلي فيطريه قائلاً :

جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفورفضله ، وعلوّمرتبته أحداً في كلّ فنون الإسلام كمن كان له فن واحد ، له كتب نفيسة جيده منها(٣) .

ويصفه المجلسي الأول قائلاً :

الشيخ الاعظم ، والوالد المعظم ، الامام العلّامة ، ملك الفضلاء والاُدباء والمحدثين ، بهاء الملة والحق والدين(٤) .

وفي مورد آخر يقول :

شيخنا واستاذنا ومن استفدنا منه ، بل كان الوالد المعظم ، كان شيخ الطائفة في زمانه ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ، ووفورة فضله ، وعلو مرتبته أحداً …(٥) .

ووصفه السيد المدني في سلافته قائلاً :

« علم الائمة الأعلام ، وسيد علماء الاسلام ، وبحر العلم المتلاطمة بالفضائل أمواجه ، وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأزواجه ، وطود المعارفالراسخ ، وقضاؤها الذي لاتحدّ له فراسخ ، وجوادها الذي لايؤمل له لحاق ،

________________________

(١) أمل الآمل ١٥٥ : ١.

(٢) نقد الرجال : ٣٠٣ رقم ٢٦٠.

(٣) جامع الرواة ٢ : ١٠٠.

(٤) روضة المتقين ١ : ٢٢.

(٥) روضة المتقين ١٤ : ٤٣٤.

٣٨

وبدرها الذي لا يعتريه محاق ، الرُحَلَة الذي ضربت اليها أكباد الإبل ، والقبلة التي فطركل قلب على حبها وجبل.

فهو علّامة البشر ، ومجدّد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر ، اليه انتهت رياسة المذهب والملّة ، وبه قامت قواطع البراهين والأدلة ، جمع فنون العلم وانعقد عليه الإجماع ، وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والأسماع ، فما من فنّ إلاوله فيه القدح المعلّى والمورد العذب المحلّى ، إن قال لم يدع قولاً لقائل ، أو طال لم يأت غيره بطائل ، وما مثله ومن تقدّمه من الأفاضل والأعيان إلّا كالملة المحمدية المتأخّرة عن الملل والاديان ، جاءت اخر ففاقت مفاخراً وكل وصف قلته في غيره فإنه في تجربة الخواطر »(١) .

ويطريه صاحب نسمة السحر قائلاً :

« رجل الدهر ، وجامع الفخر ، ورب الشوارد ، وقيد الأوابد ، فهو وارث علم الرئيس ابن سينا في تلك الفنون والحال لاهل الطريقة حقيقة نورطور سيناء فيه يهتدون ، لم يلحق في طريق ، ولم يرفع في فريق ، فهوحيناً وزير السيف والعلم ، وإذ به وزير الدفتر والنون والقلم »(٢) .

ويطريه شيخ الخزانة الشيرازي بقوله :

« بهاء الحق وضياؤه ، وعزّالدين وعلاؤه ، واُفق المجد وسماؤه ، ونجم الشرف وسناؤه ، وشمس الكمال وبدره ، وروض الجمال وزهره ، وبحر الفيض وساحله ، وبر اِلبر ومراحله ، وواحد الدهر ووحيده وعماد العصر وعميده ، وعلم العلم وعلامته ، وراية الفضل وعلامته ، ومنشأ الفصاحة ومولدها ، ومصدر البلاغة وموردها ، وجامع الفضائل ومجمعها ، ومنبع الفواضل ومرجعها ، ومشرق الافادة ومشرعها ، وسلطان العلماء وتاج قمتهم ، وبرهان الفقهاء وتتمة أئمتهم ، وخاتم المجتهدين وزبدتهم ، وقدوة المحدثين وعمدتهم ، وصدر المدرسين واُسوتهم ، وكعبة الطالبين وقبلتهم ، مشهورجميع الآفاق ، وشيخ الشيوخ على الاطلاق ، كهف

________________________

(١) سلافة العصر : ٢٨٩.

(٢) نسمة السحر : ٣٠٣ مخطوط

٣٩

الإسلام والمسلمين ، مروج أحكام الدين ، العالم العامل الكامل الأوحد بهاء الملّة والحق والدين »(١) .

ويطريه الخفاجي قائلاً :

« زين بمآثره العلوم النقلية والعقلية ، وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية ، لاسيما الرياضيات وهو في ميدان الفصاحة فارس وأيَّ فارس ، وإن غصنه أينع وربا بربوة فارس فإنّ شجرته نبتت عروقها بنواحي الشام الزاهية المغارس ، والعرق نزّاع وإنْ أثّر الجوار في الطباع »(٢) .

وهذا الحنفي في شرحه على رائية المصنف والمسماة « وسيلة الفوزوالامان » يقول في حقه :

« صاحب التصانيف والتحقيقات ، وهوم أَحقّ من كل حقيق بذكرأَخباره ونشر مزاياه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه ، وكان اُمّة مستقلة في الأَخذ بأطراف العلوم والتضلّع من دقائق الفنون ، وما أَظن أَنّ الزمان سمح بمثله ولا جاد بنده ، وبالجملة فلم تتشنّف الأسماع بأَعجب من أَخباره »(٣) .

وقد ذكره الشهاب في كتابيه وبالغ في الثناء عليه(٤) وقد أطال أَبوالمعالي الطالوي في الثناء عليه وكذلك البديعي(٥) .

هذا غيض من فيض مما قيل أَويمكن أن يقال في حقّ شيخنا المصنف ، علم الأعلام ومن عُرِفت مكانته السامية في دنيا الفضل والفضيلة والدين ، حتى قيل في حقه : « لايدرك بحر وصفه الاغراق ، ولا تلحقه حركات الأَفكار ،

________________________

(١) خزانة الخيال : ٤٢١.

(٢) إشارة للحديث الشريف « العرق دساس » وانظر ريحانة الألبا ١ : ٢٠٧.

(٣) فتح المنان شرح قصيدة الفوز والأمان : ٣٦٧ من الطبعة الاولى ، حيث إن الطبعة الملحقة بالكشكول والتي بتحقيق طاهرأحمد الزاوي ـ طالتها يد الخيانة العلمية فحرفتهما ، وأسقطت منها مواردة إحداها ترجمة الشيخ المصنف.

(٤) أي في ريحانة الألباء ١ : ٢٠٧ رقم ٧٢ ونفحة الريحانة ٢ : ٢٨٢ رقم ٩٤.

(٥) سانحات دمي القصر ٢ : ١٢٦. والبديعي ، هو يوسف بن عبدالله الدمشقي الحلبي ، ولعل ذلك فيحدائق الأدب ـ انظر معجم المؤلفين ١٣ : ٢٨٠.

٤٠

و معرفته بدرجة دهائه ، ليصير سببا لغلبته على أهل البيت ، و قد صار الأمر كما دبّر و لم يولّه بلدة ، بل إقليما مثل الشّام حتّى يمكنه المقاومة في مقابل أمير المؤمنين عليه السّلام ، مع كون الحجاز و العراق تحت يده ، و قد صرّح بذلك يوم الشّورى ، فألقى الاختلاف بين الستّة ، و دبّر حرمان أمير المؤمنين عليه السّلام بحكميّة ابن عوف صهر عثمان و قال : إن اختلفتم يغلبكم معاوية . فهل غلبة معاوية إلاّ منه ؟ و هل بغي على أهل البيت عليه السّلام أعظم ممّا فعل ؟

« و أدخلنا و أخرجهم » روى الخطيب في محمّد بن سليمان بن حبيب عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص قال : إنّ عليّا عليه السّلام أتى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و عنده ناس ، فلمّا دخل عليّ خرجوا ، ثمّ إنّهم قالوا : و اللَّه ما أخرجنا النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فلم خرجنا ؟ فرجعوا فدخلوا على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فقال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي و اللَّه ما اخرجتكم و أدخلته ، و لكنّ اللَّه هو أدخله و أخرجكم . رواه بأسانيد ١ .

و روى أحمد بن حنبل في فضائله عن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من الصّحابة أبواب شارعة في المسجد ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ بن أبي طالب . فتكلّم النّاس في ذلك ، فقام النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فحمد اللَّه و أثنى عليه ، ثمّ قال : ما سدّدت شيئا و لا فتحته و لكنّي امرت بشي‏ء فاتّبعته ٢ .

و روى التّرمذي في ( صحيحه ) عن جابر قال : دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عليّا يوم الطّائف ، فانتجاه طويلا فقال النّاس : لقد طالت نجواه مع ابن عمّه . فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، فقال : ما انتجيته و لكنّ اللَّه انتجاه ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٥ : ٢٩٤ .

( ٢ ) رواه عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٤١ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٩ ح ٣٧٢٦ و رواه عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٤٢ .

٤١

نقلهما سبط ابن الجوزي في كتابه .

« بنا » لا بغيرنا .

« يستعطى الهدى » إلى الحقّ ، و قد قال تعالى : . . . أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ١ .

« و يستجلى العمى » عن الباطل ، و قول عمر : « معضلة ليس لها أبو الحسن » ٢ صار كالمثل .

« إنّ الأئمّة من قريش » حسبما استفاض عنه صلّى اللَّه عليه و آله من طريق الخاصّة و العامّة .

« غرسوا في هذا البطن من هاشم » أي : الطّالبيين منهم دون باقي بطون هاشم من العباسيّين و غيرهم ، و في الإثني عشر من بطن الطالبيّين دون غيرهم من الجعفريّين العقيليّين و غيرهما ، روى محمّد بن بابويه في ( إكماله ) عن الأسواري قال : كان ليحيى بن خالد مجلس بداره يحضره المتكلّمون من كل فرقة يوم الأحد ، فيتناظرون في أديانهم فيحتجّ بعضهم على بعض ، فبلغ ذلك الرّشيد فقال له : ما هذا المجلس الّذي بلغني عنك في منزلك يحضره المتكلّمون ؟ قال : ما شي‏ء ممّا رفعني به أمير المؤمنين عليه السّلام أحسن موقعا عندي من هذا المجلس الّذي يحضره كلّ قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتجّ بعضهم على بعض ، و يعرف المحق من بينهم ، و يبيّن لنا فساد كلّ مذهب من مذاهبهم . فقال له الرّشيد : احبّ أن أحضر هذا المجلس ، و أسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري ، فيحتشموا و لا يظهروا مذاهبهم . قال : ذلك إلى أمير

ــــــــــــــــ

( ١ ) يونس : ٣٥ .

( ٢ ) انساب الأشراف للبلاذري ٢ : ٩٩ ١٠٠ ح ٢٩ ، ٣٠ ، و غيره مرّ تخريجه في شرح فقرة « و الفضائل الجمة » من خطبة الرضي .

٤٢

المؤمنين إن شاء و متى شاء . قال : فضع يدك على رأسي على ألاّ تعلمهم بحضوري . ففعل ذلك و بلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا بينهم و عزموا على ألاّ يكلّموا هشام بن الحكم إلاّ في الإمامة ، لعلمهم بمذهب الرّشيد و إنكاره على من قال بالإمامة ، فحضروا و حضر هشام و حضر عبد اللَّه بن يزيد الأباضي و كان من أصدق النّاس لهشام فدخل هشام و سلّم على عبد اللَّه من بينهم ،

فقال يحيى لعبد اللَّه : كلّم هشاما في ما اختلفتم فيه من الإمامة . فقال هشام : أيّها الوزير ليس لهؤلاء علينا جواب و لا مسألة ، إنّ هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ، ثم فارقونا بلا علم و لا معرفة ، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقّ ، و لا حين فارقونا علموا علام فارقونا . فقال بنان و كان من الحروريّة :

أخبرني عن أصحاب عليّ حين حكّموا الحكمين كانوا مؤمنين أم كافرين ؟

قال هشام : كانوا ثلاثة أصناف : صنف مؤمنون ، و صنف مشركون ، و صنف ضالّون ، فأمّا المؤمنون فمن قال مثل قولي : إنّ عليّا عليه السّلام إمام من عند اللَّه عزّ و جلّ و معاوية لا يصلح لها ، فآمنوا بما قال اللَّه تعالى في عليّ عليه السّلام و أقرّوا به .

و أمّا المشركون فقوم قالوا : عليّ إمام و معاوية يصلح لها ، فأشركوا و أدخلوا معاوية مع عليّ عليه السّلام . و أمّا الضّالّون فقوم خرجوا من الحميّة و العصبيّة للعشائر و القبائل ، و لم يعرفوا شيئا من هذا و هم جهّال . قال : فأصحاب معاوية ما كانوا ؟ قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف كافرون ، و صنف مشركون ،

و صنف ضالّون . أمّا الكافرون فالّذين قالوا : إنّ معاوية إمام و عليّ لا يصلح لها ، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماما من اللَّه عزّ و جلّ و نصبوا إماما ليس من اللَّه . و أمّا المشركون فقوم قالوا : معاوية إمام و عليّ يصلح لها ، فأشركوا معاوية مع عليّ عليه السّلام . و أمّا الضّالّون فعلى سبيل اولئك خرجوا بالحميّة و العصبيّة للقبائل و العشائر . فانقطع بنان عند ذلك .

فقال ضرار : و أنا أسألك يا هشام في هذا . قال : أخطأت . قال : و لم ؟ قال :

٤٣

لأنّكم كلّكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، و قد سألني هذا عن مسألة ،

و ليس لكم أن تثنوا عليّ بالمسألة ، حتّى أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب . فقال : سل . فقال : أتقول إنّ اللَّه عزّ و جلّ عدل لا يجور ؟ قال : نعم . قال : فلو كلّف اللَّه المقعد المشي إلى المساجد و الجهاد ، و كلّف الأعمى قراءة المصاحف و الكتب أتراه كان عادلا أم جائرا ؟ قال : ما كان ليفعل ذلك . قال هشام : قد علمت أنّ اللَّه لا يفعل ذلك ، و لكن ذلك على سبيل الجدال و الخصومة ، و لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا إذ كلّفه تكليفا لا يكون له السّبيل إلى إقامته و أدائه ؟

قال : لو فعل ذلك كان جائرا .

قال : فأخبرني عن اللَّه عزّ و جلّ كلّف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم ؟ قال : بلى . قال : فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدّين ، أو كلّفهم ما لا دليل لهم على وجوده ، فيكون بمنزلة من كلّف الأعمى قراءة الكتب ، و المقعد المشي إلى المساجد و الجهاد ؟ فسكت ضرار ساعة ثمّ قال : لا بدّ من دليل و ليس بصاحبك . فتبسّم هشام و قال : تشيع شطرك ، و صرت إلى الحقّ ضرورة و لا خلاف بيني و بينك إلاّ في التّسمية .

قال ضرار : فإنّي ارجع عليك القول في هذا . قال : هات . قال ضرار : كيف تعقد الإمامة ؟ قال هشام : كما عقد اللَّه النّبوّة . قال : فهو إذن نبيّ ؟ قال : لا ، لأنّ النّبوّة يعقدها أهل السّماء ، و الإمامة يعقدها أهل الأرض ، فعقد النّبوّة بالملائكة ، و عقد الإمامة بالنّبيّ ، و العقدان جميعا بأمر اللَّه جلّ جلاله . قال : فما الدّليل على ذلك ؟ قال هشام : الاضطرار في هذا . قال ضرار : و كيف ذلك ؟ قال هشام : لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه ، إمّا أن يكون اللَّه عزّ و جلّ رفع التّكليف عن الخلق بعد الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله فلم يكلّفهم و لم يأمرهم و لم ينههم ،

فصاروا بمنزلة السّباع و البهائم ، الّتي لا تكليف عليها أفتقول هذا يا ضرار : إنّ التّكليف عن النّاس مرفوع بعد الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله ؟ قال : لا أقول هذا . قال هشام :

٤٤

فالوجه الثّاني ينبغي أن يكون النّاس المكلّفون قد استحالوا بعد الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله علماء في مثل حدّ الرّسول في العلم ، حتّى لا يحتاج أحد إلى أحد ، فيكونوا كلّهم قد استغنوا بأنفسهم و أصابوا الحقّ الّذي لا اختلاف فيه ، أفتقول هذا : إنّ النّاس استحالوا علماء حتّى صاروا في مثل حدّ الرّسول في العلم بالدّين ، حتّى لا يحتاج أحد إلى أحد ، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحقّ ؟ قال : لا أقول هذا و لكنّهم يحتاجون إلى غيرهم . قال : فبقي الوجه الثّالث ، و هو أنّه لا بدّ لهم من عالم يقيمه الرّسول لهم لا يسهو و لا يغلط و لا يحيف ، معصوم من الذّنوب مبرّأ من الخطايا يحتاج النّاس إليه و لا يحتاج إلى أحد . قال : فما الدّليل عليه ؟

قال هشام : ثمان دلالات : أربع في نعت نسبه ، و أربع في نعت نفسه ، فأمّا الأربع الّتي في نعت نسبه : فإنّه يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة ،

معروف البيت ، و أن يكون من صاحب الملّة و الدّعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب ، الّذين منهم صاحب الملّة و الدّعوة ، الّذي ينادى باسمه في كل يوم خمس مرّات على الصّوامع : « أشهد ألاّ إله إلاّ اللَّه و أنّ محمّدا رسول اللَّه » فتصل دعوته إلى كلّ برّ و فاجر ، عالم و جاهل مقرّ و منكر في شرق الأرض و غربها ، و لو جاز أن تكون الحجّة من اللَّه على هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتى على الطّالب المرتاد دهر من عصره لا يجده ، و لجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم و غيرهم ، و لكان من حيث أراد اللَّه عزّ و جلّ أن يكون صلاح يكون فساد ، و لا يجوز هذا في حكمة اللَّه تعالى و عدله ، أن يفرض على النّاس فريضة لا توجد ، فلمّا لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلاّ في هذا الجنس لاتّصاله بصاحب الملّة و الدّعوة ، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة ، لقرب نسبها من صاحب الملّة و هي قريش ،

و لمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة ، لم يجز أن يكون من

٤٥

هذه القبيلة إلاّ في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملّة و الدّعوة ، و لمّا كثر أهل هذا البيت ، و تشاجروا في الإمامة ، لعلوها و شرفها ادّعاها كلّ واحد منهم ،

فلم يجز إلاّ أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إشارة إليه بعينه و اسمه و نسبه ، كيلا يطمع فيها غيره .

و أمّا الأربع الّتي في نعت نفسه : فأن يكون أعلم النّاس كلّهم بفرائض اللَّه و سننه و أحكامه ، حتّى لا يخفى عليه منها دقيق و لا جليل ، و أن يكون معصوما من الذّنوب كلّها ، و أن يكون أشجع النّاس ، و أن يكون أسخى النّاس .

فقال عبد اللَّه بن يزيد الأباضي : من أين قلت : إنّه أعلم النّاس ؟

قال : لأنّه إن لم يكن عالما بجميع حدود اللَّه و أحكامه و شرائعه و سننه ،

لم يؤمن عليه أن يقلّب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حدّه ، و من وجب عليه الحدّ قطعه ، فلا يقيم للَّه حدّا على ما أمر به ، فيكون من حيث أراد اللَّه صلاحا يقع فساد .

قال : فمن أين قلت : إنّه معصوم من الذّنوب ؟

قال : لأنّه إن لم يكن معصوما من الذّنوب دخل في الخطأ ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ، و يكتم على حميمه و قريبه ، و لا يحتجّ اللَّه بمثل هذا على خلقه .

قال : فمن أين قلت : إنّه أشجع النّاس ؟

قال : لأنّه فئة للمسلمين يرجعون إليه في الحروب ، و قد قال عزّ و جلّ :

و من يولّهم يومئذ دبره إلاّ متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللَّه . . . ١ فإن لم يكن شجاعا ، فرّ فيبوأ بغضب من اللَّه عزّ و جلّ حجّة اللَّه على خلقه .

قال : فمن أين قلت : إنّه أسخى النّاس ؟

ــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ١٦ .

٤٦

قال : لأنّه خازن المسلمين فإن لم يكن سخيّا ، تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها فكان خائنا ، و لا يجوز أن يحتجّ اللَّه على خلقه بخائن .

فعند ذلك قال ضرار : فمن هذا بهذه الصّفة في هذا الوقت ؟ فقال : صاحب القصر أمير المؤمنين و كان هارون قد سمع الكلام كلّه فقال عند ذلك :

أعطانا و اللَّه من جراب الثّورة ، و يحك يا جعفر و كان جعفر بن يحيى جالسا معه في السّتر من يعني بهذا ؟ فقال : يعني به موسى بن جعفر . قال : ما عنى به غيره . ثمّ عضّ على شفتيه و قال : مثل هذا حيّ و يبقى لي ملكي ساعة واحدة .

فو اللَّه للسان هذا أبلغ في قلوب النّاس من مائة ألف سيف . و علم يحيى أنّ هشاما قد أتى فدخل السّتر ، فقال : يا عبّاسي ويحك من هذا الرّجل ؟ فقال :

حسبك تكفى تكفى .

ثمّ خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنّه قد اتي ، فقام يريهم أنّه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه و انسلّ ، و مرّ ببيته و أمرهم بالتّواري ، و هرب و مرّ من فوره نحو الكوفة ، و نزل على بشير النّبال و كان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد اللَّه عليه السّلام فأخبره الخبر ، ثمّ اعتل علّة شديدة ، فقال له البشير : آتيك بطبيب قال : لا أنا ميّت . فلمّا حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف اللّيل ، وضعني بالكناسة و اكتب رقعة و قل : هذا هشام بن الحكم الّذي يطلبه الخليفة مات حتف أنفه . و كان هارون قد بعث إلى إخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به ، فلمّا أصبح أهل الكوفة رأوه ، و حضر القاضي و صاحب المعونة و العامل و المعدّلون بالكوفة ، و كتب إلى الرّشيد بذلك فقال : الحمد للَّه الّذي كفانا أمره و خلّى عمّن كان أخذ به ١ .

« لا تصلح على سواهم ، و لا تصلح الولاة من غيرهم » ظهر لك من البرهان

ــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٦٢ .

٤٧

الّذي ذكره هشام أنّ وجوب كون الإمام من بيت هاشم بيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أمر عقلي لا يجوز تخلّفه ، و يعاضده الدّليل النّقلي القطعي ، قوله تعالى : إنّما وليّكم اللَّه و رسوله و الّذين آمنوا . . . ١ .

و قول رسوله صلّى اللَّه عليه و آله في المتواتر : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٢ .

و منه يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد هنا : « إن قلت : إنّك شرحت هذا الكتاب على قواعد المعتزله و اصولهم فما قولك في هذا الكلام و هو تصريح بأنّ الإمامة لا تصلح من قريش إلاّ في بني هاشم خاصّة ، و ليس ذلك بمذهب المعتزلة لا متقدميهم و لا متأخريهم قلت : هذا الموضع مشكل ولي فيه نظر ،

و إن صحّ أن عليّا عليه السّلام قاله قلت : كما قال لأنّه ثبت عندي أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : ( إنّه مع الحقّ و أنّ الحقّ يدور معه حيثما دار ) ٣ . و يمكن أن يتأوّل على مذهب المعتزلة ، فيحمل على أنّ المراد به كمال الإمامة كما في قوله صلّى اللَّه عليه و آله : ( لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد ) ٤ على نفي الكمال لا على نفي الصّحة » ٥ .

قلت : هذا التّأويل منه كتأويل بعض المتكلّمين كما في ( مختلف ابن قتيبة ) النّهي عن الخمر في القرآن على جهة التّأديب ، كما في قوله تعالى :

و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كلّ البسط . . . ٦ و في قوله تعالى : . . . و اهجروهنّ في المضاجع و اضربوهنّ . . . ٧ و ذهب إلى عدم

ــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٥٥ .

( ٢ ) هذا حديث الغدير مرّ تخريجه في شرح فقرة « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٣ ح ٣٧١٤ و غيره مرّ تخريجه في أواخر العنوان ٥ من هذا الفصل .

( ٤ ) أخرجه الدار قطني في سننه عنه الجامع الصغير ٢ : ٢٠٣ مسندا ، و المرتضى في الذريعة ١ : ٣٥٤ ، و الطوسي في التهذيب ١ : ٩٢ ح ٣ مجردا و روي أيضا عن عليّ عليه السّلام .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠٢ .

( ٦ ) الاسراء : ٢٩ .

( ٧ ) النساء : ٣٤ .

٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حرمة الخمر ١ .

و كتأويل بعضهم العدد في قوله تعالى : . . . فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى و ثلاث و رباع . . . ٢ على الجمع فجوّز نكاح تسع من الحرائر ،

و استشهد على تأويله بأنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله مات عن تسع ، و أنكر الخصوصيّة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٣ .

و كتأويل حرمة لحم الخنزير في قوله تعالى : حرّمت عليكم الميتة و الدّم و لحم الخنزير . . . ٤ على حلّية شحمه و جلده ٥ ، مع كون ما قاله في ما مرّ خلاف ضرورة الإسلام .

و كتأويل قوله تعالى في نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله : . . . و خاتم النّبيّين . . . ٦ على كون النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله زينة لهم كالخاتم لصاحبه ، فقال بعدم خاتميّة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و كما نقل عن بعض الغلاة و الإسماعيلية القول بنبوّة أنبياء بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، مع أنّه تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه قال : « لا نبيّ بعدي » ٧ فكما أنّ الآيات المتقدمّة لا تجوّز التأويل كذلك قوله عليه السّلام : « أين الذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا كذبا و بغيا علينا ، أن رفعنا اللَّه و وضعهم ، و أعطانا و حرمهم و أدخلنا و أخرجهم ؟ بنا يستعطى الهدى و يستجلى العمى » قبل هذا الكلام أي :

قوله عليه السّلام « غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم و لا تصلح

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقلها ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث : ٦٠ ٦١ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) النساء : ٣ .

( ٣ ) نقلها ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث : ٦٠ ٦١ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) نقلها ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث : ٦٠ ٦١ ، و النقل بالمعنى .

( ٦ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٧ ) هذا ذيل حديث المنزلة مرّ تخريجه في أوائل العنوان ٧ من هذا الفصل .

٤٩

الولاة من غيرهم » .

و لو فتح باب مثل تأويله لصحّ تأويل تلك المتنبّية عدم منافاة قول خاتم الأنبياء لنبوّتها بأنّه إنّما قال : « لا نبيّ بعدي » و لم يقل : « لا نبيّة بعدي » .

و سأل هشام بن الحكم أيضا جماعة من المتكلّمين فقال : أخبروني حين بعث اللَّه محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله بعثه بنعمة تامّة أو بنعمة ناقصة ؟ قالوا : بنعمة تامّة .

قال : فأيّما أتمّ أن يكون في أهل بيت واحد نبوّة و خلافة أو تكون نبوّة بلا خلافة ؟ قالوا : بل تكون نبوّة و خلافة . قال : فلما ذا جعلتموها في غيرها ؟ فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسّيف ؟ فافحموا ١ .

و روى محمّد بن محمّد بن النّعمان عن المرزباني عن محمّد بن العبّاس عن محمّد بن يزيد النّحوي عن ابن عائشة : أنّ ذا الشّهادتين قال :

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أ ليس أوّل من صلّى بقبلتهم

و أعرف النّاس بالآثار و السّنن

و آخر النّاس عهدا بالنّبيّ و من

جبريل عون له في الغسل و الكفن

من فيه فيه ما فيه لا يمترون به

و ليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الّذي ردّكم عنه فنعلمه

ها إنّ بيعتكم من أغبن الغبن ٢

و قال حسان :

و ما زال في الإسلام من آل هاشم

دعائم صدق لا ترام و مفخر

هم جبل الإسلام و النّاس حولهم

رضام إلى طود يطول و يقهر

و قال كعب الأنصاري :

قوم بهم عصم الإله عباده

و عليهم نزل الكتاب المنزل

ــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لأبن شهر آشوب ١ : ٢٧٦ .

( ٢ ) الارشاد للمفيد : ٢٢ .

٥٠

و روى الخطيب في هاشم بن مسرور المؤدب عن أبي صالح في قوله تعالى : الّذين إن مكّنّاهم في الأرش أقاموا الصّلاة و آتوا الزكوة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر . . . ١ قال : هم بنو هاشم . ثم قلت : من مضى منهم أم من بقي ؟ قال : من مضى منهم و من بقي ٢ .

و روى ابن عبد ربّه في ( عقده ) في وفود قريش على سيف بن ذي يزن : أنّ سيفا قال لعبد المطّلب : إذا ولد مولود بتهامة ، بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، إلى يوم القيامة ٣ .

و قال الكميت مشيرا إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله :

يقولون لم يورث و لو لا تراثه

لما شاركت فيه بكيل و أرحب

و لا انتشلت عضوين منها يحابر

و كان لعبد القيس عضو مورّب

فإن هي لم تصلح لحيّ سواهم

إذن فذوو القربى أحقّ و أقرب

فيالك أمر قد اشتت جمعه

و دنيا أرى أسبابها تتقضّب

تبدّلت الأشرار بعد خيارها

و جدّ بها من امّة هي تلعب

و روى المسعودي في ( مروجه ) : أنّه لمّا ورد صعصعة على معاوية من قبل أمير المؤمنين عليه السّلام و سأله عن قومه ، و أجابه ، قال له معاوية : و يحك يابن صوحان فما ترك لهذا الحيّ من قريش مجدا و لا فخرا ؟ قال : بلى و اللَّه يابن أبي سفيان تركت لهم ما لا يصلح إلاّ بهم ، و لهم تركت الأبيض ، و الأحمر و الأصفر و الأشقر ، و السّرير ، و المنبر ، و الملك إلى المحشر ، و أنّى لا يكون ذلك كذلك و هم منار اللَّه في الأرض و نجومه في السّماء . ففرح معاوية و ظنّ أنّ كلامه

ــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ٤١ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب ١٤ : ٦٩ .

( ٣ ) العقد الفريد لأبن عبد ربه ١ : ٢٤٣ .

٥١

يشتمل على قريش كلّها . فقال : صدقت يابن صوحان إنّ ذلك لكذلك . فعرف صعصعة ما أراد . فقال : ليس لك و لا لقومك في ذلك إصدار و لا إيراد ، بعدتم عن أنف المرعى ، و علوتم عن عذب الماء . قال : فلم ذلك ؟ و يلك يابن صوحان ؟

قال : الويل لأهل النّار ذلك لبني هاشم . . . ١ .

و روى أبو هلال العسكري في ( أوائله ) : أنّ أبا الهيثم بن التيهان قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين عليه السّلام ، فقال : إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين :

أمّا خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في البلاء ، و ارتفاع الدّرجة ، و أمّا شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب ، و أحبط الأعمال ، و ذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمها إليك الحظّ و أخّرهم عنها الحرمان ، فلم يرضوا أن يلحقوا حتّى طلبوا أن يسبقوك ، فبعدت و اللَّه عليهم الغاية ، و قطعت المضمار . فلمّا تقدّمتهم بالسّبق و عجزوا عن اللحاق ، بلغوا منك ما رأيت ، و كنت و اللَّه أحق قريش بشكر قريش ، نصرت نبيّهم حيّا و قضيت عنه الحقوق ميّتا ، و اللَّه ، بغيهم إلاّ على أنفسهم ، و لا نكثوا إلاّ بيعة اللَّه يد اللَّه فوق أيديهم . . . ٢ .

و روى نصر بن مزاحم في ( صفيّنه ) عنه عليه السّلام في كتابه إلى معاوية :

و أعلم أنّ هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا و لا متنّوا به علينا ،

و لكنّه قضاء ممّن امتنّ به علينا على لسان نبيّه الصادق المصدّق ، لا أفلح من شكّ بعد العرفان و البيّنة . . . ٣ .

و هو صريح في مذهب الإماميّة من كون الإمامة من قبله تعالى بوساطة نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله لا باختيار الامّة ، كما عليه المتسمّون بالسّنّة .

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٤٠ .

( ٢ ) الفتن من البحار للمجلسي : ١٥٣ عن اوائل أبي هلال العسكري ، و الآية ١٠ من سورة الفتح .

( ٣ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ١٠٩ .

٥٢

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : أنّه بلغ عثمان أنّ أباذر وقف بباب المسجد ،

فقال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري ،

أنا جندب بن جنادة الرّبذي إنّ اللَّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم ، و آل عمران على العالمين . ذريّة بعضها من بعض و اللَّه سميع عليهم ١ محمّد الصّفوة من نوح فالأوّل إبراهيم ، و السّلالة من إسماعيل و العترة الهادية من محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، إنّه شرف شريفهم ، و استحقّوا الفضل في قوم هم فينا كالسّماء المرفوعة ، أو كالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشّمس الضاحية ، أو كالقمر السّاري ، أو كالنّجوم الهادية ، أو كالشّجرة الزّيتونة ،

أضاء زيتها ، و بورك زبدها ، و محمّد صلّى اللَّه عليه و آله وارث علم آدم ، و ما فضّل به النّبيّون ، و عليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و وارث علمه . أيّتها الامّة المتحيّرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم اللَّه ، و أخّرتم من أخّر اللَّه ، و أقررتم الولاية و الوراثة في أهل بيت نبيّكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم ، و من تحت أقدامكم و لما عال ولي اللَّه ، و لما طاش سهم من فرائض اللَّه ، و لا اختلف اثنان في حكم اللَّه إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، فأمّا إذا فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا و بال أمركم . . . و سيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون . . . ٢ .

و لمّا افتخر ابن المعتز بالعبّاسيّين على الطّالبيّين بقصيدته الّتي أوّلها :

أبى اللَّه إلاّ ما ترون فما لكم

غضابى على الأقدار يا آل طالب

أجابه أبو القاسم التنوخي :

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣٣ ٣٤ .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧١ ، و الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء .

٥٣

من ابن رسول اللَّه و ابن وصيّه

إلى مدغل في عقدة الدّين ناصب

نشا بين طنبور و دفّ و مزهر

و في حجر شاد أو على صدر ضارب

و من ظهر سكران إلى بطن قينة

على شبه في ملكها و شوائب

إلى أن قال :

و نحن الألى لا يسرح الذّم بيننا

و لا تدّرى أعراضنا بالمعاتب

إذا ما انتدوا كانوا شموس نديّهم

و إن ركبوا كانوا بدور الرّكائب

و إن عبسوا يوم الوغى ضحك الرّدى

و إن ضحكوا بكّوا عيون النّوائب

و ما للغواني و الوغي فتعوّذوا

بقرع المثاني من قراع الكتائب

و يوم حنين قلت حزنا فخاره

و لو كان يدري عده في المثالب

أبوه مناد و الوصيّ مضارب

فقل في مناد صيّت و مضارب

و جئتم مع الأولاد تبغون إرثه

فأبعد محجوب بحاجب حاجب

و قلتم نهضنا ثائرين شعارنا

بثارات زيد الخير عند التّجارب

٥٤

فهلاّ بإبراهيم كان شعاركم

فترجع دعواكم بعلّة خائب

و معنى البيت الأخير أنّكم غلبتم على بني اميّة بادعائكم أخذ ثار أهل بيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و لو كنتم ادعيّتم أنّكم تطلبون ثار عمّكم إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن عبّاس الّذي أمر بخنقه مروان بن محمّد المرواني لما أعانكم أحد .

هذا ، و أمّا خبر أنّ [ الأئمّة من قريش ] بلفظ العام فأصله أيضا متواتر ،

كتخصيصه بذاك البطن من هاشم ، و لمّا ادّعت الأنصار الأمر يوم السّقيفة ،

قال عمرو بن العاص دفعا لهم : إن كان سمعوا قول النّبيّ : « الأئمّة من قريش » ثم ادّعوها لقد هلكوا و أهلكوا ، و إن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين .

و قال النّعمان بن عجلان الأنصاري دفاعا عن الأنصار : إن كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : « الأئمّة من قريش » فقد قال : « لو سلك النّاس شعبا و سلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار » ، و اللَّه ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا :

منّا أمير و منكم أمير .

و مع تواتر الخبر به قال عمر بعد أن طعن في معاذ بن جبل الأنصاري : لو كان معاذ حيّا لاستخلفته . و قال في سالم مولى أبي حذيفة : لو كان سالم حيّا لاستخلفته .

قال صاحب ( الاستيعاب ) في عنوان سالم بعد النّقل عن عمر قوله : لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى : و هذا عندي على أنّ عمر كان يصدر في الخلافة عن رأيه ١ .

قلت : ردّه قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في ما مرّ ليس بمستنكر بعد قوله في

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٢ : ٧١ و الرواية مشهورة .

٥٥

النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لمّا قال : « ايتوني بدواة و كتف أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي » :

دعوا الرّجل إنّه ليهجر ١ .

ثمّ كما تواتر أصله كذلك تواتر عنه صلّى اللَّه عليه و آله تعيينه لأئمّة قريش في اثني عشر فروى مسلم في ( صحيحه ) عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، فسمعته يقول : إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، ثمّ تكلّم بكلام خفي عليّ ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش ٢ .

و روى أيضا مسندا : أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال عشية جمعة رجم الأسلمي : لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ٣ .

و روى أبو داود و البزّار عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : لا يزال أمر امّتي قائما حتّى يمضي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش . و زاد الأوّل فلمّا رجع إلى منزله أتته قريش ، فقالوا : ثمّ يكون ماذا ؟ قال : ثمّ يكون الهرج ٤ .

و رواه أحمد بن الحسن القطّان شيخ من أصحاب حديثهم بأربعة عشر طريقا ، و عبد اللَّه بن محمّد الصّائغ منهم بطريقين .

و نقل طرقهما محمّد بن بابويه في ( خصاله ) ٥ ، و روى أيضا أحمد بن حنبل في ( مسنده ) أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : بعدي اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحيح البخاري ١ : ٣٢ ، و ٤ : ٧ ، ٢٧١ و غيره ، مرّ تخريجه في أواخر العنوان ٣ من هذا الفصل .

( ٢ ) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ ، ١٤٥٣ ح ٥ ، ٦ ، ٩ .

( ٣ ) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٣ ح ١٠ .

( ٤ ) سنن أبي داود ٤ : ١٠٦ ح ٤٢٧٩ ٤٢٨١ ، و مسند البزّار عنه تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٠ و النقل بتصرف .

( ٥ ) أخرجه الصدوق عن طريق أحمد بن الحسن بأربعة عشر طريقا في الخصال : ٤٦٩ ٤٧٢ ح ١٢ ، ٢٥ و عن طريق عبد اللَّه بن محمّد بطريقين في الخصال : ٤٧٥ ح ٣٦ ، ٣٧ .

٥٦

إسرائيل و زاد في خبر و حواري عيسى عليه السّلام ١ .

و لا تنطبق تلك الأخبار إلاّ على مذهب الإماميّة القائلين بالأئمّة الاثني عشر ، و أمّا أهل السّنّة فإن اقتصروا على الأربعة ، يقعوا في الكسر ، و إن تعدّوا إلى جميع من تصدى للأمر ، يقعوا في الكثرة ، و إن انتخبوا كما فعل القاضي عياض و ابن حجر ، خالفوا العقل و النّقل الكتاب و السّنّة و البرهان و العيان .

قال السّيوطي في ( تاريخ خلفائه ) : قال ابن حجر في ( شرح البخاري ) :

« كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث و أرجحه أي حديث كون الأئمّة اثنى عشر من قريش لتأييده بقول في بعض طرق الحديث الصّحيحة :

« كلّهم يجتمع عليه النّاس » و إيضاح ذلك أنّ المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته ،

و الّذي وقع أنّ النّاس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ ، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين ، فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثم اجتمع النّاس على معاوية عند صلح الحسن ، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ، و لم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لمّا مات يزيد وقع الاختلاف ، إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزّبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام ، و تخلّل بين سليمان و يزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الرّاشدين ، و الثّاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع النّاس عليه لمّا مات عمّه هشام ، فولّي نحو أربع سنين ، ثمّ قاموا عليه فقتلوه و انتشرت الفتن و تغيّرت الأحوال من يومئذ ، و لم يتفّق أن يجتمع النّاس على خليفة بعد ذلك ، لأنّ يزيد بن الوليد الّذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمّد بن مروان .

ــــــــــــــــ

( ١ ) مسند أحمد ١ : ٣٩٨ ، ٤٠٦ ، و النقل بتصرف و لم يوجد في الروايتين زيادة .

٥٧

و لمّا مات يزيد ولّى أخوه إبراهيم فقتله مروان ، ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل ، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفّاح ، و لم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه ، ثمّ ولّى أخوه المنصور فطالت مدّته ، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيّين على الأندلس ، و استمرّت في أيديهم متغلّبين عليها ، إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك ، و انفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلاّ الاسم في البلاد ، بعد أن كان في أيّام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض ، شرقا و غربا و يمينا و شمالا ممّا غلب عليه المسلمون ، و لا يتولّى أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شي‏ء منها إلاّ بأمر الخليفة ، و من انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس و حدها ستّة أنفس كلّهم يتسمّى بالخلافة ، و منهم صاحب مصر العبيدي و العبّاسي ببغداد ، خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلويّة و الخوارج ١ .

قلت : فيه أوّلا : إنّه على ما أسّسه يكون أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا خارجا ،

لأنّه لم يجتمع عليه النّاس ، فلم يبايعه سعد أحد عشرتهم و أحد ستّة شوراهم ،

و لم يبايعه ابن عمر ابن فاروقهم و النّاظر على شوراهم ، و محمّد بن مسلمة أحد أجلّة الصّحابة عندهم ، و ادّعى طلحة و الزّبير أنّهما بايعاه جبرا فخرجا عليه ، و لم يبايعه جلّ قريش بل كلّهم ، و إنّما بايعه نفر منهم كانوا في عداد بني هاشم ، كمحمّد بن أبي بكر التيميّ ربيبه عليه السّلام و جعدة بن هبيرة المخزومي ابن أخته ، و لم يبايعه معاوية و أهل الشّام ، و كانوا قريبا من نصف المسلمين .

و ثانيا : كيف يكون مثل معاوية خليفة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ؟ و قد قاتل أمير

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١١ ١٢ ، مرّ نقله أيضا في العنوان ١ من هذا الفصل .

٥٨

المؤمنين عليه السّلام الّذي بمنزلة نفس النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بنصّ القرآن ١ و حربه حرب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بنصّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في المتواتر عنه ٢ و أمر اللّعين بسبّه عليه السّلام ، و سنّه و كانت باقية مدّة بقاء الشّجرة الملعونة في القرآن ، و قتل سيّد شباب أهل الجنّة الحسن بن عليّ عليهما السّلام و قتل آلافا من عباد اللَّه الصالحين ، كحجر بن عدي ، و عمرو بن الحمق ، و نظرائهما ، و قد لعنه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في غير موطن ،

و أظهر كفره للمغيرة ، و تأسّف على عدم قدرته على محو اسم النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ،

و مثل ابنه يزيد الّذي ينكت بقضيبه على ثنايا سيّد شباب أهل الجنّة ، و يقول :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل

و سبى بنات النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و فعل ما فعل بأهل المدينة ، و بمسجد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و بالكعبة ؟ و مثل الوليد بن يزيد ؟ الّذي رمى القرآن بالنّشاب لمّا استفتحه و جاء و خاب كلّ جبّار عنيد ٣ و قال :

أ توعدنى بجبّار عنيد

فها أنا ذاك جبّار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل يا رب مزّقني الوليد

و مثل عبد الملك و بنيه الّذين شوّهت شنائعهم وجوه صفحات التّاريخ ؟

و مثل عثمان الّذي أحدث أحداثا ألجأ الصّحابة من المهاجرين و في رأسهم عمّار المجمع على جلاله ، و الأنصار و صلحاء التّابعين على قتله ؟ كما أنّ الوليد الّذي جعله خاتمة الإثني عشر فعل من الأفعال الشّنيعة حتّى و طى‏ء محارمه ، بل إخوته ، ما ألجأ بني أميّة أنفسهم مع عتوهم إلى قتله .

و لهذه المفاسد التجأ بعضهم إلى انتخاب العدول من الخلفاء ، و إن لم

ــــــــــــــــ

( ١ ) النظر إلى قوله تعالى : انفسنا و انفسكم آل عمران : ٦١ كما روى في شأن نزوله .

( ٢ ) هذا المعنى جاء ضمن أحاديث أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٧٥ ، و الخزاز في كفاية الأثر : ١٥٧ عن عليّ عليه السّلام و في الباب من ابن عباس و جابر و أخرج جمع كثير حديث « انا حرب لمن حاربتم » .

( ٣ ) إبراهيم : ١٥ .

٥٩

يكونوا على الولاء ، قال فصيح الدين البياضي منهم : قد أشكل مضمون الحديث الصّحيح الّذي رواه مسلم ، و هو قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش . و في رواية : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش .

قال في ( شرح المشارق ) : يريد بهذا الأمر الخلافة ، و أمّا العدد ، فقيل :

ينبغي أن يحمل على العادلين منهم ، فإنّهم إذا كانوا على منهاج الرّسول و طريقته يكونون خلفاءه ، و إلاّ فلا ، و لا يلزم أن يكونوا على الولاء ١ .

هذا ما قالوه و لكن لا مقنع فيه ، و هو أيضا تأويل باطل لتنافيه مع قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : « لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش » ٢ ،

و لذا اعترف الفصيح بأنّه لا مقنع فيه .

و ثالثا : إنّه لم اقتصر ممّا في الأخبار على خبر « كلّهم يجتمع النّاس عليه » ، مع أنّ في ( صحيح أبي داود ) عنه صلّى اللَّه عليه و آله : « لا يزال الدّين ظاهرا حتّى تقوم السّاعة ، و يكون عليهم إثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » ٣ .

و في ( صحيح مسلم ) « لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة ، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلّهم من قريش » ٤ . و في ( إبانة ابن بطة العكبري ) قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : لا يزال هذا الدّين قائما إلى اثني عشر أميرا من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها » ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) لم اظفر بمرجع نقله ، لكن هذا المعنى جاء في كلام كثير من شارحي الحديث مثل ، النوري و غيره.

( ٢ ) هذا حديث جابر بن سمرة أخرجه جمع كثير ، منهم البخاري في صحيحه ٤ : ٢٤٨ ، و الترمذي في سننه ٤ : ٥٠١ ح ٢٢٢٣ ، مرّ بعض طرقه آنفا .

( ٣ ) أخرجه أبو داود في سننه ٤ : ١٠٦ ح ٤٢٧٩ ٤٢٨١ ، و النقل بتصرف .

( ٤ ) أخرجه مسلم في صحيحه ٣ : ١٤٥٣ ح ١٠ .

( ٥ ) أخرجه ابن بطة في الإبانة عنه مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٢٩٠ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446