بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة13%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45767 / تحميل: 5505
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الثالث

تتمة الفصل السابع

٥

من الخطبة ( ٤ ) و من خطبة له عليه السّلام بِنَا اِهْتَدَيْتُمْ فِي اَلظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ اَلْعَلْيَاءَ وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ .

وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ اَلْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي اَلنَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ اَلصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ اَلْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ اَلْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ اَلْمُغْتَرِّينَ سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ اَلدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ اَلنِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ اَلْحَقِّ فِي جَوَادِّ اَلْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لاَ دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لاَ تُمِيهُونَ اَلْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ اَلْعَجْمَاءَ ذَاتَ اَلْبَيَانِ .

عَزَبَ رَأْيُ اِمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُوجِسْ ؟ مُوسَى ؟ ع خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ .

اَلْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ

٤

الحكمة ( ١٨٤ ) و قال عليه السّلام :

مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ أقول : نقل الخوئي ما في ( الإرشاد ) : « و من كلامه عليه السّلام حين قتل طلحة و انقضّ أهل البصرة : بنا تسنّمتم الشّرف ، و بنا انفجرتم عن السّرار ، و بنا اهتديتم في الظلماء . و قر سمع لم يفقه الواعية . كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصّيحة . ربط جنان لم يفارقه الخفقان . ما زلت أتوقّع بكم عواقب الغدر ،

و أتوسّمكم بحلية المغترّين . سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النيّة . أقمت لكم الحقّ حيث تعرفون و لا دليل ، و تحتفرون و لا تمتهون . اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان . عزب فهم امرى‏ء تخلّف عنّي . ما شككت في الحقّ منذ اريته . كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى حتّى عقّوا أباهم ، و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ١ .

و نقل أيضا ما في ( البحار ) من نقل سند الخطبة عن الرّاوندي ، عن جماعة عن جعفر الدّوريستي ، عن أبيه محمّد بن العبّاس ، عن محمّد بن عليّ بن موسى ، عن محمّد بن عليّ الإسترابادي ، عن عليّ بن محمّد بن سيار ، عن أبيه ، عن الحسن العسكري عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام ٢ .

قلت : ما في ( البحار ) محمّد بن عليّ الاسترابادي محرّف محمّد بن القاسم الاسترابادي ، فهو الذي يروي عنه الصّدوق ٣ .

« بنا اهتديتم في الظلماء » لأنّهم أنوار اللَّه ، قال الباقر عليه السّلام : بليّة الناس علينا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المفيد في الإرشاد : ١٣٥ عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .

( ٢ ) رواه الراوندي في شرحه ١ : ١٤٢ عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٤١٣ و عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .

( ٣ ) لفظ شرح الراوندي « محمد بن علي » أيضا و هو من مشائخ الصدوق أيضا كما ذكره أصحاب الرجال ، و روى عنه الصدوق في أماليه : ١٤٧ ح ١ المجلس ٣٣ بقوله : « حدّثنا محمّد بن علي الاسترابادي » .

٥

عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، و إن تركناهم يهتدوا بغيرنا ١ .

و روى الطبري في ( ذيله ) في عنوان ( من روى عنه صلّى اللَّه عليه و آله من همدان ) مسندا عن زياد بن مطرف قال : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ، و يموت ميتتي ، و يدخل الجنّة التي و عدني ربّي قضبانا من قضبانها غرسها في جنّة الخلد فليتولّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ذريّته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوهم من باب هدى ، و لن يدخلوهم في باب ضلالة ٢ .

و قد أقرّت العامّة بأنّه لو لا أمير المؤمنين عليه السّلام لما علم الناس قتال أهل القبلة ، و في ( نوادر حجّ الفقيه ) عن أبي حنيفة قال : لو لا جعفر بن محمّد ما علم النّاس مناسك حجّهم ٣ .

و في ( زيادات حجّ التهذيب ) : لقي مسلم مولى أبي عبد اللَّه عليه السّلام صدقة الأحدب و قد قدم من مكّة ، فقال له مسلم : الحمد للَّه الذي يسّر سبيلك ، و هدى دليلك ، و أقدمك بحال عافية ، و قد قضى الحجّ ، و أعان على السّعة ، فقبل اللَّه منك ،

و أخلف عليك نفقتك ، و جعلها حجّة مبرورة ، و لذنوبك طهورا . فبلغ ذلك أبا عبد اللَّه عليه السّلام فقال له : كيف قلت لصدقة ؟ فأعاد عليه ، فقال له : من علّمك هذا ؟ قال :

جعلت فداك ، مولاي أبو الحسن عليه السّلام . فقال له : نعم ما تعلّمت ، إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا ، فإنّ المهدي بنا هدي ، و إذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون ٤ .

هذا ، و سمّي اسامة أبو شداد الصّحابي ( الهادي ) لأنّه كان يوقد النّار ليلا لمن يسلك الطريق .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد للمفيد : ٢٦٦ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٢٠٦ .

( ٢ ) ذيل المذيل للطبري ، منتخبه : ٨٣ ، و المناقب للخوارزمي : ٣٤ .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ٢ : ٣٠٧ ح ٣ .

( ٤ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٤٤٤ ح ١٩٣ .

٦

« و تسنّمتم العلياء » قال الخوئي : أي : بتلك الهداية و شرافة الإسلام ركبتم سنام العلياء و الرّفعة ١ .

قلت : بل المعنى : بنا ركبتم سنام العلياء .

« و بنا انفجرتم عن السّرار » قال المجلسي و تبعه الخوئي : لعل معنى ( انفجرتم ) أنّه انفجرتم انفجار العين من الأرض أو الصبح من الليل ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : أي : دخلتم في الفجر ، و السّرار الليلة و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر . و روي : أفجرتم ، و هو أفصح و أصحّ ، لأنّ انفعل لا يكون إلاّ مطاوع فعل ٣ .

قلت : في الأوّل أنّه لم يقل أحد : إنّ السّرار يأتي بمعنى الأرض أو مطلق الليل . و في الثاني : إنّ الدخول في الفجر لا يختصّ بليلة استتار القمر . و لا يبعد أن يكون المراد : أنّ بسببنا صرتم من أفاضل الناس ، قال الجوهري : و سرّ الوادي أفضل موضع فيه ، و كذلك سرارة الوادي ، و الجمع سرار . قال :

فإن أفخر بمجد بني سليم

أكن منها التّخومة و السّرار ٤

« وقر » في ( الصحاح ) : و قرت أذنه بالكسر ، أي : صمّت ، و وقرت اذنه على ما لم يسمّ فاعله ٥ .

و عليه فيحتمل ( وقر ) وجهين معلوما بكسر العين ، و مجهولا .

« سمع لم يفقه الواعية » أي : الصوت المرتفع ، و معلوم أنّ سمعا لم يفهمه موقور ، و عنه عليه السّلام في حديث الأربعمائة : من شهدنا في حربنا أو سمع واعيتنا

ــــــــــــــــ

( ١ و ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٨١ مادة ( سرّ ) و النقل بتقطيع .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٤٨ مادة ( وقر ) .

٧

فلم ينصرنا أكبّه اللَّه على منخريه في النّار ١ .

و ممّا قلنا اتّضح أنّ جملة « وقر سمع لم يفقه الواعية » خبر ، و المراد من أنّ من لم يسمع صراخ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بذكر مقاماتنا أهل البيت كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب اللَّه و عترتي ، و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٢ . و كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ٣ . إلى غير ذلك ممّا يتعذّر استقصاؤه أصمّ موقور ، كالذين قال تعالى فيهم : . . . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها . . . ٤ ، و كالّذين قال عزّ و جلّ فيهم : ختم اللَّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة . . . ٥ .

و أمّا قول ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و المجلسي ٦ : إنّه دعاء .

فهو كما ترى ، لأنّه لا محل للدعاء هنا ، فإنّه يكون من قبيل الدعاء على الأصم بالصم .

هذا ، و في ( الصحاح ) : الواعية : الصارخة ٧ . و قال ( القاموس ) : الواعية :

الصراخ و الصوت لا الصارخة ، و وهم الجوهري ٨ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ضمن حديث الاربعمائة الصدوق في الخصال : ٦٢٥ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ١١٥ و غيرهما .

( ٢ ) هذا حديث الثقلين مرّ تخريجه في شرح فقرة « اليهم يفي‏ء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٣ ) هذا حديث السفينة أخرجه جمع كثير ، منهم : الحاكم في المستدرك ٢ : ٣٤٢ ، و أبو يعلى بطريقين في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٧٥ ح ٤٠٠٣ ، ٤٠٠٤ ، و البزار بطريقين في مسنده عنه إحياء الميت : ٢٥ ، ٢٦ ح ٢٤ ، ٢٥ ، و صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٥٧ ح ٧٦ ، و القاضي الصعدي في الدرر : ٥١ .

( ٤ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٥ ) البقرة : ٧ .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧١ ، و شرح الخوئي ١ : ٣١٧ ، و فتن البحار : ٤١٣ .

( ٧ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٥٢٦ مادة ( وعى ) .

( ٨ ) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٠ مادة ( وعى ) .

٨

قلت : بل الوهم منه ، فإنّه توهّم أنّ مراد الجوهري بالصّارخة امرأة تصرخ ، مع أنّ مراده نفس الصّراخ ، و ليته تذكّر ما قاله نفسه في مادّة ( صرخ ) من أن الصارخة الإغاثة ، مصدر على فاعلة و صوت الاستغاثة .

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد و ابن ميثم قالا تبعا ( للصحاح ) : و الواعية :

الصارخة ١ . و قال الخوئي : الواعية : الصراخ و الصوت كما في ( القاموس ) ، لا الصارخة كما ذكر ابن أبي الحديد و ابن ميثم تبعا للجوهري ٢ . و على ما قلنا قوله ساقط .

« و كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصيحة » قال ابن أبي الحديد : النّبأة :

الصوت الخفي . أي : كيف يراعي العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجليلة ،

شبّه ذلك بمن أصمّته الصيحة القويّة فإنّه محال أن يراعي بعد ذلك الصوت الضعيف ٣ .

قلت : لا معنى لكلامه ، فإنّ الأصمّ لا يراعي الصوت الضعيف ، و لو لم يكن صممه من صيحة قويّة . و الصواب : أنّ قوله عليه السّلام : « أصمّته الصّيحة » كناية عن عدم ترتيبه الأثر على الصوت القوي كالأصمّ عنه ، و حينئذ فمن لم يراع الصيحة كيف يراعي النّبأة ؟ و مراده عليه السّلام أنّ الامّة الذين لم يراعوا محكمات القرآن في أهل البيت عليهم السّلام ، كقوله تعالى : إنّما وليّكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ ، و قوله تعالى : . . . فقل

ــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .

( ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) المائدة : ٥٥ .

٩

تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم . . . ١ ،

و قوله تعالى : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، و لم يراعوا تأكيدات النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فيهم ، كقوله صلّى اللَّه عليه و آله في أمير المؤمنين عليه السّلام : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ٣ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الصّدّيقة عليها السّلام :

إنّها سيّدة نساء العالمين ٤ ، و إنّها بضعة منه يؤذيه ما يؤذيها ، و رضاها رضاه ، و سخطها سخطه ٥ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام : إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ٦ ، مع اعترافهم في الظاهر بحجّيتهما . كيف يراعون كلامه عليه السّلام في أهل البيت عليهم السّلام مع عدم إقرارهم به عليه السّلام .

و قال ابن ميثم : كنّى بالصّمم عن بلوغ تكرار كلام اللَّه على أسماعهم إلى حدّ أنّها محلّه ، و ملّت سماعه بحيث لا تسمع بعده ما هو في معناه خصوصا ما هو أضعف ٧ . و هو كما ترى .

« ربط » قال الجوهري : رابط الجأش : أي : شديد القلب ، كأنّه يربط نفسه

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦١ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) هذه احدى روايات حديث الغدير الذي مرّ تخريجه في شرح فقره « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٤ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٤ : ٩٦ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٤ : ١٩٠٤ ، ١٩٠٥ ح ٩٨ ، ٩٩ و غيرهما عن عائشة ، و في الباب عن فاطمة عليها السّلام و أبي سعيد و حذيفة .

( ٥ ) المشهور في ذلك حديث سفيان بن عيينة عن المسور بن مخرمة : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » .

أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٣٠٢ ، ٣٠٨ ، و مسلم في صحيحه ٤ : ١٩٠٣ ح ٩٤ و غيرهما ، و روي بطرق و ألفاظ اخرى .

( ٦ ) أخرجه الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٥٦ ح ٣٧٦٨ ، و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٣ : ٣ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٨٢ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٣ : ٦٤ ح ٨٠ و غيرهم .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٢ .

١٠

عن الفرار ١ .

« جنان » بالفتح ، أي : قلب .

« لم يفارقه الخفقان » أي : الاضطراب . و النسخ ٢ متّفقة على كون الجملة هكذا : « ربط جنان لم يفارقه الخفقان » فأمّا هو دعاء ، أي : يربط اللَّه قلبا لم يفارقه الاضطراب ، و المراد قلبه ، و قلب شيعته في أيّام الثلاثة و بعدهم ، لابتلائه بالجمل و صفّين و النّهروان ، و أمّا ( ربط ) محرّف ( يربط ) و يكون خبرا و عطفا على ( يراعي ) و المراد قلوب غير شيعته من أصحابه ، أي : كيف يربط قلب بولايته و إمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و الحال لم يفارقه الاضطراب من أيّامهم إلى يومه .

« ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر » في ( السّير ) لمّا بايعه الزّبير ، قال عليه السّلام له :

إنّي لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي . قال : لا تخافنّ ، فإنّ ذلك لا يكون منّي أبدا . فقال عليه السّلام : فلي اللَّه عليك بذلك راع و كفيل . قال : نعم ، اللَّه لك عليّ بذلك راع و كفيل ٣ .

« و أتوسّمكم » أي : أتفرّس فيكم .

« بحلية المغترّين » فلمّا رفع أهل الشام المصاحف ، و قالوا : القرآن بيننا و بينكم . لم يتميّزوا إنّه لا مورد لفعلهم و قولهم ، و إنّهم لو كانوا حقيقة مصدّقين بالقرآن كان الواجب عليهم أن يتابعوه و يطاوعوه ، لأنّه عليه السّلام كان بمنزلة نفس النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بعد سوابقه تلك في الإسلام ، و كلام اللَّه تعالى ، و كلام رسوله صلّى اللَّه عليه و آله فيه عليه السّلام في جميع أيّامه ، و معاوية عدوّ النّبي و عدوّ الإسلام ، و من

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١١٢٧ مادة ( ربط ) .

( ٢ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ٣٨ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٧ ، شرح الخطبة ٨ ، و النقل بالمعنى .

١١

الشجرة الملعونة ، و من الذين أسرّوا الكفر و أظهروا الإسلام يوم فتح مكّة ،

فاغترّوا و قالوا له عليه السّلام : لو لم تترك القتال لنقتلك كما قتلنا عثمان ، أو نعطيك بيد معاوية .

« سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النّيّة » أي : أنّ تظاهركم بالدّين ، و وضعكم جلبابه على وجوهكم سترني عنكم أو ستركم عنّي كما نقل عن نسخة ، و المعنى واحد حتّى لا أرى أنّكم غير معتقدين لشي‏ء ، و لكن بصّرني بكم بأنّ تظاهركم بالدّين مجرّد صورة و محض ظاهر صدق نيّتي ،

و صحّة فراستي .

« أقمت لكم سنن الحقّ » أي : طريقه .

« في جوادّ » بالتشديد جمع جادّة .

« المضلّة » بالفتح ، أي : الضلالة . فأرشدهم عليه السّلام إلى ما هو وظيفتهم من اللَّه تعالى ، و في خبر علقمة ، و أبي أيوب قالا : لمّا نزل قوله تعالى : الم . أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون ١ قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لعمّار : إنّه سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السّيف في ما بينهم ، و حتّى يقتل بعضهم بعضا ، و حتّى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب ، فإن سلك النّاس كلّهم و اديا فاسلك وادي عليّ و خلّ عن النّاس . يا عمّار إنّ عليّا لا يردّك عن هدى ، و لا يردّك إلى ردى . يا عمّار طاعة عليّ طاعتي ، و طاعتي طاعة اللَّه ٢ .

و هو عليه السّلام و إن أقامهم على سنن الحقّ من ساعة وفاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى في كيفيّة غسله ، و الصلاة عليه ، و موضع دفنه ، و وضع تاريخه ، و في كشف

ــــــــــــــــ

( ١ ) العنكبوت : ١ ٢ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٠٣ .

١٢

المعضلات في زمن الثلاثة و ردعهم عن خطأهم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده عليه السّلام هنا كيفيّة القتال مع أهل القبلة ، فلم يتّفق ذلك في زمان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى يعرفوا منه شيئا ، فلم يقاتل صلّى اللَّه عليه و آله إلاّ على التّنزيل ، و قتالاته عليه السّلام كانت على التّأويل ،

حسبما أخبره بذلك ١ .

« حيث تلتقون و لا دليل » لولاه عليه السّلام .

« و تحتفرون و لا تميهون » أي : لا تصلون إلى ماء ، و الجملتان كناية عن أنّهم كانوا يتفاوضون في الأحكام و المعضلات و لم يكونوا يحصلوا شيئا ،

كمن في مفازة و لا دليل له ، و كمن يحفر لاستنباط ماء و لا يصل إلى ماء حتّى كان عليه السّلام يرشدهم و يهديهم . و إن أحببت عرفان ذلك فارجع إلى كتابنا في قضاياه عليه السّلام فإنّه تكفل مقدارا من ذلك .

« اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان » قال ابن أبي الحديد : الجملة إشارة إلى الرموز التي تتضمنّها هذه الخطبة ، يقول : هي خفيّة غامضة ، و هي مع غموضها جليّة لاولي الألباب ، فكأنّها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة ٢ .

و قال ابن ميثم : كنّى بالعجماء ذات البيان على الحال التي يشاهدونها من العبر الواضحة ، و المثلات التي حلّت بقوم فسقوا أمر ربّهم ، و عمّا هو واضح من كمال فضله عليه السّلام بالنّسبة إليهم ، و ما ينبغي لهم أن يعتبروا من حال الدّين ، و مقتضى أوامر اللَّه التي يحثّهم على اتّباعها ، فإنّ كلّ هذه الأحوال امور لا نطق لها مقالي . فشبهها لذلك بالعجماء من الحيوان ، و استعار لها لفظها ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) انظر الى حديث النّبي صلّى اللَّه عليه و آله : « إنّ منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » . أخرجه النسائي في الخصائص : ١٣١ ، و أحمد بطريقين في مسنده : ٣٣ ، ٨٢ ، و أبو يعلى و ابن أبي شيبة في مسنديهما ، و ابن حبان في صحيحه ، و الحاكم في المستدرك ، و سعيد بن منصور في سننه ، و الضياء في المختارة ، و البيهقي في الشعب ، و أبو نعيم في الحلية عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٣٣ ، ٣٧ ، و ابن أخي تبوك في مسنده ، منتخبه : ٤٣٨ ح ٢٣ و غيرهم .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧١ .

١٣

و وصفها بكونها ذات البيان ، لأنّ لسانها الحال مخبر بمثل مقاله عليه السّلام ، ناطق بوجوب اتّباعه ١ .

قلت : و يمكن أن يكون قوله عليه السّلام هذا مساوقا لقوله الآخر : « لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان بكتبهم ، حتّى ينطق كلّ كتاب بأنّ عليّا حكم فيّ بما حكم اللَّه فيّ » ٢ . و ورد أنّ القرآن كتاب اللَّه الصّامت و هو عليه السّلام كتاب اللَّه النّاطق ٣ . و يمكن أن يكون إشارة إلى قوله تعالى :

و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون ٤ .

هذا ، و قيل في الألغاز :

أبى علماء الناس أن يخبرونني

بناطقة خرساء مسواكها الحجر

قيل : المراد الطاحونة .

« عزب رأي امرى‏ء تخلّف عنّي » يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن بيعته و غزواته ، كسعد بن أبي وقاص ، و مع ذلك قال لمعاوية : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : « عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ يدور حيثما دار » و هو حديث متواتر فقال له معاوية : أنت الآن ألوم ما كنت عندي ، و اللَّه لو سمعت أنا هذا من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ما زلت خادما لعليّ حتّى أموت ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٤ .

( ٢ ) هذا حديث مشهور بفرق بين ألفاظه ، أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٤٧ و غيره ، مرّ تخريجه في شرح فقرة « من الكلام النّبوي » من خطبة الرضي .

( ٣ ) روى هذا المضمون في موارد ، منها في وقعة صفّين حينما رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح .

( ٤ ) النمل : ٨٢ .

( ٥ ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه عنه ذيل ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٥٦ ، و البزار في مسنده عنه مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٦ ، و ابن مردويه في مناقبه ، عنه إحقاق الحق ٥ : ٦٣١ بفرق بين الألفاظ ، و في الباب عن علي عليه السّلام و امّ سلمة .

١٤

و أقول : إنّ معاوية و إن قال لسعد : إنّه لم يسمع ذلك من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه علم أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال ذلك ، و لم يكن معتقدا بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه قال ذلك لسعد جدلا ، حيث إنّه أقرّ بسماعه و اعتزله عليه السّلام .

و يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن القول بإمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و قد قال صلّى اللَّه عليه و آله في المستفيض : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ١ .

« ما شككت في الحقّ مذ أريته » هذا الكلام تعريض بالمتقدّمين عليه ، فإنّهم نقلوا عن أبي بكر أنّه تمنّى في حال احتضاره سؤال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : هل كان له حق في الخلافة أم لا ٢ ؟ و نقلوا عن عمر أنّه لمّا اشير عليه بنصب ابنه بعده قال : إن كان له فيها حقّ فحسب آل الخطاب بشخصه ، و إن لم يكن له حقّ فلم يتحمّل مظلمة ابنه ٣ زائدة على مظلمته . كما أنّه أقرّ أنّه شكّ في حقّية الإسلام ،

و حقّية النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الحديبيّة ٤ ، و أمّا هو صلوات اللَّه عليه فكان على بيّنة من ربّه من أوّله إلى آخره ، بقعوده أيّام الثلاثة ، و قيامه بعدهم ، و قتال النّاكثة ،

و القاسطة ، و المارقة كالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله في مكّة و في المدينة ، في قعوده أوّلا و قيامه أخيرا .

ــــــــــــــــ

( ١ ) هذا حديث السفينة مر تخريجه في أوائل هذا العنوان .

( ٢ ) رواه الجوهري في السفينة : ٣٩ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦١٩ سنة ١٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٠١ ، و أبو عبيدة في الأموال ، و العقيلي في الضعفاء ، و الطرابلسي في الفضائل ، و الطبراني في معجمه الكبير ، و ابن عساكر في تاريخه ، و الضياء في المختارة عنهم منتخب كنز العمال ٢ : ١٧١ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٨ ضمن كلام طويل عنه « فوددت أني سألته هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله » .

( ٣ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٢ سنة ٢٣ ، و ابن النجار في تاريخه عنه منتخب كنز العمال ٢ : ١٨٩ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٢٤ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ ح ٩٤ ، و سيرة ابن هشام ٣ : ٢٠٣ ، و المغازي للواقدي ١ : ٦٠٦ ، ٦٠٨ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٢٨٠ سنة ٦ .

١٥

و روى المدائني : أنّ عمرو بن العاص لقي الحسن عليه السّلام في الطواف ، فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك ، فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله ، و بيّنا بعد خفائه ، أفرضي اللَّه بقتل عثمان ، أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطّحن عليك ثياب كغرقى البيض ، و أنت قاتل عثمان ؟ و اللَّه ، إنّه لألمّ للشّعث ، و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك . فقال الحسن عليه السّلام : إنّ لأهل النّار لعلامات يعرفون بها : إلحادا لأولياء اللَّه ،

و موالاة لأعداء اللَّه ، و اللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّا عليه السّلام لم يرتب في الدّين ، و لم يشكّ في اللَّه ساعة ، و لا طرفة عين قطّ . و أيم اللَّه لتنتهينّ يابن ام عمرو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من القعضبيّة ، فإيّاك و التّهجّم عليّ ، فإنّي من قد عرفت :

لست بضعيف الغمزة ، و لا هشّ المشاشة ، و لا مري‏ء المأكلة ، و إنّي من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي ، و لا ادعى لغير أبي ، و أنت من تعلم و يعلم النّاس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزّارها ، ألأمهم حسبا ،

و أعظمهم لؤما . فإيّاك عنّي فإنّك رجس ، و نحن أهل بيت الطهارة اذهب عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا . فأفحم عمرو و انصرف كئيبا ١ .

« لم يوجس » في ( الصحاح ) : الوجس أيضا : فزعة القلب ، و أوجس في نفسه خيفة : أي أضمر ٢ .

« موسى عليه السّلام خيفة على نفسه أشفق » أي : خاف .

« من غلبة الجهّال و دول الضلال » يعني كما لم يخف موسى على نفسه على الضلال من سحر السّحرة ، بل من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، كذلك هو عليه السّلام لم يبال بتقدّم الثلاثة عليه في القيام بالأمر ، فإنّ الإمام كالنّبيّ ليس

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٠ شرح الكتاب ٣١ عن المدائني .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٩٨٤ مادة ( وجس ) .

١٦

شرط منصبه السلطنة و القيام بالأمر ، و لكنّه خاف من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، فإنّهم لا يفرّقون في ذلك بين الحقّ و الباطل ، و يتوهّمون أنّ كلّ من قام إمام ، و أنّ الاعتقاد بالثّلاثة جزء الدّيانة ، و أنّ غير المعتقد بهم خارج من الملّة ، كما عليه إخواننا من أهل السّنّة ، مع أنّ فاروقهم لمّا دعا النّاس إلى قيام صدّيقهم جعله مجرّد سلطنة ، و أهون من إمامة صلاة جماعة ، فقال له :

رضيك النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لديننا ، في ما ادّعاه من أنّ تقدّمه في الصّلاة كان بأمر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، قال : فكيف لا نرضاك لدنيانا ؟ و لو كان إخواننا فرّقوا بين الأمرين لارتفع النّزاع من البين ، و لأدّى قيام الأوّلين إلى وصول الأمر إلى بني اميّة الشجرة الملعونة في القرآن .

و نظير مرمى كلامه عليه السّلام من أنّ أسفه من تقدّم اولئك إنّما كان لضلالة جمع غير ذوي بصيرة ، ما عن ( تاريخ الثقفي ) : أنّ رجلا جاء إلى ابيّ بن كعب ،

فقال : يا أبا المنذر ألا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه ؟ فأمسك عنه . فقال الرجل : جزاكم اللَّه شرّا يا أصحاب محمّد شهدتم الوحي و عاينتموه ، ثمّ نسألكم التّفقّه في الدّين فلا تعلّمونا . فقال ابيّ : عند ذلك هلك أصحاب العقدة و ربّ الكعبة ، أما و اللَّه ما عليهم آسى و لكن آسى على من أهلكوا ، أما و اللَّه لئن أبقاني اللَّه إلى يوم الجمعة ، لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم ، قتلت أو استحييت . فمات رحمه اللَّه يوم الخميس ١ .

و روى أبو نعيم في ( حليته ) مسندا عن قيس بن عباد قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، فلم يكن فيهم أحد أحبّ إليّ لقاء من أبيّ بن كعب ،

فقمت في الصّفّ الأوّل فخرج ، فلمّا صلّى حدّث ، فما رأيت الرّجال متحت أعناقها إلى شي‏ء توجها إليه ، فسمعته يقول : هلك أهل العقدة و ربّ الكعبة

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عنه الحلبي في تقريب المعارف عن فتن البحار : ٣١٦ .

١٧

قالها ثلاثا هلكوا و أهلكوا أما أنّي لا آسى عليهم و لكنّي آسي على من يهلكون من المسلمين ١ .

و مراد ابيّ بأهل العقدة من رواه محمّد بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلّى على الرّخامة الحمراء بين العمودين ،

فقال في هذا الموضع : تعاقد القوم إن مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أو قتل ، أن لا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته . قلت : و من كان ؟ قال : كان الأوّل و الثاني ، و أبو عبيدة بن الجرّاح و سالم بن الحبيبة ٢ .

« اليوم توافقنا على سبيل الحقّ و الباطل » قال عمّار : لو ضربونا بأسيافهم حتّى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا على الحقّ ، و هم على الباطل ٣ .

و تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه عليه السّلام على الحقّ ، و الحقّ يدور معه ، و مخالفه على باطل ٤ .

« من وثق بماء لم يظمأ » هو مثل ، و المراد منه : أنّه كما أنّ من كان مطمئنّا بأنّ عنده ماء موجودا لم يبال بظمئه الآني ، كذلك من علم أنّه على دين الحقّ لم يبال بما يصيبه في دنياه ، فإنّه يقطع برفع ذلك عنه سريعا .

و من أمثال العرب : إن ترد الماء بماء أكيس ٥ .

و ممّا روي عنه عليه السّلام من الحكم المثلية : من سبق إلى الظلّ ضحى ، و من

ــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١ : ٢٥٢ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٥ ح ٢٨ .

( ٣ ) وقعة صفّين لابن مزاحم : ٣٢٢ .

( ٤ ) أخرج هذا المعنى الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٣ ح ٣٧١٤ و ترجمة علي عليه السّلام لابن عساكر ٣ : ١٥١ و ١٥٢ ح ١١٦٩ و ١١٧٠ ، في ذيل حديث عن علي عليه السّلام و في الباب عن ام سلمة و سعد.

( ٥ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٢ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٣٧٠ .
١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

سبق إلى الماء ظمى‏ء ١ .

قوله عليه السّلام في رواية ( الإرشاد ) : « كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى ،

حتّى عقّوا أباهم و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ٢ المراد بهذا الكلام أنّ طلحة و الزّبير كانا في سلك المسلمين ما لم يكونا نكثا ، و بعد نكثهما خرجا من سلكهم ، و الزّبير و إن رجع من العسكر ، و طلحة قتل في العسكر إلاّ أنّهما لم يتوبا بعودهما إلى طاعته ،

و الانخراط في سلكه ، كما فعل الحرّ الرّياحي لمّا خرج على الحسين عليه السّلام ، و لم يستغفر عليه السّلام لهما ، لأنّهما لم يكونا قابلين لذلك ، كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله :

إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللَّه لهم . . . ٣ . فبقيا في ما دخلا فيه من الخروج عن سلك الإسلام .

٦

من الخطبة ( ٩٥ ) اُنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اِتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا أقول : قال ابن أبي الحديد في شرح خطبته عليه السّلام : « أمّا بعد أيّها النّاس فأنا فقأت عين الفتنة » : هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة و هي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السّلام بعد انقضاء أمر النهروان ،

و فيها ألفاظ لم يوردها الرضي إلى أن قال و منها : « فانظروا أهل بيت نبيّكم ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في حديث أمير المؤمنين عليه السّلام .

( ٢ ) الإرشاد : ١٣٥ .

( ٣ ) التوبة : ٨٠ .

١٩

فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استنصروكم فانصروهم . فليفرجّنّ اللَّه الفتنة برجل منّا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلاّ السيف هرجا مرجا موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر ، حتّى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا .

يغريه اللَّه ببني اميّة حتّى يجعلهم حطاما و رفاتا ملعونين أينما ثقفوا اخذوا و قتّلوا تقتيلا ١ الآية ٢ و غفل عنه هنا .

و روى ( البحار ) عن ( غارات الثقفي ) بسندين عن زر بن حبيش قال :

خطب عليّ عليه السّلام بالنّهروان إلى أن قال : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزّمان ؟ قال عليه السّلام : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، و لا تسبقوهم فتصرعكم البليّة فقام رج . ل آخر ، فقال : ثمّ ماذا يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السّلام : ثمّ إنّ اللَّه تعالى يفرّج الفتن برجل منّا أهل البيت ، كتفريج الأديم ٣ .

و في ( كتاب سليم بن قيس ) بعد ذكر فتنة بني اميّة قال رجل : فما أصنع في ذلك الزّمان يا أمير المؤمنين ؟ قال : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا و إن استنصروكم فانصروهم تنصروا و تعذروا ، فإنّهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدعوكم إلى ردى ، و لا تسبقوهم بالتقدّم ، فيصرعكم البلاء و تشمت بكم الأعداء . قال : فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يفرّج اللَّه برجل من بيتي ، كانفراج الأديم من بيته ٤ .

و قال النّعماني في ( غيبته ) : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المشهورة التي رواها الموافق و المخالف ، في جملة ما قال : و لقد علم

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٦١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٨ شرح الخطبة ٩١ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ١ : ٢ ، و نقله عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٥٥٨ .

( ٤ ) كتاب سليم بن قيس : ١٥٨ ضمن حديث .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عطاء بن أبي سلمة الخراساني

وأمّا عطاء بن أبي سلمة الخراساني ، الذي ذكره السيوطي ـ بعد عطاء بن أبي رباح ـ ، فلم أجده في الكتب الرجاليّة ، نعم ، لا يبعد أنْ يكون مراده عطاء ابن أبي مسلم الخراساني ، فإنّه على ما في( فتح الباري ) وغيره كان له مصنَّف في التفسير ، وقد وثّقه غير واحدٍ من الأعلام .

لكنْ في( ميزان الاعتدال ) في ترجمته :

( وذكره العُقيلي في الضعفاء ، متشبّثاً بهذه الحكاية التي رواها حمّاد بن زيد عن أيّوب ، حدّثني القاسم بن عاصم ، قلت لسعيد بن المسيّب : إنّ عطاء الخراساني حدّثني عنك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الذي واقع أهله في رمضان بكفّارة الظهار فقال : كذب ، ما حدّثته ، إنّما بلغني أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : تصدّق تصدّق .

وقد ذكر البخاري عطاء الخراساني في الضعفاء ، فروى له هذا عن سليمان بن حرب عن حمّاد .

أحمد بن حنبل : ثنا عفّان ، ثنا همام ، أنا قتادة : أنّ محمّداً وعوناً حدّثاه أنّهما قالا لسعيد : إنّ عطاء الخراساني حدّثنا عنك في الذي وقع بأهله في رمضان ، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ يعتق رقبة ، فقال : كذب عطاء ، إنّما قال له : تصدّق تصدّق .

وقال ابن حبّان في الضعفاء : أصله من بلخ ، وعداده في البصريّين ، وإنّما قيل له الخراساني ؛ لأنّه دخل خراسان وأقام بها مدّة طويلة ثمّ رجع إلى العراق ، فنسب إلى خراسان ، وكان من خيار عباد الله ، غير أنّه كان رديّ الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم ، فيحمل عنه ، فلمّا كثُر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ) .

٢٢١

( قال الترمذي في كتاب العلل : قال محمّد يعني البخاري : ما أعرف لمالك رجلاً يروي عنه يستحقّ أن يترك حديثه، غير عطاء الخراساني قلت : ما شأنه ؟ قال : عامّة أحاديثه مقلوبة )(١) .

وهذا أيضاً رأي السمعاني فيه ، حيث قال :

( وكان من خيار عباد الله ، غير أنّه كان رديّ الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم فحمل عنه ، فلمّا كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٤ ـ ٧٥/ ٥٦٤٢ .

(٢) الأنساب ٢ : ٣٣٧ ( الخراساني ) .

٢٢٢

أبو العالية

وأمّا أبو العالية ، الذي جاء بترجمته من ( رجال المشكاة ) للدهلوي :

( قالت حفصة بنت سيرين : سمعته يقول : قرأت القرآن على عمر ثلاث مرّات ، وزهد في الدنيا ، وحجَّ خمساً وستّين حجّة )(١) .

وفي( مرآة الجنان ) :

( أبو العالية ، رفيع بن مهران الرياحي ، مولاهم ، البصري ، المقرئ المفسّر ، وقد دخل على أبي بكر ، وقرأ القرآن على أُبي قال أبو العالية : كان ابن عبّاس يرفعني على السرير وقريش أسفل ، وقال أبو بكر ابن أبي داود : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن مِن أبي العالية ، وبعده سعيد بن جُبير )(٢) .

وكذا في( تدريب الراوي ) (٣) ، فقد أورده في( الميزان ) وقال :

( قال ابن عدي : تُكلّم فيه من أجل حديث الضحك في الصّلاة )(٤) ، بل عن الشافعي أنّه تكلّم في حديثه كلّه وقال :

( حديث أبي العالية الرياحي رياح )(٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال في أسماء الرجال رجال المشكاة ، للشيخ عبد الحق الدهلوي .

(٢) مرآة الجنان ١ : ١٤٧ السنة ٩٣ .

(٣) انظر تدريب الراوي ٢ : ٤٠٠ .

(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٤٣/ ١٠٣٤٤ .

(٥) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٤/ ٢٧٩٠ .

٢٢٣

وهذا الكلام ـ وإنْ حاول الذهبي تأويله ـ يدلُّ على سقوط كافّة روايات الرجل وعدم اعتباره عند الشافعي ، ولذا قال السمعاني : ( كان الشافعي سيّئ الرأي فيه وفي رواياته )(١) .

وفي( رسالة ترجيح مذهب الشافعي ) للفخر الرازي :

( استدلّوا على ضعف حرام بن عثمان بقول الشافعي : حديثُ حرامٍ كاسمهِ حرامٌ ، وحديث الرياحي رياح ، ومَن رَوى عن أبي جابر البياضي بيّض الله عينيه ، ولمّا ثبت أنّ العلماء رجعوا إلى فتواه في الجرح والتعديل ، علمنا أنّ تقدّمه في علم الحديث كان معروفاً مسلّماً فيما بين النّاس ) .

وتكلّم ابن سيرين أيضاً في أبي العالية ، بما لا يقبل الحمل والتأويل ، فقد جاء في( العناية ) بعد ما يرونه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحديث :( لا وضوء على من نام قائماً أو قاعداً ) :

( فإنْ قيل : هذا الحديث غير صحيح ؛ لأنّ مداره على أبي العالية ، وهو ضعيف عند النقَلَة ، رُوي عن ابن سيرين أنّه قال : حدّث عمّن شئت إلاّ عن أبي العالية ، فإنّه لا يُبالي عمّن أخذ ، أي : لا يُبالي أنْ يروي عن كلّ أحد...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٣ : ١١١ الرياحي .

(٢) العناية في شرح الهداية ١ : ٤٤ ط هامش فتح القدير .

٢٢٤

الضحّاك بن مزاحم

وأمّا الضحاك بن مزاحم ، فإنّهم وإنْ وثّقوه ، وذكروا له مناقب كما في( مرآة الجنان ) و( ميزان الاعتدال ) وغيرهما من كتب الرجال(١) .

لكنْ عن يحيى بن سعيد القطّان ـ الذي كان رأساً في الجرح والتعديل ـ أنّه ضعّفه .

قال في( الميزان ) :

( قال يحيى بن سعيد : الضحاك ضعيفٌ عندنا... وكذا ابن عدي فإنّه قال : الضحّاك بن مزاحم إنّما عُرف بالتفسير ، وأمّا رواياته عن ابن عبّاس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ، ففي ذلك كلّه نظر )(٢) .

وكذا شعبة ، ففي( الكاشف ) :

( وقال شعبة : كان عندنا ضعيفاً )(٣) .

بل السيوطي نفسه نقل عن ابن الجوزي تضعيفه وأقرّه على ذلك ، كما في( اللآلي المصنوعة ) في نزول قوله تعالى :( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً... ) الآية : ( الضحاك ضعيف ، ولم يَسمع مِن ابن عبّاس ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ١٦٩ السنة ١٠٢ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٥/ ٣٩٤٢ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٣٩٧/ ٧٩٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٦/ ٣٩٤٢ .

(٣) الكاشف ٢ : ٣٦/ ٢٤٥٨ .

٢٢٥

عطيّة بن سعد العوفي

وأمّا عطيّة ، فإنّه وإنْ ذكره السيوطي في عداد قدماء المفسّرين ، إلاّ أنّ نَقَدَة الحديث والرجال قد تكلّموا فيه ، ويكفي إيراد كلام الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) فإنّه قال :

( عطيّة بن سعد العوفي الكوفي ، تابعي شهير ، ضعيف ، عن ابن عبّاس وأبي سعيد وابن عمر ، وعنه : مسعر وحجاج بن أرطاة وطائفة وابنه الحسن .

قال أبو حاتم : يكتب حديثه ، ضعيف ، وقال سالم المرادي : كان عطيّة يتشيّع ، وقال ابن معين : صالح ، وقال أحمد : ضعيف الحديث ، وكان هُشيم يتكلّم في عطيّة .

وروى ابن المديني عن يحيى قال : عطيّة وأبو هارون وبشر بن حرب عندي سواء ، وقال أحمد : بلغني أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ منه التفسير ، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد ، قلت : يعني يُوهم أنّه الخدري .

وقال النسائي وجماعة : ضعيف )(١) .

بل ادّعى ابن الجوزي الإجماع على تضعيفه في كتاب( الموضوعات ) (٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٧٩ ـ ٨٠/ ٥٦٦٧.

(٢) الموضوعات ١ : ١١٤ باب عظمة الله عزّ وجل .

٢٢٦

قتادة

وأمّا قتادة ، فإنّه وإنْ وُصف بـ ( الحافظ أحد الأئمّة الأعلام )(١) وأنّه ( ثقةٌ ثَبتٌ )(٢) وذُكر بتراجمه مناقبٌ كثيرة(٣) بل قيل أنّهم أجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله(٤) ...

كان يتّهم بالقدر

لكنّ المحقّقين النقَدَة منهم لم يستحيوا مِن قول الحق وإظهار الحقيقة ، فقالوا : كان يتّهم بالقدر ، وقد عرفت أنّه الكفر والضلال عندهم ، وأضاف بعضهم أنّه كان حاطب ليلٍ ، وهو من عبائر التضعيف والقدح... قال الذهبي :

( كان قتادة يتّهم بالقدر .

وقال ابن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : إنّ عبد الرحمان يقول : أترك [كلّ] من كان رأساً في بدعة يدعو إليها .

قال: كيف يصنع بقتادة وابن أبي رواد وعمر بن ذر، وذكر قوماً ، ثمّ قال يحيى : إنْ ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير ١ : ١٥٦.

(٢) تقريب التهذيب ٢ : ١٣٠/ ٦١٩٩ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٣ : ٤٩٨/ ٤٨٤٨ ، مرآة الجنان ١ : ١٩٧ السنة ١١٧ تهذيب التهذيب ٨ : ٣١٥/ ٦٣٧ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٥٧/ ٦٦ .

٢٢٧

كان كحاطب ليل

وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن الشعبي قيل له : هل رأيت قتادة ؟ قال : نعم رأيته كحاطب ليل .

وقال سفيان بن عيينة : قال الشعبي لقتادة : حاطب ليل قال سفيان : قال لي عبد الكريم الجزري : ما حاطب ليل ؟ قلت : إلاّ أنْ ، تخبرني قال : هو الرجل يخرج في الليل يحتطب ، فتقع يده على أفعى فتقتله هذا مثل ضرب لطالب العلم ، إنّ طالب العلم إذا حمل من العلم ما لا يطيقه قتله علمه، كما قتل الأفعى حاطب ليل )(١) .

كان يدلّس

والذهبي نسب إليه التدليس أيضاً حيث قال في( الميزان ) :

( قتادة بن دعامة السدوسي ، حافظٌ ثقةٌ ثبتٌ ، لكنّه مدلّس ورُمي بالقدر ، قاله يحيى بن معين ، ومع هذا فاحتجّ به أصحاب الصحاح ، لا سيّما إذا قال حدّثنا. مات كهلاً )(٢) .

وقال ابن خلكان :

( قال معمر : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله تعالى :( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) فلم يجبني ، فقلت : إنّي سمعت قتادة يقول : مُطيقين ، فسكت ، فقلت له : ما تقول يا أبا عمرو ؟ فقال : حسبك قتادة ، فلولا كلامه في القدر ـ وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا ذكر القدر فأمسكوا ـ لما عدلت به أحداً من أهل

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٧٨ و٢٧٢/ ١٣٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٨٥/ ٦٨٦٤ .

٢٢٨

دهره )(١) .

قصّة أبي حنيفة معه

هذا، وقد جاء في( تاريخ بغداد ) ما نصّه :

( ودخل قتادة الكوفة ونزل في دار أبي بردة ، فخرج يوماً ـ وقد اجتمع إليه خلق كثير ـ فقال قتادة : والله الذي لا إله إلاّ هو ، ما سألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلاّ أجبته .

فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ! ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً ، فظنّت امرأته أنّ زوجها مات ، فتزوّجت ، ثمّ رجع زوجها الأوّل ، ما تقول في صداقها ؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدّث بحديث ليكذبّن ، ولئن قال برأيه ليخطئنّ .

فقال قتادة : ويحك ! أوقعت هذه المسألة ؟

قال : لا.

قال : فلم تسألني عمّا لم يقع ؟

قال أبو حنيفة : إنّا نستعدّ للبلاء قبل نزوله ، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه .

[فقال] قتادة : والله لا أُحدّثكم بشيء من الحلال والحرام ، سلوني عن التفسير .

فقام إليه أبو حنيفة فقال له : يا أبا الخطّاب ! ما تقول في قوله تعالى:( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٨٥/ ٥٤١ .

٢٢٩

قال : نعم ، هذا آصف بن برخيا بن سمعيا كاتب سليمان بن داود ، كان يعرف اسم الله الأعظم .

فقال أبو حنيفة : وهل كان يعرف الاسم سليمان ؟

قال : لا .

قال : فيجوز أنْ يكون في زمن نبيّ مَن هو أعلم من النبيّ ؟

قال قتادة : والله لا أُحدّثكم بشيء مِن التفسير ، سلوني عمّا اختلف فيه العلماء .

قال : فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ! أمؤمنٌ أنت ؟

قال : أرجو .

قال : ولِمَ ؟

قال : يقول إبراهيمعليه‌السلام :( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) .

فقال أبو حنيفة : هلاّ قلت كما قال إبراهيمعليه‌السلام :( قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ) فهلاّ قلت : بلى ؟

قال : فقام قتادة مغضباً ودخل الدّار ، وحلف أنْ لا يُحدّثهم )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩/ ٧٢٩٧.

٢٣٠

زيد بن أسلم

وأمّا زيد بن أسلم ، فيكفي عن ذكر مناقبه كما في( تهذيب الأسماء ) (١) كونه مولى عمر بن الخطّاب ؛ لأنّ هذه العلقة ـ كما ذكر الدهلوي في( التحفة ) ـ توجب الاتّحاد بين المالك والمولى في العقيدة والطريقة .

والأهم مِن ذلك دعواهم حضور الإمام عليّ بن الحسين السجّادعليه‌السلام عنده للاستفادة ، حتّى قيل له : ( غفر الله لك ، أنت سيّد النّاس وأفضلهمْ ، تذهب إلى زيد بن أسلم وهو مولى فتجلس معه ؟ ) فقال : ( ينبغي للعلم أنْ يبتغى حيث هو ) !! قالوا: ( وكان يتخطّى حلق قومه حتّى يأتي زيد بن أسلم فيجلس عنده ويقول : إنّما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه ) .

هكذا في( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) (٢) .

وأعوذ بالله من هذا البهتان الذي افتراه أهل الضّلال ، تنقيصاً من شأن الإمامعليه‌السلام .

كما لا يخفى على أولي الأبصار والأفهام...

لكن ابن عدي أدرج زيداً في كتاب( الكامل ) (٣) الذي صنّفه في أسماء الضعفاء ، وهو كما قال المناوي في( فيض القدير ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٠٠/ ١٨٥ .

(٢) تحصيل الكمال في أسماء رجال المشكاة للشيخ عبد الحق الدهلوي ـ ترجمة زيد بن أسلم .

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال ٤ : ١٦٣/ ٧٠٤ .

٢٣١

 ( أصلٌ مِن الأُصول المعوّل عليها المرجوع إليها ، طابق اسمه معناه ، ووافَق لفظه فحواه ، مِن عينه انتجع المنتجعون ، وبشهادته حكم الحاكمون ، وإلى ما قاله رَجَع المتقدّمون والمتأخّرون )(١) .

وهذا ما أزعج الذهبي فقال :

( زيد بن أسلم مولى عُمر ، تناكد ابن عدي بذكره في الكامل ، فإنّه ثقةٌ حجّة ، فروى عن حمّاد بن زيد قال : قدمت المدينة وهم يتكلّمون في زيد بن أسلم ، فقال لي عبيد الله بن عمر : ما نعلم به بأساً إلاّ أنّه يُفسّر القرآن برأيه )(٢) .

فقد اعترض الذهبي على ابن عدي ذكره في الضعفاء ، إلاّ أنّه أضاف إلى ذلك ( تكلّم أهل المدينة في زيد بن أسلم ) ، وروى عن عبيد الله بن عمر أنّه ( كان يفسّر القرآن برأيه ) ، وهذا يكفي لسقوط تفسيره عن الاعتبار ، وقد أخرج الترمذي .

( عن سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( اتّقوا الحديث عنّي إلاّ ما علمتم ، فمن كذب علَيّ متعمّداً فليتبوّء مقعدهُ من النّار ، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار ) هذا حديث حسن)(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٨ ـ ٢٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٩٨/ ٢٩٨٩ .

(٣) صحيح الترمذي ٥ : ١٩٩/ ٢٩٥١ كتاب تفسير القرآن الباب ١ .

٢٣٢

مُرّة بن شراحيل

وأمّا مرّة بن شراحيل ، فلا يجوز الاعتماد عليه والأخذ بتفسيره ؛ لأنّه كان مِن المعاندين ، لأمير المؤمنينعليه‌السلام في حربه ضدّ الناكثين... قال أبو نعيم :

( حدّثنا عبد الله بن محمّد قال : ثنا أحمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن إبراهيم الدروقي قال : حدّثني عبد الرحمان بن غزوان قال : ثنا محمّد بن طلحة ابن مصرف عن زبيد الأيامي قال : قيل لمُرّة بن شراحيل : ألا تلحق بعليّ بصفّين ؟ قال : إنّ عليّاً سبقني بخير أعماله ، بدرٍ وذواتها ، وأنا أكره أنْ أشركه فيما هان فيه )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ٤ : ١٦٣/ ٢٦٩ .

٢٣٣

عبد الرحمان بن زيد بن أسلم

وأمّا عبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( عبد الرحمان بن زيد بن أسلم العمري مولاهم المدني ، أخو عبد الله وأُسامة .

قال أبو يعلى الموصلي : سمعت يحيى بن معين يقول : بنو زيد بن أسلم ليسوا بشيء ، وروى عثمان الدارمي عن يحيى : ضعيف ، وقال أحمد : عبد الله ثقةٌ ، والآخران ضعيفان )(١) .

وفي( الكاشف ) : ( ضعفّوه له تفسير )(٢) .

وفي( حاشية الكاشف ) :

( قال البخاري وأبو حاتم : ضعّفه ابن المديني جدّاً وقال : أولاد زيد بن أسلم كلّهم ضعيف وأمثلهم عبد الله ، وقال النسائي : ضعيفٌ ، وقال يحيى : ليس بشيء ، وقال أحمد : ضعيف )(٣) .

وقال ابن حجر: ( ضعيف )(٤) .

وقال ابن القيّم في( زاد المعاد ) : ( قال الترمذي : ليس في ولد زيد بن أسلم ثقة ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٦٤/ ٤٨٦٨ .

(٢) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّة ٢ : ١٦٠/ ٣٢٢٨ .

(٣) حاشية الكاشف ـ مخطوط .

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٤٤٨/ ٤٣١٢

٢٣٤

الطبقة الثالثة

قال السيوطي :

ثمّ بعد هذه الطبقة ، اُلّفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين ، كتفسير سفيا بن عيينة ، ووكيع بن الجرّاح ، وشعبة بن الحجّاج ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرزّاق ، وآدم بن أبي أياس ، وإسحاق بن راهويه ، وروح بن عبادة ، وعدب بن حميد ، وسُنيد ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وآخرين(١)

أقول :

وتفاسير هذه الطبقة أيضاً مقدوحةٌ مطعونٌ فيها ، وكتب الرجال بجوارح أصحابها مشحونة ، وإليك أحوال بعضهم :

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٢ .

٢٣٥

سفيان بن عيينة

أمّا سفيان بن عيينة ، فقد ذكروا :

كان يدلّس

إنّه كان يدلّس... قال القاري في( شرح شرح نخبة الفكر ) :

( قال الشيخ شمس الدين محمّد الجزري : التدليس قسمان : تدليس الإسناد ، وتدليس الشيوخ أمّا تدليس الإسناد ، فهو أنْ يروي عمّن لَقِيه أو عاصره ما لم يسمعه منه ، موهماً أنّه سمعه منه ، ولا يقول : أخبرنا وما في معناه ، بل يقول : قال فلان ، أو عن فلان ، أو إنّ فلاناً قال ، وما أشبه ذلك ، ثمّ قد يكون بينهما واحد ، وقد يكون أكثر ، وربّما وربّما لم يسقط المدلّس شيخه ، لكن يسقط من بعده رجلاً ضعيفاً أو صغير السنّ ، يحسّن الحديث بذلك وكان الأعمش والثوري وابن عيينة وابن إسحاق وغيرهم يفعلون هذا النوع ، ومن ذلك ما حكى ابن خشرم : كنّا يوماً عند سفيان بن عيينة فقال : عن الزهري ،... فقيل له : حدّثك الزهري ؟ فسكت ، ثمّ قال : قال الزهري ، فقيل له : سمعته من الزهري ؟ فقال : حدّثني عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح شرح نخبة الفكر : ٤٢٠ .

٢٣٦

من كلماتهم في ذمّ التدليس

هذا ، وقد نقلنا سابقاً كلمات بعض أعلام القوم في ذمّ التدليس وتقبيحه وتحريمه ، وعن شعبة : أنّه أشدّ من الزنا وأخو الكذب ، قال السيوطي في أقسام التدليس :

( وأمّا القسم الأوّل فمكروه جدّاً ، ذمّه أكثر العلماء ، وبالغ شعبة في ذمّه فقال : لأنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ أُدلّس وقال : التدليس أخو الكذب )(١) .

وأمّا قول ابن الصلاح من أنّ هذا إفراط ، محمولٌ على الزجر والتنفير مِن التدليس ، كما نقله السيوطي ، ففيه : إنّه إنْ أراد صرف كلام شعبة عن ظهوره في حرمة التدليس ، فلا سبيل إليه أصلاً ، وقد تقدّم تصريح النووي بحرمته ، وتقدّم أنّه من تلبيس إبليس كما نصّ عليه ابن الجوزي ، على أنّ جماعةً من المحدّثين ذهبوا إلى أنّ ارتكاب التدليس ـ ولو كان مرّةً واحدة ـ يوجب الجرح وتُردّ به الرواية ، كما في( تدريب الراوي ) حيث قال :

( ثمّ قال فريقُ منهم ، من أهل الحديث والفقهاء : مَن عرف به صار مجروحاً مردود الرواية مطلقاً وإنْ بيّن السماع )(٢) .

ومراده من ( مطلقاً ) هو عدم الفرق بين التدليس مرّةً أو أكثر ، وهذا ما نصَّ عليه شرّاح( نخبة الفكر ) .

وقال ابن جماعة الكناني في( المنهل الروي ) :

( النوع الرابع : التدليس ، وهو قسمان : تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ .

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٢٨ .

(٢) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٢٢٩ .

٢٣٧

الأوّل : تدليس الإسناد ، وهو أنْ يروي عمّن لَقِيه أو عاصره ما لم يسمعه منه ، مُوهماً أنّه سمعه منه ، ولا يقول أخبرنا وما في معناه ونحوه ، بل يقول : قال فلان أو عن فلان أو إنّ فلاناً قال ، وشبه ذلك ، ثمّ قد يكون بينهما واحد ، وقد يكون أكثر .

وهذا القسم من التدليس مكروهٌ جدّاً ، وفاعله مذموم عند أكثر العلماء ، ومَن عرف به مجروح عند قومٍ لا تُقبل روايته ، بيّن السماع أو لم يُبيّنه )(١) .

وتلخّص : إنّ سفيان بن عيينة عند هذا الفريق من الفقهاء والمحدّثين مجروحٌ مردودُ الرواية ، وعند الأكثر مذمومٌ مطعونٌ فيه .

اختلط في آخر عمره

ثمّ إنّه قد اختلط في أواخر حياته ، كما نصّ عليه علماء الرجال ، قال الذهبي :

( روى محمّد بن عبد الله بن عمّار الموصلي ، عن يحيى بن سعيد القطّان قال : أشهد أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة ١٩٧ ، فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء ) .

ثمّ انبرى الذهبي للدفاع عن روايات القوم عن سفيان ، مستبعداً كلام القطّان ، ومغلّطاً الموصلي في نقله ـ وقد قال الزهري في حقّه : صدوقٌ ثقة صاحب حديث(٢) ـ فقال :

ـــــــــــــــــــ

(١) المنهل الروي في علم أُصول حديث النبيّ : ٧٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة محمّد بن عبد الله بن عمّار ٣ : ٥٩٦/ ٧٧٥٣ وفيه : قال النسائي : ثقةٌ صاحب حديث .

٢٣٨

 ( قلت : سمع منه فيها محمّد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي ، ويغلب على ظنّي أنّ سائر شيوخ الأئمّة الستّة سمعوا منه قبل سنة سبع ، فأمّا سنة ثمانٍ وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحد فيها ؛ لأنّه توفّي [بمكّة] قبل قدوم الحاجّ بأربعة أشهر ، وأنا أستبعد هذا الكلام من القطّان وأعدّه غلطاً من ابن عمّار ، فإنّ القطّان مات في صفَر مِن سنة ثمانٍ وتسعين وقت قدوم الحاج ، ووقت تحدّثهم عن أخبار الحجاز ، فمتى تمكّن يحيى بن سعيد أنْ يسمع اختلاط سفيان ثمّ يشهد عليه بذلك ، والموت قد نزل به ، فلعلّه بلغه ذلك في أثناء سنة سبع ، مع أنّ يحيى متعنّت جدّاً في الرجال ، وسفيان ثقة مطلقاً ، والله أعلم )(١) .

لكنْ كيف يجتمع هذا التهجّم على يحيى بن سعيد القطّان مع تلك المناقب الجليلة ، والدرجات الرفيعة التي يذكرونها له في العلم والورع والإتقان ، حتّى قال أحمد بن حنبل : ( ما رأيت مثله في كلّ أحواله ) ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ـ ترجمة سفيان بن عيينة ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١/ ٣٣٢٧ .

٢٣٩

وكيع بن الجرّاح

وأمّا وكيع بن الجرّاح... والذي قال اليافعي في حوادث سنة ١٩٧ :

( وفيها توفّي الإمام العالم أبو سفيان وكيع بن الجراح روى عن الأعمش ، قال أحمد : ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع... وقال يحيى ابن أكثم : صحبت وكيعاً ، وكان يصوم الدهر ، ويختم القرآن كلّ ليلة ، وقال أحمد : ما رأت عيني مثل وكيع )(١) .

له قوادح

وقد ذكرت له قوادح ، وتكلّم فيه بعض الأكابر منهم ، ومن هنا ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( قال ابن المديني : كان وكيع يلحن ، ولو حدّثت بألفاظه لكانت عجباً ، كان يقول : ثنا شعبي عن عيشة ، وسُئل أحمد بن حنبل : إذا اختلف وكيع وعبد الرحمان ابن مهدي بقولِ مَن نأخذ ؟ فقال : عبد الرحمان يُوافق أكثر وخاصّةً في سفيان ، وعبد الرحمان يَسلم منه السلف ويجتنب شرب المُسكر ، وكان لا يرى أنْ تُزرع أرضُ الفرات قال ابن المديني فيالتهذيب : وكيع كان فيه تشيّعٌ قليل قال ابن حنبل : سمعت يحيى بن معين يقول : رأيت عند مروان بن معاوية لوحاً فيه فلان كذا وفلان رافضي ، ووكيع رافضي ، فقلت له :

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446