بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446
كتاب بهج الصباغة
في شرح نهج البلاغة
المجلد الثالث
الشيخ محمد تقي التّستري
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة
المجلد الثالث
الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)
المجلد الثالث
تتمة الفصل السابع
٥
من الخطبة ( ٤ ) و من خطبة له عليه السّلام بِنَا اِهْتَدَيْتُمْ فِي اَلظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ اَلْعَلْيَاءَ وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ .
وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ اَلْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي اَلنَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ اَلصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ اَلْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ اَلْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ اَلْمُغْتَرِّينَ سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ اَلدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ اَلنِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ اَلْحَقِّ فِي جَوَادِّ اَلْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لاَ دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لاَ تُمِيهُونَ اَلْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ اَلْعَجْمَاءَ ذَاتَ اَلْبَيَانِ .
عَزَبَ رَأْيُ اِمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُوجِسْ ؟ مُوسَى ؟ ع خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ .
اَلْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ
الحكمة ( ١٨٤ ) و قال عليه السّلام :
مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ أقول : نقل الخوئي ما في ( الإرشاد ) : « و من كلامه عليه السّلام حين قتل طلحة و انقضّ أهل البصرة : بنا تسنّمتم الشّرف ، و بنا انفجرتم عن السّرار ، و بنا اهتديتم في الظلماء . و قر سمع لم يفقه الواعية . كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصّيحة . ربط جنان لم يفارقه الخفقان . ما زلت أتوقّع بكم عواقب الغدر ،
و أتوسّمكم بحلية المغترّين . سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النيّة . أقمت لكم الحقّ حيث تعرفون و لا دليل ، و تحتفرون و لا تمتهون . اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان . عزب فهم امرىء تخلّف عنّي . ما شككت في الحقّ منذ اريته . كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى حتّى عقّوا أباهم ، و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ١ .
و نقل أيضا ما في ( البحار ) من نقل سند الخطبة عن الرّاوندي ، عن جماعة عن جعفر الدّوريستي ، عن أبيه محمّد بن العبّاس ، عن محمّد بن عليّ بن موسى ، عن محمّد بن عليّ الإسترابادي ، عن عليّ بن محمّد بن سيار ، عن أبيه ، عن الحسن العسكري عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام ٢ .
قلت : ما في ( البحار ) محمّد بن عليّ الاسترابادي محرّف محمّد بن القاسم الاسترابادي ، فهو الذي يروي عنه الصّدوق ٣ .
« بنا اهتديتم في الظلماء » لأنّهم أنوار اللَّه ، قال الباقر عليه السّلام : بليّة الناس علينا
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه المفيد في الإرشاد : ١٣٥ عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .
( ٢ ) رواه الراوندي في شرحه ١ : ١٤٢ عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٤١٣ و عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .
( ٣ ) لفظ شرح الراوندي « محمد بن علي » أيضا و هو من مشائخ الصدوق أيضا كما ذكره أصحاب الرجال ، و روى عنه الصدوق في أماليه : ١٤٧ ح ١ المجلس ٣٣ بقوله : « حدّثنا محمّد بن علي الاسترابادي » .
عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، و إن تركناهم يهتدوا بغيرنا ١ .
و روى الطبري في ( ذيله ) في عنوان ( من روى عنه صلّى اللَّه عليه و آله من همدان ) مسندا عن زياد بن مطرف قال : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ، و يموت ميتتي ، و يدخل الجنّة التي و عدني ربّي قضبانا من قضبانها غرسها في جنّة الخلد فليتولّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ذريّته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوهم من باب هدى ، و لن يدخلوهم في باب ضلالة ٢ .
و قد أقرّت العامّة بأنّه لو لا أمير المؤمنين عليه السّلام لما علم الناس قتال أهل القبلة ، و في ( نوادر حجّ الفقيه ) عن أبي حنيفة قال : لو لا جعفر بن محمّد ما علم النّاس مناسك حجّهم ٣ .
و في ( زيادات حجّ التهذيب ) : لقي مسلم مولى أبي عبد اللَّه عليه السّلام صدقة الأحدب و قد قدم من مكّة ، فقال له مسلم : الحمد للَّه الذي يسّر سبيلك ، و هدى دليلك ، و أقدمك بحال عافية ، و قد قضى الحجّ ، و أعان على السّعة ، فقبل اللَّه منك ،
و أخلف عليك نفقتك ، و جعلها حجّة مبرورة ، و لذنوبك طهورا . فبلغ ذلك أبا عبد اللَّه عليه السّلام فقال له : كيف قلت لصدقة ؟ فأعاد عليه ، فقال له : من علّمك هذا ؟ قال :
جعلت فداك ، مولاي أبو الحسن عليه السّلام . فقال له : نعم ما تعلّمت ، إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا ، فإنّ المهدي بنا هدي ، و إذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون ٤ .
هذا ، و سمّي اسامة أبو شداد الصّحابي ( الهادي ) لأنّه كان يوقد النّار ليلا لمن يسلك الطريق .
ــــــــــــــــ
( ١ ) الارشاد للمفيد : ٢٦٦ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٢٠٦ .
( ٢ ) ذيل المذيل للطبري ، منتخبه : ٨٣ ، و المناقب للخوارزمي : ٣٤ .
( ٣ ) الفقيه للصدوق ٢ : ٣٠٧ ح ٣ .
( ٤ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٤٤٤ ح ١٩٣ .
« و تسنّمتم العلياء » قال الخوئي : أي : بتلك الهداية و شرافة الإسلام ركبتم سنام العلياء و الرّفعة ١ .
قلت : بل المعنى : بنا ركبتم سنام العلياء .
« و بنا انفجرتم عن السّرار » قال المجلسي و تبعه الخوئي : لعل معنى ( انفجرتم ) أنّه انفجرتم انفجار العين من الأرض أو الصبح من الليل ٢ .
و قال ابن أبي الحديد : أي : دخلتم في الفجر ، و السّرار الليلة و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر . و روي : أفجرتم ، و هو أفصح و أصحّ ، لأنّ انفعل لا يكون إلاّ مطاوع فعل ٣ .
قلت : في الأوّل أنّه لم يقل أحد : إنّ السّرار يأتي بمعنى الأرض أو مطلق الليل . و في الثاني : إنّ الدخول في الفجر لا يختصّ بليلة استتار القمر . و لا يبعد أن يكون المراد : أنّ بسببنا صرتم من أفاضل الناس ، قال الجوهري : و سرّ الوادي أفضل موضع فيه ، و كذلك سرارة الوادي ، و الجمع سرار . قال :
فإن أفخر بمجد بني سليم
أكن منها التّخومة و السّرار ٤
« وقر » في ( الصحاح ) : و قرت أذنه بالكسر ، أي : صمّت ، و وقرت اذنه على ما لم يسمّ فاعله ٥ .
و عليه فيحتمل ( وقر ) وجهين معلوما بكسر العين ، و مجهولا .
« سمع لم يفقه الواعية » أي : الصوت المرتفع ، و معلوم أنّ سمعا لم يفهمه موقور ، و عنه عليه السّلام في حديث الأربعمائة : من شهدنا في حربنا أو سمع واعيتنا
ــــــــــــــــ
( ١ و ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٦ .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ .
( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٨١ مادة ( سرّ ) و النقل بتقطيع .
( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٤٨ مادة ( وقر ) .
فلم ينصرنا أكبّه اللَّه على منخريه في النّار ١ .
و ممّا قلنا اتّضح أنّ جملة « وقر سمع لم يفقه الواعية » خبر ، و المراد من أنّ من لم يسمع صراخ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بذكر مقاماتنا أهل البيت كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب اللَّه و عترتي ، و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٢ . و كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ٣ . إلى غير ذلك ممّا يتعذّر استقصاؤه أصمّ موقور ، كالذين قال تعالى فيهم : . . . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها . . . ٤ ، و كالّذين قال عزّ و جلّ فيهم : ختم اللَّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة . . . ٥ .
و أمّا قول ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و المجلسي ٦ : إنّه دعاء .
فهو كما ترى ، لأنّه لا محل للدعاء هنا ، فإنّه يكون من قبيل الدعاء على الأصم بالصم .
هذا ، و في ( الصحاح ) : الواعية : الصارخة ٧ . و قال ( القاموس ) : الواعية :
الصراخ و الصوت لا الصارخة ، و وهم الجوهري ٨ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ضمن حديث الاربعمائة الصدوق في الخصال : ٦٢٥ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ١١٥ و غيرهما .
( ٢ ) هذا حديث الثقلين مرّ تخريجه في شرح فقرة « اليهم يفيء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .
( ٣ ) هذا حديث السفينة أخرجه جمع كثير ، منهم : الحاكم في المستدرك ٢ : ٣٤٢ ، و أبو يعلى بطريقين في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٧٥ ح ٤٠٠٣ ، ٤٠٠٤ ، و البزار بطريقين في مسنده عنه إحياء الميت : ٢٥ ، ٢٦ ح ٢٤ ، ٢٥ ، و صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٥٧ ح ٧٦ ، و القاضي الصعدي في الدرر : ٥١ .
( ٤ ) الاعراف : ١٧٩ .
( ٥ ) البقرة : ٧ .
( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧١ ، و شرح الخوئي ١ : ٣١٧ ، و فتن البحار : ٤١٣ .
( ٧ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٥٢٦ مادة ( وعى ) .
( ٨ ) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٠ مادة ( وعى ) .
قلت : بل الوهم منه ، فإنّه توهّم أنّ مراد الجوهري بالصّارخة امرأة تصرخ ، مع أنّ مراده نفس الصّراخ ، و ليته تذكّر ما قاله نفسه في مادّة ( صرخ ) من أن الصارخة الإغاثة ، مصدر على فاعلة و صوت الاستغاثة .
ثمّ إنّ ابن أبي الحديد و ابن ميثم قالا تبعا ( للصحاح ) : و الواعية :
الصارخة ١ . و قال الخوئي : الواعية : الصراخ و الصوت كما في ( القاموس ) ، لا الصارخة كما ذكر ابن أبي الحديد و ابن ميثم تبعا للجوهري ٢ . و على ما قلنا قوله ساقط .
« و كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصيحة » قال ابن أبي الحديد : النّبأة :
الصوت الخفي . أي : كيف يراعي العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجليلة ،
شبّه ذلك بمن أصمّته الصيحة القويّة فإنّه محال أن يراعي بعد ذلك الصوت الضعيف ٣ .
قلت : لا معنى لكلامه ، فإنّ الأصمّ لا يراعي الصوت الضعيف ، و لو لم يكن صممه من صيحة قويّة . و الصواب : أنّ قوله عليه السّلام : « أصمّته الصّيحة » كناية عن عدم ترتيبه الأثر على الصوت القوي كالأصمّ عنه ، و حينئذ فمن لم يراع الصيحة كيف يراعي النّبأة ؟ و مراده عليه السّلام أنّ الامّة الذين لم يراعوا محكمات القرآن في أهل البيت عليهم السّلام ، كقوله تعالى : إنّما وليّكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ ، و قوله تعالى : . . . فقل
ــــــــــــــــ
( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .
( ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٥ .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و النقل بالمعنى .
( ٤ ) المائدة : ٥٥ .
تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم . . . ١ ،
و قوله تعالى : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، و لم يراعوا تأكيدات النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فيهم ، كقوله صلّى اللَّه عليه و آله في أمير المؤمنين عليه السّلام : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ٣ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الصّدّيقة عليها السّلام :
إنّها سيّدة نساء العالمين ٤ ، و إنّها بضعة منه يؤذيه ما يؤذيها ، و رضاها رضاه ، و سخطها سخطه ٥ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام : إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ٦ ، مع اعترافهم في الظاهر بحجّيتهما . كيف يراعون كلامه عليه السّلام في أهل البيت عليهم السّلام مع عدم إقرارهم به عليه السّلام .
و قال ابن ميثم : كنّى بالصّمم عن بلوغ تكرار كلام اللَّه على أسماعهم إلى حدّ أنّها محلّه ، و ملّت سماعه بحيث لا تسمع بعده ما هو في معناه خصوصا ما هو أضعف ٧ . و هو كما ترى .
« ربط » قال الجوهري : رابط الجأش : أي : شديد القلب ، كأنّه يربط نفسه
ــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ٦١ .
( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .
( ٣ ) هذه احدى روايات حديث الغدير الذي مرّ تخريجه في شرح فقره « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .
( ٤ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٤ : ٩٦ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٤ : ١٩٠٤ ، ١٩٠٥ ح ٩٨ ، ٩٩ و غيرهما عن عائشة ، و في الباب عن فاطمة عليها السّلام و أبي سعيد و حذيفة .
( ٥ ) المشهور في ذلك حديث سفيان بن عيينة عن المسور بن مخرمة : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » .
أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٣٠٢ ، ٣٠٨ ، و مسلم في صحيحه ٤ : ١٩٠٣ ح ٩٤ و غيرهما ، و روي بطرق و ألفاظ اخرى .
( ٦ ) أخرجه الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٥٦ ح ٣٧٦٨ ، و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٣ : ٣ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٨٢ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٣ : ٦٤ ح ٨٠ و غيرهم .
( ٧ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٢ .
عن الفرار ١ .
« جنان » بالفتح ، أي : قلب .
« لم يفارقه الخفقان » أي : الاضطراب . و النسخ ٢ متّفقة على كون الجملة هكذا : « ربط جنان لم يفارقه الخفقان » فأمّا هو دعاء ، أي : يربط اللَّه قلبا لم يفارقه الاضطراب ، و المراد قلبه ، و قلب شيعته في أيّام الثلاثة و بعدهم ، لابتلائه بالجمل و صفّين و النّهروان ، و أمّا ( ربط ) محرّف ( يربط ) و يكون خبرا و عطفا على ( يراعي ) و المراد قلوب غير شيعته من أصحابه ، أي : كيف يربط قلب بولايته و إمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و الحال لم يفارقه الاضطراب من أيّامهم إلى يومه .
« ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر » في ( السّير ) لمّا بايعه الزّبير ، قال عليه السّلام له :
إنّي لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي . قال : لا تخافنّ ، فإنّ ذلك لا يكون منّي أبدا . فقال عليه السّلام : فلي اللَّه عليك بذلك راع و كفيل . قال : نعم ، اللَّه لك عليّ بذلك راع و كفيل ٣ .
« و أتوسّمكم » أي : أتفرّس فيكم .
« بحلية المغترّين » فلمّا رفع أهل الشام المصاحف ، و قالوا : القرآن بيننا و بينكم . لم يتميّزوا إنّه لا مورد لفعلهم و قولهم ، و إنّهم لو كانوا حقيقة مصدّقين بالقرآن كان الواجب عليهم أن يتابعوه و يطاوعوه ، لأنّه عليه السّلام كان بمنزلة نفس النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بعد سوابقه تلك في الإسلام ، و كلام اللَّه تعالى ، و كلام رسوله صلّى اللَّه عليه و آله فيه عليه السّلام في جميع أيّامه ، و معاوية عدوّ النّبي و عدوّ الإسلام ، و من
ــــــــــــــــ
( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١١٢٧ مادة ( ربط ) .
( ٢ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ٣٨ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .
( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٧ ، شرح الخطبة ٨ ، و النقل بالمعنى .
الشجرة الملعونة ، و من الذين أسرّوا الكفر و أظهروا الإسلام يوم فتح مكّة ،
فاغترّوا و قالوا له عليه السّلام : لو لم تترك القتال لنقتلك كما قتلنا عثمان ، أو نعطيك بيد معاوية .
« سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النّيّة » أي : أنّ تظاهركم بالدّين ، و وضعكم جلبابه على وجوهكم سترني عنكم أو ستركم عنّي كما نقل عن نسخة ، و المعنى واحد حتّى لا أرى أنّكم غير معتقدين لشيء ، و لكن بصّرني بكم بأنّ تظاهركم بالدّين مجرّد صورة و محض ظاهر صدق نيّتي ،
و صحّة فراستي .
« أقمت لكم سنن الحقّ » أي : طريقه .
« في جوادّ » بالتشديد جمع جادّة .
« المضلّة » بالفتح ، أي : الضلالة . فأرشدهم عليه السّلام إلى ما هو وظيفتهم من اللَّه تعالى ، و في خبر علقمة ، و أبي أيوب قالا : لمّا نزل قوله تعالى : الم . أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون ١ قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لعمّار : إنّه سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السّيف في ما بينهم ، و حتّى يقتل بعضهم بعضا ، و حتّى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب ، فإن سلك النّاس كلّهم و اديا فاسلك وادي عليّ و خلّ عن النّاس . يا عمّار إنّ عليّا لا يردّك عن هدى ، و لا يردّك إلى ردى . يا عمّار طاعة عليّ طاعتي ، و طاعتي طاعة اللَّه ٢ .
و هو عليه السّلام و إن أقامهم على سنن الحقّ من ساعة وفاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى في كيفيّة غسله ، و الصلاة عليه ، و موضع دفنه ، و وضع تاريخه ، و في كشف
ــــــــــــــــ
( ١ ) العنكبوت : ١ ٢ .
( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٠٣ .
المعضلات في زمن الثلاثة و ردعهم عن خطأهم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده عليه السّلام هنا كيفيّة القتال مع أهل القبلة ، فلم يتّفق ذلك في زمان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى يعرفوا منه شيئا ، فلم يقاتل صلّى اللَّه عليه و آله إلاّ على التّنزيل ، و قتالاته عليه السّلام كانت على التّأويل ،
حسبما أخبره بذلك ١ .
« حيث تلتقون و لا دليل » لولاه عليه السّلام .
« و تحتفرون و لا تميهون » أي : لا تصلون إلى ماء ، و الجملتان كناية عن أنّهم كانوا يتفاوضون في الأحكام و المعضلات و لم يكونوا يحصلوا شيئا ،
كمن في مفازة و لا دليل له ، و كمن يحفر لاستنباط ماء و لا يصل إلى ماء حتّى كان عليه السّلام يرشدهم و يهديهم . و إن أحببت عرفان ذلك فارجع إلى كتابنا في قضاياه عليه السّلام فإنّه تكفل مقدارا من ذلك .
« اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان » قال ابن أبي الحديد : الجملة إشارة إلى الرموز التي تتضمنّها هذه الخطبة ، يقول : هي خفيّة غامضة ، و هي مع غموضها جليّة لاولي الألباب ، فكأنّها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة ٢ .
و قال ابن ميثم : كنّى بالعجماء ذات البيان على الحال التي يشاهدونها من العبر الواضحة ، و المثلات التي حلّت بقوم فسقوا أمر ربّهم ، و عمّا هو واضح من كمال فضله عليه السّلام بالنّسبة إليهم ، و ما ينبغي لهم أن يعتبروا من حال الدّين ، و مقتضى أوامر اللَّه التي يحثّهم على اتّباعها ، فإنّ كلّ هذه الأحوال امور لا نطق لها مقالي . فشبهها لذلك بالعجماء من الحيوان ، و استعار لها لفظها ،
ــــــــــــــــ
( ١ ) انظر الى حديث النّبي صلّى اللَّه عليه و آله : « إنّ منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » . أخرجه النسائي في الخصائص : ١٣١ ، و أحمد بطريقين في مسنده : ٣٣ ، ٨٢ ، و أبو يعلى و ابن أبي شيبة في مسنديهما ، و ابن حبان في صحيحه ، و الحاكم في المستدرك ، و سعيد بن منصور في سننه ، و الضياء في المختارة ، و البيهقي في الشعب ، و أبو نعيم في الحلية عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٣٣ ، ٣٧ ، و ابن أخي تبوك في مسنده ، منتخبه : ٤٣٨ ح ٢٣ و غيرهم .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧١ .
و وصفها بكونها ذات البيان ، لأنّ لسانها الحال مخبر بمثل مقاله عليه السّلام ، ناطق بوجوب اتّباعه ١ .
قلت : و يمكن أن يكون قوله عليه السّلام هذا مساوقا لقوله الآخر : « لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان بكتبهم ، حتّى ينطق كلّ كتاب بأنّ عليّا حكم فيّ بما حكم اللَّه فيّ » ٢ . و ورد أنّ القرآن كتاب اللَّه الصّامت و هو عليه السّلام كتاب اللَّه النّاطق ٣ . و يمكن أن يكون إشارة إلى قوله تعالى :
و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون ٤ .
هذا ، و قيل في الألغاز :
أبى علماء الناس أن يخبرونني
بناطقة خرساء مسواكها الحجر
قيل : المراد الطاحونة .
« عزب رأي امرىء تخلّف عنّي » يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن بيعته و غزواته ، كسعد بن أبي وقاص ، و مع ذلك قال لمعاوية : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : « عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ يدور حيثما دار » و هو حديث متواتر فقال له معاوية : أنت الآن ألوم ما كنت عندي ، و اللَّه لو سمعت أنا هذا من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ما زلت خادما لعليّ حتّى أموت ٥ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٤ .
( ٢ ) هذا حديث مشهور بفرق بين ألفاظه ، أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٤٧ و غيره ، مرّ تخريجه في شرح فقرة « من الكلام النّبوي » من خطبة الرضي .
( ٣ ) روى هذا المضمون في موارد ، منها في وقعة صفّين حينما رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح .
( ٤ ) النمل : ٨٢ .
( ٥ ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه عنه ذيل ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٥٦ ، و البزار في مسنده عنه مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٦ ، و ابن مردويه في مناقبه ، عنه إحقاق الحق ٥ : ٦٣١ بفرق بين الألفاظ ، و في الباب عن علي عليه السّلام و امّ سلمة .
و أقول : إنّ معاوية و إن قال لسعد : إنّه لم يسمع ذلك من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه علم أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال ذلك ، و لم يكن معتقدا بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه قال ذلك لسعد جدلا ، حيث إنّه أقرّ بسماعه و اعتزله عليه السّلام .
و يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن القول بإمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و قد قال صلّى اللَّه عليه و آله في المستفيض : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ١ .
« ما شككت في الحقّ مذ أريته » هذا الكلام تعريض بالمتقدّمين عليه ، فإنّهم نقلوا عن أبي بكر أنّه تمنّى في حال احتضاره سؤال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : هل كان له حق في الخلافة أم لا ٢ ؟ و نقلوا عن عمر أنّه لمّا اشير عليه بنصب ابنه بعده قال : إن كان له فيها حقّ فحسب آل الخطاب بشخصه ، و إن لم يكن له حقّ فلم يتحمّل مظلمة ابنه ٣ زائدة على مظلمته . كما أنّه أقرّ أنّه شكّ في حقّية الإسلام ،
و حقّية النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الحديبيّة ٤ ، و أمّا هو صلوات اللَّه عليه فكان على بيّنة من ربّه من أوّله إلى آخره ، بقعوده أيّام الثلاثة ، و قيامه بعدهم ، و قتال النّاكثة ،
و القاسطة ، و المارقة كالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله في مكّة و في المدينة ، في قعوده أوّلا و قيامه أخيرا .
ــــــــــــــــ
( ١ ) هذا حديث السفينة مر تخريجه في أوائل هذا العنوان .
( ٢ ) رواه الجوهري في السفينة : ٣٩ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦١٩ سنة ١٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٠١ ، و أبو عبيدة في الأموال ، و العقيلي في الضعفاء ، و الطرابلسي في الفضائل ، و الطبراني في معجمه الكبير ، و ابن عساكر في تاريخه ، و الضياء في المختارة عنهم منتخب كنز العمال ٢ : ١٧١ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٨ ضمن كلام طويل عنه « فوددت أني سألته هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله » .
( ٣ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٢ سنة ٢٣ ، و ابن النجار في تاريخه عنه منتخب كنز العمال ٢ : ١٨٩ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٢٤ ، و النقل بالمعنى .
( ٤ ) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ ح ٩٤ ، و سيرة ابن هشام ٣ : ٢٠٣ ، و المغازي للواقدي ١ : ٦٠٦ ، ٦٠٨ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٢٨٠ سنة ٦ .
و روى المدائني : أنّ عمرو بن العاص لقي الحسن عليه السّلام في الطواف ، فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك ، فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله ، و بيّنا بعد خفائه ، أفرضي اللَّه بقتل عثمان ، أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطّحن عليك ثياب كغرقى البيض ، و أنت قاتل عثمان ؟ و اللَّه ، إنّه لألمّ للشّعث ، و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك . فقال الحسن عليه السّلام : إنّ لأهل النّار لعلامات يعرفون بها : إلحادا لأولياء اللَّه ،
و موالاة لأعداء اللَّه ، و اللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّا عليه السّلام لم يرتب في الدّين ، و لم يشكّ في اللَّه ساعة ، و لا طرفة عين قطّ . و أيم اللَّه لتنتهينّ يابن ام عمرو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من القعضبيّة ، فإيّاك و التّهجّم عليّ ، فإنّي من قد عرفت :
لست بضعيف الغمزة ، و لا هشّ المشاشة ، و لا مريء المأكلة ، و إنّي من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي ، و لا ادعى لغير أبي ، و أنت من تعلم و يعلم النّاس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزّارها ، ألأمهم حسبا ،
و أعظمهم لؤما . فإيّاك عنّي فإنّك رجس ، و نحن أهل بيت الطهارة اذهب عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا . فأفحم عمرو و انصرف كئيبا ١ .
« لم يوجس » في ( الصحاح ) : الوجس أيضا : فزعة القلب ، و أوجس في نفسه خيفة : أي أضمر ٢ .
« موسى عليه السّلام خيفة على نفسه أشفق » أي : خاف .
« من غلبة الجهّال و دول الضلال » يعني كما لم يخف موسى على نفسه على الضلال من سحر السّحرة ، بل من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، كذلك هو عليه السّلام لم يبال بتقدّم الثلاثة عليه في القيام بالأمر ، فإنّ الإمام كالنّبيّ ليس
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٠ شرح الكتاب ٣١ عن المدائني .
( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٩٨٤ مادة ( وجس ) .
شرط منصبه السلطنة و القيام بالأمر ، و لكنّه خاف من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، فإنّهم لا يفرّقون في ذلك بين الحقّ و الباطل ، و يتوهّمون أنّ كلّ من قام إمام ، و أنّ الاعتقاد بالثّلاثة جزء الدّيانة ، و أنّ غير المعتقد بهم خارج من الملّة ، كما عليه إخواننا من أهل السّنّة ، مع أنّ فاروقهم لمّا دعا النّاس إلى قيام صدّيقهم جعله مجرّد سلطنة ، و أهون من إمامة صلاة جماعة ، فقال له :
رضيك النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لديننا ، في ما ادّعاه من أنّ تقدّمه في الصّلاة كان بأمر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، قال : فكيف لا نرضاك لدنيانا ؟ و لو كان إخواننا فرّقوا بين الأمرين لارتفع النّزاع من البين ، و لأدّى قيام الأوّلين إلى وصول الأمر إلى بني اميّة الشجرة الملعونة في القرآن .
و نظير مرمى كلامه عليه السّلام من أنّ أسفه من تقدّم اولئك إنّما كان لضلالة جمع غير ذوي بصيرة ، ما عن ( تاريخ الثقفي ) : أنّ رجلا جاء إلى ابيّ بن كعب ،
فقال : يا أبا المنذر ألا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه ؟ فأمسك عنه . فقال الرجل : جزاكم اللَّه شرّا يا أصحاب محمّد شهدتم الوحي و عاينتموه ، ثمّ نسألكم التّفقّه في الدّين فلا تعلّمونا . فقال ابيّ : عند ذلك هلك أصحاب العقدة و ربّ الكعبة ، أما و اللَّه ما عليهم آسى و لكن آسى على من أهلكوا ، أما و اللَّه لئن أبقاني اللَّه إلى يوم الجمعة ، لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم ، قتلت أو استحييت . فمات رحمه اللَّه يوم الخميس ١ .
و روى أبو نعيم في ( حليته ) مسندا عن قيس بن عباد قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، فلم يكن فيهم أحد أحبّ إليّ لقاء من أبيّ بن كعب ،
فقمت في الصّفّ الأوّل فخرج ، فلمّا صلّى حدّث ، فما رأيت الرّجال متحت أعناقها إلى شيء توجها إليه ، فسمعته يقول : هلك أهل العقدة و ربّ الكعبة
ــــــــــــــــ
( ١ ) نقله عنه الحلبي في تقريب المعارف عن فتن البحار : ٣١٦ .
قالها ثلاثا هلكوا و أهلكوا أما أنّي لا آسى عليهم و لكنّي آسي على من يهلكون من المسلمين ١ .
و مراد ابيّ بأهل العقدة من رواه محمّد بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلّى على الرّخامة الحمراء بين العمودين ،
فقال في هذا الموضع : تعاقد القوم إن مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أو قتل ، أن لا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته . قلت : و من كان ؟ قال : كان الأوّل و الثاني ، و أبو عبيدة بن الجرّاح و سالم بن الحبيبة ٢ .
« اليوم توافقنا على سبيل الحقّ و الباطل » قال عمّار : لو ضربونا بأسيافهم حتّى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا على الحقّ ، و هم على الباطل ٣ .
و تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه عليه السّلام على الحقّ ، و الحقّ يدور معه ، و مخالفه على باطل ٤ .
« من وثق بماء لم يظمأ » هو مثل ، و المراد منه : أنّه كما أنّ من كان مطمئنّا بأنّ عنده ماء موجودا لم يبال بظمئه الآني ، كذلك من علم أنّه على دين الحقّ لم يبال بما يصيبه في دنياه ، فإنّه يقطع برفع ذلك عنه سريعا .
و من أمثال العرب : إن ترد الماء بماء أكيس ٥ .
و ممّا روي عنه عليه السّلام من الحكم المثلية : من سبق إلى الظلّ ضحى ، و من
ــــــــــــــــ
( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١ : ٢٥٢ .
( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٥ ح ٢٨ .
( ٣ ) وقعة صفّين لابن مزاحم : ٣٢٢ .
( ٤ ) أخرج هذا المعنى الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٣ ح ٣٧١٤ و ترجمة علي عليه السّلام لابن عساكر ٣ : ١٥١ و ١٥٢ ح ١١٦٩ و ١١٧٠ ، في ذيل حديث عن علي عليه السّلام و في الباب عن ام سلمة و سعد.
( ٥ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٢ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٣٧٠ .
سبق إلى الماء ظمىء ١ .
قوله عليه السّلام في رواية ( الإرشاد ) : « كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى ،
حتّى عقّوا أباهم و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ٢ المراد بهذا الكلام أنّ طلحة و الزّبير كانا في سلك المسلمين ما لم يكونا نكثا ، و بعد نكثهما خرجا من سلكهم ، و الزّبير و إن رجع من العسكر ، و طلحة قتل في العسكر إلاّ أنّهما لم يتوبا بعودهما إلى طاعته ،
و الانخراط في سلكه ، كما فعل الحرّ الرّياحي لمّا خرج على الحسين عليه السّلام ، و لم يستغفر عليه السّلام لهما ، لأنّهما لم يكونا قابلين لذلك ، كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله :
إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللَّه لهم . . . ٣ . فبقيا في ما دخلا فيه من الخروج عن سلك الإسلام .
٦
من الخطبة ( ٩٥ ) اُنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اِتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا أقول : قال ابن أبي الحديد في شرح خطبته عليه السّلام : « أمّا بعد أيّها النّاس فأنا فقأت عين الفتنة » : هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة و هي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السّلام بعد انقضاء أمر النهروان ،
و فيها ألفاظ لم يوردها الرضي إلى أن قال و منها : « فانظروا أهل بيت نبيّكم ،
ــــــــــــــــ
( ١ ) لم أجده في حديث أمير المؤمنين عليه السّلام .
( ٢ ) الإرشاد : ١٣٥ .
( ٣ ) التوبة : ٨٠ .
فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استنصروكم فانصروهم . فليفرجّنّ اللَّه الفتنة برجل منّا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلاّ السيف هرجا مرجا موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر ، حتّى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا .
يغريه اللَّه ببني اميّة حتّى يجعلهم حطاما و رفاتا ملعونين أينما ثقفوا اخذوا و قتّلوا تقتيلا ١ الآية ٢ و غفل عنه هنا .
و روى ( البحار ) عن ( غارات الثقفي ) بسندين عن زر بن حبيش قال :
خطب عليّ عليه السّلام بالنّهروان إلى أن قال : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزّمان ؟ قال عليه السّلام : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، و لا تسبقوهم فتصرعكم البليّة فقام رج . ل آخر ، فقال : ثمّ ماذا يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السّلام : ثمّ إنّ اللَّه تعالى يفرّج الفتن برجل منّا أهل البيت ، كتفريج الأديم ٣ .
و في ( كتاب سليم بن قيس ) بعد ذكر فتنة بني اميّة قال رجل : فما أصنع في ذلك الزّمان يا أمير المؤمنين ؟ قال : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا و إن استنصروكم فانصروهم تنصروا و تعذروا ، فإنّهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدعوكم إلى ردى ، و لا تسبقوهم بالتقدّم ، فيصرعكم البلاء و تشمت بكم الأعداء . قال : فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يفرّج اللَّه برجل من بيتي ، كانفراج الأديم من بيته ٤ .
و قال النّعماني في ( غيبته ) : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المشهورة التي رواها الموافق و المخالف ، في جملة ما قال : و لقد علم
ــــــــــــــــ
( ١ ) الاحزاب : ٦١ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٨ شرح الخطبة ٩١ .
( ٣ ) الغارات للثقفي ١ : ٢ ، و نقله عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٥٥٨ .
( ٤ ) كتاب سليم بن قيس : ١٥٨ ضمن حديث .
المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله أنّه قال : إنّي و أهل بيتي مطهّرون فلا تسبقوهم فتضلّوا ، و لا تخلّفوا عنهم فتزلّوا ، و لا تخالفوهم فتجهلوا ، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، هم أعلم النّاس صغارا ، و أعلم النّاس كبارا ، فاتّبعوا الحقّ و أهله حيثما كان ، و زايلوا الباطل و أهله حيثما كان ١ .
و في ( مسترشد الطبري ) قال أمير المؤمنين عليه السّلام : و اللَّه لئن خالفتم أهل بيت نبيّكم لتخالفنّ الحقّ ، إنّهم لا يدخلونكم في ردى ، و لا يخرجونكم من باب هدى ، و لقد علمتم و علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله أنّي و أهل بيتي مطهّرون من الفواحش ، لا تسبقوهم فتضلّوا ، و لا تخالفوهم فتجهلوا ، و لا تخلّفوا عنهم فتهلكوا ٢ .
« انظروا أهل بيت نبيّكم صلّى اللَّه عليه و آله فالزموا سمتهم ، و اتّبعوا أثرهم » لأنّهم عليهم السّلام كانوا صادقين قولا و عملا ، و قد قال تعالى فيهم كما في التفسير . . . و كونوا مع الصّادقين ٣ . و قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيهم في المستفيض : إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب اللَّه و عترتي ، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٤ .
« فلن يخرجوكم من هدى و لن يعيدوكم في ردى » أي : هلكة ، و الأصل في قوله عليه السّلام قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيهم روى الطبري في ( ذيل تاريخه ) : أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : من أحبّ أن يحيا حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنّة التي و عدني ربّي قضبانا من قضبانها غرسها في جنّة الخلد فليتولّ علي بن أبي طالب عليه السّلام و ذرّيته من بعده فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، و لن يدخلوكم
ــــــــــــــــ
( ١ ) الغيبة للنعماني : ٢٩ ، و تفسير القمي ١ : ٤ .
( ٢ ) المسترشد : ٩١ .
( ٣ ) التوبة : ١١٩ .
( ٤ ) هذا حديث الثقلين مرّ تخريجه في شرح فقرة « اليهم يفيء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .
في باب ضلالة ١ .
و مرمى كلامه عليه السّلام أنّ المتقدّمين عليه ، و المدّعين مقام أهل بيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أخرجوهم من هدى الإسلام ، و أعادوهم في ردى الجاهلية و الكفر .
« فإن لبدوا » أي : أقاموا و لم يشخصوا .
« فالبدوا » مثلهم .
« و إن نهضوا » أي : شخصوا .
« فانهضوا » معهم ، و المراد بلبدهم : قعودهم عن طلب الخلافة ، كما فعل الحسن عليه السّلام ، و بنهوضهم : طلبهم لها ، كما فعل الحسين عليه السّلام ، قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ٢ .
و قال الباقر عليه السّلام : و اللَّه ما صنعه الحسن بن علي عليه السّلام كان خيرا لهذه الامّة ممّا طلعت عليه الشّمس ، و اللَّه لقد نزلت هذه الآية ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم و أقيموا الصلاة . . . انّما هي طاعة الإمام عليه السّلام ، و طلبوا القتال فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين عليه السّلام . . . و قالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال . . . ٣ .
و في ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا تمّ الصلح بين الحسن بن عليّ عليه السّلام و معاوية ،
صعد الحسن عليه السّلام الى المنبر و قال : أيّها الناس إنّ اللَّه هدى أوّلكم بأوّلنا ، و حقن دماءكم بآخرنا ، و كانت لي في رقابكم بيعة : تحاربون من حاربت و تسالمون من سالمت ، و قد سالمت معاوية و بابعته فبايعوه و إن أدري لعلّه و أشار
ــــــــــــــــ
( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٨٣ ، و المناقب للخوارزمي : ٣٤ .
( ٢ ) كفاية الأثر للخزار : ٣٨ مسندا ضمن حديث ، و رواه المفيد في المسائل الجارودية : ١٧١ . و الفصول المختارة للمرتضى : ١٧١ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٣٦٧ ، ٣٩٤ ، و القاب الرسول : ٤٩ ، و القواعد لنصير الدين الطوسي : ٨٣ ، و كشف الفوائد للعلاّمة : ٨٣ كلّهم مجرّدا .
( ٣ ) الكافي للكليني ٨ : ٣٣٠ ح ٥٠٦ مع ذيل ، و ما ذكر من القرآن هو الآية ٧٧ من سورة النساء .
إلى معاوية فتنة لكم و متاع إلى حين ١ .
« و لا تسبقوهم فتضلّوا و لا تتأخّروا عنهم فتهلكوا » عن سواء الصراط و الطريق المستقيم . في الخبر مرّ عمر على أمير المؤمنين عليه السّلام في إحرامه .
فقال له : ما هذان الثّوبان المصبوغان و أنت محرم ؟ فقال عليه السّلام له : ما نريد أحدا يعلّمنا بالسنّة ، إنّ هذين ثوبين صبغا بطين ٢ ٣ .
٧
من الخطبة ( ١٠٧ ) نَحْنُ شَجَرَةُ اَلنُّبُوَّةِ وَ مَحَطُّ اَلرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ مَعَادِنُ اَلْعِلْمِ وَ يَنَابِيعُ اَلْحُكْمِ نَاصِرُنَا وَ مُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ اَلرَّحْمَةَ وَ عَدُوُّنَا وَ مُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ اَلسَّطْوَةَ أقول : قال ابن أبي الحديد عند قوله عليه السّلام : « في تخويف أهل النّهروان » :
روى محمّد بن حبيب ، قال : خطب عليّ عليه السّلام الخوارج يوم النّهر ، فقال لهم :
« نحن أهل بيت النبوّة و موضع الرّسالة ، و مختلف الملائكة ، و عنصر الرّحمة ،
و معدن العلم و الحكمة ، نحن افق الحجاز ، بنا يلحق البطيء ، و إلينا يرجع التّائب . . . » ٤ .
« نحن شجرة النّبوّة » و هو عليه السّلام و إن لم يكن نبيّا إلاّ أنّه لمّا كان بمنزلة نفس النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حيث قال تعالى : . . . و أنفسنا . . . مريدا لهما ٥ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٦٣ ، و الآية ١١١ من سورة الأنبياء .
( ٢ ) أخرجه الصدوق في الفقيه ٢ : ٢١٥ ح ٨ و الطوسي في التهذيب ٥ : ٦٧ ح ٢٧ و في ضمن حديث العياشي في تفسيره ٢ : ٣٨ ح ١٠٥ .
( ٣ ) اسقط الشارح هنا شرح فقرة « و لا تتأخّروا عنهم فتهلكوا » .
( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠٧ شرح الخطبة ٣٦ .
( ٥ ) انظر إلى قوله تعالى أنفسنا و أنفسكم آل عمران : ٦١ ، كما جاء في شأن نزوله .
و قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم احد لجبرئيل بعد تعجّبه من مواساته له : ما يمنعه من مواساتي و هو منّي و أنا منه ؟ فقال جبرئيل عليه السّلام : و أنا منكما ١ .
و قال صلّى اللَّه عليه و آله : أنا و عليّ من شجرة واحدة ، و سائر النّاس من شجر شتّى ٢ .
و قال صلّى اللَّه عليه و آله أيضا له عليه السّلام : الإيمان مخالط لحمك و دمك كما خالط لحمي و دمي ٣ .
و كذلك قال صلّى اللَّه عليه و آله في سيّدة النساء صلوات اللَّه عليها : فاطمة بضعة منّي يرضيني ما يرضيها ، و يسخطني ما يسخطها ٤ . و قد قررت صلوات اللَّه عليها الرّجلين بذلك ، و بعد إقرارهما بسماعهما له من أبيها فيها قالت : « اللّهمّ اشهد أنّهما أسخطاني » ٥ . و كذلك قال صلّى اللَّه عليه و آله في ابنيه الحسن و الحسين عليهما السّلام :
إنّهما منه و أنّه منهما ٦ ، يصدق أنّهم شجرة النّبوّة .
و في ( فواتح الميبدي ) روى الثّعلبي عن جابر الأنصاري قال : قال
ــــــــــــــــ
( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ سنة ٣ ، و الكافي ٨ : ١١٠ ح ٩٠ ، و التفضيل للكراجكي : ٣٦ و غيرهم .
( ٢ ) أخرجه ابن عساكر بطرق في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ١٤٢ ١٤٧ ح ١٧٨ ١٨١ ، و مرّ تخريجه في العنوان ١٢ من الفصل السادس .
( ٣ ) المناقب للخوارزمي : ٧٥ ضمن حديث عن عليّ عليه السّلام و المناقب لابن المغازلي : ٢٣٧ ح ٢٨٥ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ٢٨١ و غيرهما عن جابر .
( ٤ ) و في معناه في صحيح البخاري ٢ : ٣٠٢ ، ٣٠٨ ، و صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٣ ح ٩٤ و غيرها ، مرّ تخريجه في العنوان ٥ من هذا الفصل .
( ٥ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٤ عن فاطمة عليها السّلام بلفظ « فإني اشهد اللَّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني » و أخرج معناه جمع كثير .
( ٦ ) لم أظفر بهذا السياق ، لكن في حديث يعلى بن مرّة و أبي رشة « حسين مني و أنا من حسين » و في حديث المقدام بن معد يكرب « الحسن مني و الحسين من علي » أخرج الأول الترمذي في سننه ٥ : ٦٥٨ ح ٣٧٧٥ ، و ابن ماجه في سننه ١ : ٥١ ح ١٤٤ ، و أحمد في مسنده ٤ : ١٧٢ و غيرهم ، و أخرج الثاني أبو داود في سننه ٤ : ٦٨ ح ٤١٣١ و أحمد في مسنده ٤ : ١٣٢ و غيرهما .
النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام : الناس من شجر شتى ، و أنا و أنت يا عليّ من شجرة واحدة . و تلا هذه الآية : و في الأرض قطع متجاورات و جنّات من أعناب و زرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقى بماء واحد و نفضّل بعضها على بعض في الأكل . . . ١ .
« و محطّ الرسالة » لمّا كانت نفوسهم مستعدّة لدرجة الرسالة و إن كانت النبوّة مختومة به صلّى اللَّه عليه و آله لكونهم عليهم السّلام مثله صلّى اللَّه عليه و آله في العصمة و الملكات الربّانية ، فقد قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام في المستفيض بل المتواتر :
« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ٢ يصدّق أنّهم عليهم محطّ الرسالة .
و في ( كامل المبرّد ) : أنّ شاميّا رأى الحسن عليه السّلام راكبا ، فجعل يلعنه و الحسن لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السّلام إليه ، فسلّم عليه و ضحك ، و قال :
أيّها الشيخ أظنّك غريبا ، و لعلّك شبّهت فلو استعتبتنا أعتبناك ، و لو سألتنا أعطيناك ، و لو استرشدتنا أرشدناك ، و لو استحملتنا حملناك ، و إن كنت جائعا أشبعناك ، و إن كنت عريانا كسوناك ، و إن كنت محتاجا أغنيناك ، و إن كنت طريدا آويناك ، و إن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا ، و كنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعا رحبا ، و جاها عريضا ، و مالا كبيرا . فلمّا سمع الرّجل كلامه بكى ، ثمّ قال : أشهد أنّك خليفة اللَّه في أرضه . . . اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته . . . ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) الرعد : ٤ .
( ٢ ) هذا حديث المنزلة المتواتر أخرجه جمع كثير عن اثنين و أربعين من أصحاب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في ما أعلم منهم البخاري في صحيحه ٢ : ٣٠٠ ، و ٣ : ٨٦ ، و مسلم في صحيحه ٤ : ١٨٧٠ و ١٨٧١ ح ٣٠ ٣٢ ، و صاحب مسند زيد فيه : ٤٠٧ .
( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ١٩ عن كامل المبرد ، لكن رواه المبرد في الكامل ٤ : ١٠٥ بلفظ أخصر .
و في ( عيون ابن بابويه ) دخل عبد اللَّه بن مطرف بن ماهان على المأمون يوما و عنده عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام ، فقال له المأمون : ما تقول في أهل البيت ؟ فقال عبد اللَّه : ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة ، و شجرة غرست بماء الوحي ، هل ينفح منه إلاّ مسك الهدى و عنبر التّقى ؟ فدعا المأمون بحقّة فيها لؤلؤ ، فحشافاه ١ .
« و مختلف الملائكة » قال ابن أبي الحديد : إن أراد بها نفسه و ابنيه فهي أيضا صحيحة ، و لكن مدلوله مستنبط ، فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنّه قال :
يا جبرئيل إنّه منّي و أنا منه . فقال جبرئيل : و أنا منكما ٢ .
و روى أبو أيوب الأنصاري مرفوعا عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : لقد صلّت الملائكة عليّ ، و على عليّ سبع سنين ، لم يصلّ على ثالث ٣ .
و في خطبة الحسن عليه السّلام لمّا قبض أبوه : كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بالرّاية يبعثه و جبرئيل عن يمينه و مكائيل عن شماله ٤ .
و في الحديث : في يوم احد سمع صوت من السّماء :
لا سيف إلاّ ذو الفقار
و لا فتى إلاّ علي
و قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : هذا صوت جبرئيل ٥ .
قلت : و كذلك سيّدة النساء و سائر الأئمّة عليهم السّلام ، روى محمّد بن يعقوب
ــــــــــــــــ
( ١ ) أخرجه الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ١٤٢ ح ١٠ ضمن حديث .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٣٦ .
( ٣ ) أخرجه ابن عساكر بطريقين في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ٨٠ ح ١١٢ ، ١١٣ ، و ابن المغازلي في مناقبه : ١٣ ح ١٧ عن أبي أيوب الأنصاري ، و في الباب عن أنس ، و النقل بتصرّف يسير .
( ٤ ) أخرجه أحمد في مسنده ١ : ١٩٩ ، و النسائي في الخصائص : ٦٠ ، و الطبري في تاريخه ٤ : ١٢٠ سنة ٤٠ ، و أبو الفرج في المقاتل : ٣٢ و غيرهم .
( ٥ ) أخرجه ابن هشام في السيرة ٣ : ٤٣ ، و الفرات الكوفي في تفسيره : ٢٥ ، و جمع آخر و روي نحو ذلك في غزوة بدر و خيبر .
الكليني عن الصّادق عليه السّلام قال : إنّ فاطمة عليها السّلام مكثت بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله خمسة و سبعين يوما ، و كان دخلها حزن شديد على أبيها ، و كان جبرئيل عليه السّلام يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ، و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه ، و يخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، و كان عليّ عليه السّلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها السّلام ١ .
و في أخبار كثيرة : أنّ مصحف فاطمة عليها السّلام عند الأئمّة عليهم السّلام ٢ .
و لا يستبعد ذلك مخالفونا بعد كونها من أصحاب الكساء ، و نزول آية التّطهير : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٣ فيها و في ابنيها مع زوجها و أبيها ، و دخولها في المباهلة في قوله تعالى : . . . و نساءنا و نساءكم . . . ٤ ، و نصّ القرآن على مخاطبة الملائكة لمريم عليها السّلام في قوله تعالى : و إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللَّه اصطفاك و طهّرك و اصطفاك على نساء العالمين ٥ ، و تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عصرها ، و إنّ بنته فاطمة سيّدة نساء العالمين ٦ .
و عن الصادق عليه السّلام : أنّ النّاس في ليلة القدر في صلاة و دعاء و مسألة ،
و صاحب هذا الأمر في شغل تنزّل الملائكة إليه بامور السنّة ، من غروب الشمس إلى طلوعها من كلّ أمر . سلام هي حتّى مطلع الفجر ٧ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢٤١ ح ٥ .
( ٢ ) هذه الأخبار رواها المجلسي من طرق كثيرة في بحار الأنوار ٢٦ : ١٨ باب ١ .
( ٣ ) الأحزاب : ٣٣ .
( ٤ ) آل عمران : ٦١ .
( ٥ ) آل عمران : ٤٢ .
( ٦ ) صحيح البخاري ٤ : ٩٦ و غيره مرّ تخريجه في العنوان ٥ من هذا الفصل .
( ٧ ) البصائر للصفار : ٢٤٠ ح ٢ في ذيل حديث ، و الآية ٥ من سورة القدر .
و روى ابن سعد مع نصبه في ( طبقاته ) بعد ذكر استيذان ملك الموت لقبض النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : فتوفّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و جاءت التّعزية يسمعون الصوت و الحسّ و لا يرون الشّخص : السّلام عليكم يا أهل البيت و رحمة اللَّه و بركاته كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون اجوركم يوم القيامة . . . ١ إنّ في اللَّه عزاء عن كلّ مصيبة ، و خلفا من كلّ هالك ، و دركا من كلّ ما فات ، فباللَّه فثقوا و إيّاه فارجوا ، إنّما المصاب من حرم الثّواب ، و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته ٢ .
و روي عن الواقدي عن رجل عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه السّلام قال :
و دخل عليه رجلان من قريش ، فقال : ألا اخبر كما عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ؟ قالا : بلى حدّثنا عن أبي القاسم . قال : لمّا كان قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بثلاثة أيّام ، هبط إليه جبرئيل ثمّ ذكر مثل الحديث الأوّل و قال في آخره : فقال عليّ عليه السّلام :
أتدرون من هذا ؟ قالوا : لا . قال : هذا الخضر ٣ .
و روى محمّد بن يعقوب عن الباقر عليه السّلام قال : لمّا قبض النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بات آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله بأطول ليلة ، حتّى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم ، و لا أرض تقلّهم ، لأنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله وتر الأقربين و الأبعدين في اللَّه ، فبينما هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ، و يسمعون كلامه ، فقال : السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللَّه و بركاته ، إنّ في اللَّه عزاء من كلّ مصيبة ، و نجاة من كلّ هلكة ، و دركا لما فات ،
كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النّار و ادخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٤ ،
ــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ١٨٥ .
( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ٤٨ ، و فيه ٢ ق ٢ : ٥٩ ، مرّ تخريجه في العنوان ٤٤ من الفصل السادس .
( ٣ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٤٩ .
( ٤ ) آل عمران : ١٨٥ .
إنّ اللَّه اختاركم ، و فضّلكم و طهّركم ، و جعلكم أهل بيت نبيّه ، و استودعكم علمه ، و أورثكم كتابه ، و جعلكم تابوت علمه ، و عصا عزّه ، و ضرب لكم مثلا من نوره ، و عصمكم من الزّلل ، و آمنكم من الفتن ، فتعزّوا بعزاء اللَّه فإنّ اللَّه لم ينزع منكم رحمته ، و لن يزيل عنكم نعمته ، فأنتم أهل اللَّه تعالى الّذين بهم تمّت النّعمة ، و اجتمعت الفرقة ، و ائتلفت الكلمة ، و أنتم أولياؤه ، فمن تولاّكم فاز ، و من ظلم حقّكم زهق ، مودّتكم من اللَّه واجبة في كتابه على عباده المؤمنين ، ثمّ اللَّه على نصركم إذا يشاء قدير ، فاصبروا لعواقب الامور ، فإنّها إلى اللَّه تصير ، قد قبلكم اللَّه من نبيّه وديعة ، و استودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض ، فمن أدّى أمانته آتاه اللَّه صدقه ، فأنتم الأمانة المستودعة ،
و لكم المودّة الواجبة و الطاعة المفروضة ، و قد قبض النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قد أكمل لكم الدّين و بيّن لكم سبيل المخرج ، فلم يترك لجاهل حجّة ، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى اللَّه حسابه و اللَّه من وراء حوائجكم ،
و أستودعكم اللَّه و السلام عليكم . فقال الرّاوي : ممّن أتاهم التّعزية ؟ قال عليه السّلام :
من اللَّه ١ .
هذا ، و روى ( الاختصاص ) عن سهل الأدميّ لمّا أن صنّف عبد اللَّه بن المغيرة كتابه ( أي عن أحاديثهم عليهم السّلام ) وعد أصحابه أن يقرأ عليهم في زاوية من زوايا مسجد الكوفة و كان له أخ مخالف فلمّا أن حضروا لاستماع الكتاب جاء الأخ و قعد ، فقال لهم : انصرفوا اليوم ، فقال الأخ : أين ينصرفون فإنّي أيضا جئت لما جاؤوا . فقال : لما جاؤوا ؟ قال : يا أخي رأيت ما يرى النّائم أنّ الملائكة تنزل من السماء . فقلت : لماذا ينزل هؤلاء ؟ فقال قائل : ينزلون يستمعون الكتاب الذي يخرجه عبد اللَّه بن المغيرة ، فأنا أيضا جئت لهذا ، و أنا تائب إلى اللَّه
ــــــــــــــــ
( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤٥ ح ١٩ .
تعالى . فسرّ عبد اللَّه بذلك ١ .
« و معادن العلم » قال أبو نواس في الرّضا عليه السّلام :
مطهّرون نقيّات ثيابهم
تجري الصّلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علوّيا حين تنسبه
فماله من قديم الدّهر مفتخر
فاللَّه لما برا خلقا فأتقنه
صفّاكم و اصطفاكم أيّها البشر
فأنتم الملأ الأعلى و عندكم
امّ الكتاب و ما جاءت به السور
و قال الفرزدق في السّجاد عليه السّلام :
من معشر حبّهم دين و بغضهم
كفر و قربهم منجى و معتصم
يستدفع السوء و البلوى بحبّهم
و يستربّ به الإحسان و النّعم
مقدّم بعد ذكر اللَّه ذكرهم
في كلّ بدء و مختوم به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
و لا يدانيهم قوم و إن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت
و الأسد أسد الشّرى و البأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذّل ساحتهم
خيم كريم و أيد بالعدى هضم
لا ينقص العسر بسطا من أكفّهم
سيّان ذلك إن أثروا و إن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم
لأوّلية هذا أوله نعم
و روى المسعودي عنه عليه السّلام خبرا في بدء الخليقة ، و فيه قال عليه السّلام : قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : قال تعالى : و أنصب أهل بيتك للهداية ، و أوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ، و لا يعييهم خفي ، و أجعلهم حجّتي على بريّتي ،
و المنبّهين على قدرتي و وحدانيّتي إلى أن قال : فنحن أنوار السماء ، و أنوار
ــــــــــــــــ
( ١ ) الاختصاص للمفيد : ٨٥ .
الأرض ، فبنا النجاة ، و منّا مكنون العلم ، و إلينا مصير الامور . . . ١ و استفاض عنهم عليهم السّلام قالوا : عندنا علم ما كان و ما يكون ، و ما هو كائن إلى يوم القيامة ٢ .
« و ينابيع الحكم » نزل على الصادق عليه السّلام قوم من جهينة فأضافهم ، فلمّا أرادوا الرّحلة ، زوّدهم و وصلهم و أعطاهم ، ثمّ قال لغلمانه : تنحّوا لا تعينوهم .
فلمّا فرغوا ، جاؤوا ليودّعوه ، فقالوا له : يابن رسول اللَّه لقد أضفت فأحسنت الضيافة ، و أعطيت فأجزلت العطيّة ، ثمّ أمرت غلمانك ألاّ يعينونا على الرّحلة .
فقال عليه السّلام : إنّا أهل بيت لا نعين أضيافنا على الرّحلة من عندنا ٣ .
« ناصرنا و محبّنا ينتظر الرّحمة » في ( معجم الحموي ) قال الشافعي :
إن كان رفضا حبّ آل محمّد
فليشهد الثقلان أنّي رافضي ٤
و قال الصاحب بن عبّاد :
يا ربّ سهّل زياراتي مشاهدهم
فإنّ روحي تهوى ذلك الطّينا
يا ربّ صيّر حياتي في محبّتهم
و محشري معهم آمين آمينا
و قال الزمخشري :
كثر الشكّ و الخلاف و كلّ
يدّعي الفوز بالصّراط السّويّ
فاعتصامي بلا إله سواه
ثمّ حبّي لأحمد و عليّ
فاز كلب بحبّ أصحاب كهف
كيف أشقى بحبّ آل نبيّ
و عن جابر الأنصاري قال : كنت ذات يوم عند النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إذ أقبل بوجهه على علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال : ألا ابشّرك يا أبا الحسن ؟ قال : بلى يا رسول
ــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٤٢ .
( ٢ ) فتح الكليني في الكافي ١ : ٢٦٠ ، بابا بهذا العنوان ، و أخرج هذا المعنى من طرق عديدة ، و غيره أيضا .
( ٣ ) أمالي الصدوق : ٤٣٧ ح ٩ مجلس ٨١ .
( ٤ ) رواه الحموي في معجم الادباء ١٧ : ٣١٠ .
اللَّه . قال : هذا جبرئيل يخبرني عن اللَّه عزّ و جلّ أنّه قد أعطى شيعتك و محبيّك سبع خصال : الرّفق عند الموت ، و الانس عند الوحشة ، و النّور عند الظلمة ،
و الأمن عند الفزع ، و القسط عند الميزان ، و الجواز على الصّراط ، و دخول الجنّة قبل النّاس نورهم يسعى بين أيديهم و أيمانهم ١ .
و روى الكنجي الشافعي في مناقبه عن جابر قال : جاء أعرابي إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فقال : يا محمّد اعرض عليّ الإسلام . فقال : تشهد ألاّ إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له ، و أنّ محمّدا عبده و رسوله . قال : تسألني عليه أجرا . قال : لا إلاّ الموّدة في القربى ٢ . قال : قرابتي أو قرابتك . قال : قرابتي . قال : هات أبايعك ،
فعلى من لا يحبّك و لا يحبّ قرابتك لعنة اللَّه . فقال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : آمين ٣ .
و روى أيضا عنه صلّى اللَّه عليه و آله قال : من سرّه أن يحيا حياتي ، و يموت ميتتي ،
و يتمسّك بالقضيب الياقوتة الّتي خلقها اللَّه تعالى ، ثمّ قال لها : كوني فكانت ،
فليتولّ عليّ بن أبي الطالب من بعدي ٤ .
و قال : أخذ بيد الحسن و الحسين عليهما السّلام فقال : من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة ٥ .
و قال صلّى اللَّه عليه و آله : حبّي و حبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن ، أهوالهنّ عظيمة : عند الوفاة ، و في القبر ، و عند النّشور ، و عند الكتاب ، و عند الحساب ،
و عند الميزان ، و عند الصّراط ٦ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) الخصال للصدوق : ٤٠٢ ح ١١٢ و في المصدر بعين السند : ٤١٣ ح ٢ ، إلاّ أن في الثاني بدل سبع تسع .
( ٢ ) الشورى : ٢٣ .
( ٣ ) كفاية الطالب للكنجي : ٣١ .
( ٤ ) كفاية الطالب للكنجي : ٢٧ .
( ٥ ) سنن الترمذي ٥ : ٦٤١ ح ٣٧٣٣ ، و مسند أحمد ١ : ٧٧ ، و غيرهما .
( ٦ ) الفردوس للديلمي عنه البحار ٢٧ : ١٥٨ ح ٣ ، و المحاسن للبرقي : ١٥٢ ح ٧ ، و الخصال للصدوق : ٣٦٠ ح ٤٩ ، و غيرهم .
و روى الثّعلبي في ( تفسيره ) عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : من مات على حبّ آل محمّد مات تائبا . ألا و من مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها . ألا و من مات على حبّ آل محمّد جعل اللَّه قبره مزار ملائكة الرّحمة ١ .
و روى أبو الفرج في ( مقاتله ) بأسانيد : أنّ الحسن عليه السّلام خطب بعد وفاة أبيه فقال : إنا من أهل البيت . . . الّذين أذهب اللَّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ٢ و الّذين افترض اللَّه مودّتهم في كتابه إذ يقول : . . . و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا . . . ٣ فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت ٤ .
و روى أيضا بأسانيد عنه عليه السّلام : قال لسفيان بن الليل : فأبشر يا سفيان فإنّي سمعت عليّا عليه السّلام يقول : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : يرد عليّ الحوض أهل بيتي و من أحبّهم من أمّتي كهاتين يعني السّبابتين أو كهاتين يعني السّبابة و الوسطى إحداهما تفضل على الاخرى ٥ .
و في ( فصول المالكي ) عن ( كتاب آل ابن خالويه ) ، و عن ( مناقب الخوارزمي ) عن بلال بن حمامة قال : طلع علينا النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ذات يوم متبسّما ضاحكا ، و وجهه مشرق كدارة القمر ، فقام إليه عبد الرّحمن بن عوف ، فقال : يا رسول اللَّه ما هذا النّور ؟ قال : بشارة أتتني من ربّي في أخي و ابن عمّي و ابنتي ،
فإن اللَّه تعالى زوّج عليّا من فاطمة ، و أمر رضوان خازن الجنان ، فهزّ شجرة طوبى ، فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبّي أهل البيت إلى أن قال : فلا
ــــــــــــــــ
( ١ ) أخرجه الثعلبي في تفسيره عنه العمدة ١ : ٢٧ ، و الطرائف ١ : ١٥٩ ح ٢٤٨ ، و النقل بتقطيع .
( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .
( ٣ ) الشورى : ٢٣ .
( ٤ ) المقاتل لأبي الفرج ٣٣ ضمن خطبة .
( ٥ ) المقاتل لأبي الفرج : ٤٤ .
يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت الملائكة إليه صكّا فيه فكاكه من النّار ١ .
و روى الكليني عن الكاظم عليه السّلام قال : إنّ اللَّه تعالى غضب على الشّيعة ،
فخيّرني نفسي أو هم ، فوقيتهم و اللَّه بنفسي ٢ .
« و عدوّنا و مبغضنا ينتظر السّطوة » روى الكنجي الشّافعي في مناقبه مسندا : أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام : لو أنّ أمّتي أبغضوك لأكبّهم اللَّه في النّار ٣ .
و روى الثّعلبي في ( تفسيره ) عن جرير البجلي قال : قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : ألا و من مات على بغض آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه « آيس من رحمة اللَّه » ، ألا و من مات على بغض آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، لم يشمّ رائحة الجنّة ٤ .
و خطب النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال : أيّها النّاس من أبغضنا أهل البيت بعثه اللَّه يوم القيامة يهوديا ٥ .
و قال صلّى اللَّه عليه و آله : لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ بعثه اللَّه يوم القيامة أجذم ٦ .
و روى الكشي عن أبي عمر البزّاز قال : سمعت الشّعبي و هو يقول :
و كان إذا غدا إلى القضاء جلس في دكاني فإذا رجع جلس في دكاني ، فقال لي ذات يوم : يا أبا عمر إنّ لك عندي حديثا أحدّثك به . قال : قلت له : يا أبا عمر و ما زال لي ضالّة عندك ؟ قال : فقال لي : لا أمّ لك فأيّ ضالّة تقع لك عندي ؟ قال : فأبى أن يحدّثني يومئذ ، ثمّ سألته بعد فقلت : يا أبا عمرو حدّثني بالحديث الّذي قلت
ــــــــــــــــ
( ١ ) مناقب الخوارزمي : ٢٤٦ ، و رواه عنه و عن الآل لابن خالويه ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٨ .
( ٢ ) الكافي ١ : ٢٦٠ ح ٥ .
( ٣ ) كفاية الطالب للكنجي : ٤٢ .
( ٤ ) تفسير الثعلبي عنه العمدة ١ : ٢٧ ، و الطرائف ١ : ١٥٩ ح ٢٤٨ ، و النقل بتقطيع .
( ٥ ) أمالي الصدوق : ٢٧٣ ح ٢ المجلس ٥٤ ، و أمالي المفيد : ١٢٦ ح ٤ المجلس ١٥ .
( ٦ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٤٣ ح ٢ ، و المحاسن للبرقي : ٩١ ح ٤٢ .
لي . قال : سمعت الحارث الأعور و هو يقول : أتيت أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاء بك ؟ فقلت : جاء بي و اللَّه حبّك . فقال : أما إنّي ساحدّثك لتشكرها ، أما إنّه لا يموت عبد يحبّني فتخرج نفسه حتّى يراني حيث يحبّ ، و لا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتّى يراني حيث يكره . . . ١ و روى القتيبي في ( عيونه ) عن الشّعبي أيضا قال : ما لقينا من آل أبي طالب ؟ إن أحببناهم قتلونا ، و إن أبغضناهم أدخلونا النّار ٢ .
و عن الصّادق عليه السّلام ما معناه : أنّ النّاصب شرّ من ولد الزّنا ، و ولد الزّنا شرّ من الكلب و الخنزير ، و لو شفّع كلّ نبيّ مرسل و ملك مقرّب للنّاصب ما شفّعوا ٣ .
٨
من الخطبة ( ١٤٢ ) بعد ما مرّ في ( ٤ ، ٥ ) .
أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَ بَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا وَ وَضَعَهُمْ وَ أَعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ وَ أَدْخَلَنَا وَ أَخْرَجَهُمْ بِنَا يُسْتَعْطَى اَلْهُدَى وَ يُسْتَجْلَى اَلْعَمَى إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ ؟ قُرَيْشٍ ؟ غُرِسُوا فِي هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ ؟ هَاشِمٍ ؟ لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ وَ لاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ أقول : قوله عليه السّلام : « أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا » روى
ــــــــــــــــ
( ١ ) معرفة الرجال للكشي اختياره : ٨٨ ح ١٤٢ ، مرّ تخريجه في اوائل مقدمة المؤلف .
( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢١٢ .
( ٣ ) المحاسن للبرقي : ١٨٥ ح ١٩٦ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٥١ ح ٢ عن الصادق عليه السّلام : « ان نوحا حمل في السفينة الكلب و الخنزير ، و لم يحمل فيها ولد الزنا ، و أنّ الناصب شرّ من ولد الزنا » و أخرج البرقي بطريقين في المحاسن : ١٨٤ ، ١٨٦ ح ١٩٠ ، ١٩٨ ، و الصدوق في عقاب الأعمال : ٢٤٦ ح ١ ، عن الصادق عليه السّلام في ذيل حديث « و لو أن ناصبا شفع له كل نبي مرسل و ملك مقرّب ما شفعوا » .
ابن بابويه عن الصّادق عليه السّلام قال : كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله صديقان يهوديان فلمّا قبض أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده ، و قالا : لم يمت نبيّ قطّ إلاّ و له خليفة قريب القرابة إليه من أهل بيته ، عظيم الخطر ، جليل الشّأن . فقال أحدهما لصاحبه : هل تعرف ذلك ؟ قال الآخر : لا ، إلاّ بالصّفة الّتي أجدها في التّوراة إلى أن قال : قالا لأبي بكر : ما قرابتك من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ؟ قال : إنّي رجل من عشيرته و هو زوج ابتني . قالا : هل غير هذا ؟ قال : لا . قالا : دلّنا على من هو أعلم منك ، فإنّك أنت لست بالرّجل الّذي نجد صفته في التّوراة ، إنّه وصيّ هذا النّبيّ و خليفته . فتغيظ من قولهما و همّ بهما ، ثمّ أرشدهما إلى عمر ، و ذلك أنّه عرف من عمر أنّهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما إلى أن قال : فلمّا جاءا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال أحدهما لصاحبه : إنّه الرّجل الّذي نجد صفته في التّوراة ، إنّه وصيّ هذا النّبيّ .
ثمّ قالا له : ما قرابتك من النّبيّ ؟ قال : هو أخي و أنا وارثه و وصيّه ، و أوّل من آمن به ، و زوج ابنته فاطمة . قالا : هذه القرابة الفاخرة و المنزلة القريبة ، و هذه الصّفة الّتي نجدها في التّوراة ، ثمّ قالا له : فأين ربّك ؟ قال : إن شئتما أنبأتكما بالّذي كان على عهد نبيّكما ، و إن شئتما أنبأتكما بالّذي كان على عهد نبيّنا .
قالا : أنبئنا بالّذي كان على عهد نبيّنا . قال : أقبل أربعة أملاك : ملك من المشرق ،
و ملك من المغرب و ملك من السّماء ، و ملك من الأرض ، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب : من أين أقبلت ؟ قال : من عند ربّي . و قال صاحب المغرب لصاحب المشرق : من أين أقبلت ؟ قال : من عند ربّي . و قال ملك السّماء لملك الأرض : من أين أقبلت ؟ قال : من عند ربّي . و قال ملك الأرض لملك السّماء : من أين أقبلت ؟ قال : من عند ربّي . فهذا ما كان على عهد نبيّكما ، و أمّا ما كان على عهد نبيّنا فقوله في محكم كتابه : . . . ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم و لا خمسة إلاّ هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلاّ هو معهم أينما
كانوا . . . ١ . قالا : فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الّذي أنت أهله ؟ فو الّذي أنزل التّوراة على موسى إنّك لأنت الخليفة حقّا ، نجد صفتك في كتبنا و نقرأ في كنائسنا ، و إنّك لأحقّ بهذا الأمر ، و أولى به ممّن قد غلبك عليه .
فقال عليه السّلام : قدّما و أخّرا و حسابهما على اللَّه تعالى يوقفان و يسألان ٢ .
هذا ، و في ( الأغاني ) : كان هارون بن محمّد بن عبد الملك ينشد من أشعار أبيه و يفضّلها . فقال له ابن برد الخيار : إن كان لأبيك مثل قول إبراهيم بن العبّاس :
أسد ضار إذا هيّجته
و أب برّ إذا ما قدرا
يعرف الأبعد أن أثرى و لا
يعرف الأدنى إذا ما افتقرا
أو مثل قوله :
تلج السّنون بيتهم و ترى لهم
عن جار بيتهم ازورار مناكب
و تراهم بسيوفهم و شفارهم
مستشرفين لراغب أو راهب
حامين أو قارين حيث لقيتهم
نهب العفاة و نهزة للرّاغب
فاذكره و افتخر به ، و إلاّ فأقلل من الافتخار و التّطاول بما لا طائل فيه .
فخجل هارون ٣ .
« كذبا و بغيا علينا » روى زيد بن موسى عليه السّلام : أنّ فاطمة بنت الحسين عليه السّلام قالت في خطبتها في الكوفة : ويلكم أحسدتمونا على ما فضّلنا اللَّه ٤ ؟
فما ذنبنا إن جاش دهرا بحورنا
و بحرك ساج ما يواري الدّعامصا
ــــــــــــــــ
( ١ ) المجادلة : ٧ .
( ٢ ) التوحيد لابن بابويه الصدوق : ١٨٠ ح ١٥ .
( ٣ ) الأغاني لأبي الفرج ١٠ : ٦٥ و النقل بتصرف يسير .
( ٤ ) اللهوف لابن طاووس : ٦٧ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣٠٣ ، و لفظهما « احسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا اللَّه » .
ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء و اللَّه ذو الفضل العظيم ١ ، . . . و من لم يجعل اللَّه له نورا فما له من نور ٢ .
« أن رفعنا اللَّه و وضعهم و أعطانا و حرمهم » و كانوا مقرّين بفضلهم ، روى أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغات نسائه ) : أنّ أبا بكر قال لسيّدة النّساء صلوات اللَّه عليها : لا يحبّكم إلاّ العظيم السّعادة ، و لا يبغضكم إلاّ الرّديّ الولادة ، و أنتم عترة اللَّه الطّيّبون ، و خيرته المنتجبون ٣ .
و من رفع اللَّه لهم عليهم السّلام ما رواه الطّبري و غيره : أنّ عمر قال لابن عبّاس :
بلغني عنك كلام أكره أن اخبرك به فتزول منزلتك عندي . قال : و ما هو أخبرني به ، فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه ، و إن يك حقّا فإنّ منزلتي عندك لا تزول به ؟ قال : بلغني أنّك لا تزال تقول : اخذ هذا الأمر منّا حسدا و ظلما . قال :
أمّا قولك : حسدا ، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنّة ، فنحن بنو آدم المحسود ، و أمّا قولك : ظلما فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحقّ من هو ، ثمّ قال له : ألم تحتجّ العرب على العجم بحقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و احتجّت قريش على سائر العرب بحقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ؟ فنحن أحقّ برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من سائر قريش : فقال عمر : قم الآن ٤ .
و من وضع اللَّه تعالى لقريش : أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أمّر عليهم عمرو بن العاص رأس المنافقين و اسامة بن زيد و أباه مع كونهما موليين ، و قد طعنوا في فعل النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بهم ذلك كما صرّح بذلك النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لمّا أمّر عليهم اسامة ، فقال :
ــــــــــــــــ
( ١ ) الحديد : ٢١ .
( ٢ ) النور : ٤٠ .
( ٣ ) بلاغات النساء للبغدادي : ٣١ .
( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٩ سنة ٢٣ و النقل بالمعنى .
طعنوا في إمارتك كما طعنوا في إمارة أبيك و أنتما أهل لذلك ١ .
و من إعطائهم عليهم السّلام و حرمان أولئك المدّعين : اختصاصهم بمقام الإمامة منه تعالى ، و في ( عيون ابن بابويه ) قال عبد العزيز بن مسلم : كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام بمرو ، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم جمعة ، فأدار الناس أمر الإمامة و ذكروا كثرة اختلاف النّاس فيها ، فدخلت عليه عليه السّلام فأعلمته ما خاض النّاس فيه فتبسّم ثمّ قال : جهل القوم و خدعوا عن أديانهم ، إنّ اللَّه تعالى لم يقبض نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله حتّى أكمل له الدّين ، و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام ،
و جميع ما يحتاج إليه كما قال عزّ و جلّ : ما فرّطنا في الكتاب من شيء ٢ و أنزل في حجّة الوداع و هو آخر عمره اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ٣ . و أمر الإمامة من تمام الدّين ،
و لم يمض النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى بيّن لامّته معالم دينه ، و أوضح لهم سبيله ، و تركهم على قصد الحقّ ، و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما ، و ما ترك شيئا يحتاج إليه الامّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ اللَّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللَّه ، و من ردّ كتاب اللَّه فهو كافر . هل يعرفون قدر الإمامة و محلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم ؟ إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا ، و أعلى مكانا ، و أمنع جانبا من أن يبلغها النّاس بعقولهم ٤ .
و لعلم قريش بأنّهم لم يكونوا على شيء ، و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لو
ــــــــــــــــ
( ١ ) صحيح البخاري ٢ : ٣٠٣ ، و ٣ : ٩٦ بطريقين ، و صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٤ ح ٦٣ ، ٦٤ بطريقين ، و سنن الترمذي ٥ : ٦٧٦ ح ٣٨١٦ و غيرهم ، و النقل بالمعنى .
( ٢ ) الأنعام : ٣٨ .
( ٣ ) المائدة : ٣ .
( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٧١ ح ١ .
ولي الأمر لم يكن ليشركهم معه أو بعده كما فعل أبو بكر مع عمر ، و عمر مع عثمان ، سعوا بتمام قواهم أن لا يصل الأمر إليه ، فقاموا عليه يوم السّقيفة ،
و يوم الدّار ، و حين قيامه عليه السّلام ، و لم يكادوا يستعملون أقاربه عليه السّلام في ولاياتهم .
قال المسعودي في ( مروجه ) عن ابن عبّاس : إنّ عمر أرسل إلى ابن عبّاس فقال : إنّ عامل حمص هلك و كان من أهل الخبر ، و أهل الخير قليل ، و قد رجوت أن تكون منهم ، و في نفسي منك شيء لم أره منك و أعياني ذلك ، فما رأيك في العمل ؟ قال : لن أعمل حتّى تخبرني بالّذي في نفسك . قال : و ما تريد إلى ذلك ؟ قال : اريده فإن كان شيء أخاف منه على نفسي ، خشيت منه عليها الّذي خشيت ، و إن كنت بريئا من مثله و علمت أنّي لست من أهله فقبلت عملك هنالك ، فإنّي قلّما رأيتك طلبت شيئا إلاّ عاجلته . فقال : يابن عبّاس إنّي خشيت أن يأتي عليّ الّذي هو آت و أنت في عملك ، فتقول : هلمّ إلينا ، و لا هلمّ إليكم دون غيركم . إنّي رأيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله استعمل النّاس و ترككم . قال : و اللَّه قد رأيت من ذلك فلم تراه فعل ذلك ؟ قال : و اللَّه ما أدري أضنّ بكم عن العمل ؟ فأهل ذلك أنتم ،
أم خشي أن تبايعوا بمنزلتكم منه فيقع العتاب و لا بد من عتاب ؟ فقد قرعت لك فما رأيك ؟ قال : قلت : أرى أن لا أعمل لك . قال : و لم ؟ قال : قلت : إن عملت لك و في نفسك ما فيها لم أبرح قذى في عينك . قال : فأشر عليّ . قال : قلت : إنّي أرى أن تستعمل صحيحا منك صحيحا لك ( ١ ) .
و قوله : « و اللَّه ما أدري أضنّ بكم عن العمل . . . » فجور منه في الحلف ، فإنّه علم أنّه صلّى اللَّه عليه و آله ضنّ بهم . ثمّ إنّه لم يستعمل ابن عبّاس ، لئلاّ يصير وسيلة لتولية أمير المؤمنين عليه السّلام ، لكونه ابن عمّه لو مات هو ، مع كون ابن عبّاس من أهل بيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و استعمل معاوية أعدى عدوّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله مع علمه بنفاقه
ــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢١ .